❞ العجل والبقرة
لقد بدأ أول ارتباط رسمي للولايات المتحدة بالقضية الفلسطينية سنة 1917 حين زارها اللود بلفور و التقى برئيسها ولسون وودرو، ومستشاره لويس براندايس الذي كان يهوديا صهيونيا، وقد أكد حينها لضيفه أن الرئيس ينظر بعين الموافقة لأن تكون فلسطين تحت الحماية البريطانية، وأنه يؤيد الأفكار الصهيونية.
حضرت أمريكا مؤتمر الصلح في باريس شهر يناير 1919 ممثلة برئيسها، و من بين ما تمخض عنه المؤتمر، إضافة إلى تأسيس عصبة الأمم، تشكيل لجنة أمريكية عرفت بإسم لجنة كنغ1 ـ كراين2 التي زارت فلسطين و سوريا و لبنان و اسطمبول ثم سافرت إلى أوربا وعادت بتقرير مفصل إلى الرئيس الأمريكي شككت من خلاله في جدوى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، لكنها أكدت فيه على ضرورة فرض الإنتداب البريطاني.
قوبل الإنتداب البريطاني برفض عربي عنيف، و من الجهة المقابلة أنشأ الصهاينة سنة 1929 الوكالة اليهودية في فلسطين و التي لم تكترث بسياسة التريث البريطاني التي تدفعها الخشية من تأثير الدعم الصريح للصهيونية على علاقات المملكة المتحدة مع حكام الدول العربية الناشئة، وعلى استمرارية وجودها في مصر و تحديدا في قناة السويس.
تواصل الجموح الصهيوني و المقاومة العربية، فاندلعت الثورة أوائل عام خمسة وثلاثين بقيادة الشيخ عز الدين القسام الذي اتخذ لها شعارا \" و إنه لجهاد، نصر أو استشهاد \" و استطاع أمين الحسيني أن يؤسس في السادس من أفريل سنة ستة وثلاثين اللجنة العربية العليا التي ضمت جميع الأحزاب الفلسطينية، و دعت إلى إضراب شامل حتى تحقيق مطالبها: وقف الهجرة اليهودية، منع انتقال الأراضي إلى اليهود و تشكيل حكومة وطنية، فأرسلت بريطانيا لجنة لتقصي الحقائق و تهدئة الأوضاع.
وجّه عاهل السعودية الملك عبد العزيز آل سعود، نيابة عن الحكام العرب، برقية إلى اللجنة العربية العليا في أكتوبر 1936 تدعوهم إلى \"الإخلاد للسكينة حقنا للدماء، اعتمادا على حسن نوايا الصديقة بريطانيا ورغبتها المعلنة في تحقيق العدل\" استجابت القيادة الفلسطينية، وتوقف الإضراب تزامنا مع قدوم اللجنة الملكية التي باشرت عملها في القدس.
استمعت لجنة بيل إلى إفادات الشهود في جلسات عامة وخاصة، اقترحت بعدها تقسيم فلسطين إلى إقليم تحت الانتداب البريطاني يضم القدس وبيت لحم، ودولة يهودية في الجليل، والجزء الأكبر من السواحل الغربية، على أن يتحد باقي فلسطين مع شرق الأردن ويكونان دولة عربية. لكن اللجنة العربية العليا عقدت مؤتمرا في سوريا سنة سبعة وثلاثين حضره أربعمئة مندوب قرروا أن فلسطين مكوّن من الوطن العربي لا يمكن التنازل عن أي جزء منها، وقال المؤتمر إن على بريطانيا أن تختار بين صداقة العرب وصداقة اليهود، ولاح في الأفق أن المشكلة لن تحل بالطرق السياسية التي لم تكن أبدا في صالح العرب، و أن صراعا محتوما سيحدد مصير الأرض المقدسة على الرغم من التباين في حجم الإمكانات و مصادر الدعم.
أصدرت بريطانيا قرارا بحلّ اللجنة العربية العليا وبدأت ملاحقة رئيسها وأعضائها، ففرّ الحسيني إلى لبنان، ثم سلك طريقا خطرا إلى ألمانيا حيث التقى بالفوهرر يبحث عنده عن دعم لم يجده أبدا. شكّل مجلس الوزراء البريطاني مطلع سنة ثمانية وثلاثين لجنة جديدة برئاسة جون وودهيد لمراجعة خطة التقسيم التي اقترحت إعطاء الدولة اليهودية جميع منطقة الجليل والسهل الساحلي الغربي باستثناء منطقة يافا التي ستبقى مع القدس وبيت لحم والناصرة تحت الانتداب البريطاني، وحددت مساحة هاتين المنطقتين بدقة، بينما تركت الباقي المخصص للعرب دون تحديد واعترفت اللجنة أيضا بأن توصياتها لا تكفي لمواجهة أسباب الثورة، فدعت إلى عدم التردد في فرض الحكم العسكري وانتهاج العنف سبيلا في حال تجدّدها.
عاد العرب إلى ثورتهم و ردّ الإنجليز بالعنف الشديد، و استغل اليهود الوضع فهاجموا القرويين العزّل و يعملون فيهم قتلا وتنكيلا حتى اضطرّت بريطانيا لتصدر كتـابا أبيضا آخرا سنة تسعة وثلاثين. ورأت هذه المرة أن اتساع الدولة اليهودية دون ضوابط سيعني \"الحكم بالقوة\" ولذلك فإنها قررت ألا تسمح بقبول المزيد من المهاجرين إلا إذا قبل العرب بذلك، و حدّدت حجم الهجرة بخمسة و سبعين ألف مهاجــر خلال خمسة سـنوات، ما يجعل عـدد اليهود يبلغ ثلث الســكان. وبعد نهاية السـنوات الخمس، لن يُسمَح بالمزيد من الهجرة في حال أصرّ العرب على الرفض. ردت الحركة الصهيونية بعقد مؤتمر بفندق بالتيمور في نيويورك قررت فيه توجيه التعامل مع بريطانيا إلى الولايات المتحدة!
وصل حزب العمال إلى سدة الحكم سنة خمسة وأربعين، و شكّل مجلس الوزراء لجنة جديدة لبحث سياسة الحكومة في فلسطين، فأصدرت تقريرا أرسلت نسخة منه إلى الرئيس الأمريكي هاري ترومان الذي كان واقعا تحت تأثير صديقه المقرب و شريكه الصهيوني إيلي جاكسون الذي مول حملته الانتخابية بمليوني دولار من أمال المنظمة الصهيونية، فتجاهل ما جاء فيه و طالب الحكومة البريطانية بفتح أبواب فلسطين أمام مائة ألف مهاجر. و بقطع النظر عن أموال الحملة، كان الجنرال باتريك هيرلي وزير الحرب السابق قد كتب تقريرا للبيت الأبيض سنة ثلاثة وأربعين بعد لقائه مع ديفيد بن غوريون في فسطين جاء فيه:\" إن المنظمة الصهيونية قد التزمت ببرنامج موسّع طويل الامد يتضمّن إقامة دولة يهودية مستقله تضم فلسطين وربما شرق الاردن بعد ذلك، ثم نقل العرب من فلسطين الى العراق في نهاية الامر، إضافة إلى قيادة يهودية لكل الشرق الاوسط في مجالي الاقتصاد وضبط الامن\"
طلبت الحكومة البريطانية لجنة مشتركة تشكلت من ستة أعضاء إنجليز و ستة أمريكيين. دعمت اللجنة مطلب الرئيس بهجرة مائة ألف يهودي و أوصت بالدفع نحو إقامة دولة فيدرالية تحت وصاية الأمم المتحدة، فأصدر ترومان خطابا كتبه له مستشاره اليهودي الصهيوني ديفيد نايلز رحّب فيه بتوصية اللجنة بزيادة الهجرة و تجاهل ما سواها من توصيات ثم أصدر بيانا في الرابع من أكتوبر ستة وأربعين قال فيه: \"إن الرأي العام الأمريكي يؤيد إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين\" وأبدى استعداد بلاده للمساعدة، ما شجّع العصابات الصهيونية، التي أنشأتها بريطانيا، على مزيد من التطرف فلم تعد تتورع في ضرب مصالحها و قتل جنودها حتى رمت المنشفة سنة سبعة وأربعين.. ❝ ⏤معمري محمد عصام
❞ العجل والبقرة
لقد بدأ أول ارتباط رسمي للولايات المتحدة بالقضية الفلسطينية سنة 1917 حين زارها اللود بلفور و التقى برئيسها ولسون وودرو، ومستشاره لويس براندايس الذي كان يهوديا صهيونيا، وقد أكد حينها لضيفه أن الرئيس ينظر بعين الموافقة لأن تكون فلسطين تحت الحماية البريطانية، وأنه يؤيد الأفكار الصهيونية.
حضرت أمريكا مؤتمر الصلح في باريس شهر يناير 1919 ممثلة برئيسها، و من بين ما تمخض عنه المؤتمر، إضافة إلى تأسيس عصبة الأمم، تشكيل لجنة أمريكية عرفت بإسم لجنة كنغ1 ـ كراين2 التي زارت فلسطين و سوريا و لبنان و اسطمبول ثم سافرت إلى أوربا وعادت بتقرير مفصل إلى الرئيس الأمريكي شككت من خلاله في جدوى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، لكنها أكدت فيه على ضرورة فرض الإنتداب البريطاني.
قوبل الإنتداب البريطاني برفض عربي عنيف، و من الجهة المقابلة أنشأ الصهاينة سنة 1929 الوكالة اليهودية في فلسطين و التي لم تكترث بسياسة التريث البريطاني التي تدفعها الخشية من تأثير الدعم الصريح للصهيونية على علاقات المملكة المتحدة مع حكام الدول العربية الناشئة، وعلى استمرارية وجودها في مصر و تحديدا في قناة السويس.
تواصل الجموح الصهيوني و المقاومة العربية، فاندلعت الثورة أوائل عام خمسة وثلاثين بقيادة الشيخ عز الدين القسام الذي اتخذ لها شعارا ˝ و إنه لجهاد، نصر أو استشهاد ˝ و استطاع أمين الحسيني أن يؤسس في السادس من أفريل سنة ستة وثلاثين اللجنة العربية العليا التي ضمت جميع الأحزاب الفلسطينية، و دعت إلى إضراب شامل حتى تحقيق مطالبها: وقف الهجرة اليهودية، منع انتقال الأراضي إلى اليهود و تشكيل حكومة وطنية، فأرسلت بريطانيا لجنة لتقصي الحقائق و تهدئة الأوضاع.
وجّه عاهل السعودية الملك عبد العزيز آل سعود، نيابة عن الحكام العرب، برقية إلى اللجنة العربية العليا في أكتوبر 1936 تدعوهم إلى ˝الإخلاد للسكينة حقنا للدماء، اعتمادا على حسن نوايا الصديقة بريطانيا ورغبتها المعلنة في تحقيق العدل˝ استجابت القيادة الفلسطينية، وتوقف الإضراب تزامنا مع قدوم اللجنة الملكية التي باشرت عملها في القدس.
استمعت لجنة بيل إلى إفادات الشهود في جلسات عامة وخاصة، اقترحت بعدها تقسيم فلسطين إلى إقليم تحت الانتداب البريطاني يضم القدس وبيت لحم، ودولة يهودية في الجليل، والجزء الأكبر من السواحل الغربية، على أن يتحد باقي فلسطين مع شرق الأردن ويكونان دولة عربية. لكن اللجنة العربية العليا عقدت مؤتمرا في سوريا سنة سبعة وثلاثين حضره أربعمئة مندوب قرروا أن فلسطين مكوّن من الوطن العربي لا يمكن التنازل عن أي جزء منها، وقال المؤتمر إن على بريطانيا أن تختار بين صداقة العرب وصداقة اليهود، ولاح في الأفق أن المشكلة لن تحل بالطرق السياسية التي لم تكن أبدا في صالح العرب، و أن صراعا محتوما سيحدد مصير الأرض المقدسة على الرغم من التباين في حجم الإمكانات و مصادر الدعم.
أصدرت بريطانيا قرارا بحلّ اللجنة العربية العليا وبدأت ملاحقة رئيسها وأعضائها، ففرّ الحسيني إلى لبنان، ثم سلك طريقا خطرا إلى ألمانيا حيث التقى بالفوهرر يبحث عنده عن دعم لم يجده أبدا. شكّل مجلس الوزراء البريطاني مطلع سنة ثمانية وثلاثين لجنة جديدة برئاسة جون وودهيد لمراجعة خطة التقسيم التي اقترحت إعطاء الدولة اليهودية جميع منطقة الجليل والسهل الساحلي الغربي باستثناء منطقة يافا التي ستبقى مع القدس وبيت لحم والناصرة تحت الانتداب البريطاني، وحددت مساحة هاتين المنطقتين بدقة، بينما تركت الباقي المخصص للعرب دون تحديد واعترفت اللجنة أيضا بأن توصياتها لا تكفي لمواجهة أسباب الثورة، فدعت إلى عدم التردد في فرض الحكم العسكري وانتهاج العنف سبيلا في حال تجدّدها.
عاد العرب إلى ثورتهم و ردّ الإنجليز بالعنف الشديد، و استغل اليهود الوضع فهاجموا القرويين العزّل و يعملون فيهم قتلا وتنكيلا حتى اضطرّت بريطانيا لتصدر كتـابا أبيضا آخرا سنة تسعة وثلاثين. ورأت هذه المرة أن اتساع الدولة اليهودية دون ضوابط سيعني ˝الحكم بالقوة˝ ولذلك فإنها قررت ألا تسمح بقبول المزيد من المهاجرين إلا إذا قبل العرب بذلك، و حدّدت حجم الهجرة بخمسة و سبعين ألف مهاجــر خلال خمسة سـنوات، ما يجعل عـدد اليهود يبلغ ثلث الســكان. وبعد نهاية السـنوات الخمس، لن يُسمَح بالمزيد من الهجرة في حال أصرّ العرب على الرفض. ردت الحركة الصهيونية بعقد مؤتمر بفندق بالتيمور في نيويورك قررت فيه توجيه التعامل مع بريطانيا إلى الولايات المتحدة!
وصل حزب العمال إلى سدة الحكم سنة خمسة وأربعين، و شكّل مجلس الوزراء لجنة جديدة لبحث سياسة الحكومة في فلسطين، فأصدرت تقريرا أرسلت نسخة منه إلى الرئيس الأمريكي هاري ترومان الذي كان واقعا تحت تأثير صديقه المقرب و شريكه الصهيوني إيلي جاكسون الذي مول حملته الانتخابية بمليوني دولار من أمال المنظمة الصهيونية، فتجاهل ما جاء فيه و طالب الحكومة البريطانية بفتح أبواب فلسطين أمام مائة ألف مهاجر. و بقطع النظر عن أموال الحملة، كان الجنرال باتريك هيرلي وزير الحرب السابق قد كتب تقريرا للبيت الأبيض سنة ثلاثة وأربعين بعد لقائه مع ديفيد بن غوريون في فسطين جاء فيه:˝ إن المنظمة الصهيونية قد التزمت ببرنامج موسّع طويل الامد يتضمّن إقامة دولة يهودية مستقله تضم فلسطين وربما شرق الاردن بعد ذلك، ثم نقل العرب من فلسطين الى العراق في نهاية الامر، إضافة إلى قيادة يهودية لكل الشرق الاوسط في مجالي الاقتصاد وضبط الامن˝
طلبت الحكومة البريطانية لجنة مشتركة تشكلت من ستة أعضاء إنجليز و ستة أمريكيين. دعمت اللجنة مطلب الرئيس بهجرة مائة ألف يهودي و أوصت بالدفع نحو إقامة دولة فيدرالية تحت وصاية الأمم المتحدة، فأصدر ترومان خطابا كتبه له مستشاره اليهودي الصهيوني ديفيد نايلز رحّب فيه بتوصية اللجنة بزيادة الهجرة و تجاهل ما سواها من توصيات ثم أصدر بيانا في الرابع من أكتوبر ستة وأربعين قال فيه: ˝إن الرأي العام الأمريكي يؤيد إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين˝ وأبدى استعداد بلاده للمساعدة، ما شجّع العصابات الصهيونية، التي أنشأتها بريطانيا، على مزيد من التطرف فلم تعد تتورع في ضرب مصالحها و قتل جنودها حتى رمت المنشفة سنة سبعة وأربعين. ❝