❞ اقتباس من كتاب
وصف الذات الإلهية
وفق رؤية الكتاب المقدس
بقلم د محمد عمر
التوحيد الذي يدين به المسلمون
وفق عقيدة الانبياء والمرسلين
الحمد لله وحده والصلاة والسلام علي من لا نبي بعده واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمد عبده ورسوله ثم اما بعد
فان توحيد الله تبارك وتعالي مقصوده الايمان بان الله عز وجل واحد لا شبيه له ولا ند له ولا مثيل له.
لكن في اي شئ وجب علينا ان نثبت له هذه الوحدانية ؟
واذا كان الله عز وجل حجب نفسه عن الخلق في الدنيا اختبارا لكنه سوف يتجلي لاهل النعيم في الاخرة نعيما وجزاءا
فلا ينبغي لاحد ان يشبه الله تبارك وتعالي باحد من خلقه اذ ان الله خالق وهو مختلفا كل الاختلاف عن مخلوقاته.
فياتي السؤال الان من اين لنا ان نستقي اي معرفة عن الذات الالهية ؟
فلما كان الله عز وجل لا يظهر للناس في الدنيا فيصير السبيل الوحيد للتعرف علي الله وعلي صفاته وافعاله لابد ان تكون من خلال وحي الله عز وجل الي صفوته من البشر وهم الرسل الكرام وذلك عن طريق الملائكة الاطهار.
كما قال تعالي تعرج الملائكة والروح اليه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة وكما قال في وصف جبريل الموكل بالوحي انه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم امين وكما قال سبحانه وتعالي في شان القران وانه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الامين علي قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين وكما قال عن احوال الملائكة يوم القيامة يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون الا من اذن له الرحمن وقال صوابا ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ الي ربه مئابا
وفي سورة فاطر يصف الله تعالي اشكال الملائكة فيقول الحمد لله فاطر السموات والارض جاعل الملائكة رسلا اولي اجنحة مثني وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء ان الله علي كل شئ قدير
اذا فالله تبارك وتعالي متمايز عن خلقه استوي علي عرشه خلق ملائكة هم موكلون بتنفيذ اوامره في كونه قال عنهم لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون وقال عنهم وان عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون
ومقتضي هذا الكلام فان توحيد الانبياء والمرسلين يقتضي التعرف علي الله في ثلاث اركان
اولا :- معرفة الله في ربوبيته فهو الرب الخالق المالك المدبر لامر الكون كله
ثانيا:- معرفة الله في الوهيته فهو الاله المعبود وحده فلا معبود سواه
ثالثا :- ثم معرفة الله عز وجل في اسماءه وفي صفاته فله كمال الاسماء الحسني والصفات العلي التي لا يعلمها الا هو سبحانه وتعالي وهو المخبر عن نفسه فقط فلا يسم الله باي اسم ولا يوصف باي صفة الا بما وصف به نفسه فله الكمال في كل شئ
فبالنظر الي الركن الاول من اركان التوحيد الذي كان يعتقده الرسل فقد كانوا يؤمنون ان رب الكون واحد احد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احدا كان في الازل قبل خلق الكون ولم يكن شيئا قبله وكان عرشه علي الماء وخلق لوحا عظيما هو اللوح المحفوظ وضع تحت عرشه وسجل مقادير الخلائق في هذه اللوح المحفوظ منذ خلق الدنيا وحتي مستقر اهل النعيم في الجنة فوق السماء السابعة تحت عرش الرحمن ومستقر اهل الجحيم في النار والعذاب الاليم تحت الارض السابعة.
ثم خلق الكون كله بفلكه وشموسه وكواكبهه ومجراته وسماواته واراضيه وبحاره وجباله وسهوله وكائناته من الانس والجان والملائكة والاشجار والحيوانات والكائنات الدقيقة فلا يعزب عنه مثقال حبة من خردل في الارض ولا في السماء
فهو الذي احسن كل شئ خلقه في ستة ايام ثم استوي علي عرشه الذي وصفه بالعرش العظيم تارة وبالعرش الكريم تارة اخري هذا العرش الذي خلقه الله عز وجل فوق الكرسي الذي وسع السموات والارض
فلله عز وجل كمال الخلق وكمال الملك وكمال التدبير الذي له وحده في خلقه كما قال يدبر الامر من السماء الي الارض ثم يعرج اليه في يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم الذي احسن كل شئ خلقه وبدء خلق الانسان من طين وهكذا كان يعتقد الانبياء والمرسلين
هذا الرب الخالق المدبر هو وحده الاله المعبود الذي ما خلق الانس والجن الا لمعرفته وحده واخلاص العبادة له فليس له حاجه في خلقه كما قال تعالي وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ما اريد منهم من رزق وما اريد ان يطعمون ان الله هو الرزاق ذي القوة المتين
ولما كان الرب له الكمال في الخلق والملك وله الحكمة في التدبير وهو وحده المعبود فلابد ان يكون له كمال الاسماء التي يستحق بها الثناء والحمد والتسبيح الخالص الذي ينائ به عن العيب والنقص والازدراء كما له كمال الصفات التي تتناسب مع الذات الالهية فهي لا تشبه البشر ولا تساويهم ولا تماثلهم فمن سمي الله باسم غير اسمه او وصفه بالصفات البشرية فقد ازدري الذات الالهية وهذا يعد من التعدي السافر في حق الله الواحد الاحد الذي ليس كمثله شئ لا تدركة الابصار وهو يدرك الابصار وهو السميع البصير
هكذا اعتقد الانبياء والمرسلين
ان الله واحد احد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد وانه استوي علي عرشه في السموات العلي وانه عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال فهو سبحنه عال علي عرشه والكون جميعا قبضته والسماء مؤطي قدميه وهو سبحانه الكبير المتعال علي كونه لم يراه احد من خلقه ولم يكلم رسله الا من وراء حجاب او من خلال وحيه الي رسله الاطهار هو غني عن الطعام والشراب لا تاحذه سنة ولا نوم حي لا يموت قيوم علي خلقه لا يعجزه شئ في الارض ولا في السماء
دلل علي وحدانيته ووجوده سبحانه بالعديد من الادلة
فاما الدليل الاول:-
هو الوازع الفطري الغريزي الذي وضعه في النفس البشرية فلا توجد من الانفس البشرية الا وهي تبحث عن موجدها طبقا لهذا الميثاق الازلي الي اخذه الله علي البشر وهم في صلب ابيهم ادم قال تعالي واذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم علي انفسهم الست بربكم قالوا بلي شهدنا ان تقولو يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين
ثم الدليل الثاني وهو العقلي المنظور في الكون بعد ان اعطي الله عز وجل الانسان ادلة الادراك من السمع والبصر والعقل قال تعالي والله اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والابصار والافئدة لعلكم تشكرون
وقال تعالي ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والابصار والافئدة قليلا ما تشكرون
فمن خلال وسائل الادراك هذه يستطيع الانسان ان يستدل علي خالقه بالنظر في الكون كما قال تعالي وفي الارض ايات للموقنين وفي انفسكم افلا تبصرون وكما قال افلا ينظرون الي الابل كيف خلقت والي السماء كيف رفعت والي الجبال كيف نصبت والي الارض كيف سطحت وكا قال تعالي افرايتم ما تمنون اانتم تخلقونه ام نحن الخالقون وكما قال افرايتم ما تحرثون اانتم تزرعونه ام نحن الزارعون وكا قال تعالي افريتم الماء الذي تشربون اانتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون
ثم الدليل الثالث علي معرفة الله تعالي انما هو من خلال الدليل النقلي عن الله تعالي والذي جاء به الرسل الذين صاروا حجة علي الناس الي قيام الساعة كما قال تعالي اوائك الذين هدي الله فبهداهم اقتده وكما قال تعالي رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس علي الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما
من اجل هذا كان توحيد الرسل لله تعالي هو اكمل التوحيد فهم اعلم الناس بالله تعالي اذا ان منهم من كلمه الله تعالي وحيا او من وراء حجاب او يرسل اليهم ملائكته الذين يبلغوهم عن الله تبارك وتعالي من اجل هذا كان هؤلاء الرسل هم الحجة القائمة علي البشر امام الله ومنهم عرف البشر توحيد الله في ربوبيته وفي الوهيته وفي اسماءه وصفاته فصار الله عز وجل مسبح منزه عن كل عيب ونقيصة عال علي عرشة عالم الغيب والشهادة الكبير المتعالي المتصف بكل صفات الكمال والمنزه عن كل نقيصة
فمن عرفه علي هذه الطريقة فهو علي توحيد الانبياء ومن خالف هذا الاعتقاد فهو علي الشرك والضلال وسلك سبيل الكافرين اعاذنا الله واياكم من هذا الضلال المبين انتهي....... ❝ ⏤Dr Mohammed omar Abdelaziz
❞ اقتباس من كتاب
وصف الذات الإلهية
وفق رؤية الكتاب المقدس
بقلم د محمد عمر
التوحيد الذي يدين به المسلمون
وفق عقيدة الانبياء والمرسلين
الحمد لله وحده والصلاة والسلام علي من لا نبي بعده واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمد عبده ورسوله ثم اما بعد
فان توحيد الله تبارك وتعالي مقصوده الايمان بان الله عز وجل واحد لا شبيه له ولا ند له ولا مثيل له.
لكن في اي شئ وجب علينا ان نثبت له هذه الوحدانية ؟
واذا كان الله عز وجل حجب نفسه عن الخلق في الدنيا اختبارا لكنه سوف يتجلي لاهل النعيم في الاخرة نعيما وجزاءا
فلا ينبغي لاحد ان يشبه الله تبارك وتعالي باحد من خلقه اذ ان الله خالق وهو مختلفا كل الاختلاف عن مخلوقاته.
فياتي السؤال الان من اين لنا ان نستقي اي معرفة عن الذات الالهية ؟
فلما كان الله عز وجل لا يظهر للناس في الدنيا فيصير السبيل الوحيد للتعرف علي الله وعلي صفاته وافعاله لابد ان تكون من خلال وحي الله عز وجل الي صفوته من البشر وهم الرسل الكرام وذلك عن طريق الملائكة الاطهار.
كما قال تعالي تعرج الملائكة والروح اليه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة وكما قال في وصف جبريل الموكل بالوحي انه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم امين وكما قال سبحانه وتعالي في شان القران وانه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الامين علي قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين وكما قال عن احوال الملائكة يوم القيامة يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون الا من اذن له الرحمن وقال صوابا ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ الي ربه مئابا
وفي سورة فاطر يصف الله تعالي اشكال الملائكة فيقول الحمد لله فاطر السموات والارض جاعل الملائكة رسلا اولي اجنحة مثني وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء ان الله علي كل شئ قدير
اذا فالله تبارك وتعالي متمايز عن خلقه استوي علي عرشه خلق ملائكة هم موكلون بتنفيذ اوامره في كونه قال عنهم لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون وقال عنهم وان عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون
ومقتضي هذا الكلام فان توحيد الانبياء والمرسلين يقتضي التعرف علي الله في ثلاث اركان
اولا :- معرفة الله في ربوبيته فهو الرب الخالق المالك المدبر لامر الكون كله
ثانيا:- معرفة الله في الوهيته فهو الاله المعبود وحده فلا معبود سواه
ثالثا :- ثم معرفة الله عز وجل في اسماءه وفي صفاته فله كمال الاسماء الحسني والصفات العلي التي لا يعلمها الا هو سبحانه وتعالي وهو المخبر عن نفسه فقط فلا يسم الله باي اسم ولا يوصف باي صفة الا بما وصف به نفسه فله الكمال في كل شئ
فبالنظر الي الركن الاول من اركان التوحيد الذي كان يعتقده الرسل فقد كانوا يؤمنون ان رب الكون واحد احد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احدا كان في الازل قبل خلق الكون ولم يكن شيئا قبله وكان عرشه علي الماء وخلق لوحا عظيما هو اللوح المحفوظ وضع تحت عرشه وسجل مقادير الخلائق في هذه اللوح المحفوظ منذ خلق الدنيا وحتي مستقر اهل النعيم في الجنة فوق السماء السابعة تحت عرش الرحمن ومستقر اهل الجحيم في النار والعذاب الاليم تحت الارض السابعة.
ثم خلق الكون كله بفلكه وشموسه وكواكبهه ومجراته وسماواته واراضيه وبحاره وجباله وسهوله وكائناته من الانس والجان والملائكة والاشجار والحيوانات والكائنات الدقيقة فلا يعزب عنه مثقال حبة من خردل في الارض ولا في السماء
فهو الذي احسن كل شئ خلقه في ستة ايام ثم استوي علي عرشه الذي وصفه بالعرش العظيم تارة وبالعرش الكريم تارة اخري هذا العرش الذي خلقه الله عز وجل فوق الكرسي الذي وسع السموات والارض
فلله عز وجل كمال الخلق وكمال الملك وكمال التدبير الذي له وحده في خلقه كما قال يدبر الامر من السماء الي الارض ثم يعرج اليه في يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم الذي احسن كل شئ خلقه وبدء خلق الانسان من طين وهكذا كان يعتقد الانبياء والمرسلين
هذا الرب الخالق المدبر هو وحده الاله المعبود الذي ما خلق الانس والجن الا لمعرفته وحده واخلاص العبادة له فليس له حاجه في خلقه كما قال تعالي وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ما اريد منهم من رزق وما اريد ان يطعمون ان الله هو الرزاق ذي القوة المتين
ولما كان الرب له الكمال في الخلق والملك وله الحكمة في التدبير وهو وحده المعبود فلابد ان يكون له كمال الاسماء التي يستحق بها الثناء والحمد والتسبيح الخالص الذي ينائ به عن العيب والنقص والازدراء كما له كمال الصفات التي تتناسب مع الذات الالهية فهي لا تشبه البشر ولا تساويهم ولا تماثلهم فمن سمي الله باسم غير اسمه او وصفه بالصفات البشرية فقد ازدري الذات الالهية وهذا يعد من التعدي السافر في حق الله الواحد الاحد الذي ليس كمثله شئ لا تدركة الابصار وهو يدرك الابصار وهو السميع البصير
هكذا اعتقد الانبياء والمرسلين
ان الله واحد احد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد وانه استوي علي عرشه في السموات العلي وانه عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال فهو سبحنه عال علي عرشه والكون جميعا قبضته والسماء مؤطي قدميه وهو سبحانه الكبير المتعال علي كونه لم يراه احد من خلقه ولم يكلم رسله الا من وراء حجاب او من خلال وحيه الي رسله الاطهار هو غني عن الطعام والشراب لا تاحذه سنة ولا نوم حي لا يموت قيوم علي خلقه لا يعجزه شئ في الارض ولا في السماء
دلل علي وحدانيته ووجوده سبحانه بالعديد من الادلة
فاما الدليل الاول:-
هو الوازع الفطري الغريزي الذي وضعه في النفس البشرية فلا توجد من الانفس البشرية الا وهي تبحث عن موجدها طبقا لهذا الميثاق الازلي الي اخذه الله علي البشر وهم في صلب ابيهم ادم قال تعالي واذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم علي انفسهم الست بربكم قالوا بلي شهدنا ان تقولو يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين
ثم الدليل الثاني وهو العقلي المنظور في الكون بعد ان اعطي الله عز وجل الانسان ادلة الادراك من السمع والبصر والعقل قال تعالي والله اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والابصار والافئدة لعلكم تشكرون
وقال تعالي ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والابصار والافئدة قليلا ما تشكرون
فمن خلال وسائل الادراك هذه يستطيع الانسان ان يستدل علي خالقه بالنظر في الكون كما قال تعالي وفي الارض ايات للموقنين وفي انفسكم افلا تبصرون وكما قال افلا ينظرون الي الابل كيف خلقت والي السماء كيف رفعت والي الجبال كيف نصبت والي الارض كيف سطحت وكا قال تعالي افرايتم ما تمنون اانتم تخلقونه ام نحن الخالقون وكما قال افرايتم ما تحرثون اانتم تزرعونه ام نحن الزارعون وكا قال تعالي افريتم الماء الذي تشربون اانتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون
ثم الدليل الثالث علي معرفة الله تعالي انما هو من خلال الدليل النقلي عن الله تعالي والذي جاء به الرسل الذين صاروا حجة علي الناس الي قيام الساعة كما قال تعالي اوائك الذين هدي الله فبهداهم اقتده وكما قال تعالي رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس علي الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما
من اجل هذا كان توحيد الرسل لله تعالي هو اكمل التوحيد فهم اعلم الناس بالله تعالي اذا ان منهم من كلمه الله تعالي وحيا او من وراء حجاب او يرسل اليهم ملائكته الذين يبلغوهم عن الله تبارك وتعالي من اجل هذا كان هؤلاء الرسل هم الحجة القائمة علي البشر امام الله ومنهم عرف البشر توحيد الله في ربوبيته وفي الوهيته وفي اسماءه وصفاته فصار الله عز وجل مسبح منزه عن كل عيب ونقيصة عال علي عرشة عالم الغيب والشهادة الكبير المتعالي المتصف بكل صفات الكمال والمنزه عن كل نقيصة
فمن عرفه علي هذه الطريقة فهو علي توحيد الانبياء ومن خالف هذا الاعتقاد فهو علي الشرك والضلال وسلك سبيل الكافرين اعاذنا الله واياكم من هذا الضلال المبين انتهي. ❝
❞ الآن وقبل انتهاء المعرض بأيام اغتنموا الفرصة باقتناء إحدى الكتب ( جرعات تنفس ، على مشارف الحلم ) قبل أنْ تفتكم فلسوف تجدون أنفسكم بين سطورهما ... ❤️
من كتاب \" جرعات تنفس \" :
النجاح :
إن أعظم ما يقوم به المرء أنْ يتوقف عن الكلام ويبدأ بالتنفيذ فيُحوِّل الفكرة إلى خطة ، الكلام إلى أفعال ، الهدف والحلم إلى واقع ونتيجة مُرضية وذلك اعتماداً على عدة عوامل أهمها الاجتهاد ، والإصرار ، والطموح ، والثقة بالله ، والنفس ، فالاجتهاد فطرة يُولَد بها المرء كرغبته الدائمة في إنشاء علاقات اجتماعية فهو أمرٌ طبيعي يتواجد بداخله منذ الصِغر فيحاول أنْ يجتهد في دراسته ليصبح من الناجحين أمام زملائه مفتخراً بذاته ، مُشرِّفاً لأهله وأصدقائه المقربين ، أما الإصرار فهو تابع للاجتهاد فإن رؤية النجاح والوصول له تولِّد بداخلك طاقةً متجددة للحفاظ عليه ومحاولة التواجد به دائماً فهو كتاجٍ يُوضَع على الرأس ويجعل الإنسان متميزاً متفرداً بنجاحه عن الآخرين ، فإصرارك يُزيد اجتهادك وتفانيك فيما تقوم به ، أما الطموح فهو أساس كلاً من الاجتهاد والإصرار ، فطموحك هو الدافع والحافز الأساسي لاجتهادك وإصرارك على النجاح للوصول للهدف المنشود الذي ترجوه منذ نعومة أظافرك ، فإنسان بلا طموح كحياة بلا معنى أو قيمة تَفنى بلا تحقيق أي نجاحات أو إنجازات يفتخر بها المرء ويكون قدوةً يحتذي بها الآخرون ويطمحون أنْ يصيروا مثله ذات يوم ، فكفى كلاماً بدون تنفيذ أو خُطط مُحقَّقة على أرض الواقع وأهداف مُنجَزة وأحلام مُتوَّجة بالنجاح والتقدم ، فنجاحك يساعدك على الرُقي ورفع مكانتك الاجتماعية وقَدْرك في المجتمع الذي تعيش فيه ويُزيد من تأثيرك على المحيطين بك ...
من كتاب \" على مشارف الحلم \" :
العنف الأسري :
إن العنف الأسري غير مُقتصَر على الأبناء فقط ، ولكنه يبدأ من التعامل الصَلد الجامد مع الزوجة من خلال الإهانة أو الاتهام بالتقصير في أي شأن من شئون المنزل إلى أنْ يحتدم الخلاف الذي قد يؤدي للطلاق في بعض الأحيان ، ثم تتدرج تلك المشكلات إلى أنْ تطول الأبناء أيضاً فيتعدى الزوج عليهم بالضرب نظراً الكبت الذي يعانيه مع زوجته كما يدَّعي فهو أساس كل تلك المشكلات المفتعلة وهو القادر على إخمادها أيضاً وإنشاء أسرة مستقرة إنْ تحلَّى ببعض الرحمة والشفقة في قلبه فهو لم يتزوج أَمةً حتى تكون رهن إشارته في كل ما يأمر ، تُجيب كل متطلباته بلا تذمُّر ، فلكل سيدة طاقة إنْ فنَت هُدمَت الأسرة بالكامل فينبغي أنْ يراعي الزوج تلك النقطة ويأخذها بعين الاعتبار حتى لا يساهم في التفكك الأسري وضياع تلك المنظومة التي صارت حُلماً للعديد من البشر في ظل الظروف المواتية التي تعاني منها أغلب الأسر ، فلقد قل الإقبال على الزواج نظراً لكثرة المشكلات المُلحَقة به ، فإنْ تحلى الزوجان ببعض الصبر والرحمة لتَمَّ حلُّ أغلب الأمور من تلقاء نفسها ولن تتولد تلك الطاقات السلبية من الغضب داخل نفوس أبنائهم مسببة عدم الاستقرار النفسي فيبغض كل منهم فكرة الزواج في المُطلَق وقد يلجأون لطرق غير سوية للهروب من تلك الأجواء المشحونة السخيفة التي تحيط بهم أغلب الوقت ...
حاليا في معرض الكتاب ٢٠٢٥ ،
بصالة ١ جناح c1 .
وأتقدم بوافر الشكر لكل مَنْ ساهم في رسم البسمة على ثغرى في ظل تلك الأثناء التي لم أتمكن فيها من التواجد بالمعرض ... ❤️
كل عام وأنتم بخير حال أجمعين ، حقَّق الله لكم مُرادكم ووصَّلكم لمَسعاكم ويسَّر لكم دربكم وحباكم من خيرات الدنيا الوفرة والرزق الواسع الفياض ... 🌹❤️❤️. ❝ ⏤Kholoodayman1994 Saafan
❞ الآن وقبل انتهاء المعرض بأيام اغتنموا الفرصة باقتناء إحدى الكتب ( جرعات تنفس ، على مشارف الحلم ) قبل أنْ تفتكم فلسوف تجدون أنفسكم بين سطورهما .. ❤️
من كتاب ˝ جرعات تنفس ˝ :
النجاح :
إن أعظم ما يقوم به المرء أنْ يتوقف عن الكلام ويبدأ بالتنفيذ فيُحوِّل الفكرة إلى خطة ، الكلام إلى أفعال ، الهدف والحلم إلى واقع ونتيجة مُرضية وذلك اعتماداً على عدة عوامل أهمها الاجتهاد ، والإصرار ، والطموح ، والثقة بالله ، والنفس ، فالاجتهاد فطرة يُولَد بها المرء كرغبته الدائمة في إنشاء علاقات اجتماعية فهو أمرٌ طبيعي يتواجد بداخله منذ الصِغر فيحاول أنْ يجتهد في دراسته ليصبح من الناجحين أمام زملائه مفتخراً بذاته ، مُشرِّفاً لأهله وأصدقائه المقربين ، أما الإصرار فهو تابع للاجتهاد فإن رؤية النجاح والوصول له تولِّد بداخلك طاقةً متجددة للحفاظ عليه ومحاولة التواجد به دائماً فهو كتاجٍ يُوضَع على الرأس ويجعل الإنسان متميزاً متفرداً بنجاحه عن الآخرين ، فإصرارك يُزيد اجتهادك وتفانيك فيما تقوم به ، أما الطموح فهو أساس كلاً من الاجتهاد والإصرار ، فطموحك هو الدافع والحافز الأساسي لاجتهادك وإصرارك على النجاح للوصول للهدف المنشود الذي ترجوه منذ نعومة أظافرك ، فإنسان بلا طموح كحياة بلا معنى أو قيمة تَفنى بلا تحقيق أي نجاحات أو إنجازات يفتخر بها المرء ويكون قدوةً يحتذي بها الآخرون ويطمحون أنْ يصيروا مثله ذات يوم ، فكفى كلاماً بدون تنفيذ أو خُطط مُحقَّقة على أرض الواقع وأهداف مُنجَزة وأحلام مُتوَّجة بالنجاح والتقدم ، فنجاحك يساعدك على الرُقي ورفع مكانتك الاجتماعية وقَدْرك في المجتمع الذي تعيش فيه ويُزيد من تأثيرك على المحيطين بك ..
من كتاب ˝ على مشارف الحلم ˝ :
العنف الأسري :
إن العنف الأسري غير مُقتصَر على الأبناء فقط ، ولكنه يبدأ من التعامل الصَلد الجامد مع الزوجة من خلال الإهانة أو الاتهام بالتقصير في أي شأن من شئون المنزل إلى أنْ يحتدم الخلاف الذي قد يؤدي للطلاق في بعض الأحيان ، ثم تتدرج تلك المشكلات إلى أنْ تطول الأبناء أيضاً فيتعدى الزوج عليهم بالضرب نظراً الكبت الذي يعانيه مع زوجته كما يدَّعي فهو أساس كل تلك المشكلات المفتعلة وهو القادر على إخمادها أيضاً وإنشاء أسرة مستقرة إنْ تحلَّى ببعض الرحمة والشفقة في قلبه فهو لم يتزوج أَمةً حتى تكون رهن إشارته في كل ما يأمر ، تُجيب كل متطلباته بلا تذمُّر ، فلكل سيدة طاقة إنْ فنَت هُدمَت الأسرة بالكامل فينبغي أنْ يراعي الزوج تلك النقطة ويأخذها بعين الاعتبار حتى لا يساهم في التفكك الأسري وضياع تلك المنظومة التي صارت حُلماً للعديد من البشر في ظل الظروف المواتية التي تعاني منها أغلب الأسر ، فلقد قل الإقبال على الزواج نظراً لكثرة المشكلات المُلحَقة به ، فإنْ تحلى الزوجان ببعض الصبر والرحمة لتَمَّ حلُّ أغلب الأمور من تلقاء نفسها ولن تتولد تلك الطاقات السلبية من الغضب داخل نفوس أبنائهم مسببة عدم الاستقرار النفسي فيبغض كل منهم فكرة الزواج في المُطلَق وقد يلجأون لطرق غير سوية للهروب من تلك الأجواء المشحونة السخيفة التي تحيط بهم أغلب الوقت ..
حاليا في معرض الكتاب ٢٠٢٥ ،
بصالة ١ جناح c1 .
وأتقدم بوافر الشكر لكل مَنْ ساهم في رسم البسمة على ثغرى في ظل تلك الأثناء التي لم أتمكن فيها من التواجد بالمعرض .. ❤️
كل عام وأنتم بخير حال أجمعين ، حقَّق الله لكم مُرادكم ووصَّلكم لمَسعاكم ويسَّر لكم دربكم وحباكم من خيرات الدنيا الوفرة والرزق الواسع الفياض .. 🌹❤️❤️. ❝
❞ خطر لي ذات مساء أن أقوم ببحث في سراديب ذاكرتي .. فأرصد في ورقة كل ما أحفظه من أرقام ..
رقم الباسبور ورقم العربة ورقم الشقة ورقم البطاقة العائلية وتليفونات من أعرف من الأصدقاء والزملاء .. وتليفونات المصالح والجرائد .. وأرقام جدول الضرب التي أحفظها غيباً وعمليات الجمع والطرح والقسمة الأولية التي أعرفها بالبداهة .. وتواريخ ميلادي وميلاد أولادي .. وثوابت الرياضة والطبيعة مثل النسبة التقريبية وسرعة الضوء وسرعة الصوت ومجموع زوايا المثلث ودرجة غليان الماء .. وما تعلمته في كلية الطب عن نسبة سكر الدم وعدد الكريات الحمراء وعدد الكريات البيضاء وحجم الدم وسرعة النبض وسرعة التنفس وجرعات العقاقير ..
وفي لحظات تجمعت تحت يدي عدة صفحات من مئات الأرقام .. تداعت في ذهني ولمعت كالبرق وكأني حاسب إلكتروني .. وكان المشهد مذهلاً .
كيف أحفظ هذا الكم الهائل من الأعداد .. كل عدد يبلغ طوله ستة أو سبعة أرقام ؟
وأين تختفي هذه الأرقام في تلافيف المخ ؟
وكيف يتم استدعاؤها فتلمع في الوعي كالبرق الخاطف ؟
وبأي أسلوب تصطف هذه الأرقام في أعداد متمايزة .. كل عدد له مذكرة تفسيرية ملحقة به تشرح دلالته ومعناه ؟
وكيف تتراكم المئات والمئات من هذه الأرقام في ذاكرتنا ولا تختلط ولايطمس بعضها بعضاً؟
وغير الأرقام .. هناك الأسماء والإصطلاحات والكلمات .. والأشكال والوجوه .. تزدحم بها رأسنا . وهناك معالم الطبيعة التي طُفنا بها والأماكن التي زرناها .. وهناك الروائح .. ومع كل رائحة صورة لامرأة عرفناها أو مشهد نذكره ولواعج وأشواق وقصص وسيناريو من آلاف اللقطات .. وهناك الطعوم .. والنكهات .. يأتي الطعم في الفم فيسيل اللعاب شوقاً أو يتحرك الغثيان إشمئزازاً .. ومع كل طعم .. يجري شريط يحكي عن وليمة دسمة ذات يوم أو جرعة دواء مريرة ومرض طويل ممض وأوجاع أليمة .. حتى لمسة النسيم الحريرية ورائحة أصداف الشاطئ تحفظها لنا الذاكرة فتهب علينا لفحات الهواء الرطيب مع ذكراها وكأننا نعيشها من جديد .
حتى الأصوات والهمسات والوشوشات والصخَب والصراخ والضجيج والعويل والنشيج .
وفاصل من موسيقى ..
ومقطع من أغنية ..
ولطمة على وجه ..
وقرقعة عصاً على الظهر ..
وحشرجة ألم ..
كل هذا تحفظه الذاكرة وتسجله في دقة شديدة وأمانة .. ومعه بطاقة بالتاريخ والمناسبة وأسماء الأشخاص وظروف الواقعة ومحضر بالأقوال .. معجزة .. إسمها الذاكرة .
إن معنا رقيباً حقيقياً يكتب بالورقة والقلم كل دبة نمل في قلوبنا ؟
وما نتخيل أحياناً أننا نسيناه نكتشف أننا لم ننسه وأنه موجود يظهر لنا فجأة في لحظة استرخاء أو حلم أو بعد كأس أو في عيادة طبيب نفسي .. وأحياناً يظهر في زلة لسان أو خطأ إملائي .
لا شيء يُنسَى أبداً .. ولا شيء يضيع .. والماضي مكتوب بالفعل لحظة بلحظة ودقة قلب بدقة قلب .
والسؤال الكبير بل اللغز المحير هو .. أين توجد هذه الصور .. أين هذا الأرشيف السري ؟
وهو سؤال حاول أن يجيب عليه أكثر من عالِم وأكثر من فيلسوف .
الفلاسفة الماديون قالوا إن الذاكرة في المخ .. وإنها ليست أكثر من تغيرات كيميائية كهربائية تحدث لمادة المخ نتيجة الفعل العصبي للحوادث تماماً كما يحدث لشريط ريكوردر عند التسجيل .. وإن هذه اللفائف المسجلة تُحفَظ بالمخ وإنها تدور تلقائياً لحظة محاولة التذكر فتعيد ما كان .. في أمانة ودِقة .
الذاكرة مجرد نقش وحفر على مادة الخلايا .
ومصيرها أن تَبلَى وتتآكل كما تبلى النقوش وتتآكل وينتهي شأنها حينما ينتهي الإنسان بالموت وتتآكل خلاياه .
رأي مريح وسهل ولكنه أوقع أصحابه في مطلب لم يستطيعوا الخروج منه ..
فإذا كانت الذاكرة هي مجرد طارئ مادي يطرأ على مادة الخلايا فينبغي أن تتلف الذاكرة لأي تلف مادي مناظر في الخلايا المخية .. وينبغي أن يكون هناك توازٍ بين الحادثين .. كل نقص في ذاكرة معينة لا بد أن يقابله تلف في الخلايا المختصة المقابلة .. وهو أمر لا يشاهَد في إصابات المخ وأمراضه .. بل ما يشاهد هو العكس .
يصاب مركز الكلمات فلا تصاب ذاكرة الكلمات بأي تلف , وإنما الذي يحدث هو عاهة في النطق .. في الأداء الحركي للعضلات التي تنطق الكلمات . إن الموتور هو الذي يتلف بتلف الخلايا .. أما الذاكرة .. أما صورة الكلمات في الذهن فتظل سليمة .
♦♦ وهذا دليل على أن وظيفة المخ ليست الذاكرة ولا التذكر .
وإنما المخ هو مجرد سنترال يعطي التوصيلة .
هو مجرد أداة تُعَبّر به الكلمة عن نفسها في وسط مادي فتصبح صوتًا مسموعًا .. كما يفعل الراديو حينما يحوّل الموجة اللاسلكية إلى نبض كهربائي مسموع .. فإذا أصيب الراديو بعطل فلا يكون معنى هذا العطل أن تتعطل موجة الأثير .. وإنما فقط يحدث شلل في جهاز النطق في الراديو . أما الموجة فتظل سليمة على حالها يمكن أن يلتقطها راديو آخر سليم .
وهذا حال الذاكرة .. فهي صور وأفكار ورُؤى مستقلة مسكنها ومستقرها الروح وليس المخ ولا الجسد بحال .. وما المخ إلا وسيلة لنقل هذه الصور لتصبح كلمات منطوقة مسموعة في عالم ماديّ .
فإذا أصيب المخ بتلف .. يصاب النطق بالتلف ولا تصاب الذاكرة لأن الذاكرة حكمها حكم الروح ولا يجري عليها ما يجري على الجسد .
التوازي مفقود بين الإثنين مما يدل على أننا أمام مستويين (جسد .. وروح ) لا مستوى واحد إسمه المادة .
وفي حوادث النسيان المرحلي .. الذي تنسى فيه مرحلة زمنية بعينها ( وهو الموضوع المحبب عند مؤلفي السينما المصريين ) .. ينسى المصاب فترة زمنية بعينها فتُمحى تمامًا من وعيه وتكشط من ذاكرته .
وكان يتحتم تبعًا للنظرية المادية أن نعثر على تلف مخي جزئي مقابل ومناظر للفترة المنسية .
لكن من الملاحَظ أن أغلب تلك الحالات هي حالات صدمة نفسية عامة وليست تلفًا جزئيًا محددًا .
مرة أخرى نجد أن التوازي مفقود بين حجم الحادث وبين حجم التلف المادي .
وفي حالات التلف المادي الشديد للمخ نتيجة الكسور أو الإلتهابات أو النمو السرطاني , حينما يبدأ النسيان الكامل يلاحظ دائمًا أن هذا النسيان يتخذ نظامًا خاصًا فتُنسَى في البداية أسماء الأعلام وآخر ما يُنسَى هي الكلمات الدالة على الأفعال .
وهذا التسلسل المنتظم في النسيان في مقابل إصابة غير منتظمة .. وفي مقابل تلف مشوش أصاب المخ كيفما اتفق , هو مرة أخرى عدم توازٍ له معنى .. فهنا إصابة في الذاكرة لا علاقة لها من حيث المدى والكم والنظام بالإصابة المادية للمخ .
وهكذا تتحطم النظرية المادية للذاكرة على حائط مسدود .
ونجد أنفسنا أمام ظاهرة متعالية على الجسد وعلى خلايا المخ .
وسوف تموت وتتعفن الخلايا المخية وتظل الذاكرة شاخصة حية بتفصيلاتها ودقائقها تذكرنا في حياتنا الروحية الثانية بكل ما فعلناه .
ولم يكن الجسد إلا جهازاً تنفيذيّاً للفعل وللإفصاح عن النوايا في عالم الدنيا المادي .. كان مجرد أداة للروح ومطية لها .
لم يكن المخ إلا سنترالًا .. وكابلات توصيل .
وكل دوره هو أن يعطي التوصيلة من عالم الروح إلى عالم المادة أو كما يقول برجسون DONNER LA COMMUNICATION ....... يعطي الخط .
كابلات الأعصاب تنقل مكنون الروح وتحوله إلى نبض إلكتروني لتنطق به عضلات اللسان على الطرف الآخر .. كما يفعل الراديو بالموجة اللاسلكية ..
وهكذا نتبادل الكلام كأجساد في عالم مادي .. فإذا ماتت أجسادنا عدنا أرواحًا .. لنتذاكر ما فعلناه في دنيانا لحظة بلحظة حيث كل حرف وكل فعل مسجل .
بل إن هناك نظريات علمية تمضي لأكثر من هذا فترى أن التحصيل هو في ذاته عملية تذكر لعلم قديم مكنوز ومسطور في الروح .. وليس تعلماً من السبورة .. فنحن لا نكتشف أن 2 × 2 = 4 من عدم , وإنما نولد بها .. وكل ما نفعله أننا نتذكرها .. وكذلك بداهات الرياضة والهندسة والمنطق .. كلها بداهات نولد بها مكنوزة فينا .. وكل ما يحدث أننا نتذكرها .. تُذكِرنا بها الخبرة الدنيوية كل لحظة .
وبالمثل شخصيتنا .. نولد بها مسطورة في روحنا .. وكل ما يحدث أن الواقع الدنيوي يقدم المناسبات والملابسات والقالب المادي لتفصح هذه الشخصية عن خيرها وشرها .. فيسجل عليها فعلها .
والتسجيل هو الأمر الجديد الذي يتم في الدنيا .
الإنتقال من حالة النية إلى حالة التلبس .
وهذا ما تُعبِّر عنه الأديان بأن يحق القول على المذنب بعد الإبتلاء والإختبار في الدنيا .. فتحق عليه الضلالة وتلزمه رتبته .
وهو أمر قد سبق إليه علم الله .. علم الحصر لا علم الإلزام .. فالله لا يلزم أحداً بخطيئة ولا يقهره على شر .. وإنما كل واحد يتصرف على وفاق طبيعته الداخلية .. فعله هو ذاته .. وليس في ذلك أي معنى من معاني الجبر .. لأن هذه الطبيعة الداخلية هي التي نسميها أحيانًا الضمير وأحيانًا السريرة وأحيانًا الفؤاد .. ويسميها الله (( السر )) .
(( يعلم السر وأخفَى )) .
ونقول عنها في تعبيراتنا الشعبية عن الموت (( طلع السر الإلهي )) أي صعدت الروح إلى بارئها ..
هذا السر المطلسم هو ابتداء حر ومبادرة أعتقها الله من كل القيود ليكون فعلها هو ذاتها وليكون هواها دالاً عليها .
ومِن هنا لا يصح القول بالحتميات في المجال الإنساني أمثال حتمية الصراع الطبقي والجبرية التاريخية .. لأن الإنسان مجال حر وليس مسمارًا أو ترسًا في ماكينة .
وكما لا يمكن التنبؤ بما يأتي به الغد في حياة فرد فإنه يستحيل القول بالحتم أو الجبر في مجال المجتمعات والتاريخ .. وكل ما يمكن القول به هو الترجيح والإحتمال بناء على مقدمات إحصائية .. وهو ترجيح يخطئ ويصيب ويحدث فيه تفاوت في طرفيه .. فمعدل عمر الإنسان في إنجلترا مثلاً هو ستون سنة .. وهذا المعدل معدل إحصائي مأخوذ من متوسطات أرقام .. وهو غير ملزم بالنسبة للفرد , فقد يعيش فرد مثل برناردشو في إنجلترا أكثر من تسعين سنة ويتجاوز المعدل . وقد يموت في سن العشرين في حادثة . وقد يموت وهو طفل بمرضٍ معدٍ ..
ثم إن المعدل ذاته قابل للتذبذب من طرفيه صعودًا وهبوطًا من سنة لأخرى ..
فلا يصح القول بالحتمية والجَبر في هذا الموضوع .. ولا يجوز إخضاع المجال الإنساني سواء كان فرداً أو مجتمعاً أو تاريخاً لقالب نظري أو معادلة أو حسبة إحصائية أو فرض فلسفي .
إنما تأتي فكرة الحتمية الخاطئة من التصور الخاطئ للإنسان على أنه جسد بلا نفس وبلا روح وبلا عقل ..واعتبار النفس والعقل مجرد مجموعة الوظائف العليا للجهاز العصبي.
ومن الواقع المشاهد من خضوع الجسم للقوانين الفسيولوجية يستنتج المفكر المادي أن الإنسان والإنسانية بأسرها مغلولة في القوانين المادية.
وهكذا يجعل من الإنسان كتلة مادية أشبه بكتلة القمر محكومة في دورانه حول الأرض والشمس بالحتميات الفلكية.
وينسى أن الإنسان يعيش في مستويين.
مستوى الزمن الخارجي الموضوعي المادي .. زمن الساعة .. وفي هذا الزمن يرتبط بالمواعيد والضرورات الإجتماعية ويعيش في أَسر القوانين والحتميات .
ومستوى زمنه الخاص الداخلي .. زمن الشعور وزمن الحلم .. وفي هذا المستوى يعيش حياة حرة بالفعل .. فيفكر ويحلم ويبتكر ويخترع و يقف من كل المجتمع و التاريخ موقف الثورة .. بل يستطيع أن ينقل هذه الثورة الداخلية إلى فعل خارجي فيقلب المجتمع و يغير التاريخ من أساسه كما حدث في كل الثورات التقدمية .
هذه الثنائية هي صفة ينفرد بها الإنسان .
وهذه الحياة الداخلية الحرة يختص بها الإنسان دون الجماد
وهذه النفس التي يملكها تتصف بصفات مختلفة مغايرة لصفت الجماد .. فهنا نحن أمام وحدة لا امتداد لها في المكان ..
هي الـ (( أنا )) تتصف بالحضور والديمومة والشخوص والكينونة والمثول الدائم في الوعي .. ثم هي تفرض نفسها على الواقع الخارجي وتغيره .. وتفرض نفسها على الجسد وتحكمه وتقوده وتعلو على ضروراته .. فتفرض عليه الصوم والحرمان إختياراً .
بل قد تقوده إلى الموت فداء وتضحية ..
مثل هذه النفس لا يمكن أن تكون مجرد ناتج ثانوي من نواتج الجسد وذيلًا تابعًا له ومادة تطورت منه .. مثل هذه النظريات المادية لا تفسر لنا شيئًا .. وإنما لابد لنا أن نسلم أن هذه النفس عالية على الجسد متعالية عليه وأنها من جوهر مفارق لجوهر الجسد وحاكم عليه .. فهي في واقع الأمر تستخدم الجسد كأداة لأغراضها ومطية لأهدافها كما يستخدم العقل المخ مجرد توصيلة أو سنترال .
ولا بد أن يتداعى إلى ذهننا الإحتمال البديهي من أن هذه النفس لا يمكن أن يجري عليها ما يجري على الجسد من موت وتآكل وتعفن بحكم جوهرها الذي تشعر به متصفًا بالحضور والديمومة والشخوص في الوعي طوال الوقت .. فلا تتآكل كما يتآكل الجسد ولا هي تقع كما يقع الشعر ولا هي تبلى كما تبلى الأسنان .
وإنه لأمر بديهي تمامًا أن نتصور بقاءها بعد الموت .
فإذا نحن تأملنا ما يصاحب أفعالنا من تردد قبل اختيار القرار ثم شعور بالمسئولية في أثناء العمل ثم ندم أو راحة بعد تمامه .. فنحن نستنتج أننا أمام حالة مراقبة فطرية وفكرة ملحة بالحساب وبأن هناك خطأ وصوابًا . وإننا نعلم بداهةً وبالفطرة التي ولدنا بها أن العدل والنظام هو ناموس الوجود .. وأن المسئولية هي القاعدة .
ويفترض لنا هذا الشعور الفطري القهري أن الظالم الذي أفلت من عقاب الأرض .. والقاتل الذي أفلت من محاسبة القانون البري الأرضي .. لابد أن يعاقَب ويحاسَب .. لأن العالم الذي نعيش فيه يفصح عن النظام والإنضباط من أصغر ذرة إلى أكبر فلك .. والعبث غير موجود إلا في عقولنا وأحكامنا المنحرفة .
وفكرة العدل والنظام وضرورة العدل عالم آخر يتم فيه العدل والنظام والمحاسبة .
كل هذا علم نولد به .. وحقيقة تقول بها الفطرة والبداهة .
ولا غرابة في أن يعترف مفكر غربي ألماني وهو (( عمانويل كانت )) بهذه الحقيقة في كتابة (( نقد العقل العلمي )) .
ولا غرابة في أن يصل إلى هذه النتيجة السليمة دون أن يقرأ قرآنًا .
إنها الفطرة والبداهة التي تقوم عليها جميع العلوم .
ولا حاجة لأن يقرأ العقل السليم الكتاب المقدس ليكتشف أن له روحًا و أن له حياة بعد الموت و أن هناك حساباًَ .. فالفطرة السليمة تضيء لصاحبها الطريق إلى هذه الحقائق .
وهذا العلم الذي نولد به .. وهذه البداهة التي نولد بها .. تقوم شاهدة على جميع العلوم المكتسبة وملزمة لها .. فجميع العلوم المكتسبة يجوز فيها الخطأ والصواب .. أما العلم الذي نولد به فهو جزء من نظام الكون المحكم .. وهو الحقيقة الأولى التي نعمل على ضوئها نرى جميع الحقائق الفرعية .. وهي المعيار والمقياس .. وإذا فسد المعيار فسد كل شيء وأصبح كل شيء عبثًا في عبث وهو أمر غير صحيح .
وإذا اتهمنا بالبداهة فإن جميع العلوم والمعارف سوف ينسحب عليها الإتهام وسوف تنهدم لأنها تقوم أصلاً على البداهات .
فنحن هنا أمام أصل من أصول المعرفة ومرجع لا يجوز الشك فيه ( لأن هذا المرجع شأنه شأن الحياة ذاتها ) نحن أمام متن هو لحم المعرفة ودمها . وكما نأتي إلى الحياة مزودين بعضلات لنتحرك بها وندافع عن أنفسنا كذلك نولد مزودين بالبداهات الأولى لنحتكم إليها في إدراك الحق من الباطل والصواب من الخطأ .
وأعلى درجات المعرفة هي ما يأتيك من داخلك , فأنت تستطيع أن تدرك وضعك ( هل أنت واقف أو جالس أو راقد ) دون أن تنظر إلى نفسك .. يأتيك هذا الإدراك وأنت مغمض العينين .. يأتيك من داخلك .. وتقوم هذه المعرفة حجة على أية مشاهدة .
وحينما تقول .. أنا سعيد .. أنا شقيّ .. أنا أتألم .. فكلامك يقوم حجة بالغة ولا يجوز تكذيبه بحجة منطقية .. بل إن تناول هذا الأمر بالمنطق هو تنطع ولجاجة لا معنى لها .. فلا أحد أعرف بحال نفسك من نفسك ذاتها .
وبالمثل شهادة الفطرة وحكم البداهة هي حجة على أعلى مستوى .. وحينما تقول الفطرة والبداهة مؤيدة بالعلم والفكر والتأمل حينما تقول بوجود الروح والنفس .. وبالحرية وبالمسئولية والمحاسبة , وحينما توحي بالتصرف على أساس أن في الكون نظامًا .. فنحن هنا أمام حجة على أعلى مستوى من اليقين .
وهو يقين مثل يقين العيَان أو أكثر .. فالفطرة عضو مثل العين نولد به .
وهو يقين أعلى من يقين العلم .. لأن الصدق العلمي هو صدق إحصائي والنظريات العلمية تُستنتَج من متوسطات الأرقام .. أما حكم البداهة فله صفة القطع والإطلاق
2 × 2 = 4 هي حقيقة مطلقة صادقة صدقًا مطلقًا , لا يجوز عليها ما يجوز من نسخ وتطور وتغير في نظريات العلم لأنها مقبولة بديهية .
1 + 1 = 2 مسألة لا تقبل الشك لأنها حقيقة ألقتها إلينا الفطرة من داخلنا وأوحت بها البداهة .
وهي معرفة أولى جاءت إلينا مع شهادة الميلاد .
لو أدرك الإنسان هذا لأراح واستراح .. ولوفّر على نفسه كثيراً من الجدل والشقشقة والسفسطة والمكابرة في مسألة الروح والجسد .. والعقل والمخ .. والحرية والجبر .. والمسئولية والحساب .. ولاكتفى بالإصغاء إلى ما تهمس به فطرته وما يُفتي به قلبه وما تشير به بصيرته .
وذرة من الإخلاص أفضل من قناطير من الكتب .
لنصغي إلى صوت نفوسنا وهمس بصائرنا في إخلاص شديد دون محاولة تشويه ذلك الصوت البكر بحبائل المنطق وشراك الحجج .
وعلى من يشك في كلامي .. وعلى هواة الجدل والنقاش والمقارعة المنطقية أن يعودوا فيقرأوا مقالي من أوله .
..
مقال / الروح
من كتاب : رحلتي من الشك إلى الإيمان
للدكتور : مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ خطر لي ذات مساء أن أقوم ببحث في سراديب ذاكرتي . فأرصد في ورقة كل ما أحفظه من أرقام .
رقم الباسبور ورقم العربة ورقم الشقة ورقم البطاقة العائلية وتليفونات من أعرف من الأصدقاء والزملاء . وتليفونات المصالح والجرائد . وأرقام جدول الضرب التي أحفظها غيباً وعمليات الجمع والطرح والقسمة الأولية التي أعرفها بالبداهة . وتواريخ ميلادي وميلاد أولادي . وثوابت الرياضة والطبيعة مثل النسبة التقريبية وسرعة الضوء وسرعة الصوت ومجموع زوايا المثلث ودرجة غليان الماء . وما تعلمته في كلية الطب عن نسبة سكر الدم وعدد الكريات الحمراء وعدد الكريات البيضاء وحجم الدم وسرعة النبض وسرعة التنفس وجرعات العقاقير .
وفي لحظات تجمعت تحت يدي عدة صفحات من مئات الأرقام . تداعت في ذهني ولمعت كالبرق وكأني حاسب إلكتروني . وكان المشهد مذهلاً .
كيف أحفظ هذا الكم الهائل من الأعداد . كل عدد يبلغ طوله ستة أو سبعة أرقام ؟
وأين تختفي هذه الأرقام في تلافيف المخ ؟
وكيف يتم استدعاؤها فتلمع في الوعي كالبرق الخاطف ؟
وبأي أسلوب تصطف هذه الأرقام في أعداد متمايزة . كل عدد له مذكرة تفسيرية ملحقة به تشرح دلالته ومعناه ؟
وكيف تتراكم المئات والمئات من هذه الأرقام في ذاكرتنا ولا تختلط ولايطمس بعضها بعضاً؟
وغير الأرقام . هناك الأسماء والإصطلاحات والكلمات . والأشكال والوجوه . تزدحم بها رأسنا . وهناك معالم الطبيعة التي طُفنا بها والأماكن التي زرناها . وهناك الروائح . ومع كل رائحة صورة لامرأة عرفناها أو مشهد نذكره ولواعج وأشواق وقصص وسيناريو من آلاف اللقطات . وهناك الطعوم . والنكهات . يأتي الطعم في الفم فيسيل اللعاب شوقاً أو يتحرك الغثيان إشمئزازاً . ومع كل طعم . يجري شريط يحكي عن وليمة دسمة ذات يوم أو جرعة دواء مريرة ومرض طويل ممض وأوجاع أليمة . حتى لمسة النسيم الحريرية ورائحة أصداف الشاطئ تحفظها لنا الذاكرة فتهب علينا لفحات الهواء الرطيب مع ذكراها وكأننا نعيشها من جديد .
حتى الأصوات والهمسات والوشوشات والصخَب والصراخ والضجيج والعويل والنشيج .
وفاصل من موسيقى .
ومقطع من أغنية .
ولطمة على وجه .
وقرقعة عصاً على الظهر .
وحشرجة ألم .
كل هذا تحفظه الذاكرة وتسجله في دقة شديدة وأمانة . ومعه بطاقة بالتاريخ والمناسبة وأسماء الأشخاص وظروف الواقعة ومحضر بالأقوال . معجزة . إسمها الذاكرة .
إن معنا رقيباً حقيقياً يكتب بالورقة والقلم كل دبة نمل في قلوبنا ؟
وما نتخيل أحياناً أننا نسيناه نكتشف أننا لم ننسه وأنه موجود يظهر لنا فجأة في لحظة استرخاء أو حلم أو بعد كأس أو في عيادة طبيب نفسي . وأحياناً يظهر في زلة لسان أو خطأ إملائي .
لا شيء يُنسَى أبداً . ولا شيء يضيع . والماضي مكتوب بالفعل لحظة بلحظة ودقة قلب بدقة قلب .
والسؤال الكبير بل اللغز المحير هو . أين توجد هذه الصور . أين هذا الأرشيف السري ؟
وهو سؤال حاول أن يجيب عليه أكثر من عالِم وأكثر من فيلسوف .
الفلاسفة الماديون قالوا إن الذاكرة في المخ . وإنها ليست أكثر من تغيرات كيميائية كهربائية تحدث لمادة المخ نتيجة الفعل العصبي للحوادث تماماً كما يحدث لشريط ريكوردر عند التسجيل . وإن هذه اللفائف المسجلة تُحفَظ بالمخ وإنها تدور تلقائياً لحظة محاولة التذكر فتعيد ما كان . في أمانة ودِقة .
الذاكرة مجرد نقش وحفر على مادة الخلايا .
ومصيرها أن تَبلَى وتتآكل كما تبلى النقوش وتتآكل وينتهي شأنها حينما ينتهي الإنسان بالموت وتتآكل خلاياه .
رأي مريح وسهل ولكنه أوقع أصحابه في مطلب لم يستطيعوا الخروج منه .
فإذا كانت الذاكرة هي مجرد طارئ مادي يطرأ على مادة الخلايا فينبغي أن تتلف الذاكرة لأي تلف مادي مناظر في الخلايا المخية . وينبغي أن يكون هناك توازٍ بين الحادثين . كل نقص في ذاكرة معينة لا بد أن يقابله تلف في الخلايا المختصة المقابلة . وهو أمر لا يشاهَد في إصابات المخ وأمراضه . بل ما يشاهد هو العكس .
يصاب مركز الكلمات فلا تصاب ذاكرة الكلمات بأي تلف , وإنما الذي يحدث هو عاهة في النطق . في الأداء الحركي للعضلات التي تنطق الكلمات . إن الموتور هو الذي يتلف بتلف الخلايا . أما الذاكرة . أما صورة الكلمات في الذهن فتظل سليمة .
♦♦ وهذا دليل على أن وظيفة المخ ليست الذاكرة ولا التذكر .
وإنما المخ هو مجرد سنترال يعطي التوصيلة .
هو مجرد أداة تُعَبّر به الكلمة عن نفسها في وسط مادي فتصبح صوتًا مسموعًا . كما يفعل الراديو حينما يحوّل الموجة اللاسلكية إلى نبض كهربائي مسموع . فإذا أصيب الراديو بعطل فلا يكون معنى هذا العطل أن تتعطل موجة الأثير . وإنما فقط يحدث شلل في جهاز النطق في الراديو . أما الموجة فتظل سليمة على حالها يمكن أن يلتقطها راديو آخر سليم .
وهذا حال الذاكرة . فهي صور وأفكار ورُؤى مستقلة مسكنها ومستقرها الروح وليس المخ ولا الجسد بحال . وما المخ إلا وسيلة لنقل هذه الصور لتصبح كلمات منطوقة مسموعة في عالم ماديّ .
فإذا أصيب المخ بتلف . يصاب النطق بالتلف ولا تصاب الذاكرة لأن الذاكرة حكمها حكم الروح ولا يجري عليها ما يجري على الجسد .
التوازي مفقود بين الإثنين مما يدل على أننا أمام مستويين (جسد . وروح ) لا مستوى واحد إسمه المادة .
وفي حوادث النسيان المرحلي . الذي تنسى فيه مرحلة زمنية بعينها ( وهو الموضوع المحبب عند مؤلفي السينما المصريين ) . ينسى المصاب فترة زمنية بعينها فتُمحى تمامًا من وعيه وتكشط من ذاكرته .
وكان يتحتم تبعًا للنظرية المادية أن نعثر على تلف مخي جزئي مقابل ومناظر للفترة المنسية .
لكن من الملاحَظ أن أغلب تلك الحالات هي حالات صدمة نفسية عامة وليست تلفًا جزئيًا محددًا .
مرة أخرى نجد أن التوازي مفقود بين حجم الحادث وبين حجم التلف المادي .
وفي حالات التلف المادي الشديد للمخ نتيجة الكسور أو الإلتهابات أو النمو السرطاني , حينما يبدأ النسيان الكامل يلاحظ دائمًا أن هذا النسيان يتخذ نظامًا خاصًا فتُنسَى في البداية أسماء الأعلام وآخر ما يُنسَى هي الكلمات الدالة على الأفعال .
وهذا التسلسل المنتظم في النسيان في مقابل إصابة غير منتظمة . وفي مقابل تلف مشوش أصاب المخ كيفما اتفق , هو مرة أخرى عدم توازٍ له معنى . فهنا إصابة في الذاكرة لا علاقة لها من حيث المدى والكم والنظام بالإصابة المادية للمخ .
وهكذا تتحطم النظرية المادية للذاكرة على حائط مسدود .
ونجد أنفسنا أمام ظاهرة متعالية على الجسد وعلى خلايا المخ .
وسوف تموت وتتعفن الخلايا المخية وتظل الذاكرة شاخصة حية بتفصيلاتها ودقائقها تذكرنا في حياتنا الروحية الثانية بكل ما فعلناه .
ولم يكن الجسد إلا جهازاً تنفيذيّاً للفعل وللإفصاح عن النوايا في عالم الدنيا المادي . كان مجرد أداة للروح ومطية لها .
لم يكن المخ إلا سنترالًا . وكابلات توصيل .
وكل دوره هو أن يعطي التوصيلة من عالم الروح إلى عالم المادة أو كما يقول برجسون DONNER LA COMMUNICATION .... يعطي الخط .
كابلات الأعصاب تنقل مكنون الروح وتحوله إلى نبض إلكتروني لتنطق به عضلات اللسان على الطرف الآخر . كما يفعل الراديو بالموجة اللاسلكية .
وهكذا نتبادل الكلام كأجساد في عالم مادي . فإذا ماتت أجسادنا عدنا أرواحًا . لنتذاكر ما فعلناه في دنيانا لحظة بلحظة حيث كل حرف وكل فعل مسجل .
بل إن هناك نظريات علمية تمضي لأكثر من هذا فترى أن التحصيل هو في ذاته عملية تذكر لعلم قديم مكنوز ومسطور في الروح . وليس تعلماً من السبورة . فنحن لا نكتشف أن 2 × 2 = 4 من عدم , وإنما نولد بها . وكل ما نفعله أننا نتذكرها . وكذلك بداهات الرياضة والهندسة والمنطق . كلها بداهات نولد بها مكنوزة فينا . وكل ما يحدث أننا نتذكرها . تُذكِرنا بها الخبرة الدنيوية كل لحظة .
وبالمثل شخصيتنا . نولد بها مسطورة في روحنا . وكل ما يحدث أن الواقع الدنيوي يقدم المناسبات والملابسات والقالب المادي لتفصح هذه الشخصية عن خيرها وشرها . فيسجل عليها فعلها .
والتسجيل هو الأمر الجديد الذي يتم في الدنيا .
الإنتقال من حالة النية إلى حالة التلبس .
وهذا ما تُعبِّر عنه الأديان بأن يحق القول على المذنب بعد الإبتلاء والإختبار في الدنيا . فتحق عليه الضلالة وتلزمه رتبته .
وهو أمر قد سبق إليه علم الله . علم الحصر لا علم الإلزام . فالله لا يلزم أحداً بخطيئة ولا يقهره على شر . وإنما كل واحد يتصرف على وفاق طبيعته الداخلية . فعله هو ذاته . وليس في ذلك أي معنى من معاني الجبر . لأن هذه الطبيعة الداخلية هي التي نسميها أحيانًا الضمير وأحيانًا السريرة وأحيانًا الفؤاد . ويسميها الله (( السر )) .
(( يعلم السر وأخفَى )) .
ونقول عنها في تعبيراتنا الشعبية عن الموت (( طلع السر الإلهي )) أي صعدت الروح إلى بارئها .
هذا السر المطلسم هو ابتداء حر ومبادرة أعتقها الله من كل القيود ليكون فعلها هو ذاتها وليكون هواها دالاً عليها .
ومِن هنا لا يصح القول بالحتميات في المجال الإنساني أمثال حتمية الصراع الطبقي والجبرية التاريخية . لأن الإنسان مجال حر وليس مسمارًا أو ترسًا في ماكينة .
وكما لا يمكن التنبؤ بما يأتي به الغد في حياة فرد فإنه يستحيل القول بالحتم أو الجبر في مجال المجتمعات والتاريخ . وكل ما يمكن القول به هو الترجيح والإحتمال بناء على مقدمات إحصائية . وهو ترجيح يخطئ ويصيب ويحدث فيه تفاوت في طرفيه . فمعدل عمر الإنسان في إنجلترا مثلاً هو ستون سنة . وهذا المعدل معدل إحصائي مأخوذ من متوسطات أرقام . وهو غير ملزم بالنسبة للفرد , فقد يعيش فرد مثل برناردشو في إنجلترا أكثر من تسعين سنة ويتجاوز المعدل . وقد يموت في سن العشرين في حادثة . وقد يموت وهو طفل بمرضٍ معدٍ .
ثم إن المعدل ذاته قابل للتذبذب من طرفيه صعودًا وهبوطًا من سنة لأخرى .
فلا يصح القول بالحتمية والجَبر في هذا الموضوع . ولا يجوز إخضاع المجال الإنساني سواء كان فرداً أو مجتمعاً أو تاريخاً لقالب نظري أو معادلة أو حسبة إحصائية أو فرض فلسفي .
إنما تأتي فكرة الحتمية الخاطئة من التصور الخاطئ للإنسان على أنه جسد بلا نفس وبلا روح وبلا عقل .واعتبار النفس والعقل مجرد مجموعة الوظائف العليا للجهاز العصبي.
ومن الواقع المشاهد من خضوع الجسم للقوانين الفسيولوجية يستنتج المفكر المادي أن الإنسان والإنسانية بأسرها مغلولة في القوانين المادية.
وهكذا يجعل من الإنسان كتلة مادية أشبه بكتلة القمر محكومة في دورانه حول الأرض والشمس بالحتميات الفلكية.
وينسى أن الإنسان يعيش في مستويين.
مستوى الزمن الخارجي الموضوعي المادي . زمن الساعة . وفي هذا الزمن يرتبط بالمواعيد والضرورات الإجتماعية ويعيش في أَسر القوانين والحتميات .
ومستوى زمنه الخاص الداخلي . زمن الشعور وزمن الحلم . وفي هذا المستوى يعيش حياة حرة بالفعل . فيفكر ويحلم ويبتكر ويخترع و يقف من كل المجتمع و التاريخ موقف الثورة . بل يستطيع أن ينقل هذه الثورة الداخلية إلى فعل خارجي فيقلب المجتمع و يغير التاريخ من أساسه كما حدث في كل الثورات التقدمية .
هذه الثنائية هي صفة ينفرد بها الإنسان .
وهذه الحياة الداخلية الحرة يختص بها الإنسان دون الجماد
وهذه النفس التي يملكها تتصف بصفات مختلفة مغايرة لصفت الجماد . فهنا نحن أمام وحدة لا امتداد لها في المكان .
هي الـ (( أنا )) تتصف بالحضور والديمومة والشخوص والكينونة والمثول الدائم في الوعي . ثم هي تفرض نفسها على الواقع الخارجي وتغيره . وتفرض نفسها على الجسد وتحكمه وتقوده وتعلو على ضروراته . فتفرض عليه الصوم والحرمان إختياراً .
بل قد تقوده إلى الموت فداء وتضحية .
مثل هذه النفس لا يمكن أن تكون مجرد ناتج ثانوي من نواتج الجسد وذيلًا تابعًا له ومادة تطورت منه . مثل هذه النظريات المادية لا تفسر لنا شيئًا . وإنما لابد لنا أن نسلم أن هذه النفس عالية على الجسد متعالية عليه وأنها من جوهر مفارق لجوهر الجسد وحاكم عليه . فهي في واقع الأمر تستخدم الجسد كأداة لأغراضها ومطية لأهدافها كما يستخدم العقل المخ مجرد توصيلة أو سنترال .
ولا بد أن يتداعى إلى ذهننا الإحتمال البديهي من أن هذه النفس لا يمكن أن يجري عليها ما يجري على الجسد من موت وتآكل وتعفن بحكم جوهرها الذي تشعر به متصفًا بالحضور والديمومة والشخوص في الوعي طوال الوقت . فلا تتآكل كما يتآكل الجسد ولا هي تقع كما يقع الشعر ولا هي تبلى كما تبلى الأسنان .
وإنه لأمر بديهي تمامًا أن نتصور بقاءها بعد الموت .
فإذا نحن تأملنا ما يصاحب أفعالنا من تردد قبل اختيار القرار ثم شعور بالمسئولية في أثناء العمل ثم ندم أو راحة بعد تمامه . فنحن نستنتج أننا أمام حالة مراقبة فطرية وفكرة ملحة بالحساب وبأن هناك خطأ وصوابًا . وإننا نعلم بداهةً وبالفطرة التي ولدنا بها أن العدل والنظام هو ناموس الوجود . وأن المسئولية هي القاعدة .
ويفترض لنا هذا الشعور الفطري القهري أن الظالم الذي أفلت من عقاب الأرض . والقاتل الذي أفلت من محاسبة القانون البري الأرضي . لابد أن يعاقَب ويحاسَب . لأن العالم الذي نعيش فيه يفصح عن النظام والإنضباط من أصغر ذرة إلى أكبر فلك . والعبث غير موجود إلا في عقولنا وأحكامنا المنحرفة .
وفكرة العدل والنظام وضرورة العدل عالم آخر يتم فيه العدل والنظام والمحاسبة .
كل هذا علم نولد به . وحقيقة تقول بها الفطرة والبداهة .
ولا غرابة في أن يعترف مفكر غربي ألماني وهو (( عمانويل كانت )) بهذه الحقيقة في كتابة (( نقد العقل العلمي )) .
ولا غرابة في أن يصل إلى هذه النتيجة السليمة دون أن يقرأ قرآنًا .
إنها الفطرة والبداهة التي تقوم عليها جميع العلوم .
ولا حاجة لأن يقرأ العقل السليم الكتاب المقدس ليكتشف أن له روحًا و أن له حياة بعد الموت و أن هناك حساباًَ . فالفطرة السليمة تضيء لصاحبها الطريق إلى هذه الحقائق .
وهذا العلم الذي نولد به . وهذه البداهة التي نولد بها . تقوم شاهدة على جميع العلوم المكتسبة وملزمة لها . فجميع العلوم المكتسبة يجوز فيها الخطأ والصواب . أما العلم الذي نولد به فهو جزء من نظام الكون المحكم . وهو الحقيقة الأولى التي نعمل على ضوئها نرى جميع الحقائق الفرعية . وهي المعيار والمقياس . وإذا فسد المعيار فسد كل شيء وأصبح كل شيء عبثًا في عبث وهو أمر غير صحيح .
وإذا اتهمنا بالبداهة فإن جميع العلوم والمعارف سوف ينسحب عليها الإتهام وسوف تنهدم لأنها تقوم أصلاً على البداهات .
فنحن هنا أمام أصل من أصول المعرفة ومرجع لا يجوز الشك فيه ( لأن هذا المرجع شأنه شأن الحياة ذاتها ) نحن أمام متن هو لحم المعرفة ودمها . وكما نأتي إلى الحياة مزودين بعضلات لنتحرك بها وندافع عن أنفسنا كذلك نولد مزودين بالبداهات الأولى لنحتكم إليها في إدراك الحق من الباطل والصواب من الخطأ .
وأعلى درجات المعرفة هي ما يأتيك من داخلك , فأنت تستطيع أن تدرك وضعك ( هل أنت واقف أو جالس أو راقد ) دون أن تنظر إلى نفسك . يأتيك هذا الإدراك وأنت مغمض العينين . يأتيك من داخلك . وتقوم هذه المعرفة حجة على أية مشاهدة .
وحينما تقول . أنا سعيد . أنا شقيّ . أنا أتألم . فكلامك يقوم حجة بالغة ولا يجوز تكذيبه بحجة منطقية . بل إن تناول هذا الأمر بالمنطق هو تنطع ولجاجة لا معنى لها . فلا أحد أعرف بحال نفسك من نفسك ذاتها .
وبالمثل شهادة الفطرة وحكم البداهة هي حجة على أعلى مستوى . وحينما تقول الفطرة والبداهة مؤيدة بالعلم والفكر والتأمل حينما تقول بوجود الروح والنفس . وبالحرية وبالمسئولية والمحاسبة , وحينما توحي بالتصرف على أساس أن في الكون نظامًا . فنحن هنا أمام حجة على أعلى مستوى من اليقين .
وهو يقين مثل يقين العيَان أو أكثر . فالفطرة عضو مثل العين نولد به .
وهو يقين أعلى من يقين العلم . لأن الصدق العلمي هو صدق إحصائي والنظريات العلمية تُستنتَج من متوسطات الأرقام . أما حكم البداهة فله صفة القطع والإطلاق
2 × 2 = 4 هي حقيقة مطلقة صادقة صدقًا مطلقًا , لا يجوز عليها ما يجوز من نسخ وتطور وتغير في نظريات العلم لأنها مقبولة بديهية .
1 + 1 = 2 مسألة لا تقبل الشك لأنها حقيقة ألقتها إلينا الفطرة من داخلنا وأوحت بها البداهة .
وهي معرفة أولى جاءت إلينا مع شهادة الميلاد .
لو أدرك الإنسان هذا لأراح واستراح . ولوفّر على نفسه كثيراً من الجدل والشقشقة والسفسطة والمكابرة في مسألة الروح والجسد . والعقل والمخ . والحرية والجبر . والمسئولية والحساب . ولاكتفى بالإصغاء إلى ما تهمس به فطرته وما يُفتي به قلبه وما تشير به بصيرته .
وذرة من الإخلاص أفضل من قناطير من الكتب .
لنصغي إلى صوت نفوسنا وهمس بصائرنا في إخلاص شديد دون محاولة تشويه ذلك الصوت البكر بحبائل المنطق وشراك الحجج .
وعلى من يشك في كلامي . وعلى هواة الجدل والنقاش والمقارعة المنطقية أن يعودوا فيقرأوا مقالي من أوله .
.
مقال / الروح
من كتاب : رحلتي من الشك إلى الإيمان
للدكتور : مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝