❞ كان العالم الخارجي في حالة ترقب وانتظار، وتحول وتغير، وكان الشرق الأوسط، والعالم العربي في قلبه، في حالة إحباط وفوضى، وفي تلك الفترة الحافلة والحرجة، سواء بالنسبة لأحوال العالم أو أحوال العرب، كانت أهمية المنطقة تزداد مع ازدياد حاجة التقدم، والمنافسة على بترولها المحبوس تحت شواطئها منذ ذلك الزمان الأسطوري البعيد. كان البترول هو نفسه مارد الجن الذي يستطيع أن يخلع القلوب بالرعب، أو يبني قصور الذهب، يتوقف الأمر على مقدرة التطويع، وكان الكل يريد، والكل يتمنى، والكل يتحرق بالرغبة واللهفة وفي هذا المناخ وقع الغزو العراقي للكويت، وانكسر الختم عن قمقم مسحور دون معرفة بسر طلسمه، وانطلق المارد من محبسه يسد فضاء الأفق هولاً وشراً مستطيراً. ولم يكن غريباً بعد ذلك أن تصبح أزمة الخليج على حد تعبير بربجنسكي، \"عاطفية بأكثر من اللازم، شخصية بأكثر من اللازم، عسكرية بأكثر من اللازم\"، ثم تجري وقائعها ونتائجها المأساوية على النحو الذي جرت به، ومجيء مقدمات القرن الواحد والعشرين وهي تومئ إلى عصر مختلف تتهيأ البشرية لاحتمالاته الضخمة والهائلة، بينما الأمة العربية في حال لم ترد عليها من قبل على طول ما عانت وقاست.
بهذه الكلمات هيأ محمد حسنين هيكل القارئ ذهنياً وعاطفياً ونفسياً للمضي في تلقن ما سطره من أحداث ووقائع جرت أبان حرب الخليج، وفي اقتراب هيكل من كتابه هذا من قصة حرب الخليج يذكر نفسه بحقائق القوة، لان القوة هي طبيعة الأشياء في السياسة الدولية، فالقانون ليس سعيداً في صراعات العالم، ولكن حقائق القوة لها السيادة طول الوقت وموقفه في عرض العقبة موقف المستقبل،وهو في سبيل إعداد هذا الكتاب التقى وتناقش واستمع إلى كثيرين من رؤساء الدول والقادة والسياسيين والعسكريين في العالم العربي، كذلك فقد التقى لهذا الغرض وتناقش واستمع إلى كثيرين من المشاركين في صنع القرار في الولايات المتحدة وفي أوروبا، وقد سمح له البعض بالإطلاع على أوراق وتقارير رسمية، وسجلات معلومات كانت في حوزتهم بحكم المنصب والمسؤولية.
ويقول هيكل بأنه في محاولته هذه من رواية قصة \"الحرب في الخليج\" لا يصدر أحكاماً، وإنما هو يحاول بناء واقع من منطلق أن أي كاتب سياسي مطالب بالدرجة الأولى بأكبر قدر من الحقائق، وبأكبر قدر من الاجتهادات، وعلى أوسع دائرة ممكنة، وبهذا الأسلوب فإن القارئ يستطيع تكوين رأيه. بقي أخيرا لفت النظر إلى أن هيكل وضع أصل هذا الكتاب بالغة الإنجليزية لمؤسسة \"هاربر كولينز\" وقد قام بنفسه على ترجمته إلى اللغة العربية مضيفاً إلى النسخة العربية ما استجد في الفترة الفاصلة من الصدور بين النسخة الإنكليزية والعربية ما استجد فيها من معلومات وأفكار وجدها هامة ومناسبة.
... وجربت أن أقترب من أزمة الخليج كتابة، وبالفعل كتبت، ولكن الأزمة أصبحت منذ ساعاتها الأولى، عاطفية بأكثر من اللازم... شخصية بأكثر من اللازم... و\"عسكرية بأكثر من اللازم\"..
وفي مثل هذه الأحوال عادة فإن الصدور ضيقة والأعصاب متوترة والأمزجة منحرفة، وليس هناك غير سؤال واحد مطروح على كل الناس بنعم أو لا؟.. مع هذا أو ذاك؟.. هنا أو هناك؟
وأعترف أنه طوال أزمة الخليج كان هذا النوع من الأسئلة وما يترتب عليه من خيارات. يبدو لي أسهل الحلول وأخطرها في نفس الوقت. سهل لأنه يعفى أصحابه من حق الاجتهاد، وخطر لأنه ينقل هذا الحق في الاجتهاد إلى إرادات أخرى لها أغراضها، وعندها خططها.
والغريب أن أطراف الأزمة الآخرين، والذين جعلوها عاطفية وشخصية وعسكرية كانوا يتحاورون لتحقيق هدف لم يكن عليه في النهاية خلاف، وهو ضرورة خروج العراق من الكويت. وقد ظل الكونجرس الأمريكي على سبيل المثال يناقش كل الممكنات إلى يوم 6 يناير 1991، أي قبل أيام معدودة من بدء الحرب ليلة 17 يناير 1991، وأما عندنا فقد توقف الحوار بعد ساعات من فجر 2 أغسطس 1990.
ومهما يكن، فإن هذا الكتاب يجئ بعد سنة من وقف إطلاق في حرب الخليج، ومن ثم فإني آمل أن يكون الفكر العربي قد تجاوز أزمة دهمته على غير انتظار، وحالة حصار أحاطت به على غير ضرورة. ❝ ⏤بيار سالينجر إريك لوران
❞ كان العالم الخارجي في حالة ترقب وانتظار، وتحول وتغير، وكان الشرق الأوسط، والعالم العربي في قلبه، في حالة إحباط وفوضى، وفي تلك الفترة الحافلة والحرجة، سواء بالنسبة لأحوال العالم أو أحوال العرب، كانت أهمية المنطقة تزداد مع ازدياد حاجة التقدم، والمنافسة على بترولها المحبوس تحت شواطئها منذ ذلك الزمان الأسطوري البعيد. كان البترول هو نفسه مارد الجن الذي يستطيع أن يخلع القلوب بالرعب، أو يبني قصور الذهب، يتوقف الأمر على مقدرة التطويع، وكان الكل يريد، والكل يتمنى، والكل يتحرق بالرغبة واللهفة وفي هذا المناخ وقع الغزو العراقي للكويت، وانكسر الختم عن قمقم مسحور دون معرفة بسر طلسمه، وانطلق المارد من محبسه يسد فضاء الأفق هولاً وشراً مستطيراً. ولم يكن غريباً بعد ذلك أن تصبح أزمة الخليج على حد تعبير بربجنسكي، ˝عاطفية بأكثر من اللازم، شخصية بأكثر من اللازم، عسكرية بأكثر من اللازم˝، ثم تجري وقائعها ونتائجها المأساوية على النحو الذي جرت به، ومجيء مقدمات القرن الواحد والعشرين وهي تومئ إلى عصر مختلف تتهيأ البشرية لاحتمالاته الضخمة والهائلة، بينما الأمة العربية في حال لم ترد عليها من قبل على طول ما عانت وقاست.
بهذه الكلمات هيأ محمد حسنين هيكل القارئ ذهنياً وعاطفياً ونفسياً للمضي في تلقن ما سطره من أحداث ووقائع جرت أبان حرب الخليج، وفي اقتراب هيكل من كتابه هذا من قصة حرب الخليج يذكر نفسه بحقائق القوة، لان القوة هي طبيعة الأشياء في السياسة الدولية، فالقانون ليس سعيداً في صراعات العالم، ولكن حقائق القوة لها السيادة طول الوقت وموقفه في عرض العقبة موقف المستقبل،وهو في سبيل إعداد هذا الكتاب التقى وتناقش واستمع إلى كثيرين من رؤساء الدول والقادة والسياسيين والعسكريين في العالم العربي، كذلك فقد التقى لهذا الغرض وتناقش واستمع إلى كثيرين من المشاركين في صنع القرار في الولايات المتحدة وفي أوروبا، وقد سمح له البعض بالإطلاع على أوراق وتقارير رسمية، وسجلات معلومات كانت في حوزتهم بحكم المنصب والمسؤولية.
ويقول هيكل بأنه في محاولته هذه من رواية قصة ˝الحرب في الخليج˝ لا يصدر أحكاماً، وإنما هو يحاول بناء واقع من منطلق أن أي كاتب سياسي مطالب بالدرجة الأولى بأكبر قدر من الحقائق، وبأكبر قدر من الاجتهادات، وعلى أوسع دائرة ممكنة، وبهذا الأسلوب فإن القارئ يستطيع تكوين رأيه. بقي أخيرا لفت النظر إلى أن هيكل وضع أصل هذا الكتاب بالغة الإنجليزية لمؤسسة ˝هاربر كولينز˝ وقد قام بنفسه على ترجمته إلى اللغة العربية مضيفاً إلى النسخة العربية ما استجد في الفترة الفاصلة من الصدور بين النسخة الإنكليزية والعربية ما استجد فيها من معلومات وأفكار وجدها هامة ومناسبة.
.. وجربت أن أقترب من أزمة الخليج كتابة، وبالفعل كتبت، ولكن الأزمة أصبحت منذ ساعاتها الأولى، عاطفية بأكثر من اللازم.. شخصية بأكثر من اللازم.. و˝عسكرية بأكثر من اللازم˝.
وفي مثل هذه الأحوال عادة فإن الصدور ضيقة والأعصاب متوترة والأمزجة منحرفة، وليس هناك غير سؤال واحد مطروح على كل الناس بنعم أو لا؟. مع هذا أو ذاك؟. هنا أو هناك؟
وأعترف أنه طوال أزمة الخليج كان هذا النوع من الأسئلة وما يترتب عليه من خيارات. يبدو لي أسهل الحلول وأخطرها في نفس الوقت. سهل لأنه يعفى أصحابه من حق الاجتهاد، وخطر لأنه ينقل هذا الحق في الاجتهاد إلى إرادات أخرى لها أغراضها، وعندها خططها.
والغريب أن أطراف الأزمة الآخرين، والذين جعلوها عاطفية وشخصية وعسكرية كانوا يتحاورون لتحقيق هدف لم يكن عليه في النهاية خلاف، وهو ضرورة خروج العراق من الكويت. وقد ظل الكونجرس الأمريكي على سبيل المثال يناقش كل الممكنات إلى يوم 6 يناير 1991، أي قبل أيام معدودة من بدء الحرب ليلة 17 يناير 1991، وأما عندنا فقد توقف الحوار بعد ساعات من فجر 2 أغسطس 1990.
ومهما يكن، فإن هذا الكتاب يجئ بعد سنة من وقف إطلاق في حرب الخليج، ومن ثم فإني آمل أن يكون الفكر العربي قد تجاوز أزمة دهمته على غير انتظار، وحالة حصار أحاطت به على غير ضرورة. ❝