" وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ " سورة النحل (18)
ثم نبههم على كثرة نعمه عليهم وإحسانه إليهم ، فقال : ( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) أي : يتجاوز عنكم ، ولو طالبكم بشكر جميع نعمه لعجزتم عن القيام بذلك ، ولو أمركم به لضعفتم وتركتم ، ولو عذبكم لعذبكم وهو غير ظالم لكم ، ولكنه غفور رحيم ، يغفر الكثير ، ويجازي على اليسير .
وقال ابن جرير : يقول : ( إن الله لغفور رحيم ) لما كان منكم من تقصير في شكر بعض ذلك ، إذا تبتم وأنبتم إلى طاعته واتباع مرضاته ، ( رحيم ) بكم أن يعذبكم ، [ أي] : بعد الإنابة والتوبة .
لهذا كانت نعم الله كثيرة ومتعددة ومتنوعة وسنتناول محل بحثنا مشكلة سببها الاغفال عنها لما لها من اهمية فائقة تستلزم البحث فى جوانب عديدة لتنير العقول وتهتدى القلوب الى نعم الله علينا وعلى الناس " ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) سورة يوسف
اولاً: مشكلة البحث وأهميته وصياغته وأهدافه :
لقد انعم الله عز وجل علي الانسان بالكثير من النعم التي لا تعد ولا تحصي بغض النظر عن شكل هذا الانسان او طِباعه او لونه او جنسه او ديانته او مستواه المادي أو الاجتماعي او تعليمه او درجة ثقافته او عمله او سِنّهُ فالكل فى نعم منها الظاهر ومنها الخفي فالسمع والنظر والكلام والتنفس والطعام والشراب واللسان والاحساس والفرح والقراءة والكتابة والعمل والراحة والاهل والاصدقاء والحب والكرة والزواج ،
حتى هذا الكتاب !

كل ذلك نعم ، واضف انت الي قائمتك ما تراه نعمة فى حياتك سواء كانت بداخلك او من النعم الخارجية المسخرة لك...... .
هل الإنسان علي دراية بكامل النعم التي أنعم الله به عليه وهل هذه ليست مشكلة تحتاج إلي التدقيق والوقوف علي أدق النعم وأعظمها والتي ان كانت تلك النعمة بصيرة لما تلاها الإنسان عن عظيم نعم الله عليه وعلي سائر العباد .
" وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) " النساء
" وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87) " النساء
اذاً لا ، ولن تستطيع أيها الانسان الضعيف ان تحصر نعم الله عز وجل عليك مهما بلغ إيمانك أو علمك .
ومن المؤسف اننا فى اوقات كثيرة لا نشعر باي من هذه النعم لدوامها واعتيادها.
( فَأُلف العادة يُنسي النّعمة) .
ان الله عز وجل خلق الانسان واعطاه من النعم ما تسهل عليه حياته بالشكل الذى يريده وعلى النحو الذى يرضيه ، فلكل انسان شئ يتميز به عن الاخر حتي وإن لم يكن اكتشفها بعد ولكن مع البحث فى قدرتك وصفاتك وتحليل ذاتك سوف تصل الى ما انت متميز بة عن الاخرين .
فما خلقنا الله سبحانه الا لنتنعم بنعمه فى إطار طاعته .
ولك ان تتخيل انى كتبت هذا الكتاب للتحدث عن نعمه واحده فقط من نعم الله سبحانه.
نعم نعمة واحدة تحتاج ربما لكتاب او اكثر للتحدث عن نعمة واحدة من نعم الله سبحانه وعن تكوينها وآليتها وقدرتها.

فمهما حاول الإنسان جاهداً أن يحاكى هذه النعمة فلن يستطيع صياغتها بهذا الإحكام الدقيق وهذه الآلية البالغة فى عملها.
سبحانك ربنا ما عبدناك حق عبادتك ، ولا شكرناك حق شكرك ، ولا قدرناك حق قدرك.
ولكل موضوع لابد له من اهداف يسعى الى تقديمها من خلال الدراسة والبحث ومن خلال الأهداف نستطيع أن نتوصل الى النتائج وإليكم أهداف الدراسة والبحث على النحو التالى :
أهداف البحث:
وبهذا تكمل افكارنا من خلال هذا البحث من خلال عدة أهداف علي النحو التالي :
1- بيان مدي عظمة نعمة العقل والفهم وهي أجل النعم التي ميز الله الإنسان وكرمه بها علي سائر المخلوقات .
2- مدي أهمية العقل للإنسان وكيف يمكن إستخدامه وتحويل مداركه من عقل واعي الي عقل لا واعي " العقل الباطن " .
3- النظام الآلي وأهميته في تحقيق المطلوب من العقل وبأقل مجهود .
4- التخيل وإستخدامه في تحقيق هدف الإنسان الي حد الإبداع .
5- حسن الظن بالله سبباً في إصلاح عقل الإنسان حق الإصلاح .
6- الكلمة ومدي تأثيرها علي حواس الإنسان ونفسيته ومصيره .
7- الإيحاء الإيجابي ومدي انعكاسه علي حياة الإنسان وسلوكياته .
8- تأثير الصورة الذاتية التي وضعها الشخص نفسه علي سلوكياته وأهدافه ومشاعره .
9- كيف يوثر فهم الإنسان الإيجابي علي مصيره وتحقيق أهدافه .
10- إدخال الإنسان نفسه في حالة يحبها أو تشعره بالإيجابية سببً في توجيهه نحو التصور الإبداعي والتحفيز المثمر .
11- الحالة النفسية لها التأثير الغالب علي الحالة الصحية للإنسان خاصة أصحاب الأمراض المزمنة ومن يخافون من الموت وكأنه يلازمهم .
ثانيا: موضوع البحث
ومن هنا سأتعرض لجوانب عديدة تشكل منهجيتنا في هذا البحث ويشتمل علي اهم النقاط التي تدور حول تلك النعمة المستورة والتي عند الخالق أجل النعم علي النحو التالي :
1- أعظم النعم خَفَاءاً ( التمهيد )
2- في بيان شرف العقل
3- أقسام العقل
4- النظام الآلى Autopilote
5- التخيل imagination
6- حُسن الظن بالله
7- الكلمة والكَلِم والكلام
8- الإيحاء
9- الصورة الذاتية
10- الفهم
11- التصور الإبداعي
12- الموت والإيحاء
وذالك تفصيلاً بما وهبنا الله من ملكة علمية وبحثية متواضعة ونرجع الفضل بما فيه من أفكار وبذور علمية إلي أساتذتي علماء الشريعة الاسلامية والأساتذة التربويين والمناطقة وعلماء اللغة العربية وغيرهم ممن لهم الفضل علينا وعلي الله قصد السبيل .
بسم الله توكلت عليك يارب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ، اللهم يا من لا يشغله سمع عن سمعى ويا من لا تغلطه كثرة المسائل ويا من لا يتبرم بإلحاح عباده الملحين عليه أذقنا برد رحمتك وكرم إستجابتك .
" فيما روى الترمذي (2516) وصححه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: " كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: ( يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ) ، قال الترمذي رحمه الله : "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ " ، وقال ابن رجب ـ عن طريق الترمذي هذه ـ : "حسنة جيدة" انتهى من "جامع العلوم والحكم" (1/483) ، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .