❞ “كم كنت فاتنةً. ودموعك
تقطر فوق الرمال.
كم كنت ساحرةً. ونشيجك
يرحل عبر الجبال.
كم كنت رائعةً. وشفاهك
تسكب لي الموت ..
في قبلة بعد قبلة.”. ❝ ⏤غازي بن عبدالرحمن القصيبي
❞ كم كنت فاتنةً. ودموعك
تقطر فوق الرمال.
كم كنت ساحرةً. ونشيجك
يرحل عبر الجبال.
كم كنت رائعةً. وشفاهك
تسكب لي الموت .
في قبلة بعد قبلة.”. ❝
❞ ❞ أتعرفُ الحسناء الفاتنةِ من عسى أن يكون لها مُبغضاً ، وإن عرفته هل تراها مُستيقنةً معنى البغض كما يتحققه ذلك الخبيث من نفسه ، وهل هي التي يُلقي عليها الحُب صلاته وسلامه ، ويتخذ الحُسن من ألحاظها إشارته وكلامه ، ولا يقابلها الغرام أينما إلتفتت في الناس إلا بدمعة أو إبتسامة ❞. ❝ ⏤مصطفى صادق الرافعي
❞ أتعرفُ الحسناء الفاتنةِ من عسى أن يكون لها مُبغضاً ، وإن عرفته هل تراها مُستيقنةً معنى البغض كما يتحققه ذلك الخبيث من نفسه ، وهل هي التي يُلقي عليها الحُب صلاته وسلامه ، ويتخذ الحُسن من ألحاظها إشارته وكلامه ، ولا يقابلها الغرام أينما إلتفتت في الناس إلا بدمعة أو إبتسامة. ❝
❞ اختار الكاتب لشخوصه أسماء تتصل بالطبيعة الخيالية للنص مثل \"زلنبح\"، \"شينكا\"، \"حوحو\"، \"تايرو\"، \"خنزب\"، \"كروب\" و\"سفساف\"، وفي مواضع أخرى من السرد كان فيها الواقع أكثر حضوراً، تخيَّر الكاتب لشخوصه أسماء لها دلالات حية، جاء بعضها متّسقاً مع معناه مثل \"عصفة\" الفاتنة التي سلبت فتنتها عقل الشيطان وعصفت به، \"محفوظة\" التي حافظت الأم على حياتها بالتضحيات الثمينة، \"ظريفة\" المرأة السمحة التي لا تحمل حقداً ولا ضغينة. بينما حملت أسماء أخرى دلالات عكسية مثل \"حلالي\" الماجنة و\"مكين\" الضعيف. واستمراراً لاستخدام الدلالة، لجأ الكاتب إلى الأحلام والكوابيس ليبرز من خلالها الجانب الإنساني من شخصية \"زلنبح\" وجلده لذاته ورفض عقله الباطن لكل سلوك يحرّضه عليه عقله الواعي. ولم تبثّ أحلام الشخصية المحورية في النص الدلالات وحسب، وإنما عزَّزت الجانب الخرافي من الأحداث الذي ينسجم مع الخط العام للسرد وأضفت عليه مزيداً من المتعة والتشويق. الألوان أيضاً كانت إحدى أدوات الكاتب الرمزية التي أجاد توظيفها داخل النص، فشخوصه الشيطانية ترتدي اللون الأحمر ذا الدلالة النارية لتؤكد طاقة الشر والهيمنة، و\"زلنبح\" حين يركن إلى نصفه الشيطاني لا يرتدي سوى الأحمر، وفي طريقه لاستعادة إنسانيته، يتخلّى عن هذا اللون.. ❝ ⏤حجاج حسن محمد
❞ اختار الكاتب لشخوصه أسماء تتصل بالطبيعة الخيالية للنص مثل ˝زلنبح˝، ˝شينكا˝، ˝حوحو˝، ˝تايرو˝، ˝خنزب˝، ˝كروب˝ و˝سفساف˝، وفي مواضع أخرى من السرد كان فيها الواقع أكثر حضوراً، تخيَّر الكاتب لشخوصه أسماء لها دلالات حية، جاء بعضها متّسقاً مع معناه مثل ˝عصفة˝ الفاتنة التي سلبت فتنتها عقل الشيطان وعصفت به، ˝محفوظة˝ التي حافظت الأم على حياتها بالتضحيات الثمينة، ˝ظريفة˝ المرأة السمحة التي لا تحمل حقداً ولا ضغينة. بينما حملت أسماء أخرى دلالات عكسية مثل ˝حلالي˝ الماجنة و˝مكين˝ الضعيف. واستمراراً لاستخدام الدلالة، لجأ الكاتب إلى الأحلام والكوابيس ليبرز من خلالها الجانب الإنساني من شخصية ˝زلنبح˝ وجلده لذاته ورفض عقله الباطن لكل سلوك يحرّضه عليه عقله الواعي. ولم تبثّ أحلام الشخصية المحورية في النص الدلالات وحسب، وإنما عزَّزت الجانب الخرافي من الأحداث الذي ينسجم مع الخط العام للسرد وأضفت عليه مزيداً من المتعة والتشويق. الألوان أيضاً كانت إحدى أدوات الكاتب الرمزية التي أجاد توظيفها داخل النص، فشخوصه الشيطانية ترتدي اللون الأحمر ذا الدلالة النارية لتؤكد طاقة الشر والهيمنة، و˝زلنبح˝ حين يركن إلى نصفه الشيطاني لا يرتدي سوى الأحمر، وفي طريقه لاستعادة إنسانيته، يتخلّى عن هذا اللون. ❝
❞ كأسراب النمل...
كنقط صغيرة متدافعة..
إني لا أستطيع التميز بين وجوهكم..
لأني أنظر من فوق... من فوق...
من على ارتفاع شاهق يبدو كل الناس مثل بعض .. يبدون كالنمل .. سحنتهم واحدة .. و هيكلهم واحد .. مجرد نقط تندفع في اتجاهات متعددة .
و إذا صعدت إلى أعلى برج في القاهرة ثم نظرت إلى الناس تحت فإنك سوف تراهم مجرد نقط .. مجرد كرات تتدحرج على أديم الأرض ككرات البلياردو .. وستبدو عربات المرسيدس الفارهة كطوابير من الصرارصير اللامعة ..
إن الأمور تختلف كثيراً حينما ننظر إليها من بعيد .. إنها تتضاءل و تتشابه و تصبح ذات سحنة واحدة .. وتصبح تافهة مثيرة للدهشة و التساؤل ..
إنك تتعجب وأنت فوق في علوّك الشاهق تنظر إلى الصرصار الصغير المرسيدس .. و تسأل نفسك .. أهذا هو الشيء الذي كنت طول عمرك تحلم بأن تقتنيه ؟!
من أجل هذا الصرصار يحدث أحياناً أن يرتكب رجل عاقل جريمة ، فيسرق و يقتل ليجمع بضع جنيهات يشتري بها هذا الصرصار ؟! من أجل أن يكون وجيهاً أنيقاً ؟..
و لكن لا يبدو أن هناك فارقاً بين الأناقة و البهدلة من هذا الإرتفاع الشاهق .. إن كل الثياب تبدو واحدة من فوق ..
أجمل النساء تبدو كأقبح النساء .. الوجوه الفاتنة و القبيحة تبدو من فوق كوجوه الدجاج .. لا فرق بين ملامح دجاجة وملامح دجاجة أخرى .. لا تبدو غمزة العين ولا هزة الحاجب و لا بسمة الشفتين .. و كل ما يبدو هما ثقبان مكان العينين وثقب مكان الفم .. و لا شيء غير هذا ..
كل مخلوق من هذه المخلوقات التي تهرول تحت .. له ثلاثة ثقوب في وجهه و منقار صغير هو أنفه .. وكل واحد يجري و يدفع الآخر أمامه .. و يدفعه آخر من خلفه .. و أنت تتساءل .. على إيه.. على إيه .. بيجري ليه الراجل ده .. مستعجل ليه .. عاوز إيه ؟
و الحكاية كلها تبدو لك من فوق حكاية مضحكة غير مفهومة .. و قد تنسى بعض الوقت أنك كنت منذ لحظة تهرول في الشارع مثل هؤلاء الناس و تجري و تدفع الناس أمامك و تصرخ في سائق التاكسي أن يسرع بك ..
هذا الحماس الذي كان يبدو لك و أنت تحت في الشارع تعيش في وهمك .. هذا الحماس الذي كان يبدو لك حينذاك معقولاً .. يبدو لك الآن من بعيد مضحكاً مثيراً للدهشة ..
و قد تدبّ خناقة بين اثنين تحت ويتجمّع الناس كما يتجمّع النمل حول ذرة تراب غريبة .. وتنظر أنت من فوق فتبدو لك الخناقة منظراً غريباً، ويبدو لك الموقف مشحوناً بحماس غير مفهوم.. بحماس طائش أبله ليست له دوافع طبيعية ..
لماذا يقتل رجل رجلاً آخر ويزاحمه في شبر صغير من الأرض يقف فيه مع أن الدنيا أمامه واسعة ..
و الدنيا تبدو لك من فوق واسعة .. واسعة جداً.. تبدو لك أوسع من أن يتقاتل اثنان على شبر صغير فيه ا..
إنك تكتشف سخافة الشبر .. وسخافة الناس .. وسخافة السرعة .. وسخافة الآلة ..
إن هذا الشبر موضع التنافس و التقاتل يبدو لك تافهاً لا قيمة له ..
إنك تسأل نفسك لأول مرة .. لماذا كل هذا الجري ؟!
و تتفتح حواسك على آفاق رحبة تخرجك من سجن أنانيتك و صغار حياتك فتبدو لك اهتماماتك الصغيرة هيافة لا تستحق العناء ..
و هناك لحظات تستطيع أن تتحقق فيها من هذه الهيافة بدون أن تصعد على برج القاهرة و تنظر إلى الناس تحت ..
هناك لحظات نادرة تستطيع أن تخلع فيها نفسك من مشكلاتك التي تضيق عليك الخناق و تحصرك في رقعة ضيقة هي مصلحتك .. و تنظر إلى روحك كأنك تنظر إليها من فوق دون أن تصعد إلى فوق فعلاً .. وتنظر متأملا متعجباً .. وتتساءل مندهشاً ..
و لماذا كان كل هذا الاندفاع .. لماذا كان هذا الحماس والتهوّر على لا شيء ..
و في هذه اللحظات الخاطفة تفيق إلى نفسك .. و تتجلى عليك رؤية واسعة لحياتك و تتسع أمامك شاشة واقعك فتصبح شاشة بانورامية .. سينما سكوب .. و تسترد قدرتك على الحكم الدقيق العاقل .. تسترد قدرتك على الإمساك بفراملك والسيطرة على حياتك لأنك ترى ظروفك كلها دفعة واحدة و ترى معها ظروف غيرك و ظروف الدنيا فتتضائل مشكلتك و تصبح تافهة ..
و أنا عيبي .. وربما ميزتي .. لست أدري بالضبط .. أني اكتشفت هذه الحكاية من زمان وجربتها وتلذذت بها فقررت أن أقضي أغلب حياتي فوق .. في هذا البرج الذي طار من عقلي .. أتأمل نفسي و أنا ألعب تحت الأرض .. و أفهم نفسي أكثر .. و أتعقل حياتي أكثر ..
و كانت النتيجة أني نسيت اللعب.. و تحولت إلى متفرج مزمن .. جالس طول الوقت فوق .. في منصة الحكم .. ونسيت أن الصعود إلى برج المراقبة هذا لا يكون إلا لحظات خاطفة .. نصلح فيها هندامنا .. و نصلح نفوسنا .. ثم ننزل بعدها لنستأنف اللعب ..
و أدمنت على الجلوس فوق .. و النظر من فوق حيث يبدو كل شيء صغيراً ..
و جاء العيد ....
و سمعت صوت البمب تحت نافذتي .. و شعرت أن كل واحد يلعب و يجري و يكركر بالضحك إلا أنا .. جالس وحدي كالغراب في برج عقلي الذي طار ..
و شعرت بالثورة على هذه الوظيفة اللعينة التي اخترتها ..
هذه الوظيفة التي تحرمني من اللعب و تحرمني من بهجة الحماقة و لذة التهوّر ..
و قررت أن أتهور و ألعب و أجري .. و أستمتع بالعيد مثل العيال ..
و ملأت جيبي بالبمب .. و سرت أطرقعه باليمين و بالشمال ..
ثم ذهبت إلى روف جاردن لأشرب كوباً من البيرة ، مثل أي شاب أحمق ..
و كان الروف جاردن في الدور السادس عشر من عمارة عالية.. كناطحة سحاب ..
ولذ لي أن أنظر من فوق .. إلى الدنيا تحت .. فماذا كانت النتيجة ..
كانت النتيجة أني رأيت الناس تحت يبدون كالنمل .. سحنتهم واحدة .. وهياكلهم واحدة .. مجرد نقط تتدافع في اتجاهات متعدة ..
و نسيت كوب البيرة و نسيت اللذة الحمقاء التي جئت من أجلها .. و نسيت العيد .. و نسيت اللعب ..
و بدت لي كل هذه الأشياء صغيرة تافهة .....
و اقرءوا معي المقال من الأول..
مقال/ النمل
من كتـــاب / الأحـــــلام
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ كأسراب النمل..
كنقط صغيرة متدافعة.
إني لا أستطيع التميز بين وجوهكم.
لأني أنظر من فوق.. من فوق..
من على ارتفاع شاهق يبدو كل الناس مثل بعض . يبدون كالنمل . سحنتهم واحدة . و هيكلهم واحد . مجرد نقط تندفع في اتجاهات متعددة .
و إذا صعدت إلى أعلى برج في القاهرة ثم نظرت إلى الناس تحت فإنك سوف تراهم مجرد نقط . مجرد كرات تتدحرج على أديم الأرض ككرات البلياردو . وستبدو عربات المرسيدس الفارهة كطوابير من الصرارصير اللامعة .
إن الأمور تختلف كثيراً حينما ننظر إليها من بعيد . إنها تتضاءل و تتشابه و تصبح ذات سحنة واحدة . وتصبح تافهة مثيرة للدهشة و التساؤل .
إنك تتعجب وأنت فوق في علوّك الشاهق تنظر إلى الصرصار الصغير المرسيدس . و تسأل نفسك . أهذا هو الشيء الذي كنت طول عمرك تحلم بأن تقتنيه ؟!
من أجل هذا الصرصار يحدث أحياناً أن يرتكب رجل عاقل جريمة ، فيسرق و يقتل ليجمع بضع جنيهات يشتري بها هذا الصرصار ؟! من أجل أن يكون وجيهاً أنيقاً ؟.
و لكن لا يبدو أن هناك فارقاً بين الأناقة و البهدلة من هذا الإرتفاع الشاهق . إن كل الثياب تبدو واحدة من فوق .
أجمل النساء تبدو كأقبح النساء . الوجوه الفاتنة و القبيحة تبدو من فوق كوجوه الدجاج . لا فرق بين ملامح دجاجة وملامح دجاجة أخرى . لا تبدو غمزة العين ولا هزة الحاجب و لا بسمة الشفتين . و كل ما يبدو هما ثقبان مكان العينين وثقب مكان الفم . و لا شيء غير هذا .
كل مخلوق من هذه المخلوقات التي تهرول تحت . له ثلاثة ثقوب في وجهه و منقار صغير هو أنفه . وكل واحد يجري و يدفع الآخر أمامه . و يدفعه آخر من خلفه . و أنت تتساءل . على إيه. على إيه . بيجري ليه الراجل ده . مستعجل ليه . عاوز إيه ؟
و الحكاية كلها تبدو لك من فوق حكاية مضحكة غير مفهومة . و قد تنسى بعض الوقت أنك كنت منذ لحظة تهرول في الشارع مثل هؤلاء الناس و تجري و تدفع الناس أمامك و تصرخ في سائق التاكسي أن يسرع بك .
هذا الحماس الذي كان يبدو لك و أنت تحت في الشارع تعيش في وهمك . هذا الحماس الذي كان يبدو لك حينذاك معقولاً . يبدو لك الآن من بعيد مضحكاً مثيراً للدهشة .
و قد تدبّ خناقة بين اثنين تحت ويتجمّع الناس كما يتجمّع النمل حول ذرة تراب غريبة . وتنظر أنت من فوق فتبدو لك الخناقة منظراً غريباً، ويبدو لك الموقف مشحوناً بحماس غير مفهوم. بحماس طائش أبله ليست له دوافع طبيعية .
لماذا يقتل رجل رجلاً آخر ويزاحمه في شبر صغير من الأرض يقف فيه مع أن الدنيا أمامه واسعة .
و الدنيا تبدو لك من فوق واسعة . واسعة جداً. تبدو لك أوسع من أن يتقاتل اثنان على شبر صغير فيه ا.
إنك تكتشف سخافة الشبر . وسخافة الناس . وسخافة السرعة . وسخافة الآلة .
إن هذا الشبر موضع التنافس و التقاتل يبدو لك تافهاً لا قيمة له .
إنك تسأل نفسك لأول مرة . لماذا كل هذا الجري ؟!
و تتفتح حواسك على آفاق رحبة تخرجك من سجن أنانيتك و صغار حياتك فتبدو لك اهتماماتك الصغيرة هيافة لا تستحق العناء .
و هناك لحظات تستطيع أن تتحقق فيها من هذه الهيافة بدون أن تصعد على برج القاهرة و تنظر إلى الناس تحت .
هناك لحظات نادرة تستطيع أن تخلع فيها نفسك من مشكلاتك التي تضيق عليك الخناق و تحصرك في رقعة ضيقة هي مصلحتك . و تنظر إلى روحك كأنك تنظر إليها من فوق دون أن تصعد إلى فوق فعلاً . وتنظر متأملا متعجباً . وتتساءل مندهشاً .
و لماذا كان كل هذا الاندفاع . لماذا كان هذا الحماس والتهوّر على لا شيء .
و في هذه اللحظات الخاطفة تفيق إلى نفسك . و تتجلى عليك رؤية واسعة لحياتك و تتسع أمامك شاشة واقعك فتصبح شاشة بانورامية . سينما سكوب . و تسترد قدرتك على الحكم الدقيق العاقل . تسترد قدرتك على الإمساك بفراملك والسيطرة على حياتك لأنك ترى ظروفك كلها دفعة واحدة و ترى معها ظروف غيرك و ظروف الدنيا فتتضائل مشكلتك و تصبح تافهة .
و أنا عيبي . وربما ميزتي . لست أدري بالضبط . أني اكتشفت هذه الحكاية من زمان وجربتها وتلذذت بها فقررت أن أقضي أغلب حياتي فوق . في هذا البرج الذي طار من عقلي . أتأمل نفسي و أنا ألعب تحت الأرض . و أفهم نفسي أكثر . و أتعقل حياتي أكثر .
و كانت النتيجة أني نسيت اللعب. و تحولت إلى متفرج مزمن . جالس طول الوقت فوق . في منصة الحكم . ونسيت أن الصعود إلى برج المراقبة هذا لا يكون إلا لحظات خاطفة . نصلح فيها هندامنا . و نصلح نفوسنا . ثم ننزل بعدها لنستأنف اللعب .
و أدمنت على الجلوس فوق . و النظر من فوق حيث يبدو كل شيء صغيراً .
و جاء العيد ..
و سمعت صوت البمب تحت نافذتي . و شعرت أن كل واحد يلعب و يجري و يكركر بالضحك إلا أنا . جالس وحدي كالغراب في برج عقلي الذي طار .
و شعرت بالثورة على هذه الوظيفة اللعينة التي اخترتها .
هذه الوظيفة التي تحرمني من اللعب و تحرمني من بهجة الحماقة و لذة التهوّر .
و قررت أن أتهور و ألعب و أجري . و أستمتع بالعيد مثل العيال .
و ملأت جيبي بالبمب . و سرت أطرقعه باليمين و بالشمال .
ثم ذهبت إلى روف جاردن لأشرب كوباً من البيرة ، مثل أي شاب أحمق .
و كان الروف جاردن في الدور السادس عشر من عمارة عالية. كناطحة سحاب .
ولذ لي أن أنظر من فوق . إلى الدنيا تحت . فماذا كانت النتيجة .
كانت النتيجة أني رأيت الناس تحت يبدون كالنمل . سحنتهم واحدة . وهياكلهم واحدة . مجرد نقط تتدافع في اتجاهات متعدة .
و نسيت كوب البيرة و نسيت اللذة الحمقاء التي جئت من أجلها . و نسيت العيد . و نسيت اللعب .
و بدت لي كل هذه الأشياء صغيرة تافهة ...
و اقرءوا معي المقال من الأول.
مقال/ النمل
من كتـــاب / الأحـــــلام
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝