█ لا تعجلي! أنتِ أيضاً صحابيّة! تريدين أن تعرفي أدقَّ تفاصيل دينكِ لأنكِ تعرفين أنَّ الله سبحانه يُعبد من جهلٍ وأن المرءَ كلما استقام له الفهم بانت الحكمة! وها أنتِ اليوم رفقة نبيكِ وحبيبكِ ﷺ وها تسمعينه يقول: يُستجاب لأحدكم ما لم يعجّل يقول: دعوتُ فلم يُستجب لي! يا صحابيَّة إن تعالى يُحِبُّ العبدَ اللحوح تقولُ أمكِ عائشة رضي عنها: ذات يومٍ دعا النبيُّ ثم دعا! ويوم بدرٍ حين رأى جموع المشركين قد أقبلتْ استقبلَ القِبلة رفع يديه يقول ﷺ: اللهم أنْجِزْ لي وعدتني اللهم إنك إن تُهلِكْ هذه العصابة أهل الإسلام لا تُعبدُ الأرض أبداً! وما زال يدعو ويدعو حتى سقط رداؤه منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه ووضعه منكبيه ثم قال له: يا نبيَّ كفاكَ مناشدتكَ ربّكَ! فإنه سينجز لكَ وعدكَ! يا كان لكِ عند حاجة فألحّي بها ولا تستأخري الإجابة فتتوقفي عن الدعاء! لعلَّ يسمعَ صوتكِ! كرري دعوتكِ ولا تملي منها أبداً وتحرّي دعائكِ أوقات فهي أرجى غيرها لإجابة الدعاء! فإذا فرغ المؤذن الأذان صلي وسلي الوسيلة ثم ارفعي إلى الجبار حاجتكِ! وإذا هطل المطر فقولي: اللهم صيباً نافعاً كتاب أيضا صحابية مجاناً PDF اونلاين 2024 أنت الحضن الحنون الذي نأوي إليه هاربين مشقة الحياة الكتف نستغني الإتكاء عليه رغم رقته! العكاز الإستناد نعومته! مصنع الرجال مهد الأبطال! لست ضلعا قاصراً مخلوقاً ضعيفاً يستحق الشفقة أنت نصف المجتمع التي تلدين تربين النصف الآخر كل رجل جاء الدنيا يوماً جنيناً بطنك يأكل صحتك عافيتك ملك أو زعيم مفكر ثري ناجح قطعة لحم صغيرة بين يديك نبي ربيتيه صنعتيه عظيم فارفعي رأسك عالياً!
❞ زيارة!
أنتِ أيضاً صحابيَّة،
تُحبين الصالحين في كل عَصْرٍ ومِصْرٍ،
تُحبين أولئك الذين سبقوكِ إلى قافلة التوحيد من الأمم السابقة،
وتُحبين أولئك الذين سيكونون على التوحيد ولم يولدوا بعد!
ربَّاكِ حبيبُكِ ونبيُّكِ ﷺ أنَّ الإسلام
دعوة ضاربة الجذور في تربة التاريخ!
وأن انتسابكِ لهذا الدين لم يبدأ بولادتكِ على الفطرة،
وإنما مع أول صراعٍ بين الحقِّ والباطل،
حين رفضَ إبليسُ اللعين السجود لأبيكِ آدم عليه السلام!
ولن ينتهي هذا الانتساب بموتكِ،
أنتِ ابنة عقيدة يسقطُ التكليف بها حين ينفخُ إسرافيل في الصور،
ولأنكِ سمعتِ النبيَّ ﷺ مرةً يقول:
وددتُ أني قد رأيتُ إخواننا
فقالوا له: يا رسول الله، ألسنا بإخوانك؟
فقال ﷺ: بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد،
وأنا فرطهم على الحوض!
فقالوا: يا رسول الله، كيف تعرفُ من يأتي بعدك من أمتك؟
قال ﷺ: أرأيتم لو كان لرجلٍ خيلاً غُراً محجلة،
في خيلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، ألا يعرفُ خيله؟
قالوا: بلى يا رسول الله!
فقال ﷺ: فإنهم يأتون يوم القيامة غُراً محجلين من الوضوء!
يا صحابيَّة،
ها نفسكِ تتوقٍ لخبر قومٍ صالحين ما كانوا في عهد النبوة،
وها أنتِ اليوم مع الخبر فاستحضري قلبكِ!
كان الإمامُ أحمد بن حنبل تلميذاً للإمام الشافعي،
وكان أحمد يُكثرُ من ذِكر الشافعي أمام أهله ويُثني عليه،
وزار الشَّافعي يوماً تلميذه أحمد في بيته،
تناول الضيفُ الطعام، ومضى إلى فراشه،
ثم لما مضى الليل صلى بأهل البيت الفجرَ وعاد إلى فراشه،
وفي الصباح قالتْ ابنة الإمام أحمد لأبيها:
يا أبتاه، أهذا الشَّافعي الذي كنتَ تُحدثني عنه؟
فقال: نعم يا ابنتي!
فقالتْ: سمعتُكَ تُعظِّمه، وما رأيتُ له هذه الليلة صلاةً
ولا ذِكراً، ولا وِرْداً!
وقد لاحظتُ عليه أموراً ثلاثة!
فقال: وما هي يا بُنيَّة؟
فقالتْ: عندما قدَّمنا له الطعام أكل كثيراً على غير ما سمعته عنه،
ولم يقُمْ ليصلي من الليل شيئاً!
وعندما صلَّى بنا الفجر لم يتوضأ!
فأخبرَ الإمامُ أحمدُ الإمامَ الشَّافعيَّ بما قالته ابنته!
فقال له الشَّافعيُّ: يا أحمد لقد أكلتُ كثيراً لأني أعلم أن طعامكَ حلال،
والطعام الحلال دواء، وبي مرض!
فأكثرتُ من طعامكَ لا لأشبعَ، وإنما لأتداوى!
وأما أنني لم أقُمْ لصلاة الليل،
فلأني عندما وضعتُ رأسي لأنام،
نظرتُ فكأنَّ أمامي الكتاب والسُّنة،
ففتحَ اللهُ عليَّ باثنتين وسبعين مسألةً من علوم الفقه!
رتبتها في مصالح المسلمين، وحال التفكير فيها بيني وبين القيام!
وأما أنني صليتُ بكم الفجر بغير وضوء،
فواللهِ ما نامتْ عيني حتى أُجدد الوضوء،
فصليتُ بكم الفجر في وضوء العشاء!
ثم ودَّعه ومضى...
فقال الإمام أحمد لابنته: هذا الذي عمله الشافعي وهو مُستلقٍ،
أفضلُ مما عملته وأنا قائم!
يا صحابيَّة،
خُلقتِ للمعالي، فدعي عنكِ توافه الأمور!
علمتكِ ابنة الإمام أحمد درساً بليغاً في الحياة!
النظر إلى الجوهر لا إلى المظهر،
لم تتحدث عن عمامة الإمام الشافعي،
وما إذا كانت مناسبة للون ثيابه،
لم يلفتها لحيته ولا خاتمه،
كانت ترقبُ دينه وعبادته فقط!
فدعي عنكِ تفاهة المشاهير في مواقع التواصل،
ماذا يُفيدكِ متابعة كل ما تلبسه هذه ˝الفاشينستا˝
أو كل ما فعله هذا المطرب في يومه،
ما خُلقتِ لتعيشي في حياة الآخرين وإنما في حياتكِ!
في مواقع التواصل علم غزير، ومنافع كثيرة،
دروس في الفقه، والحديث، وعلم التفسير،
أفلام وثائقية نافعة ومفيدة!
محاضرات في شتى العلوم تجلبُ لكِ المعرفة إلى حِجركِ،
أعمال خير وإغاثة غيَّرتْ حياة الكثيرين نحو الأفضل،
فتعاملي مع الحياة بعقلية النحل لا عقلية الذباب،
إن النحل لا يقعُ إلا على الورد،
والذباب لا يقعُ إلا على القذارة !
ابحثي عما يُرققُ قلبكِ فإنما المرءُ بقلبه،
وعما يُنيرُ عقلكِ، فعقلكِ سلاحكِ!
يا صحابيَّة،
لستُ أقولُ لكِ كوني جاهلة بالموضة،
ولا دعي عنكِ الأناقة والتجمل!
وإنما أقول لكِ: المعرفة شيء والهوس شيءٌ آخر،
ولستُ أقولُ لكِ عيشي في عالم غير العالم،
وإنما أقول أن الماديات تفسدُ الروح،
ومتابعة تفاصيل حياة البعض قد تفسِدُ حياتكِ!
لأنها ستجعلكِ غير راضية عما قسمه اللهُ لكِ،
هؤلاء ليس لهم حديث إلا عما اشتروا أو باعوا،
أو عما أكلوا وإلى أين سافروا!
حياتهم أفلام تُعرض على أنها الحياة المثالية!
فتزدرين حياتكِ دون أن تشعري،
ستشعرين بالنقص لأنه ليس لديكِ شنطة فلانة ومجوهراتها،
وبالضيق لأنه ليس لديكِ أسفار فلان وترحالاته،
نحن حين ننظر إلى ما في أيدي الآخرين نستقل ما في أيدينا!
وتنمو في داخلنا بذرة عقدة النقص!
ثم من قال لكِ أن هؤلاء حياتهم مثالية؟
هؤلاء لا يجعلونكِ ترين من حياتهم إلا ما يريدون!
أكثر نسب الطلاق تجدينها عندهم،
وأكثر المشاكل على المال تجدينها بينهم،
وحين كانت فلانة تستعرض حياةً براقة،
كان عندها بيتٌ مهمل، وأسرة تضيع!
وحين كان فلان يعلمكِ كيف تأكلين، وماذا تشترين،
كان له بيت يضج بالإهمال!
أسوأ ما في حياة المظاهر هذه أنها تقتل فينا الإنسان!
وتنسينا تلك المهمة العظيمة التي خُلقنا لأجلها،
وذلك الامتحان الصعب الذي علينا اجتيازه! . ❝
❞ امرأةٌ من نوعٍ آخر!
أنتِ أيضاً صحابيَّة،
تُحبين أن تُرافقي نبيَّكِ وحبيبكِ ﷺ في أسفاره،
تعرفين أن السَّفر معه مُتعة،
رؤية وجهه تُنسيكِ عناء الطريق،
وحُلو حديثه يُبدّد مشقّة الدَّرب!
وها أنتِ الآن معه في سفرٍ،
وقد نزلَ ﷺ في ضيافة أعرابيٍّ فأكرمه وأحسن ضيافته،
ولأنَّ نبيُّكِ وحبيبُكِ ﷺ لا ينس معروفاً أُسديَ إليه،
قال ﷺ للأعرابي: يا أعرابيُّ ائتنا!
بأبي هو وأمي يريدُ أن يردَّ معروف الأعرابي،
وبالفعل لم تطلْ المُدّة بالأعرابي حتى جاء،
فقال له النبيُّ ﷺ: يا أعرابي سلني حاجتكَ!
فقال: ناقة نركبها، وأعنزٌ يحلبها أهلي!
ولأنه نبيُّ ﷺ يُحِبُّ معالي الأمور
قال للأعرابي كالمُعاتب: أعجزتَ أن تكون مثل عجوز بني إسرائيل؟!
لا شكَّ أن الفضول يتملككِ الآن!
وتريدين أن تعرفي ما شأن عجوز بني إسرائيل؟
وهذا هو حال الصحابة أيضاً!
إنهم يسارعون بالسؤال: وما عجوز بني إسرائيل يا رسول الله؟
فأخبرهم أن يوسف عليه السلام كان قد أوصى قومه،
إذا خرجوا من مصر أن يحملوه معهم ليُدفن في فلسطين،
ومضت الأعوام، سنة وراء سنة، وقرن وراء قرن!
وأعلمَ موسى عليه السَّلام بني إسرائيل،
أنَّ وقت الخروج من مصر قد حان!
فأخبروه بوصية أخيه يوسف التي توارثوها جيلاً بعد جيل،
فسألهم عن قبر يوسف ليأخذ جثمانه وينفذ وصيته،
ولكن المفاجأة كانت أنه لا أحد يعرف مكان القبر!
إلا عجوزاً من بني إسرائيل عرفت هذا من أجدادها،
فطلب منها موسى عليه السلام أن تدله على مكان القبر،
فرفضتْ أن تخبره حتى يعطيها وعداً،
أن تكون رفيقته في الجنة!
فرفضَ موسى عليه السَّلام هذا الشرط،
لأنه لا يملك أن يُدخل الناس الجنة!
فأوحى الله تعالى إليه أن أعطِها ما طلبتْ!
فدلتهم على مستنقعٍ، وقالت:
جففوا الماء هذا، فإنَّ تحته قبر يوسف عليه السلام،
وهكذا كان!
يا صحابيّة،
إذا أسدى إليكِ أحدٌ معروفاً فلا تنسيه،
وابقي متحينة الفرصة لترديه،
هكذا كان دأبُ نبيُّكِ وحبيبُكِ ﷺ دوماً!
ضيافة عابرة من أعرابي لم يتركها واحدة عليه،
طلب من الأعرابي أن يأتيه ليكرمه،
احفظي للناس معروفهم وانتظري دورة الأيام،
فإذا حان دوركِ فكوني على الموعد!
وحتى إذا لم تُسعفكِ اللحظة أن تردي المعروف،
فكوني أرقى من أن تنكريه!
ناكر المعروف لا يحترمه أحد!
عندما رُجم النبيُّ ﷺ في الطائف،
وأراد العودة إلى مكة،
وجد أن زعماءها قرروا أن يمنعوه من دخولها،
فطلبَ من المطعم بن عديٍّ أن يجيره،
وكان المطعم بن عدي رجلاً شهماً رغم شركه وكفره،
فأجار النبيَّ ﷺ،
وأدخله إلى مكة تحت حمايته ورعايته،
وماتَ المطعم بن عديٍّ قبل أن يردَّ له النبيُّ ﷺ معروفه!
ولكنه بعد معركة بدر نظر في أسرى قريش،
وقال: لو أن المطعم بن عديٍّ كلمني في هؤلاء النتنى،
لأطلقتهم له!
انظري للوفاء يا صحابيَّة،
قوم جاؤوا لقتاله ولو اُتيحت لهم الفرصة لقتله لفعلوا،
ولكنه على استعداد أن يُطلق سراحهم!
لو طلب منه ذلك الرجل الذي أسدى إليه معروفاً!
يا صحابيّة،
الرَّبُ الذي كان يوحي إلى موسى عليه السَّلام،
كان قادراً أن يدله على مكان قبر يوسف عليه السَّلام،
ويوفر عليه عناء المفاوضات مع امرأة عجوز،
ولكن الرَّبَّ الرَّحيم الذي يُجازي على النوايا الحسنة،
علِمَ تعلّقَ هذه المرأة به وشوقها إلى الجنّة،
فلم يكشف لرسوله ما تعرفه هذه المرأة،
وإنما تركَ علمها مخفياً عن رسوله ليعطيها الجنّة!
ضعي الله في نيَّتكِ وقصدكِ،
اصدقي في طلب رضوانه وجنته،
وسيعطيكِ هذا على أيسر الطرق وأهون الأسباب!
الصدق مع الله فقط هو السر،
ولا أحد أكرم من الله يا صحابيَّة!
جاء أعرابيُّ لا يعرفه من الصحابة أحد،
فبايع النبيَّ ﷺ على الجهاد والهجرة،
وخرجَ معه في قتالٍ منَّ الله تعالى فيه بالنصر على المسلمين،
وقسم النبيُّ ﷺ الغنائم بين أصحابه،
وكان الأعرابي غائباً فتركَ له النبيُّ ﷺ نصيبه،
فلما جاء قيل له: ترك لكَ النبيُّ ﷺ هذا!
فأخذ الغنائم وذهبَ إلى النبي ﷺ وقال له:
ما هذا يا رسول الله؟
فقال له: قسمته لكَ!
فقال: يا رسول الله، ما على هذا بايعتُكَ!
ولكني بايعتُكَ على أن أُرمي بسهمٍ ها هنا
يخرج من ها هنا فأدخل الجنة وأشار إلى رقبته!
فقال له النبيُّ ﷺ: إن تصدق الله يصدقك!
ثم كانتْ غزوة أخرى خرج هذا الأعرابي فيها ،
فجيء به شهيداً والسَّهم مغروز في رقبته حيث أشار،
فقال النبيُّ ﷺ: أهو هو؟
فقالوا: نعم يا رسول الله!
فقال: صدقَ اللهَ، فصدقه اللهُ!
يا صحابيّة،
كوني طموحة واغتنمي الفُرص!
ولا تكوني كالأعرابي الذي سنحتْ له فرصة ذهبيّة،
بإمكانه أن يستغلها أحسن استغلال،
فطلبَ شيئاً زائلاً من دنيا زائلة!
صحيح أن اللهَ يُحِبُّ أن يُسأل،
وقد أوحى إلى موسى عليه السلام فقال:
يا موسى سلني علفَ دابتكَ، وملح عجينتك، وشِراك نعلك
ولكن الفكرة أن تُعلقي قلبكِ بالجنَّة!
كل ما حال بينكِ وبينها فاتركيه!
وكل ما أبعدكِ عنها فدعيه غير مأسوفٍ عليه!
ومن الله العوض!
يا صحابيّة،
اسألي عما لا تعرفينه،
لا عيب في هذا أبداً !
العيب أن يعتبر الإنسان نفسه علاَّمة زمانه،
فهذا موسى عليه السلام كليم الله،
يسأل عن مكان قبر يوسف عليه السلام لأنه لا يعرف مكانه،
لم يولد أحدٌ متعلماً!
ولكنا نجهل أشياء كثيرة،
فاعبدي الله على بينة،
اسألي عن أمور دينك لتعبدي الله عن علم!
اقرئي، وتثقفي، وازدادي علماً ومعرفة،
المعرفة قوة! . ❝
❞ أنتِ أيضاً صحابيَّة!
تخيّلي معي هذا المشهد، وعيشيه بقلبكِ وروحكِ؛
جالسةٌ أنتِ مع النبيِّ ﷺ
تُكحلين عينيكِ برؤية وجهه ﷺ
تفتحين قلبكِ على مصراعيه لتسمعي حديثه ﷺ
فالحبيبُ ﷺ يُسمعُ بالقلب لا بالأذن!
وتمرُّ جنازة فيثني الصحابة عليها خيراً،
لربما تسمعينهم يقولون:
كان هذا الميت صديقاً وفياً، وزوجاً مُحبّاً،
وابناً باراً، وجاراً كريماً،
كان يتصدَّقُ على المساكين،
ويسدُّ دَيْن المدينين،
كان يجبرُ الخواطرُ، ويربتُ على الأكتاف،
كثيراً ما مسح دمعة حزين،
ومدَّ يد المساعدة لمتعثر،
كان صديقاً للمصحف،
ومشَّاءً إلى المساجد!
فقال النبيُّ ﷺ: وجبتْ!
ومضى وقت قصير ومرَّتْ جنازة أخرى،
فأثنى الصحابة عليها شرّاً!
لربما تسمعينهم يقولون:
كان هذا الميت صديقاً غادراً، وزوجاً قاسياً،
وابناً عاقاً، وجاراً لا يُؤتمن،
لم يتصدّقْ يوماً على مسكين،
كان يكسرُ الخواطر بأفعاله،
ويجرح الكرامات بأقواله،
كان هاجر للقرآن، ولا تعرف قدماه طريق المسجد!
فقال النبيُّ ﷺ: وجبتْ!
فسأله الصحابة: ما وجبتْ يا رسول الله؟
فقال: من أثنيتم عليه خيراً وجبتْ له الجنة،
ومن أثنيتم عليه شرّاً وجبتْ له النار،
أنتم شهداء الله في الأرض!
أما الآنَ وقد سمعتِ كل هذا،
وعرفتِ أنكِ ستُحملين يوماً على الأكتاف إلى قبركِ،
وأن الناس الذين تتعاملين معهم اليوم،
هم شُهداء الله في الأرض،
فأصلحي شُهودكِ!
كوني ابنةً بارَّةً،
حتى إذا متِّ قال أبواكِ:
اللهمَّ ارحمْ بنتاً جبرتْ خواطرنا
وأحسنتْ معاملتنا
كانت تغضُّ صوتها، وتنتقي كلامها
وتُسابق جميع أخواتها في رضانا!
كوني زوجةً مُحبَّة،
حتى إذا متِّ قال زوجكِ:
اللهم ارحمْ زوجةً أحبتني كروحها،
صانتْ عِرضي، وأنارتْ بيتي،
عطفتْ على أولادي، واحترمتْ أهلي،
اللهم إنها كانتْ صابرة في الضَّراء،
شاكرة في السَّراء،
فاجعلْ قبرها روضةً من رياض الجنّة!
كوني أُماً رؤوماً،
حتى إذا متِّ قال أولادكِ:
اللهم ارحمْ أُماً حنوناً، وقلباً عطوفاً،
أفنتْ عمرها في سبيلنا، وقدمتنا على نفسها،
أمرتنا بالصلاة، ولاحقتنا على الصيام، وحفَّظتنا القرآن،
اللهمَّ إنها لم تُميِّزْ بيننا،
ولم توغر صدورنا على بعضٍ،
وتركتنا بعدها إخوة متحابين،
فاللهمَّ أكرِمْ نُزلها، وأنِرْ قبرها!
كوني أُختاً طيِّبة،
حتى إذا متِّ قال إخوتكِ:
اللهمَّ إنها كانتْ شقيقة الروح وقطعة القلب،
وصلتْنا حين قطعناها،
وأعطتنا حين منعناها،
ما سمعنا منها إلا خيراً، وما رأينا منها إلا خيراً
فاللهمَّ اجعلْ قبرها روضةً من رياض الجنَّة!
كوني كنَّةً حنوناً،
حتى إذا متِّ قالتْ حماتكِ:
اللهمَّ إنها كانتْ لي ابنةً أكثر من بناتي،
جبرتْ خاطري، وراعتْ مشاعري،
وأعانتْ ابني على برِّي،
اللهم كُنْ بها رحيماً كما كانتْ بي رحيمة!
كوني حماةً طيِّبة،
حتى إذا متِّ قالتْ كنتُكِ:
اللهمَّ إنها كانت لي أُماً مع أمي،
ساندتني حين ضعفتُ،
وواستني حين حزنتُ،
وأمرتْ ابنها بحُسن معاملتي،
ولم تُفضِّل أولاد غيري على أولادي،
اللهمَّ عاملها اليوم بما يليقُ بكرمكَ!
كوني جارةً مُحبَّة،
حتى إذا متِّ قالتْ جارتكِ:
اللهمَّ إنها كانت لي أُختاً
كانتْ في المصائب كتفاً
وفي النوائب عكازاً
ما كشفتْ لنا سراً،
ولا هتكتْ لنا عِرضاً،
كانتْ تزورُ مريضنا، وتُعزي في ميّتنا،
تُهدينا الطعام، وتُلقي علينا السَّلام،
فاللهم كُن لها جاراً وجواراً!
كوني صديقةً مأمونة،
حتى إذا متِّ قالتْ صديقتكِ:
اللهمَّ إنها كانتْ من نِعمكَ عليَّ،
كانتْ تُذكرني بكَ، وتحثني على طاعتكَ،
أهدتني مصحفاً هو رفيقي،
وسُبحةً هي دوماً في يدي،
لم تُفشِ لي سرِّاً،
كنتُ إذا اعوججتُ باللطفِ قوَّمتني،
وإن حزنتُ واستني في حزني،
وإن فرحتُ شاركتني في فرحي،
اللهمَّ إنها فتحتْ لي قلبها وبيتها،
فابنِ لها بيتاً في الجنة! . ❝