❞ حوار مع صديقي الملحد
لماذا خلق الله الشر؟
قال صاحبي ساخرًا:
كيف تزعمون أن إلهكم كامل ورحمن ورحيم وكريم ورءوف وهو قد خلق كل هذه الشرور في العالم .. المرض والشيخوخة والموت والزلزال والبركان والميكروب والسم والحر والزمهرير وآلام السرطان التي لا تعفي الطفل الوليد ولا الشيخ الطاعن.
إذا كان الله محبة وجمالا وخيرا فكيف يخلق الكراهية والقبح والشر .
والمشكلة التي أثارها صاحبي من المشاكل الأساسية في الفلسفة وقد انقسمت حولها مدارس الفكر واختلفت حولها الآراء.
ونحن نقول أن الله كله رحمة وكله خير وأنه لم يأمر بالشر ولكنه سمح به لحكمة.
{إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ (29)} الأعراف-28.
الله لا يأمر إلا بالعدل والمحبة والإحسان والعفو والخير وهو لا يرضى إلا بالطيب.
فلماذا ترك الظالم يظلم والقاتل يقتل والسارق يسرق؟
لأن الله أرادنا أحرارا .. والحرية اقتضت الخطأ ولا معنى للحرية دون أن يكون لنا حق التجربة والخطأ والصواب .. والاختيار الحر بين المعصية والطاعة.
وكان في قدرة الله أن يجعلنا جميعًا أخيارا وذلك بأن يقهرنا على الطاعة قهرا وكان ذلك يقتضي أن يسلبنا حرية الاختيار.
وفي دستور الله وسنته أن الحرية مع الألم أكرم للإنسان من العبودية مع السعادة .. ولهذا تركنا نخطيء ونتألم ونتعلم وهذه هي الحكمة في سماحه بالشر.
ومع ذلك فإن النظر المنصف المحايد سوف يكشف لنا أن الخير في الوجود هو القاعدة وأن الشر هو الاستثناء ..
فالصحة هي القاعدة والمرض استثناء ونحن نقضي معظم سنوات عمرنا في صحة ولا يزورنا المرض إلا أياما قليلة .. وبالمثل الزلازل هي في مجملها بضع دقائق في عمر الكرة الأرضية الذي يحصى بملايين السنين وكذلك البراكين وكذلك الحروب هي تشنجات قصيرة في حياة الأمم بين فترات سلام طويلة ممتدة.
ثم أننا نرى لكل شيء وجه خير فالمرض يخلف وقاية والألم يربي الصلابة والجلد والتحمل والزلازل تنفس عن الضغط المكبوت في داخل الكرة الأرضية وتحمي القشرة الأرضية من الانفجار وتعيد الجبال إلى أماكنها كأحزمة وثقالات تثبت القشرة الأرضية في مكانها، والبراكين تنفث المعادن والثروات الخبيثة الباطنة وتكسو الأرض بتربة بركانية خصبة .. والحروب تدمج الأمم وتلقح بينها وتجمعها في كتل وأحلاف ثم في عصبة أمم ثم في مجلس أمن هو بمثابة محكمة عالمية للتشاكي والتصالح .. وأعظم الاختراعات خرجت أثناء الحروب .. البنسلين الذرة الصواريخ الطائرات النفاثة كلها خرجت من أتون الحروب.
ومن سم الثعبان يخرج الترياق.
ومن الميكروب نصنع اللقاح.
ولولا أن أجدادنا ماتوا لما كنا الآن في مناصبنا، والشر في الكون كالظل في الصورة إذا اقتربت منه خيل إليك أنه عيب ونقص في الصورة .. ولكن إذا ابتعدت ونظرت إلى الصورة ككل نظرة شاملة اكتشفت أنه ضروري ولا غنى عنه وأنه يؤدي وظيفة جمالية في البناء العام للصورة.
وهل كان يمكننا أن نعرف الصحة لولا المرض .. إن الصحة تظل تاجا على رؤوسنا لا نراه ولا نعرفه إلا حينما نمرض.
وبالمثل ما كان ممكنا أن نعرف الجمال لولا القبح ولا الوضع الطبيعي لولا االشاذ.
ولهذا يقول الفيلسوف أبو حامد الغزالي: إن نقص الكون هو عين كماله مثل اعوجاج القوس هو عين صلاحيته ولو أنه استقام لما رمى.
وظيفة أخرى للمشقات والآلام .. أنها هي التي تفرز الناس وتكشف معادنهم.
لولا المشقة ساد الناس كلهم ... الجود يفقر والإقدام قتال
إنها الامتحان الذي نعرف به أنفسنا .. والابتلاء الذي تتحدد به مراتبنا عند الله.
ثم إن الدنيا كلها ليست سوى فصل واحد من رواية سوف تتعدد فصولها فالموت ليس نهاية القص ولكن بدايتها.
ولا يجوز أن نحكم على مسرحية من فصل واحد ولا أن نرفض كتابا لأن الصفحة الأولى لم تعجبنا.
الحكم هنا ناقص..
ولا يمكن استطلاع الحكمة كلها إلا في آخر المطاف .. ثم ما هو البديل الذي يتصوره السائل الذي يسخر منا؟!
هل يريد أن يعيش حياة بلا موت بلا مرض بلا شيخوخة بلا نقص بلا عجز بلا قيود بلا أحزان بلا آلام.
هل يطلب كمالا مطلقا؟!
ولكن الكمال المطلق لله.
والكامل واحد لا يتعدد .. ولماذا يتعدد .. وماذا ينقصه ليجده في واحد آخر غيره؟!
معنى هذا أن صاحبنا لن يرضيه إلا أن يكون هو الله ذاته وهو التطاول بعينه.
ودعونا نسخر منه بدورنا .. هو وأمثاله ممن لا يعجبهم شيء.
هؤلاء الذين يريدونها جنة ..
ماذا فعلوا ليستحقونها جنة؟
وماذا قدم صاحبنا للإنسانية ليجعل من نفسه الله الواحد القهار الذي يقول للشيء كن فيكون.
إن جدتي أكثر ذكاء من الأستاذ الدكتور المتخرج من فرنسا حينما تقول في بساطة:
"خير من الله شر من نفوسنا".
إنها كلمات قليلة ولكنها تلخيص أمين للمشكلة كلها ..
فالله أرسل الرياح وأجرى النهر ولكن ربان السفينة الجشع ملأ سفينته بالناس والبضائع بأكثر مما تحتمل فغرقت فمضى يسب الله والقدر .. وما ذنب الله؟! .. الله أرسل الرياح رخاء وأجرى النهر خيرا .. ولكن جشع النفوس وطمعها هو الذي قلب هذا الخير شرا.
ما أصدقها من كلمات جميلة طيبة.
"خير من الله شر من نفوسنا".
كتاب حوار مع صديقي الملحد
للدكتور مصطفى محمود رحمه الله. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ حوار مع صديقي الملحد
لماذا خلق الله الشر؟
قال صاحبي ساخرًا:
كيف تزعمون أن إلهكم كامل ورحمن ورحيم وكريم ورءوف وهو قد خلق كل هذه الشرور في العالم . المرض والشيخوخة والموت والزلزال والبركان والميكروب والسم والحر والزمهرير وآلام السرطان التي لا تعفي الطفل الوليد ولا الشيخ الطاعن.
إذا كان الله محبة وجمالا وخيرا فكيف يخلق الكراهية والقبح والشر .
والمشكلة التي أثارها صاحبي من المشاكل الأساسية في الفلسفة وقد انقسمت حولها مدارس الفكر واختلفت حولها الآراء.
ونحن نقول أن الله كله رحمة وكله خير وأنه لم يأمر بالشر ولكنه سمح به لحكمة.
الله لا يأمر إلا بالعدل والمحبة والإحسان والعفو والخير وهو لا يرضى إلا بالطيب.
فلماذا ترك الظالم يظلم والقاتل يقتل والسارق يسرق؟
لأن الله أرادنا أحرارا . والحرية اقتضت الخطأ ولا معنى للحرية دون أن يكون لنا حق التجربة والخطأ والصواب . والاختيار الحر بين المعصية والطاعة.
وكان في قدرة الله أن يجعلنا جميعًا أخيارا وذلك بأن يقهرنا على الطاعة قهرا وكان ذلك يقتضي أن يسلبنا حرية الاختيار.
وفي دستور الله وسنته أن الحرية مع الألم أكرم للإنسان من العبودية مع السعادة . ولهذا تركنا نخطيء ونتألم ونتعلم وهذه هي الحكمة في سماحه بالشر.
ومع ذلك فإن النظر المنصف المحايد سوف يكشف لنا أن الخير في الوجود هو القاعدة وأن الشر هو الاستثناء .
فالصحة هي القاعدة والمرض استثناء ونحن نقضي معظم سنوات عمرنا في صحة ولا يزورنا المرض إلا أياما قليلة . وبالمثل الزلازل هي في مجملها بضع دقائق في عمر الكرة الأرضية الذي يحصى بملايين السنين وكذلك البراكين وكذلك الحروب هي تشنجات قصيرة في حياة الأمم بين فترات سلام طويلة ممتدة.
ثم أننا نرى لكل شيء وجه خير فالمرض يخلف وقاية والألم يربي الصلابة والجلد والتحمل والزلازل تنفس عن الضغط المكبوت في داخل الكرة الأرضية وتحمي القشرة الأرضية من الانفجار وتعيد الجبال إلى أماكنها كأحزمة وثقالات تثبت القشرة الأرضية في مكانها، والبراكين تنفث المعادن والثروات الخبيثة الباطنة وتكسو الأرض بتربة بركانية خصبة . والحروب تدمج الأمم وتلقح بينها وتجمعها في كتل وأحلاف ثم في عصبة أمم ثم في مجلس أمن هو بمثابة محكمة عالمية للتشاكي والتصالح . وأعظم الاختراعات خرجت أثناء الحروب . البنسلين الذرة الصواريخ الطائرات النفاثة كلها خرجت من أتون الحروب.
ومن سم الثعبان يخرج الترياق.
ومن الميكروب نصنع اللقاح.
ولولا أن أجدادنا ماتوا لما كنا الآن في مناصبنا، والشر في الكون كالظل في الصورة إذا اقتربت منه خيل إليك أنه عيب ونقص في الصورة . ولكن إذا ابتعدت ونظرت إلى الصورة ككل نظرة شاملة اكتشفت أنه ضروري ولا غنى عنه وأنه يؤدي وظيفة جمالية في البناء العام للصورة.
وهل كان يمكننا أن نعرف الصحة لولا المرض . إن الصحة تظل تاجا على رؤوسنا لا نراه ولا نعرفه إلا حينما نمرض.
وبالمثل ما كان ممكنا أن نعرف الجمال لولا القبح ولا الوضع الطبيعي لولا االشاذ.
ولهذا يقول الفيلسوف أبو حامد الغزالي: إن نقص الكون هو عين كماله مثل اعوجاج القوس هو عين صلاحيته ولو أنه استقام لما رمى.
وظيفة أخرى للمشقات والآلام . أنها هي التي تفرز الناس وتكشف معادنهم.
لولا المشقة ساد الناس كلهم .. الجود يفقر والإقدام قتال
إنها الامتحان الذي نعرف به أنفسنا . والابتلاء الذي تتحدد به مراتبنا عند الله.
ثم إن الدنيا كلها ليست سوى فصل واحد من رواية سوف تتعدد فصولها فالموت ليس نهاية القص ولكن بدايتها.
ولا يجوز أن نحكم على مسرحية من فصل واحد ولا أن نرفض كتابا لأن الصفحة الأولى لم تعجبنا.
الحكم هنا ناقص.
ولا يمكن استطلاع الحكمة كلها إلا في آخر المطاف . ثم ما هو البديل الذي يتصوره السائل الذي يسخر منا؟!
هل يريد أن يعيش حياة بلا موت بلا مرض بلا شيخوخة بلا نقص بلا عجز بلا قيود بلا أحزان بلا آلام.
هل يطلب كمالا مطلقا؟!
ولكن الكمال المطلق لله.
والكامل واحد لا يتعدد . ولماذا يتعدد . وماذا ينقصه ليجده في واحد آخر غيره؟!
معنى هذا أن صاحبنا لن يرضيه إلا أن يكون هو الله ذاته وهو التطاول بعينه.
ودعونا نسخر منه بدورنا . هو وأمثاله ممن لا يعجبهم شيء.
هؤلاء الذين يريدونها جنة .
ماذا فعلوا ليستحقونها جنة؟
وماذا قدم صاحبنا للإنسانية ليجعل من نفسه الله الواحد القهار الذي يقول للشيء كن فيكون.
إن جدتي أكثر ذكاء من الأستاذ الدكتور المتخرج من فرنسا حينما تقول في بساطة:
˝خير من الله شر من نفوسنا˝.
إنها كلمات قليلة ولكنها تلخيص أمين للمشكلة كلها .
فالله أرسل الرياح وأجرى النهر ولكن ربان السفينة الجشع ملأ سفينته بالناس والبضائع بأكثر مما تحتمل فغرقت فمضى يسب الله والقدر . وما ذنب الله؟! . الله أرسل الرياح رخاء وأجرى النهر خيرا . ولكن جشع النفوس وطمعها هو الذي قلب هذا الخير شرا.
ما أصدقها من كلمات جميلة طيبة.
˝خير من الله شر من نفوسنا˝.
كتاب حوار مع صديقي الملحد
للدكتور مصطفى محمود رحمه الله. ❝
❞ هناك سوف تفترب منه لتجده جالسا وسط المحل بين البضائع..موقد الكيروسين بدفئه الجميل و صوته العذب في ليالي الشتاء و البطانية على كتفيه و صوت (أم كلثوم) ينبعث من ذلك المذياع العتيق المربوط بالحبال. ❝ ⏤أحمد خالد توفيق
❞ هناك سوف تفترب منه لتجده جالسا وسط المحل بين البضائع.موقد الكيروسين بدفئه الجميل و صوته العذب في ليالي الشتاء و البطانية على كتفيه و صوت (أم كلثوم) ينبعث من ذلك المذياع العتيق المربوط بالحبال. ❝
❞ تروي لنا الأديان حكاية رجل يظهر في آخر الزمان و يأتي من الخوارق و المعجزات بما يفتن الناس من كافة أرجاء الأرض فيسيرون خلفه و قد اعتقدوا أنه إله .
و تصفه الروايات بأنه أعور , و أنه يملك من القوة الخارقة ما يجعله يرى بهذه العين الواحدة ما يجري في أقصى الأرض كما يسمع بأذنه ما يتهامس به عبر البحار , كما يسقط الأمطار بمشيئته فينبت الزرع و يكشف عن الكنوز المخبوءة و يشفى المرضى و يحيي الموتى و يميت الأحياء و يطير بسرعة الريح .
و يفتتن به كل من يراه و يسجد له , على أنه الله . على حين يراه المؤمنون على حقيقته و لا تخدعهم معجزاته , و يشهَدون رسم الكفر على وجهه .
ذلك هو المسيخ الدجال , إحدى علامات الساعة التي نقرأ عنها في كتب الدين .
و المسيخ الدجال قد ظهر بالفعل كما يقول الكاتب البولندي ليوبولدفايس ... و قد أسلم هذا الكاتب و عاش بمكة . و تسمى باسم محمد أسد .
و هذا المسيخ الشائه ذو العين الواحدة كما يقول ليوبولدفايس هو :
التقدم العلمي و القوة المادية و الترف المادي .. معبودات هذا الزمان .
مدينة العصر الذري , العوراء العرجاء , التي تتقدم في اتجاه واحد , و ترى في اتجاه واحد هو الاتجاه المادي , على حين تفتقد العين الثانية ((الروح)) التي تبصر البعد الروحي للحياة .. فهي قوة بلا محبة , و علم بلا دين , و تكنولوجيا بلا أخلاق .
و قد استطاع هذا المسخ فعلاً عن طريق العلم أن يسمع ما يدور في أقصى الأرض ((باللاسلكي)) و يرى ما يجري في آخر الدنيا ((بالتلفزيون)) , وهو الآن يسقط المطر بوسائل صناعية , و يزرع الصحارى و يشفي المرضى و ينقل قلوب الأموات إلى قلوب الأحياء , و يطير حول الأرض في صواريخ و ينشر الموت و الدمار بالقنابل الذرية , و يكشف عروق الذهب في باطن الجبال .
و قد افتتن الناس بهذا المسخ فعبدوه .
و أمام هذا الاستعراض الباهر للتقدم العلمي الغربي فقدنا نحن الشرقيين ثقتنا بأنفسنا و نظرنا باحتقار إلى تراثنا و ديننا .
و في حمى الشعور بالنقص و التخلف تصورنا أن دياناتنا ضرب من الخرافات المخجلة التي يجب أن نتخلص منها لنلحق بركب التقدم و ندخل في رحاب المعبد الجديد . معبد العلم لنعبد ذلك الإله الجديد الذي اسمه القوة المادية .
و سجدنا مبهورين فاقدي الوعي و قد اختلطت علينا الوسيلة بالغاية .. فجعلنا من القوة المادية غايتنا . و نسينا أنها مجرد وسيلة و أداة .
القطار وسيلة .
و التلغراف وسيلة .
و الكهرباء وسيلة .
و الطاقة الذرية وسيلة .
و دور هذه الوسائل أن توضع في خدمة الإنسان لتحرره من الضرورات المادية فيفرغ إلى الفكر و التأمل و إثراء روحه بالمعرفة الحقة .
و بدلاً من أن تكون هذه الوسائل في خدمتنا أصبحنا نحن في خدمتها نكد و نكدح و نتعارك و نتكالب لنمتلك عربة و راديو و تلفزيوناً . فإذا امتلكنا هذه الأشياء ازددنا نهماً و رغبة لنمتلك عربة أكبر من العربة ثم جهاز تسجيل ستريو فونيك ثم قارباً للنزهة ثم يختاً ثم فيلا و حديقة و حمام سباحة .. ثم طائرة خاصة إن أمكن . و يطيش صوابنا شيئاً فشيئاً أمام سيل المنتجات الاستهلاكية التي تملأ الفاترينات .. و نتحول إلى جوع أكال يزداد جوعاً كلما أمعن في الشراء . و حلقة مفرغة من الأطماع لا تنتهي لتبدأ , و هي أبداً تهدف إلى اقتناء سبب من أسباب القوة المادية أو الترف الحياتي مما تطرحه التكنولوجيا كل يوم في واجهات المحلات .
و كما يكدس المواطن العادي البضائع الاستهلاكية تكدس الدول الأسلحة و الذخائر ثم تدمر بها بعضها بعضاً في حروب طاحنة ثم تعود فتكدس أسلحة أخطر و قنابل أكبر .
العالم أصبح مسرحاً مجنوناً يهرول فيها المجانين في اتجاه واحد نحو القوة المادية . المسيخ الدجال الأعور ذو العين الواحدة . معبود هذا الزمان .
لا إله إلا المادة .
هذه هي الصلاة اليومية .
اختفى الإيمان بالله .
و اختفى معه الإحساس بالأمن و السكينة و الطمأنينة .
و أصبحت الصورة الفلسفية للعالم هي غابة يتصارع فيها المخلب و الناب .
صراع طبقي .. و صراع عنصري .. و صراع عقائدي .. عالم فظيع من الخوف و القتل .
و لا أحد في السماء يرعى هذا العالم و يحفظه .
إلى هذه الحالة انتهت بنا عبادة الدجال الذي اسمه القوة المادية .
والنتيجة هي هذا الإنسان الكئيب المهموم الخائف القلق .وهذا الشاب الذي يدمن المخدرات في شوارع لندن وباريس ..والانتحار والجنون الذي بلغ ذروته في بلاد الغنى والوفرة والرخاء أمثال السويد والنرويج وأمريكا .
وإنسان المذعور الذي افتقد الأمان يحاول أن يستجلب لنفسه هذا الأمان بالوسائل الصناعية التكنولوجية .. عن طريق عين سحرية يضعها على الباب تعمل بالأشعة تحت الحمراء لاكتشاف اللصوص . و جرس الإنذار للخزينة . و رسم كهربائي للقلب كل شهر لاكتشاف الجلطة قبل أوانها . و أجهزة تكييف للحر و البرد و بوالص تأمين . و عشرات الأصناف من الفيتامينات و المسكنات و المنبهات و عشرات الأجهزة التي توفر الجهد و القوة العضلية .
و كل وسيلة ماديّة تحتاج بدورها إلى وسيلة مادية أخرى لتؤمنها . و في النهاية لا أمان , بل مزيد من الخوف و القلق و سعار نحو مزيد من الوسائل المادية بلا جدوى .
و ينسى الإنسان في هذا التيه الذي أضاع فيه عمره أنه أخطأ منذ البداية حينما تصوّر أن هذا العالم بلا إله و أنه قذف به إلى الدنيا بلا نواميس تحفظه و بلا رب يسأله .
و أخطأ مرة أخرى حينما عبد القوة المادية و جعل منها مصدراً لسعادته و هدفاً لحياته و غاية لسعيه , و أقامها مكان الله . و تصور أنها يمكن أن تمنحه الأمن و السكينة و الاطمئنان المفتقد , و أنها يمكن أن تحفظه من الموت و الدمار , فإذا هي نفسها التي تسلبه سكينة النفس , ثم إذا بها في النهاية تصبح أدوات الحروب التي تدمره و تبعثره أشلاء .
و أخطأ مرة ثالثة حينما تصور أنا الكيمياء و الطبيعة و الكهرباء علوم و أن الدين خرافة .
و لو انه فكر قليلاً لأدرك أن الكيمياء و الطبيعة و الكهرباء هي في الواقع علوم جزئية تبحث في الجزيئات و العلاقات و المقادير و الكميات .. و أن الدين علم كلي يبحث في الكليات .. بل هو منتهى العلم لأنه يبحث في البدايات الأولى للأشياء و النهايات المطلقة للأشياء , و الغايات النهائية للوجود , و المعنى العالم للحياة و المغزى الكلي للألم .
الكيمياء و الطبيعة و الكهرباء هي العلوم الصغيرة .
و الدين هو العلم الكبير الذي يشتمل على كل العلوم في باطنه .
و لا تعارض بين الدين و العلم , لأن الدين في ذاته منتهى العلم المشتمل بالضرورة على جميع لعلوم .
و الدين ضروري و مطلوب لأنه هو الذي يرسم للعلوم الصغيرة غاياتها و أهدافها و يضع لها وظائفها السليمة في إطار الحياة المثلى .
الدين هو الذي يقيم الضمير .
و الضمير بدوره يختار للطاقة الذرية وظيفة بناءة .. و لا يلقى بها دماراً و موتاً على الأبرياء .
و هو الذي يهيب بنا أن نجعل من الكهرباء وسيلة للإضاءة لا وسيلة للهلاك .
و الدين هو الذي يدلنا على أن كل العلوم وسائل هي الأخرى . و المادة ذاتها مخلوقة مثلنا و ليست إلهاً يعبد .. و أنها لا تستطيع أن تمنح الإنسان الأمن و السكينة و السعادة .. و أنها من طبيعتها التحلل و الفساد و التبدل و التغير شأنها شأن ذلك الكون الناقص و أنها لا تصلح سنداً و لا تشكل قوة حقيقية .
و التقدم المادي مطلوب و لكنه وسيلة لا أكثر من وسائل الإنسان المتحضر و لا يصح أن يكون غايته .
و الدين لا يرفض التقدم المادي و لكنه يضع في مكانه كوسيلة لا غاية .
و الدين لا يرفض العلم بل يأمر به و يحض عليه و لكنه يضعه في مكانه كوسيلة للمعرفة ضمن الوسائل العديدة التي يملكها الإنسان كالفطرة و البصيرة و البداهة و الإلهام و الوحي .
و رفض العلم و رفض الأخذ بالوسائل المادية المتقدمة خطيئة مثل عبادة هذه الوسائل و الخضوع لها سواء بسواء , و هو أحد أسباب التأخر في بلادنا .
و أنت تجد في الشرق أحد اثنين .. تجد من يرفض العلم اكتفاء بالدين و القرآن .. و تجد من يرفض الدين اكتفاء و عبادة للعلم المادي و الوسائل المادية .
و كلا الاثنين سبب من أسباب النكبة الحضارية في المنطقة .. و كلاهما لم يفهم المعنى الحقيقي للدين و لا المعنى الحقيقي للعلم .
و الدين , و الإسلام خاصة , يعتبر العلم فريضة .. و يقول نبينا إن من مات مهاجراً في سبيل العلم فقد مات شهيداً .. و عن العلماء ورثة الأنبياء .. و إن علينا أن نطلب العلم و لو في الصين .. و أول كلمة نزلت في القرآن هي ((اقرأ)) .
و الإسلام دين عقل يخاطب أتباعه بالمنهج العقلي .
فالعلم و التقدم العلمي المادي له مكانه العظيم في ديننا .
و لكن هو دائماً وسيلة لا غاية .. أداة لا صنم معبود ..
و هذا هو وضع الشيء في وضعه الصحيح .
فالوسيلة المادية لا تمنح النفس أمناً و لا سكينة . و إنما هي سبيل إلى الترف و الرفاهية و تيسير الحياة .. أما القلق و الخراب الروحي فأنه يبقى و لا يزول بالرغم من وجود الفريجيدير و التلفزيون و الريكوردر و جهاز التكييف و جميع الوسائل المادية . بل إن هذا القلق و الخراب الروحي يتفاقم بازدياد خضوع الإنسان لهذه الوسائل و جريه وراءها .
و لا تنزل السكينة على القلب و لا تعمر الروح بالطمأنينة و الأمان إلا بوسيلة واحدة هي الاعتقاد بأن هناك إلهاً خلق الكون و أن هذا الإله عادل كامل .. و أنه هيأ الكون نواميس تحفظه و قدر فيه كل شيء لحكمة و سبب و أننا راجعون إليه . و أن آلامنا و عذابنا لن تذهب عبثاً . و أن الفرد حقيقة مطلقة و ليس ترساً في آلة مصيره إلى التراب .
هذا اليقين الديني هو وحده الذي يرد للإنسان اعتباره و كرامته و ليس الفريجيدير و التلفزيون و الريكوردر و لا أية وسيلة مادية مهما عظمت .
و بهذا اليقين تنزل السكينة على القلب و يصل الإنسان إلى حالة من العمار الروحي و التكامل الداخلي و يشعر بنفسه أقوى من الموت و أقوى من الظلم .
و بهذا اليقين يجابه أعظم الأخطار و يقهرها فهو بإيمانه في حصن أقوى من دروع الدبابات . حصن لا سبيل إلى اختراقه بأي قذيفة . لأنه حصن يعبر الموت ذاته .
و بهذا الإيمان يشعر الإنسان أنه استرد هويته و أنه أصبح هو هو حقّاً .. و أنه أدرك ذاته و تعرف على نفسه و مكانته من خلال إدراكه للإله الواحد الكامل .
و الذي جرب هذا الشعور النادر يعلم أنه حالة من الاستنارة الداخلية و أنه ليس افتعالاً .. و ليس استجلاباً مزيفاً للأمان .. و إنما هو الحق عينه .. و أنه الصحو و ليس الحلم .
و إنا نعلم أمر هذا اليقين من حال نقيضه ..
من حال كثرة الناس الذين يعبدون الدجال ..
مسيخ العصر الذري ذو المخ الإلكتروني .
هذه الكثرة التي تتصارع بالمخلب و الناب و تأكل المخدرات و تتخبط على أبواب الجنون و الانتحار و تنحدر في خطوات دموية إلى حرب عالمية ثالثة .
و سوف تقول لك فطرتك أي الاثنين على حق ؟
هذه الكثرة التي يأكل بعضها بعضاً و تتآكل حقداً و غلاً و ضراوة .. أم هذه القلة التي نزلت على قلوبها السكينة و أدركت أن هناك إلهاً ..
* * *
و الدين لا يرفض الحياة و لا يرفض العقل .
و الإسلام بالذات ينطلق من مبدأ حب الحياة و الحرص عليها و رعايتها , و بحض على احترام العقل و على طلب العلم و يقدم شريعة عصرية توحد بين الروح و الجسد في التئام فريد .. لا الروح تطغى على الجسد و لا الجسد يطغى على الروح و إنما يتصرف الاثنان على أنهما واحد .. فهو لا يطلب كنا أن نميت الشهوة و إنما يطلب منا أن ننظمها و نوجهها في إطار العلاقة المشروعة .. و معيار التقوى عنده ليس الانقطاع للعبادة و العزلة و الرهبانية .. و إنما معيارها العمل .. تسبيح الروح لا بد أن يقترن بعمل اليدين و سعي القدمين من أجل خير المجتمع و نفعه .. و الصلاة لا يكفي فيها خشوع النفس و إنما لا بد أن يعبر الجسد عن الخشوع هو الآخر و في ذات الوقت بالركوع و السجود ..
و الصلاة الإسلامية هي رمز لهذه الوحدة التي لا تتجزأ بين الروح و الجسد ..الروح تخشع و اللسان يسبح و الجسد يركع .
و الطواف حول الكعبة رمز آخر لدوران الأعمال حول القطب الواحد .. و استهداف الحركات و الأفكار لهف واحد هو الخالق الذي خلق الإنسان حيث لا موجود بحق إلا هو , و حيث كل شيء منه و إليه .. و الطواف هو التعبير الجسماني و النفساني و الروحاني لهذا التوحيد .
و بهذا يعيد الإسلام إلى الإنسان التئامه روحاً و جسداً و يعيد إليه السكينة فينتهي ذلك الصراع الأزلي بين الشهوة و العقل , و يولد منهما شيء جديد هو الشهوة العاقلة البصيرة التي يتوحد فيها النقيضان .. كما تتوحد العاطفة مع الفكر و الباطن مع الظاهر فلا نعود نرى ذلك المخادع يخالف قلبه عقله و يخالف عقله قوله و يخالف قوله فعله .. و إنما يقوم مقام ذلك الإنسان المفكك الممزق .. إنسان جديد توحد روحاً و جسداً .. و قولاً و فعلاً .. و باطناً و ظاهراً ..
و بوصول الإنسان إلى وحدته مع نفسه يصل إلى وحدته مع ربه .. و هي حالة القرب التي يدخل بها الإنسان دائرة الضوء و يضع قدمه على حافة الملكوت .
و يدور الإسلام حول هذه الفكرة المحورية .. فكرة التوحيد .. و يؤكد القرآن هذا المعنى في كل حرف و كل كلمة و كل آية و يكرره بمختلف الصور و القصص و الأمثلة و الحكم و العبر .
و الإسلام يقدم للعصر المادي باب النجاة الوحيد و الحل الوحيد و المخرج الوحيد .. فهو يقدم إليه كل تراثه الروحي دون أن يكلفه أن ينزل عن شيء من مكتسباته العلمية أو تفوقه المادي .. و كل ما يريده الإسلام هو أن يحقق الاقتران الناجح و التزاوج الناجح بين المادة والروح لتقوم مدينة جديدة هي مدينة القوة و الرحمة , حيث لا تكون القوة المادية مسخاً معبوداً و إنما تكون أداة و وسيلة في يد القلب الرحيم .. و بذلك يتم تحطيم المسخ الدجال .. و تقوم دولة الإنسان الكامل .
....
و جواباً على الذين يسألون في حيرة : لماذا خلقنا الله ؟ لماذا أوجدنا في هذه الدنيا ؟ و ما حكمة هذا العذاب الذي نعانيه ؟
يجيب القرآن بمجموع آياته .. إن الله أنزل الإنسان إلى الدنيا بفضول مفطور فيه .. ليتعرف على مجهولاتها ثم يتعرف على نفسه . و من خلال إدراكه لنفسه يدرك ربه .. و يدرك مقام هذا الرب الجليل فيعبده و يحبه و بذلك يصبح أهلاً لمحبته و عطائه ..
و لهذا خلقنا الله ..
وهذا الهدف النهائي .. ليحبنا و يعطينا ..
و هو يعذبنا ليوقظنا من غفلتنا فنصبح أهلاً لمحبته وعطائه .
بالحب خلق ..
و للحب خلق ..
تبارك و تعالى في سماواته , الذي خلقنا باسمه الرحمن الرحيم .
مقال / المسيخ الدجال
من كتاب : رحلتي من الشك إلى الإيمان
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ تروي لنا الأديان حكاية رجل يظهر في آخر الزمان و يأتي من الخوارق و المعجزات بما يفتن الناس من كافة أرجاء الأرض فيسيرون خلفه و قد اعتقدوا أنه إله .
و تصفه الروايات بأنه أعور , و أنه يملك من القوة الخارقة ما يجعله يرى بهذه العين الواحدة ما يجري في أقصى الأرض كما يسمع بأذنه ما يتهامس به عبر البحار , كما يسقط الأمطار بمشيئته فينبت الزرع و يكشف عن الكنوز المخبوءة و يشفى المرضى و يحيي الموتى و يميت الأحياء و يطير بسرعة الريح .
و يفتتن به كل من يراه و يسجد له , على أنه الله . على حين يراه المؤمنون على حقيقته و لا تخدعهم معجزاته , و يشهَدون رسم الكفر على وجهه .
ذلك هو المسيخ الدجال , إحدى علامات الساعة التي نقرأ عنها في كتب الدين .
و المسيخ الدجال قد ظهر بالفعل كما يقول الكاتب البولندي ليوبولدفايس .. و قد أسلم هذا الكاتب و عاش بمكة . و تسمى باسم محمد أسد .
و هذا المسيخ الشائه ذو العين الواحدة كما يقول ليوبولدفايس هو :
التقدم العلمي و القوة المادية و الترف المادي . معبودات هذا الزمان .
مدينة العصر الذري , العوراء العرجاء , التي تتقدم في اتجاه واحد , و ترى في اتجاه واحد هو الاتجاه المادي , على حين تفتقد العين الثانية ((الروح)) التي تبصر البعد الروحي للحياة . فهي قوة بلا محبة , و علم بلا دين , و تكنولوجيا بلا أخلاق .
و قد استطاع هذا المسخ فعلاً عن طريق العلم أن يسمع ما يدور في أقصى الأرض ((باللاسلكي)) و يرى ما يجري في آخر الدنيا ((بالتلفزيون)) , وهو الآن يسقط المطر بوسائل صناعية , و يزرع الصحارى و يشفي المرضى و ينقل قلوب الأموات إلى قلوب الأحياء , و يطير حول الأرض في صواريخ و ينشر الموت و الدمار بالقنابل الذرية , و يكشف عروق الذهب في باطن الجبال .
و قد افتتن الناس بهذا المسخ فعبدوه .
و أمام هذا الاستعراض الباهر للتقدم العلمي الغربي فقدنا نحن الشرقيين ثقتنا بأنفسنا و نظرنا باحتقار إلى تراثنا و ديننا .
و في حمى الشعور بالنقص و التخلف تصورنا أن دياناتنا ضرب من الخرافات المخجلة التي يجب أن نتخلص منها لنلحق بركب التقدم و ندخل في رحاب المعبد الجديد . معبد العلم لنعبد ذلك الإله الجديد الذي اسمه القوة المادية .
و سجدنا مبهورين فاقدي الوعي و قد اختلطت علينا الوسيلة بالغاية . فجعلنا من القوة المادية غايتنا . و نسينا أنها مجرد وسيلة و أداة .
القطار وسيلة .
و التلغراف وسيلة .
و الكهرباء وسيلة .
و الطاقة الذرية وسيلة .
و دور هذه الوسائل أن توضع في خدمة الإنسان لتحرره من الضرورات المادية فيفرغ إلى الفكر و التأمل و إثراء روحه بالمعرفة الحقة .
و بدلاً من أن تكون هذه الوسائل في خدمتنا أصبحنا نحن في خدمتها نكد و نكدح و نتعارك و نتكالب لنمتلك عربة و راديو و تلفزيوناً . فإذا امتلكنا هذه الأشياء ازددنا نهماً و رغبة لنمتلك عربة أكبر من العربة ثم جهاز تسجيل ستريو فونيك ثم قارباً للنزهة ثم يختاً ثم فيلا و حديقة و حمام سباحة . ثم طائرة خاصة إن أمكن . و يطيش صوابنا شيئاً فشيئاً أمام سيل المنتجات الاستهلاكية التي تملأ الفاترينات . و نتحول إلى جوع أكال يزداد جوعاً كلما أمعن في الشراء . و حلقة مفرغة من الأطماع لا تنتهي لتبدأ , و هي أبداً تهدف إلى اقتناء سبب من أسباب القوة المادية أو الترف الحياتي مما تطرحه التكنولوجيا كل يوم في واجهات المحلات .
و كما يكدس المواطن العادي البضائع الاستهلاكية تكدس الدول الأسلحة و الذخائر ثم تدمر بها بعضها بعضاً في حروب طاحنة ثم تعود فتكدس أسلحة أخطر و قنابل أكبر .
العالم أصبح مسرحاً مجنوناً يهرول فيها المجانين في اتجاه واحد نحو القوة المادية . المسيخ الدجال الأعور ذو العين الواحدة . معبود هذا الزمان .
لا إله إلا المادة .
هذه هي الصلاة اليومية .
اختفى الإيمان بالله .
و اختفى معه الإحساس بالأمن و السكينة و الطمأنينة .
و أصبحت الصورة الفلسفية للعالم هي غابة يتصارع فيها المخلب و الناب .
صراع طبقي . و صراع عنصري . و صراع عقائدي . عالم فظيع من الخوف و القتل .
و لا أحد في السماء يرعى هذا العالم و يحفظه .
إلى هذه الحالة انتهت بنا عبادة الدجال الذي اسمه القوة المادية .
والنتيجة هي هذا الإنسان الكئيب المهموم الخائف القلق .وهذا الشاب الذي يدمن المخدرات في شوارع لندن وباريس .والانتحار والجنون الذي بلغ ذروته في بلاد الغنى والوفرة والرخاء أمثال السويد والنرويج وأمريكا .
وإنسان المذعور الذي افتقد الأمان يحاول أن يستجلب لنفسه هذا الأمان بالوسائل الصناعية التكنولوجية . عن طريق عين سحرية يضعها على الباب تعمل بالأشعة تحت الحمراء لاكتشاف اللصوص . و جرس الإنذار للخزينة . و رسم كهربائي للقلب كل شهر لاكتشاف الجلطة قبل أوانها . و أجهزة تكييف للحر و البرد و بوالص تأمين . و عشرات الأصناف من الفيتامينات و المسكنات و المنبهات و عشرات الأجهزة التي توفر الجهد و القوة العضلية .
و كل وسيلة ماديّة تحتاج بدورها إلى وسيلة مادية أخرى لتؤمنها . و في النهاية لا أمان , بل مزيد من الخوف و القلق و سعار نحو مزيد من الوسائل المادية بلا جدوى .
و ينسى الإنسان في هذا التيه الذي أضاع فيه عمره أنه أخطأ منذ البداية حينما تصوّر أن هذا العالم بلا إله و أنه قذف به إلى الدنيا بلا نواميس تحفظه و بلا رب يسأله .
و أخطأ مرة أخرى حينما عبد القوة المادية و جعل منها مصدراً لسعادته و هدفاً لحياته و غاية لسعيه , و أقامها مكان الله . و تصور أنها يمكن أن تمنحه الأمن و السكينة و الاطمئنان المفتقد , و أنها يمكن أن تحفظه من الموت و الدمار , فإذا هي نفسها التي تسلبه سكينة النفس , ثم إذا بها في النهاية تصبح أدوات الحروب التي تدمره و تبعثره أشلاء .
و أخطأ مرة ثالثة حينما تصور أنا الكيمياء و الطبيعة و الكهرباء علوم و أن الدين خرافة .
و لو انه فكر قليلاً لأدرك أن الكيمياء و الطبيعة و الكهرباء هي في الواقع علوم جزئية تبحث في الجزيئات و العلاقات و المقادير و الكميات . و أن الدين علم كلي يبحث في الكليات . بل هو منتهى العلم لأنه يبحث في البدايات الأولى للأشياء و النهايات المطلقة للأشياء , و الغايات النهائية للوجود , و المعنى العالم للحياة و المغزى الكلي للألم .
الكيمياء و الطبيعة و الكهرباء هي العلوم الصغيرة .
و الدين هو العلم الكبير الذي يشتمل على كل العلوم في باطنه .
و لا تعارض بين الدين و العلم , لأن الدين في ذاته منتهى العلم المشتمل بالضرورة على جميع لعلوم .
و الدين ضروري و مطلوب لأنه هو الذي يرسم للعلوم الصغيرة غاياتها و أهدافها و يضع لها وظائفها السليمة في إطار الحياة المثلى .
الدين هو الذي يقيم الضمير .
و الضمير بدوره يختار للطاقة الذرية وظيفة بناءة . و لا يلقى بها دماراً و موتاً على الأبرياء .
و هو الذي يهيب بنا أن نجعل من الكهرباء وسيلة للإضاءة لا وسيلة للهلاك .
و الدين هو الذي يدلنا على أن كل العلوم وسائل هي الأخرى . و المادة ذاتها مخلوقة مثلنا و ليست إلهاً يعبد . و أنها لا تستطيع أن تمنح الإنسان الأمن و السكينة و السعادة . و أنها من طبيعتها التحلل و الفساد و التبدل و التغير شأنها شأن ذلك الكون الناقص و أنها لا تصلح سنداً و لا تشكل قوة حقيقية .
و التقدم المادي مطلوب و لكنه وسيلة لا أكثر من وسائل الإنسان المتحضر و لا يصح أن يكون غايته .
و الدين لا يرفض التقدم المادي و لكنه يضع في مكانه كوسيلة لا غاية .
و الدين لا يرفض العلم بل يأمر به و يحض عليه و لكنه يضعه في مكانه كوسيلة للمعرفة ضمن الوسائل العديدة التي يملكها الإنسان كالفطرة و البصيرة و البداهة و الإلهام و الوحي .
و رفض العلم و رفض الأخذ بالوسائل المادية المتقدمة خطيئة مثل عبادة هذه الوسائل و الخضوع لها سواء بسواء , و هو أحد أسباب التأخر في بلادنا .
و أنت تجد في الشرق أحد اثنين . تجد من يرفض العلم اكتفاء بالدين و القرآن . و تجد من يرفض الدين اكتفاء و عبادة للعلم المادي و الوسائل المادية .
و كلا الاثنين سبب من أسباب النكبة الحضارية في المنطقة . و كلاهما لم يفهم المعنى الحقيقي للدين و لا المعنى الحقيقي للعلم .
و الدين , و الإسلام خاصة , يعتبر العلم فريضة . و يقول نبينا إن من مات مهاجراً في سبيل العلم فقد مات شهيداً . و عن العلماء ورثة الأنبياء . و إن علينا أن نطلب العلم و لو في الصين . و أول كلمة نزلت في القرآن هي ((اقرأ)) .
و الإسلام دين عقل يخاطب أتباعه بالمنهج العقلي .
فالعلم و التقدم العلمي المادي له مكانه العظيم في ديننا .
و لكن هو دائماً وسيلة لا غاية . أداة لا صنم معبود .
و هذا هو وضع الشيء في وضعه الصحيح .
فالوسيلة المادية لا تمنح النفس أمناً و لا سكينة . و إنما هي سبيل إلى الترف و الرفاهية و تيسير الحياة . أما القلق و الخراب الروحي فأنه يبقى و لا يزول بالرغم من وجود الفريجيدير و التلفزيون و الريكوردر و جهاز التكييف و جميع الوسائل المادية . بل إن هذا القلق و الخراب الروحي يتفاقم بازدياد خضوع الإنسان لهذه الوسائل و جريه وراءها .
و لا تنزل السكينة على القلب و لا تعمر الروح بالطمأنينة و الأمان إلا بوسيلة واحدة هي الاعتقاد بأن هناك إلهاً خلق الكون و أن هذا الإله عادل كامل . و أنه هيأ الكون نواميس تحفظه و قدر فيه كل شيء لحكمة و سبب و أننا راجعون إليه . و أن آلامنا و عذابنا لن تذهب عبثاً . و أن الفرد حقيقة مطلقة و ليس ترساً في آلة مصيره إلى التراب .
هذا اليقين الديني هو وحده الذي يرد للإنسان اعتباره و كرامته و ليس الفريجيدير و التلفزيون و الريكوردر و لا أية وسيلة مادية مهما عظمت .
و بهذا اليقين تنزل السكينة على القلب و يصل الإنسان إلى حالة من العمار الروحي و التكامل الداخلي و يشعر بنفسه أقوى من الموت و أقوى من الظلم .
و بهذا اليقين يجابه أعظم الأخطار و يقهرها فهو بإيمانه في حصن أقوى من دروع الدبابات . حصن لا سبيل إلى اختراقه بأي قذيفة . لأنه حصن يعبر الموت ذاته .
و بهذا الإيمان يشعر الإنسان أنه استرد هويته و أنه أصبح هو هو حقّاً . و أنه أدرك ذاته و تعرف على نفسه و مكانته من خلال إدراكه للإله الواحد الكامل .
و الذي جرب هذا الشعور النادر يعلم أنه حالة من الاستنارة الداخلية و أنه ليس افتعالاً . و ليس استجلاباً مزيفاً للأمان . و إنما هو الحق عينه . و أنه الصحو و ليس الحلم .
و إنا نعلم أمر هذا اليقين من حال نقيضه .
من حال كثرة الناس الذين يعبدون الدجال .
مسيخ العصر الذري ذو المخ الإلكتروني .
هذه الكثرة التي تتصارع بالمخلب و الناب و تأكل المخدرات و تتخبط على أبواب الجنون و الانتحار و تنحدر في خطوات دموية إلى حرب عالمية ثالثة .
و سوف تقول لك فطرتك أي الاثنين على حق ؟
هذه الكثرة التي يأكل بعضها بعضاً و تتآكل حقداً و غلاً و ضراوة . أم هذه القلة التي نزلت على قلوبها السكينة و أدركت أن هناك إلهاً .
**
و الدين لا يرفض الحياة و لا يرفض العقل .
و الإسلام بالذات ينطلق من مبدأ حب الحياة و الحرص عليها و رعايتها , و بحض على احترام العقل و على طلب العلم و يقدم شريعة عصرية توحد بين الروح و الجسد في التئام فريد . لا الروح تطغى على الجسد و لا الجسد يطغى على الروح و إنما يتصرف الاثنان على أنهما واحد . فهو لا يطلب كنا أن نميت الشهوة و إنما يطلب منا أن ننظمها و نوجهها في إطار العلاقة المشروعة . و معيار التقوى عنده ليس الانقطاع للعبادة و العزلة و الرهبانية . و إنما معيارها العمل . تسبيح الروح لا بد أن يقترن بعمل اليدين و سعي القدمين من أجل خير المجتمع و نفعه . و الصلاة لا يكفي فيها خشوع النفس و إنما لا بد أن يعبر الجسد عن الخشوع هو الآخر و في ذات الوقت بالركوع و السجود .
و الصلاة الإسلامية هي رمز لهذه الوحدة التي لا تتجزأ بين الروح و الجسد .الروح تخشع و اللسان يسبح و الجسد يركع .
و الطواف حول الكعبة رمز آخر لدوران الأعمال حول القطب الواحد . و استهداف الحركات و الأفكار لهف واحد هو الخالق الذي خلق الإنسان حيث لا موجود بحق إلا هو , و حيث كل شيء منه و إليه . و الطواف هو التعبير الجسماني و النفساني و الروحاني لهذا التوحيد .
و بهذا يعيد الإسلام إلى الإنسان التئامه روحاً و جسداً و يعيد إليه السكينة فينتهي ذلك الصراع الأزلي بين الشهوة و العقل , و يولد منهما شيء جديد هو الشهوة العاقلة البصيرة التي يتوحد فيها النقيضان . كما تتوحد العاطفة مع الفكر و الباطن مع الظاهر فلا نعود نرى ذلك المخادع يخالف قلبه عقله و يخالف عقله قوله و يخالف قوله فعله . و إنما يقوم مقام ذلك الإنسان المفكك الممزق . إنسان جديد توحد روحاً و جسداً . و قولاً و فعلاً . و باطناً و ظاهراً .
و بوصول الإنسان إلى وحدته مع نفسه يصل إلى وحدته مع ربه . و هي حالة القرب التي يدخل بها الإنسان دائرة الضوء و يضع قدمه على حافة الملكوت .
و يدور الإسلام حول هذه الفكرة المحورية . فكرة التوحيد . و يؤكد القرآن هذا المعنى في كل حرف و كل كلمة و كل آية و يكرره بمختلف الصور و القصص و الأمثلة و الحكم و العبر .
و الإسلام يقدم للعصر المادي باب النجاة الوحيد و الحل الوحيد و المخرج الوحيد . فهو يقدم إليه كل تراثه الروحي دون أن يكلفه أن ينزل عن شيء من مكتسباته العلمية أو تفوقه المادي . و كل ما يريده الإسلام هو أن يحقق الاقتران الناجح و التزاوج الناجح بين المادة والروح لتقوم مدينة جديدة هي مدينة القوة و الرحمة , حيث لا تكون القوة المادية مسخاً معبوداً و إنما تكون أداة و وسيلة في يد القلب الرحيم . و بذلك يتم تحطيم المسخ الدجال . و تقوم دولة الإنسان الكامل .
..
و جواباً على الذين يسألون في حيرة : لماذا خلقنا الله ؟ لماذا أوجدنا في هذه الدنيا ؟ و ما حكمة هذا العذاب الذي نعانيه ؟
يجيب القرآن بمجموع آياته . إن الله أنزل الإنسان إلى الدنيا بفضول مفطور فيه . ليتعرف على مجهولاتها ثم يتعرف على نفسه . و من خلال إدراكه لنفسه يدرك ربه . و يدرك مقام هذا الرب الجليل فيعبده و يحبه و بذلك يصبح أهلاً لمحبته و عطائه .
و لهذا خلقنا الله .
وهذا الهدف النهائي . ليحبنا و يعطينا .
و هو يعذبنا ليوقظنا من غفلتنا فنصبح أهلاً لمحبته وعطائه .
بالحب خلق .
و للحب خلق .
تبارك و تعالى في سماواته , الذي خلقنا باسمه الرحمن الرحيم .
مقال / المسيخ الدجال
من كتاب : رحلتي من الشك إلى الإيمان
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝
❞ منذ العام 1960 لم يستيقظ عم ( جلال ) لصلاة الفجر ..
وهذا لسبب بسيط جداً هو أنه لم ينم قط قبلها ..
في ذلك الشارع الضيق الصغير كان الضوء الوحيد ينبعث من بقالته ، وكان هو المكان الوحيد في العالم بالنسبة لسكان الشارع على الأقل الذي تستطيع أن تبتاع منه علبة سردين أو شاي أو تبغ بعد الثانية صباحاً ..
إنه مكان دافئ آمن يشبه الفنار للسفن الضالة .. هناك سوف تقترب لتجده جالساً وسط المحل بين البضائع موقد الكيروسين بدفئه الجميل وصوته العذب فى ليالى الشتاء .. والبطانية على كتفيه وصوت ( أم كلثوم ) ينبعث من ذلك المذياع العتیق المربوط بالحبال ..
سوف تقف عنده متلذذاً بذلك الشعور : ظهرك يرتجف من الصقيع ووجهك ينعم بالدفء .. شعور يبعث فيك القشعريرة مع رغبة عارمة في أن تدخل لتنام بالداخل ، لكن هذا مستحيل لأن المحل ضيق جداً .. وقد رتب هو كل شيء بحيث لا يضطر إلى النهوض أبداً ..
لكن بقالة عم ( جلال ) من المواضع النادرة في العالم التي تجعلك تشعر بأن الحياة تستحق أن نحياها .. وقد قالت زوجة من ساكنات الشارع :
- «لو صحوت يوماً فوجدت أن هذا الرجل مات لشعرت بأن العالم قد انهار ..»
الرجل نفسه عجوز باسم لم يترك مرضاً في كتب الطب إلا اتخذه لنفسه كما يقتني هواة النفائس مقتنياتهم ، وإلى حد ما كنت تشعر بأنه يفخر بأمراضه هذه .. إنه يحدثك باعتزاز عن النقرس ويحدثك بفخر عن الروماتزم ويحدثك بكبرياء عن داء السكري .. ولو كان ذا ثقافة طبية لاتخذ مرضاً غريب الاسم مثل ( التهاب الحيزوب ) أو ( الانسكاب البلوری ) ليضمه لمجموعته ..
هكذا يظل الرجل في متجره وحيداً لا تعرف فيما يفكر ولا أية ذكريات يجترها ، ثم يتعالى صوت الأذان من زاوية قريبة فينهض .. معجزة أن تراه ينهض كأنك ترى أحد ديناصورات (رای هاری هاوزن Haussen ) المتخشبة في أفلامه القديمة .. حتى توشك أن تبكي تأثراً لرؤية هذه المعجزة ..
إنه يغلق المتجر .. يمشي إلى المسجد وهو يردد الأدعية بصوت خفيض.. يؤدي الصلاة ثم ينصرف إلى داره .. إنه يعيش بلا ولد مع زوجة عجوز مثله في شقة ضيقة بذات الشارع ..
هكذا لن تراه ثانية إلا بعد صلاة الظهر..
أعترف أنني كنت أهيم حباً بهذا المتجر وهذا الرجل. ❝ ⏤أحمد خالد توفيق
❞ منذ العام 1960 لم يستيقظ عم ( جلال ) لصلاة الفجر .
وهذا لسبب بسيط جداً هو أنه لم ينم قط قبلها .
في ذلك الشارع الضيق الصغير كان الضوء الوحيد ينبعث من بقالته ، وكان هو المكان الوحيد في العالم بالنسبة لسكان الشارع على الأقل الذي تستطيع أن تبتاع منه علبة سردين أو شاي أو تبغ بعد الثانية صباحاً .
إنه مكان دافئ آمن يشبه الفنار للسفن الضالة . هناك سوف تقترب لتجده جالساً وسط المحل بين البضائع موقد الكيروسين بدفئه الجميل وصوته العذب فى ليالى الشتاء . والبطانية على كتفيه وصوت ( أم كلثوم ) ينبعث من ذلك المذياع العتیق المربوط بالحبال .
سوف تقف عنده متلذذاً بذلك الشعور : ظهرك يرتجف من الصقيع ووجهك ينعم بالدفء . شعور يبعث فيك القشعريرة مع رغبة عارمة في أن تدخل لتنام بالداخل ، لكن هذا مستحيل لأن المحل ضيق جداً . وقد رتب هو كل شيء بحيث لا يضطر إلى النهوض أبداً .
لكن بقالة عم ( جلال ) من المواضع النادرة في العالم التي تجعلك تشعر بأن الحياة تستحق أن نحياها . وقد قالت زوجة من ساكنات الشارع :
- «لو صحوت يوماً فوجدت أن هذا الرجل مات لشعرت بأن العالم قد انهار .»
الرجل نفسه عجوز باسم لم يترك مرضاً في كتب الطب إلا اتخذه لنفسه كما يقتني هواة النفائس مقتنياتهم ، وإلى حد ما كنت تشعر بأنه يفخر بأمراضه هذه . إنه يحدثك باعتزاز عن النقرس ويحدثك بفخر عن الروماتزم ويحدثك بكبرياء عن داء السكري . ولو كان ذا ثقافة طبية لاتخذ مرضاً غريب الاسم مثل ( التهاب الحيزوب ) أو ( الانسكاب البلوری ) ليضمه لمجموعته .
هكذا يظل الرجل في متجره وحيداً لا تعرف فيما يفكر ولا أية ذكريات يجترها ، ثم يتعالى صوت الأذان من زاوية قريبة فينهض . معجزة أن تراه ينهض كأنك ترى أحد ديناصورات (رای هاری هاوزن Haussen ) المتخشبة في أفلامه القديمة . حتى توشك أن تبكي تأثراً لرؤية هذه المعجزة .
إنه يغلق المتجر . يمشي إلى المسجد وهو يردد الأدعية بصوت خفيض. يؤدي الصلاة ثم ينصرف إلى داره . إنه يعيش بلا ولد مع زوجة عجوز مثله في شقة ضيقة بذات الشارع .
هكذا لن تراه ثانية إلا بعد صلاة الظهر.
أعترف أنني كنت أهيم حباً بهذا المتجر وهذا الرجل. ❝
❞ أوروبا هذه اتحدت أولا عن طريق العملة والبضائع والتجارة والمصالح،ولم نسمع في أوروبا كلها أغنية واحدة عن الوحدة أو حتى عن الاتحاد.ولكن هنا في بلادنا استمعنا إلى مائة ألف أغنية،وأنا واقف فوق الأهرام وقدامي بساتين الشام،والوحدة هي طريقي والعربي هو رفيقي.. ❝ ⏤محمود السعدنى
❞ أوروبا هذه اتحدت أولا عن طريق العملة والبضائع والتجارة والمصالح،ولم نسمع في أوروبا كلها أغنية واحدة عن الوحدة أو حتى عن الاتحاد.ولكن هنا في بلادنا استمعنا إلى مائة ألف أغنية،وأنا واقف فوق الأهرام وقدامي بساتين الشام،والوحدة هي طريقي والعربي هو رفيقي. ❝