❞ شرح أبيات القصيدة بيتًا بيتًا
1. كُلُّ حَيٍّ سَيَمُوتُ ☠️
يقرر الشاعر حقيقة لا جدال فيها، وهي أن الموت مصير كل حي، فلا أحد يخلد في هذه الدنيا.
2. لَيْسَ فِي الدُّنيا ثُبُوتُ ⏳
يوضح أن الدنيا ليست مستقرة أو ثابتة، بل متغيرة وزائلة، فلا يدوم فيها حال.
3. حَرَكَاتٌ سَوْفَ تَفْنَى ⚡ ثُمَّ يَتْلُوها خُفُوتُ 🕊️
يشير إلى أن كل مظاهر الحياة من حركة ونشاط ستنتهي، وسيعقبها سكون الموت والهدوء الأبدي.
4. وَكلامٌ لَيْسَ يَحْلُو 🗣️ بَعْدَهُ إِلَّا السُّكُوتُ 🤫
يوضح أن الإنسان الذي كان يتكلم ويتحدث سيصمت إلى الأبد بعد موته، فلن يبقى له صوت.
5. أَيُّها السَّادِرُ قُلْ لِي 🤔 أَيْنَ ذَاكَ الْجَبَرُوتُ؟ 🏰💨
يتساءل الشاعر موجهًا كلامه إلى المغترين بالقوة والسلطة، أين جبروتهم الآن بعد أن صاروا تحت التراب؟
6. كُنْتُ مَطْبُوعًا عَلَى النُّطْقِ 🗣️ فَمَا هَذَا الصُّمُوتُ؟ 🕳️
يتعجب من تحول الإنسان الذي كان يتكلم ويعبر عن نفسه إلى كائن ساكن بلا صوت، في إشارة إلى الموت.
7. لَيْتَ شِعْرِي أَهُمُودٌ مَا أَرَاهُ أَمْ قُنُوتُ؟ 🤷♂️
يتساءل: هل ما أراه من سكوت الأموات هو استسلام وخضوع، أم أنه مجرد سكون الموت الذي لا رجعة منه؟
8. أَيْنَ أَمْلاكٌ لَهُمْ فِي كُلِّ أُفْقٍ مَلَكُوتُ؟ 👑
يسأل عن مصير الملوك الذين كانوا يملكون الأرض ويعمرونها، فقد اختفوا وزالت أملاكهم.
9. زَالَتِ التِّيجَانُ عَنْهُمْ 🎭 وَخَلَتْ تِلْكَ التُّخُوتُ 🏛️
يؤكد أن تيجان الملوك قد سقطت بعد موتهم، وعروشهم أصبحت فارغة، فلا سلطان يدوم.
10. أَصْبَحَتْ أَوْطَانُهُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهْيَ خُبُوتُ 🏚️
يشير إلى أن الأوطان التي كانوا يحكمونها أصبحت خاوية بعد رحيلهم، ولم يبقَ لهم فيها أثر.
11. لا سَمِيعٌ يَفْقَهُ الْقَوْلَ وَلا حَيٌّ يَصُوتُ 🤐
يوضح أن القبور لا تحتضن إلا الموتى، فلا أحد يسمع أو يتكلم فيها.
12. عَمَرَتْ مِنْهُمْ قُبُورٌ ⚰️ وَخَلَتْ مِنْهُمْ بُيُوتُ 🏚️
يصور التناقض بين حالهم في الدنيا وبعد الموت، فقد كانت لهم بيوت يعمرونها، لكنها الآن فارغة، بينما القبور امتلأت بهم.
13. لَم تَذُدْ عَنْهُمْ نُحُوسَ الدَّهْرِ إِذْ حَانَتْ بُخُوتُ 🕰️
يبين أن كل قوتهم وسلطتهم لم تحمِهم من الموت حين جاء وقت رحيلهم.
14. خَمَدَتْ تِلْكَ الْمَسَاعِي وانْقَضَتْ تِلكَ النُّعُوتُ 🏴
كل إنجازاتهم ومجدهم انتهى، فلم يبقَ شيء من أفعالهم أو صفاتهم المميزة.
15. إِنَّما الدُّنْيا خَيَالٌ 🌫️ بَاطِلٌ سَوْفَ يَفُوتُ 🕰️
يلخص الشاعر حقيقة الدنيا بأنها مجرد وهم وسراب زائل لا يبقى منه شيء.
16. لَيْسَ لِلإِنْسانِ فِيهَا غَيْرَ تَقْوَى اللهِ قُوتُ 🤲❤️
يختتم بقوله إن الزاد الحقيقي للإنسان في هذه الدنيا هو تقوى الله، فهي التي تنفعه بعد الموت.
الرسالة الأساسية:
القصيدة تذكرنا بحتمية الموت وزوال الدنيا، وضرورة الاتعاظ بذلك، والاستعداد للآخرة بالتقوى والعمل الصالح.
اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين
اللهم يا رحمن يا رحيم، اغفر لنا ذنوبنا، واغفر لآبائنا وأمهاتنا، وشيوخنا ومعلمينا، وكل من سبقنا إليك بالإيمان.
اللهم اجعل قبورهم روضة من رياض الجنة، ونوّر لهم فيها، واغفر لهم ذنوبهم، وأدخلهم جنات النعيم.
اللهم آنس وحشتهم، وارزقهم الجنة بلا حساب ولا سابق عذاب، واجمعنا بهم في مستقر رحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، وأحسن ختامنا، وألحقنا بالصالحين.
💙 اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين 💙. ❝ ⏤إسلام فتحي الشندويلي
❞ شرح أبيات القصيدة بيتًا بيتًا
1. كُلُّ حَيٍّ سَيَمُوتُ ☠️
يقرر الشاعر حقيقة لا جدال فيها، وهي أن الموت مصير كل حي، فلا أحد يخلد في هذه الدنيا.
2. لَيْسَ فِي الدُّنيا ثُبُوتُ ⏳
يوضح أن الدنيا ليست مستقرة أو ثابتة، بل متغيرة وزائلة، فلا يدوم فيها حال.
❞ سأبقى على يقين أننا الآن جوعى من الإنسانية من الشجاعة رغم أن بطون أهل غزة هي الفارغة لكن قلوبهم امتلأت بالأمل بالتضحية والتمسك بالوطن لنبقى نحن تصفق الخذلان والذل نشاهد العار بصمت وتعود. ❝ ⏤سوسن جبالي
❞ سأبقى على يقين أننا الآن جوعى من الإنسانية من الشجاعة رغم أن بطون أهل غزة هي الفارغة لكن قلوبهم امتلأت بالأمل بالتضحية والتمسك بالوطن لنبقى نحن تصفق الخذلان والذل نشاهد العار بصمت وتعود. ❝
❞ سأبقى على يقين أننا الآن جوعى من الإنسانية من الشجاعة رغم أن بطون أهل غزة هي الفارغة لكن قلوبهم امتلأت بالأمل بالتضحية والتمسك بالوطن لنبقى نحن نصفق للخذلان والذل نشاهد العار بصمت وتعود. ❝ ⏤سوسن جبالي
❞ سأبقى على يقين أننا الآن جوعى من الإنسانية من الشجاعة رغم أن بطون أهل غزة هي الفارغة لكن قلوبهم امتلأت بالأمل بالتضحية والتمسك بالوطن لنبقى نحن نصفق للخذلان والذل نشاهد العار بصمت وتعود. ❝
❞ عندما كنت طبيبا فى وحدة ريفية، رأيت حالة فتاة تعرضت يدها لالتهاب شديد فامتلأت بالصديد. كان علىّ أن أشق الجلد وأخرج هذا الصديد طبقا للقاعدة القديمة: حيثما يوجد صديد فلا بد من التخلص منه. قمت بهذا واستخرجت كميات كبيرة فعلا من الصديد جعلتنى أتِيه فخرا بنفسى. على أن فرحتى لم تدم طويلا.. لقد عادت الفتاة بعد ثلاثة أيام وقد ارتفعت درجة حرارتها بتلك الطريقة المحمومة المجنونة التى تدل على وجود صديد مضغوط، وكانت ترتعش، وأدركت أن التهابا أقوى كاد يدمر يدها. هكذا حملت خيامى ورحلت كما يقول الأعراب، وأخذتها لجراح بارع فى المستشفى الجامعى. رأى ما قمت به فقال ضاحكا «المشكلة هى أن قلبك رهيف جدا ولا تملك الشجاعة اللازمة.. كان عليك أن تفتح أنسجة أكثر وتمزق أكثر وتتوغل أكثر». وذكّرنى كذلك بقاعدة أهم هى أن عدوى اليد خطرة جدا، ولا يجب التهاون معها بأى حال. القاعدة الأخيرة هى أنه يجب العمل تحت مخدر عام، لأن الفتاة لن تتحمل ما سيحدث
وفى ذهول رحت أراقبه وهو يُولج مبضعه، فيمزق الحواجز الصفاقية ويخترق أقسام اليد.. ورأيت أنهارا من الصديد تتدفق. كل هذا كان بالداخل وأنا بقلة خبرتى حسبت أننى أجدت التنظيف. وعندما ضمد الجرح ووضع الفتيل، كانت حرارة الفتاة قد هبطت فعلا.. وبعد يومين كانت ضحكتها تشرق كالشمس
تذكرت هذا الموقف وأنا أرى ما وصل إليه حالنا اليوم بسبب الثورة التى لم تكتمل. لقد نجح الثوار فى أن يزيلوا الكثير جدا من الصديد وحبسوه فى طرة، لكن ما زال هناك الكثير جدا منه.. صديد يحتاج إلى جراح محترف، ويحتاج إلى قسوة وإلى حزم.. وهى عملية غير محببة للجراح ولا المريض معا. يجب أن يعترف المرء بأنه كان مخطئا عندما اعتقد أن النهاية السعيدة جاءت يوم 11 فبراير 2011، والحقيقة أنها كانت البداية، وكان يجب أن يستمر كل شىء إلى أن يتحقق ما يريده الثوار. الخلاص من قمة الدمل لا يعنى أنه لم يعد هناك صديد.. ليس هذا هو الخطأ الوحيد على كل حال
من حين لآخر يكتشف المرء أنه كان مخطئا بشدة، وأنه أحسن الظن فى أمور كان الشك أقل ما يجب فيها، وتفاءل حيث ينبغى أن يكتفى سواه بابتسامة جانبية حذرة. وعزائى الوحيد هو أننى لست محللا سياسيا أو استراتيجيا، وإنما أنا مجرد مواطن يقرأ الصحف ويحب هذا البلد. هكذا كتبت مرارا عن أننى أعتبر حكومة عصام شرف من أصدق وأكفأ الحكومات التى عرفتها مصر.. كان هذا منذ زمن بعيد، أما اليوم فلم أتخل عن قناعة أنها (من أصدق)، لكن موضوع (أكفأ) هذا قد انتهى منذ زمن، ومن الواضح تماما أن هذه الحكومة الواهية تتعرض لضغوط عنيفة من كل الجهات، والأسوأ أنها تستجيب لأى ضغط. أتذكر كذلك فى قلق أن الدولتين الوحيدتين اللتين يحكمهما مجلس عسكرى أو (خونتا) فى العالم اليوم هما مصر وجزر فيجى!ـ
هذا بلد عظيم يستحق ما هو أفضل بكثير، ولا أعرف السبب فى استحالة أن نملك رئيسا منتخبا وبرلمانا وتداول سلطة وصحافة وإعلاما حرّين.. هل نحن لا نستحق هذا؟ أم أن مصر أهم من أن تحظى بهذا؟
قررت أن أقرأ قليلا لأتناسى هذه الهواجس، ولسبب ما عدت إلى رواية (البصيرة) للكاتب البرتغالى الحاصل على نوبل (خوزيه ساراماجو). كنت قد بدأت كتابة رواية اسمها (أيام الشهاب الأولى) منذ أعوام، كتبتها بتردد قاتل لدرجة كتابة سطرين أو ثلاثة كل أسبوع. لما بدأت الرواية تتخذ كيانا ملموسا فوجئت برواية (الطوف الحجرى) لساراماجو التى تحكى نفس الحبكة تقريبا، ولو أنهيت روايتى فمن المستحيل أن يصدق أحد أننى لم أسرقها من ساراماجو. هكذا تخلصت من روايتى آسفا، وإن سرّنى أن فكرة لى اقتربت من أفكار هذا الأديب العظيم. لن أعطى أى بيانات عن رواية (البصيرة) والدار التى نشرتها، لسبب بسيط هو أنها مترجمة ترجمة رديئة فعلا، وقراءتها عذاب حقيقى. لا بد أن تعيد صياغة كل جملة فى ذهنك لتصير مستساغة
صدرت الرواية عام 2004 بعد جائزة نوبل، وهى تمتاز كمعظم روايات ساراماجو بروح من السخرية والعبث والفانتازيا. يقولون إنها تكملة لرواية سابقة هى (العمى) التى لم أقرأها بصراحة، لكنها تحكى عن بلد فقد أهله جميعا البصر ما عدا امرأة واحدة
تبدأ رواية (البصيرة) بجملة صادمة: قال الكلب.. هيا بنا نعوى!
لا بد أن نثور.. لقد خلقنا من أجل هذا
تدور الرواية حول لجنة اقتراع فى بلد غير محدد المعالم.. يمكن أن يكون مصر أو البرتغال. هناك مشكلة بسيطة هى أن أحدا لم يذهب إلى صناديق الاقتراع حتى المساء، ثم يخرجون من بيوتهم تحت الأمطار الغزيرة -ليثبتوا أن الطقس لم يمنعهم- ويدلون بأصواتهم
عندما يتم الفرز نكتشف أن معظم الأصوات غير صالحة.. معظم الناخبين وضع أوراقا بيضاء فى صناديق الاقتراع. بمعنى أدق هم ذهبوا إلى اللجان بحماس غريب، ولكنهم لم يختاروا أى حزب.. لا اليمين ولا الوسط ولا اليسار. وهذه الظاهرة لا يبدو أنها تمت بناء على اتفاق. على فكرة بدأت موضة من الأصوات البيضاء فى أوروبا بعد هذه الرواية. عندما تعاد الانتخابات تتكرر هذه الظاهرة المحيرة. عصيان فانتازى يرفض الجميع.. وكما هى العادة لدى كل هذه الحكومات، فإنهم لا يعتقدون أن الشعب يتصرف من تلقاء نفسه.. لا بد من يد خفية تنظم هذا كله. وتقرر الحكومة أن تحاصر العاصمة وتنشئ عاصمة جديدة، بينما تترك العاصمة القديمة نهبا للجوع والمعاناة
عندما تقرر الحكومة أن تتهم شخصا ما فإنها تجد أن أفضل شخص هو المرأة التى ظلت مبصرة فى رواية (العمى). ويدور تحقيق معها بمعرفة ضابط كبير من الحزب الحاكم أرسله وزير الداخلية.. الضابط يكتشف أن المتهمة بريئة فعلا، ويتعاطف معها، والنتيجة هى أنه يدفع حياته ثمنا
تنتهى الرواية بطلقة تقتل الكلب الذى يعوى بسبب وفاة صاحبته، فيقول أحد العميان «الحمد لله.. أنا أكره عواء الكلاب»! إن العميان لا يكتفون بلذة فقد البصر بل يطمعون كذلك فى لذة الصمت. الناس فى مدينة ساراماجو كانوا محظوظين رغم كل شىء، لأنهم امتلكوا القدرة على الاختيار، بل واختيار عدم الاختيار.. أما نحن فننتظر.. ننتظر ونعتصر بعض قطرات الصديد من الدمل فى كل جمعة. ومن جديد أكره الاعتراف بأننى كنت مخطئا لكنها الحقيقة
#أحمد_خالد_توفيق
بصيرة ساراماجو. ❝ ⏤جوزيه ساراماغو
❞ عندما كنت طبيبا فى وحدة ريفية، رأيت حالة فتاة تعرضت يدها لالتهاب شديد فامتلأت بالصديد. كان علىّ أن أشق الجلد وأخرج هذا الصديد طبقا للقاعدة القديمة: حيثما يوجد صديد فلا بد من التخلص منه. قمت بهذا واستخرجت كميات كبيرة فعلا من الصديد جعلتنى أتِيه فخرا بنفسى. على أن فرحتى لم تدم طويلا. لقد عادت الفتاة بعد ثلاثة أيام وقد ارتفعت درجة حرارتها بتلك الطريقة المحمومة المجنونة التى تدل على وجود صديد مضغوط، وكانت ترتعش، وأدركت أن التهابا أقوى كاد يدمر يدها. هكذا حملت خيامى ورحلت كما يقول الأعراب، وأخذتها لجراح بارع فى المستشفى الجامعى. رأى ما قمت به فقال ضاحكا «المشكلة هى أن قلبك رهيف جدا ولا تملك الشجاعة اللازمة. كان عليك أن تفتح أنسجة أكثر وتمزق أكثر وتتوغل أكثر». وذكّرنى كذلك بقاعدة أهم هى أن عدوى اليد خطرة جدا، ولا يجب التهاون معها بأى حال. القاعدة الأخيرة هى أنه يجب العمل تحت مخدر عام، لأن الفتاة لن تتحمل ما سيحدث
وفى ذهول رحت أراقبه وهو يُولج مبضعه، فيمزق الحواجز الصفاقية ويخترق أقسام اليد. ورأيت أنهارا من الصديد تتدفق. كل هذا كان بالداخل وأنا بقلة خبرتى حسبت أننى أجدت التنظيف. وعندما ضمد الجرح ووضع الفتيل، كانت حرارة الفتاة قد هبطت فعلا. وبعد يومين كانت ضحكتها تشرق كالشمس
تذكرت هذا الموقف وأنا أرى ما وصل إليه حالنا اليوم بسبب الثورة التى لم تكتمل. لقد نجح الثوار فى أن يزيلوا الكثير جدا من الصديد وحبسوه فى طرة، لكن ما زال هناك الكثير جدا منه. صديد يحتاج إلى جراح محترف، ويحتاج إلى قسوة وإلى حزم. وهى عملية غير محببة للجراح ولا المريض معا. يجب أن يعترف المرء بأنه كان مخطئا عندما اعتقد أن النهاية السعيدة جاءت يوم 11 فبراير 2011، والحقيقة أنها كانت البداية، وكان يجب أن يستمر كل شىء إلى أن يتحقق ما يريده الثوار. الخلاص من قمة الدمل لا يعنى أنه لم يعد هناك صديد. ليس هذا هو الخطأ الوحيد على كل حال
من حين لآخر يكتشف المرء أنه كان مخطئا بشدة، وأنه أحسن الظن فى أمور كان الشك أقل ما يجب فيها، وتفاءل حيث ينبغى أن يكتفى سواه بابتسامة جانبية حذرة. وعزائى الوحيد هو أننى لست محللا سياسيا أو استراتيجيا، وإنما أنا مجرد مواطن يقرأ الصحف ويحب هذا البلد. هكذا كتبت مرارا عن أننى أعتبر حكومة عصام شرف من أصدق وأكفأ الحكومات التى عرفتها مصر. كان هذا منذ زمن بعيد، أما اليوم فلم أتخل عن قناعة أنها (من أصدق)، لكن موضوع (أكفأ) هذا قد انتهى منذ زمن، ومن الواضح تماما أن هذه الحكومة الواهية تتعرض لضغوط عنيفة من كل الجهات، والأسوأ أنها تستجيب لأى ضغط. أتذكر كذلك فى قلق أن الدولتين الوحيدتين اللتين يحكمهما مجلس عسكرى أو (خونتا) فى العالم اليوم هما مصر وجزر فيجى!ـ
هذا بلد عظيم يستحق ما هو أفضل بكثير، ولا أعرف السبب فى استحالة أن نملك رئيسا منتخبا وبرلمانا وتداول سلطة وصحافة وإعلاما حرّين. هل نحن لا نستحق هذا؟ أم أن مصر أهم من أن تحظى بهذا؟
قررت أن أقرأ قليلا لأتناسى هذه الهواجس، ولسبب ما عدت إلى رواية (البصيرة) للكاتب البرتغالى الحاصل على نوبل (خوزيه ساراماجو). كنت قد بدأت كتابة رواية اسمها (أيام الشهاب الأولى) منذ أعوام، كتبتها بتردد قاتل لدرجة كتابة سطرين أو ثلاثة كل أسبوع. لما بدأت الرواية تتخذ كيانا ملموسا فوجئت برواية (الطوف الحجرى) لساراماجو التى تحكى نفس الحبكة تقريبا، ولو أنهيت روايتى فمن المستحيل أن يصدق أحد أننى لم أسرقها من ساراماجو. هكذا تخلصت من روايتى آسفا، وإن سرّنى أن فكرة لى اقتربت من أفكار هذا الأديب العظيم. لن أعطى أى بيانات عن رواية (البصيرة) والدار التى نشرتها، لسبب بسيط هو أنها مترجمة ترجمة رديئة فعلا، وقراءتها عذاب حقيقى. لا بد أن تعيد صياغة كل جملة فى ذهنك لتصير مستساغة
صدرت الرواية عام 2004 بعد جائزة نوبل، وهى تمتاز كمعظم روايات ساراماجو بروح من السخرية والعبث والفانتازيا. يقولون إنها تكملة لرواية سابقة هى (العمى) التى لم أقرأها بصراحة، لكنها تحكى عن بلد فقد أهله جميعا البصر ما عدا امرأة واحدة
تبدأ رواية (البصيرة) بجملة صادمة: قال الكلب. هيا بنا نعوى!
لا بد أن نثور. لقد خلقنا من أجل هذا
تدور الرواية حول لجنة اقتراع فى بلد غير محدد المعالم. يمكن أن يكون مصر أو البرتغال. هناك مشكلة بسيطة هى أن أحدا لم يذهب إلى صناديق الاقتراع حتى المساء، ثم يخرجون من بيوتهم تحت الأمطار الغزيرة -ليثبتوا أن الطقس لم يمنعهم- ويدلون بأصواتهم
عندما يتم الفرز نكتشف أن معظم الأصوات غير صالحة. معظم الناخبين وضع أوراقا بيضاء فى صناديق الاقتراع. بمعنى أدق هم ذهبوا إلى اللجان بحماس غريب، ولكنهم لم يختاروا أى حزب. لا اليمين ولا الوسط ولا اليسار. وهذه الظاهرة لا يبدو أنها تمت بناء على اتفاق. على فكرة بدأت موضة من الأصوات البيضاء فى أوروبا بعد هذه الرواية. عندما تعاد الانتخابات تتكرر هذه الظاهرة المحيرة. عصيان فانتازى يرفض الجميع. وكما هى العادة لدى كل هذه الحكومات، فإنهم لا يعتقدون أن الشعب يتصرف من تلقاء نفسه. لا بد من يد خفية تنظم هذا كله. وتقرر الحكومة أن تحاصر العاصمة وتنشئ عاصمة جديدة، بينما تترك العاصمة القديمة نهبا للجوع والمعاناة
عندما تقرر الحكومة أن تتهم شخصا ما فإنها تجد أن أفضل شخص هو المرأة التى ظلت مبصرة فى رواية (العمى). ويدور تحقيق معها بمعرفة ضابط كبير من الحزب الحاكم أرسله وزير الداخلية. الضابط يكتشف أن المتهمة بريئة فعلا، ويتعاطف معها، والنتيجة هى أنه يدفع حياته ثمنا
تنتهى الرواية بطلقة تقتل الكلب الذى يعوى بسبب وفاة صاحبته، فيقول أحد العميان «الحمد لله. أنا أكره عواء الكلاب»! إن العميان لا يكتفون بلذة فقد البصر بل يطمعون كذلك فى لذة الصمت. الناس فى مدينة ساراماجو كانوا محظوظين رغم كل شىء، لأنهم امتلكوا القدرة على الاختيار، بل واختيار عدم الاختيار. أما نحن فننتظر. ننتظر ونعتصر بعض قطرات الصديد من الدمل فى كل جمعة. ومن جديد أكره الاعتراف بأننى كنت مخطئا لكنها الحقيقة