❞ ورجعت لنفسي، ووجدتني كافية
بعد كل الذين غابوا، وكل الذين قالوا إنهم لن يرحلوا، ثم رحلوا، لم أعد أبحث عن أحد، لم أعد أركض خلف علاقة، ولا أفتح قلبي لكل من يطرق، تعلمت بعد كل شيء أنني كافية، أنني حين أخسَر لا أفقد نفسي، بل أكتشفها من جديد، كنت أظن أن الحب هو من يعيد لي قيمتي، ثم أدركت متأخرة أن ثقة النفس لا تُهدى، ولا تُستعير، هي قرار أن تحب نفسك أولًا، أن تعرف من أنت وتعتز بذلك، حتى وإن تركك الجميع، أنا لم أعد تلك التي تنتظر كلمة لتطمئن، ولا تلك التي تنهار من خذلان، أنا امرأة قامت من تحت الركام، وضمّت شتات قلبها، وقالت لنفسها: \"كفاكِ ضعفًا لقد فهمتِ الدرس.\"
لم يعد يؤلمني الغياب، ولا يربكني التجاهل، من أراد البقاء فلن يحتاج دعوة، ومن رحل فليحمل خيبته معه، أنا لا أُشبه نسختي القديمة، كبرتُ بما يكفي لأعرف: أنني لا أحتاج أحدًا ليُكملني، فأنا كاملة، بي أنا وبي وحدي.
الكاتبة: إيمان يوسف: وفي قلبي ضوء لا ينطفئ
رغم كل ما حدث ما زلت أؤمن أن شيئًا جميلًا قادم، أن الله حين يُمهل لا ينسى، وحين يؤخر، يُعدّ لنا ما لم نكن نتخيله، كم مرة ظننت أنني انتهيت؟
ثم فجأة، جاءني الضوء من حيث لا أدري، لم يكن نصرًا عظيمًا، بل كان فقط طمأنينة تكفي؛ لتقوم من جديد، الأمل ليس وهمًا، بل اختيار أن تُكمل رغم الخذلان، أن تزرع زهرة في أرضٍ ظننت أنها ماتت، أن تبتسم رغم الدموع، وتقول لنفسك: \"لعلّ ما يأتي أجمل.\"
أنا لست مثالية، ولا قوية دائمًا، لكن بداخلي شعور صغير، يهمس لي: ما دام الله معك لا مستحيل، أؤمن أن كل تأخير يحمل حكمة، وكل حرمان يخفي لطفًا، وأن الأماني لا تُنسى في السماء، بل تُجمع لها الأسباب وتأتي في الوقت الأنسب، في قلبي تعب نعم، لكنه مغمور برجاء، وفي عيني دمعة، لكنها تنظر نحو غدٍ لم يُولد بعد، أنا من الذين يتهشمون بصمت، ثم ينهضون على صوت دعاء وثقة بأن الفرج أقرب مما نتصور.
الكاتبة: إيمان يوسف
: كان حبًّا، لكن الطريق ضيّق
لم يكن حبًا عابرًا، ولا شيئًا يشبه الإعجاب، كان حبًّا من النوع الذي يجعل الأيام أخف، والحياة أبسط، والقلب أوسع، لكننا لم نكن على موعدٍ مع القدر، ربما كنا متشابهين في الشعور، ومتنافرين في الظروف، أحببته كما لا يُحب أحد، رأيته في كل شيء، في الأغاني، في الطرقات، في صمتي الطويل، في نبضي حين أسمع اسمه دون أن يُقال، لكن الحب وحده لا يكفي، فثمة طرق لا تتسع للحلم، وثمة قلوب تلتقي، لكن لا تعبر معًا، لم نكن قساة، ولا مخطئين، كنا فقط في الوقت الخطأ والمكان الخطأ، والعمر الذي لا يحتمل انتظارًا أطول، كان حبًا كبيرًا، لكنه لم يعرف النهاية، وبدلًا من أن نكون \"معًا\" صرنا \"ذكرى\"، أحييه في دعائي، وأخبئه في عمق الذاكرة،
ليس ندمًا، بل امتنانًا؛ لأنه أهداني لحظة صدق في زمنٍ مشوش، لم نكمل الطريق، لكننا التقينا، وهذا وحده كان كافيًا؛ ليفهم القلب أن بعض الحب لا يُنسى، حتى لو لم يُكتَب له البقاء.
: هناك حيث يُولد الصبر من الرماد
في فلسطين لا يُولد الأطفال وحدهم، بل يولد معهم الحزن والمقاومة، والحصار، هناك لا تنام الأمهات في سلام، تُرضع طفلها وهي لا تعلم هل سيكبر؟ هل سيتعلم الحروف؟ أم سيكون اسمه على حجر قبر صغير؟
هناك لا تُكتب الحكايات على ورق، بل تُكتب على جدران مهدّمة، وفي ملامح أطفالٍ كبروا قبل أوانهم، يحملون على أكتافهم وطنًا أثقل من أعمارهم، كم مرة رأينا البيوت تسقط، والأحلام تُدفن تحت الركام، والعالم صامت، بارد، لا يسمع، لا يرى إلا إن جاءهم الغبار في هواء نقيّهم؟
يا فلسطين لسنا على الأرض معكِ، لكن قلوبنا معلقّة بكِ، وكل سجدة فيها دعاء، وكل دمعة فيها وطن، كم تبكينا صورك، وكم يوجعنا أنكِ وحدكِ تقاتلين، بالحجر، بالكلمة، بالحلم، بجسدٍ صغير يحمل علمًا أكبر منه، لكننا نعلم أنكِ لا تسقطين؛ لأنكِ في كل مرة تنزفين، تنهضين، وفي كل مرة تُهدمين، تُبعثين من جديد.
فلسطين أنتِ لستِ مجرد وطن، أنتِ آية صبر، ورمز كرامة، ونحن من خلفك نبكي ونُقسم:
أن الحقّ وإن طال، لا يضيع.
الكاتبة: إيمان يوسف
: رائحة الغياب لا تزال في الذاكرة
في لحظات الصمت الطويلة أسمع صوتهم وكأنهم هنا، يمرّ في بالي حديثٌ قديم، ضحكة مرت من زمن، تفصيلة صغيرة لا يلاحظها أحد، لكن قلبي يقف عندها طويلًا؛ لأن فيها حنين، أشتاق، ليس لوجودهم فقط، بل للأمان الذي كنت أشعر به قربهم، للملامح التي عرفتها حتى غابت، وغابت معها أجزاء مني.
يقولون: \"كل شيء يُنسى مع الوقت\"، لكنهم لا يعرفون أن هناك روائح، وأغاني، وأماكن تُعيدك للماضي بضغطة نفس، أحنُّ حتى وإن تألمت، حتى وإن جرّحني الغياب، حتى وإن صارت المسافة بيننا عمرًا.
أحنّ؛ لأن هناك ذكريات لا تُمحى، وأشخاصًا لم نُكمل معهم الطريق، لكنهم ظلوا فينا كأنهم رحلوا تاركين قلوبنا في منتصف الحكاية، لا أريد رجوعهم، ولا أطلب نهاية مختلفة، كل ما أريده: أن يتوقف قلبي عن الرجوع إليهم كلما هدأت الحياة.
أحنُّ؛ لأنني ما زلت إنسانة، وما زال في قلبي بابٌ مفتوح، يقف خلفه ظلّ أحدهم لا يعود، ولا يرحل.
الكاتبة: إيمان يوسف
: وجئتُ هذه المرة بي أنا
ما عدتُ أركض خلف أحد ولا أطرق أبوابًا أُغلقت، ولا أبحث عن ملامح الدفء في وجوهٍ باردة، تعلمت أن البدايات لا تأتي من الخارج، بل من قرار صغير، حين تقول لنفسك: \"يكفي.\"
يكفي أن تُؤذي نفسك من أجل من لا يشعر، يكفي أن تؤجل سعادتك، وتختبئ خلف الانتظار، يكفي أن تعيش على أطراف الحياة، بين “ربما” و\"لعلّه يعود\".
اليوم قررت أن أبدأ من عندي، أن أُرمم ما تهدّم بداخلي، أن أُغلق الطرق التي مرّ منها الحزن، وأُضيء الممرات التي نمت فيها الزهور ذاتي يومًا، سأبدأ بداية لا يشتركني فيها أحد، بداية لا تتعلق بحبٍ، ولا بفرصة، بل بوعيٍ جديد ونَفَس مختلف، أنا لا أعود كما كنت، بل أعود أجمل؛ لأنني هذه المرة، جئتُ بي لا بظل أحد، جئتُ بخطايَ وحدي، بقلبي الذي نجا، وبأحلامٍ لم تمت، لكنها انتظرت بصبر، من هنا، تبدأ حكايتي.، بكامل النُضج، بكامل الهدوء، بكامل القوة التي صقلها الألم لا الكلمات.
الكاتبة: إيمان يوسف
: أنا تلك التي سقطت، وقامت
لم يرَ أحدٌ عناوين الألم على وجهي، ولا عدد المرات التي بكيت فيها بصمت، ولا كم مرة قلت \"أنا بخير\" وأنا أنزف من الداخل، كانوا يرون ابتسامتي، لكن لم يرَ أحدٌ الحروب التي خضتها وحدي، ولا المعارك التي كنتُ أخسرها في اليوم ألف مرة، ثم أعود في الليل؛ لأواسي نفسي كأنني طفلة، أنا تلك التي انهارت، ولكن لم تُكسر، التي مرّت بكل شيء يُميت الروح، ثم نهضت، ومسحت دموعها، وقالت لنفسها: \"لن تنتهي الحكاية هنا.\"
كنت أظن أن النهاية هناك عند الخذلان، عند الرحيل، عند الوحدة، لكنني كنت أجهل أن بعض النهايات، هي أول فصول البداية، حين أعود إليّ، الآن لا أنتظر أحدًا، ولا أحتاج أن يُنقذني أحد، أنا منقذة نفسي، أنا من أمسكتُ بيدي المرتعشة، ونهضتُ بي من تحت الركام، تعلمت أن أكون وطنًا لنفسي، أن أزرع بداخلي سكينة لا يعبث بها غياب، وأن أثق أن ما مضى لم يكن خسارة، بل درسًا؛ كي لا أعود كما كنت، أنا تلك التي سقطت وقامت، وفي كل مرة تنهار فيها روحي، كنتُ أرتفع من جديد، أنضج، أهدأ وأقوى.
الكاتبة: إيمان يوسف
: على ضفاف قلبي، مرّ العابرون
كم مرة فتحتُ أبواب قلبي لمن لا يستحق الدخول؟
وكم مرة ظننت أن المارّ عابر، فأقام خيمة في روحي، ثم تركها أطلالًا؟
في كل مرة أعطيتُ بلا حساب، ظنًا مني أن القلوب تُفهم بالنية، لكنني نسيت أن بعض القلوب لا تقرأ، ولا تشعر، بل تمر كأنها رياح لا تترك سوى الغبار خلفها، كبرتُ لا في العمر فقط، بل في الحكمة، فهمت أن الحب ليس بالأخذ والعطاء، بل بالأمان في الحضور، والصدق في الغياب، وأن الصمت أحيانًا أصدق من آلاف الكلمات، وأن الرحيل ليس دائمًا قسوة، بل كرامة، لم أعد أبحث عمّن يفهمني، بل أبحث عن نفسي في الزحام، لم أعد أخاف الوحدة، بل صرت أرتاح في هدوءي، في صوتي الداخلي، في كوب قهوتي، وكتاب يشبهني، تعلمت ألا أتمسك بأحد، فالذين يريدون البقاء لا يرحلون، والذين يرحلون، علموني كيف أبقى، أنا امرأةٌ لا تنكسر؛ لأني حين سقطت، نهضت من بين رمادي، وحين خذلوني، وجدت الله بجانبي؛ لأني فهمت متأخرًا، أن أجمل حبٍ هو أن تُحب نفسك، وتحتويها حين يتخلى الجميع.
الكاتبة: إيمان يوسف
: حين تتكلّم الأرواح بصمت
ليست كل الكلمات تُقال، فثمة مشاعر تنمو في الظلّ، تنبت داخلنا دون ضجيج، وتزهر في لحظة صمتٍ عابرة، كأنّ الأرواح تبعث رسائلها دون أن تهمس بها الشفاه، أشعر بك دون أن تقترب، وأفهمك دون أن تشرح، كأن بيننا لغة خفيّة لا يتقنها سوانا، أحيانًا يكفينا أن نوجد في نفس اللحظة، أن نلتقي في نظرة، أو نرتبك من نفس الفكرة، لنوقن أننا ما عدنا نحتاج الكلمات، لقد تعب القلب من شرح نفسه، وارتاحت الروح حين وجدت روحًا أخرى تفهم ارتعاشاتها دون تفسير، أُحبّ ذاك الصمت الذي يجمعنا، كأنه اتفاق سرّي بيننا على ألا نكسر هذه الطمأنينة بثرثرة لا ضرورة لها، ففي حضرة من يُشبهك، تكفي النظرة؛ لتغني عن كتاب، وتكفي نبضة؛ لتصنع سلامًا، وتكفي المسافة؛ لتُثبت القرب الحقيقي.
أحيانًا، لا شيء أصدق من صمتٍ يتكلّم.
الكاتبة: إيمان يوسف
: حين صمت قلبي، تكلمت الحياة
في زمنٍ كانت الضوضاء تملأ روحي، وكان قلبي يصرخ في صمتٍ لا يسمعه أحد، تعلمت أن السكون لا يعني الفراغ، بل قد يكون أكمل ما فينا صوتًا.
سألت نفسي كثيرًا: لماذا يشبهني الغروب؟ لماذا كلما ابتسمتُ، شعرتُ بظلٍ خفيفٍ من الحزن يمر على أطراف روحي؟
أدركت بعد وقتٍ طويل أن النضج لا يأتي بالأعوام، بل بالخذلان، أن الطمأنينة ليست في وجود أحد، بل في اكتفائي بنفسي، يا قلبي لم تعد كما كنت، لكنك صرت أجمل، هزمتَ الانكسارات، ومشيتَ على شظايا خيباتك، حتى صرتَ لا تشكو، لا تنتظر، ولا تخاف، كل الذين غابوا، حملوا معهم جزءًا كنت أظنه لا يُستغنى عنه، ثم اكتشفت أنهم أخذوا الوهم، وتركوا لي الحقيقة، الحقيقة التي تقول: أنك لا تحتاج إلا إلى الله، ونفسك وصفحة بيضاء تبدأ منها من جديد، سأمشي لا لأن الطريق واضح، بل لأن التوقف يقتلني، وسأبتسم، لا لأن الحزن انتهى، بل لأني أقوى من أن أُهزم، أنا لست كما كنت، أنا أجمل؛ لأني بعد كل وجع، كنت أعود إليَّ، أكثر وعيًا وأقل تعلقًا.
الكاتبة: إيمان يوسف. ❝ ⏤مجموعة من المؤلفين
❞ ورجعت لنفسي، ووجدتني كافية
بعد كل الذين غابوا، وكل الذين قالوا إنهم لن يرحلوا، ثم رحلوا، لم أعد أبحث عن أحد، لم أعد أركض خلف علاقة، ولا أفتح قلبي لكل من يطرق، تعلمت بعد كل شيء أنني كافية، أنني حين أخسَر لا أفقد نفسي، بل أكتشفها من جديد، كنت أظن أن الحب هو من يعيد لي قيمتي، ثم أدركت متأخرة أن ثقة النفس لا تُهدى، ولا تُستعير، هي قرار أن تحب نفسك أولًا، أن تعرف من أنت وتعتز بذلك، حتى وإن تركك الجميع، أنا لم أعد تلك التي تنتظر كلمة لتطمئن، ولا تلك التي تنهار من خذلان، أنا امرأة قامت من تحت الركام، وضمّت شتات قلبها، وقالت لنفسها: ˝كفاكِ ضعفًا لقد فهمتِ الدرس.˝
لم يعد يؤلمني الغياب، ولا يربكني التجاهل، من أراد البقاء فلن يحتاج دعوة، ومن رحل فليحمل خيبته معه، أنا لا أُشبه نسختي القديمة، كبرتُ بما يكفي لأعرف: أنني لا أحتاج أحدًا ليُكملني، فأنا كاملة، بي أنا وبي وحدي.
الكاتبة: إيمان يوسف: وفي قلبي ضوء لا ينطفئ
رغم كل ما حدث ما زلت أؤمن أن شيئًا جميلًا قادم، أن الله حين يُمهل لا ينسى، وحين يؤخر، يُعدّ لنا ما لم نكن نتخيله، كم مرة ظننت أنني انتهيت؟
ثم فجأة، جاءني الضوء من حيث لا أدري، لم يكن نصرًا عظيمًا، بل كان فقط طمأنينة تكفي؛ لتقوم من جديد، الأمل ليس وهمًا، بل اختيار أن تُكمل رغم الخذلان، أن تزرع زهرة في أرضٍ ظننت أنها ماتت، أن تبتسم رغم الدموع، وتقول لنفسك: ˝لعلّ ما يأتي أجمل.˝
أنا لست مثالية، ولا قوية دائمًا، لكن بداخلي شعور صغير، يهمس لي: ما دام الله معك لا مستحيل، أؤمن أن كل تأخير يحمل حكمة، وكل حرمان يخفي لطفًا، وأن الأماني لا تُنسى في السماء، بل تُجمع لها الأسباب وتأتي في الوقت الأنسب، في قلبي تعب نعم، لكنه مغمور برجاء، وفي عيني دمعة، لكنها تنظر نحو غدٍ لم يُولد بعد، أنا من الذين يتهشمون بصمت، ثم ينهضون على صوت دعاء وثقة بأن الفرج أقرب مما نتصور.
الكاتبة: إيمان يوسف
˝: كان حبًّا، لكن الطريق ضيّق
لم يكن حبًا عابرًا، ولا شيئًا يشبه الإعجاب، كان حبًّا من النوع الذي يجعل الأيام أخف، والحياة أبسط، والقلب أوسع، لكننا لم نكن على موعدٍ مع القدر، ربما كنا متشابهين في الشعور، ومتنافرين في الظروف، أحببته كما لا يُحب أحد، رأيته في كل شيء، في الأغاني، في الطرقات، في صمتي الطويل، في نبضي حين أسمع اسمه دون أن يُقال، لكن الحب وحده لا يكفي، فثمة طرق لا تتسع للحلم، وثمة قلوب تلتقي، لكن لا تعبر معًا، لم نكن قساة، ولا مخطئين، كنا فقط في الوقت الخطأ والمكان الخطأ، والعمر الذي لا يحتمل انتظارًا أطول، كان حبًا كبيرًا، لكنه لم يعرف النهاية، وبدلًا من أن نكون ˝معًا˝ صرنا ˝ذكرى˝، أحييه في دعائي، وأخبئه في عمق الذاكرة،
ليس ندمًا، بل امتنانًا؛ لأنه أهداني لحظة صدق في زمنٍ مشوش، لم نكمل الطريق، لكننا التقينا، وهذا وحده كان كافيًا؛ ليفهم القلب أن بعض الحب لا يُنسى، حتى لو لم يُكتَب له البقاء.
˝: هناك حيث يُولد الصبر من الرماد
في فلسطين لا يُولد الأطفال وحدهم، بل يولد معهم الحزن والمقاومة، والحصار، هناك لا تنام الأمهات في سلام، تُرضع طفلها وهي لا تعلم هل سيكبر؟ هل سيتعلم الحروف؟ أم سيكون اسمه على حجر قبر صغير؟
هناك لا تُكتب الحكايات على ورق، بل تُكتب على جدران مهدّمة، وفي ملامح أطفالٍ كبروا قبل أوانهم، يحملون على أكتافهم وطنًا أثقل من أعمارهم، كم مرة رأينا البيوت تسقط، والأحلام تُدفن تحت الركام، والعالم صامت، بارد، لا يسمع، لا يرى إلا إن جاءهم الغبار في هواء نقيّهم؟
يا فلسطين لسنا على الأرض معكِ، لكن قلوبنا معلقّة بكِ، وكل سجدة فيها دعاء، وكل دمعة فيها وطن، كم تبكينا صورك، وكم يوجعنا أنكِ وحدكِ تقاتلين، بالحجر، بالكلمة، بالحلم، بجسدٍ صغير يحمل علمًا أكبر منه، لكننا نعلم أنكِ لا تسقطين؛ لأنكِ في كل مرة تنزفين، تنهضين، وفي كل مرة تُهدمين، تُبعثين من جديد.
فلسطين أنتِ لستِ مجرد وطن، أنتِ آية صبر، ورمز كرامة، ونحن من خلفك نبكي ونُقسم:
أن الحقّ وإن طال، لا يضيع.
الكاتبة: إيمان يوسف
˝: رائحة الغياب لا تزال في الذاكرة
في لحظات الصمت الطويلة أسمع صوتهم وكأنهم هنا، يمرّ في بالي حديثٌ قديم، ضحكة مرت من زمن، تفصيلة صغيرة لا يلاحظها أحد، لكن قلبي يقف عندها طويلًا؛ لأن فيها حنين، أشتاق، ليس لوجودهم فقط، بل للأمان الذي كنت أشعر به قربهم، للملامح التي عرفتها حتى غابت، وغابت معها أجزاء مني.
يقولون: ˝كل شيء يُنسى مع الوقت˝، لكنهم لا يعرفون أن هناك روائح، وأغاني، وأماكن تُعيدك للماضي بضغطة نفس، أحنُّ حتى وإن تألمت، حتى وإن جرّحني الغياب، حتى وإن صارت المسافة بيننا عمرًا.
أحنّ؛ لأن هناك ذكريات لا تُمحى، وأشخاصًا لم نُكمل معهم الطريق، لكنهم ظلوا فينا كأنهم رحلوا تاركين قلوبنا في منتصف الحكاية، لا أريد رجوعهم، ولا أطلب نهاية مختلفة، كل ما أريده: أن يتوقف قلبي عن الرجوع إليهم كلما هدأت الحياة.
أحنُّ؛ لأنني ما زلت إنسانة، وما زال في قلبي بابٌ مفتوح، يقف خلفه ظلّ أحدهم لا يعود، ولا يرحل.
الكاتبة: إيمان يوسف
˝: وجئتُ هذه المرة بي أنا
ما عدتُ أركض خلف أحد ولا أطرق أبوابًا أُغلقت، ولا أبحث عن ملامح الدفء في وجوهٍ باردة، تعلمت أن البدايات لا تأتي من الخارج، بل من قرار صغير، حين تقول لنفسك: ˝يكفي.˝
يكفي أن تُؤذي نفسك من أجل من لا يشعر، يكفي أن تؤجل سعادتك، وتختبئ خلف الانتظار، يكفي أن تعيش على أطراف الحياة، بين “ربما” و˝لعلّه يعود˝.
اليوم قررت أن أبدأ من عندي، أن أُرمم ما تهدّم بداخلي، أن أُغلق الطرق التي مرّ منها الحزن، وأُضيء الممرات التي نمت فيها الزهور ذاتي يومًا، سأبدأ بداية لا يشتركني فيها أحد، بداية لا تتعلق بحبٍ، ولا بفرصة، بل بوعيٍ جديد ونَفَس مختلف، أنا لا أعود كما كنت، بل أعود أجمل؛ لأنني هذه المرة، جئتُ بي لا بظل أحد، جئتُ بخطايَ وحدي، بقلبي الذي نجا، وبأحلامٍ لم تمت، لكنها انتظرت بصبر، من هنا، تبدأ حكايتي.، بكامل النُضج، بكامل الهدوء، بكامل القوة التي صقلها الألم لا الكلمات.
الكاتبة: إيمان يوسف
˝: أنا تلك التي سقطت، وقامت
لم يرَ أحدٌ عناوين الألم على وجهي، ولا عدد المرات التي بكيت فيها بصمت، ولا كم مرة قلت ˝أنا بخير˝ وأنا أنزف من الداخل، كانوا يرون ابتسامتي، لكن لم يرَ أحدٌ الحروب التي خضتها وحدي، ولا المعارك التي كنتُ أخسرها في اليوم ألف مرة، ثم أعود في الليل؛ لأواسي نفسي كأنني طفلة، أنا تلك التي انهارت، ولكن لم تُكسر، التي مرّت بكل شيء يُميت الروح، ثم نهضت، ومسحت دموعها، وقالت لنفسها: ˝لن تنتهي الحكاية هنا.˝
كنت أظن أن النهاية هناك عند الخذلان، عند الرحيل، عند الوحدة، لكنني كنت أجهل أن بعض النهايات، هي أول فصول البداية، حين أعود إليّ، الآن لا أنتظر أحدًا، ولا أحتاج أن يُنقذني أحد، أنا منقذة نفسي، أنا من أمسكتُ بيدي المرتعشة، ونهضتُ بي من تحت الركام، تعلمت أن أكون وطنًا لنفسي، أن أزرع بداخلي سكينة لا يعبث بها غياب، وأن أثق أن ما مضى لم يكن خسارة، بل درسًا؛ كي لا أعود كما كنت، أنا تلك التي سقطت وقامت، وفي كل مرة تنهار فيها روحي، كنتُ أرتفع من جديد، أنضج، أهدأ وأقوى.
الكاتبة: إيمان يوسف
: على ضفاف قلبي، مرّ العابرون
كم مرة فتحتُ أبواب قلبي لمن لا يستحق الدخول؟
وكم مرة ظننت أن المارّ عابر، فأقام خيمة في روحي، ثم تركها أطلالًا؟
في كل مرة أعطيتُ بلا حساب، ظنًا مني أن القلوب تُفهم بالنية، لكنني نسيت أن بعض القلوب لا تقرأ، ولا تشعر، بل تمر كأنها رياح لا تترك سوى الغبار خلفها، كبرتُ لا في العمر فقط، بل في الحكمة، فهمت أن الحب ليس بالأخذ والعطاء، بل بالأمان في الحضور، والصدق في الغياب، وأن الصمت أحيانًا أصدق من آلاف الكلمات، وأن الرحيل ليس دائمًا قسوة، بل كرامة، لم أعد أبحث عمّن يفهمني، بل أبحث عن نفسي في الزحام، لم أعد أخاف الوحدة، بل صرت أرتاح في هدوءي، في صوتي الداخلي، في كوب قهوتي، وكتاب يشبهني، تعلمت ألا أتمسك بأحد، فالذين يريدون البقاء لا يرحلون، والذين يرحلون، علموني كيف أبقى، أنا امرأةٌ لا تنكسر؛ لأني حين سقطت، نهضت من بين رمادي، وحين خذلوني، وجدت الله بجانبي؛ لأني فهمت متأخرًا، أن أجمل حبٍ هو أن تُحب نفسك، وتحتويها حين يتخلى الجميع.
الكاتبة: إيمان يوسف
˝: حين تتكلّم الأرواح بصمت
ليست كل الكلمات تُقال، فثمة مشاعر تنمو في الظلّ، تنبت داخلنا دون ضجيج، وتزهر في لحظة صمتٍ عابرة، كأنّ الأرواح تبعث رسائلها دون أن تهمس بها الشفاه، أشعر بك دون أن تقترب، وأفهمك دون أن تشرح، كأن بيننا لغة خفيّة لا يتقنها سوانا، أحيانًا يكفينا أن نوجد في نفس اللحظة، أن نلتقي في نظرة، أو نرتبك من نفس الفكرة، لنوقن أننا ما عدنا نحتاج الكلمات، لقد تعب القلب من شرح نفسه، وارتاحت الروح حين وجدت روحًا أخرى تفهم ارتعاشاتها دون تفسير، أُحبّ ذاك الصمت الذي يجمعنا، كأنه اتفاق سرّي بيننا على ألا نكسر هذه الطمأنينة بثرثرة لا ضرورة لها، ففي حضرة من يُشبهك، تكفي النظرة؛ لتغني عن كتاب، وتكفي نبضة؛ لتصنع سلامًا، وتكفي المسافة؛ لتُثبت القرب الحقيقي.
أحيانًا، لا شيء أصدق من صمتٍ يتكلّم.
الكاتبة: إيمان يوسف
: حين صمت قلبي، تكلمت الحياة
في زمنٍ كانت الضوضاء تملأ روحي، وكان قلبي يصرخ في صمتٍ لا يسمعه أحد، تعلمت أن السكون لا يعني الفراغ، بل قد يكون أكمل ما فينا صوتًا.
سألت نفسي كثيرًا: لماذا يشبهني الغروب؟ لماذا كلما ابتسمتُ، شعرتُ بظلٍ خفيفٍ من الحزن يمر على أطراف روحي؟
أدركت بعد وقتٍ طويل أن النضج لا يأتي بالأعوام، بل بالخذلان، أن الطمأنينة ليست في وجود أحد، بل في اكتفائي بنفسي، يا قلبي لم تعد كما كنت، لكنك صرت أجمل، هزمتَ الانكسارات، ومشيتَ على شظايا خيباتك، حتى صرتَ لا تشكو، لا تنتظر، ولا تخاف، كل الذين غابوا، حملوا معهم جزءًا كنت أظنه لا يُستغنى عنه، ثم اكتشفت أنهم أخذوا الوهم، وتركوا لي الحقيقة، الحقيقة التي تقول: أنك لا تحتاج إلا إلى الله، ونفسك وصفحة بيضاء تبدأ منها من جديد، سأمشي لا لأن الطريق واضح، بل لأن التوقف يقتلني، وسأبتسم، لا لأن الحزن انتهى، بل لأني أقوى من أن أُهزم، أنا لست كما كنت، أنا أجمل؛ لأني بعد كل وجع، كنت أعود إليَّ، أكثر وعيًا وأقل تعلقًا.
❞ فلسطين لم تسقط في حرب ذات بداية ونهاية كالحروب التي نعرفها. الحروب الكبيرة والحروب الصغيرة تبدأ ثم تنتهي. من حرب طروادة إلى فيتنام إلى الحرب العالمية الثانية إلخ، وبوضوح يليق بالعقل البشري تعرف أنك خسرت، أو تعرف أنك انتصرت، قُم تَفكّر في الخطوة التالية وينتهي الأمر. لم تأتِ بوارج الجيوش اليهودية وتدكّ هذا السور وتقتحمه على أهل عكا. ها هو في مكانه منذ كان وكما كان. لم تقم قوة بمحاصرة جيش فلسطيني ليرفع لها الرايات البيضاء وينتهي الأمر برابح نهائي وخاسر نهائي. أقول فلسطين ضاعت نُعاساً، وغفلةً واحتيالاً. في كل يقظة حاولناها، وجدنا موتنا ورحيلنا الموحش إلى المنافي والمنابذ والأخطاء. نعم الأخطاء. (ونحن لا نزال نخطئ حتى الآن). كل هذا تم ببطء يبعث على الرهبة. كيف تنعس أمة بأكملها؟ كيف غفلنا إلى ذلك الحد بحيث أصبح وطننا وطنهم؟. ❝ ⏤مريد البرغوثي
❞ فلسطين لم تسقط في حرب ذات بداية ونهاية كالحروب التي نعرفها. الحروب الكبيرة والحروب الصغيرة تبدأ ثم تنتهي. من حرب طروادة إلى فيتنام إلى الحرب العالمية الثانية إلخ، وبوضوح يليق بالعقل البشري تعرف أنك خسرت، أو تعرف أنك انتصرت، قُم تَفكّر في الخطوة التالية وينتهي الأمر. لم تأتِ بوارج الجيوش اليهودية وتدكّ هذا السور وتقتحمه على أهل عكا. ها هو في مكانه منذ كان وكما كان. لم تقم قوة بمحاصرة جيش فلسطيني ليرفع لها الرايات البيضاء وينتهي الأمر برابح نهائي وخاسر نهائي. أقول فلسطين ضاعت نُعاساً، وغفلةً واحتيالاً. في كل يقظة حاولناها، وجدنا موتنا ورحيلنا الموحش إلى المنافي والمنابذ والأخطاء. نعم الأخطاء. (ونحن لا نزال نخطئ حتى الآن). كل هذا تم ببطء يبعث على الرهبة. كيف تنعس أمة بأكملها؟ كيف غفلنا إلى ذلك الحد بحيث أصبح وطننا وطنهم؟. ❝