❞ سيلينا، لقد ساء الأمر إلى أقصى درجة، تقف الكلمات في حلقي رافضة الخروج، حتى أنفاسي تؤلمني، سجائري والقهوة، لم يستطيعوا مساعدتي أيضًا، كل الأشياء من حولي تتغير، مشاعري مهترئة تمامًا، وأنا؟ أنا تحولت إلى أسوء نسخة منّي، عُدت لفترات كنت أظن أني تخطيتها ونجوت منها، أنا أكره البشر جميعًا يا رفيقتي، لا أجد من أعبر له عمّا يدور بداخلي، عمّا يدمر خلايا عقلي بالكامل، تحاصرني الذكريات والآلام في آن واحد، لا ملجأ لي ولا مهرب، ولا ملاذ آمن يحتويني، أصبحت معالج نفسي لبعض الأصدقاء بالمناسبة، ليس بالمعنى الحرفي، ولكنني أحاول تقديم يد العون والمساعدة قدر الإمكان، وأنا من يستحق المساعدة من الأساس، أنرت عتمتهم، ومازلت انطفئ في كل مرة، لا أعلم سبب كل تلك الكلمات من الأساس، ولكني أرغب في إخبارك وبشدة، أنني لست بخير ولست في أفضل حال.
#رسائل_إلى_سيلينا
#محمد_فؤاد. ❝ ⏤محمد أحمد فؤاد
❞ سيلينا، لقد ساء الأمر إلى أقصى درجة، تقف الكلمات في حلقي رافضة الخروج، حتى أنفاسي تؤلمني، سجائري والقهوة، لم يستطيعوا مساعدتي أيضًا، كل الأشياء من حولي تتغير، مشاعري مهترئة تمامًا، وأنا؟ أنا تحولت إلى أسوء نسخة منّي، عُدت لفترات كنت أظن أني تخطيتها ونجوت منها، أنا أكره البشر جميعًا يا رفيقتي، لا أجد من أعبر له عمّا يدور بداخلي، عمّا يدمر خلايا عقلي بالكامل، تحاصرني الذكريات والآلام في آن واحد، لا ملجأ لي ولا مهرب، ولا ملاذ آمن يحتويني، أصبحت معالج نفسي لبعض الأصدقاء بالمناسبة، ليس بالمعنى الحرفي، ولكنني أحاول تقديم يد العون والمساعدة قدر الإمكان، وأنا من يستحق المساعدة من الأساس، أنرت عتمتهم، ومازلت انطفئ في كل مرة، لا أعلم سبب كل تلك الكلمات من الأساس، ولكني أرغب في إخبارك وبشدة، أنني لست بخير ولست في أفضل حال.
❞ والنتيجة هي مفاجأة أكثر إدهاشًا من كل المفاجآت السابقة ..
الكتلة مرادفة للوزن في لغة الكلام العادي .. والذين يذكرون بعض المعلومات التي أخذوها في كتب الطبيعة يعلمون أن للكتلة تعريفًا مختلفًا ..
فهي : خاصية مقاومة الحركة .. هكذا يسميها الفقهاء .
وقد تعلمنا من هؤلاء الفقهاء أن الكتلة كمٌ ثابت .. وأنها لا تتأثر بحركة الجسم أو بسكونه .. فهي صفة جوهرية فيه .
ولكن أينشتين الذي قلب وجه الفقه الطبيعي أثبت أن الكتلة نسبية مثل الزمان والمكان .. وأنها مقدار متغير، وأنها تتغير بحركة الجسم .
كلما ازدادت سرعة الجسم كلما ازدادت كتلته ..
ولا تبدو هذه الفروق في السرع الصغيرة المألوفة حولنا ولهذا تفوتنا فلا نلاحظها .. ولكنها في السرَع العالية التي تقترب من سرعة الضوء تصبح فروقاً هائلة .. حتى إذا بلغت سرعة الجسم مثل سرعة الضوء فإن كتلته تصبح لا نهائية .. وبالتالي تصبح مقاومته للحركة لا نهائية وبالتالي يتوقف .
وهذه فرضية مستحيلة طبعًا .. لأنه لا يوجد جسم يمكنه أن يتحرك بسرعة الضوء ..
واستطاع أينشتين أن يقدم المعادلة الدقيقة التي تبين العلاقة بين كتلة الجسم وسرعته ..
لينك المعادلة :
http://im35.gulfup.com/MlRL9.jpg
حيث أن ك1 هي كتلة الجسم وهو متحرك ، ك كتلته وهو ساكن ، ع سرعته ، ص سرعة الضوء .
والذين يذكرون أوليات علم الجبر يعلمون أن ع حينما تكون مقاديرها صغيرة لا تؤثر بكثير في المعادلة .. ولكن حينما تقترب ع من سرعة الضوء فإن النتيجة تتضخم بشكل هائل وتصبح قيمة الجذر التربيعي أقرب إلى الصفر .. وتصبح الكتلة الجديدة هي ك مقسومة على صفر .. أي لا نهاية ..
ولم تلبث المعامل أن قدمت لنا التجربة الملموسة التي تثبت صدق هذه المعادلة .. وبهذا خرجت بها من حيز الافتراضات الجبرية إلى حيز الحقائق العلمية المعترف بها ..
أثبتت التجارب أن القذائف المشعة التي تطلقها مادة الراديوم واليورانيوم ( وهي دقائق مادية متناهية في الصِغَر تنطلق بسرعة قريبة من سرعة الضوء ) تزداد كتلتها بما يتفق مع حسابات أينشتين ..
وخطا أينشتين خطوة أخرى في تفكيره النظري قائلًا :
إنه مادام الجسم يكتسب مزيدًا من الكتلة حينما يكتسب مزيدًا من الحركة .. وبما أن الحركة شكل من أشكال الطاقة .. فإن معنى هذا أن الجسم حينما يكتسب طاقة يكتسب في نفس الوقت كتلة ..
أي أن الطاقة يمكن أن تتحول إلى كتلة، والكتلة يمكن أن تتحول إلى طاقة .
وما لبث أن قدم المعادلة التاريخية لهذه العلاقة بين الطاقة والكتلة .. وهي المعادلة التي صُنِعت القنبلة الذرية على أساسها :
طـ = ك X ص2 .
أو أن الطاقة المتحصلة من كتلة معينة تساوي حاصل ضرب هذه الكتلة بالجرام في مربع سرعة الضوء بالسنتيمتر/ ثانية ..
ويلاحَظ هنا أن الطاقة الناتجة من تفجير جرام واحد كمية هائلة جدًا .. وأنها يمكن أن تحرق مدينة .. أو تزوِّد مديرية كاملة بالوقود لمدة سنة .
فإذا أردنا أن نحسب كمية الكتلة المتحصلة من تركيز كمية الطاقة، فإن المعادلة تكون أن .. الكتلة تساوي الطاقة مقسومة على سرعة الضوء بالسنتيمتر ثانية .. أي مقدار ضئيل جدًا ..
والمعادلة تفسر لنا السر في أزلية هذا الكون وقِدَمه ..
السر أن هذا العدد الهائل من النجوم مضت عليه آماد طويلة من بلايين السنين وهو يشع نورًا وطاقة وحرارة .. ولم تبد عليه مخايل الفناء بعد ..
والسر هو أن النجوم تحترق بطريقة أخرى غير احتراق السجاير .. والكبريت .. فالكبريت يشتعل بطريقة كيميائية .. والنار التي تخرج منه هي حرارة اتحاد عناصر بعضها ببعض .. هي حرارة إتحاد الكبريت بالأوكسجين لينتج ثاني أكسيد الكربون ..
الكبريت لا يفنَى وإنما يتحول إلى مركبات أخرى .. هي الدخان .
أما احتراق الشمس والنجوم فإنه احتراق فَناء ..
ذرات الشمس والنجوم تتحطم وتتدفق شعاعًا في كل أقطار الكون، وهذا النوع من الاحتراق النووي بطيء جدًا .. لأن قليلًا جدً جدًا من المادة يملأ الفضاء بالكثير جدًا جدًا من الطاقة ..
فالنجوم تخسر قليلًا جدًا من مادتها كل يوم .. وهذا سر عمرها الطويل الأزلي، ولو كانت الشمس تحترق بالطريقة التي تحترق بها السجائر وعيدان الكبريت لانطفأت في لحظة ولتحولت الأرض إلى صقيع وانقرض ما عليها من صنوف الحياة .
ولقد كان انفجار قنبلة هيروشيما ، واختراع القنبلة الهيدروجينية بعد ذلك ، ثم قنبلة النيوترون بداية فتح رهيب في عالَم الطاقة .
لقد سلَّم أينشتين مفاتيح جهنم للعلماء .. وللساسة المخبولين .. وللمجانين من هواة الحروب .. بهذه المعادلة البسيطة ..
وأصبح ممكنًا بالحساب والأرقام معرفة كمية المادة اللازمة لنسف دولة وإفناء شعب .. وهي في العادة قليل من جرامات اليورانيوم والماء الثقيل والكوبالت .. أقل مما يملأ قبضة اليد ..
وانفتح في نفس الوقت باب لبحوث الفضاء .. وأصبح السفر في صواريخ هائلة تنطلق بسرعة خارقة وتخرج من جاذبية الأرض ممكنًا .. نتيجة اختراع صنوف جديدة من الوقود الذرّي .
لكن أهم من هذه التطبيقات العملية .. كانت هناك نتيجة نظرية خطيرة ترتبت على هذه الخطوة ..
أن الحاجز بين المادة والطاقة قد سقط نهائيًا .. وأصبحت المادة هي الطاقة ، والطاقة هي المادة .
لا فرق بين الصوت والضوء والحرارة والحركة والمغنطيسية والكهرباء .. وبين المادة الخاملة التي لا يخرج منها صوت ولا تندّ عنها حركة .
فالمادة هي كل هذه الظواهر مختزنة مركَّزة .
المادة هي الحركة مضغوطة محبوسة .
هي قمقم سليمان فيه عفريت .
وأينشتين هو الذي أطلق تعزيمة الرموز والطلاسم الجبرية فانفتح القمقم وخرج العفريت .
المادة ليست مادة ..
إنها حركة ..
ما الفرق بين أن نقول ذلك ، وبين أن نقول إنها روح .. ؟!
الروح تعبير صوفي نقصد به الفعالية الخالصة التي بلا جسد ..
والمادة اتضح أنها فعالية خالصة ( حركة ) وأن جسمها الملموس وَهم من أوهام الحواس ..
الألفاظ تختلط ببعضها .. وكل شيء جائز .
ومنذ اللحظة التي حطم فيها أينشتين السدّ الوهميّ بين المادة والطاقة ، انهار كل يقين حسي ملموس .. وتحولت الدنيا إلى خواء مشحون بطاقة غير مرئية .. مثل الجن والعفاريت ..
مرة يسميها العِلم موجات مغناطيسية كهربائية .. ومرة يسميها أشعة كونية .. ومرة يسميها أشعة إكس .. ومرة يسميها جزيئات بيتا .. ومرة يسميها أشعة جاما ..
وأغلبها أشياء تقتل في الظلام دون أن تدركها الحواس .. وهذه الأشياء هي نفسها المادة الساذجة الخاملة التي نتداولها بين أيدينا كل يوم ..
وسط هذا التشويش والغموض وَجَدت بعض المعضلات العلمية تفسيرها .. المشكلة التي أثارها ماكس بلانك : هل طبيعة الضوء ذرية .. أو موجية .. ؟!
مثل هذا الازدواج أصبح طبيعيًا .. فالضوء مادة وفي نفس الوقت طاقة .. ولابد أن يحمل أثر هذه الطبيعة المزدوجة .. وهي ازدواج وليس تناقضًا ..
لأن الذرة ليست شكلًا ثابتًا وحيدًا للمادة .. وإنما هي في ذات الوقت يمكن أن تتبعثر أمواجًا ..
مقال / الكتلة
من كتاب / اينشتين والنسبيه
للدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ والنتيجة هي مفاجأة أكثر إدهاشًا من كل المفاجآت السابقة .. الكتلة مرادفة للوزن في لغة الكلام العادي .. والذين يذكرون بعض المعلومات التي أخذوها في كتب الطبيعة يعلمون أن للكتلة تعريفًا مختلفًا .. فهي : خاصية مقاومة الحركة .. هكذا يسميها الفقهاء . وقد تعلمنا من هؤلاء الفقهاء أن الكتلة كمٌ ثابت .. وأنها لا تتأثر بحركة الجسم أو بسكونه .. فهي صفة جوهرية فيه .
ولكن أينشتين الذي قلب وجه الفقه الطبيعي أثبت أن الكتلة نسبية مثل الزمان والمكان .. وأنها مقدار متغير، وأنها تتغير بحركة الجسم .
كلما ازدادت سرعة الجسم كلما ازدادت كتلته .. ولا تبدو هذه الفروق في السرع الصغيرة المألوفة حولنا ولهذا تفوتنا فلا نلاحظها .. ولكنها في السرَع العالية التي تقترب من سرعة الضوء تصبح فروقاً هائلة .. حتى إذا بلغت سرعة الجسم مثل سرعة الضوء فإن كتلته تصبح لا نهائية .. وبالتالي تصبح مقاومته للحركة لا نهائية وبالتالي يتوقف .
وهذه فرضية مستحيلة طبعًا .. لأنه لا يوجد جسم يمكنه أن يتحرك بسرعة الضوء .. واستطاع أينشتين أن يقدم المعادلة الدقيقة التي تبين العلاقة بين كتلة الجسم وسرعته .. لينك المعادلة :
http://im35.gulfup.com/MlRL9.jpg
حيث أن ك1 هي كتلة الجسم وهو متحرك ، ك كتلته وهو ساكن ، ع سرعته ، ص سرعة الضوء . والذين يذكرون أوليات علم الجبر يعلمون أن ع حينما تكون مقاديرها صغيرة لا تؤثر بكثير في المعادلة .. ولكن حينما تقترب ع من سرعة الضوء فإن النتيجة تتضخم بشكل هائل وتصبح قيمة الجذر التربيعي أقرب إلى الصفر .. وتصبح الكتلة الجديدة هي ك مقسومة على صفر .. أي لا نهاية .. ولم تلبث المعامل أن قدمت لنا التجربة الملموسة التي تثبت صدق هذه المعادلة .. وبهذا خرجت بها من حيز الافتراضات الجبرية إلى حيز الحقائق العلمية المعترف بها ..
أثبتت التجارب أن القذائف المشعة التي تطلقها مادة الراديوم واليورانيوم ( وهي دقائق مادية متناهية في الصِغَر تنطلق بسرعة قريبة من سرعة الضوء ) تزداد كتلتها بما يتفق مع حسابات أينشتين ..
وخطا أينشتين خطوة أخرى في تفكيره النظري قائلًا : إنه مادام الجسم يكتسب مزيدًا من الكتلة حينما يكتسب مزيدًا من الحركة .. وبما أن الحركة شكل من أشكال الطاقة .. فإن معنى هذا أن الجسم حينما يكتسب طاقة يكتسب في نفس الوقت كتلة .. أي أن الطاقة يمكن أن تتحول إلى كتلة، والكتلة يمكن أن تتحول إلى طاقة .
وما لبث أن قدم المعادلة التاريخية لهذه العلاقة بين الطاقة والكتلة .. وهي المعادلة التي صُنِعت القنبلة الذرية على أساسها :
طـ = ك X ص2 .
أو أن الطاقة المتحصلة من كتلة معينة تساوي حاصل ضرب هذه الكتلة بالجرام في مربع سرعة الضوء بالسنتيمتر/ ثانية .. ويلاحَظ هنا أن الطاقة الناتجة من تفجير جرام واحد كمية هائلة جدًا .. وأنها يمكن أن تحرق مدينة .. أو تزوِّد مديرية كاملة بالوقود لمدة سنة . فإذا أردنا أن نحسب كمية الكتلة المتحصلة من تركيز كمية الطاقة، فإن المعادلة تكون أن .. الكتلة تساوي الطاقة مقسومة على سرعة الضوء بالسنتيمتر ثانية .. أي مقدار ضئيل جدًا .. والمعادلة تفسر لنا السر في أزلية هذا الكون وقِدَمه .. السر أن هذا العدد الهائل من النجوم مضت عليه آماد طويلة من بلايين السنين وهو يشع نورًا وطاقة وحرارة .. ولم تبد عليه مخايل الفناء بعد .. والسر هو أن النجوم تحترق بطريقة أخرى غير احتراق السجاير .. والكبريت .. فالكبريت يشتعل بطريقة كيميائية .. والنار التي تخرج منه هي حرارة اتحاد عناصر بعضها ببعض .. هي حرارة إتحاد الكبريت بالأوكسجين لينتج ثاني أكسيد الكربون ..
الكبريت لا يفنَى وإنما يتحول إلى مركبات أخرى .. هي الدخان . أما احتراق الشمس والنجوم فإنه احتراق فَناء .. ذرات الشمس والنجوم تتحطم وتتدفق شعاعًا في كل أقطار الكون، وهذا النوع من الاحتراق النووي بطيء جدًا .. لأن قليلًا جدً جدًا من المادة يملأ الفضاء بالكثير جدًا جدًا من الطاقة ..
فالنجوم تخسر قليلًا جدًا من مادتها كل يوم .. وهذا سر عمرها الطويل الأزلي، ولو كانت الشمس تحترق بالطريقة التي تحترق بها السجائر وعيدان الكبريت لانطفأت في لحظة ولتحولت الأرض إلى صقيع وانقرض ما عليها من صنوف الحياة .
ولقد كان انفجار قنبلة هيروشيما ، واختراع القنبلة الهيدروجينية بعد ذلك ، ثم قنبلة النيوترون بداية فتح رهيب في عالَم الطاقة .
لقد سلَّم أينشتين مفاتيح جهنم للعلماء .. وللساسة المخبولين .. وللمجانين من هواة الحروب .. بهذه المعادلة البسيطة .. وأصبح ممكنًا بالحساب والأرقام معرفة كمية المادة اللازمة لنسف دولة وإفناء شعب .. وهي في العادة قليل من جرامات اليورانيوم والماء الثقيل والكوبالت .. أقل مما يملأ قبضة اليد ..
وانفتح في نفس الوقت باب لبحوث الفضاء .. وأصبح السفر في صواريخ هائلة تنطلق بسرعة خارقة وتخرج من جاذبية الأرض ممكنًا .. نتيجة اختراع صنوف جديدة من الوقود الذرّي . لكن أهم من هذه التطبيقات العملية .. كانت هناك نتيجة نظرية خطيرة ترتبت على هذه الخطوة .. أن الحاجز بين المادة والطاقة قد سقط نهائيًا .. وأصبحت المادة هي الطاقة ، والطاقة هي المادة . لا فرق بين الصوت والضوء والحرارة والحركة والمغنطيسية والكهرباء .. وبين المادة الخاملة التي لا يخرج منها صوت ولا تندّ عنها حركة .
فالمادة هي كل هذه الظواهر مختزنة مركَّزة . المادة هي الحركة مضغوطة محبوسة . هي قمقم سليمان فيه عفريت .
وأينشتين هو الذي أطلق تعزيمة الرموز والطلاسم الجبرية فانفتح القمقم وخرج العفريت . المادة ليست مادة .. إنها حركة ..
ما الفرق بين أن نقول ذلك ، وبين أن نقول إنها روح .. ؟! الروح تعبير صوفي نقصد به الفعالية الخالصة التي بلا جسد .. والمادة اتضح أنها فعالية خالصة ( حركة ) وأن جسمها الملموس وَهم من أوهام الحواس .. الألفاظ تختلط ببعضها .. وكل شيء جائز .
ومنذ اللحظة التي حطم فيها أينشتين السدّ الوهميّ بين المادة والطاقة ، انهار كل يقين حسي ملموس .. وتحولت الدنيا إلى خواء مشحون بطاقة غير مرئية .. مثل الجن والعفاريت .. مرة يسميها العِلم موجات مغناطيسية كهربائية .. ومرة يسميها أشعة كونية .. ومرة يسميها أشعة إكس .. ومرة يسميها جزيئات بيتا .. ومرة يسميها أشعة جاما .. وأغلبها أشياء تقتل في الظلام دون أن تدركها الحواس .. وهذه الأشياء هي نفسها المادة الساذجة الخاملة التي نتداولها بين أيدينا كل يوم ..
وسط هذا التشويش والغموض وَجَدت بعض المعضلات العلمية تفسيرها .. المشكلة التي أثارها ماكس بلانك : هل طبيعة الضوء ذرية .. أو موجية .. ؟! مثل هذا الازدواج أصبح طبيعيًا .. فالضوء مادة وفي نفس الوقت طاقة .. ولابد أن يحمل أثر هذه الطبيعة المزدوجة .. وهي ازدواج وليس تناقضًا .. لأن الذرة ليست شكلًا ثابتًا وحيدًا للمادة .. وإنما هي في ذات الوقت يمكن أن تتبعثر أمواجًا ..
مقال / الكتلة من كتاب / اينشتين والنسبيه للدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝
❞ أشهر قصة تُحكى عن شرود الذهن هي قصة إديسون العالم الأميركي العبقري الذي لم يحضر حفل زفافه. السبب هو أنه انشغل في المختبر بتجربة مهمة، وقد بحثوا عنه كثيراً فاتضح أنه كتب موعد الزفاف في مفكرته لكنه نسي!
لا أعرف ما قاله لعروسه في تلك الليلة السوداء لكن التاريخ لا يذكر أن فسخ الخطبة قد تم على كل حال.
وهناك نيوتن عالم الرياضيات الذي كان جالساً قرب المدفأة لكنه لا يشعر بالدفء. فطلب من خادمه أن ينزع المدفأة من الجدار ويقربها منه، فقال له الخادم في أدب:
ـ لماذا لا يقوم سيدي بتقريب مقعده من النار؟
هنا شهق نيوتن، وأعلن أن خادمه عبقري حاضر الذهن فعلاً!
القصة الأغرب هي (تشسترتون) الكاتب المسرحي البريطاني الشهير الذي وقف في طابور مكتب البريد ليحصل على حوالة مالية، فلما بلغ الشباك اكتشف أنه نسي اسمه!، وكان أول ما قاله للموظف المذهول:
ـ معذرة يا سيدي... لكن هل تعرف اسمي؟!!
يمكننا بسهولة أن نتصور ما قاله الموظف وما فعله.
شرود ذهن العباقرة أمر معروف للجميع، وإن كان يسبب الدهشة أولاً.
وكثيراً ما يدفع الناس إلى اعتبار العبقري على شيء من ""الخبال"" أو الجنون... لكنهم بعد ذلك يقبلونه باحترام.
لكني أعترف أن شرود الذهن لا يدل على العبقرية في كل الظروف، بل قد يدل على عقل خاو تماماً. وباعتباري من الذين اشتهروا بشرود الذهن، فإنني أقر وأعترف أن أغلب الأوقات التي شوهدت فيها شارداً لم يكن في رأسي أي شيء مفيد، لكن الناس تنظر لي في احترام، وتتصور أني أنظم قصيدة عصماء أو قصة عبقرية.
أشهر من عرف بشرود الذهن في عالم الأدب هو الأديب المصري (توفيق الحكيم)، لكن المخرج (محمد كريم) جلس معه طويلاً أثناء كتابة سيناريو فيلم (رصاصة في القلب) ولاحظ أن جزءاً من هذا الشرود إرادي تماماً. مثلاً، لاحظ أن توفيق الحكيم يجلس شارد الذهن وذقنه مستندة على مقبض عصاه، فيقول له محمد كريم: هناك فتاة حسناء سألت عنك أمس.
عندها يفيق الفيلسوف الشارد على الفور، ويستفسر عن كل التفاصيل. هذا إذن شرود إرادي يفيق منه متى أراد.
الموسيقار عبد الوهاب اشتهر بالشرود الحقيقي، ويقول كل من اقتربوا منه إنه كان يزوم كالقطط طيلة الوقت لأن الألحان لا تكف عن زيارة عقله.
أحمد شوقي الشاعر كان شارد الذهن كذلك، وكان يخرج علبة السجائر كل بضع دقائق ليدون على هامشها بضعة أبيات قبل أن تضيع.
على كل حال، يمكنك أن تنجو بشرودك فلا يسخر منك أحد إذا أقنعت الناس أنك فنان. وهو حل لا بد أن تلجأ إليه إذا أردت أن تنجو من مواقف محرجة جداً.
مثلاً، ذات مرة كنت شارد الذهن وقابلت امرأة ذات وجه مألوف على سلم بيتي فهززت رأسي وقلت في وقار متحفظ: مساء الخير.
وواصلت النزول، فقط بعد ربع ساعة تذكرت أن التي قابلتها هي أختي! والله العظيم حدث هذا وليس من تأليفي.
في مرة أخرى كانت زميلة عمل مملة تكلمني بصوت رتيب عن أشياء كثيرة، فلجأت إلى الحل الأمثل وهو صوت (م م م!) كل ثلاثين ثانية بما يوحي بأنني أتابعها.
وفجأة فطنت إلى أنها تنظر لي في لوم وقد كفت عن الكلام الرتيب، ولما نظرت إليها قالت:
ـ أنا أسألك!!، وكالعادة لا إجابة عندك إلا (م م م).
هذه مواقف محرجة جداً لهذا عليك أن تقنع الناس على سبيل الاعتذار أنك عبقري وأنك تفكر في عظائم الأمور. عليك أن تعتذر ثم تخرج ورقة مطوية وتدون فيها بعض الكلمات بلهفة ويد ترتجف، ثم تتنهد في ارتياح كمن فرغ من آخر بيتين في ملحمة الإلياذة.
غرابة أطوار؟ ربما... لكنها ليست أغرب من أن تقابل أختك فلا تعرفها، أو تكتشف زميلتك انك لا تسمع حرفًا مما تقول.
وكمــــا هي العــــــادة، شرود الذهن سوف يجــــــعلني أفرغ من كتابة هذا المقال ثم أرسله لزوج خالتي كما أفعـل في كل مرة، بدلاً من إرساله لهذه الجريدة الغراء، وسأزعم أنني كنت أفكر في المقال التالي!
#أحمد_خالد_توفيق
الشاردون. ❝ ⏤أحمد خالد توفيق
❞ أشهر قصة تُحكى عن شرود الذهن هي قصة إديسون العالم الأميركي العبقري الذي لم يحضر حفل زفافه. السبب هو أنه انشغل في المختبر بتجربة مهمة، وقد بحثوا عنه كثيراً فاتضح أنه كتب موعد الزفاف في مفكرته لكنه نسي! لا أعرف ما قاله لعروسه في تلك الليلة السوداء لكن التاريخ لا يذكر أن فسخ الخطبة قد تم على كل حال. وهناك نيوتن عالم الرياضيات الذي كان جالساً قرب المدفأة لكنه لا يشعر بالدفء. فطلب من خادمه أن ينزع المدفأة من الجدار ويقربها منه، فقال له الخادم في أدب: ـ لماذا لا يقوم سيدي بتقريب مقعده من النار؟ هنا شهق نيوتن، وأعلن أن خادمه عبقري حاضر الذهن فعلاً! القصة الأغرب هي (تشسترتون) الكاتب المسرحي البريطاني الشهير الذي وقف في طابور مكتب البريد ليحصل على حوالة مالية، فلما بلغ الشباك اكتشف أنه نسي اسمه!، وكان أول ما قاله للموظف المذهول: ـ معذرة يا سيدي... لكن هل تعرف اسمي؟!! يمكننا بسهولة أن نتصور ما قاله الموظف وما فعله. شرود ذهن العباقرة أمر معروف للجميع، وإن كان يسبب الدهشة أولاً. وكثيراً ما يدفع الناس إلى اعتبار العبقري على شيء من ""الخبال"" أو الجنون... لكنهم بعد ذلك يقبلونه باحترام. لكني أعترف أن شرود الذهن لا يدل على العبقرية في كل الظروف، بل قد يدل على عقل خاو تماماً. وباعتباري من الذين اشتهروا بشرود الذهن، فإنني أقر وأعترف أن أغلب الأوقات التي شوهدت فيها شارداً لم يكن في رأسي أي شيء مفيد، لكن الناس تنظر لي في احترام، وتتصور أني أنظم قصيدة عصماء أو قصة عبقرية. أشهر من عرف بشرود الذهن في عالم الأدب هو الأديب المصري (توفيق الحكيم)، لكن المخرج (محمد كريم) جلس معه طويلاً أثناء كتابة سيناريو فيلم (رصاصة في القلب) ولاحظ أن جزءاً من هذا الشرود إرادي تماماً. مثلاً، لاحظ أن توفيق الحكيم يجلس شارد الذهن وذقنه مستندة على مقبض عصاه، فيقول له محمد كريم: هناك فتاة حسناء سألت عنك أمس. عندها يفيق الفيلسوف الشارد على الفور، ويستفسر عن كل التفاصيل. هذا إذن شرود إرادي يفيق منه متى أراد. الموسيقار عبد الوهاب اشتهر بالشرود الحقيقي، ويقول كل من اقتربوا منه إنه كان يزوم كالقطط طيلة الوقت لأن الألحان لا تكف عن زيارة عقله. أحمد شوقي الشاعر كان شارد الذهن كذلك، وكان يخرج علبة السجائر كل بضع دقائق ليدون على هامشها بضعة أبيات قبل أن تضيع. على كل حال، يمكنك أن تنجو بشرودك فلا يسخر منك أحد إذا أقنعت الناس أنك فنان. وهو حل لا بد أن تلجأ إليه إذا أردت أن تنجو من مواقف محرجة جداً. مثلاً، ذات مرة كنت شارد الذهن وقابلت امرأة ذات وجه مألوف على سلم بيتي فهززت رأسي وقلت في وقار متحفظ: مساء الخير. وواصلت النزول، فقط بعد ربع ساعة تذكرت أن التي قابلتها هي أختي! والله العظيم حدث هذا وليس من تأليفي. في مرة أخرى كانت زميلة عمل مملة تكلمني بصوت رتيب عن أشياء كثيرة، فلجأت إلى الحل الأمثل وهو صوت (م م م!) كل ثلاثين ثانية بما يوحي بأنني أتابعها. وفجأة فطنت إلى أنها تنظر لي في لوم وقد كفت عن الكلام الرتيب، ولما نظرت إليها قالت: ـ أنا أسألك!!، وكالعادة لا إجابة عندك إلا (م م م). هذه مواقف محرجة جداً لهذا عليك أن تقنع الناس على سبيل الاعتذار أنك عبقري وأنك تفكر في عظائم الأمور. عليك أن تعتذر ثم تخرج ورقة مطوية وتدون فيها بعض الكلمات بلهفة ويد ترتجف، ثم تتنهد في ارتياح كمن فرغ من آخر بيتين في ملحمة الإلياذة. غرابة أطوار؟ ربما... لكنها ليست أغرب من أن تقابل أختك فلا تعرفها، أو تكتشف زميلتك انك لا تسمع حرفًا مما تقول. وكمــــا هي العــــــادة، شرود الذهن سوف يجــــــعلني أفرغ من كتابة هذا المقال ثم أرسله لزوج خالتي كما أفعـل في كل مرة، بدلاً من إرساله لهذه الجريدة الغراء، وسأزعم أنني كنت أفكر في المقال التالي!
❞ اللامبالاة التامة هي موضوع حكاياتنا الغريبه هذه الليلة وبطلها اذكى رجل في العالم ! ...
مدير السجن الحربي الذي كان يعذب المسجونين وينزع أظافرهم ، ويعلقهم من أرجلهم ، ويطلق عليهم الكلاب الوحشية ، ويطفئ سجائره في المواطن الحساسة من اجسامهم .. مات في حادث سيارة على طريق مصر إسكندرية الزراعي اصطدم بعربة نقل تحمل أسياخا حديدية .. دخلت الأسياخ في قلبه وخرجت من ظهره انتقل الى الآخره مرشوقا في هذه الأسياخ ..
والرجل الذي كان يحمل نعش أبيه في الطريق إلى المدافن ويتشاجر على الميراث سقط في الحفرة التي وضع فيها أبوه فاقد النطق ومات الى جواره بسكته قلبية .
والمرأة التي اعتادت على تعاطي الحشيش لتطيل الذة ماتت تحت رجل آخر غير زوجها .. طالت بها الغيبوبة وخرجت من الدنيا إلى اللّه دون توبة .
والذين قفزوا من السفينة الغارقة ماتوا وأكلتهم قروش البحر والعجوز ذو المائة سنة المريض بالسكر والضغط والذبحة الذي لم تسعفه قدماه فى اللحاق بهم والقفز معهم بقى ملقي في قاع السفينة حتى جاءه النجدة وأنقذواه .
وجراح السرطان الموهوب قتل ابنه خطأ في علمية تافهة أتفه من خراج .
والإسكندر الأكبر قتلته بعوضه في بابل .
وفي سنه ١٩ قتل فيروس متناه في الصغار لا يرى بالعين ولا بالمجهر .. عشرين مليونا بالانفلونزا ..
إنه صاحب الجلالة الموت .
أقرب إلى كل منا من ظله .. بل أقرب إلى الواحد من نطقه .. و أقرب اليه من نفسه التي بين جنبيه .
يجري في الدم واللعاب والنبض ويسكن النخاع .
كل منا يحمل نعشه على كتفيه ، ويسير كراقص على حبل لا يعلم متى يسقط ولكنه لابد ان يسقط لأن كل الذين سبقوه قد سقطوا .
ياسادتي الارض مغطاة برفات الموت .
وتحت القاهره ثلاث مدن وثلاثة عصور نمشي ونرقص على رفاتها وجماجمها .
وغدا يمشي الاحفاد على ترابنا ، في لا مبالاة تامة وكل منهم مشغول بحاله ملفوف في همومه .
نعم إنها تلك اللامبالاة التامة يا سادتي هي التي تثير الدهشة .
تلك الحالة الذاتية التي تلف الواحد منا و تغلفه وتطمس سمعه و بصره وبصيرته ، فلا يرى الموت تحت قدميه فهو يبكي من الحب او يخطط لسرقة ، أو يتآمر على قتل في هدوء عجيب وثقة وكانه يعيش وحده ، وكأن العالم غرفته الخاصه يتصرف فيها على هواه ، وكانه خالد مخلد لا يموت ؛ بل انه يخطط لموت الآخرين ولا يخطر موته هو على باله لحظة واحدة .
نعم يا سادة تلك الغفلة واللامبالاة التامة هي موضوع حكاياتنا الغريبه هذه الليلة وبطلها اذكى رجل في العالم .
وحينما تعرفون كيف أصبح مليونيراً سوف توافقون معي على انه أذكي رجل في العالم بالفعل .
ولندعه ويحكي بنفسه بداية القصة .
كان ذلك في الصيف ١٩٥٠ حينما رست في ميناء الإسكندرية سفينة محملة بمخلفات الجيش .
وصعد السماسرة وتجار المخلفات على سطحها ، ليفاجأوا بأن كل حمولتها أحذية .. نصف مليون حذاء .. كلها فرد يمين .. أي أنها لا تنفع بشـيء ولن يشتريها احد بمليم .
ورفض تاجر واحد ان يمد يده ليشتريها .
وابتدأ المزاد من الصفر وظل واقفاً عند الصفر .
وحيئذ تقدمت انا واشتريت الحموله كلها بجنيهات قليلة ، وأنا أتصور أني ألقى بهذه الجنيهات في البحر .. وأقول لنفسي .. ربما تظهر لها منفعة في المستقبل .. وأضحك وانا أتذكر مقالا قرأته بان هناك نوع من البيرة يصنع من من منقوع الصرم القديمة .
والقيت بها في المخزن .
ومر أسبوعان بالضبط .
وفي يوم ثلاثاء كنت أقف على رصيف الميناء .. وكانت هناك سفينة مخلفات ترسو ..
وصعدنا على سطحها لنفاجأ بأن الحامولة كلها أحذية .. نصف مليون حذاء كلها .. فردة شمال .. الجزء المفقود من الصفقة الماضية ولم يتقدم احد للشراء .. فمَنْ يشترى نصف مليون حذاء كلها فردة واحدة .. ولم يعقد مزاد .
وكنت انا الشاري الوحيد الذي التي رست عليه البيعة بجنيهات قليلة .
وهكذا اصبحت مليونيراً في لحظة وبدون جهد ولا عمل وانما بخبطة حظ قلما يجود بمثلها الزمان .
وهكذا يا ساده بدأ أذكى رجل في العالم حياته .
ولأن الثروة جاءته بلا جهد وبلا عرق .. ولأنها جاءته على شباب وصحة وفراغ .. فإنه كان طبيعيا أن يلهو و يلعب و يرخي الحبل لهواه .
وعرف النوعيات الهابطة من النساء .
وعرف السهرات المبتذلة .
ولكنه كان دائما الرجل الذكي القوي الذي يعرف كيف ومتى ينخفض عن نفسه تلك النوعيات الطفيلية ، ومتى ينبذ اللهو ويفيق ليعاود العمل في همة ونشاط .
ولكن الاقوياء لا يظلون اقوياء دائماً .
وفي كل إنسان ثغرة ! .
حتى اذكى الأذكياء لا يسلم من ضعف ، يمكن ان يتسلل منه الإغراء وتدخل الفتنه .
ودعوه يحكي بنفسه بقية القصة :
كنت أعيش في خفة لا أحمل همـًا لغـد ولا ألقي بالا لشيء .. كل ما أتمناه أجده .. وكل ما احلم به أحققه بالحيلة أو الذكاء ، أو بالمكر أو بالمال .
وكان كل شيء حولي قابلا للشراء ، وقابلا للمساومة وكانت الدنيا كلها رخيصة في متناول اليد .
حتى التقيت بها في حفل السفارة .
امرأة دقيقة التكوين ، نحيلة كشـبح ، ناعمة ، حريرية ، مشعة ، صوتها هامس يتسلل إلى ما تحت الجلد ، ويسكن العظم .
وعقلها حاد متألق .
وشخصيتها مزيج عجيب من الثقافات والمواهب .
وروحها مغناطيسية .
وكأنما حولها مجال غير منظور إذا وقعت في نطاق جاذبيته لا تستطيع أن تبرحه ، وإنما تظل تدور وتدور فيه كما تدور الأقمار حول النجوم .
وقد رأيت نفسي ادور حولها فلا أستطيع الإفلات .
و رايت نفسي سائراً إلى إحدى نهايتين : أن أقترن بها أو أحترق فيها .
ولكنها متزوجة .. وزوجها يعبدها ولن يطلقها بحال .
وهي لا تحبه و لكنها لا تملك ان تطلق نفسها منه .
وضاقت دنياي الواسعة حتى أصبحت زنزانة .
و فارقتني قوتي .
و هجرنى ذكائي .
و بكيت كطفل .
و عشت لحظات كالمجنون .
كانت تقول لي : نهـرب .
ثم مع الوقت والعادة أصبحت هذه الكلمات المجنونة هي العقل والمعقول بالنسبه لنا .
أصبحنا نرى بقية العالم مجانين ، لأنه لا يرى ما نراه .
و اصبحنا نرى الدنيا مسكناً للبلادة والخمول والغباء والسخف ، ولم نعد نجد لانفسنا مكاناً في هذه الدنيا .
وبدات تختمر في ذهني فكرة الهجرة والهرب بها .
وكانت لي أعمال في السودان و كينيا و أوغندا .
و رأيت نفسي ذات ليلة و دون أن أدري أخرج بها بجواز سفر مزور طائراً إلى السودان .. و من السودان إلى كينيا .
وقضينا شهر العسل في نيروبي بين مغاني الغابه العذراء وتحت استوائيه وتغرد فيها العصافير الملونه وترقص الفراشات .
كان هذا يا سادة هو الفصل الثاني من قصة اذكى رجل في العالم .
ودعوني احكي لكم الفصل الثالث والختامي وكانت رحلة شاعرية ، خرج فيها العشيقان لقضاء الويك اند على شاطئ بحيرة " ليك مانيارا " في فندق البامبو الجميل .. وفي احد المفاتن الذي يقصده اصحاب الملايين واهل الفن والذوق للاستمتاع بالموسيقى والحب والرقص والطعام الشهي ، و الخمر الجيدة في بيئة طبيعية ساحرة تمرح فيها الوحوش والغزلان .
والطريق إلي " ليك مانيارا " تصعد في السيارة جبالا شاهقة .. وقممـًا معممة بالضباب .
وكان صاحبنا يقود السيارة وهو يصفر بفمه لحنـًا شعبيـًا ويحتضن محبوبته ، ويشير الى الخور السحيق الذي يهوى إليه البصر في جانب الطريق .. في أقصى القاع يفترش الأرض دغل طبيعي من نباتات وحشيه ذات تلافيف متعانقة متشابكة ، في معترك من الأغصان والأوراق والازهار تتوه في العين فلا تبين أرضـًا .. وإنما خضرة متكاتفة علي خضرة .
منظر خلاب آخاذ يصيب الرأس بالدوار .
وقد دارت رأس الاثنين بخمرة النظر وذابا حبا .
والتقت الشفاه على ارتفاع تسعة آلاف قدم ، وسقطت العربة في حفرة وفي لحظة خاطفة كانت تتدحرج في الخور كالقذيفة .
وبعد دقيقة كانت تستقر في القاع محطمة .
أما هو فكان راقداً في وعيه ولكـن بلا حراك بسبب كسور في عظام الحوض .
أما هي فكانت تهمس وتتلوي ثم تفقد الوعي بسبب النزيف .
ثم تعود في فتفيق فتعود إلى الهمس المخنوق والتأوه وكان سقوطهمـا وسط مسـتعمره للنمـل الأحمـر .
وزحفـت عليهمـا جيـوش النمـل .
نعم يا سادة اكلهمـا النمـل وهم أحياء فاقدا الحراك ينظر كل منهما إلى الآخر ولا يقوى على الصراخ .. ولا يقوى على الدفاع عن نفسه .
وانتهت قصة أذكى رجل في العالم واجمل امرأه .
ولم يبقى اثر للقصة سوي ذلك الإعلان المتكرر في جميع الجرائد والذي ظل ينشر بالقاهرة ، على مدى اسابيع عن السيدة التي خرجت من بيتها ولم تعد ومعه نشرة كاملة بأوصافها .. بيضاء ، نحيلة ، سوداء الشعر ، زرقاء العينين في جاكيت وبنطلون من القطيفه السوداء وكرافات تركواز ، وعلى من يتعرف عليها الاتصال بالتليفون كذا .
وكان القراء يقرؤون الإعلان كل يوم .. ولم يكون أحد منهم يعلم أنها أصبحت هي وصاحبها فتاتـًا في بطن ستمائة الف نملـة من النمـل الأحمـر ، في وسط افريقيا الاستوائية .
إنه صاحب الجلالة الموت .
و الكـل فـی غفلـة .
د/ مصطفى محمود رحمهُ اللَّه
من كتاب / المسيـخ الدجـال. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ اللامبالاة التامة هي موضوع حكاياتنا الغريبه هذه الليلة وبطلها اذكى رجل في العالم ! ...
مدير السجن الحربي الذي كان يعذب المسجونين وينزع أظافرهم ، ويعلقهم من أرجلهم ، ويطلق عليهم الكلاب الوحشية ، ويطفئ سجائره في المواطن الحساسة من اجسامهم .. مات في حادث سيارة على طريق مصر إسكندرية الزراعي اصطدم بعربة نقل تحمل أسياخا حديدية .. دخلت الأسياخ في قلبه وخرجت من ظهره انتقل الى الآخره مرشوقا في هذه الأسياخ ..
والرجل الذي كان يحمل نعش أبيه في الطريق إلى المدافن ويتشاجر على الميراث سقط في الحفرة التي وضع فيها أبوه فاقد النطق ومات الى جواره بسكته قلبية .
والمرأة التي اعتادت على تعاطي الحشيش لتطيل الذة ماتت تحت رجل آخر غير زوجها .. طالت بها الغيبوبة وخرجت من الدنيا إلى اللّه دون توبة .
والذين قفزوا من السفينة الغارقة ماتوا وأكلتهم قروش البحر والعجوز ذو المائة سنة المريض بالسكر والضغط والذبحة الذي لم تسعفه قدماه فى اللحاق بهم والقفز معهم بقى ملقي في قاع السفينة حتى جاءه النجدة وأنقذواه .
وجراح السرطان الموهوب قتل ابنه خطأ في علمية تافهة أتفه من خراج .
والإسكندر الأكبر قتلته بعوضه في بابل .
وفي سنه ١٩ قتل فيروس متناه في الصغار لا يرى بالعين ولا بالمجهر .. عشرين مليونا بالانفلونزا ..
إنه صاحب الجلالة الموت . أقرب إلى كل منا من ظله .. بل أقرب إلى الواحد من نطقه .. و أقرب اليه من نفسه التي بين جنبيه . يجري في الدم واللعاب والنبض ويسكن النخاع .
كل منا يحمل نعشه على كتفيه ، ويسير كراقص على حبل لا يعلم متى يسقط ولكنه لابد ان يسقط لأن كل الذين سبقوه قد سقطوا .
ياسادتي الارض مغطاة برفات الموت . وتحت القاهره ثلاث مدن وثلاثة عصور نمشي ونرقص على رفاتها وجماجمها . وغدا يمشي الاحفاد على ترابنا ، في لا مبالاة تامة وكل منهم مشغول بحاله ملفوف في همومه .
نعم إنها تلك اللامبالاة التامة يا سادتي هي التي تثير الدهشة . تلك الحالة الذاتية التي تلف الواحد منا و تغلفه وتطمس سمعه و بصره وبصيرته ، فلا يرى الموت تحت قدميه فهو يبكي من الحب او يخطط لسرقة ، أو يتآمر على قتل في هدوء عجيب وثقة وكانه يعيش وحده ، وكأن العالم غرفته الخاصه يتصرف فيها على هواه ، وكانه خالد مخلد لا يموت ؛ بل انه يخطط لموت الآخرين ولا يخطر موته هو على باله لحظة واحدة .
نعم يا سادة تلك الغفلة واللامبالاة التامة هي موضوع حكاياتنا الغريبه هذه الليلة وبطلها اذكى رجل في العالم .
وحينما تعرفون كيف أصبح مليونيراً سوف توافقون معي على انه أذكي رجل في العالم بالفعل .
ولندعه ويحكي بنفسه بداية القصة .
كان ذلك في الصيف ١٩٥٠ حينما رست في ميناء الإسكندرية سفينة محملة بمخلفات الجيش .
وصعد السماسرة وتجار المخلفات على سطحها ، ليفاجأوا بأن كل حمولتها أحذية .. نصف مليون حذاء .. كلها فرد يمين .. أي أنها لا تنفع بشـيء ولن يشتريها احد بمليم . ورفض تاجر واحد ان يمد يده ليشتريها . وابتدأ المزاد من الصفر وظل واقفاً عند الصفر .
وحيئذ تقدمت انا واشتريت الحموله كلها بجنيهات قليلة ، وأنا أتصور أني ألقى بهذه الجنيهات في البحر .. وأقول لنفسي .. ربما تظهر لها منفعة في المستقبل .. وأضحك وانا أتذكر مقالا قرأته بان هناك نوع من البيرة يصنع من من منقوع الصرم القديمة .
والقيت بها في المخزن .
ومر أسبوعان بالضبط .
وفي يوم ثلاثاء كنت أقف على رصيف الميناء .. وكانت هناك سفينة مخلفات ترسو .. وصعدنا على سطحها لنفاجأ بأن الحامولة كلها أحذية .. نصف مليون حذاء كلها .. فردة شمال .. الجزء المفقود من الصفقة الماضية ولم يتقدم احد للشراء .. فمَنْ يشترى نصف مليون حذاء كلها فردة واحدة .. ولم يعقد مزاد . وكنت انا الشاري الوحيد الذي التي رست عليه البيعة بجنيهات قليلة . وهكذا اصبحت مليونيراً في لحظة وبدون جهد ولا عمل وانما بخبطة حظ قلما يجود بمثلها الزمان .
وهكذا يا ساده بدأ أذكى رجل في العالم حياته . ولأن الثروة جاءته بلا جهد وبلا عرق .. ولأنها جاءته على شباب وصحة وفراغ .. فإنه كان طبيعيا أن يلهو و يلعب و يرخي الحبل لهواه .
وعرف النوعيات الهابطة من النساء . وعرف السهرات المبتذلة .
ولكنه كان دائما الرجل الذكي القوي الذي يعرف كيف ومتى ينخفض عن نفسه تلك النوعيات الطفيلية ، ومتى ينبذ اللهو ويفيق ليعاود العمل في همة ونشاط .
ولكن الاقوياء لا يظلون اقوياء دائماً .
وفي كل إنسان ثغرة ! .
حتى اذكى الأذكياء لا يسلم من ضعف ، يمكن ان يتسلل منه الإغراء وتدخل الفتنه .
ودعوه يحكي بنفسه بقية القصة : كنت أعيش في خفة لا أحمل همـًا لغـد ولا ألقي بالا لشيء .. كل ما أتمناه أجده .. وكل ما احلم به أحققه بالحيلة أو الذكاء ، أو بالمكر أو بالمال . وكان كل شيء حولي قابلا للشراء ، وقابلا للمساومة وكانت الدنيا كلها رخيصة في متناول اليد .
حتى التقيت بها في حفل السفارة .
امرأة دقيقة التكوين ، نحيلة كشـبح ، ناعمة ، حريرية ، مشعة ، صوتها هامس يتسلل إلى ما تحت الجلد ، ويسكن العظم . وعقلها حاد متألق . وشخصيتها مزيج عجيب من الثقافات والمواهب . وروحها مغناطيسية . وكأنما حولها مجال غير منظور إذا وقعت في نطاق جاذبيته لا تستطيع أن تبرحه ، وإنما تظل تدور وتدور فيه كما تدور الأقمار حول النجوم .
وقد رأيت نفسي ادور حولها فلا أستطيع الإفلات . و رايت نفسي سائراً إلى إحدى نهايتين : أن أقترن بها أو أحترق فيها . ولكنها متزوجة .. وزوجها يعبدها ولن يطلقها بحال . وهي لا تحبه و لكنها لا تملك ان تطلق نفسها منه . وضاقت دنياي الواسعة حتى أصبحت زنزانة . و فارقتني قوتي . و هجرنى ذكائي . و بكيت كطفل . و عشت لحظات كالمجنون . كانت تقول لي : نهـرب .
ثم مع الوقت والعادة أصبحت هذه الكلمات المجنونة هي العقل والمعقول بالنسبه لنا . أصبحنا نرى بقية العالم مجانين ، لأنه لا يرى ما نراه . و اصبحنا نرى الدنيا مسكناً للبلادة والخمول والغباء والسخف ، ولم نعد نجد لانفسنا مكاناً في هذه الدنيا .
وبدات تختمر في ذهني فكرة الهجرة والهرب بها . وكانت لي أعمال في السودان و كينيا و أوغندا .
و رأيت نفسي ذات ليلة و دون أن أدري أخرج بها بجواز سفر مزور طائراً إلى السودان .. و من السودان إلى كينيا .
وقضينا شهر العسل في نيروبي بين مغاني الغابه العذراء وتحت استوائيه وتغرد فيها العصافير الملونه وترقص الفراشات .
كان هذا يا سادة هو الفصل الثاني من قصة اذكى رجل في العالم .
ودعوني احكي لكم الفصل الثالث والختامي وكانت رحلة شاعرية ، خرج فيها العشيقان لقضاء الويك اند على شاطئ بحيرة " ليك مانيارا " في فندق البامبو الجميل .. وفي احد المفاتن الذي يقصده اصحاب الملايين واهل الفن والذوق للاستمتاع بالموسيقى والحب والرقص والطعام الشهي ، و الخمر الجيدة في بيئة طبيعية ساحرة تمرح فيها الوحوش والغزلان .
والطريق إلي " ليك مانيارا " تصعد في السيارة جبالا شاهقة .. وقممـًا معممة بالضباب .
وكان صاحبنا يقود السيارة وهو يصفر بفمه لحنـًا شعبيـًا ويحتضن محبوبته ، ويشير الى الخور السحيق الذي يهوى إليه البصر في جانب الطريق .. في أقصى القاع يفترش الأرض دغل طبيعي من نباتات وحشيه ذات تلافيف متعانقة متشابكة ، في معترك من الأغصان والأوراق والازهار تتوه في العين فلا تبين أرضـًا .. وإنما خضرة متكاتفة علي خضرة .
منظر خلاب آخاذ يصيب الرأس بالدوار .
وقد دارت رأس الاثنين بخمرة النظر وذابا حبا .
والتقت الشفاه على ارتفاع تسعة آلاف قدم ، وسقطت العربة في حفرة وفي لحظة خاطفة كانت تتدحرج في الخور كالقذيفة . وبعد دقيقة كانت تستقر في القاع محطمة .
أما هو فكان راقداً في وعيه ولكـن بلا حراك بسبب كسور في عظام الحوض .
أما هي فكانت تهمس وتتلوي ثم تفقد الوعي بسبب النزيف . ثم تعود في فتفيق فتعود إلى الهمس المخنوق والتأوه وكان سقوطهمـا وسط مسـتعمره للنمـل الأحمـر .
وزحفـت عليهمـا جيـوش النمـل .
نعم يا سادة اكلهمـا النمـل وهم أحياء فاقدا الحراك ينظر كل منهما إلى الآخر ولا يقوى على الصراخ .. ولا يقوى على الدفاع عن نفسه .
وانتهت قصة أذكى رجل في العالم واجمل امرأه .
ولم يبقى اثر للقصة سوي ذلك الإعلان المتكرر في جميع الجرائد والذي ظل ينشر بالقاهرة ، على مدى اسابيع عن السيدة التي خرجت من بيتها ولم تعد ومعه نشرة كاملة بأوصافها .. بيضاء ، نحيلة ، سوداء الشعر ، زرقاء العينين في جاكيت وبنطلون من القطيفه السوداء وكرافات تركواز ، وعلى من يتعرف عليها الاتصال بالتليفون كذا .
وكان القراء يقرؤون الإعلان كل يوم .. ولم يكون أحد منهم يعلم أنها أصبحت هي وصاحبها فتاتـًا في بطن ستمائة الف نملـة من النمـل الأحمـر ، في وسط افريقيا الاستوائية .