❞
شرف لي أن أحاور اليوم الكاتب الكبير خليل الرخاوي، الذي ترك بصمة واضحة في مجال علم النفس من خلال كتاباته ومحتواه التوعوي. هذا الحوار يمثل لي فرصة مميزة للتعرف على أفكاره وتجارب حياته، ويسعدني أن أكون جزءًا من هذه المحادثة القيمة.
أنا خليل الرخاوي، محاضر في علم النفس الإكلينيكي، وخريج قسم علم النفس بجامعة حلوان.
لدي شغف بنشر الوعي النفسي وتبسيط علم النفس ليكون أقرب للناس، سواء من خلال محاضراتي، وكتبي، ومحتواي على وسائل التواصل الاجتماعي.
2. ما الذي دفعك لاختيار علم النفس كمجال دراسي؟ وهل كنت تفكر في الكتابة عنه منذ البداية؟
اختياري لعلم النفس كان نابع من شغفي بفهم البشر وسلوكياتهم، ويمكن كمان لأن عندي فضول شديد تجاه الدوافع الخفية وراء التصرفات. من زمان كنت بحب أراقب وأحلل ردود أفعال الناس، وأحاول أفهم ليه حد ممكن يتصرف بطريقة معينة في موقف معين.
أما بالنسبة للكتابة، فهي كانت دايمًا جزء مني، لكن في البداية مكنتش مخطط أكتب عن كتاب تحديدًا. كنت بكتب مقالات قصيرة، ولما بدأت أفهم عمق المجال وتأثيره، حسيت إنه من الضروري تبسيطه وتوصيله للناس بشكل قريب منهم. ومن هنا بدأت رحلة الكتابة في التوعية النفسية.
3. كيف بدأت رحلتك في تقديم محتوى توعوي عن الصحة النفسية على مواقع التواصل الاجتماعي؟
رحلتي في تقديم محتوى توعوي عن الصحة النفسية بدأت بشكل عفوي. في البداية، كنت بكتب أفكار وتأملات شخصية عن الحياة والنفس البشرية على فيسبوك، وكنت بلاقي تفاعل من الناس اللي بتحس إن الكلام لمسها أو عبر عن حاجة كانوا حاسين بيها ومش قادرين يوصّفوها.
مع الوقت، بدأت أركز أكتر على تبسيط المفاهيم النفسية وربطها بالحياة اليومية، لأن كتير من المعلومات النفسية بتكون معقدة أو مكتوبة بلغة أكاديمية بعيدة عن الناس. فحاولت أقدمها بشكل أبسط، سواء من خلال منشورات أو قصص أو مواقف حياتية، وده كان له تأثير كبير في توسيع دائرة المتابعين.
بعد كده، بدأت ألاحظ إن فيه احتياج حقيقي عند الناس لفهم نفسهم بشكل أعمق، فقررت أخد خطوة أكبر وابتديت أعمل محاضرات وورش عمل تناسب سواء الدارسين لعلم النفس أو المهتمين بالصحة النفسية بشكل عام. وبفضل الله، لقيت إن اللي بقدمه فارق مع ناس كتير، وده كان دافع كبير ليا إني أكمل وأطور في المحتوى اللي بقدمه.
4. ما الصعوبات التي واجهتك عند نشر أول كتاب لك؟
نشر أول كتاب لي “ما وراء السلوك” كان تجربة مليانة تحديات، لأن الكتابة حاجة، والنشر حاجة تانية خالص. أكبر الصعوبات اللي واجهتها كانت:
اولهم التردد والخوف من ردود الفعل
كنت بسأل نفسي: هل الناس هتتقبل الكتاب؟ هل هيكون مفيد فعلًا؟ كنت عاوز أقدّم حاجة تستحق القراءة، فده خلاني أدقق في كل تفصيلة، وأعيد الكتابة أكتر من مرة. لكن في النهاية، اقتنعت إن الكمال مستحيل، وإن الأهم هو إن المحتوى يكون صادق ومفيد.
ثانيا التنسيق والتحرير
تحويل الأفكار لكتاب مترابط مش سهل. كنت محتاج أرتب المعلومات بشكل يخلي القارئ مستمتع ومستفيد في نفس الوقت. استعنت بآراء بعض الزملاء، وعملت أكتر من مراجعة لحد ما حسيت إنه أصبح متكامل.
ثالثا اختيار دار النشر والتسويق
كان عندي تحدي في اختيار الطريقة الأنسب للنشر، سواء عن طريق دار نشر أو النشر الذاتي. في النهاية، اخترت دار نشر مناسبة، لكن برضه التسويق كان مسؤولية كبيرة عليا، خصوصًا إن أول كتاب بيكون ليه دور في تشكيل الانطباع عن الكاتب. فاعتمدت على السوشيال ميديا، وبدأت أتكلم عن محتوى الكتاب وأشارك مقتطفات منه لجذب المهتمين.
5. ازاي تعاملت مع الصعوبات؟
الصبر والتعلم المستمر كانوا المفتاح. كل مشكلة كنت باخدها كفرصة أتعلم منها. وكمان دعمي النفسي من الأصدقاء والمتابعين كان له تأثير كبير في تشجيعي على الاستمرار. وبعد ما نزل الكتاب وشوفت ردود الفعل الإيجابية، حسيت إن كل التعب كان يستاهل.
6. في كتابك "ما وراء السلوك"، ناقشت الدوافع وراء تصرفاتنا، فما أكثر فكرة أثرت فيك أثناء البحث والكتابة؟
أكثر فكرة أثرت فيّ أثناء البحث والكتابة في “ما وراء السلوك” هي: “السلوك ما هو إلا قمة جبل الجليد، وما تحته أعقد مما نتصور.”
اكتشفت إن تصرفاتنا اللي بنشوفها بسيطة أو تلقائية، وراها دوافع نفسية عميقة، بعضها مرتبط بتجارب الطفولة، وبعضها نتاج خبرات تراكمت عبر السنين. ممكن شخص يكون سريع الغضب، لكن ورا العصبية دي خوف دفين من الإهمال أو عدم التقدير. وممكن حد يكون عنده رغبة مستمرة في إرضاء الناس، لكن لو رجعنا لعمق المشكلة، هنلاقي إنه نشأ في بيئة ربطت الحب بالإنجاز أو الطاعة المطلقة.
اللي لمسني بجد هو إننا أحيانًا بنحكم على تصرفاتنا أو تصرفات غيرنا بشكل سطحي، من غير ما نحاول نفهم السياق النفسي وراها. أثناء الكتابة، بدأت أطبّق الفكرة دي على نفسي وعلى اللي حواليا، وده خلاني أكون أكثر تفهمًا ورحمة، سواء مع نفسي أو مع الناس. الكتاب كان رحلة بالنسبة لي قبل ما يكون مجرد محتوى للقارئ.
7. كتابك الجديد "كل الطرق تؤدي إلى تروما" يركز على الصدمات النفسية، فمتى أدركت أهمية تناول هذا الموضوع؟
أدركت أهمية تناول موضوع الصدمات النفسية لما لاحظت إن كتير من المشاكل اللي بنواجهها في حياتنا – سواء في العلاقات، أو تقديرنا لذاتنا، أو حتى ردود أفعالنا العاطفية – جذورها بترجع لصدمات قديمة، بعضها واضح وصريح، وبعضها مخفي ومش سهل نلاحظه.
مع الوقت، ومن خلال دراستي لحالات مختلفة، لقيت إن ناس كتير بتعيش حياتها وهي متأثرة بتجاربها الصادمة، حتى لو مش مدركة ده. ممكن يكون شخص بيتجنب العلاقات خوفًا من الفقدان، أو حد بيسعى للكمال بشكل مرهق لأنه نشأ في بيئة ما بتقبلش الغلط، أو شخص بيشعر بعدم الأمان طول الوقت بسبب تجربة رفض قديمة.
الفكرة دي بدأت تتبلور عندي أكتر لما شفت إن بعض الناس بتتعامل مع الصدمة كحدث انتهى، لكن الحقيقة إن الصدمة مش مجرد حدث، هي تأثير مستمر بيعيش جوانا، وبيظهر في تصرفاتنا وأفكارنا بدون ما ناخد بالنا.
عشان كده، حسيت إن لازم أكتب عن الموضوع بشكل يساعد القارئ على التعرف على الصدمات اللي مر بيها، ويفهم إزاي أثرت عليه، والأهم: إزاي يقدر يتعامل معاها ويتجاوزها بسلام. الكتاب مش مجرد شرح نظري، لكنه رحلة نفسية فيها اختبارات وتمارين وقصص تساعد القارئ على استكشاف نفسه ومعالجة جروحه الداخلية.
8. هل تعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي تساعد في نشر الوعي بالصحة النفسية أم أنها تزيد من الضغوط النفسية على الأفراد؟
وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين فيما يخص الصحة النفسية.
• الإيجابيات: ساعدت في نشر الوعي النفسي بشكل كبير، وسهلت وصول المعلومات والتجارب اللي بتخلي الناس تفهم نفسها أكتر، وتكسر الوصمة المرتبطة بالاضطرابات النفسية. بقت فيه مجتمعات داعمة، وناس بتشارك تجاربها عشان غيرها يستفيد.
• السلبيات: في نفس الوقت، زادت الضغوط النفسية بسبب المقارنات المستمرة، والتعرض المفرط للأخبار السلبية، وانتشار المعلومات النفسية المغلوطة اللي ممكن تخلّي الناس تشخّص نفسها غلط أو تبالغ في تفسير مشاعرها.
9. ما أكثر مشكلة نفسية تراها منتشرة بين الشباب اليوم؟ وما الخطوة الأولى لمواجهتها؟
أكثر مشكلة نفسية منتشرة بين الشباب اليوم هي القلق المزمن والشعور بعدم اليقين. الضغط المستمر لتحقيق النجاح، الخوف من المستقبل، المقارنة المستمرة على السوشيال ميديا، وصعوبة إيجاد معنى للحياة وسط كل التغيرات السريعة—كل ده بيخلق حالة من التوتر المستمر وعدم الرضا.
الخطوة الأولى لمواجهة المشكلة:
التوقف عن السعي للكمال والتركيز على “التقدم” بدل “المثالية” وتقبل فكرة انك انسان خطاء واهتم بالسعي والاحتفال بالانجازات البسيطة.
10. هناك وصمة اجتماعية مرتبطة بالذهاب إلى طبيب نفسي، كيف يمكن للمجتمع تجاوزها؟
تجاوز الوصمة المرتبطة بالذهاب إلى طبيب نفسي يحتاج إلى التوعية والتطبيع، بمعنى:
لتأكيد على أن الصحة النفسية مثل الصحة الجسدية
• مثلما نذهب للطبيب عند المرض الجسدي، من الطبيعي زيارة المختص النفسي عند الحاجة.
نشر قصص وتجارب إيجابية
• عندما يتحدث الأشخاص عن استفادتهم من العلاج النفسي بدون خجل، يقل الخوف المجتمعي منه.
تصحيح المفاهيم المغلوطة
العلاج النفسي ليس “للضعفاء” أو “للمجانين”، بل هو وسيلة للنمو الشخصي وحل المشكلات.
إدخال التوعية النفسية في المدارس والإعلام
• كلما تعلّم الأفراد عن أهمية الصحة النفسية منذ الصغر، أصبح اللجوء للمختص أمرًا طبيعيًا.
دور الشخص نفسه
• عدم الخجل من طلب المساعدة، لأن كسر الوصمة يبدأ من الأفراد أنفسهم.
11. هل هناك رسالة أو تعليق من أحد متابعيك أثرت فيك وغيرت طريقة تفكيرك؟
نعم، هناك رسالة لا أنساها من أحد المتابعين قال فيها: “كلامك خلاني أدرك إني مش لوحدي، وإن اللي بحس بيه مش معناه إني ضعيف أو غريب.”
الكلمات دي أثرت فيَّ جدًا، لأنها خلتني أدرك بشكل أعمق قوة التوعية النفسية، وإن مجرد مشاركة فكرة أو تجربة ممكن تدي شخص إحساسًا بالراحة والانتماء.
قبل كده كنت بكتب التوعية النفسية من منظور تبسيط المعلومات فقط، لكن بعد الرسالة دي، بقيت أركز أكتر على الجانب الإنساني، وإن المحتوى يكون فيه دفء وتواصل حقيقي، مش مجرد معلومات نفسية باردة.
أدركت إن الناس مش دايمًا محتاجة “حلول مباشرة”، لكنها محتاجة حد يفهمها ويطمنها إن مشاعرها طبيعية، وإنها مش لوحدها في رحلتها النفسية.
12. كيف تتعامل مع الانتقادات أو الآراء السلبية التي قد تصلك حول محتواك؟
بتعامل مع الانتقادات أو الآراء السلبية بطريقتين، حسب نوع النقد:
1. لو النقد بناء ومفيد:
• بحاول أسمعه بعقل مفتوح، لأن أحيانًا بيكون فيه نقاط تستحق التأمل أو التطوير.
• بسأل نفسي: هل النقد ده ممكن يساعدني في تحسين المحتوى؟ هل فيه وجهة نظر مختلفة تستحق التفكير؟
• لو لقيت إن النقد منطقي، باخده في الاعتبار وأعدل من طريقتي لو لزم الأمر.
2. لو النقد هدام أو مجرد هجوم بدون سبب:
• مش بحاول أدخل في جدال، لأن في ناس بتنتقد لمجرد الانتقاد.
• بذكّر نفسي إن أي محتوى، مهما كان مفيد، هيكون له معارضين، وده طبيعي.
• أحيانًا بتجاهل التعليقات السلبية اللي هدفها التقليل أو الإحباط، لأن التركيز عليها ممكن يضيع مجهودي في حاجة غير مفيدة.
بشكل عام: النقد جزء من أي رحلة ناجحة، ولو فضلت خايف منه مش هتتحرك لقدام. الأهم هو التوازن: أسمع اللي يفيدني، وأتجاهل اللي هدفه بس الهدم.
13. هل مررت شخصيًا بتجربة صعبة أثرت على طريقة تناولك لموضوعات الصحة النفسية؟
نعم، مررت بأكثر من تجربة صعبة أثرت على طريقة تناولي لموضوعات الصحة النفسية، لكن واحدة من أهم التجارب كانت الشعور بالحيرة والضغط في بداية مساري المهني.
بعد التخرج، كان عندي شغف كبير بعلم النفس، لكن في نفس الوقت كنت بحس بالقلق والتساؤل المستمر: هل أنا على الطريق الصح؟ هل اللي بعمله له قيمة فعلًا؟ هل هقدر أكمل وأحقق تأثير حقيقي؟ كان فيه لحظات شك، وإحساس إني لازم أكون مثالي أو أعرف كل الإجابات، وده كان مرهق جدًا.
التجربة دي خلتني أفهم على مستوى شخصي معنى القلق، متلازمة المحتال، والخوف من الفشل، وده انعكس على طريقة كلامي عن الصحة النفسية. بقيت أكثر وعيًا بإن المشاعر المعقدة مش مجرد “نظريات”، لكنها تجارب حقيقية بيعيشها الناس، وإن الحل مش في المثالية، لكن في التقدم خطوة بخطوة والتعامل مع النفس بلطف بدل القسوة.
دلوقتي لما بتكلم عن القلق أو الضغط النفسي، مش بس بعرض حلول نظرية، لكن بحاول أوصل للقارئ إن اللي بيحس بيه طبيعي، وإنه مش لوحده، والأهم: إن التغيير مش محتاج قفزة كبيرة، لكنه رحلة من خطوات صغيرة متتابعة.
14. هل لديك خطط لكتابة المزيد من الكتب؟ وما الموضوعات التي تفكر في التطرق إليها مستقبلاً؟
نعم، لدي خطط لكتابة المزيد من الكتب، وحاليًا أعمل على كتاب جديد عن العلاقات العاطفية.
الكتاب يركز على فهم ديناميكيات العلاقات الصحية مقابل العلاقات السامة، وكيف تؤثر تجاربنا النفسية على اختياراتنا العاطفية.
الفكرة جات لي بعد ما لاحظت إن العلاقات العاطفية من أكثر المجالات اللي بتأثر على الصحة النفسية، وإن كتير من الناس بتدخل دوائر مؤذية من غير ما تدرك السبب أو تعرف إزاي تطلع منها.
بجانب هذا الكتاب، عندي أفكار لموضوعات أخرى تتعلق بتقدير الذات، والتعامل مع الأفكار السلبية، وكيفية بناء حياة نفسية أكثر توازنًا. لكن حاليًا، تركيزي الأكبر على إنهاء كتاب العلاقات وتقديمه
المحررة الصحفية: شهد وسيم صالح
□□□□□□□□□□□ ❝