❞ اعتاد أستاذ جامعي بعد أن أُحيل إلى التقاعد
أن يدعو كل فترة دفعة من طلابه الخريجين
وبعد أن التقى الخريجون في منزل أستاذهم العجوز
بعد سنوات طويلة من مغادرة مقاعد الدراسة
وبعد أن حققوا نجاحات كبيرة في حياتهم العملية
ونالوا أرفع المناصب وحققوا الإستقرار المادي والإجتماعي
وبعد عبارات التحية والمجاملة
طفق كل منهم يتأفف من ضغوط العمل
والحياة التي تسبب لهم الكثير من التوتر
غاب الأستاذ عنهم قليلاً
ثم عاد يحمل ابريقاً كبيراً من القهوة
ومعه فناجين من كل شكل ولون :
فناجين صينية فاخرة
فناجين ميلامين
فناجين زجاجية عادية
فناجين بلاستيك
فناجين كريستال
بعض الأكواب كانت في منتهى الجمال
تصميماً ولوناً وبالتالي كانت باهظة الثمن
بينما كانت هناك أكواب من النوع الذي تجده في أفقر البيوت
قال الأستاذ لطلابه :
تفضلوا ، وليسكبْ كل واحد منكم لنفسه القهوة
وعندما بات كل واحد من الخريجين ممسكاً بكوب تكلم الأستاذ مجدداً :
هل لاحظتم أن الأكواب الجميلة فقط هي التي وقع عليها اختياركم ؟
وأنكم تجنّبتم الأكواب العادية ؟
من الطبيعي أن يتطلع الواحد منكم الى ما هو أفضل
وهذا بالضبط ما يسبب لكم القلق والتوتر
ما كنتم بحاجة إليه فعلاً هو القهوة وليس الكوب
ولكنكم تهافتم على الأكواب الجميلة الثمينة
وبعد ذلك لاحظت أن كل واحد منكم كان مراقباً للأكواب
التي في أيدي الآخرين
فلو كانت الحياة هي : القهوة
فإن الوظيفة والمال والمكانة الإجتماعية هي الأكواب
وهي بالتالي مجرد أدوات ومواعين تحوي الحياة
ونوعية الحياة (القهوة) تبقى نفسها لا تتغير
وعندما نركز فقط على الكوب فإننا نضيع فرصة الإستمتاع بالقهوة
وبالتالي أنصحكم بعدم الإهتمام بالأكواب والفناجين
وبدل ذلك أنصحكم :
استمتعوا بالقهوة
🌸#الدرس_الأول :
النظر إلى ما في أيدي الآخرين
يفسد علينا متعة الإستمتاع بما في أيدينا
إذا رأيتَ في يد شخص شيئاً أجمل مما في يدك
فلعلّه تعويض عن شيء حُرم منه
البيوت أسرار
والناس صناديق مُغلقة
🌸#الدرس_الثاني :
مشكلة الناس في هذا العصر أن معيار الحرمان عندهم هو المال
فمن كان له مال فهو ذو حظ عظيم
ومن ليس له مال فيستحق الشفقة
دعوني لا أكون مثاليا
المال عجلة الحياة
ولكنه ليس الحياة
صحيح أنه يتيح لك أن تعيش تعاستك برفاهية
ولكنه لا يكفي وحده ليجعلك تعيش
أجمل ما في الحياة هي تلك الأشياء التي ليس لها ثمن
ويقف المال أمامها فقيراً عاجزاً لا يستطيع شراءها
حنان امرأة تحبكَ
وحضن رجل يحبكِ
أصدقاء مخلصون
أولاد أذكياء وأصحاء
دعوة أم عند الصباح
رغيف من حلال
بيت من سِتر وحب
هذه الأشياء هي الحياة
والمال لا يستطيع شراءها
🌸#الدرس_الثالث :
إننا نهتم بالوسائل ونهمل الغايات
هكذا هم البشر هذا الزمن
يهتمون بالوسائد أكثر مما يهتمون بالنوم
يهتمون بالمستشفيات أكثر مما يهتمون بالصحة
يهتمون بالمدارس أكثر مما يهتمون بالتعليم
يهتمون برجال الدين أكثر مما يهتمون بالدين
يهتمون بوسائل الإتصال أكثر مما يهتمون بالتواصل
فلا تُفسدوا القهوة ..........
كتاب / حديث الصباح
للكاتب /ادهم شرقاوي🖋. ❝ ⏤أدهم شرقاوي
❞ اعتاد أستاذ جامعي بعد أن أُحيل إلى التقاعد
أن يدعو كل فترة دفعة من طلابه الخريجين
وبعد أن التقى الخريجون في منزل أستاذهم العجوز
بعد سنوات طويلة من مغادرة مقاعد الدراسة
وبعد أن حققوا نجاحات كبيرة في حياتهم العملية
ونالوا أرفع المناصب وحققوا الإستقرار المادي والإجتماعي
وبعد عبارات التحية والمجاملة
طفق كل منهم يتأفف من ضغوط العمل
والحياة التي تسبب لهم الكثير من التوتر
غاب الأستاذ عنهم قليلاً
ثم عاد يحمل ابريقاً كبيراً من القهوة
ومعه فناجين من كل شكل ولون :
فناجين صينية فاخرة
فناجين ميلامين
فناجين زجاجية عادية
فناجين بلاستيك
فناجين كريستال
بعض الأكواب كانت في منتهى الجمال
تصميماً ولوناً وبالتالي كانت باهظة الثمن
بينما كانت هناك أكواب من النوع الذي تجده في أفقر البيوت
قال الأستاذ لطلابه :
تفضلوا ، وليسكبْ كل واحد منكم لنفسه القهوة
وعندما بات كل واحد من الخريجين ممسكاً بكوب تكلم الأستاذ مجدداً :
هل لاحظتم أن الأكواب الجميلة فقط هي التي وقع عليها اختياركم ؟
وأنكم تجنّبتم الأكواب العادية ؟
من الطبيعي أن يتطلع الواحد منكم الى ما هو أفضل
وهذا بالضبط ما يسبب لكم القلق والتوتر
ما كنتم بحاجة إليه فعلاً هو القهوة وليس الكوب
ولكنكم تهافتم على الأكواب الجميلة الثمينة
وبعد ذلك لاحظت أن كل واحد منكم كان مراقباً للأكواب
التي في أيدي الآخرين
فلو كانت الحياة هي : القهوة
فإن الوظيفة والمال والمكانة الإجتماعية هي الأكواب
وهي بالتالي مجرد أدوات ومواعين تحوي الحياة
ونوعية الحياة (القهوة) تبقى نفسها لا تتغير
وعندما نركز فقط على الكوب فإننا نضيع فرصة الإستمتاع بالقهوة
وبالتالي أنصحكم بعدم الإهتمام بالأكواب والفناجين
وبدل ذلك أنصحكم :
استمتعوا بالقهوة
🌸الدرس_الأول :
النظر إلى ما في أيدي الآخرين
يفسد علينا متعة الإستمتاع بما في أيدينا
إذا رأيتَ في يد شخص شيئاً أجمل مما في يدك
فلعلّه تعويض عن شيء حُرم منه
البيوت أسرار
والناس صناديق مُغلقة
🌸الدرس_الثاني :
مشكلة الناس في هذا العصر أن معيار الحرمان عندهم هو المال
فمن كان له مال فهو ذو حظ عظيم
ومن ليس له مال فيستحق الشفقة
دعوني لا أكون مثاليا
المال عجلة الحياة
ولكنه ليس الحياة
صحيح أنه يتيح لك أن تعيش تعاستك برفاهية
ولكنه لا يكفي وحده ليجعلك تعيش
أجمل ما في الحياة هي تلك الأشياء التي ليس لها ثمن
ويقف المال أمامها فقيراً عاجزاً لا يستطيع شراءها
حنان امرأة تحبكَ
وحضن رجل يحبكِ
أصدقاء مخلصون
أولاد أذكياء وأصحاء
دعوة أم عند الصباح
رغيف من حلال
بيت من سِتر وحب
هذه الأشياء هي الحياة
والمال لا يستطيع شراءها
🌸الدرس_الثالث :
إننا نهتم بالوسائل ونهمل الغايات
هكذا هم البشر هذا الزمن
يهتمون بالوسائد أكثر مما يهتمون بالنوم
يهتمون بالمستشفيات أكثر مما يهتمون بالصحة
يهتمون بالمدارس أكثر مما يهتمون بالتعليم
يهتمون برجال الدين أكثر مما يهتمون بالدين
يهتمون بوسائل الإتصال أكثر مما يهتمون بالتواصل
هناك زر كهربائي في المخ ينطفئ في لحظة النوم .. فيسود الظلام و تسود الغيبوبة .. و تمر الشخصية بحالة
غرق و يتحول الإنسان إلى شجرة .. إلى نبات بدائي .. إلى شيء تستمر فيه الحياة على شكل وظائف
.. دورة الدم تجري .. النفس يتردد .. الخلايا تفرز .. الأمعاء
تهضم .. كل هذا يتم بطريقة تلقائية و
الجسد ممدد بلا حراك .. تماماً مثل نبات مغروس في الأرض تجري فيه العصارة و تنمو الخلايا و تتنفس
من أكسوجين الجو
.
إنها لحظة غريبة يسقط فيها الجسد في هوة التعب و العجز .
و يستحيل عليه التعبير عن روحه و معنوياته الراقية فيأخذ إجازة .. و يعود ملايين السنين إلى الوراء ..
ليعيش بطريقة بدائية كما كان يعيش النبات .. حياة مريحة لا تكلف جهداً
..
إن سر الموت يكمن في لغز النوم .. لأن النوم هو نصف الطريق إلى الموت , نصف الإنسان الراقي يموت
أثناء النوم .. شخصيته تموت .. عقله يموت .. و يتحول إلى كائن منحط مثل الإسفنج و الطحلب
يتنفس و ينمو بلا وعي .. و كأنه فقد الروح .
إنه يقطع نصف الطريق إلى التراب .. و يعود مليون سنة إلى الخلف ..
يعود عقله الواعي إلى ينبوعه الباطن . و تعود شخصيته الواعية إلى ينبوعها الطبيعي الذي يعمل في غيبوبة
كما تعمل العصارة في لحاء الشجر .. و يلتقي الإنسان بخاماته الطبيعية .. بجسده و ترابه و مادته و الجزء
اللاوعي من وجوده
..
إن الشعراء يقولون أن لحظات النهار سطحية لأن ألوان النهار البراقة تخطف الانتباه .. و لحظات الليل
عميقة لأن الليل يهتك هذا الستار البراق و يفك أغلال الانتباه فيغوص في أعماق الأشياء ..
و أنا أقول أن لحظة النعاس هي أعمق اللحظات لأنها تهتك ستاراً آخر و هو ستار الألفة .
النعاس يمحو الألفة بيني و بين الأشياء فتبدو غريبة مدهشة مما يدعوني أحياناً إلى التساؤل .. و أنا أنظر
حولي في غرفة نومي بين النوم و اليقظة .. و أهمس : أنا فين ؟
إني لا أتعرف على سريري .. و لا أتعرف على دولابي .. و تسقط الألفة تماماً بيني و بين غرفتي فتبدو
غريبة ..
و هذه اللحظة عميقة .. لأن العقل يخرج فيها من إطار ظروفه و يتحرر من الألفة تماماً بيني و بين غرفتي
فتبدو غريبة ..
و هذه اللحظة لحظة عميقة .. لأن العقل يخرج فيها من إطار ظروفه و يتحرر من الألفة و التعود و
الأحكام العادية و ينظر حوله من جديد .. ليصدر أحكاماً جديدة أكثر تحرراً .. و إلهاماً .
و الأنبياء كانوا يتلقون إلهامهم في هذه اللحظة .. و كأن الوحي يأتيهم بين النعاس و الغيبوبة
..
و نيوتن اكتشف قانون الجاذبية في هذه اللحظة .. و هو ينظر بعين نعسانة إلى تفاحة تسقط من الشجرة
.. لقد أحس أن سقوط التفاحة أمر غير مألوف .. و أن التفاحة لا يمكن أن تسقط على الأرض .. و إنما
الأرض هي التي يجب أن تجذبها ..
و كل المخترعين و المؤلفين و الشعراء و المفكرين .. تفتقت أذهانهم في هذه اللحظة .. لأنها اللحظة
الحرجة التي سقط فيها المألوف .. و المعتاد .. و لمعت الحياة بالدهشة .. و برق العقل بأسئلة جديدة تماماً
.. لم يكن ليلقيها لو كان في كامل يقظته .. و كامل ارتباطه بالأشياء
..
و الفرق بين النبي .. و العبقري .. في تلك اللحظة هي مساحة الرؤيا التي تنكشف لكل واحد .
النبي يشبه جهاز تلفزيون به مليون صمام .. مساحة الرؤيا فيه شاسعة .. و قدرة استقباله كبيرة .. فهو
يستطيع أن يستقبل صوراً من المريخ على شاشة بانورامية عريضة لأنه مؤيد بوسائل إلهية
.
و العبقري هو جهاز ترانزيستور صغير يكاد يستمع إلى محطة القاهرة بالسعودية .. لأنه يعتمد على
اجتهاد الخاطر الذي قد يخطئ و قد يصيب ..
و لكن الاثنين يسبحان جنباً إلى جنب في بحر الحقائق
و النوم في حقيقته يقظة عميقة .. تتيقظ فيه الوظائف
الأصلية .. فتنتظم دورة الدم .. و ينتظم التنفس .. و ينتظم الهضم .. و الإمتصاص و الإفراز و يتوقف الهدم .. و يبدأ النمو و البناء و يقل الإحتراق الذي يحدث في النهار
و تتيقظ رغبات أكثر أصالة من رغبات النهار .. الغرائز كلها تتيقظ و تعمل .. و تنشر نشاطها في الأحلام .. و تفضح نزواتها على مسرح رمزي مبهم لا يستطيع فك رموزه و طلاسمه إلا صاحبه
و يدخل النوم بعد هذا في مرحلة أعمق .. هي النوم الثقيل .. و هي مرحلة تخلو من الإحساس تماماً.. و تخلو من الأحلام أيضاً.. مرحلة من الظلام .. و العدم .. و هوّة بعيدة الغور .. و مساحة مشطوبة من الحياة .. ليس فيها وعي و لا زمن .. و لا مكان .. العشر ساعات تمر فيها كلمح الطرف بين غمضة العين و انتباهتها .. بدون إحساس بالمدة .. و كأن خيط العمر انقطع فجأة .. كما يحدث حينما نقطع أشرطة التسجيل ثم
نوصلها من جديد ليستمر سياق الكلام كما نريد ..
السياق الزمني في النوم غريب
إنه زمن آخر غير زمن الساعة .. فالحلم قد يحتوي على أحداث سنة كاملة بتفاصيلها من حب إلى زواج إلى طلاق إلى جريمة و مع هذا لا يستغرق بحساب الساعة أكثر من ثانية ..
و العكس يحدث أحياناً فتمر على النائم عشر ساعات و في ظنه أن عقرب الساعة لم يتحرك إلا دقائق معدودة ..
الزمن يتخلص من قيود الساعة أثناء النوم .. و يخضع لتقدير آخر هو تقدير المخيلة التي توسع و تضيق فيه على حسب ازدحامها بالحوادث و الرغبات .. إنه من صناعة النائم و خلقه .. فهو ذاتي صرف ..
النائم كالفنان الذي يؤلف قصة .. يخلق زمن القصة كما يريد .. و يعيش في قمقم خرافي من أوهامه .. يتمطى فيه و يصرخ بالرغبة التي يحبها .. في حرية مطلقة تصل إلى حد العبث ..
ومعظم أحلامنا عبث في عبث .. و أمنيات مستحيلة .. و لكننا نعيشها كما نريدها ونحن نائمون ..
و النوم أرخص أنواع الحياة من حيث الكلفة .. فمقدار السكر و الأكسجين الذي يحتاجه النائم ليستمر في الحياة أقل بكثير من المقدار الذي يحتاجه في اليقظة .
و الإنسان الذي يعيش مائة سنة بين نوم و يقظة يستطيع أن يعيش ثلاثمائة سنة إذا عمل على حسابه أن ينامها كلها ..
و مادة النوم رخيصة .. لأن الإنسان يقترب فيه من التراب .. ويعود إلى الآلية الكيميائية المتأصلة في خلاياه من بداية الحياة ...
. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ أنت حينما تنام .. تتحول إلى شجرة
هناك زر كهربائي في المخ ينطفئ في لحظة النوم .. فيسود الظلام و تسود الغيبوبة .. و تمر الشخصية بحالة
غرق و يتحول الإنسان إلى شجرة .. إلى نبات بدائي .. إلى شيء تستمر فيه الحياة على شكل وظائف
.. دورة الدم تجري .. النفس يتردد .. الخلايا تفرز .. الأمعاء
تهضم .. كل هذا يتم بطريقة تلقائية و
الجسد ممدد بلا حراك .. تماماً مثل نبات مغروس في الأرض تجري فيه العصارة و تنمو الخلايا و تتنفس
من أكسوجين الجو
.
إنها لحظة غريبة يسقط فيها الجسد في هوة التعب و العجز .
و يستحيل عليه التعبير عن روحه و معنوياته الراقية فيأخذ إجازة .. و يعود ملايين السنين إلى الوراء ..
ليعيش بطريقة بدائية كما كان يعيش النبات .. حياة مريحة لا تكلف جهداً
..
إن سر الموت يكمن في لغز النوم .. لأن النوم هو نصف الطريق إلى الموت , نصف الإنسان الراقي يموت
أثناء النوم .. شخصيته تموت .. عقله يموت .. و يتحول إلى كائن منحط مثل الإسفنج و الطحلب
يتنفس و ينمو بلا وعي .. و كأنه فقد الروح .
إنه يقطع نصف الطريق إلى التراب .. و يعود مليون سنة إلى الخلف ..
يعود عقله الواعي إلى ينبوعه الباطن . و تعود شخصيته الواعية إلى ينبوعها الطبيعي الذي يعمل في غيبوبة
كما تعمل العصارة في لحاء الشجر .. و يلتقي الإنسان بخاماته الطبيعية .. بجسده و ترابه و مادته و الجزء
اللاوعي من وجوده
..
إن الشعراء يقولون أن لحظات النهار سطحية لأن ألوان النهار البراقة تخطف الانتباه .. و لحظات الليل
عميقة لأن الليل يهتك هذا الستار البراق و يفك أغلال الانتباه فيغوص في أعماق الأشياء ..
و أنا أقول أن لحظة النعاس هي أعمق اللحظات لأنها تهتك ستاراً آخر و هو ستار الألفة .
النعاس يمحو الألفة بيني و بين الأشياء فتبدو غريبة مدهشة مما يدعوني أحياناً إلى التساؤل .. و أنا أنظر
حولي في غرفة نومي بين النوم و اليقظة .. و أهمس : أنا فين ؟
إني لا أتعرف على سريري .. و لا أتعرف على دولابي .. و تسقط الألفة تماماً بيني و بين غرفتي فتبدو
غريبة ..
و هذه اللحظة عميقة .. لأن العقل يخرج فيها من إطار ظروفه و يتحرر من الألفة تماماً بيني و بين غرفتي
فتبدو غريبة ..
و هذه اللحظة لحظة عميقة .. لأن العقل يخرج فيها من إطار ظروفه و يتحرر من الألفة و التعود و
الأحكام العادية و ينظر حوله من جديد .. ليصدر أحكاماً جديدة أكثر تحرراً .. و إلهاماً .
و الأنبياء كانوا يتلقون إلهامهم في هذه اللحظة .. و كأن الوحي يأتيهم بين النعاس و الغيبوبة
..
و نيوتن اكتشف قانون الجاذبية في هذه اللحظة .. و هو ينظر بعين نعسانة إلى تفاحة تسقط من الشجرة
.. لقد أحس أن سقوط التفاحة أمر غير مألوف .. و أن التفاحة لا يمكن أن تسقط على الأرض .. و إنما
الأرض هي التي يجب أن تجذبها ..
و كل المخترعين و المؤلفين و الشعراء و المفكرين .. تفتقت أذهانهم في هذه اللحظة .. لأنها اللحظة
الحرجة التي سقط فيها المألوف .. و المعتاد .. و لمعت الحياة بالدهشة .. و برق العقل بأسئلة جديدة تماماً
.. لم يكن ليلقيها لو كان في كامل يقظته .. و كامل ارتباطه بالأشياء
..
و الفرق بين النبي .. و العبقري .. في تلك اللحظة هي مساحة الرؤيا التي تنكشف لكل واحد .
النبي يشبه جهاز تلفزيون به مليون صمام .. مساحة الرؤيا فيه شاسعة .. و قدرة استقباله كبيرة .. فهو
يستطيع أن يستقبل صوراً من المريخ على شاشة بانورامية عريضة لأنه مؤيد بوسائل إلهية
.
و العبقري هو جهاز ترانزيستور صغير يكاد يستمع إلى محطة القاهرة بالسعودية .. لأنه يعتمد على
اجتهاد الخاطر الذي قد يخطئ و قد يصيب ..
و لكن الاثنين يسبحان جنباً إلى جنب في بحر الحقائق
و النوم في حقيقته يقظة عميقة .. تتيقظ فيه الوظائف
الأصلية .. فتنتظم دورة الدم .. و ينتظم التنفس .. و ينتظم الهضم .. و الإمتصاص و الإفراز و يتوقف الهدم .. و يبدأ النمو و البناء و يقل الإحتراق الذي يحدث في النهار
و تتيقظ رغبات أكثر أصالة من رغبات النهار .. الغرائز كلها تتيقظ و تعمل .. و تنشر نشاطها في الأحلام .. و تفضح نزواتها على مسرح رمزي مبهم لا يستطيع فك رموزه و طلاسمه إلا صاحبه
و يدخل النوم بعد هذا في مرحلة أعمق .. هي النوم الثقيل .. و هي مرحلة تخلو من الإحساس تماماً.. و تخلو من الأحلام أيضاً.. مرحلة من الظلام .. و العدم .. و هوّة بعيدة الغور .. و مساحة مشطوبة من الحياة .. ليس فيها وعي و لا زمن .. و لا مكان .. العشر ساعات تمر فيها كلمح الطرف بين غمضة العين و انتباهتها .. بدون إحساس بالمدة .. و كأن خيط العمر انقطع فجأة .. كما يحدث حينما نقطع أشرطة التسجيل ثم
نوصلها من جديد ليستمر سياق الكلام كما نريد ..
السياق الزمني في النوم غريب
إنه زمن آخر غير زمن الساعة .. فالحلم قد يحتوي على أحداث سنة كاملة بتفاصيلها من حب إلى زواج إلى طلاق إلى جريمة و مع هذا لا يستغرق بحساب الساعة أكثر من ثانية ..
و العكس يحدث أحياناً فتمر على النائم عشر ساعات و في ظنه أن عقرب الساعة لم يتحرك إلا دقائق معدودة ..
الزمن يتخلص من قيود الساعة أثناء النوم .. و يخضع لتقدير آخر هو تقدير المخيلة التي توسع و تضيق فيه على حسب ازدحامها بالحوادث و الرغبات .. إنه من صناعة النائم و خلقه .. فهو ذاتي صرف ..
النائم كالفنان الذي يؤلف قصة .. يخلق زمن القصة كما يريد .. و يعيش في قمقم خرافي من أوهامه .. يتمطى فيه و يصرخ بالرغبة التي يحبها .. في حرية مطلقة تصل إلى حد العبث ..
ومعظم أحلامنا عبث في عبث .. و أمنيات مستحيلة .. و لكننا نعيشها كما نريدها ونحن نائمون ..
و النوم أرخص أنواع الحياة من حيث الكلفة .. فمقدار السكر و الأكسجين الذي يحتاجه النائم ليستمر في الحياة أقل بكثير من المقدار الذي يحتاجه في اليقظة .
و الإنسان الذي يعيش مائة سنة بين نوم و يقظة يستطيع أن يعيش ثلاثمائة سنة إذا عمل على حسابه أن ينامها كلها ..
و مادة النوم رخيصة .. لأن الإنسان يقترب فيه من التراب .. ويعود إلى الآلية الكيميائية المتأصلة في خلاياه من بداية الحياة ...