❞ فاقتربت منه مجدداً، وجلست بجواره على مقعد خشبي، ووضعت زجاجاته جانباً، وقالت إنه القدر يا سيدي... ثم أردفت يضع أمامنا طرقاً شتى، ويوحي لنا بأننا نملك اختيار طرقنا، ثم نكتشف نهاية الأمر أنه اختار لنا طريقاً ساقتنا إليه أقدامنا باختيارنا نحن.. ❝ ⏤عمرو عبد الحميد
❞ فاقتربت منه مجدداً، وجلست بجواره على مقعد خشبي، ووضعت زجاجاته جانباً، وقالت إنه القدر يا سيدي.. ثم أردفت يضع أمامنا طرقاً شتى، ويوحي لنا بأننا نملك اختيار طرقنا، ثم نكتشف نهاية الأمر أنه اختار لنا طريقاً ساقتنا إليه أقدامنا باختيارنا نحن. ❝
❞ قالت: ما الذي يجعلك حزيناً
قلت: أشعر أنني جئت فى غير زماني . . كنت أتمنى أن أعيش زماناً آخر . .
قالت: وأى زمان تمنيت أن تعيشه
قلت: ليس هناك زمان بعينه تمنيت ان أعيش فيه . . ولكنني أشعر اننا نعيش احط عصور التاريخ . . لا أعتقد أن هناك فترة فى تاريخنا كله تتشابه مع الزمن الذي نعيشه اليوم.
قالت: ولكن الإنسان هو الذي يصنع زمانه . . فإذا كان زماننا رديئاً فنحن الذين صنعناه . .
قلت: طبيعة الأشياء تقول ذلك . . و لكن الذي حدث غير ذلك تماماً
طبيعة الأشياء تقول أن الأجيال تسلم الراية لبعضها البعض . . وأن مسئوليات التاريخ تُوزع على سنوات الزمن و يصبح لكل جيل دوره و مشاركته سلباً و إيجاباً . . ولكن الذي حدث أن هناك جيلاً أمسك برقبة التاريخ ولم يتركه و لم يتركنا حتي الآن رغم كل ما حدث من كوارث . .
إن الممثلين يرفضون أن يتركوا المسرح رغم أن الرواية انتهت و ألقى الجمهور على الممثلين آخر الزجاجات الفارغة .. ❝ ⏤فاروق جويدة
❞ قالت: ما الذي يجعلك حزيناً
قلت: أشعر أنني جئت فى غير زماني . . كنت أتمنى أن أعيش زماناً آخر . .
قالت: وأى زمان تمنيت أن تعيشه
قلت: ليس هناك زمان بعينه تمنيت ان أعيش فيه . . ولكنني أشعر اننا نعيش احط عصور التاريخ . . لا أعتقد أن هناك فترة فى تاريخنا كله تتشابه مع الزمن الذي نعيشه اليوم.
قالت: ولكن الإنسان هو الذي يصنع زمانه . . فإذا كان زماننا رديئاً فنحن الذين صنعناه . .
قلت: طبيعة الأشياء تقول ذلك . . و لكن الذي حدث غير ذلك تماماً
طبيعة الأشياء تقول أن الأجيال تسلم الراية لبعضها البعض . . وأن مسئوليات التاريخ تُوزع على سنوات الزمن و يصبح لكل جيل دوره و مشاركته سلباً و إيجاباً . . ولكن الذي حدث أن هناك جيلاً أمسك برقبة التاريخ ولم يتركه و لم يتركنا حتي الآن رغم كل ما حدث من كوارث . .
إن الممثلين يرفضون أن يتركوا المسرح رغم أن الرواية انتهت و ألقى الجمهور على الممثلين آخر الزجاجات الفارغة. ❝
❞ الخـــروج . . .
كان يزدرد الطعام كأنه يزدرد كُرات من العجين يُلقي بها في جوفه دون تَلذُذ .. و كان الهواء راكداً ثقيلاً .. و كل شيء راكد ثقيل .. و صفحة النهار تبدو كليلٍ بلا نجوم ..
و لم يكن يدري كم من الوقت قد مضى عليه و هو جالس في كُرسيه في مقهى الروف بأعلى البرج ..
ربما بِضع ساعات و هو يجلس نفس الجلسة لم يُحرك إصبعاً .. و ربما بنفس النظرة الذاهلة المحملقة في الهواء دون أن يختلج له جفن ، و كأنما تسمرت نفسه و بات عقله مصلوباً على فكرة واحدة لا يبرحها .. أن يتخلص من حياته .
مريض بلا شفاء .. يتنقل من طبيب إلى طبيب .. و من دواء إلى دواء .. و من مُخدِر إلى مخدر .. و من أمل إلى أمل .. ثم تذوي الآمال ثم يكتشف أنه لم يبق له إلا الصبر .
و في البيت وحده .. و فِراش بارد .. و مائدة عليها عشرات العقاقير، و خِطابات لا يجف حبرها .. تجري سطورها اللاهِثة بنداء واحد لا يهدأ :
سوزان . . سوزان . .
عودي .. أحبك .. لا أستطيع أن أحيا بدونك .. و لا أن أموت بدونك .
حياتي ليل بدون ضوء عينيك .
و دائماً تُرسَل الخطابات و تسافر عبر البحر .. و لا يأتي لها رد ، و لا يُسمَع لها صَدى .
الزوجة الأوروبية عادت إلى بلادها بقلب ينزف ، و تركت وراءها قلباً آخر ينزف .
و في ذلك الصمت الشبيه بالصراخ يعيش ..
و في تلك الغرفة المُترَفة الوثيرة ذات الديكورات الغالية يتقلب .. و كأنما يتقلب على صحراء مُوحِشة تسرح فيها الأفاعي .. ثم ينفد الصبر .. و تنقطع حِبال الإنتظار .
و لا تبقى في ذهنه إلا فكرة واحدة .. أن يتخلص من حياته .
تأتيه الفكرة في البداية زائرة ثم تصبح طَوّافة ثم تُلِح عليه ثم تُقيم في رأسه ثم تتحول إلى حصار ثم تغدو كابوساً قهرياً يحتويه و يجثم عليه و يخنقه رويداً رويداً .
و يتحرك أخيراً .. فينظر إلى ساعته .
لقد مضت أربع سنوات و هو مُتجمد في كُرسيه كتمثال ، و شيء في داخله ينخر في بنيانه و يأكل جوفه .. و بنظرة سريعة عبر الشرفة يطل على الناس الذين يبدون كالنمل الصغير أسفل البرج .. و تتسمر عيناه على الهُوّة التي تَفغُر فاها تحت قدميه .
ثم في لحظة يرمي بنفسه من شاهِق .
و يتجمع الناس أسفل البرج .. و هُم يحكون في ذهول ..
هناك رجل رمى بنفسه من أعلى البرج فسقط على كتفي عامل فقتله لساعته .. أما هو فلم يُصَب بخدش ..
و حينما أفاق الرجل من صدمته و أدرك ما فعل .. إنكَبَّ على شفرة حديد صَدِئة إلتقطها من الطريق و قطع شرايينه .
و حملوه إلى المستشفى و هو ينزف .. و أسعفوه ..
و حينما فتح عينيه و اكتشف أنه لم يمُت بعد .. إبتلع زجاجة الأقراص المنومة كلها في غفلة من الممرضة ..
و لكنهم غسلوا معدته ، و أعطوه شيئاً .. و أنقذوه ..
و فتح عينيه من جديد ليجد أنه لم يمت بعد ثلاث محاولات قاتلة .. قتل فيها رجل آخر و لم يَمُت .. و سقط مغشياً عليه ..
و في النوم و بين لحظات الخدر ، و فيما يشبه الرؤيا شاهد الرجل نوراً و سمع صوتاً يقول له :
●● ماذا فعلت بنفسك ؟
● أردت أن أقتل نفسي لأستريح .
●● و من أين لك العلم بأنك سوف تستريح .. أعلِمت بما ينتظرك بعد الموت ؟
● إنه على أي حال أفضل من حالي في الدنيا .
●● هذا ظنك .. و لا يقتُل الناس أنفسهم بالظن .
● و ماذا كنت أستطيع أن أفعل .. و ماذا بقيَ لي ؟
●● أن تصبر و تنتظر أمرنا ..
● صبِرت .
●● تصبر يوماً آخر إلى غَد .
● سيكون غداً مشئوماً مثل سالفه .
●● كيف علمت .. هل أنت الذي خلقت الأيام .. هل أنت الذي خلقت نفسك ؟
● لا .
●● فكيف تحكم على ما لا تعلم ، و كيف تتصرف فيما لا تملك ؟
● هذا عمري و قد ضقت به .
●● أتعلم ماذا نُخفي لك غداً ؟
● لا .
●● إذاً فهو ليس عُمرك .
● لا أريد أن أعيش .. خلوا بيني و بين الموت .. دعوني .. ارحموني .
●● لو تركناك فما رحمناك .. إنما نحول بينك و بين رغبتك رحمةً مِنا و فضلاً ، و لو تخلينا عنك لهلَكت .
● يا مرحباً بالهلاك .. ما أريد إلا الهلاك .. يا أهلاً بالهلاك .
●● لن يكون الهلاك رقدة مُطمَئنة تحت التراب كما تتصور .
● أريد أن أخرج مما أنا فيه و كَفَى .
●● و لو إلى النار ؟
● و هل هناك نار غير هذه ؟
●● أتصَوَّرت أنه لا وجود إلا لما يقع تحت حسك من جنة و نار .. أظننت أنه لا جنة و لا نار إلا نعيمكم و عذابكم .. أظننتنا فقراء لا يتسع ملكنا إلا لهذا العالَم .. أتصَوَّرتَ أنه ليس عندنا لك إلا هذه الشقة في المعادي .. و ليس عند رب العالمين غير هذه الكرة الأرضية المعلقة كذرة غبار في الفضاء .. ؟
بئس ما خَيَّل لك بَصرُك الضرير عن فقرنا .
● ضقت ذرعاً مما أنا فيه .. إنسدت أمامي المسالك .. إنطبقت السماء على الأرض .. إختنقْت .. أريد الخروج .. أريد الخروج .
●● ألا تصبر لحظات أخرى .. أترفض عطيّتنا في الغد قبل أن تراها ؟
● رأيت منها ما يكفيني .
●● هذا رفض لنا و يأس مِنّا و اتهام لحكمتنا و سوء ظن بتدبيرنا و انتقاص لملكنا .. بئس ما قررت لنفسك .. إذهب .. رفضناك كما رفضتنا ، و حرمناك ما حرمت نفسك .. خَلّوا بينه و بين الموت ..
و في تلك الليلة شنق الرجل نفسه بملاءة الفراش .. و مات في هذه المحاولة الرابعة .. و فشلت كل الإسعافات في إنقاذه .
و جاء الغــد . .
فطلعت صفحات الجرائد الأولى بخبر مثير عن اكتشاف علاج جديد حاسم للمرض الذي كان يشكو منه .
و جاءت سوزان تدق بابه في شوق و في يدها بضع زجاجات من هذا الترياق الجديد و قلبها يطفح بالحب و الأمل .
و لكنه كان قد ذهب .
لم ينتظر العطية .
ظلم المُعطي و العَطيّة و ظلم نفسه و ظلم الغد الذي لم يره و اتهم الرحيم في رحمته و أنكر على المدبر تدبيره .
و خـــرج . .
إلى حيــث لا رحمـــة . . و لا عــودة . .
..
قصة : الخروج
من كتـــاب / نقطــة الغليـــان
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ الخـــروج . . .
كان يزدرد الطعام كأنه يزدرد كُرات من العجين يُلقي بها في جوفه دون تَلذُذ . و كان الهواء راكداً ثقيلاً . و كل شيء راكد ثقيل . و صفحة النهار تبدو كليلٍ بلا نجوم .
و لم يكن يدري كم من الوقت قد مضى عليه و هو جالس في كُرسيه في مقهى الروف بأعلى البرج .
ربما بِضع ساعات و هو يجلس نفس الجلسة لم يُحرك إصبعاً . و ربما بنفس النظرة الذاهلة المحملقة في الهواء دون أن يختلج له جفن ، و كأنما تسمرت نفسه و بات عقله مصلوباً على فكرة واحدة لا يبرحها . أن يتخلص من حياته .
مريض بلا شفاء . يتنقل من طبيب إلى طبيب . و من دواء إلى دواء . و من مُخدِر إلى مخدر . و من أمل إلى أمل . ثم تذوي الآمال ثم يكتشف أنه لم يبق له إلا الصبر .
و في البيت وحده . و فِراش بارد . و مائدة عليها عشرات العقاقير، و خِطابات لا يجف حبرها . تجري سطورها اللاهِثة بنداء واحد لا يهدأ :
سوزان . . سوزان . .
عودي . أحبك . لا أستطيع أن أحيا بدونك . و لا أن أموت بدونك .
حياتي ليل بدون ضوء عينيك .
و دائماً تُرسَل الخطابات و تسافر عبر البحر . و لا يأتي لها رد ، و لا يُسمَع لها صَدى .
الزوجة الأوروبية عادت إلى بلادها بقلب ينزف ، و تركت وراءها قلباً آخر ينزف .
و في ذلك الصمت الشبيه بالصراخ يعيش .
و في تلك الغرفة المُترَفة الوثيرة ذات الديكورات الغالية يتقلب . و كأنما يتقلب على صحراء مُوحِشة تسرح فيها الأفاعي . ثم ينفد الصبر . و تنقطع حِبال الإنتظار .
و لا تبقى في ذهنه إلا فكرة واحدة . أن يتخلص من حياته .
تأتيه الفكرة في البداية زائرة ثم تصبح طَوّافة ثم تُلِح عليه ثم تُقيم في رأسه ثم تتحول إلى حصار ثم تغدو كابوساً قهرياً يحتويه و يجثم عليه و يخنقه رويداً رويداً .
و يتحرك أخيراً . فينظر إلى ساعته .
لقد مضت أربع سنوات و هو مُتجمد في كُرسيه كتمثال ، و شيء في داخله ينخر في بنيانه و يأكل جوفه . و بنظرة سريعة عبر الشرفة يطل على الناس الذين يبدون كالنمل الصغير أسفل البرج . و تتسمر عيناه على الهُوّة التي تَفغُر فاها تحت قدميه .
ثم في لحظة يرمي بنفسه من شاهِق .
و يتجمع الناس أسفل البرج . و هُم يحكون في ذهول .
هناك رجل رمى بنفسه من أعلى البرج فسقط على كتفي عامل فقتله لساعته . أما هو فلم يُصَب بخدش .
و حينما أفاق الرجل من صدمته و أدرك ما فعل . إنكَبَّ على شفرة حديد صَدِئة إلتقطها من الطريق و قطع شرايينه .
و حملوه إلى المستشفى و هو ينزف . و أسعفوه .
و حينما فتح عينيه و اكتشف أنه لم يمُت بعد . إبتلع زجاجة الأقراص المنومة كلها في غفلة من الممرضة .
و لكنهم غسلوا معدته ، و أعطوه شيئاً . و أنقذوه .
و فتح عينيه من جديد ليجد أنه لم يمت بعد ثلاث محاولات قاتلة . قتل فيها رجل آخر و لم يَمُت . و سقط مغشياً عليه .
و في النوم و بين لحظات الخدر ، و فيما يشبه الرؤيا شاهد الرجل نوراً و سمع صوتاً يقول له :
●● ماذا فعلت بنفسك ؟
● أردت أن أقتل نفسي لأستريح .
●● و من أين لك العلم بأنك سوف تستريح . أعلِمت بما ينتظرك بعد الموت ؟
● إنه على أي حال أفضل من حالي في الدنيا .
●● هذا ظنك . و لا يقتُل الناس أنفسهم بالظن .
● و ماذا كنت أستطيع أن أفعل . و ماذا بقيَ لي ؟
●● أن تصبر و تنتظر أمرنا .
● صبِرت .
●● تصبر يوماً آخر إلى غَد .
● سيكون غداً مشئوماً مثل سالفه .
●● كيف علمت . هل أنت الذي خلقت الأيام . هل أنت الذي خلقت نفسك ؟
● لا .
●● فكيف تحكم على ما لا تعلم ، و كيف تتصرف فيما لا تملك ؟
● هذا عمري و قد ضقت به .
●● أتعلم ماذا نُخفي لك غداً ؟
● لا .
●● إذاً فهو ليس عُمرك .
● لا أريد أن أعيش . خلوا بيني و بين الموت . دعوني . ارحموني .
●● لو تركناك فما رحمناك . إنما نحول بينك و بين رغبتك رحمةً مِنا و فضلاً ، و لو تخلينا عنك لهلَكت .
● يا مرحباً بالهلاك . ما أريد إلا الهلاك . يا أهلاً بالهلاك .
●● لن يكون الهلاك رقدة مُطمَئنة تحت التراب كما تتصور .
● أريد أن أخرج مما أنا فيه و كَفَى .
●● و لو إلى النار ؟
● و هل هناك نار غير هذه ؟
●● أتصَوَّرت أنه لا وجود إلا لما يقع تحت حسك من جنة و نار . أظننت أنه لا جنة و لا نار إلا نعيمكم و عذابكم . أظننتنا فقراء لا يتسع ملكنا إلا لهذا العالَم . أتصَوَّرتَ أنه ليس عندنا لك إلا هذه الشقة في المعادي . و ليس عند رب العالمين غير هذه الكرة الأرضية المعلقة كذرة غبار في الفضاء . ؟
بئس ما خَيَّل لك بَصرُك الضرير عن فقرنا .
● ضقت ذرعاً مما أنا فيه . إنسدت أمامي المسالك . إنطبقت السماء على الأرض . إختنقْت . أريد الخروج . أريد الخروج .
●● ألا تصبر لحظات أخرى . أترفض عطيّتنا في الغد قبل أن تراها ؟
● رأيت منها ما يكفيني .
●● هذا رفض لنا و يأس مِنّا و اتهام لحكمتنا و سوء ظن بتدبيرنا و انتقاص لملكنا . بئس ما قررت لنفسك . إذهب . رفضناك كما رفضتنا ، و حرمناك ما حرمت نفسك . خَلّوا بينه و بين الموت .
و في تلك الليلة شنق الرجل نفسه بملاءة الفراش . و مات في هذه المحاولة الرابعة . و فشلت كل الإسعافات في إنقاذه .
و جاء الغــد . .
فطلعت صفحات الجرائد الأولى بخبر مثير عن اكتشاف علاج جديد حاسم للمرض الذي كان يشكو منه .
و جاءت سوزان تدق بابه في شوق و في يدها بضع زجاجات من هذا الترياق الجديد و قلبها يطفح بالحب و الأمل .
و لكنه كان قد ذهب .
لم ينتظر العطية .
ظلم المُعطي و العَطيّة و ظلم نفسه و ظلم الغد الذي لم يره و اتهم الرحيم في رحمته و أنكر على المدبر تدبيره .
و خـــرج . .
إلى حيــث لا رحمـــة . . و لا عــودة . .
.
قصة : الخروج
من كتـــاب / نقطــة الغليـــان
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝
❞ سوف أكتب عن هيام.. هيام التي تأبى أن تتزوج لسبب يمكنني فهمه..
زجاجة المياه الغازية تظل باردة جذابة إلى أن تُشرب.. بعدها تصير مجرد زجاجة خاوية مهملة يركلها الأطفال ويغطيها الغبار، وتحملها (سعدية) الخادمة إلى (عبده) البقال في إهمال فيتشاجر معها مؤكدًا أنها أخذت خمس زجاجات لا زجاجة واحدة..
من المهين أن تعتبر نفسها زجاجة مياه غازية.. هذا يوحي بالالتهام وبأنها مجرد سلعة، لهذا كانت تختار تشبيهًا أقل صدمة: ديوان شعر لم يُقرأ بعد.. زهرة لم تُقطف بعد..
الزواج يفقد المرأة كل أسرارها وكل غموضها، وهو ذات ما فطن له رجال الساموراي في الماضي عندما اعتبروا أن الزواج يفقد الفارس قدراته. هيام تؤمن بهذا، ويسرها جدًا أن تسمع العروض تنهال عليها.. لو تزوجت فلا عروض.. أما اليوم فسوف يقترب منها زميل العمل هذا أو ذاك مرتبكًا.. يعطي تلميحات خفيضة باهتة.. يتكلم عن الكفاح المشترك والحاجة لأن يمضي المرء حياته مع شخص يفهمه، ثم يتجرأ ويلقي بالعرض:
ـ "هل لي أن أقابل بابا؟"
سوف تنظر له كأنه أكبر غبي رأته في حياتها، وسوف تنظر للسقف بما معناه (يا ربي).. ثم تخبره أن أباها توفي وأن عليه مقابلة خالها وأمها. يسرها جدًا أن ترى الأمل في عينيه.. اللورد البريطاني المتأنق يعطي الثعلب فرصة للفرار وأملاً، ثم يشعل سيجارة وينظر لرفاقه وكلابه ويصيح: واصلوا المطاردة!!
هذا شاب مجيد، ربّاه أهلُه جيدًا وحرص على أن ينال حظًا من العلم والخلق والدين وربما الوسامة... شاب ناجح بكل المقاييس.. وهي سترفضه!! ستهز ثقته بنفسه، وبالتأكيد لن يشعر بالراحة أبدًا بعد اليوم وهو يرمق صورته في المرآة..
ربما أنا أسخف أو أفقر أو أقبح أو أغبى مما ظننت بنفسي؟؟ أمه سوف تقول له: إنه طن من الذهب يمشي على قدمين؛ لكنه لن يصدق.. لابد لأمي أن تقول هذا...
هذه الانفعالات تعطي (هيام) لذة لا يمكن وصفها.. لذة تفوق الزواج والأسرة بكثير..
سوف يأتي الشاب ليلاً مع أبيه وأخيه وأمه، ولسوف يحاول الجميع أن يكونوا في غاية الظرف.. أما هي فلسوف تراقب الفتى تبحث عن خطأ ما، شاعرة بأنها قاض على وشك إصدار حكم الإعدام.. الفتى يهز ركبته كثيرًا.. إنه غير واثق من نفسه إذن.. يحك أنفه أي أنه كذوب.. مجلة (حواء) قالت: إن الدم يحتشد في أنف الكذابين فيشعرون بحكاك قوي.. يا لك من وغد كذوب ضعيف الشخصية إذن..!
في النهاية تخبر خالها في حزن مصطنع أنه: مفيش نصيب.. ❝ ⏤أحمد خالد توفيق
❞ سوف أكتب عن هيام. هيام التي تأبى أن تتزوج لسبب يمكنني فهمه.
زجاجة المياه الغازية تظل باردة جذابة إلى أن تُشرب. بعدها تصير مجرد زجاجة خاوية مهملة يركلها الأطفال ويغطيها الغبار، وتحملها (سعدية) الخادمة إلى (عبده) البقال في إهمال فيتشاجر معها مؤكدًا أنها أخذت خمس زجاجات لا زجاجة واحدة.
من المهين أن تعتبر نفسها زجاجة مياه غازية. هذا يوحي بالالتهام وبأنها مجرد سلعة، لهذا كانت تختار تشبيهًا أقل صدمة: ديوان شعر لم يُقرأ بعد. زهرة لم تُقطف بعد.
الزواج يفقد المرأة كل أسرارها وكل غموضها، وهو ذات ما فطن له رجال الساموراي في الماضي عندما اعتبروا أن الزواج يفقد الفارس قدراته. هيام تؤمن بهذا، ويسرها جدًا أن تسمع العروض تنهال عليها. لو تزوجت فلا عروض. أما اليوم فسوف يقترب منها زميل العمل هذا أو ذاك مرتبكًا. يعطي تلميحات خفيضة باهتة. يتكلم عن الكفاح المشترك والحاجة لأن يمضي المرء حياته مع شخص يفهمه، ثم يتجرأ ويلقي بالعرض:
ـ ˝هل لي أن أقابل بابا؟˝
سوف تنظر له كأنه أكبر غبي رأته في حياتها، وسوف تنظر للسقف بما معناه (يا ربي). ثم تخبره أن أباها توفي وأن عليه مقابلة خالها وأمها. يسرها جدًا أن ترى الأمل في عينيه. اللورد البريطاني المتأنق يعطي الثعلب فرصة للفرار وأملاً، ثم يشعل سيجارة وينظر لرفاقه وكلابه ويصيح: واصلوا المطاردة!!
هذا شاب مجيد، ربّاه أهلُه جيدًا وحرص على أن ينال حظًا من العلم والخلق والدين وربما الوسامة.. شاب ناجح بكل المقاييس. وهي سترفضه!! ستهز ثقته بنفسه، وبالتأكيد لن يشعر بالراحة أبدًا بعد اليوم وهو يرمق صورته في المرآة.
ربما أنا أسخف أو أفقر أو أقبح أو أغبى مما ظننت بنفسي؟؟ أمه سوف تقول له: إنه طن من الذهب يمشي على قدمين؛ لكنه لن يصدق. لابد لأمي أن تقول هذا..
هذه الانفعالات تعطي (هيام) لذة لا يمكن وصفها. لذة تفوق الزواج والأسرة بكثير.
سوف يأتي الشاب ليلاً مع أبيه وأخيه وأمه، ولسوف يحاول الجميع أن يكونوا في غاية الظرف. أما هي فلسوف تراقب الفتى تبحث عن خطأ ما، شاعرة بأنها قاض على وشك إصدار حكم الإعدام. الفتى يهز ركبته كثيرًا. إنه غير واثق من نفسه إذن. يحك أنفه أي أنه كذوب. مجلة (حواء) قالت: إن الدم يحتشد في أنف الكذابين فيشعرون بحكاك قوي. يا لك من وغد كذوب ضعيف الشخصية إذن.!
في النهاية تخبر خالها في حزن مصطنع أنه: مفيش نصيب. ❝