❞ ليلة مَريعة ( شكوك مُريبة ) :
عيون محملقة أخذت تحدِّق بي وتتربص بي في الذهاب والإياب ، لا أدري ماذا فعلت على وجه التحديد وهل اقترفت ذنباً ما ؟ ، كانت تتطلع بوجهي وكأني شخصٌ خارج عن القانون ارتكب جُرماً ما ، لم أعلم أَكُنت أنا المقصود أم أنَّ الأمر قد اختلط عليهم والتبست المسائل بعض الشيء ، ظللت متيبساً مكاني لا أدري ماذا عليّ أنْ أفعل ولكني التزمت الصمت والسُكون ، خِفتُ أنْ أركض فتَثبُت عليّ تلك التهمة التي لم أرتكبها من الأساس ، ظللت أراقبهم وأترقب أي فعل جديد يصدُر عنهم ولكنهم ظلوا على نفس الحال ينظرون إليّ بعين الرِيبة والشك وكأني مسجل خطر اعتاد ارتكاب نوع مَريع من الجرائم كالقتل مثلا ، وبعد فترةٍ لم تَكُنْ بوجيزة قرروا الرحيل فبدأت أَشُك في الأمر فكيف زال الشك الذي انتابهم تجاهي فجأةً ؟ ، كيف دَعوني وشأني وكَفُّوا عن مراقبتي ؟ ، ولكني فهمت الأمر بشكلٍ خاطئ فقد كانوا يبحثون عن خيط يُوصِّلهم للجاني الحقيقي الذي ينقِّبون عنه بالفعل وكنت أنا مصدر ذاك الخيط ، فقد كان الجاني أحد سكان تلك البناية التي أقطُن فيها لذا كانوا ينظرون إليّ بتلك الطريقة المُرعِبة التي جعلتني أَشُك في نفسي لوَهلة ، فكانوا يرغبون في استجوابي علَّهم يَصِلون لنتيجة معينة تُثبِت أو تَنفي تلك الشكوك العالقة في أذهانهم ولكنهم خشوا أنْ يزعجوني أو يتسببوا في أي أذى نفسي لي بفعل هذا الشك ، فهم ليسوا ضباط شرطة على الصعيد الأول ولكنهم تابعون للقسم الذي يقع في الشارع الخلفي لهذا المكان الذي كُنَّا جميعاً نقف فيه ، وقد علمت هذا الأمر حينما سألت أحد الجيران عن سبب تواجد هؤلاء الشباب هنا وقد توصَّلتُ لصُلب هذا الموضوع الذي أَخافني كثيراً وتسبَّب لي في مزيدٍ من القلق والتوجس ، لقد كانت ليلةً مريعة أتعَبتني وأَدخَلت الذُعر لقلبي دون أنْ أُقدِم على أية مخالفات فأنا أسير على الطريق السليم طوال حياتي ولم أحاول الحياد عنه ولو لمرةٍ واحدة فلِمَ قد أنجرف ناحية نقيضه وأنا على علم بعواقبه الوخيمة ؟ ، فكيف يتحمَّل المجرمون تلك المخاوف التي تنتابهم فور وصول رجال الشرطة إليهم وما يلي ذلك من القبض عليهم والزَجِّ بهم في السجن لمدة لا يعلمون لها آخر ، أَيُوجد في الحياة عُمر مديد كي نضحي به في مثل تلك الأماكن المُوحِشة ؟ ، لِمَ نُلقي بأنفسنا في الجحيم أو نُزهِق أرواحنا ؟ ، أَلَمْ يمنحنا الله تلك النفس كي ننأى بها عن المهالك ونَصِل بها لطريق الفلاح ؟ ، لِمَ نفعل كل هذا بأنفسنا ونحن على علم بنتيجته المخزية التي تُلحِق العار بنا إنْ بقي في العمر بقية عقب الخروج من تلك الورطة ؟ ، علَّ تلك التساؤلات تنبثق بأذهان البشر ما اقتربوا يوماً من هذا الطريق الوَعِر ولالتزموا بالطريق المُمهَّد الذي يسَّره الله لهم منذ بدء الخليقة ولكن هيهات فالكل راغبٌ في التجريب وخوض تلك العوالم المؤذية التي تُسبِّب لهم المزيد من المشكلات والخسائر سواء الدنيوية أو الآخروية وعلَّ أحداً يتعظ ويتوقف عن سَلْك ذاك الطريق الملتوي المُعوَج حتى تنصلح حياته للأبد ويصل لجنة الخُلد في نهاية المطاف ...
#خلود_أيمن #قصة_قصيرة #KH .. ❝ ⏤Kholoodayman1994 Saafan
❞ ليلة مَريعة ( شكوك مُريبة ) :
عيون محملقة أخذت تحدِّق بي وتتربص بي في الذهاب والإياب ، لا أدري ماذا فعلت على وجه التحديد وهل اقترفت ذنباً ما ؟ ، كانت تتطلع بوجهي وكأني شخصٌ خارج عن القانون ارتكب جُرماً ما ، لم أعلم أَكُنت أنا المقصود أم أنَّ الأمر قد اختلط عليهم والتبست المسائل بعض الشيء ، ظللت متيبساً مكاني لا أدري ماذا عليّ أنْ أفعل ولكني التزمت الصمت والسُكون ، خِفتُ أنْ أركض فتَثبُت عليّ تلك التهمة التي لم أرتكبها من الأساس ، ظللت أراقبهم وأترقب أي فعل جديد يصدُر عنهم ولكنهم ظلوا على نفس الحال ينظرون إليّ بعين الرِيبة والشك وكأني مسجل خطر اعتاد ارتكاب نوع مَريع من الجرائم كالقتل مثلا ، وبعد فترةٍ لم تَكُنْ بوجيزة قرروا الرحيل فبدأت أَشُك في الأمر فكيف زال الشك الذي انتابهم تجاهي فجأةً ؟ ، كيف دَعوني وشأني وكَفُّوا عن مراقبتي ؟ ، ولكني فهمت الأمر بشكلٍ خاطئ فقد كانوا يبحثون عن خيط يُوصِّلهم للجاني الحقيقي الذي ينقِّبون عنه بالفعل وكنت أنا مصدر ذاك الخيط ، فقد كان الجاني أحد سكان تلك البناية التي أقطُن فيها لذا كانوا ينظرون إليّ بتلك الطريقة المُرعِبة التي جعلتني أَشُك في نفسي لوَهلة ، فكانوا يرغبون في استجوابي علَّهم يَصِلون لنتيجة معينة تُثبِت أو تَنفي تلك الشكوك العالقة في أذهانهم ولكنهم خشوا أنْ يزعجوني أو يتسببوا في أي أذى نفسي لي بفعل هذا الشك ، فهم ليسوا ضباط شرطة على الصعيد الأول ولكنهم تابعون للقسم الذي يقع في الشارع الخلفي لهذا المكان الذي كُنَّا جميعاً نقف فيه ، وقد علمت هذا الأمر حينما سألت أحد الجيران عن سبب تواجد هؤلاء الشباب هنا وقد توصَّلتُ لصُلب هذا الموضوع الذي أَخافني كثيراً وتسبَّب لي في مزيدٍ من القلق والتوجس ، لقد كانت ليلةً مريعة أتعَبتني وأَدخَلت الذُعر لقلبي دون أنْ أُقدِم على أية مخالفات فأنا أسير على الطريق السليم طوال حياتي ولم أحاول الحياد عنه ولو لمرةٍ واحدة فلِمَ قد أنجرف ناحية نقيضه وأنا على علم بعواقبه الوخيمة ؟ ، فكيف يتحمَّل المجرمون تلك المخاوف التي تنتابهم فور وصول رجال الشرطة إليهم وما يلي ذلك من القبض عليهم والزَجِّ بهم في السجن لمدة لا يعلمون لها آخر ، أَيُوجد في الحياة عُمر مديد كي نضحي به في مثل تلك الأماكن المُوحِشة ؟ ، لِمَ نُلقي بأنفسنا في الجحيم أو نُزهِق أرواحنا ؟ ، أَلَمْ يمنحنا الله تلك النفس كي ننأى بها عن المهالك ونَصِل بها لطريق الفلاح ؟ ، لِمَ نفعل كل هذا بأنفسنا ونحن على علم بنتيجته المخزية التي تُلحِق العار بنا إنْ بقي في العمر بقية عقب الخروج من تلك الورطة ؟ ، علَّ تلك التساؤلات تنبثق بأذهان البشر ما اقتربوا يوماً من هذا الطريق الوَعِر ولالتزموا بالطريق المُمهَّد الذي يسَّره الله لهم منذ بدء الخليقة ولكن هيهات فالكل راغبٌ في التجريب وخوض تلك العوالم المؤذية التي تُسبِّب لهم المزيد من المشكلات والخسائر سواء الدنيوية أو الآخروية وعلَّ أحداً يتعظ ويتوقف عن سَلْك ذاك الطريق الملتوي المُعوَج حتى تنصلح حياته للأبد ويصل لجنة الخُلد في نهاية المطاف ..
#خلود_أيمن#قصة_قصيرة#KH. ❝
❞ محمد الورداشي
\"حينما تبكي الروحُ!\"
باغتني العياء المتوحش، وأنهك جسدي النحيل في سكون الليل، فأخذت أتقلب على سريري المليء بالمنعرجات، ويفرُّ النوم من عيني المتعبتين، أستلقي على ظهري، أحس ألما شديدا، وأتقلب على جانبي الأيسر، فأشعر بوجع ممض في معدتي، ثم أستدير جهة اليمين، ولكن النوم لا يزورني ولا يقترب من عينيّ قيد أنملة. أحاول النوم جاهدا، فأغمض عيني رغما عنهما وضدا في الأرق، فأسمع صوتا مزعجا في الشارع، أنهض متثاقلا وأطل من نافذة المطبخ، فلا أرى إلا أشباحا تمضي مسرعة كالبرق، وأعيد النظر بعدما حاولت فتح عيني، فيتراءى لي قطان أسودان يتعاركان، ويصدران أصواتا حزينة ومبهمة، أحاول فهمها وهتك غموضها، ولكني لا أقرّ على رأي واحد تجاه هذه الأصوات التي تمزج بين الحزن والشكوى، بين الإعلان عن الأذى المحدق والتعبير عن الانزعاج. لم يرقني هذا المنظر؛ لأني لا أحب مشاهدة الحيوانات وهي تنهش جسد بعضها البعض، يؤلمني كثيرا أن أرى حيوانا ضعيفا يلحقه الأذى من قبل حيوان أقوى منه، من قبل إنسان يكره الحيوان، ويرى فيه عدوا يجب اضطهاده حيثما وجد.
أكره النظر إلى الكائنات الضعيفة وهي تُؤذى من قبل الأقوى منها؛ لذلك أغلقت النافذة بهدوء، وسرحت ببصري في المطبخ، فوقعت عيناي على بقايا طعام وفواكه، ارتمت يدي على تفاحة حمراء، أحب التفاح الأحمر، أحب الفواكه الحمراء أكثر من غيرها، لأنها تبعث في نفسي الحياة، وتروي عطش النفس إلى الإحساس بالشبع والارتواء.
شربت كأس ماء بارد، وعدت إلى الغرفة بخطى وئيدة لئلا أوقظ النائمين، أعرف حب البشر للنوم، وكرههم الشديد لمن يوقظهم دون إرادة منهم، أو يكون سببا في يقظتهم. أنا أيضا أكره من يزعجني، فيكون سببا في فرار النوم من عيني؛ لكني لا أحب النوم لذاته، وإنما لغيابه الطويل عني.
ارتميت بجسدي العليل على السرير، نظرت إلى الساعة التي تشير إلى الرابعة صباحا، لم أحزن على الزمن الذي يمضي مسرعا، لم أقلق يوما لأني ظللت حتى آخر الليل باحثا عن نوم مرغوب؛ لأني ألفت السهر والأرق، والقراءة والتأمل كلما نام الناس، أو دخلوا في حضرة النوم مستسلمين غير محتجّين.
حملت هاتفي وأخذت أتصفح الأخبار، وألقي نظرة على بوح الأصدقاء الافتراضيين والواقعيين، تستوقفني خاطرة صديق، وأتأمل كلمات صديق آخر يرى نفسه فيلسوفا، وأعجب من كثرة الشعراء والأدباء، وأشجب تعسفهم على الشعر والأدب؛ لأنهم لا يقرأون بقدر ما يكتبون، ولا يبدعون أكثر من ما يجترون، فيغمرني حزنٌ ومللٌ قاتمان، وأرمي الهاتف على الوسادة، ثم أعود إلى ذاتي المنطفئة، أغور في أعماقها، وأنبش في غياهبها حتى يطاوعني النوم بعد طول انتظار.
يرن جرس الساعة، فأحمل جسدي بتثاقل، وأتجه صوب الحمام حتى أتوضأ، فأصلي بضع ركعات، ثم أرتدي ملابسي الشتائية، وأبحث في جيبي عن بضعة دراهم، وأنزل الدرج متجها نحو الفرن. أجد المكان مزدحما بالنساء أكثر من الرجال، فأتساءل في خلدي عن ما يفعله الرجال في البيت، والموانع الحائلة دون تواجدهم أمام الفرن عوض نسائهم، لكني لا أظفر بجواب يشفي الغليل، فيحين دوري وأبتاع الخبز، ثم أعود إلى البيت متسللا، وأعد فطوري البسيط متثائبا.
أتناول فطوري والهاتف في يدي اليسرى، أتصفح الأخبار الصباحية، وأمعن النظر والتفكير في الوضع الاجتماعي، يهمني المجتمع وقضاياه أكثر من اهتمامي بالسياسة والاقتصاد. أجدني في حركة المجتمع الدائبة أكثر من قضايا أخرى.
أقرأ أخبارا عن الاحتجاج التعليمي المغربي، وأمعن النظر في كل تصريحات الفريقين، أقصد الجهات الرسمية المسؤولة والأساتذة المتضررين، وتتفاعل نفسي مع هذه الأخبار بين الإيجاب والسلب، ثم أنظر إلى الساعة التي تشير إلى الحادية عشرة صباحا.
أغلق الباب بهدوء، وأنزل الدرج متعجلا، فأجدني مندمجا في الشارع بعد بضع خطوات، أرى وأُرى، أبتسم ويُبتسم لي، فأمضي على هذه الحال حتى أبلغ المقهى. أبحث عن كرسي شاغر، وأجلس مطمئن البال، تمر دقيقة أو دقيقتان فتكون قهوتي السوداء جاهزة، يعرفني النادل كما يعرف الزبناء الآخرين، كانت خمس سنوات كافية ليعرف كل منا صاحبه. أتجرع قهوتي هادئا، وأتصفح الهاتف بتؤدة، فترمق عيناي جريدة، أقفز نحوها وأفتح أوراقها واحدة عقب أخرى، يصيبني الملل من التكرار والاجترار، فأردد متمتما \"لا جديد تحت الشمس\".
يسرح بصري في من يدخلون المقهى ويغادرونه، أمعن النظر في شخص يلفت نظري، أرقب حركاته وسكناته خلسة، ويزداد اهتمامي به كلما صدرت عنه حركة ما. يجلس أمامي رجل اشتعلتْ رأسه شيبا، جسده نحيف جدا، وعيناه ضيقتان كأنه صيني، يرتدي جاكيتا جلديا قديما، وسروالا ذا بُقع ورُقع كثيرة، وينتعل حذاءً جلديا بُنيَّ اللون، له مقدمةٌ تشبه رأس أفعى سامة، وتعلوه خروق وشقوق.
يحتسي قهوته مائل الظهر، ينظر إلى شيء أمامه، يحرك يده صوب هذا الشيء، أتململ في كرسيَّ، فأرى أنه ينظر إلى هاتفه على الطاولة، أعاود النظر إليه خلسة، يشدهني منظره على بعد أمتار قليلة: ظهرٌ مُنحن نحو الأمام، وعينان ضيقتان كأنه نائم، أو راهبٌ يتمتم بدعوات ما، ويؤدي طقسا تعبديا مهابا.
يلتفت نحوي فجأة، يرمقني بعينيه الضيقتين، فيبتسم لي وهو يلوح بيده اليمنى، أرد عليه بالحركة والابتسامة نفسيهما. يسألني، وقد كشف عن فمٍ خالٍ من الأسنان:
- أين وصلتم؟
أرد عليه بصوت مرتفع:
- لم نصل إلى شيء ذي مصداقية بعد.
يحك رأسه بحركة سريعة، ثم يعقب مستنكرا:
- لا، لقد قالوا في الأخبار إنهم رفعوا من أجوركم.
صمتَ برهة، ثم أضاف مبتسما:
- مبارك عليكم، نحتاج دعوة إلى مأدبة.
ابتسمت بدءا، ثم سرعان ما انفجرت ضحكتي التي لفتت إلي الأنظار، فقلت موضحا:
- لم تكن الزيادة هدفا أولا لنا..
يرمقني بالنظرات المستنكرة نفسها، فأردف بجدية أكثر:
- نريد الكرامة الإنسانية أولا، ثم بعد ذلك تأتي المطالب الأخرى.
- الله يجعل لكم مخرجا.
أرد بلفظة \"آمين\"، ثم أطأطئُ رأسي منغمسا في الكتاب الذي أحمله معي، لكني لاحظت أن هذا الرجلَ العجوزَ يفكر في أمر ما، أحسست أن في نفسه كلاما كثيرا يريد قوله، فبادرته مبتسما:
- الحمد لله أنكم واعون بمشروعية نضال ومطالب الأساتذة.
فرد وعلامات الغضب تطفو على وجهه:
- أنا أستاذ متقاعد يا ولدي، لقد قضيت زهرة عمري في التعليم.
سألته ووقْعُ المفاجأة يغمرني:
- لم أتفطن لهذا الأمر، ما شاء الله يا أستاذ.
حرك رأسه ونشوة فخر تغزو ملامحه، فسألته:
- كم سنة قضيت؟
- أربعون سنة كلها عمل ونشاط.
- ما شاء الله
- أفنيت عمري وصحتي معهم، والنتيجة أمامك.
قلت له مخففا من أمواج الحزن المتلاطمة في غياهب نفسه:
- أجركم على الله تعالى، أما البشر فلا تنتظر منهم فضلا أو اعترافا بجميلك.
- ما يسعدني هو لقاء تلاميذي الذين ولجوا وظائف مختلفة.
- خير الثمار قطفتَ وجنيتَ.
- فعلا يا ولدي، ولكني فقدتُ صحتي.
توقفت لحظة أمام كلماته الحزينة، وفكرت في مصير كل من أحبَّ هذه المهنةَ النبيلةَ، فسألتُ نفسي إن كان مصيري سيكون مثله، وعن الأسباب التي تجعل هؤلاء الرجال المحاربين يعانون الويلات أثناء عملهم وبعده.
خاطبني بكلمات مؤثرة، حاول من خلالها إطالة عمر الحوار بيننا:
- كانوا مستخفين بنا، ومستغلين لصمتنا وتساهلنا، ولكنكم جيل أعاد للمهنة هيبتها وقيمتها، أنتم الجيل الذي سيحقق ما عجزنا عنه سنوات طوالا.
ابتسمت ابتسامة حزينة، ولأن نفسي لم تعد تطيق ألما وحزنا، قلت:
- لكل زمن أناسه وظروفه الخاصة، ولكنا نرجو الله أن ينعم علينا وعليكم بالصحة والعافية.
ردد لفظة \"آمين\" بصوت خافت، ثم انغمس في طقسه التعبدي، وعدت إلى كتابي أتصفحه، بيد أني لم أكن أقرأ بقدر ما كنت أفكر في مصيرنا، وفي الأوضاع المضطربة التي تغمرنا من كل جانب، فتخطف الفرحة من قلوبنا المرهفة، والابتسامة من وجوهنا السمحة. كنت أتساءل لمَ يتلذذ الإنسان بتعذيب أخيه الإنسان، ولا يعترف له بفضل أو جميل.
أغلقت دفتي الكتاب، أدخلته في محفظتي بيدي المرتعشة، ثم دفعت ثمن قهوتي وقهوة الأستاذ المتقاعد، الميت القاعد، وانصرفت بعدما ودعته بكلمات رقيقة وابتسامة خجولة، فوجدتني في الشارع أتحرك كالحشرة وسط الضجيج والازدحام الشديدين، وأخطو خطواتي صوب البيت.. ❝ ⏤محمد الورداشي
❞ محمد الورداشي
˝حينما تبكي الروحُ!˝
باغتني العياء المتوحش، وأنهك جسدي النحيل في سكون الليل، فأخذت أتقلب على سريري المليء بالمنعرجات، ويفرُّ النوم من عيني المتعبتين، أستلقي على ظهري، أحس ألما شديدا، وأتقلب على جانبي الأيسر، فأشعر بوجع ممض في معدتي، ثم أستدير جهة اليمين، ولكن النوم لا يزورني ولا يقترب من عينيّ قيد أنملة. أحاول النوم جاهدا، فأغمض عيني رغما عنهما وضدا في الأرق، فأسمع صوتا مزعجا في الشارع، أنهض متثاقلا وأطل من نافذة المطبخ، فلا أرى إلا أشباحا تمضي مسرعة كالبرق، وأعيد النظر بعدما حاولت فتح عيني، فيتراءى لي قطان أسودان يتعاركان، ويصدران أصواتا حزينة ومبهمة، أحاول فهمها وهتك غموضها، ولكني لا أقرّ على رأي واحد تجاه هذه الأصوات التي تمزج بين الحزن والشكوى، بين الإعلان عن الأذى المحدق والتعبير عن الانزعاج. لم يرقني هذا المنظر؛ لأني لا أحب مشاهدة الحيوانات وهي تنهش جسد بعضها البعض، يؤلمني كثيرا أن أرى حيوانا ضعيفا يلحقه الأذى من قبل حيوان أقوى منه، من قبل إنسان يكره الحيوان، ويرى فيه عدوا يجب اضطهاده حيثما وجد.
أكره النظر إلى الكائنات الضعيفة وهي تُؤذى من قبل الأقوى منها؛ لذلك أغلقت النافذة بهدوء، وسرحت ببصري في المطبخ، فوقعت عيناي على بقايا طعام وفواكه، ارتمت يدي على تفاحة حمراء، أحب التفاح الأحمر، أحب الفواكه الحمراء أكثر من غيرها، لأنها تبعث في نفسي الحياة، وتروي عطش النفس إلى الإحساس بالشبع والارتواء.
شربت كأس ماء بارد، وعدت إلى الغرفة بخطى وئيدة لئلا أوقظ النائمين، أعرف حب البشر للنوم، وكرههم الشديد لمن يوقظهم دون إرادة منهم، أو يكون سببا في يقظتهم. أنا أيضا أكره من يزعجني، فيكون سببا في فرار النوم من عيني؛ لكني لا أحب النوم لذاته، وإنما لغيابه الطويل عني.
ارتميت بجسدي العليل على السرير، نظرت إلى الساعة التي تشير إلى الرابعة صباحا، لم أحزن على الزمن الذي يمضي مسرعا، لم أقلق يوما لأني ظللت حتى آخر الليل باحثا عن نوم مرغوب؛ لأني ألفت السهر والأرق، والقراءة والتأمل كلما نام الناس، أو دخلوا في حضرة النوم مستسلمين غير محتجّين.
حملت هاتفي وأخذت أتصفح الأخبار، وألقي نظرة على بوح الأصدقاء الافتراضيين والواقعيين، تستوقفني خاطرة صديق، وأتأمل كلمات صديق آخر يرى نفسه فيلسوفا، وأعجب من كثرة الشعراء والأدباء، وأشجب تعسفهم على الشعر والأدب؛ لأنهم لا يقرأون بقدر ما يكتبون، ولا يبدعون أكثر من ما يجترون، فيغمرني حزنٌ ومللٌ قاتمان، وأرمي الهاتف على الوسادة، ثم أعود إلى ذاتي المنطفئة، أغور في أعماقها، وأنبش في غياهبها حتى يطاوعني النوم بعد طول انتظار.
يرن جرس الساعة، فأحمل جسدي بتثاقل، وأتجه صوب الحمام حتى أتوضأ، فأصلي بضع ركعات، ثم أرتدي ملابسي الشتائية، وأبحث في جيبي عن بضعة دراهم، وأنزل الدرج متجها نحو الفرن. أجد المكان مزدحما بالنساء أكثر من الرجال، فأتساءل في خلدي عن ما يفعله الرجال في البيت، والموانع الحائلة دون تواجدهم أمام الفرن عوض نسائهم، لكني لا أظفر بجواب يشفي الغليل، فيحين دوري وأبتاع الخبز، ثم أعود إلى البيت متسللا، وأعد فطوري البسيط متثائبا.
أتناول فطوري والهاتف في يدي اليسرى، أتصفح الأخبار الصباحية، وأمعن النظر والتفكير في الوضع الاجتماعي، يهمني المجتمع وقضاياه أكثر من اهتمامي بالسياسة والاقتصاد. أجدني في حركة المجتمع الدائبة أكثر من قضايا أخرى.
أقرأ أخبارا عن الاحتجاج التعليمي المغربي، وأمعن النظر في كل تصريحات الفريقين، أقصد الجهات الرسمية المسؤولة والأساتذة المتضررين، وتتفاعل نفسي مع هذه الأخبار بين الإيجاب والسلب، ثم أنظر إلى الساعة التي تشير إلى الحادية عشرة صباحا.
أغلق الباب بهدوء، وأنزل الدرج متعجلا، فأجدني مندمجا في الشارع بعد بضع خطوات، أرى وأُرى، أبتسم ويُبتسم لي، فأمضي على هذه الحال حتى أبلغ المقهى. أبحث عن كرسي شاغر، وأجلس مطمئن البال، تمر دقيقة أو دقيقتان فتكون قهوتي السوداء جاهزة، يعرفني النادل كما يعرف الزبناء الآخرين، كانت خمس سنوات كافية ليعرف كل منا صاحبه. أتجرع قهوتي هادئا، وأتصفح الهاتف بتؤدة، فترمق عيناي جريدة، أقفز نحوها وأفتح أوراقها واحدة عقب أخرى، يصيبني الملل من التكرار والاجترار، فأردد متمتما ˝لا جديد تحت الشمس˝.
يسرح بصري في من يدخلون المقهى ويغادرونه، أمعن النظر في شخص يلفت نظري، أرقب حركاته وسكناته خلسة، ويزداد اهتمامي به كلما صدرت عنه حركة ما. يجلس أمامي رجل اشتعلتْ رأسه شيبا، جسده نحيف جدا، وعيناه ضيقتان كأنه صيني، يرتدي جاكيتا جلديا قديما، وسروالا ذا بُقع ورُقع كثيرة، وينتعل حذاءً جلديا بُنيَّ اللون، له مقدمةٌ تشبه رأس أفعى سامة، وتعلوه خروق وشقوق.
يحتسي قهوته مائل الظهر، ينظر إلى شيء أمامه، يحرك يده صوب هذا الشيء، أتململ في كرسيَّ، فأرى أنه ينظر إلى هاتفه على الطاولة، أعاود النظر إليه خلسة، يشدهني منظره على بعد أمتار قليلة: ظهرٌ مُنحن نحو الأمام، وعينان ضيقتان كأنه نائم، أو راهبٌ يتمتم بدعوات ما، ويؤدي طقسا تعبديا مهابا.
يلتفت نحوي فجأة، يرمقني بعينيه الضيقتين، فيبتسم لي وهو يلوح بيده اليمنى، أرد عليه بالحركة والابتسامة نفسيهما. يسألني، وقد كشف عن فمٍ خالٍ من الأسنان:
- أين وصلتم؟
أرد عليه بصوت مرتفع:
- لم نصل إلى شيء ذي مصداقية بعد.
يحك رأسه بحركة سريعة، ثم يعقب مستنكرا:
- لا، لقد قالوا في الأخبار إنهم رفعوا من أجوركم.
صمتَ برهة، ثم أضاف مبتسما:
- مبارك عليكم، نحتاج دعوة إلى مأدبة.
ابتسمت بدءا، ثم سرعان ما انفجرت ضحكتي التي لفتت إلي الأنظار، فقلت موضحا:
- نريد الكرامة الإنسانية أولا، ثم بعد ذلك تأتي المطالب الأخرى.
- الله يجعل لكم مخرجا.
أرد بلفظة ˝آمين˝، ثم أطأطئُ رأسي منغمسا في الكتاب الذي أحمله معي، لكني لاحظت أن هذا الرجلَ العجوزَ يفكر في أمر ما، أحسست أن في نفسه كلاما كثيرا يريد قوله، فبادرته مبتسما:
- أنا أستاذ متقاعد يا ولدي، لقد قضيت زهرة عمري في التعليم.
سألته ووقْعُ المفاجأة يغمرني:
- لم أتفطن لهذا الأمر، ما شاء الله يا أستاذ.
حرك رأسه ونشوة فخر تغزو ملامحه، فسألته:
- كم سنة قضيت؟
- أربعون سنة كلها عمل ونشاط.
- ما شاء الله
- أفنيت عمري وصحتي معهم، والنتيجة أمامك.
قلت له مخففا من أمواج الحزن المتلاطمة في غياهب نفسه:
- أجركم على الله تعالى، أما البشر فلا تنتظر منهم فضلا أو اعترافا بجميلك.
- ما يسعدني هو لقاء تلاميذي الذين ولجوا وظائف مختلفة.
- خير الثمار قطفتَ وجنيتَ.
- فعلا يا ولدي، ولكني فقدتُ صحتي.
توقفت لحظة أمام كلماته الحزينة، وفكرت في مصير كل من أحبَّ هذه المهنةَ النبيلةَ، فسألتُ نفسي إن كان مصيري سيكون مثله، وعن الأسباب التي تجعل هؤلاء الرجال المحاربين يعانون الويلات أثناء عملهم وبعده.
خاطبني بكلمات مؤثرة، حاول من خلالها إطالة عمر الحوار بيننا:
- كانوا مستخفين بنا، ومستغلين لصمتنا وتساهلنا، ولكنكم جيل أعاد للمهنة هيبتها وقيمتها، أنتم الجيل الذي سيحقق ما عجزنا عنه سنوات طوالا.
ابتسمت ابتسامة حزينة، ولأن نفسي لم تعد تطيق ألما وحزنا، قلت:
- لكل زمن أناسه وظروفه الخاصة، ولكنا نرجو الله أن ينعم علينا وعليكم بالصحة والعافية.
ردد لفظة ˝آمين˝ بصوت خافت، ثم انغمس في طقسه التعبدي، وعدت إلى كتابي أتصفحه، بيد أني لم أكن أقرأ بقدر ما كنت أفكر في مصيرنا، وفي الأوضاع المضطربة التي تغمرنا من كل جانب، فتخطف الفرحة من قلوبنا المرهفة، والابتسامة من وجوهنا السمحة. كنت أتساءل لمَ يتلذذ الإنسان بتعذيب أخيه الإنسان، ولا يعترف له بفضل أو جميل.
أغلقت دفتي الكتاب، أدخلته في محفظتي بيدي المرتعشة، ثم دفعت ثمن قهوتي وقهوة الأستاذ المتقاعد، الميت القاعد، وانصرفت بعدما ودعته بكلمات رقيقة وابتسامة خجولة، فوجدتني في الشارع أتحرك كالحشرة وسط الضجيج والازدحام الشديدين، وأخطو خطواتي صوب البيت. ❝
❞ أطرق ابن الهيثم لحظة بدا فيها بهيئة المهموم، وغاب فى غور التفكر ثم استفاق، وقال بأسى العلماء العارفين: يا مطيع، دع عنك الخوض فى دقائق وعموميات المعتقدات المتخالفة، فهذا مخاض لا آخر له، ولا نجاة من الغرق فيه، واعلم أن ما يتخالفون فيه اليوم بدعوى إعلاء رأى الإسلام الحق، وبزعم رفعهم راية الشرع، هو فى معظمه، مما صنعه الأمويون ثم كتبهم من بعدهم العباسيون، لخدمة أغراض أولئك وهؤلاء، فلا عليك من ذلك كله، واحضر المحبرة والأوراق كى أملى عليك بعض مسودات كتابى الكبير فى طبيعة الرؤية والإبصار.. سألته وأنا أهم بالجلوس قبالته لأكتب ما سوف يمليه علي، عن العنوان الذى اختاره لكتابه الكبير هذا، المدهشة للأذهان مسوداته؟ فقال بصوت خفيض: المناظر. ❝ ⏤يوسف زيدان
❞ أطرق ابن الهيثم لحظة بدا فيها بهيئة المهموم، وغاب فى غور التفكر ثم استفاق، وقال بأسى العلماء العارفين: يا مطيع، دع عنك الخوض فى دقائق وعموميات المعتقدات المتخالفة، فهذا مخاض لا آخر له، ولا نجاة من الغرق فيه، واعلم أن ما يتخالفون فيه اليوم بدعوى إعلاء رأى الإسلام الحق، وبزعم رفعهم راية الشرع، هو فى معظمه، مما صنعه الأمويون ثم كتبهم من بعدهم العباسيون، لخدمة أغراض أولئك وهؤلاء، فلا عليك من ذلك كله، واحضر المحبرة والأوراق كى أملى عليك بعض مسودات كتابى الكبير فى طبيعة الرؤية والإبصار. سألته وأنا أهم بالجلوس قبالته لأكتب ما سوف يمليه علي، عن العنوان الذى اختاره لكتابه الكبير هذا، المدهشة للأذهان مسوداته؟ فقال بصوت خفيض: المناظر. ❝
❞ وتسألُ هل أنتَ بخيرٍ
وإني بخيرٍ إن سألتْ
وتذهبُ الأفراحُ إن غابتْ
وتأتي إن هلتْ
بين أوردتي وجودها
إن أتتْ وإن ذهبتْ
في أذني حديثُها
سواءً نَطقتْ أو صَمتتْ
إني عَشِقتُ كل ما عَشِقَتْ
وإني كرهتُ كل ما كرِهتْ
ياليتهُ يأتي السؤال
ليطفئ نارًا في قلبي قد إشتعلتْ
هي فرحة قلبي وإن غابتْ
ففي قلبي اسمها قد حَفَرتْ. ❝ ⏤محمد عصام عبد الفتاح
❞ وتسألُ هل أنتَ بخيرٍ
وإني بخيرٍ إن سألتْ
وتذهبُ الأفراحُ إن غابتْ
وتأتي إن هلتْ
بين أوردتي وجودها
إن أتتْ وإن ذهبتْ
في أذني حديثُها
سواءً نَطقتْ أو صَمتتْ
إني عَشِقتُ كل ما عَشِقَتْ
وإني كرهتُ كل ما كرِهتْ
ياليتهُ يأتي السؤال
ليطفئ نارًا في قلبي قد إشتعلتْ
هي فرحة قلبي وإن غابتْ
ففي قلبي اسمها قد حَفَرتْ. ❝
❞ وعليك أن تعلم أن لا يوجد إحد جاء إلى هذه المحكة وافشى سرها الا ومات بعدها بثلاث ليالى ،فعليك الكتمان الكتمان والا الموت المحقق يا عزيزى .
اما عن الأسئلة التى سألتها لنفسك قبل أن تخلد إلى النوم ؟؟؟
فأنا ساجيبك عليها .
أن الظلم وبيع الزمم موجود فى كل مكان وزمان وان هذه سنة الله فى خلقة .
فكيف الثواب والعقاب وكيف الجنة والنار .
ولا تنسى ما قلته لك ألزم الصمت ولا تحكى ما شاهدته اليوم لأحد وألا الموت المحقق
رواية محكمة الشيطان. ❝ ⏤محمود صالح بدر
❞ وعليك أن تعلم أن لا يوجد إحد جاء إلى هذه المحكة وافشى سرها الا ومات بعدها بثلاث ليالى ،فعليك الكتمان الكتمان والا الموت المحقق يا عزيزى .
اما عن الأسئلة التى سألتها لنفسك قبل أن تخلد إلى النوم ؟؟؟
فأنا ساجيبك عليها .
أن الظلم وبيع الزمم موجود فى كل مكان وزمان وان هذه سنة الله فى خلقة .
فكيف الثواب والعقاب وكيف الجنة والنار .
ولا تنسى ما قلته لك ألزم الصمت ولا تحكى ما شاهدته اليوم لأحد وألا الموت المحقق
رواية محكمة الشيطان. ❝