❞ كانت سميرة فتاة جادة .. ربما هي جادة أكثر من اللازم، وفي تصرفاتها درجة من العصبية لا بأس بها. كما أنها نشأت بين ثلاثة أولاد، وهذه نشأة لا تختلف عن نشأة طرزان في الغابة، حيث القوة هي سيد الموقف، وعليك أن تنتزع حقك بيدك وتستخدم قبضتك، وإلا جعت بالمعنى الحرفي للكلمة.
لما كبرتْ سميرة صارت فتاة جميلة ذات ملامح رقيقة، لكنها خشنة الطباع فعلاً ..
ولم يكن أحد من زملائها يصدق هذا.. من يتصور أن هذا الوجه الرقيق الحالم لا يملك ذرة شاعرية على الإطلاق، والحقيقة أنها كانت تعتبر الأمر كله سخيفاً..
لكنها رأت أن الفتيات كلهن يتصرفن بطريقة مختلفة. لا بد للفتاة من مطرب مفضل ومن صور بلهاء تضعها على صفحة فيس بوك.. صور تظهر فتيات رقيقات يمشين في أيكة او يتأملن شلالاً. أمضّها الاختلاف فصنعت لنفسها صفحة على فيس بوك.. ووضعت بعض الصور لقطط وأطفال. كان رأيها أن هذه الصور قبيحة جداً، لكنها تحملت. هناك مثل مصري قديم يقول ما معناه: «لو ذهبت لبلد يعبد العجل .. فاقطع البرسيم وارم له». كان عليها أن تقطع الكثير من البرسيم.
بما أنها فتاة عملية، فقد كانت تعرف أنها يجب أن تتزوج.. لن يظل أبوها يطعمها للأبد. وهي لن تتزوج ما لم تفعل مثل الفتيات الأخريات.
أخيراً خُطبت إلى شاب ناجح يعتبر عريساً لا بأس به، وحسبت أن عذابها انتهى.. هنا فوجئت بأن هذه هي البداية. هذا الأبله يختزن كمًا هائلاً من الرومانسية يريد أن يفجره في وجه أي واحدة تقبل. وهكذا راح يمطرها بالأغاني.. وهي تمقت الأغاني ولا تطيق سماع أغنية لأكثر من خمس ثوان. بعد هذا راح يمطر بريدها بالشعر.. وهي لا تطيق الشعر.. تشعر أن الشاعر رجل مصاب بنوع من الخبال يجعله لا يستطيع الكلام مثلنا.. بدلاً من أن يقول:
- «أريد شرب كوب ماء»
يقولها بطريقته:
- «الظمأ القاتل يحرقني .. فهبوني أقداح السقيا»
وكان يرسل إليها القصيدة فتشكره بشدة، ثم تمسحها بعد ربع ثانية وهي تلعن أبا الغباء. ازداد الأمر تعقيدًا عندما زارها ذات مرة وهو يحمل قطة صغيرة..
لم تكن تطيق هذه الحيوانات القذرة، لكنها تظاهرت بالحنان والرقة وراحت تموء بدورها:
- «كم هي لطيفة!.. كم هي حسناء!.. ربي !»
وتمنت لو كان عندها مفتاح delete لتمسح به هذا الشيء من الوجود.. الأشياء تكون أسهل على الكمبيوتر على كل حال.
ثم كان الموقف الأفظع عندما راح يرسل إليها باقة ورد كل يوم.. هذا الفتى مجنون.. كانت تتخلص من الزهور فورًا ثم تعلمت من جارة لها طريقة عمل مربى الورد، فبدأت تجرب.. هكذا صار لديها مورد دائم من مربى الورد..
عندما زارها ذات يوم لم تكن قد تخلصت من الأزهار لحسن الحظ، وهكذا راحت تتشمم الأزهار في حنان وهي ترمق خطيبها منبهرة.. أغمضت عينيها وراحت تحلم. ثم بدأت تهمس:
- «نرجس.. تيوليب.. بنفسج.. الله!»
لقد انتهت حصيلتها من أسماء الأزهار. أما هو فأخبرها في دهشة أن الباقة لا تحوي أي نرجس أو بنفسج أو تيوليب. فقالت له إنها تتكلم عن الأزهار عامة..
أما أسوأ المواقف طراً فهو اضطرارها- كأي أنثى- إلى أن تنبهر عندما ترى أطفالاً وتنسى كل شيء، برغم أنها تعتبر الأمومة نشاطاً بدائياً مزعجاً. هكذا ترى طفلين صغيرين يلهوان أمامهما فتصيح في انبهار:
- «عسل !»
وتجري لتداعبهما.. وتحمل أحدهما إلى صدرها ثم تدرك في هلع أنه مبتل وأن حفاضته غير محكمة. أما الوغد الآخر فيمسح أنفه الرطب في تنورتها. هي تتمنى أن تحمل كل واحد من قفاه لتلقي به من النافذة، لكن خطيبها يراقب الموقف.. يجب أن تكون رقيقة..
الحقيقة أن سميرة كافحت كثيرًا جدًا لتبدو حالمة مرهفة، لكنها في سرها كانت تلعن الرومانسية والفتيات الحمقاوات شديدات البلاهة.. تتمنى لو تخرج لتحرق كل الأزهار والقطط الصغيرة والأطفال..
في النهاية تم الزفاف. ما زلت أنتظر مصيبة أو طلاقاً .. أدعو الله ألا يحدث هذا لكنه أمر حتمي. الأمل الوحيد هو أن يكون زوجها يدعي الرقة بدوره.. هذا سيكون توفيقاً عظيمًا.
#أحمد_خالد_توفيق
فتاة عملية. ❝ ⏤أحمد خالد توفيق
❞ كانت سميرة فتاة جادة . ربما هي جادة أكثر من اللازم، وفي تصرفاتها درجة من العصبية لا بأس بها. كما أنها نشأت بين ثلاثة أولاد، وهذه نشأة لا تختلف عن نشأة طرزان في الغابة، حيث القوة هي سيد الموقف، وعليك أن تنتزع حقك بيدك وتستخدم قبضتك، وإلا جعت بالمعنى الحرفي للكلمة.
لما كبرتْ سميرة صارت فتاة جميلة ذات ملامح رقيقة، لكنها خشنة الطباع فعلاً .
ولم يكن أحد من زملائها يصدق هذا. من يتصور أن هذا الوجه الرقيق الحالم لا يملك ذرة شاعرية على الإطلاق، والحقيقة أنها كانت تعتبر الأمر كله سخيفاً.
لكنها رأت أن الفتيات كلهن يتصرفن بطريقة مختلفة. لا بد للفتاة من مطرب مفضل ومن صور بلهاء تضعها على صفحة فيس بوك. صور تظهر فتيات رقيقات يمشين في أيكة او يتأملن شلالاً. أمضّها الاختلاف فصنعت لنفسها صفحة على فيس بوك. ووضعت بعض الصور لقطط وأطفال. كان رأيها أن هذه الصور قبيحة جداً، لكنها تحملت. هناك مثل مصري قديم يقول ما معناه: «لو ذهبت لبلد يعبد العجل . فاقطع البرسيم وارم له». كان عليها أن تقطع الكثير من البرسيم.
بما أنها فتاة عملية، فقد كانت تعرف أنها يجب أن تتزوج. لن يظل أبوها يطعمها للأبد. وهي لن تتزوج ما لم تفعل مثل الفتيات الأخريات.
أخيراً خُطبت إلى شاب ناجح يعتبر عريساً لا بأس به، وحسبت أن عذابها انتهى. هنا فوجئت بأن هذه هي البداية. هذا الأبله يختزن كمًا هائلاً من الرومانسية يريد أن يفجره في وجه أي واحدة تقبل. وهكذا راح يمطرها بالأغاني. وهي تمقت الأغاني ولا تطيق سماع أغنية لأكثر من خمس ثوان. بعد هذا راح يمطر بريدها بالشعر. وهي لا تطيق الشعر. تشعر أن الشاعر رجل مصاب بنوع من الخبال يجعله لا يستطيع الكلام مثلنا. بدلاً من أن يقول:
- «أريد شرب كوب ماء»
يقولها بطريقته:
- «الظمأ القاتل يحرقني . فهبوني أقداح السقيا»
وكان يرسل إليها القصيدة فتشكره بشدة، ثم تمسحها بعد ربع ثانية وهي تلعن أبا الغباء. ازداد الأمر تعقيدًا عندما زارها ذات مرة وهو يحمل قطة صغيرة.
لم تكن تطيق هذه الحيوانات القذرة، لكنها تظاهرت بالحنان والرقة وراحت تموء بدورها:
- «كم هي لطيفة!. كم هي حسناء!. ربي !»
وتمنت لو كان عندها مفتاح delete لتمسح به هذا الشيء من الوجود. الأشياء تكون أسهل على الكمبيوتر على كل حال.
ثم كان الموقف الأفظع عندما راح يرسل إليها باقة ورد كل يوم. هذا الفتى مجنون. كانت تتخلص من الزهور فورًا ثم تعلمت من جارة لها طريقة عمل مربى الورد، فبدأت تجرب. هكذا صار لديها مورد دائم من مربى الورد.
عندما زارها ذات يوم لم تكن قد تخلصت من الأزهار لحسن الحظ، وهكذا راحت تتشمم الأزهار في حنان وهي ترمق خطيبها منبهرة. أغمضت عينيها وراحت تحلم. ثم بدأت تهمس:
- «نرجس. تيوليب. بنفسج. الله!»
لقد انتهت حصيلتها من أسماء الأزهار. أما هو فأخبرها في دهشة أن الباقة لا تحوي أي نرجس أو بنفسج أو تيوليب. فقالت له إنها تتكلم عن الأزهار عامة.
أما أسوأ المواقف طراً فهو اضطرارها- كأي أنثى- إلى أن تنبهر عندما ترى أطفالاً وتنسى كل شيء، برغم أنها تعتبر الأمومة نشاطاً بدائياً مزعجاً. هكذا ترى طفلين صغيرين يلهوان أمامهما فتصيح في انبهار:
- «عسل !»
وتجري لتداعبهما. وتحمل أحدهما إلى صدرها ثم تدرك في هلع أنه مبتل وأن حفاضته غير محكمة. أما الوغد الآخر فيمسح أنفه الرطب في تنورتها. هي تتمنى أن تحمل كل واحد من قفاه لتلقي به من النافذة، لكن خطيبها يراقب الموقف. يجب أن تكون رقيقة.
الحقيقة أن سميرة كافحت كثيرًا جدًا لتبدو حالمة مرهفة، لكنها في سرها كانت تلعن الرومانسية والفتيات الحمقاوات شديدات البلاهة. تتمنى لو تخرج لتحرق كل الأزهار والقطط الصغيرة والأطفال.
في النهاية تم الزفاف. ما زلت أنتظر مصيبة أو طلاقاً . أدعو الله ألا يحدث هذا لكنه أمر حتمي. الأمل الوحيد هو أن يكون زوجها يدعي الرقة بدوره. هذا سيكون توفيقاً عظيمًا.
❞ قبل أن تتحرك أيها الطبيب سأفتح النافذة الصغيرة بجانبي ويطير رمادي منه
ضحكت ميلينا وتابعت بسخرية
ستتبعثر أيها المسكين
-ميلينا سأقتلع قلبك من ذلك القفص المهترىء الذي تملكيه. ❝ ⏤ريهام حمدي
❞ قبل أن تتحرك أيها الطبيب سأفتح النافذة الصغيرة بجانبي ويطير رمادي منه
ضحكت ميلينا وتابعت بسخرية
ستتبعثر أيها المسكين
- ميلينا سأقتلع قلبك من ذلك القفص المهترىء الذي تملكيه
❞ رعب خفي
مع ظهور القمر، تلألأت النجوم وسط سكون خانق... ثم صرخة، طويلة، مشوّهة، كأنها ندبة على نسيج الليل، لا شيء يُرى، الظلام مطلق، الصرخة وحيدة، لكنها ليست لحنجرة بشرية،
خطوة ثم أخرى، أنفاس ثقيلة خلفك، تتسارع دقات قلبك، تضع يديك على أذنيك، لكن الصوت يثقبك، لا… ليس من الخارج، إنه ينبض داخلك، كأنك أنت من يصرخ، تهرع إلى غرفة، تلهث، تغلق الباب أو تحاول، يد تظهر من العدم، أصابع بطيئة، باردة، تمنعك، الرعب يجتاحك، تتراجع حتى النافذة، الضوء يتسلل فجأة، لكنه ليس ضوء الفجر، لا يمكن أن يكون، تلتفت، المدينة تحتك لم تعد كما كانت، الشوارع تلتف بلا منطق، الأبنية تتلوى كأنها تنهار وتنهض في آنٍ، والناس... وجوههم مشوشة، أجسادهم تتكرر في كل زاوية، ثم شيء يتغير، تشعر أن هذا المشهد مألوف، لكنك لا تتذكر متى رأيته من قبل، صوت خلفك، تلتفت مجددًا، يد تمسك كتفك، تتجمد، تلتفت ببطء... ثم ترى، وجهك، لكنه ليس وجهك، عيناك تتسعان، قلبك ينتفض، الظلام يلتهمك، ثم تعود الهمسات، ضحكات مرعبة تملأ المكان، الغرفة تلتف، الأصوات تتصاعد، رجفان جسدك يشتد، نفسك يثقل، عيناك تترقبان في هلع، ثم هدوء، لا شيء سوى الصمت، ترمش بعينيك، أنت واقف في نفس المكان، مع ظهور القمر، والنجوم تتلألأ وسط سكون خانق... ثم صرخة، هذه المرة، أنت متأكد، إنها صرختك، ثم همسة تخترق سمعك: \"الصرخة الأولى لم تكن صرخة… كانت أنت، لحظة دخولك إلى الزمن الخطأ... للمرة الألف.\"
لـِ ندى العطفي
بيلا. ❝ ⏤Nada Elatfe
❞ رعب خفي
مع ظهور القمر، تلألأت النجوم وسط سكون خانق.. ثم صرخة، طويلة، مشوّهة، كأنها ندبة على نسيج الليل، لا شيء يُرى، الظلام مطلق، الصرخة وحيدة، لكنها ليست لحنجرة بشرية،
خطوة ثم أخرى، أنفاس ثقيلة خلفك، تتسارع دقات قلبك، تضع يديك على أذنيك، لكن الصوت يثقبك، لا… ليس من الخارج، إنه ينبض داخلك، كأنك أنت من يصرخ، تهرع إلى غرفة، تلهث، تغلق الباب أو تحاول، يد تظهر من العدم، أصابع بطيئة، باردة، تمنعك، الرعب يجتاحك، تتراجع حتى النافذة، الضوء يتسلل فجأة، لكنه ليس ضوء الفجر، لا يمكن أن يكون، تلتفت، المدينة تحتك لم تعد كما كانت، الشوارع تلتف بلا منطق، الأبنية تتلوى كأنها تنهار وتنهض في آنٍ، والناس.. وجوههم مشوشة، أجسادهم تتكرر في كل زاوية، ثم شيء يتغير، تشعر أن هذا المشهد مألوف، لكنك لا تتذكر متى رأيته من قبل، صوت خلفك، تلتفت مجددًا، يد تمسك كتفك، تتجمد، تلتفت ببطء.. ثم ترى، وجهك، لكنه ليس وجهك، عيناك تتسعان، قلبك ينتفض، الظلام يلتهمك، ثم تعود الهمسات، ضحكات مرعبة تملأ المكان، الغرفة تلتف، الأصوات تتصاعد، رجفان جسدك يشتد، نفسك يثقل، عيناك تترقبان في هلع، ثم هدوء، لا شيء سوى الصمت، ترمش بعينيك، أنت واقف في نفس المكان، مع ظهور القمر، والنجوم تتلألأ وسط سكون خانق.. ثم صرخة، هذه المرة، أنت متأكد، إنها صرختك، ثم همسة تخترق سمعك: ˝الصرخة الأولى لم تكن صرخة… كانت أنت، لحظة دخولك إلى الزمن الخطأ.. للمرة الألف.˝