❞ \"يقول هيغل: التاريخ يعلّمنا ان الإنسان لم يتعلم شيئا من التاريخ.
ونحن لم نتعلم من حربنا المريرة كيف نحارب ومن نحارب ومع من نحارب!!\"
-غادة السمان-
لقد اخضر بأعماقنا جرح اسمه وطن...طوال سبع سنوات لن نقدر على تضميده ....
مع كل شروق سنبقى نذكر الليل، سنبقى نحاول الهرب من العتمة واللحاق بالغد املا منا ان نلملم ما تبقى بحوزتنا ونواصل طريقنا به، لكن مع كل شروق سيبقى يترآى لنا الامس، وسنبقى نذكر كم اصبحت ارواحنا قاحلة باردة مفرغة ...
ع كل شتاء سنتذكر صقيع الموت وبشاعة الدم ومع كل صيف سنتذكر مدى قتامة الصمت الذي يخيم علينا كل صائفة لسبع سنوات...مع كل رمضان سنتذكر موائد الافطار على الشمع في الظلام الحالك وارتفاع أصوات الآذان مرفقة بدوّي القذائف ...سنتذكر تراتيل صلاة التراويح المختلطة بأصوات صراخ النساء وبكاء الاطفال في السهرات الرمضانية ...سنتذكر أصوات سيارات الاسعاف المتزامنة مع السحور وقت الفجر لحظة شروق يوم جديد من الحسابات المتتالية التي لم تكن تنتهي الا وينتهي جزء معها بدواخلنا دون أن نشعر كم أصبحنا مفرغين من كل ما لدينا...مثقلين بكل ما لم يكن فينا قبل الحرب من ألم وقهر وعذاب وذل وجوع وتشرد على حوافّ قارات العالم! كم تبدلت الايام وتغيرت الحياة فينا! اصبحنا نرى في المرآة عيوننا وهي تحمل وطنا بداخلها ارهقه الحزن واثقله الفجائع؟ وطننا كره رائحة الدم وشبح الموت وصوت القذائف وبقايا الصواريخ والشظايا التي مازالت تحملها اجسامنا لتشهد على مرارة ما مررنا به وعظمة ما تحملناه وشدة ما صبرنا عليه، ما حصل معنا لم يحصل مع اي شعبٍ آخر على وجه هذا الكوكب! مازلنا لا نصدق ذلك! مازلنا نحاول استيعاب كل شيء رأيناه بأم اعيننا ولم نكن نقدر على فعل أي شيء لايقافه وانهائه! الموت والرعب والخوف والفقر والعوز والحاجة والبرد والجوع والقلة والخصاصة، كل هذه الأشياء جربناها على هذه البقعة من الأرض طيبة هذه الفترة من الزمن! العتمة والظلام والعطش والصقيع والحر...كل هذه الأشياء واجهتنا وجها لوجهٍ مجردين من كل اسلحة المقاومة سوى الصبر...صبر ايوب الذي فاق صبرنا صبره! حتى اصبحنا نمزح قائلين : للعيش على هذه البقعة من الأرض، يلزمك صبر ايوب أو مال قارون لتتمكن من مواصلة الحياة! جربنا جميع انواع الموت دون استثناء ...الموت بردا...الموت جوعا...الموت عطشا...الموت قهرا وحسرة على خسارة بيوتنا واغراضنا وممتلكاتنا...الموت حرا...الموت على ابواب الدول المجاورة ونحن نطلب اللجوء هربا من الموت لموتٍ آخر... الموت بجميع أنواع الأسلحة التي أصبحنا نميزها جيدا ونتقن معرفة اسمائها وانواعها ... طالما ان بقايا شظايا الصواريخ والقذائف سكنت اجسامنا وأصبحت قطعا تلازمنا نعيش بها كأعضائنا .... أذكر ابيات ذلك الشاعر ابن جابر الاندلسي الذي يقول فيها : لا تعاد الناس في اوطانهم...قلما يرعى غريب الوطن واذا ما عشت عيشا بينهم..خالق الناس بخلقٍ حسنٍ نحن نكاد ان نكون الشعب الوحيد بعد الشعب الفلسطيني بين شعوب العالم الذي جاء الجميع من كافة اصقاع العالم ليعاديه في وطنه...ليخرجوننا من بيوتنا...ليهجّروننا من احيائنا وقُرانا... ويدمروا كل شيء كان لنا وبنيناه بسواعدنا وايدينا...طرقاتنا.. محلاتنا...جسورنا ....بناياتنا...بيوتنا...مدننا... الاماكن العمومية...المرافق العمومية...الخدمات المحلية..البنى التحتية...المصارف...البنوك...البريد... المغازات العمومية...المحلات الخاصة التي ليس لأصحابها موارد رزق أخرى يعيشون بها...مازلنا نحاول استيعاب كل ما حصل لنا وما حدث معنا...يصعب تصديق كل هذا...كل هذه الاحداث المتسارعة التي عصفت بنا فجأة وأخذت في طريقها كل ما نملك...جميع ممتلكاتنا وذكرياتنا واشيائنا الصغيرة التي انهكتنا الحياة في تحصيلها وجمعها... فقدناها في لحظات معدودة ويصعب استرجاعها... عصفت بأرواحنا لتتركنا عارين امام وقع الصدمة وتحت أثر الدهشة...اصبحت ملامحنا جامدة لا يمكنها التعبير عن شيء ... وجوه واجمة تمشي في الشوارع شاردة الذهن... الكل فقد كل شيء. والكل يحاول العرب بما تبقى له...لعلّه ينفذ من هذا الجحيم...من هذه الخسارات اليومية التي نصحو كل يوم لنشاهدها في صمتٍ وعجزٍ دون القدرة على فعل أي شيء لايقاف هذا النزيف...هذا الهدر السائب من الوقت الذي يعصف بأعمارنا التي توقفت عقارب الساعة فيها سنواتٍ الى الوراء ... فلا أحد هنا اصبح بإمكانه ان يحلم بتحقيق اي شيء...فنحن نعيش على هذه البقعة من الأرض فقط لنخسر كل ما بحوزتنا بصفة يومية وبشكلٍ سريع...لا نكاد نقدر على استيعابه ...سرعة الأحداث تعصف بقدرتنا على الفهم والاستيعاب...بين الموت والهجرة والهرب من البؤس! مجرد ارواحٍ مفجوعة منهكة منهارة تمشي على الأرض واجمة لا تدرك طريقها ولا تعرف مصيرها الى أين ...لقد عبث الموت بما على هذه البقعة من الأرض... لقد سكننا وتملكنا واضحى يعيش معنا معظم تفاصيل حياتنا ويطاردنا أينما حللنا حتى ولو كنا على أسرّتنا نحاول الهرب من كل ما حولنا ورؤوسنا على وسائدنا ...لا يرحمنا الموت ويلاحقنا حتى ولو اختبئنا تحت اغطيتنا وتحت أسرّتنا....وجودك في البيت لا يعني أمر قد أمّنت على نفسك من لحاق الصواريخ والقذائف بجسمك الصغير الضعيف...كم من واحدٍ منا رحل ضحية قذيفة اخترقت شباك غرفته لتقضي عليه وهو على السرير لو عبرت نافذة مطبخه حين كان بصدد تحضيره للقهوة! هذه الأرض تقاوم منذ زمن بعيد لتبقى على مبادئها وليحيا شعبها كما يرغب هو لا كما ترغب الدول العظمى والغرف المظلمة في الضفة الغربية من هذا الكوكب التي تخطط مصير الشعوب وتمحو مستقبلهم بمجرد\" جرة قلم\" وبضعة خطوط يرسمونها بأقلامهم نتسبب في موت ملايين البشر هنا في الشرق المنهك من التعب ...في الشرق الذي ارادوه أرضا للموت والحرب والدمار والخسارات والرعب والالم والدموع والصراخ والعويل... الشرق الذي ما يزال يقاوم ليحظى ببعض اللحظات الجميلة من الحياة!... الشرق الذي كتب على شعوبه الموت والالم والضياع والهجرة والتشرد والبكاء على ابواب الدول العظمى طالبين اللجوء رغبةً في حياة أفضل! الشرق الذي كتب عليه ان يعاني الأمرّين منذ عقود وعقود من الزمن...الشرق الذي كتب عليه ان يكتوي بنيران الحروب بجميع انواعها... الحروب الداخلية والخارجية... الحروب الدينية والطائفية والمعتقدية والعقائدية والعِرقية والايديولوجية... أتذكّرُ قول الكاتب الفلسطيني حسن سامي يوسف: ماذا زرعنا يا الله كي نحصد كل هذا الخراب؟
لم نبخل على العرب بشهدائنا ودمائنا في كل الحروب العربية ومنذ الثورة العربية الكبرى في العام1916 ....منذ زمن الدولة العثمانية التي أعدمت خيرة شبابنا في ساحة المرجة يوم 6 ايار اليوم الذي اصبح في ما بعد عيدا للشهداء في سوريا يوم إغتيل اكبر عدد من شباب سوريا على يد العثمانيين حين بلد جمال باشا والي بلاد الشام لدى الباب العالي حملة لعبور قناة السويس واحتلال مصر في حرب \"السفر برلك\" مخترقا صحراء سيناء واجهته القوات البريطانية هناك بمدافعها ورشاشاتها ففشل هجومه فشلا ذريعا فقام بإطلاق حملات اعتقال للزعماء والوطنيين والمفكرين العرب متهما اياهم بالخيانة والتسبب في افشال هجومه وعمل على التنكيل بالعرب وتعذيبهم حتى الموت وكان أغلبهم من المناضلين اللذين سعوا طويلا الى القضاء على الاحتلال العثماني وبناء الدولة العربية الواحدة المستقلة التي كانت حلمت للعرب انذاك.
صمّ جمال باشا اذنيه عن كل المناشدات والتدخلات من الدول المجاورة وخصوصا من الأمير فيصل والشريف حسين بن علي التي تدعو لإطلاق سراحهم وعزم على التخلص منهم جميعا على دفعتين يومي 21 اب 1915 و6 ايار 1916 في ساحة البرج في بيروت وساحة المرجة في دمشق قبل ان يُقتل على يد ارمني في مدينة تبليسي في العام 1921 قبل سنة من سقوط الدولة العثمانية... كانت مجزرة رحل فيها أفضل رجال سوريا شنقا حتى الموت في الشارع على مرأى من الجميع ابرزهم \"شفيق بك العظم\" الشاعر والاديب والكاتب والسياسي الذي يتقن 3 لغات والشيخ عبد الحميد الزهراوي زعيم النهضة السياسية في سورية....المفكر والصحفي ابن مدينة حمص الذي ساهم في تأسيس حزب الحرية والاعتدال وحزب الائتلاف إبان الحرب العالمية الاولى.... رجل العلم والدين والسياسة والأمير عمر الجزائري حفيد عبد القادر الجزائري والسيد رشدي الشمعة رجل القانون والادب مؤلف الروايات المسرحية التي قامت بآدائها فرقة مدرسة \"مكتب عنبر\" في عام1908 في حديقة الصوفانية قرب باب توما في المدينة العتيقة والذي ساهم في تأسيس المنتدى الادبي السوري عام 1909 والحزب المعتدل الحر عام 1908 والحمعية اللامركزية عام 1912 والشهيد عيد الذهاب الانكليزي الذي لقب بالبارود الانكليزي لشدّته وقوته وحماسته والذي كان من أهم رجالات السياسة وقتها والشهيد سليم الجزائري احد ابرز المفكرين النوابغ ومن مؤسسي جمعية العهد وغيرهم من الشهداء السوريين واللبنانيين اللذين رحلوا بسبب محكمة ديوان عالية المحكمة العسكرية العثمانية التي اختصت في قتل المعارضين العرب والتنكيل بهم ايام الثورة العربية الكبرى!
لم نبخل على العرب بدمائنا وشهدائنا في حرب قيام الكيان الصهيوني حين خسرت الدولة العثمانية مقاطعة فلسطين وكافة اراضيها العربية وسلمتها لفرنسا وبريطانيا بمقتضى معاهدة سيفر عام1920 ومعاهدة لوزان عام 1923 وسلّمت هذه الاخيرة أرض فلسطين لليهود عام 1948 اتجه الجيش العربي مكونا من الاردنيين والمصريين والعراقيين واللبنانيين وغيرهم الى فلسطين سعيا الى تحريرها وكان السوريون في المقدمة ...كانوا يرغبون في القتال ضد الجيش الاسرائيلي البالماخ والارجون والهاچاناه والشيرتن.
خسرنا الالاف من شبابنا بقيادة العقيد عبد الوهاب الحكيم وعاد العرب الى بلدانهم بعد نهاية الحرب بنصفٍ مهزوم ونصفٍ شهيد وهاجر الفلسطينيون بيوتهم ففتحنا لهم بيوتنا ليقيموا معنا فيها.
ثم كانت نكسة ال67 فخسرنا الجولان التي اعتبرتها الأمم المتحدة في تلك السنة أرضا سورية محتلة حين صدر البيان عن جيش العدو يوم 10 حزيران 1967 معلنا بالكلمة:
الهضبة السورية في ايادينا.
واقيمت أول مستوطنة اسرائيلية عليها في 14 تموز 1967 ومنذ ذلك الوقت ونحن نقاوم ... ونحن نموت...ونحن نصمد...ونحن نرسم تاريخنا بالدم.. ❝ ⏤إيمان رياني
❞ ˝يقول هيغل: التاريخ يعلّمنا ان الإنسان لم يتعلم شيئا من التاريخ.
ونحن لم نتعلم من حربنا المريرة كيف نحارب ومن نحارب ومع من نحارب!!˝
- غادة السمان-
لقد اخضر بأعماقنا جرح اسمه وطن..طوال سبع سنوات لن نقدر على تضميده ..
مع كل شروق سنبقى نذكر الليل، سنبقى نحاول الهرب من العتمة واللحاق بالغد املا منا ان نلملم ما تبقى بحوزتنا ونواصل طريقنا به، لكن مع كل شروق سيبقى يترآى لنا الامس، وسنبقى نذكر كم اصبحت ارواحنا قاحلة باردة مفرغة ..
ع كل شتاء سنتذكر صقيع الموت وبشاعة الدم ومع كل صيف سنتذكر مدى قتامة الصمت الذي يخيم علينا كل صائفة لسبع سنوات..مع كل رمضان سنتذكر موائد الافطار على الشمع في الظلام الحالك وارتفاع أصوات الآذان مرفقة بدوّي القذائف ..سنتذكر تراتيل صلاة التراويح المختلطة بأصوات صراخ النساء وبكاء الاطفال في السهرات الرمضانية ..سنتذكر أصوات سيارات الاسعاف المتزامنة مع السحور وقت الفجر لحظة شروق يوم جديد من الحسابات المتتالية التي لم تكن تنتهي الا وينتهي جزء معها بدواخلنا دون أن نشعر كم أصبحنا مفرغين من كل ما لدينا..مثقلين بكل ما لم يكن فينا قبل الحرب من ألم وقهر وعذاب وذل وجوع وتشرد على حوافّ قارات العالم! كم تبدلت الايام وتغيرت الحياة فينا! اصبحنا نرى في المرآة عيوننا وهي تحمل وطنا بداخلها ارهقه الحزن واثقله الفجائع؟ وطننا كره رائحة الدم وشبح الموت وصوت القذائف وبقايا الصواريخ والشظايا التي مازالت تحملها اجسامنا لتشهد على مرارة ما مررنا به وعظمة ما تحملناه وشدة ما صبرنا عليه، ما حصل معنا لم يحصل مع اي شعبٍ آخر على وجه هذا الكوكب! مازلنا لا نصدق ذلك! مازلنا نحاول استيعاب كل شيء رأيناه بأم اعيننا ولم نكن نقدر على فعل أي شيء لايقافه وانهائه! الموت والرعب والخوف والفقر والعوز والحاجة والبرد والجوع والقلة والخصاصة، كل هذه الأشياء جربناها على هذه البقعة من الأرض طيبة هذه الفترة من الزمن! العتمة والظلام والعطش والصقيع والحر..كل هذه الأشياء واجهتنا وجها لوجهٍ مجردين من كل اسلحة المقاومة سوى الصبر..صبر ايوب الذي فاق صبرنا صبره! حتى اصبحنا نمزح قائلين : للعيش على هذه البقعة من الأرض، يلزمك صبر ايوب أو مال قارون لتتمكن من مواصلة الحياة! جربنا جميع انواع الموت دون استثناء ..الموت بردا..الموت جوعا..الموت عطشا..الموت قهرا وحسرة على خسارة بيوتنا واغراضنا وممتلكاتنا..الموت حرا..الموت على ابواب الدول المجاورة ونحن نطلب اللجوء هربا من الموت لموتٍ آخر.. الموت بجميع أنواع الأسلحة التي أصبحنا نميزها جيدا ونتقن معرفة اسمائها وانواعها .. طالما ان بقايا شظايا الصواريخ والقذائف سكنت اجسامنا وأصبحت قطعا تلازمنا نعيش بها كأعضائنا .. أذكر ابيات ذلك الشاعر ابن جابر الاندلسي الذي يقول فيها : لا تعاد الناس في اوطانهم..قلما يرعى غريب الوطن واذا ما عشت عيشا بينهم.خالق الناس بخلقٍ حسنٍ نحن نكاد ان نكون الشعب الوحيد بعد الشعب الفلسطيني بين شعوب العالم الذي جاء الجميع من كافة اصقاع العالم ليعاديه في وطنه..ليخرجوننا من بيوتنا..ليهجّروننا من احيائنا وقُرانا.. ويدمروا كل شيء كان لنا وبنيناه بسواعدنا وايدينا..طرقاتنا. محلاتنا..جسورنا ..بناياتنا..بيوتنا..مدننا.. الاماكن العمومية..المرافق العمومية..الخدمات المحلية.البنى التحتية..المصارف..البنوك..البريد.. المغازات العمومية..المحلات الخاصة التي ليس لأصحابها موارد رزق أخرى يعيشون بها..مازلنا نحاول استيعاب كل ما حصل لنا وما حدث معنا..يصعب تصديق كل هذا..كل هذه الاحداث المتسارعة التي عصفت بنا فجأة وأخذت في طريقها كل ما نملك..جميع ممتلكاتنا وذكرياتنا واشيائنا الصغيرة التي انهكتنا الحياة في تحصيلها وجمعها.. فقدناها في لحظات معدودة ويصعب استرجاعها.. عصفت بأرواحنا لتتركنا عارين امام وقع الصدمة وتحت أثر الدهشة..اصبحت ملامحنا جامدة لا يمكنها التعبير عن شيء .. وجوه واجمة تمشي في الشوارع شاردة الذهن.. الكل فقد كل شيء. والكل يحاول العرب بما تبقى له..لعلّه ينفذ من هذا الجحيم..من هذه الخسارات اليومية التي نصحو كل يوم لنشاهدها في صمتٍ وعجزٍ دون القدرة على فعل أي شيء لايقاف هذا النزيف..هذا الهدر السائب من الوقت الذي يعصف بأعمارنا التي توقفت عقارب الساعة فيها سنواتٍ الى الوراء .. فلا أحد هنا اصبح بإمكانه ان يحلم بتحقيق اي شيء..فنحن نعيش على هذه البقعة من الأرض فقط لنخسر كل ما بحوزتنا بصفة يومية وبشكلٍ سريع..لا نكاد نقدر على استيعابه ..سرعة الأحداث تعصف بقدرتنا على الفهم والاستيعاب..بين الموت والهجرة والهرب من البؤس! مجرد ارواحٍ مفجوعة منهكة منهارة تمشي على الأرض واجمة لا تدرك طريقها ولا تعرف مصيرها الى أين ..لقد عبث الموت بما على هذه البقعة من الأرض.. لقد سكننا وتملكنا واضحى يعيش معنا معظم تفاصيل حياتنا ويطاردنا أينما حللنا حتى ولو كنا على أسرّتنا نحاول الهرب من كل ما حولنا ورؤوسنا على وسائدنا ..لا يرحمنا الموت ويلاحقنا حتى ولو اختبئنا تحت اغطيتنا وتحت أسرّتنا..وجودك في البيت لا يعني أمر قد أمّنت على نفسك من لحاق الصواريخ والقذائف بجسمك الصغير الضعيف..كم من واحدٍ منا رحل ضحية قذيفة اخترقت شباك غرفته لتقضي عليه وهو على السرير لو عبرت نافذة مطبخه حين كان بصدد تحضيره للقهوة! هذه الأرض تقاوم منذ زمن بعيد لتبقى على مبادئها وليحيا شعبها كما يرغب هو لا كما ترغب الدول العظمى والغرف المظلمة في الضفة الغربية من هذا الكوكب التي تخطط مصير الشعوب وتمحو مستقبلهم بمجرد˝ جرة قلم˝ وبضعة خطوط يرسمونها بأقلامهم نتسبب في موت ملايين البشر هنا في الشرق المنهك من التعب ..في الشرق الذي ارادوه أرضا للموت والحرب والدمار والخسارات والرعب والالم والدموع والصراخ والعويل.. الشرق الذي ما يزال يقاوم ليحظى ببعض اللحظات الجميلة من الحياة!.. الشرق الذي كتب على شعوبه الموت والالم والضياع والهجرة والتشرد والبكاء على ابواب الدول العظمى طالبين اللجوء رغبةً في حياة أفضل! الشرق الذي كتب عليه ان يعاني الأمرّين منذ عقود وعقود من الزمن..الشرق الذي كتب عليه ان يكتوي بنيران الحروب بجميع انواعها.. الحروب الداخلية والخارجية.. الحروب الدينية والطائفية والمعتقدية والعقائدية والعِرقية والايديولوجية.. أتذكّرُ قول الكاتب الفلسطيني حسن سامي يوسف: ماذا زرعنا يا الله كي نحصد كل هذا الخراب؟
لم نبخل على العرب بشهدائنا ودمائنا في كل الحروب العربية ومنذ الثورة العربية الكبرى في العام1916 ..منذ زمن الدولة العثمانية التي أعدمت خيرة شبابنا في ساحة المرجة يوم 6 ايار اليوم الذي اصبح في ما بعد عيدا للشهداء في سوريا يوم إغتيل اكبر عدد من شباب سوريا على يد العثمانيين حين بلد جمال باشا والي بلاد الشام لدى الباب العالي حملة لعبور قناة السويس واحتلال مصر في حرب ˝السفر برلك˝ مخترقا صحراء سيناء واجهته القوات البريطانية هناك بمدافعها ورشاشاتها ففشل هجومه فشلا ذريعا فقام بإطلاق حملات اعتقال للزعماء والوطنيين والمفكرين العرب متهما اياهم بالخيانة والتسبب في افشال هجومه وعمل على التنكيل بالعرب وتعذيبهم حتى الموت وكان أغلبهم من المناضلين اللذين سعوا طويلا الى القضاء على الاحتلال العثماني وبناء الدولة العربية الواحدة المستقلة التي كانت حلمت للعرب انذاك.
صمّ جمال باشا اذنيه عن كل المناشدات والتدخلات من الدول المجاورة وخصوصا من الأمير فيصل والشريف حسين بن علي التي تدعو لإطلاق سراحهم وعزم على التخلص منهم جميعا على دفعتين يومي 21 اب 1915 و6 ايار 1916 في ساحة البرج في بيروت وساحة المرجة في دمشق قبل ان يُقتل على يد ارمني في مدينة تبليسي في العام 1921 قبل سنة من سقوط الدولة العثمانية.. كانت مجزرة رحل فيها أفضل رجال سوريا شنقا حتى الموت في الشارع على مرأى من الجميع ابرزهم ˝شفيق بك العظم˝ الشاعر والاديب والكاتب والسياسي الذي يتقن 3 لغات والشيخ عبد الحميد الزهراوي زعيم النهضة السياسية في سورية..المفكر والصحفي ابن مدينة حمص الذي ساهم في تأسيس حزب الحرية والاعتدال وحزب الائتلاف إبان الحرب العالمية الاولى.. رجل العلم والدين والسياسة والأمير عمر الجزائري حفيد عبد القادر الجزائري والسيد رشدي الشمعة رجل القانون والادب مؤلف الروايات المسرحية التي قامت بآدائها فرقة مدرسة ˝مكتب عنبر˝ في عام1908 في حديقة الصوفانية قرب باب توما في المدينة العتيقة والذي ساهم في تأسيس المنتدى الادبي السوري عام 1909 والحزب المعتدل الحر عام 1908 والحمعية اللامركزية عام 1912 والشهيد عيد الذهاب الانكليزي الذي لقب بالبارود الانكليزي لشدّته وقوته وحماسته والذي كان من أهم رجالات السياسة وقتها والشهيد سليم الجزائري احد ابرز المفكرين النوابغ ومن مؤسسي جمعية العهد وغيرهم من الشهداء السوريين واللبنانيين اللذين رحلوا بسبب محكمة ديوان عالية المحكمة العسكرية العثمانية التي اختصت في قتل المعارضين العرب والتنكيل بهم ايام الثورة العربية الكبرى!
لم نبخل على العرب بدمائنا وشهدائنا في حرب قيام الكيان الصهيوني حين خسرت الدولة العثمانية مقاطعة فلسطين وكافة اراضيها العربية وسلمتها لفرنسا وبريطانيا بمقتضى معاهدة سيفر عام1920 ومعاهدة لوزان عام 1923 وسلّمت هذه الاخيرة أرض فلسطين لليهود عام 1948 اتجه الجيش العربي مكونا من الاردنيين والمصريين والعراقيين واللبنانيين وغيرهم الى فلسطين سعيا الى تحريرها وكان السوريون في المقدمة ..كانوا يرغبون في القتال ضد الجيش الاسرائيلي البالماخ والارجون والهاچاناه والشيرتن.
خسرنا الالاف من شبابنا بقيادة العقيد عبد الوهاب الحكيم وعاد العرب الى بلدانهم بعد نهاية الحرب بنصفٍ مهزوم ونصفٍ شهيد وهاجر الفلسطينيون بيوتهم ففتحنا لهم بيوتنا ليقيموا معنا فيها.
ثم كانت نكسة ال67 فخسرنا الجولان التي اعتبرتها الأمم المتحدة في تلك السنة أرضا سورية محتلة حين صدر البيان عن جيش العدو يوم 10 حزيران 1967 معلنا بالكلمة:
الهضبة السورية في ايادينا.
واقيمت أول مستوطنة اسرائيلية عليها في 14 تموز 1967 ومنذ ذلك الوقت ونحن نقاوم .. ونحن نموت..ونحن نصمد..ونحن نرسم تاريخنا بالدم. ❝
❞ وأهلنا في رؤوس الجبال يقاومون , فهل ان لجؤا الينا طلبا للعون أو الحمايه نقول لهم نساؤنا وعيالنا ... اذهبوا وحدكم والله معكم .. وان شاء الله حين تحرزون النصر الذي نرتجيه نحملكم على أكتافنا ونعلن الشكر والامتنان. ❝ ⏤رضوى عاشور
❞ وأهلنا في رؤوس الجبال يقاومون , فهل ان لجؤا الينا طلبا للعون أو الحمايه نقول لهم نساؤنا وعيالنا .. اذهبوا وحدكم والله معكم . وان شاء الله حين تحرزون النصر الذي نرتجيه نحملكم على أكتافنا ونعلن الشكر والامتنان. ❝
❞ المفاجأة التاسعة ، مشاركتي في كتاب وداعاً الإلكتروني بقصة ( الرحيل المؤلم ) ؛
الرحيل المؤلم :
لم يتمالك نفسه فور سماع هذا الخبر المُفجِع ، خرَّ ساقطاً أرضاً من هَول الصدمة التي أصابته ، لم يَعُد بوسعه التحمُّل فقد انهالت عليه الكوارث الواحدة تلو الأخرى حتى كاد يفقد الوعي أو يُجَن ، لقد حاول البقاء صامداً من أجل الحفاظ على مَنْ حوله ولكنه جزع ، عجز عن إرغام ذاته على تحمل المزيد ، حاول أنْ يقاوم الواقع ولكنه فشل فشلاً زريعاً تلك المرة فقد كان الراحل أبيه وأعز ما يملُك ، فَقَد أقرب شخص لديه ، كان يُحقِّق له رغباته ، يهتم بشأنه ، يفخر بنجاحاته ، يؤيِّده في قراراته ، يدعَمه في كل خطواته ، يصفِّق له عقب تحقيق أي إنجاز ، فلم يكن الأمر هيناً لديه هذا الفراق المفاجئ الذي اهترأ القلب على إثره ، فقد اخترق الحزن قلبه ومزَّقه ، فتَّت آخر بقايا الأمل التي عاش عليها لسنوات ، فقد كان والده شحنة الطاقة التي تدفعه للأمام وها قد غادر الحياة ورحل هو الآخر بعدما فارقه الجميع من قَبْل ، لم يتبقَ من عائلته شخصٌ قط ، لم يبقَ معه سوى وَلداه الذي لا يعرف كيف سيصمد معهما ليتمكَّنا من استكمال الحياة وقد فقَد رغبته فيها للتو ولم يَعُد يملك الطاقة الكافية للاستمرار ولو لخُطوة واحدة بعد هذا اليوم الأليم الذي فَقَد فيه أبيه ، لقد حاول مِراراً وتكراراً تجاهل الأمر والعيش من أجل أبنائه ولكنه كان يفشل ويتعثر في ذلك ، في إيجاد هذا الأمل الذي يجعله راغباً في الحياة من بَعْد ، كان يتحامل على نفسه كثيراً محاولاً النسيان أو التناسي من أجل الأبناء ولكنه لم يتمكن من ذلك لفترة طويلة ولكن شيئاً فشيئاً منحه الله الصبر وأنزَل عليه السَلوى والسكينة وطيَّب جراحه حتى لا يفقد هذين الصغيرين اللذين ليس لهما أي ذنب فيما حدث فهو سنة الحياة التي لن يُخلِّد فيها أحد ، فكُلنا إلى زوال مهما طالت بنا الأيام وامتد بنا العمر ، كان عليه أنْ يعلم أن لأبنائه عليه حقاً ولا بد أنْ يستفيق من أجل رسم حياتهما ومستقبلهما قبل أنْ يضيعا بلا رجعة بفِعل الحزن الذي استشرى في جسده وفي كل ركن من أركان بيته ، فكل المشاعر تَخفُت بالتدريج إلى أنْ يختفي أثرها تماماً فكان عليه أنْ يعتاد الأمر رويداً رويداً حتى يتمكن من مزاولة حياته ببعض من الرحمة والقوة مع ابنيه اللذين ما زالا في حاجة إليه وبخاصة مع صِغر عمرهما فلن يتحمَّلا الإهمال أو الانصراف عنهما بأي شكل كان ولو لمدة قصيرة ، لذا كان لديه مهام أخرى يتحتم عليه الالتفات إليها ، فمصالح الأبناء هي أحد أهم أولوياته وشغله الشاغل لتلك الفترة القادمة ولا بد أنْ يُولِّيهم مزيداً من الحب والاهتمام والاكتراث حتى لا يُعاقَب عقاباً عسيراً ، فهما تأشيرة السعادة التي تجلو أحزان القلب بلا رجعة إنْ رأى منهما ما تمنَّى أو حقَّق أيهما أي إنجاز يُبشِّر بقدوم الخير أو انبثاق الأمل مرة أخرى من بين ثنايا الأيام المؤلمة العسيرة التي مرَّت لتوِّها وما لبث الخلاص من تبعاتها بصعوبة بالغة ، فقد عوَّضه ابناه بالفِعل عن كل هذا البؤس واليأس الذي عاشه أياماً طوال والدموع التي ملأت خديه بلا توقف أو انقطاع لليال طويلة لا تُنسَى آلامها ، فقد كان عوض الله له عظيماً في تلك النبتة التي وهبه إياها من صُلبِه فقد أنسوه مرارة ما حدث ولو بالقدر البسيط حتى بدأ يشعر بقطرات الغيث تُحلِّي أيامه من جديد وكأن الدنيا قد ابتسمت له بعدما كشَّرت عن أنيابها لفترات متتالية لم ينسَها أبداً ولكنه سلَّم أمره لله فأرسل إليه العِوَض على الفور دون تأخير أو تقديم أو نقصان وهذا وعد الله للعباد فلا تسير دنياهم على وتيرة واحدة للأبد ولا بد من بعض محطات الألم حتى يستشعروا مذاق السعادة حينما تأتيهم راكضة وكأنها جاثيةٌ على ركبتيها طالبة التمتُّع بها والرضوخ لها والتنعم بلذتها التي افتقدها أياماً طوال ، وها قد استعاد نشاطه ورونقه من جديد وتجرَّع بعض حبات الأمل التي شحنت جسده بمزيد من الحيوية والقدرة على استكمال الطريق وكأنه استنشق هواءً نقياً بعد فترة ركود وخمول لم يعرف كم استمرت ولكنها انقَضت برحمة الله وكرمه الذي أغدقه وغمَره ودونه لصارت الحياة حالكة لفترة لا نهاية لها فيكاد يشعر بجمالها لآخر نفس يلفَظه ولولا عون الله ومدده لاستحالت حياته لأيام ثِقال تَمُر في بطء وشقاء راغباً في الخلاص منها في أسرع وقت ممكن ، فكان يشكُر الله كثيراً ويحمده على نِعَمه التي مكَّنته من الوقوف على قدميه من جديد من أجل مستقبل أبنائه المشرق بمشيئة الله وعونه ، فقد أمدَّه بالقوة اللازمة لذلك وزرع بداخله أطناناً من الصبر والجَلد لتجاوز تلك المِحن التي نزلت به والعبور من تلك الفترة الصعبة بلا جزع أو فقدان للأمل فدونه تصبح الحياة خاوية قفر لا تُطاق أو يُحتَمل العيش فيها للحظة واحدة ، فسبحان مَنْ مكَّنه من القيام بتلك المهمة المستعصية التي لولا إيمانه وقلبه المُوحِّد لفَقد رغبته فيها وانصرف عنها كغيره من الضعفاء ولكنه لم يستسلم أبداً لشعور الحزن القاتل الذي كاد يقضي عليه في الأمس القريب لولا تمسُّكه بخيط الإيمان واليقين في قدرة الله على مدِّه بما يُمكِّنه من استئناف المسير من بَعْد تلك المحطات المؤلمة ...
#خلود_أيمن #مشاركات #كتب_إلكترونية .. ❝ ⏤Kholoodayman1994 Saafan
❞ المفاجأة التاسعة ، مشاركتي في كتاب وداعاً الإلكتروني بقصة ( الرحيل المؤلم ) ؛
الرحيل المؤلم :
لم يتمالك نفسه فور سماع هذا الخبر المُفجِع ، خرَّ ساقطاً أرضاً من هَول الصدمة التي أصابته ، لم يَعُد بوسعه التحمُّل فقد انهالت عليه الكوارث الواحدة تلو الأخرى حتى كاد يفقد الوعي أو يُجَن ، لقد حاول البقاء صامداً من أجل الحفاظ على مَنْ حوله ولكنه جزع ، عجز عن إرغام ذاته على تحمل المزيد ، حاول أنْ يقاوم الواقع ولكنه فشل فشلاً زريعاً تلك المرة فقد كان الراحل أبيه وأعز ما يملُك ، فَقَد أقرب شخص لديه ، كان يُحقِّق له رغباته ، يهتم بشأنه ، يفخر بنجاحاته ، يؤيِّده في قراراته ، يدعَمه في كل خطواته ، يصفِّق له عقب تحقيق أي إنجاز ، فلم يكن الأمر هيناً لديه هذا الفراق المفاجئ الذي اهترأ القلب على إثره ، فقد اخترق الحزن قلبه ومزَّقه ، فتَّت آخر بقايا الأمل التي عاش عليها لسنوات ، فقد كان والده شحنة الطاقة التي تدفعه للأمام وها قد غادر الحياة ورحل هو الآخر بعدما فارقه الجميع من قَبْل ، لم يتبقَ من عائلته شخصٌ قط ، لم يبقَ معه سوى وَلداه الذي لا يعرف كيف سيصمد معهما ليتمكَّنا من استكمال الحياة وقد فقَد رغبته فيها للتو ولم يَعُد يملك الطاقة الكافية للاستمرار ولو لخُطوة واحدة بعد هذا اليوم الأليم الذي فَقَد فيه أبيه ، لقد حاول مِراراً وتكراراً تجاهل الأمر والعيش من أجل أبنائه ولكنه كان يفشل ويتعثر في ذلك ، في إيجاد هذا الأمل الذي يجعله راغباً في الحياة من بَعْد ، كان يتحامل على نفسه كثيراً محاولاً النسيان أو التناسي من أجل الأبناء ولكنه لم يتمكن من ذلك لفترة طويلة ولكن شيئاً فشيئاً منحه الله الصبر وأنزَل عليه السَلوى والسكينة وطيَّب جراحه حتى لا يفقد هذين الصغيرين اللذين ليس لهما أي ذنب فيما حدث فهو سنة الحياة التي لن يُخلِّد فيها أحد ، فكُلنا إلى زوال مهما طالت بنا الأيام وامتد بنا العمر ، كان عليه أنْ يعلم أن لأبنائه عليه حقاً ولا بد أنْ يستفيق من أجل رسم حياتهما ومستقبلهما قبل أنْ يضيعا بلا رجعة بفِعل الحزن الذي استشرى في جسده وفي كل ركن من أركان بيته ، فكل المشاعر تَخفُت بالتدريج إلى أنْ يختفي أثرها تماماً فكان عليه أنْ يعتاد الأمر رويداً رويداً حتى يتمكن من مزاولة حياته ببعض من الرحمة والقوة مع ابنيه اللذين ما زالا في حاجة إليه وبخاصة مع صِغر عمرهما فلن يتحمَّلا الإهمال أو الانصراف عنهما بأي شكل كان ولو لمدة قصيرة ، لذا كان لديه مهام أخرى يتحتم عليه الالتفات إليها ، فمصالح الأبناء هي أحد أهم أولوياته وشغله الشاغل لتلك الفترة القادمة ولا بد أنْ يُولِّيهم مزيداً من الحب والاهتمام والاكتراث حتى لا يُعاقَب عقاباً عسيراً ، فهما تأشيرة السعادة التي تجلو أحزان القلب بلا رجعة إنْ رأى منهما ما تمنَّى أو حقَّق أيهما أي إنجاز يُبشِّر بقدوم الخير أو انبثاق الأمل مرة أخرى من بين ثنايا الأيام المؤلمة العسيرة التي مرَّت لتوِّها وما لبث الخلاص من تبعاتها بصعوبة بالغة ، فقد عوَّضه ابناه بالفِعل عن كل هذا البؤس واليأس الذي عاشه أياماً طوال والدموع التي ملأت خديه بلا توقف أو انقطاع لليال طويلة لا تُنسَى آلامها ، فقد كان عوض الله له عظيماً في تلك النبتة التي وهبه إياها من صُلبِه فقد أنسوه مرارة ما حدث ولو بالقدر البسيط حتى بدأ يشعر بقطرات الغيث تُحلِّي أيامه من جديد وكأن الدنيا قد ابتسمت له بعدما كشَّرت عن أنيابها لفترات متتالية لم ينسَها أبداً ولكنه سلَّم أمره لله فأرسل إليه العِوَض على الفور دون تأخير أو تقديم أو نقصان وهذا وعد الله للعباد فلا تسير دنياهم على وتيرة واحدة للأبد ولا بد من بعض محطات الألم حتى يستشعروا مذاق السعادة حينما تأتيهم راكضة وكأنها جاثيةٌ على ركبتيها طالبة التمتُّع بها والرضوخ لها والتنعم بلذتها التي افتقدها أياماً طوال ، وها قد استعاد نشاطه ورونقه من جديد وتجرَّع بعض حبات الأمل التي شحنت جسده بمزيد من الحيوية والقدرة على استكمال الطريق وكأنه استنشق هواءً نقياً بعد فترة ركود وخمول لم يعرف كم استمرت ولكنها انقَضت برحمة الله وكرمه الذي أغدقه وغمَره ودونه لصارت الحياة حالكة لفترة لا نهاية لها فيكاد يشعر بجمالها لآخر نفس يلفَظه ولولا عون الله ومدده لاستحالت حياته لأيام ثِقال تَمُر في بطء وشقاء راغباً في الخلاص منها في أسرع وقت ممكن ، فكان يشكُر الله كثيراً ويحمده على نِعَمه التي مكَّنته من الوقوف على قدميه من جديد من أجل مستقبل أبنائه المشرق بمشيئة الله وعونه ، فقد أمدَّه بالقوة اللازمة لذلك وزرع بداخله أطناناً من الصبر والجَلد لتجاوز تلك المِحن التي نزلت به والعبور من تلك الفترة الصعبة بلا جزع أو فقدان للأمل فدونه تصبح الحياة خاوية قفر لا تُطاق أو يُحتَمل العيش فيها للحظة واحدة ، فسبحان مَنْ مكَّنه من القيام بتلك المهمة المستعصية التي لولا إيمانه وقلبه المُوحِّد لفَقد رغبته فيها وانصرف عنها كغيره من الضعفاء ولكنه لم يستسلم أبداً لشعور الحزن القاتل الذي كاد يقضي عليه في الأمس القريب لولا تمسُّكه بخيط الإيمان واليقين في قدرة الله على مدِّه بما يُمكِّنه من استئناف المسير من بَعْد تلك المحطات المؤلمة ..
#خلود_أيمن#مشاركات#كتب_إلكترونية. ❝