❞ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)
قوله تعالى : ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين
قوله تعالى : ودخل معه السجن فتيان " فتيان " تثنية فتى ; وهو من ذوات الياء ، وقولهم : الفتو شاذ . قال وهب وغيره : حمل يوسف إلى السجن مقيدا على حمار ، وطيف به " هذا جزاء من يعصي سيدته " وهو يقول : هذا أيسر من مقطعات النيران ، وسرابيل القطران ، وشراب الحميم ، وأكل الزقوم . فلما انتهى يوسف إلى السجن وجد فيه قوما قد انقطع رجاؤهم ، واشتد بلاؤهم ; فجعل يقول لهم : اصبروا وأبشروا تؤجروا ; فقالوا له : يا فتى ! ما أحسن حديثك ! لقد بورك لنا في جوارك ، من أنت يا فتى ؟ قال : أنا يوسف ابن صفي الله يعقوب ، ابن ذبيح الله إسحاق ، ابن خليل الله إبراهيم . وقال ابن عباس : لما قالت المرأة لزوجها إن هذا العبد العبراني قد فضحني ، وأنا أريد أن تسجنه ، فسجنه في السجن ; فكان يعزي فيه الحزين ، ويعود فيه المريض ، ويداوي فيه الجريح ، ويصلي الليل كله ، ويبكي حتى تبكي معه جدر البيوت وسقفها والأبواب ، وطهر به السجن ، واستأنس به أهل السجن ; فكان إذا خرج الرجل من السجن رجع حتى يجلس في السجن مع يوسف ، وأحبه صاحب السجن فوسع عليه فيه ; ثم قال له : يا يوسف ! لقد أحببتك حبا لم أحب شيئا حبك ; فقال : أعوذ بالله من حبك ، قال : ولم ذلك ؟ فقال : أحبني أبي ففعل بي إخوتي ما فعلوه ، وأحبتني سيدتي فنزل بي ما ترى ، فكان في حبسه حتى غضب الملك على خبازه وصاحب شرابه ، وذلك أن الملك عمر فيهم فملوه ، فدسوا إلى خبازه وصاحب شرابه أن يسماه جميعا ، فأجاب الخباز وأبى صاحب الشراب ، فانطلق صاحب الشراب فأخبر الملك بذلك ، فأمر الملك بحبسهما ، فاستأنسا بيوسف ، فذلك قوله : ودخل معه السجن فتيان وقد قيل : إن الخباز وضع السم في الطعام ، فلما حضر الطعام قال الساقي : أيها الملك ! لا تأكل فإن الطعام مسموم . وقال الخباز : أيها الملك لا تشرب ! فإن الشراب مسموم ; فقال الملك للساقي : اشرب ! فشرب فلم يضره ، وقال للخباز : كل ; فأبى ، فجرب الطعام على حيوان فنفق مكانه ، فحبسهما سنة ، وبقيا في السجن تلك المدة مع يوسف . واسم الساقي منجا ، والآخر مجلث ; ذكره الثعلبي عن كعب . وقال النقاش : اسم أحدهما شرهم ، والآخر سرهم ; الأول ، بالشين المعجمة . والآخر بالسين المهملة . وقال الطبري : الذي رأى أنه يعصر خمرا هو نبو ، قال السهيلي : وذكر اسم الآخر ولم أقيده . وقال فتيان لأنهما كانا عبدين ، والعبد يسمى فتى ، صغيرا كان أو كبيرا ; ذكره الماوردي . وقال القشيري : ولعل الفتى كان اسما للعبد في عرفهم ; ولهذا قال : تراود فتاها عن نفسه . ويحتمل أن يكون الفتى اسما للخادم وإن لم يكن مملوكا . ويمكن أن يكون حبسهما مع حبس يوسف أو بعده أو قبله ، غير أنهما دخلا معه البيت الذي كان فيه .
قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا أي عنبا ; كان يوسف قال لأهل السجن : إني أعبر الأحلام ; فقال أحد الفتيين لصاحبه : تعال حتى نجرب هذا العبد العبراني ; فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئا ; قاله ابن مسعود . وحكى الطبري أنهما سألاه عن علمه فقال : إني أعبر الرؤيا ; فسألاه عن رؤياهما . قال ابن عباس ومجاهد : كانت رؤيا صدق رأياها وسألاه عنها ; ولذلك صدق تأويلها . وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا . وقيل : إنها كانت رؤيا كذب سألاه عنها تجريبا ; وهذا قول ابن مسعود والسدي . وقيل : إن المصلوب منهما كان كاذبا ، والآخر صادقا ; قاله أبو مجلز . وروى الترمذي عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : قال : من تحلم كاذبا كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين ولن يعقد بينهما . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح وعن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من كذب في حلمه كلف يوم القيامة عقد شعيرة . قال : حديث حسن . قال ابن عباس : لما رأيا رؤياهما أصبحا مكروبين ; فقال لهما يوسف : ما لي أراكما مكروبين ؟ قالا : يا سيدنا ! إنا رأينا ما كرهنا ; قال : فقصا علي ، فقصا عليه ; قالا : نبئنا بتأويل ما رأينا ; وهذا يدل على أنها كانت رؤيا منام إنا نراك من المحسنين فإحسانه ، أنه كان يعود المرضى ويداويهم ، ويعزي الحزانى ; قال الضحاك : كان إذا مرض الرجل من أهل السجن قام به ، وإذا ضاق وسع له ، وإذا احتاج جمع له ، وسأل له . وقيل : من المحسنين أي العالمين الذين أحسنوا العلم ، قاله الفراء . وقال ابن إسحاق : من المحسنين لنا إن فسرته ، كما يقول : افعل كذا وأنت محسن .
. قال : فما رأيتما ؟ قال الخباز : رأيت كأني اختبزت في ثلاثة تنانير ، وجعلته في ثلاث سلال ، فوضعته على رأسي فجاء الطير فأكل منه . وقال الآخر : رأيت كأني أخذت ثلاثة عناقيد من عنب أبيض ، فعصرتهن في ثلاث أوان ، ثم صفيته فسقيت الملك كعادتي فيما مضى ، فذلك قوله : إني أراني أعصر خمرا أي عنبا ، بلغة عمان ، قاله الضحاك . وقرأ ابن مسعود : " إني أراني أعصر عنبا " . وقال الأصمعي : أخبرني المعتمر بن سليمان أنه لقي أعرابيا ومعه عنب فقال له : ما معك ؟ قال : خمر . وقيل : معنى . أعصر خمرا أي عنب خمر ، فحذف المضاف . ويقال : خمرة وخمر وخمور ، مثل تمرة وتمر وتمور .. ❝ ⏤محمد رشيد رضا
❞ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)
قوله تعالى : ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين
قوله تعالى : ودخل معه السجن فتيان ˝ فتيان ˝ تثنية فتى ; وهو من ذوات الياء ، وقولهم : الفتو شاذ . قال وهب وغيره : حمل يوسف إلى السجن مقيدا على حمار ، وطيف به ˝ هذا جزاء من يعصي سيدته ˝ وهو يقول : هذا أيسر من مقطعات النيران ، وسرابيل القطران ، وشراب الحميم ، وأكل الزقوم . فلما انتهى يوسف إلى السجن وجد فيه قوما قد انقطع رجاؤهم ، واشتد بلاؤهم ; فجعل يقول لهم : اصبروا وأبشروا تؤجروا ; فقالوا له : يا فتى ! ما أحسن حديثك ! لقد بورك لنا في جوارك ، من أنت يا فتى ؟ قال : أنا يوسف ابن صفي الله يعقوب ، ابن ذبيح الله إسحاق ، ابن خليل الله إبراهيم . وقال ابن عباس : لما قالت المرأة لزوجها إن هذا العبد العبراني قد فضحني ، وأنا أريد أن تسجنه ، فسجنه في السجن ; فكان يعزي فيه الحزين ، ويعود فيه المريض ، ويداوي فيه الجريح ، ويصلي الليل كله ، ويبكي حتى تبكي معه جدر البيوت وسقفها والأبواب ، وطهر به السجن ، واستأنس به أهل السجن ; فكان إذا خرج الرجل من السجن رجع حتى يجلس في السجن مع يوسف ، وأحبه صاحب السجن فوسع عليه فيه ; ثم قال له : يا يوسف ! لقد أحببتك حبا لم أحب شيئا حبك ; فقال : أعوذ بالله من حبك ، قال : ولم ذلك ؟ فقال : أحبني أبي ففعل بي إخوتي ما فعلوه ، وأحبتني سيدتي فنزل بي ما ترى ، فكان في حبسه حتى غضب الملك على خبازه وصاحب شرابه ، وذلك أن الملك عمر فيهم فملوه ، فدسوا إلى خبازه وصاحب شرابه أن يسماه جميعا ، فأجاب الخباز وأبى صاحب الشراب ، فانطلق صاحب الشراب فأخبر الملك بذلك ، فأمر الملك بحبسهما ، فاستأنسا بيوسف ، فذلك قوله : ودخل معه السجن فتيان وقد قيل : إن الخباز وضع السم في الطعام ، فلما حضر الطعام قال الساقي : أيها الملك ! لا تأكل فإن الطعام مسموم . وقال الخباز : أيها الملك لا تشرب ! فإن الشراب مسموم ; فقال الملك للساقي : اشرب ! فشرب فلم يضره ، وقال للخباز : كل ; فأبى ، فجرب الطعام على حيوان فنفق مكانه ، فحبسهما سنة ، وبقيا في السجن تلك المدة مع يوسف . واسم الساقي منجا ، والآخر مجلث ; ذكره الثعلبي عن كعب . وقال النقاش : اسم أحدهما شرهم ، والآخر سرهم ; الأول ، بالشين المعجمة . والآخر بالسين المهملة . وقال الطبري : الذي رأى أنه يعصر خمرا هو نبو ، قال السهيلي : وذكر اسم الآخر ولم أقيده . وقال فتيان لأنهما كانا عبدين ، والعبد يسمى فتى ، صغيرا كان أو كبيرا ; ذكره الماوردي . وقال القشيري : ولعل الفتى كان اسما للعبد في عرفهم ; ولهذا قال : تراود فتاها عن نفسه . ويحتمل أن يكون الفتى اسما للخادم وإن لم يكن مملوكا . ويمكن أن يكون حبسهما مع حبس يوسف أو بعده أو قبله ، غير أنهما دخلا معه البيت الذي كان فيه .
قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا أي عنبا ; كان يوسف قال لأهل السجن : إني أعبر الأحلام ; فقال أحد الفتيين لصاحبه : تعال حتى نجرب هذا العبد العبراني ; فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئا ; قاله ابن مسعود . وحكى الطبري أنهما سألاه عن علمه فقال : إني أعبر الرؤيا ; فسألاه عن رؤياهما . قال ابن عباس ومجاهد : كانت رؤيا صدق رأياها وسألاه عنها ; ولذلك صدق تأويلها . وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا . وقيل : إنها كانت رؤيا كذب سألاه عنها تجريبا ; وهذا قول ابن مسعود والسدي . وقيل : إن المصلوب منهما كان كاذبا ، والآخر صادقا ; قاله أبو مجلز . وروى الترمذي عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : قال : من تحلم كاذبا كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين ولن يعقد بينهما . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح وعن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من كذب في حلمه كلف يوم القيامة عقد شعيرة . قال : حديث حسن . قال ابن عباس : لما رأيا رؤياهما أصبحا مكروبين ; فقال لهما يوسف : ما لي أراكما مكروبين ؟ قالا : يا سيدنا ! إنا رأينا ما كرهنا ; قال : فقصا علي ، فقصا عليه ; قالا : نبئنا بتأويل ما رأينا ; وهذا يدل على أنها كانت رؤيا منام إنا نراك من المحسنين فإحسانه ، أنه كان يعود المرضى ويداويهم ، ويعزي الحزانى ; قال الضحاك : كان إذا مرض الرجل من أهل السجن قام به ، وإذا ضاق وسع له ، وإذا احتاج جمع له ، وسأل له . وقيل : من المحسنين أي العالمين الذين أحسنوا العلم ، قاله الفراء . وقال ابن إسحاق : من المحسنين لنا إن فسرته ، كما يقول : افعل كذا وأنت محسن .
. قال : فما رأيتما ؟ قال الخباز : رأيت كأني اختبزت في ثلاثة تنانير ، وجعلته في ثلاث سلال ، فوضعته على رأسي فجاء الطير فأكل منه . وقال الآخر : رأيت كأني أخذت ثلاثة عناقيد من عنب أبيض ، فعصرتهن في ثلاث أوان ، ثم صفيته فسقيت الملك كعادتي فيما مضى ، فذلك قوله : إني أراني أعصر خمرا أي عنبا ، بلغة عمان ، قاله الضحاك . وقرأ ابن مسعود : ˝ إني أراني أعصر عنبا ˝ . وقال الأصمعي : أخبرني المعتمر بن سليمان أنه لقي أعرابيا ومعه عنب فقال له : ما معك ؟ قال : خمر . وقيل : معنى . أعصر خمرا أي عنب خمر ، فحذف المضاف . ويقال : خمرة وخمر وخمور ، مثل تمرة وتمر وتمور. ❝
❞ مبررات إنسانية
إجتمع إخوة سيدنا يوسف عليه السلام حين تآمروا على قتل أخيهم الغلام، ودون الدخول في التفسير الدينى كانت آلية التبرير الإنساني حاضرة بتلك القصة، فلابد عليهم من البحث عن مبرر يجمل قبح جريمتهم فى أنفسهم، ويكون عونا لهم حتى لا يترددوا بتنفيذها، حين إعتقدوا أنهم بقتله سيتقربون أكثر من أبيهم ويكونوا من بعده فى مأمن ورضا، فأوجدوا المبرر فى قوله تعالى
(8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)
، وهذا السبب لم يكن كافيا ليحقق لهم الإستقرار النفسى، ويخلصهم من وطأة الذنب، فشرعت الفطرة الإنسانية لآخوة سيدنا يوسف عليه السلام فى البحث عن مبرر آخر إنساني لا أخلاقى يخدعون به أنفسهم ليسكتوا صوت الفطرة الذى يغص مضاجعهم فكان المبرر وجوابهم بعد سنين طويلة قال تعالى
\" إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ \" قولهم هذا ليكون دافع أقوى، فهناك دافع أعمق من مجرد الهروب من العقاب، وهو الهروب من الإنسانية نفسها، فالتبرير هنا \" لوم الظروف \" أو \" لوم الطبيعة البشرية \" مما يعتبر هروب إنساني لا أخلاقى يتعدى كل حدود الآدمية،
إن التبرير إعطاء مبررات للدوافع والسلوكيات فى محاولة التخلص من الأفكار المزعجة أو المشاعر المؤلمة، فالتبرير سلوك وأسلوب دفاعى يستخدمه الإنسان لتقليل الإحساس بالذنب والتوتر الناشئ عن الأخلاق فى الوصول إلى الهدف، وتنشأ تلك الحالة من السلوك نتيجة عدم قدرة الفرد فى مواجهة نفسه أو أمام الآخرين بفشله فى الوصول إلى غايته، فضلا عن أن الموقف الذى لم ينجح فيه الفرد في الوصول إلى توقعاته قد يؤدي به إلى الإحباط، وذلك أمر غير مرغوب فيه من أجل الصحة النفسية للإنسان، حيث بواسطته يقوم الفرد هنا بتحليل معتقداته أو أفعالة بإبداء أسباب غير تلك التي سببتها أو أثارتها، وعن طريق خلق المبررات الإنسانية، وبالتالي يكون قادرا على تقديم التعللات المسببة لإخفاقه ومن ثم يحافظ على دفاعية الأنا، فالتبرير عند الإنسان كغيره من العديد من ميكانزمات التوافق قد يبالغ في إستخدامه ؛
كما أنه أيضا يجب أن نعلم أن التبرير سلوك متعدد الألوان والأشكال، فتوجد مبررات كاذبة بلا إنسانية، وهناك أيضا مبررات تقتصد إلى حد ما الحقيقة، وفي هذه الحالة يكون الفرد غير راضي عما تحصل عليه، ولكنه يظهر ويصر على أن كل شيء على مايرام، فمثلا تعمل في مكان أو شئ غير مريح وأنت غير راضي عنه ولكنك بالفعل تعمل وتصرح أنك تحب عملك، أو قد تشتري شئ لايعجبك ولكنك بالفعل أشتريته .. ❝ ⏤معتز متولي
❞ مبررات إنسانية
إجتمع إخوة سيدنا يوسف عليه السلام حين تآمروا على قتل أخيهم الغلام، ودون الدخول في التفسير الدينى كانت آلية التبرير الإنساني حاضرة بتلك القصة، فلابد عليهم من البحث عن مبرر يجمل قبح جريمتهم فى أنفسهم، ويكون عونا لهم حتى لا يترددوا بتنفيذها، حين إعتقدوا أنهم بقتله سيتقربون أكثر من أبيهم ويكونوا من بعده فى مأمن ورضا، فأوجدوا المبرر فى قوله تعالى
(8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)
، وهذا السبب لم يكن كافيا ليحقق لهم الإستقرار النفسى، ويخلصهم من وطأة الذنب، فشرعت الفطرة الإنسانية لآخوة سيدنا يوسف عليه السلام فى البحث عن مبرر آخر إنساني لا أخلاقى يخدعون به أنفسهم ليسكتوا صوت الفطرة الذى يغص مضاجعهم فكان المبرر وجوابهم بعد سنين طويلة قال تعالى
˝ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ˝ قولهم هذا ليكون دافع أقوى، فهناك دافع أعمق من مجرد الهروب من العقاب، وهو الهروب من الإنسانية نفسها، فالتبرير هنا ˝ لوم الظروف ˝ أو ˝ لوم الطبيعة البشرية ˝ مما يعتبر هروب إنساني لا أخلاقى يتعدى كل حدود الآدمية،
إن التبرير إعطاء مبررات للدوافع والسلوكيات فى محاولة التخلص من الأفكار المزعجة أو المشاعر المؤلمة، فالتبرير سلوك وأسلوب دفاعى يستخدمه الإنسان لتقليل الإحساس بالذنب والتوتر الناشئ عن الأخلاق فى الوصول إلى الهدف، وتنشأ تلك الحالة من السلوك نتيجة عدم قدرة الفرد فى مواجهة نفسه أو أمام الآخرين بفشله فى الوصول إلى غايته، فضلا عن أن الموقف الذى لم ينجح فيه الفرد في الوصول إلى توقعاته قد يؤدي به إلى الإحباط، وذلك أمر غير مرغوب فيه من أجل الصحة النفسية للإنسان، حيث بواسطته يقوم الفرد هنا بتحليل معتقداته أو أفعالة بإبداء أسباب غير تلك التي سببتها أو أثارتها، وعن طريق خلق المبررات الإنسانية، وبالتالي يكون قادرا على تقديم التعللات المسببة لإخفاقه ومن ثم يحافظ على دفاعية الأنا، فالتبرير عند الإنسان كغيره من العديد من ميكانزمات التوافق قد يبالغ في إستخدامه ؛
كما أنه أيضا يجب أن نعلم أن التبرير سلوك متعدد الألوان والأشكال، فتوجد مبررات كاذبة بلا إنسانية، وهناك أيضا مبررات تقتصد إلى حد ما الحقيقة، وفي هذه الحالة يكون الفرد غير راضي عما تحصل عليه، ولكنه يظهر ويصر على أن كل شيء على مايرام، فمثلا تعمل في مكان أو شئ غير مريح وأنت غير راضي عنه ولكنك بالفعل تعمل وتصرح أنك تحب عملك، أو قد تشتري شئ لايعجبك ولكنك بالفعل أشتريته. ❝
❞ {كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعَن بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } العلق:15-16
إن تعبير ‘’ناصية كاذبة خاطئة’’ في الآية أعلاه مثير للاهتمام. فقد كشفت الأبحاث التي أجريت مؤخراً أن المنطقة الأمام جبهية ( الناصية) ، المسؤولة عن إدارة وظائف معينة في الدماغ تقع في جهة الجبهة من الجمجمة. ولم يكتشف العلماء وظيفة هذه المنطقة إلا في الستين سنة الأخيرة في حين أن القرآن الكريم أشار إليها قبل 1400 عاماً. وإذا نظرنا داخل الجمجمة من جهة الجبهة سوف نجد المنطقة الأمامية من المخ. وفي كتاب بعنوان ‘’أساسيات التشريح والفيزيولوجيا’’ يتضمن آخر الأبحاث حول وظيفة هذه المنطقة جاء ما يأتي: ‘’ إن تحديد الدوافع والتفكر في عواقب الأمور والتخطيط للمضي في أمر ما تحدث في فصوص القسم الأمامي من الجبهة، أي المنطقة الأمام جبهية، وهي منطقة الأفكار والخواطر في القشرة الدماغية ‘’.14 ويقول الكتاب أيضا أنه فيما يتعلق بكون هذه الجهة مسؤولة عن الدوافع البشرية فإنه يظن أنها هي المركز الوظيفي للعنف..15 إذن هذه المنطقة من المخ مسؤولة عن التخطيط، وعن الدوافع والمضي بالأعمال الصالحة أو الخاطئة ومسؤولة عن قول الصدق أو الكذب. ومن الواضح أن عبارة ‘’ناصية كاذبة خاطئة’’ تتوافق مع الشروح المقدمة أعلاه. هذه الحقيقة التي لم يستطع العلماء اكتشافها إلا قبل ستين عاماً قد ذكرت في القرآن الكريم منذ سنوات بعيدة. ❝ ⏤هارون يحي
إن تعبير ‘’ناصية كاذبة خاطئة’’ في الآية أعلاه مثير للاهتمام. فقد كشفت الأبحاث التي أجريت مؤخراً أن المنطقة الأمام جبهية ( الناصية) ، المسؤولة عن إدارة وظائف معينة في الدماغ تقع في جهة الجبهة من الجمجمة. ولم يكتشف العلماء وظيفة هذه المنطقة إلا في الستين سنة الأخيرة في حين أن القرآن الكريم أشار إليها قبل 1400 عاماً. وإذا نظرنا داخل الجمجمة من جهة الجبهة سوف نجد المنطقة الأمامية من المخ. وفي كتاب بعنوان ‘’أساسيات التشريح والفيزيولوجيا’’ يتضمن آخر الأبحاث حول وظيفة هذه المنطقة جاء ما يأتي: ‘’ إن تحديد الدوافع والتفكر في عواقب الأمور والتخطيط للمضي في أمر ما تحدث في فصوص القسم الأمامي من الجبهة، أي المنطقة الأمام جبهية، وهي منطقة الأفكار والخواطر في القشرة الدماغية ‘’.14 ويقول الكتاب أيضا أنه فيما يتعلق بكون هذه الجهة مسؤولة عن الدوافع البشرية فإنه يظن أنها هي المركز الوظيفي للعنف.15 إذن هذه المنطقة من المخ مسؤولة عن التخطيط، وعن الدوافع والمضي بالأعمال الصالحة أو الخاطئة ومسؤولة عن قول الصدق أو الكذب. ومن الواضح أن عبارة ‘’ناصية كاذبة خاطئة’’ تتوافق مع الشروح المقدمة أعلاه. هذه الحقيقة التي لم يستطع العلماء اكتشافها إلا قبل ستين عاماً قد ذكرت في القرآن الكريم منذ سنوات بعيدة. ❝