: - 1 -
لكل فعل رد فعل مساوى له في المقدار .. قانون نيوتن ..
لفريدة النحراوى رأى أخر .. قانون أخر .. ولد من رحم قانون نيوتن ولكن تم تطويعه من فريدة بما يتماشي مع أحداث الحياة المعاصرة ..
لبعض الأفعال رد فعل أكبر بكثير من الفعل .. قانون فريدة ..
***********
فريدة تتمتع بقسط وافر من الجمال , ناهيك عن الجمال الظاهرى فهى تمتلك أيضا قدراً وافراً من الجمال الداخلي .. جمال الروح .. هي خريجة كلية الفنون الجميلة وقد التحقت بها عن رغبتها لتفريغ طاقتها الأبداعية في هوايتها الأولي الرسم ..
تبدو كقطة سيامي جميلة ناعمة هادئة لكن من يحاول القرب منها فى سخف أو العبث معها يجد نفسه في نفس مأزق من تعرض لقطة بلدى شرسة عندما يعبث بأحد صغارها ..
الويل لمن يتجاوز الخط المرسوم له من فريدة ..
*********
المناخ الربيعى السكندرى يصبغ المكان بنسيمه هنا في أحد الأحياء الراقية في مدينة الأسكندرية , الشمس الساطعة و الهواء العليل يضرب أناف المارة كأنه يداعبهم بين الحين والأخر في شعور من الأنسجام مع رائحة الورود المختلطة به و التى تنبعث من جنينة الميدان الذى يتوسط الحى , هذا الميدان الذى تم ترميمه و أعادة أفتتاحه مرة أخرى فى عام 2019 بعد أن تغير شكله كما تغيرت معالم أماكن عديدة فى مدينة الأسكندرية فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى حديثا ,
تم تجهيز الميدان ليتحول لمركز تجارى مصغر
ينعش الحركة الأقتصادية في هذا الحى ..
فى وسط الميدان رقعة خضراء دائرية تتوسط الرقعة شجرة راسخة عتيقة تلقي بظلالها علي الرقعة الخضراء المحاطة بشجيرات صغيرة تم غرسها وقد زينتها الورود بألوانها الزاهية , قليل من المقاعد الخشبية المتناثرة في الجنينة بالشكل الذى يخدم التصميم الجمالي لها ..
مع الأخذ في الأعتبار عند تحديث الميدان بناء محال تجارية متجاورة بشكل ملتف حول الجنينة وعلي مسافة قريبة منها فتضفي طابع أوروبى علي المكان , تتميز هذه المحال أن مساحتها جيدة وتصلح لجميع الأغراض كما أن تواجدهم في نفس الدائرة مع أختلاف النشاط الذى يسلكه كل محل يجعل من الميدان بؤرة أقتصادية تجذب وتستوعب أحتياجات الوافدين المتنوعة ..
من أكثر المحال تميزا في الميدان ذاك المحل الذى يخطف الأنظار لروعة تصميم الواجهة الخاصة به و الديكورات المنفذة بحرفية في الطريق الممهد للدخول لهذا المحل صاحب أسم - وشم و رسم -
داخل المحل بعد خطف نظرة ماسحة للمكان بدرجة 360 يشعر العميل و كأنه في عالم أفتراضي من فرط روعة الرسومات الـ 3D التى تكسو جدران المحل من الداخل , هناك في أحد زوايا المحل تقف ماسة السويفى , شابة في الخامسة والعشرين من عمرها على قدر متوسط من الجمال لكنها تتمتع بجاذبية أنثوية يصعب تحديد مصدرها هل جاذبيتها ترجع لكونها رقيقة أم لبراءة ملامحها أم لخفة ظلها من المحتمل لعدة صفات تنفرد بها ماسة غير كونها
من أسرة ميسورة الحال و أبنة رجل ذا سلطة و نفوذ ..
كانت ماسة واقفة أمام طلبية جديدة من الأحبار , أحبار الرسم فوق الجلد و أحبار الوشم تفصلهم وتنقلهم لترتب كلا منهم في مكانه ..
ماسة خريجة فنون جميلة مولعة بالرسم والأبداع وتحويل كل ما هو قبيح الى شئ رائع على سياق المثل الشعبى - تعمل من الفسيخ شربات - لذلك قررت أن تمارس هوايتها وتطبق ولو مخزونا قليلا مما تعلمت في الكلية من خلال هذا المشروع الصغير الذى قررت أن تنفذه هي و صديقتها الأنتيم
محل – وشم و رسم –
لتنفيذ أحدث أشكال التاتو ( الوشم ) بألوانه لتحويل الندوب الجلدية ألي رسومات مذهلة تخفي معالم الندوب المخيفة , بعد أن أكتسبت هذه المهارة هى و أنتيمتها فى أحد أستديوهات تعليم الوشم ..
كما يوفر المحل خدمة الرسم و الكتابة فوق الجلد ناهيك عن أوبشن الرسم علي الجدران لتزيينها برسومات 3D و خلافه بأسعار مغرية غير أتقان مهارة رسم لوحات فنية لأشخاص أو غير ذلك حسب طلب العملاء ..
***********
نزلت فريدة من العقار الذى تقطن به هناك في أحد أحياء مدينة الأسكندرية و الذى لا ينتمي للأحياء من الطراز الراقي ولا من الطراز الشعبي لكنه يتماشي مع الطبقة البرجوازية ..
كانت تتحرك فى سرعة راغبة الوصول لمكتب الصحة و هو ليس ببعيد عن منزلها , لتلقي الجرعة الثانية من لقاح كورونا و هى تأمل أن تنهى ذلك في وقت قصير لتتمكن من الذهاب بعدها لمباشرة عملها في مشروعها المتواضع ..
في طريقها لمقصدها لم تسلم فريدة من مضايقات و معاكسات تواجهها بصفة مستمرة في حياتها اليومية نظراَ للهيب الأنوثة الذى يتدفق منها رغم أنها ملتزمة بالحجاب ونمط ثيابها يتفق ويتماشي مع الحجاب لكنها دوما جاذبة للأنظار لأن مفاتن جسدها تفرض نفسها ,
كعارضات الأزياء هن اللاتى ينجمن الثياب وليس العكس , هى أعتادت مثل هذه المهاترات وتعلمت فن التعامل معها فتتجاهل تارة و ترد علي أحدهم لفظيا تارة أخرى و أحيانا ينمو الموقف فيصل لطرقعة كف يدها علي وجه أحد المتحرشين و ذات مرة تطور الموقف لأن تبصق في وجه أحدهم لفظاظة التحرش اللفظى معها !
كلاً منهم كان يأخذ نصيبه على قدر مضايقته لفريدة , لم يؤرق فكرها ويعكر صفو مزاجها من المتحرشين و يزعجها غير طارق العايق ..
و التى بائت كل محاولاتها لصده عنها بالفشل , هذا الشاب الذى يكبرها
ب خمس سنوات , عمره ثلاثون عاما و يسكن في نفس الحى وبالقرب من البناية التى تعيش فيها فريدة , يدعى أنه أنيق و شيك و يتباهى دائما و يتحاكى عن أسعار قطع ثيابه باهظة الثمن و التى تتميز بالذوق الأوفر الغير محبب لعامة الناس , قد يكون محقا فى أن ثيابه باهظة الثمن فهو لا يبخل على نفسه فى هذا الدرب لكن ثيابه تتسم بالشعبية والفوضوية هكذا يراها الأغلبية لفظاظة رسوماتها و غرابة ألوانها !
أطلق عليه مجموعة من المحيطين به لقب العايق كنوع من التنمر لكنه لم ينتبه لذلك فنرجسيته جعلته يقتنع باللقب و يصدقه و أعتمده كوصف يليق به !
لا يكف أطلاقا عن مضايقة فريدة و قد تعرض لها سابقا مرارا لا حصر لها حتى وصلت درجات صبرها معه لأخرها
وها قد قررت أن تطبق معه قانون فريدة ..
- لبعض الأفعال رد فعل أكبر بكثير من الفعل -
*********
وصلت فريدة لمقصدها , ها هو مكتب الصحة الذى ستتلقي فيه جرعة لقاح استرازينيكا يظهر عن قرب وكأنه منفذ لتوزيع اللحوم مجانا علي المواطنين , يتكدس عدد كبير من المواطنين أمام مكتب الصحة وذلك بعدما أكتظت ساحة الأنتظار الداخلية و أزدحمت عن أخرها بالوافدين لتلقي جرعات الوقاية مما أدى لتكويم الباقيين بالخارج ..
تسللت فريدة خلال الحشد في محاولة لحجز رقم مع أحد المتطوعين من الوافدين لتلقى اللقاح و الذى تولى مهمة تسجيل الأسماء بأرقام و ذلك لتحفظ دورها , عندما حصلت على الرقم الخاص بها أيقنت أنه لا مفر من الأتصال بصديقتها و شريكتها و أخبارها أنها من المؤكد ستتأخر عن الموعد الذى أبلغتها به بالأمس ..
- فريدة : الوووووو
- ماسة : أيه يا بطل .. أتلقحتى ؟
كانت جملة ماسة مدمجة بضحكة ماكرة في روح من الدعابة
- فريدة : أظبطي يا بت مش كفاية الكلاب الضالة اللي مبيبطلوش نبح عليا , شكل الشغل كدة مريح عندك ؟
- ماسة : مفيش غير عميلة واحدة دخلت ترسم فراشة علي قفاها وكان نفسى أضرب الفراشة بعد ما خلصتها - ماسة فى الواقع تمقت الفراشات - بس ضبط النفس بقي زى ما علمتينى علشان أكل العيش ..
- فريدة : مفيش فايدة فيكى .. أخبار الكاميرات أيه ؟
- ماسة : شغالين تمام اللى جوة واللي على الواجهة و بتسجل متقلقيش , جربتها و جاهزة لتصوير قانون فريدة عملياً ..
بس أنتي متأكدة أن الكلب الضال بتاعك دة جاى المحل النهاردة ؟!
- فريدة : قصدك المسعور مش الضال , طارق العايق عدى خطوط و حدود معايا لازم يحاسب عليها اللي باقى من عمره !
أرسل لى بالأمس رسالة علي الواتس من رقم جديد غير ارقامه التى تتصدر و تملأ قائمة البلاك ليست يخبرني فيها بعد مغازلة جنسية كتابية أنه يرغب في رسم تاتو من ايدى في المحل و أختار اليوم الأحد لأنه يدرك انه من أكثر الأيام التى يقل فيها ضغط الشغل ظناً من العملاء أن المحل أجازة يوم الأحد !!
قد عزمت على أن لا أندهش بقدرته على معرفة معظم تفاصيل حياتى بهذه الدقة !!!
- ماسة : على العموم أنا جهزت كل اللى طلبتيه , فلنفعلها !
- فريدة : تقريبا بينادوا على رقمى , أقفلي .. سلام .. سلام ..
**************
الغضب .. الطمع .. الشهوة ..
أذا لم يتوفر بداخل كل بشرى ديمر التحكم في هذه الغرائز كديمر الأضاءة فقد سلم نفسه للهلاك ..
هناك العديد من الذكور المصابون بالأستمناء الفكرى هذا الصنف تسيطر على تفكيره شهوته العارمة وبدورها تؤثر علي أفعاله تجاه المجتمع , طارق العايق خير مثال أو لدقة التعبير هو شر مثال لهذا الصنف من الذكور , فهو لا يبتلع فكرة وجود أناث عفيفات كلهن فى نظره غانيات ولكل واحدة منهن درجة مقاومة تفقدها عندما يرغب هو في ذلك !
العايق كان لديه تلف بالغ فى زر الديمر الخاص بالتحكم فى الشهوة , كان العايق يستعد في غرفته بصحبة شرذمة من أصدقاءه من نفس المذهب الفكرى وكأنه عريس فى ليلة عرسه , كان يتباهى أمامهم بثقة مجهول مصدرها أن لديه المقدرة بالأيقاع بفريدة و التمكن منها , كان يدندن علي أيقاع أغنية - الليلة يا سمرا - فتهمس شفتاه بكلمات
الليلة .. الليلة يا فريدة العنيدة ..
نفث سحابة كثيفة من دخان الحشيش ثم فعلها مرات و مرات و كأنه يلتهم سيجارة الحشيش من بين أصابعه و نظر فى ساعته وشرد لبرهة بنظرة حالمة تسبح في سموات الخيال و قال .. الأن ..
***************
أخيرا بعد قضاء ساعتان من الزمن فى مكتب الصحة تلقت فريدة الجرعة الثانية من لقاح كورونا و هرولت مسرعة من المكان ممسكة بشهادة تلقى اللقاح بعد ختمها و كأنها نالت شهادة التخرج و ظنت أن لا تعود أدراجها لهذا المكان مرة أخرى , لم تفطن بعد الى أنه بعد مرور ستة أشهر من تلقى الجرعة الثانية هناك جرعة ثالثة تنشيطية من لقاح كورونا ستتلقاها ..
أتخذت فريدة أول توكتوك مر من أمامها الذى قام بدوره و نقلها فى غضون ربع ساعة ألى الميدان ..
دخلت فريدة الميدان وهى ترمقه بنظرات صارمة تتفقد هدوء المكان و سكون الوضع تراقب حركة المارة فى شرود حتى أنتبهت لصوت صديقتها ماسة : فريدة .. تعالى ..
ما أن أقتربت منها فريدة حتى أمسكت ماسة بيدها و شدتها برفق للداخل , تجاذبت ماسة أطراف الحديث مع شريكتها وهى تعرض لها ما تم فى طلبية الأحبار و قد فرزتها و سكنتها و ....
فريدة : نسكاااااافيه ..
أومأت ماسة برأسها مبتسمة : اوكيييه ..
قامت فريدة بفتح قائمة تشغيل الأغانى علي موبايلها و الممتلئة بموسيقى عربية و أجنبية و قليل من الأغانى المنوعة .. ثوان معدودات و كانت موسيقى رائعة للموسيقار الموهوب عمر خيرت ترن فى أرجاء المكان , باكو من الشيكولاتة الدارك تم أخراجه من شنطة فريدة و فتحه ليستقر علي منضدة على شكل جذع شجرة و تم وضعه فى أنتظار فنجانين النسكافيه ..
لحظات من الأنسجام و الأنغماس فى الموسيقي و التفاعل معها بحركات رقيقة جميلة مع الأستمتاع بأحد مصادر السعادة لديهما وهى الشيكولاتة الدارك مع النسكافيه و قد أطلقتا على هذا الثنائى
( النسكافيه و الشيكولاتة الدارك ) لقب الأفيونة ..
لم يعكر صفو هذا المناخ الأبداعى غير أقتحام طارق العايق المكان و الذى لم يتكبد عناء طرق الباب فدخل حتى أستقرت قدماه فى مواجهة
منضدة جذع الشجرة ..
فى ذات اللحظة تبدلت موسيقى عمر خيرت الرومانسية
لموسيقى بيتهوفن الحماسية ( سمفونية الحرب العالمية الثانية ) تلقائيا !!
نظرات متبادلة بين الثلاثة أنكسرت بأنسحاب ماسة بعد أن رمقته فى أشمئزاز ثم توجهت لمراقبة الكاميرا و أعدادها للتسجيل صوت وصورة و أخلاء المساحة لفريدة و طارق لسهولة التنفيس عن تفكيره الشهوانى
كجزء من خطتها مع فريدة ..
- فريدة و قد هبت واقفة وهى تخاطب العايق :
أتفضل طلبات حضرتك أيه ؟
- طارق ينظر متفحصاً ثيابه ثم يعيد النظر لفريدة قائلاً فى سماجة :
الطقم الجديد عامل شغل جامد باينه !
- فريدة :
واضح أن حضرتك أخطأت العنوان ممكن
تتفضل برة لو سمحت ؟
- طارق : بالعكس أنا في المكان الصح و مع موزة صح الصح .. وجاى علشان عايزك تكتبيلى علي جبينى بحبك بخط أيدك الملبن دى ..
وفي أقل من الثانية كان يمسك بأحدى يديه راحة يدها ويجذبها تجاهه و يضع يده الأخرى علي خصرها فأنتفضت فريدة فى وقت أستغرق نانو ثانية
و أنتزعت يدها و سحبت زجاجة أسبراى كانت بجوارها - عن قصد - ورشت منها فى وجهه فسقط على الأرض مغشياً عليه ..
تحركت ماسة من أمام الشاشة الموصلة بالكاميرا بعد أن ضمنت تسجيل ما حدث صوت وصورة ثم توجهت فى تؤدة الى حيث كان طارق مرتميا على الأرض ..
شرعت فريدة في أخراج حبل من مكان ما بالمحل و قد تم تخزينه لحين أستخدامه و قد كان , كانت تتحرك فى ثبات وهدوء هى و ماسة و كأنهما تستعدان لرسم لوحة فنية جديدة .. أحساس بالنشوة أنتاب فريدة وهى تعد أدواتها الخاصة بالرسم و الوشم .. أحساس بالتشويق و الرغبة متدفق من قبل ماسة فى أتمام ما تنوى عليه فريدة ..
جردته فريدة بوحشية من ملابسه العلوية فخلعت عنه التيشيرت الخوخى البطيخى العنابى - فخفخينا الألوان التى يهواها - و الذى كان يرتديه و ألقته على وجهه وهو ملقى على ظهره أرضا ثم جرته هى و ماسة لخارج المحل جراً حتى أستقر به الحال عند الشجرة الراسخة العتيقة التى تتوسط الجنينة فى وسط الميدان ..
فى هذه اللحظة بدأ جذب أنتباه المتواجدون داخل الميدان يحدث تدريجيا تجاه هذا المشهد دون تعليق أو مشاركة , فقط يتابعون بدهشة في صمت لأستيعاب الموقف , أصحاب المحال المجاورة و الذين يعرفون فريدة و ماسة بدأوا يبزغون واحدا تلو الأخر مهرولين الى الشجرة يسألون فريدة فى نبرة صوت تغلفها شهامة المصريين :
ما الأمر .. هل هو حرامى ؟؟ ماذا سرق بن الــ.....
ردت ماسة فى ثبات : ليس بحرامى بل هو أسوأ .. أنه متحرش و حاول مرارا و تكرارا الأعتداء على فريدة ..
نزلت الكلمات ثقيلة على أذانهم و هم يتابعون الفتاتان فى محاولتهن لأيقاف طارق و أسناده لتتمكنا من تكبيله فى الشجرة , هموا فى مساعدتهن لكن فريدة رفضت تدخل أى شخص للمساعدة و منعت العديد من الشباب و الرجال من الأعتداء على العايق
بجملة صارمة .. دة يخصنى لوحدى ..
و تمكنت منه هى و ماسة و نجحتا فى تقييده بالشجرة و ذلك لنحافة جسمه و توسط طول قامته و مازال العايق غارقا في حالة الأغماء أثر بخ البنج فى وجهه , لقد أحكمت فريدة ما تقوم به بمساعدة ماسة و تم تضفير تيشيرت طارق بما يسهل وضع هذه الضفيرة علي فمه و لفها حول الشجرة وعقدها بما يتيح تثبيت رأس طارق و ألتصاق مؤخرة رأسه بالشجرة حتى لا تتدلى على صدره و تتمكن فريدة
من تنفيذ ما عزمت عليه ..
بعدها أنسلت فريدة داخل المحل تتبعها ماسة لأحضار المنضدة الخشبية الصغيرة - جذع الشجرة - و معدات الوشم والرسم , سرعان ما كان كل شئ جاهزا للأستخدام بالخارج , تم توصيل جهاز الوشم بالطاقة .. بجانب الجهاز كانت توجد أبرة الرسم فوق الجلد وهى عبارة عن ما يشبه قلم معدنى فى اخره توجد قطعة معدنية أشبه بقمع صغير يتم ملأه بالحبر المراد الرسم به فوق الجلد , هذا الحبر يمنح الرسمة عمر زمنى لها لا يزيد عن حوالى عشرة أيام و تكون أزالتها من على طبقة الجلد سهلة , أنما ابرة الوشم متصلة بالجهاز الموصل بالطاقة و بأمكانها أن تحفر الرسمة أو الكلمة تحت الجلد بشكل يمنحها عمر زمنى مدى الحياة يصعب جدا مسحها أو أزالتها و أن تمت المحاولة فهذا يتسبب بعدها فى تشوه و ندوب جلدية تظهر بعد أخفاء الوشم المراد أزالته ..
و قفت فريدة لبرهة تنظر للمنضدة ثم تحول ناظريها لطارق .. ثوان معدودة مرت عليها أسترجعت فيها فريدة مدى القبح والعطن الذى شعرت به تجاه طارق العايق بسبب تحرشه اللفظى و الغير لفظى مرارا لا حصر لها دون أستجابة منه لمحاولاتها فى صده و أرجاعه عما كان يفعل , فى هذه اللحظات أيقنت فريدة أن درجات صبرها قد بلغت أخرها حقا فتدفق أفراز هرمون الأدرينالين بداخلها و كان السبب وراء ظهور ضبابية قاتمة فى تعابير وجهها ..
أنتبهت فريدة لأصوات المتجمهرين وقد بدأت صيحاتهم تتعالى وهم يتابعون المشهد من خلال شاشات موبايلاتهم و التى كانت مثبتة بأيديهم تجاه طارق المكبل بعد أن عزموا على تسجيل اللحظات الراهنة تأهبا لمفاجأة ستحدث لا يعرفونها لكنهم يتوقعون
فيتزايد شغفهم للتصوير ..
خيط رفيع بداخل فريدة كان يفصل بين الجموح والتعقل وهى تنظر للمنضدة لأستخدام المعدات الموجودة أعلاها لكنها حسمت الموقف فى حزم و عن أقتناع و قررت تطبيق قانونها فى الحياة و جنحت للجموح !!
بالفعل سحبت فريدة أبرة الوشم من على المنضدة و التى تصدر رنينا يوحى لسامعه أنه فى عيادة طبيب أسنان لتلبى رغبة طارق الذى طلب منها أن تكتب على جبينه .. ستلبى رغبته و لكن على طريقتها الخاصة ..
مر الوقت سريعا و قد فعلتها فريدة وسط ذهول الحاضرين و الذين سيطرت عليهم سلطة العادة - المتأصلة فى المصريين - أن يشاركوا الموقف من خلال تصوير ما يحدث لتوثيقه ورفعه على
شبكة التواصل الأجتماعى وتداوله فيما بينهم ..
لقد أنتهت فريدة أخيرا .. فريدة دقت وشم على جبين طارق
باللون الأحمر .. لقد وصمت طارق وصمة ستلازمه أينما ذهب ..
لقد وشمت على جبهته جملة :
- أنا متحرش حقير -
سيعود طارق من غيبوبته المؤقتة لكنه سيستغرق بعض الوقت ليستوعب ما هو فيه و سيحتاج الكثير من الوقت ليصدق ما حدث معه ..
أنهت فريدة ما عزمت عليه بنجاح دون الأكتراث للتجمهر الضخم الذى تكون حول الشجرة الراسخة , لملمت معداتها هى و ماسة و توجهت فى هدوء داخل المحل و كأنها كانت تعزف مقطوعة موسيقية أو كانت ترقص سلو مع صديقتها .. دخلت تاركة طارق مقيدا علي الشجرة يلقي مصيره دون الأهتمام بما يصير له بعد ذلك ..
كان يوماً مرهقا حقا لفريدة من أول تلقى اللقاح صباحا حتى اللحظة التى نفذت فيها قانونها مع طارق العايق .. كان هذا كافيا لها اليوم ..
أغلقت فريدة بمساعدة ماسة المحل و أنصرفتا من الميدان و داعبت ماسة فريدة وهى تقول لها : بقي يحط أيده تعلمى عليه كدة يا مفترية .. أمال لو أغتصبك كنتى عملتى فيه أيه ؟؟
جاوبتها فريدة بضحكة عالية : و غلاوتك كنت قصيت رمز رجولته بالمقص و فى الشارع !!
و خبطت على كف ماسة بطرقة مع تبادل الضحكات ثم
ودعت كل منهما الأخرى بقبلات حارة كعادة البنات عند الأتصال و عند الأنفصال تقدمن وصلة أحضان وقبلات و كأنهما فى المطار و أذا التقيا بعد خمس دقائق تكررا نفس الوصلة وهذا يرجع الى أنها عادة مشتركة بين البنات و أغلب العادات تموت بصعوبة !
بعد ملحمة القبلات و الأحضان أنصرفت كل واحدة منهما لمقصدها ..
و ما أن وصلت فريدة لمنزلها حتى دخلت علي والدتها الحاجة سهام و التى كانت تجلس على الركنة فى غرفة الليفنج تشاهد التلفاز فألقت عليها السلام و قبلتها ثم دخلت غرفتها و أرتمت فى عرض السرير و غطت فى سبات عميق ...
. ❝ ⏤محمد حسن عبد الجابر
الفصل الأول
- 1 -
لكل فعل رد فعل مساوى له في المقدار .. قانون نيوتن ..
لفريدة النحراوى رأى أخر .. قانون أخر .. ولد من رحم قانون نيوتن ولكن تم تطويعه من فريدة بما يتماشي مع أحداث الحياة المعاصرة ..
لبعض الأفعال رد فعل أكبر بكثير من الفعل .. قانون فريدة ..
***********
فريدة تتمتع بقسط وافر من الجمال , ناهيك عن الجمال الظاهرى فهى تمتلك أيضا قدراً وافراً من الجمال الداخلي .. جمال الروح .. هي خريجة كلية الفنون الجميلة وقد التحقت بها عن رغبتها لتفريغ طاقتها الأبداعية في هوايتها الأولي الرسم ..
تبدو كقطة سيامي جميلة ناعمة هادئة لكن من يحاول القرب منها فى سخف أو العبث معها يجد نفسه في نفس مأزق من تعرض لقطة بلدى شرسة عندما يعبث بأحد صغارها ..
الويل لمن يتجاوز الخط المرسوم له من فريدة ..
*********
المناخ الربيعى السكندرى يصبغ المكان بنسيمه هنا في أحد الأحياء الراقية في مدينة الأسكندرية , الشمس الساطعة و الهواء العليل يضرب أناف المارة كأنه يداعبهم بين الحين والأخر في شعور من الأنسجام مع رائحة الورود المختلطة به و التى تنبعث من جنينة الميدان الذى يتوسط ....... [المزيد]
: - 5 -
دخلت فتاة جميلة صغيرة فى السن محل - وشم و رسم - تبدو فتاة جامعية من مظهرها و أحتفاظها بكتاب دراسى قابضة عليه بأصابع يديها .. أستقبلتها فريدة فى لطف فبدت السعادة على وجه الفتاة التى أخبرت فريدة عن رغبتها فى رسم غزالة صغيرة بألوانها الطبيعية على كف يدها فأبدت فريدة أعجابها لطلبها و هنا عبرت الفتاة عن مدى أعجابها هى بفريدة بعد أن شاهدت الفيديو المنتشر لها على مواقع التواصل الأجتماعى و هى تلقن الشاب درساً قاسياً و هذا ما حفزها لأن تختار هذا المحل بالأخص و ترسم فيه ما ترغب و ذلك لتلتقى بفريدة و تتعرف عليها و تخبرها أنها أيضا تتعرض لتحرش لفظى بأستمرار و لكن خجلها يمنعها دوما من أن يكون لها رد فعل مع هؤلاء الهمج الذين يضايقونها .. هنا تدخلت ماسة فى الحوار و هى تمارس عملها أيضا على المقعد المجاور لفريدة و ترسم وجه أسد على كتف شاباً صغير السن و لكنه مفتول العضلات ..
و قاطعت كلام الفتاة الجميلة و قالت مخاطبة فريدة : علميها يا قدوة .. ما دام جابت سيرة رد الفعل علميها قانون فريدة .. و ضحكت ماسة ..
فسألت الفتاة فريدة عن ما مقصد ماسة من كلامها فتجاوزت فريدة كلامها و هى تضحك لماسة ثم قالت للفتاة : قوليلى بقى يا عسولة عايزة الغزالة فين ؟؟
فرفعت الفتاة يداها اليمنى كأجابة على سؤال فريدة و همت فريدة فى الرسم فى اللحظة التى أنهت فيها ماسة عملها و غادر الشاب المفتول العضلات المكان ..
سألت فريدة صديقتها ماسة و هى ترسم الغزالة على يد الفتاة الجميلة :
أخبار باباكى أيه ؟ ياريت تسلميلى عليه كتير ..
أجابت ماسة فى عبوس : لما أشوفه هبقى أقوله .. بقاله يومين فى مأمورية شغل هو و أسلام بيباتوا فى الشغل .. معرفش عنهم حاجة ..
فريدة : على فكرة أنا سألت عن باباكى .. مجبتش سيرة يا محيرنى ..
ثم ضحكت فريدة و تظاهرت أنها منهمكة فى الرسمة ..
فقالت لها ماسة فى غيظ : أصلى !
أنهت فريدة الرسمة بمهارة عالية نالت أعجاب الفتاة كثيرا و التى أخبرت فريدة أنها ستكون زبونة المحل و تتمنى أن تكون صديقة لفريدة لو لم يضايقها ذلك , فرحبت فريدة بصداقتها و أخبرتها برقم هاتفها بناء على طلبها و سألتها عن أسمها فأجابت الفتاة الجميلة : أسمى رحاب ..
فأخبرتها فريدة أنها سعيدة لمعرفتها و ستنتظر قدومها مرة أخرى فى المحل .. أكدت عليها رحاب أنها ستفعل ثم ودعت ماسة و فريدة و غادرت المحل ..
و ما أن أنصرفت رحاب حتى أنقضت ماسة على فريدة و هى تأمرها فى لهفة :
أحكيلى بقى أزاى قابلتى نضال فى عيد الميلاد و أيه اللى حصل بالتفصيل ؟!
فريدة كانت لديها نفس اللهفة فى أن تقص ما مرت به فى عيد الميلاد بداية من تفاجئها بقدوم نضال لعيد الميلاد ألى أن أخبرته بأمر الحادث المؤلم و الذى كان سبباً فى معرفتها به .. فريدة بدأت تقص على ماسة و هى تستحضر بذهنها ما حدث و ماسة كانت متأهبة لحديثها و قد تحولت لأذن كبيرة صاغية !
رن هاتف فريدة أثناء أندماجها فى الحديث مع ماسة فضغطت على زر جانبى للهاتف دون أن تنظر للشاشة فصمت صوته لكن ما زالت شاشته مضيئة ثم أستطردت حديثها مع ماسة .. لكن رن الهاتف مرة أخرى فتناولت الهاتف لتكرر ما فعلته منذ قليل و تصمت صوت الهاتف و لكنها لاحظت أن المتصل هو نضال ..
تبادلت النظرات مع ماسة فطلبت منها ماسة أن تفتح المحادثة
و ترد على نضال .. لبت فريدة طلب ماسة و أتصال نضال و لمست رمز السماعة الخضراء على شاشة هاتفها ..
نضال كان يجلس فى مكانه المفضل على قمة الصخرة المدرجة برفقة رعد ..
كان متحفظاً على أرنباً رمادى اللون كبير الحجم على رجليه ثم أطلق سراحه ليقفز من على رجليه و ينطلق أمامه فيلقى مصيره من رعد فى مشهد مثير كان يتابعه نضال و هو يجرى أتصاله الهاتفى بفريدة ..
هاجم رعد الأرنب و أخذ يلتهمه فى أفتراس مصدراً أصواتاً وحشية قد سمعتها فريدة عندما بدأت المحادثة مع نضال فى الهاتف مما تسبب فى ذعرها و كانت أول كلماتها بعد ألقاء السلام على نضال أن سألته ما هذا الصوت المخيف ؟!
فطمأنها نضال و أخبرها أن الصوت صادر من التلفاز
من قناة ناشونال جغرافيك !
و ما كان على فريدة ألا أن تقتنع بكلماته لأنها كانت أجابة مقنعة بالنسبة لها و لن يخطر ببالها أى أمراً أخر !
ثم سألها نضال عن أحوالها و عن أخبار جاسر فأجابت فريدة فى تحفظ و أخبرته أن كل شئ على مايرام و سألته عن أحواله فجائت أجابته مماثلة لأجابتها ..
كان هناك حاجز كلفة واضح مسيطر على المحادثة الهاتفية فقرر نضال تهشيمه و قال لفريدة : أنا بعتذر علشان مشيت فجأة من عيد الميلاد من غير ما أسلم عليكى أو على جاسر و عارف أن دة هيتفهم غلط ..
أستطرد نضال بينما ألتزمت فريدة الصمت : الحادثة سابت جوايا جرح غويط ملوش أرار قفلت عليه بس أول ما حد بيلمسه بيرجع ينزف تانى و دة اللى حصل لما أتكلمتى عن الحادثة ..
مفيش جوايا أى لوم من ناحيتك أو ناحية والدك الله يرحمه .. دى كانت أرادة ربنا و أنا راجل مؤمن بقضاء الله و قدره علشان كدة مش بحمل حد مسئولية الحادث .. بس الموضوع فى حد ذاته لما بيتفتح قدامى بيكون كفيل أنه يحولنى لكتلة أحزان علشان كدة مشيت من عيد الميلاد ..
ردت فريدة و قد أثارت كلمات نضال حالتها النفسية لتألمها هى أيضا لفراق والدها :
راهنت نفسى على أنك راجل عاقل و ناضج و كسبت الرهان .. أنا مقدرة كلامك كويس و عارفة أنك أتحملت ألم مش سهل على أى بشر تحمله و برغم كدة قادر ما شاء الله توازن الأمور و تساير الحياة و تراعى كمان مشاعر الناس و أتصلت بيا علشان تعتذر ..
أنا بشكرك يا كابتن نضال و أكون سعيدة لو أعتبرتنى صديقة و أخت ليك و هكون مبسوطة لو سمعت صوتك تانى أو تشرفنى فى المحل فى أى وقت بدل الميعاد السابق الملغى ..
ضحك نضال و قال : البركة فى عيد الميلاد ..
ثم أخبرها أنه نال الشرف لمعرفتها و أنه يكن لها كل أحترام وتقدير و وعدها من باب المجاملة أن يقوم بزيارة لمحل - وشم و رسم - وتمنى لها النجاح و التوفيق فى حياتها ..
*************************
كان الضجيج و دخان الحشيش ينبعثان من شقة حازم , كانوا يدخنون المخدر بشراهة .. حازم و سعيد و جو و يشاركهم مازن بسيجارة واحدة يدخنها معهم .. كانوا يتحدثون بصوتا عاليا بسبب صخب أغانى المهرجانات التى تصرخ من سماعات هواتفهم .. كانوا يناقشون بعض الأفكار ليختاروا منها واحدة تصلح لتصوير الفيديو الرابع و لكن لم تنال أى منها أعجابهم و بدأت خيبة الأمل تتسلل على تعابير وجوههم .. رن هاتف حازم فتناوله فى وهن ليجد أسم المتصل private number لكنه لم يكترث و وضعه فى أهمال على مقعد مجاور له ثم أنتهى الأتصال لكنه عاود مرة أخرى بنفس الأسم و هنا خاطب سعيد بصوت أجش ذا طبقة أمرة لحازم و قال له : رد يا عم !
و بالفعل جذب حازم هاتفه بعد أن خفضوا مستوى صوت الأغانى و أستجاب للمتصل ..
كان المتصل هو مارك ليس عربياً لكنه يتحدث العربية بشكل مفهوم الى حد كبير , هكذا كان يوضح حازم لأصدقائه بعد أنتهاء المحادثة .. أخبره مارك أنه ممثل لواحدة من الشركات الكبرى فى مجال الألكترونيات التى ترغب فى أن تعرض أعلان لمنتجاتها على القناة التى يديرها مقابل مبلغا مالياً كبيراً و المقابلة ستكون فى فندق راقى شهير بمدينة الأسكندرية لأمضاء العقد و أخبره مارك
بموعد المقابلة ..
و هنا تبدلت خيبة الأمل و التى كانت قد سيطرت على ملامح حازم و أصدقائه الى فرحة عارمة و ظلوا يترنمون .. الزهر شكله هيلعب ..
**************
كانت فريدة تجلس ممدة قدميها على الركنة واضعة رأسها على كتف الحاجة سهام والدتها تشاهدان سويا مسلسل على التلفاز تتابعاه الأثنتان منذ بدأ أولى حلقاته منذ أيام ..
رن هاتف فريدة و كان المتصل private number فأنتبهت فريدة لهاتفها و نظرت لثوان لشاشة الهاتف ترددت أن تستجيب لكن أثار الأسم فضولها فسحبت السماعة الخضراء لجانب الشاشة و قالت : السلام عليكم
رد مارك السلام بلكنته العربية المكسرة و قدم نفسه لفريدة على أنه مالك لمعرض ألكترونيات سيتم أفتتاحه قريبا و يرغب فى الأتفاق معها لتزيين جدران المعرض ببعض الرسومات لموديلات الأجهزة التى يتاجر فيها مقابل مبلغ مالى ضخم و قد وقع الأختيار عليها للقيام بذلك بترشيح من أحد العملاء الذين أنجزت لهم بعض الأعمال بأحترافية فيما سبق , كما أنه سيكون هناك فروع أخرى للمعرض فى وقت قريب يرغب أيضا فى الرسم على جدرانها .. و ذكر لها مكان المقابلة و حدد لها الميعاد و كان نفس الميعاد الذى ألزم به حازم ..
لم تقاوم فريدة فرحتها و هى تخبر والدتها بقدوم خير كبير على وجهها الطيب لكن بدا تسلل القلق ليشوب فرحتها قليلا و عندما سألتها الحاجة سهام عن القلق الذى تلاحظه فى عينيها فأجابت فريدة أن مكان مقابلة العمل فى فندق و ليس فى المعرض !!
فطمأنتها والدتها و خمنت أن يكون المعرض مازال تحت التشطيب و غير مجهز لأستقبال أحد كما أن الفندق شهير و ذا صيت طيب
و أنها ستذهب معها من باب الأطمئنان ..
فرفضت فريدة تكليف والدتها أرهاق المشوار و طمأنتها أنها تجيد التعامل مع جميع الأصناف و قالت لها فى دعابة أن فيديو العايق قد منحها هيبة و رهبة لا بأس بهما و وعدتها أنها ستأخذ حذرها و سيكون بحوزتها الصاعق الكهربائى فى حقيبتها ..
****************
على غير المألوف كان يجلس نضال مساءَ مع عم جابر على مقهى اللؤلؤة يرشف من كوب حلبة بالحليب و هو يخبر عم جابر بأخر تطورات الأحداث بينه و بين فريدة أمام نظرات الدهشة الصادرة من عيني عم جابر فأخبر نضال فى تعجب أنه بذلك قد قابل فريدة للمرة الثانية بترتيب القدر دون معاد مسبق و فى فترة وجيزة !
فأومأ نضال برأسه بما يفيد صحة كلامه .. ثم قطع حديثهما رنين هاتف نضال و كان المتصل هو private number
أعتذر نضال عن قطع حديثه مع عم جابر و طلب منه أن يأذن له بالرد فرحب عم جابر لطلبه و أستجاب نضال للمتصل ..
قدم مارك نفسه لنضال على أنه مالك لأكاديمية خاصة للألعاب الرياضية تم أفتتاحها منذ قريب فى مدينة الأسكندرية و هو يصطفى مدربين حاصلين على بطولات سابقة ليقوموا بتدريب و أعداد الناشئين الذين يتدربوا بالأكاديمية ليحصدوا البطولات بأسم الأكاديمية و لذلك وقع الأختيار عليه لتدريب الناشئين فى الأكاديمية فى مجال رياضة الملاكمة بحكم حصوله على بطولة الجمهورية سابقا فى هذه اللعبة و ذلك مقابل مرتب شهرى خيالى ..
و حدد له مارك نفس الموعد الذى تم تحديده سابقا لحازم و فريدة ..
شرد نضال بعد أنتهاء المحادثة الهاتفية فأقتحم عم جابر شروده و سأله عن فحوى الأتصال الهاتفى الذى كان سببا فى أنشغال ذهنه هكذا .. أخبره نضال بالحوار الذى دار بينه وبين مارك كما أخبره فى التردد الذى أنتابه بشأن هذا الأمر .. صار أسلوب عم جابر جافاً و هو يوبخ نضال بدافع المصلحة و نضال يتفهم ذلك جيدا و يتقبله من عم جابر الذى أصر أن يذهب نضال للقاء هذا الرجل و أن يتشبث بهذه الفرصة و لا يضيعها .. فوعده نضال أنه سيفعل ذلك ..
***************
فى الكافيه الرئيسى للفندق الفخم الذى يشغل فيه مستر سولى سويت خاص كان يجلس مارك قبل الموعد المحدد للمدعوين بحوالى ربع ساعة على منضدة رقم 8 .. كان يتناول فنجان القهوة الرابع أو الخامس أصبح لا يتذكر ..
ظهر حازم عند مدخل الكافيه و هو يتحدث مع موظف الأستقبال فأشار له الموظف تجاه منضدة رقم 8 حيث يجلس مارك وهو يحتسى فنجان القهوة , مشى حازم فى تؤدة تجاه المنضدة و عيناه تتفقد مارك و تتفحصه و هو جالساً ممسكاً بهاتفه و منهمكا فى الكتابة على شاشته بسرعة فائقة !
أستقرت قدماه أمام مارك فأنتبه له مارك و رحب به و دعاه للجلوس .. ثم طلب له مارك من الكابتن فنجان قهوة مانو بناءً على رغبته و ما أن أنصرف الكابتن و كاد أن ينهمر حازم بالأسئلة على مارك حتى طلب منه مارك أن يتريث و يسترخ أولاً من عناء السفر ثم يتناول قهوته و فى الوقت المناسب سيذهبون جميعا لمقابلة المستر ..
زاد الأمر تعقيدا بالنسبة لحازم و سأل مارك و كأنه يستجوبه :
مين جميعاً دول ؟؟ و مين المستر دة ؟؟
دخل الويتر عليهم و قطع كلامهم و هو يقوم بمهامه و قدم فنجان القهوة و زجاجة المياه المعدنية الصغيرة أمام حازم ثم أنصرف ..
أشار مارك تجاه موظف الأستقبال و كان يقف معه رجل يسأل عن موقع المنضدة التى يجلسون عليها و بدا ذلك عندما أشار موظف الأستقبال تجاه منضدة رقم 8 ثم قال مارك مكرراً نفس الكلمات لحازم هذا الرجل سينضم ألينا و فى الوقت المحدد سنتحرك جميعا لبدء جلسة العمل ..
نضال من طراز الرجال الذين يلتزمون بمواعيدهم مهما كانت الظروف مما أدى الى أن تسير الأحداث على النحو الذى يرغبه مارك فأتت الأحداث سريعة متتالية .. مجئ حازم ثم يأتى نضال بعد وقت قصير فتضيق الفرصة على حازم فى محاورة مارك ثم يتعرف نضال على حازم فتتعطل فرصة نضال فى أستجواب مارك الى أن تأتى فريدة فيتحركوا جميعا .. هكذا خطط مارك للمرحلة الحاضرة ..
وصل نضال لمنضدة رقم 8 و ألقى عليهم السلام , رحب به مارك ثم طلب منه الجلوس .. قدم له حازم فأبتسم له نضال بعد أن تفاجأ بوجوده محاولاً أخفاء معرفته به من خلال فيديو الفواكه الذى شاهده فى عيد الميلاد على دون رغبة منه , و عندما جاء الدور على نضال ليقدمه مارك لحازم تفاجأ الأثنان أن حازم على معرفة سابقة بنضال من خلال قطع كلام مارك و أكمل مكانه حازم و قال : كابتن نضال ..
أندهش كلا من مارك و نضال ثم أستطرد حازم موضحاَ لهما كيفية معرفته بكابتن نضال فأخبرهما أنه قد أجرى حواراً صحفياً مع كابتن نضال منذ سنوات عندما فاز ببطولة الجمهورية فى رياضة الملاكمة !
فى هذه المرة حاول نضال أخفاء عدم تذكره له فى هذه الحقبة لتعدد الحوارات الصحفية التى أجريت معه وقتها و لكنه تظاهر باللطف معه فمعرفة حازم به و دعوته لنفس المكان معه قد أوحى لنضال قدر من مصداقية مارك له بخصوص أختياره للتدريب كبطل جمهورية سابق و عليه فظهور نضال قد أوحى لحازم أيضاً أنه سيكون بطل الأعلان لأمر ما يخص الرياضة على قناته على اليوتيوب !!
لقد جرت الأحداث على نحو أفضل مما كان يخطط و يتوقع مارك فقد أفاده كثيرا ترتيب القدر فى تعرف حازم على نضال و قد أنسجم الحوار بينهما و كلاً منهما يتحدث فى الأتجاه الذى يعتقده فى ذهنه !
مما سنح لأن تتفق كلماتهما لتصب فى النهاية فى نفس السياق الذى يعتقده الأثنان مما أتاح فرصة مرور الوقت بسلام على مارك دون صدام فى الأسئلة مع الأثنان و أعطى الفرصة أيضا لوصول فريدة و ظهورها عند مدخل الكافيه فى طريقها لموظف الأستقبال ..
أرشدها موظف الأستقبال لموقع منضدة رقم 8 فتقدمت فريدة خطوات ثم تباطأت خطواتها عندما لاحظت تجمع ثلاث رجال على المنضدة المقصودة , كان نضال و حازم يجلسان فى مواجهة مارك و ظهرهما لمدخل الكافيه و تعمد مارك ذلك ليتمكن من مراقبة كلاً منهم عند مجيئه دون أن يعرف أحدهم من هو الضيف التالى مما أدى لتسلل القلق لقلب فريدة و هى تتفاجأ بحضور ثلاث رجال لا تعرف أحداً منهم لكنها تماسكت و عزمت على مواصلة خطواتها حتى وصلت لمنضدة رقم 8 فوقف مارك لتحيتها فألتفتا كلاً من نضال و حازم لمعرفة الضيف الوافد فنزلت صاعقة المفاجأة على كلاَ من فريدة و نضال !
دار فى ذهن نضال و فريدة أسئلة عديدة لكن من المؤكد أبرز سؤال فيهم هو : هل يُصدق أن يتجمعا ثلاث مرات فى وقت قصير
بترتيب القدر دون أى معاد مسبق أو أتفاق ؟!
لحظات صمت مرت فى تبادل نظرات الدهشة بين فريدة و نضال أنتهت برد فعل يشوبه الأنفعال من قبل نضال و هو يوجه سؤاله لمارك بصوت أجش :
أنا عايز أفهم أيه الموضوع بالظبط ؟؟!!
فى هذه اللحظة أتحد موقف حازم و فريدة فى تأييد ضرورة أجابة مارك على سؤال نضال و بدأ ينقلب الوضع على رأس مارك لا سيما و قد لفت صوت نضال المرتفع أنتباه الحاضرين فى الكافيه مما أدى لتدخل أثنان من البودى جاردات لمساندة مارك الموقف لكن أشاح لهما مارك بالأنصراف و عدم التدخل أو الأقتراب مرة أخرى و طلب فى هدوء من فريدة و نضال و حازم أن يجلسوا و يتحلوا بالصبر و عندما يتناولوا مشروبهم سيولون وجهتهم للمستر الذى ينتظرهم فى نفس الفندق الذى يتواجدون فيه ليبدئوا جلسة العمل و هناك سوف يعُرض عليهم الموضوع بالتفصيل و سيشبعوا فضولهم و يطلعوا على حيثيات المشروع الذى تم دعوتهم من أجله ..
بدا الحديث مقنعاً للثلاثة و أيقنوا أنه ليس أمامهم غير أن يتحلوا بالصبر فجلسوا و قد أطمئنت فريدة أكثر لتواجد نضال فى نفس الحلقة التى تدور فيها لكن أنتبهت فريدة و لاحظت معرفة نضال بحازم و العكس أيضا مما أثار شكوكها و جعلها ترتاب فى أمر نضال لعدم أفصاحه بذلك عندما كان يشاهد معها فيديو الفواكه لحازم لكن على أى حال هى كانت تتظاهر بعدم معرفتها بحازم و التى نشأت فقط من خلال مشاهدتها الفيديو الخاص به .. لكن حازم فاجائهم للمرة الثانية عندما أبدى أعجابه بفريدة لموقفها مع الشاب الذى وشمته فى الفيديو المنتشر على مواقع التواصل الأجتماعى و قد شاهده أكثر من مرة لا سيما بعد أن طلب منه رئيس تحرير الجريدة التى يعمل بها أن يجرى مع فريدة حواراً صحفياً الأسبوع المقبل بخصوص ما صدر منها تجاه الشاب و تم تسجيله فيديو !
تولدت كيمياء تعارف فى تجمع نضال و فريدة و حازم فيما بينهم من المؤكد أنها جائت فى صالح مارك و قد كانت الأمور على وشك أن تفلت من قبضة يده .. لكن لم يكن الوضع فى صالح فريدة و نضال لأن فريدة تسلل الشك لعقلها تجاه نضال الذى صار فى نظرها على علاقة بحازم و لم يخبرها بذلك فى عيد الميلاد كما أنه يحضر معها على نفس المنضدة و هى لا تدرى أيضا سبب تواجده !
كذلك نضال تسلل لعقله الشك تجاه فريدة لتواجدها أيضا معه فى نفس المكان و ظن أن هناك أحتمال لكونها على دراية بهذه المقابلة و لكنها لم تخبره بها فى المحادثة الهاتفية التى دارت بينهما .. لم يسلم أيضاً حازم من أصابته بالحيرة فمن سيكون بطل أعلان قناته أم أن هناك أكثر من أعلان لذلك حضرت فريدة و كذلك نضال ؟! هذا و قد تسلل الشك لعقل حازم أيضاً أن كان هناك أعلاناً فى الأصل فى ظل هذه الأجواء المضطربة !
أسئلة كثيرة كانت تدور فى أذهان الثلاثة و كان يلاحظ مارك عليهم ذلك التخبط .. لذلك أخبرهم ما أن ينتهوا من أحتساء القهوة و فريدة تنهى مج النسكافيه الذى طلبته سيتوجهون بعدها للمستر ..
******************
كان مستر سولى مسترخ داخل جناحه الخاص يتابع ما يحدث على منضدة رقم 8 فى الكافيه على شاشة هاتفه بطريقة ماكرة من مارك و قد تمكن من أذاعة ما يحدث على منضدة رقم 8 لايف لمستر سولى ..
أرسل مستر سولى أمراً لمارك بالصعود بالضيوف بعدها أصدر أيضاً أمراً لفتاة غانية كان يقضى معها سولى بعض الوقت للتسلية أن تكون جاهزة لفتح الباب لمارك و ضيوفه ثم تغادر بعدها ..
و بالفعل حضر مارك و الضيوف الثلاثة و دخلوا بعد أن فتحت لهم الغانية الى ريسبشن السويت حيث الكنبة الجلد ذات اللون الأبيض المط و مقعدين فوتيه من نفس الطراز تتوسطهما المنضدة المكعبة
المكونة من رزم الدولارات الحقيقية ..
بينما كان الضيوف الثلاثة يتفقدوا المكان و يتفحصوه بأعينهم حتى طلع عليهم مستر سولى بأناقته الملفتة فوقف مارك أحتراما له و هو يرحب به و يخبر الضيوف أن هذا هو رجل الأعمال مستر سولى و الذى دعاهم لهذا الأجتماع .. وقف الثلاثة لمبادلة مستر سولى الترحيب و المصافحة ثم دعاهم مستر سولى لمنضدة أجتماعات بجوار طقم الأستقبال الأبيض يبدو أن لون المنضدة أبيض أيضا ليتوافق مع ديكور الريسبشن لكن يفترش سطحها رزماً من الدولارات من طبقة واحدة لكنها تغطى المنضدة بالكامل و كأنها تقوم بدور مفرش السفرة !!
ما أن جلس الجميع حتى أخبرت فريدة مستر سولى أنهما تقابلا من قبل فى عيد ميلاد أسر فأكد لها صحة ما قالت فزادت دهشتها و أخذت تتمتم انها منذ فيديو العايق و المفاجأت تتوالى عليها !
قدم مستر سولى نفسه للثلاثة على أنه رجل أعمال ناجح فقد بدأ فى تأسيس شركته منذ خمس سنوات حتى أصبح لها سبع فروع فى سبع دول عربية و فى كل دولة مقر للشركة لكن نشاط الشركة الأساسى يتم ممارسته من خلال الشبكة العنكبوتية ..
أخبرهم مستر سولى أنه جاء خصيصاَ لمصر لأتمام هدفه فى فتح الفرع الثامن و الأخير لشركته فى مصر و بذلك يصبح أسم شركته
OCTOPUS THE ( الأخطبوط ) أكثر واقعية عندما يكتمل لها الثمانى فروع بمثابة الثمانى أذرع للأخطبوط !
أستطرد مستر سولى حديثه أمام الثلاثة و قد أصابهم فيروس الصمت أثر عدوى صعوبة فهم الموقف الذى وقعوا فيه .. أخبرهم مستر سولى أنهم محظوظون لأنه تم أختيارهم من خلاله شخصياً و ليس عن طريق أعلانات ممولة على مواقع التواصل الأجتماعى و يتقدم لهم المئات بل الألاف و يمروا بأختبارات عديدة لتصفيتهم و أصطفاء ثلاثة فقط من هذا العدد الضخم كما حدث فى كل دولة عربية من السبع دول ليكونوا أضلاع مثلث القادة الذى سيتولى أدارة شئون الفرع فيما بعد ..
فى مصر أختلف الأمر و أخبرهم سولى أن نواة النجاح تتوفر بشكل كبير فيهم مما يخدم مشروعه و هو التسويق الشبكى لمنتجات شركة الأخطبوط و هى عبارة عن هواتف و شاشات ذكية موديل The Eye ( العين ) و أن فكرة الشركة هى فكرة مجربة سابقاً فى الدول الغربية و قد حققت نجاحاً ساحقاً و عند نقل التجربة للدول العربية توقعت أنها ستحقق نفس النجاح و ربما تحرز نجاحا أعلى و هذا ما حدث بالفعل فى الفروع السبع العربية ..
فكرة الشركة تتلخص فى النضج التسويقى والذى يتبعه الغرب فى التسويق و هى أن يبتاع العميل أحد منتجات الشركة و يستفيد بأستخدامها و يصبح وقتها أذا رغب مسوقاً للشركة و منتجاتها و ينضم لأعضاء فريق التسويق و له الحق فى الأستفادة بالعروض الخاصة التى سيحصل عليها على حسب قيمة الباقة التى سيشترك فيها عند الشراء كما أنه سيحصل على توكيل منتجات The Eye مجانا فور أبتياعه لأى من باقات الشركة و يفوز أيضا بمنصة بيع ألكترونية مجانا تمنحها له الشركة بطاقم كامل مسئول عن أدارة المنصة له و يستطيع تسويق منتجاتنا من خلال هذه المنصة .. كل ما يتحتم على المسوقين عمله هو تخصيص بضع ساعات يومياً للتدريب أونلاين و تطبيق ما تعلموه و هو التسويق لكيان الشركة و الأنضمام لفريق تسويقها لأن أنضمام عضو يعنى بالضرورة أنه قد أبتاع من منتجات الشركة و هكذا نضمن البيع الفعلى لمنتجات شركتنا مع تخصيص عمولة مجزية لكل عضو فى الفريق أجتذب أحداً للأنضمام لكيان الأخطبوط و من أجتذبه يجتذب هو أيضاً أعضاءً جدد .. و هذا سيكون دافع قوى لأعضاء الفرق التسويقية جميعهم لأن يجتذبوا منضمين للكيان ليحصلوا على العمولة المباشرة و العمولة الغير مباشرة التى ستعود عليهم من خلال أجتذاب كل عضو فى فريقه لمنضمين جدد ..
و من باب تأكيد مصداقية الشركة أن كيان الأخطبوط تأسس منذ خمس سنوات و حقق نجاحا كبيرا ومن البراهين على ذلك الحفاظ على أستمرارية الشركة و تعدد فروعها فى مختلف الدول و التجهيز لفتح فرع جديد فى مصر ..
قرر حازم أن يتخلص من فيروس الصمت الذى أصابهم و سأل مستر سولى بخصوص مصداقية الشركة فهو يراها لا تختلف كثيرا عن شركات التسويق الألكترونى و التى أفتضح أمرها فيما بعد و كانت مجرد شركات تبيع الوهم و ليس لها فى الواقع أساس ..
ضحك مستر سولى ضحكة مريعة و داعب بكلماته حازم وهو يذكره بنصابة الهايبر و أن لها الفضل فى أن تحوله لجهازاَ لأستشعار النصب ..
بينما هو يخاطب حازم كان مارك قد سحب من الملف الذى أمامه بعض الأوراق و منحها لمستر سولى و قام سولى بدوره بعرض هذه الأوراق على الحاضرين و هو يخبرهم أنه أبتاع معرضاً كبيراً فى التجمع الخامس ليتخذه مقراً يحمل أسم شركة OCTOPUS و هذه الأوراق التى بين أيديهم هى أوراق رسمية للمكان من سجل تجارى و بطاقة ضريبية و تسجيل فى وزارة الأستثمار .. و أضاف لحازم و أخبره أن الشركات الواهية قد أفتضح أمرها سريعا كما قال و لم تستمر مثل شركة الأخطبوط لخمس سنوات و مازالت راسخة بثقلها على أرض الواقع و تفتتح فروعا جديدة !!
علق نضال على هذه الأوراق و قال أن هذا جيد و مطمئن لكنه سأل سولى عن سبب أختياره لهم بالأخص و ما هى نواة النجاح التى بداخلهم كما ذكر لهم !
بدأ مستر سولى يجاوبه و هو يوزع نظراته على الثلاثة .. تكوين فريق سيكون بالنسبة لكل واحداً منكم أسهل بكثير من أشخاص غيركم فظروفكم أفضل من ظروف القادة فى الفروع الاخرى للشركة و الذين أستغرقوا وقتا طويلاً على ما أكتسبوا ثقة الأشخاص و القدرة على أجتذاب و تكوين فرقهم و نجحوا فى النهاية لكن بعد عناء ..
الوضع فى مصر يختلف بسبب موضة التريندات التى يتألق فيها المصريون مما يسهل الأمر أكثر .. فحازم مثلاً ذاع له فيديو يلخص و يحذر من أساليب النصب المتحورة بأستمرار و قد حصد هذا الفيديو مشاهدات بالألاف كنت أنا شخصيا واحداَ من هؤلاء الألاف .. هذا الفيديو يُكسب حازم ثقة المشاهدين و كأنه صار متخصص و متعمق فى ما يتعلق بأمور النصب فعندما يعلن عن التسويق لشركة الأخطبوط على قناته فى فيديو جديد يستعرض فيه فرصة العمل التى توفرها الشركة و أمكانية تحقيق الثراء السريع و تبديل الوضع المادى للمنضمين سيساعد هذا الفيديو حازم على تكوين فريق كبير و فى وقت قصير لأن بحكم الفطرة البشرية فالبشر يتبعوا و ينساقوا وراء شخص موثوق فيه ..
أما بالنسبة لفريدة فـ الفيديو الخاص بها و الذى أنتشر أنتشاراً واسعا على مواقع التواصل الأجتماعى قد جعلها شخصية معروفة و أكتسبت على حسابها الخاص على فيس بوك متابعين بالألاف ذكوراً و أناثاً يحلمون فى التعرف عليها شخصياً
- هنا قد بادر لذهن فريدة العميلة المعجبة رحاب و التى رسمت الغزالة فى محل وشم و رسم -
ثم تأهبت حواس فريدة لحديث مستر سولى و هو يوضح أن فريدة أذا ظهرت فى فيديو مسجل أو لايف على حسابها الخاص تتحدث فيه عن كيان الأخطبوط و الأنضمام له و أنها الكوتش لفريق التسويق سيرحب عدد كبير من المتابعين بذلك بل سيسعون له .. فى هذه اللحظة ظهرت بعض علامات الأستياء على وجه فريدة !
ثم أستقر مستر سولى بناظريه عند نضال و قال له أنه أسفا يذكره بالحادث الأليم الذى مر به و عاد توزيع نظراته على الثلاثة و أستطرد .. لكن بعد مثل هذا الطراز من الحوادث يتعرض الناجون منها أذا نجوا لنوبات أكتئاب تودى بـأصحابها للأنتحار أو الأصابة بالجنون لكن نضال لم يصل لأى من المرحلتين و هذا يعنى أنه مميز و ليس شخصاً عادياً فهو يمتلك قوة داخلية رهيبة مكنته من العودة للحياة و الأستمرار فيها بشكل شبه طبيعى و هذا سيفيد كثيراً فى أن يطوع أصراره و أرادته فى أنجاح المهمة و أن يكون داعم لزملائه للأستمرار و النهوض وقت الفشل و يأخذ بأيديهم , كما أن كونه بطل سابق يدعم موقفه الأعلانى كثيراً .. غير أن أن البيئة الريفية التى يقيم فيها ستكون ملائمة جدا لأجتذاب منضمين للكيان ..
تعجب نضال و سأله كيف ذلك و هم ينتمون للطبقة الفقيرة و لم يقدروا على أبتياع منتجات الشركة غالية الثمن .. فأجابه مستر سولى و قال له أن من شروط أنجاح مشروع هو معرفة السوق المناسب لعرض منتجات المشروع به ..
و سوق مشروعنا هو المكان الذى به الفقير أو العاطل أو المديون !!
من يحلم بالنجاة من الفقر و تحقيق الثراء السريع و التخلص من قيود صاحب العمل هنا يتجلى دوركم فى أقناع هؤلاء و عرض الحلول عليهم للفوز بذلك مثل الأقتراض من أصدقائهم أو أقاربهم أو بيع ما بحوزة نسائهم من مشغولات ذهبية و بثمنهم يدخلوا شركاء فى الكيان و ينضموا لفريق التسويق لأن الربح الذى سيعود عليهم سيكون ألاف الدولارات التى تمكنهم من تحقيق أحلامهم أذا نجحوا فى أجتذاب أخرين و دعوتهم لأبتياع منتجات الشركة و الأنضمام لفرق تسويق الشركة كما حدث معهم ..
ساهمت فريدة فى العرض و عبرت لمستر سولى أنهم بذلك يستغلون ظروف الناس و يضغطون عليهم ..
صارحها مستر سولى و أخبرهم جميعا أن لابد من التخلى عن المبادئ و القيم و شعارات الفقر التى يرددها الفقراء لأن ليس لهم أى حول و لا قوة سوى الكلام و أنهم ضعاف الحيلة و لا يملكون غير الشعارات ..
فاجأهم مستر سولى و هو يخبرهم عن أقتناع و قال لهم : كما أشتهرت السياسة بأنها لعبة قذرة فالبيزنس الناجح و تحقيق الثراء يكون أحيانا لعبة أقذر
لكن التجربة و النتائج تستحق حقاً التضحية !!
و أستطرد مستر سولى فى فخر و أكد لهم أن أعضاء الفريق الذين سينضمون للشركة سيكونوا قد حصلوا على منتجات بقيمة المبلغ الذى دفعوه غير الميزات الأخرى التى سيحصلوا عليها من توكيل مجانا و منصة تسويق مجهزة لذلك و كورسات تدريب أون لاين غير العائد بألاف الدولارات الذى سيجنيه من ينجح فى مهمته و من يفشل لن يخسر لأنه سيحصل على منتج مقابل ما دفعه كما أنه سيحصل على خبرة من الكورسات التدريبية ..
سألته فريدة فى شجاعة عن تحديد الدور المطلوب منهم و المقابل المادى للقيام بهذا الدور .. فأجابها سولى دون تردد و قال ستكونوا مثلث القادة فى مصر المسئول عن الفرع الثامن للشركة , كل واحداً منكم سيكون فريقاً من ثمانى أشخاص و بالطبع سيكون كل واحد فى فريق كلاً منكم مسئول عن أجتذاب ثمانى أشخاص أيضا و عندما تساعدوه على أنجاز ذلك و تحقيقه سيحصل على مبلغ ثمانى ألاف دولار و بعد ذلك سيتم أحتساب له العمولة الغير مباشرة و سيتابع مارك معكم فيما بعد أمر العمولة المباشرة و الغير مباشرة و التدريبات الأون لاين و كل ما يخص سيستم العمل الى أن تتقنوا كل الأمور ..
صمت مستر سولى لبرهة ثم أستطرد حديثه ليجيب على الشق الثانى من سؤال فريدة .. بالنسبة لكم أنتم الثلاثة فالمظهر مهم جدا لكم كقادة لأقناع المواطنين و القدرة على أجتذابهم لتحقيق الثراء السريع لذلك سيتم منح كل واحداً منكم سيارة ملاكى حديثة بتوكيل أدارة مسجل فى الشهر العقارى و بهذا التوكيل يكون لكم كل الحق فى أستخدامها كيف ما تشائوا عدا أمكانية بيعها .. و سيتم أنزال أعلانات ممولة لكم برفقة السيارة التى أستطعتم الفوز بها بعد العمل و الأجتهاد فى شركة الأخطبوط كنوع من الدعاية و التأثير على الجمهور و أجتذابهم , كما سيتم منح كل واحداً منكم مبدئياً ثمانى ألاف دولار كعربون محبة و تحفيز لتكوين فرقكم التسويقية الثلاثة و لا تنسوا فكل فريق يتكون فى بدايته من ثمانى أفراد ..
أنبهر الثلاثة بالعرض و لكن لم يمنع الأنبهار من مناوشة حازم لمستر سولى و هو يخبره أن لديه فضول فى معرفة سر رقم 8 منذ أن جمعتهم المنضدة رقم 8 مروراً بما سمعوه !
ضحك سولى ضحكته المريعة و قال : أتعامل مع رقم ثمانية على أنه رقم الحظ بالنسبة لى .. قد يرجع السبب فى ذلك لأن تاريخ ميلادى هو 8 \ 8
ثم أعلن مستر سولى أنتهاء الأجتماع و أخبرهم أن لديهم مطلق الحرية فى قبول العرض أو رفضه و سيكمل معهم مارك ليجاوب على أى أستفسارات لهم و يخبروه بقرارهم فيبدأ فى تطبيق و تنفيذ العرض الذى منحه لهم مستر سولى أذا أبدوا موافقتهم ثم أستأذنهم مستر سولى و هو يذكر مارك أن يمنح كلاً منهم هديته عند أنصرافه مما زاد أنبهارهم أكثر و أستأذنهم بعد أن أثنوا عليه و عبروا عن سعادتهم للقائه ..
*********************
. ❝ ⏤محمد حسن عبد الجابر
الفصل الخامس
- 5 -
دخلت فتاة جميلة صغيرة فى السن محل - وشم و رسم - تبدو فتاة جامعية من مظهرها و أحتفاظها بكتاب دراسى قابضة عليه بأصابع يديها .. أستقبلتها فريدة فى لطف فبدت السعادة على وجه الفتاة التى أخبرت فريدة عن رغبتها فى رسم غزالة صغيرة بألوانها الطبيعية على كف يدها فأبدت فريدة أعجابها لطلبها و هنا عبرت الفتاة عن مدى أعجابها هى بفريدة بعد أن شاهدت الفيديو المنتشر لها على مواقع التواصل الأجتماعى و هى تلقن الشاب درساً قاسياً و هذا ما حفزها لأن تختار هذا المحل بالأخص و ترسم فيه ما ترغب و ذلك لتلتقى بفريدة و تتعرف عليها و تخبرها أنها أيضا تتعرض لتحرش لفظى بأستمرار و لكن خجلها يمنعها دوما من أن يكون لها رد فعل مع هؤلاء الهمج الذين يضايقونها .. هنا تدخلت ماسة فى الحوار و هى تمارس عملها أيضا على المقعد المجاور لفريدة و ترسم وجه أسد على كتف شاباً صغير السن و لكنه مفتول العضلات ..
و قاطعت كلام الفتاة الجميلة و قالت مخاطبة فريدة : علميها يا قدوة .. ما دام جابت سيرة رد الفعل علميها قانون فريدة .. و ضحكت ماسة ..
فسألت الفتاة فريدة عن ما مقصد ماسة من كلامها فتجاوزت فريدة ....... [المزيد]