█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ ينبغي ألا يغيب عن نظرنا أن (الواجب) يجب أن يتفوق على (الحق) في كل تطور صاعد، إذ يتحتم أن يكون لدينا دائماً محصول وافر، أو بلغة الاقتصاد السياسي (فائض قيمة). هذا (الواجب الفائض) هو أمارة التقدم الخلقي والمادي في كل مجتمع يشق طريقه إلى المجد.
وبناء على ذلك يمكننا القول: إن كل سياسة تقوم على طلب (الحقوق) ليست إلا ضرباً من الهرج والفوضى، أو هي، كما عبرنا من قبل، (يد) تطيل عمر الحياة الأميبية في الحقل الفكري، وتلك هي (البوليتيكا) بالمعنى الشعبي للكلمة.
والحق أن العلاقة بين الحق والواجب هي علاقة تكوينية تفسر لنا نشأة الحق ذاته، تلك التي لا يمكن أن نتصورها منفصلة عن الواجب، وهو يعد في الواقع ((أول عمل قام به الإنسان في التاريخ)). فالسياسة التي لا تحدث الشعب عن واجباته، وتكتفي بأن تضرب له على نغمة حقوقه، ليست سياسة، وإنما هي (خرافة)، أو هي تلصص في الظلام، وليس من مهمتنا أن نعلم الشعب كلمات وأشعاراً، بل أن نعلمه مناهج وفنوناً.
ليس من مهمتنا أن نغني له نشيد (الحرية)، فهو يعرف الأغنية، أو أن نقول له ونكرر القول في الحقوق، فهو يعرفها، أو أن نلقنه فضائل الاتحاد المقدس، فإن غريزة التجمع قد علمته هذه الفضائل.
وفي كلمة واحدة ليس من شأننا أن نكشف له عما ألم بمعرفته من قبل، بل أن نمنحه من المناهج الفعالة ما يستطيع به أن يصوغ مواهبه ومعارفه في قالب اجتماع مُحَس. وبعبارة أدق: ليس الشعب بحاجة إلى أن نتكلم له عن حقوقه وحريته، بل أن نحدد له الوسائل التي يحصل بها عليها، وهذه الوسائل لا يمكن إلا أن تكون تعبيراً عن واجباته . ❝
❞ الدين لا يمكن غرسه بالإكراه ، و الفضائل لا تولد عنوة . إن الصيحة التي يمكن أن يطلقها الدعاة اليوم هي
" أصلح نفسك ".
ليصلح كل واحد نفسه و ليحاول أن يروض سلوكه و يحكم دولته الداخلية و يخضع أهواءه و شهواته .. فإذا نجح فليحاول أن يصلح أهله و جيرته فإذا نجح فليكن صوت حق و قدوة و مثالا للمجموع و تلك أوسع خطوة ممكنة نحو حكم إسلامي .
أما محاولة الإصلاح بالثورة و الإنقلاب العنيف فهي أحلام تسلطية و شهوات حكم و تحكم . ❝
❞ حوار مع صديقي الملحد
الضميـــــر ؟
قال صاحبي : - أنتم تتكلمون عن الضمير في تقديس كما لو كان شيئاً مطلقاً مع أنه أحد المصنوعات الاجتماعية ، عملة نحاسية لا أكثر .
صكت و دمغت و سبكت في فرن التعاملات الاجتماعية وهو عندنا شيء تتغير أحكامه و ضوابطه وفق المصالح الجارية و القيمة التي تفيد نقول عنها خيراً والقيمة التي تضر نقول عنها شراً و لو كانت هذه القيمة هي العفة التي تتمسكون بها كعيونكم .
قلت له في هدوء :- نعم .. هذا هو رأي الفلسفة المادية على ما أسمع .. أن الضمير سلطة زجر و ردع نبتت من الدواعي الإجتماعية .. مجرد تحصيل خبرة تتفاوت بين شخص و شخص وبين عصر و عصر و بين أمة وأمة .. هذا كلامكم ..
ولكن الحقيقة غير ذلك ..
الحقيقة أن الضمير نور وضعه الله في الفطرة ومؤشر ودليل وبوصلة نولد بها .. تهدينا إلى الحقائق و كل دور الاكتساب الاجتماعى أنه يجلو مرآة هذه البوصلة و يصقل زجاجها .
و لنا على ذلك براهين تؤيدنا و تشجب كلامكم .
انظر إلى عالم الحيوان حيث لا مجتمع ، ترى القطة تتبرز ثم تستدير لتغطى فضلاتها بالتراب ، في أي مجتمع قططى تعلمت القطة هذا الوازع ؟ و كيف ميزت بين القذارة و النظافة ؟ و أنت ترى القطة تسرق السمكة فإذا ضبطتها و ضربتها على رأسها طأطأت و نكست بصرها في إحساس واضح بالذنب .. و تراها تلهو مع الأطفال في البيت فتكسر فازة أثناء اللعب .. فماذا يحدث ، إنها تجرى في فزع و تختبيء تحت الكراسى و قد أدركت أنها أخطأت . كل هذه شواهد و ملامح ضمير . و ليس في مملكة القطط دواع لنشأة هذه المشاعر .. و لا نرى حتى مجتمعًا قططيًا من الأساس .
و تقاليد الوفاء الزوجى في الحمام .. و نبل الحصان في ارتباطه بصاحبه حتى الموت .. وكبرياء الأسد و ترفعه عن الهجوم على فريسته من الخلف .. و خجل الجمل و توقفه عن مضاجعة أنثاه إذا وجد أن هناك عينًا ترقبه .. ثم تلك الحادثة البليغة التي رآها جمهور المشاهدين في السيرك القومى بالقاهرة .. حينما قفز الأسد على المدرب محمد الحلو من الخلف و أنشب مخالبه في كتفه و أصابه بجرج قاتل .. و بقية الحادثة يرويها موظفوا السيرك .. كيف امتنع الأسد عن الطعام .. و حبس نفسه في زنزانته لا يبرحها .. و كيف نقلوه إلى حديقة الحيوان و قدموا له أنثى لتروح عنه فضربها و طردها .. و ظل على صيامه و رفضه للطعام ثم انقض على يده الآثمة و ظل يمزقها حتى نزف و مات .
حيوان ينتحر ندمًا و تكفيرًا عن جريمته .
من أي مجتمع في دنيا السباع أخذ الأسد هذه التقاليد .. هل في مجتمع السباع أن افتراس الإنسان جريمة تدعو إلى الانتحار .
نحن هنا أمام نبل و خلق و ضمير لا نجده في بشر .
و نحن أمام فشل كامل للتفسير الماديّ و للتصور الماديّ لحقيقة الضمير .
و لا تفسير لما نراه سوى ما يقوله الدين .. من أن الضمير هو نور وضعه الله في الفطرة و أن كل دور الاكتساب الاجتماعي أن يجلو صدأ النفس فتشف عن هذا النور الإلهي .
و هذا هو ما حدث بين الأسد و مدربه .. المعاشرة و المحبة و المصاحبة صقلت تلك النفس الحيوانية فأيقظت ذلك القبس الرحمانى .. فإذا بالأسد يحزن و يندم و ينتحر كمدًا كالبشر .
(( الحلال بين والحرام بين )) ... كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام .
((استفت قلبك وإن أفتاك الناس )) .
لسنا في حاجة إلى كلية شريعة لنعرف الخطأ من الصواب و الحق من الحلال .. فقد وضع الله في قلب كل منا كلية شريعة .. و ميزاناً لا يخطئ .. و كل ما نحن مطالبون به أن نجلو نفوسنا من غواشى المادة ومن كثافة الشهوات فنبصر و نرى و نعرف و نميز بدون عكاز "الخبرة الاجتماعية" وذلك بنور الله الذي اسمه الضمير .
((يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً )) [ الأنفال الآية 29]
يقول الله في الحديث القدسي للصوفي محمد بن عبد الجبار : " كيف تيأس منّي و في قلبك سفيري و متحدثي" .
الضمير حقيقة ثابتة و القيم الأخلاقية الأساسية هي بالمثل ثابتة فقتل البريء لن يصبح يومًا ما فضيلة و كذا السرقة و الكذب و إيذاء الآخرين و الفحشاء و الفجور و البذاءة و الغلظة و القسوة و النفاق و الخيانة كل هذه نقائض خلقية ، و سوف تظل هكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
و كذلك سوف تظل المحبة و الرحمة و الصدق و الحلم و العفو و الإحسان فضائل .. و لن تتحول إلى جرائم إلا إذا فسدت السماوات و الأرض و ساد الجنون و انتهى العقل .
من كتاب / حوار مع صديقي الملحد
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝
❞ إنّ من الناس من يختارهم الله؛ فيكونون قمح هذه الإنسانيّة: ينبتون ويحصدون، يعجنون ويخبزون، ليكونوا غذاء الإنسانيّة في بعض فضائلها . ❝