❞ أتعبني.. أوجعني.. حطمني منها الرحيل.. برحلتي
وعُدتُ سريعاً.. أسابقُ كل إنهمارٍ لذاك المطر..
أُسابق قلبي الحزين المُتيم.. وذاك الوريدُ الذي قد تقطع.. تخضب نزفاً.. وبات العذابُ رفيقاً يراقبُ نور القمر
رحلتُ هناك إلى حرفها.. إلى حِلمها.. إلى قلبها الذي بي قد خفق.. بجوفي تفتت.. صار أميراً وبي قد أمر
غريبٌ أنا.. وهاجرتُ طوعاً من غُربتي.. نويتُ السفر
وتاهت حروفي كما قد تتوه.. بعض الرعود من غيمتي
وخطَت طريقاً لذاك العبور.. وقالت وداعاً.. سأرحلُ عنك.. وأحملُ دفتر.. وبعض المداد.. وبعض البُكل
غريبٌ أنا.. بلا أي غاية.. ودون وصاية.. ودون دليلٍ لنجمٍ يقودُ.. حروفي الغريقة.. لنظم القوافي.. بدمع المُقل
.......
تعالي لنُعلن عهداً ووعداً.. نضلُ سوية.. وكفي بكفك.. تعالي نُقرُ بكل العقائد.. ووحي السماء.. سنبقىٰ سوياً.. طول الأجل
تعالي لنرحل.. هنا كالنوارس.. بشاطئ قلبي
هناك أنا.. أتوه ببعضي وبعض الغروب الذي بين صدري وبين ضلوعي التي فيكِ تخفق.. وفيكِ تتوه.. وفيكِ تناجي إختلاف الأماني فيكِ إكتمل
توعدتُ موتك.. هي أخبرتني
وقالت ونادت.. سأغدو سِهاماً تقاوم كل الجيوش التي فينا تغرق.. فموتك عندي إحتضاناً لحضنك.. لأمكث فيك.. وأهطلُ فيك.. وأرمي كثيراً عليك القُبل
كما في الحروب التي كنا نقرأ..
تعال.. نحقق كل رؤانا التي نستريح بجمع المشاعر التي فيها كنا.. التي فيها تُهنا.. وعاقرنا يوماً لذيذ الغرام بنا قد نزل..
رفيقة عُمري.. وعُمري الجميل الذي منكِ جاء.. وفيكِ إبتدأ..
تعالي نُسامر عيني وعينك.. وشوقاً.. ولهفاً.. يعادل حب حياء العذارىٰ.. وكل جنونٍ لغير العذارىٰ.. مُنذ الأزل
ونُعلنُ أنا تركنا الهموم.. تركنا الغيوم.. تركنا إعتدال الخريف وحيداً.. وبتنا ربيعاً.. شتاءً جميلاً.. لنا قد حصل
تعالي نُكحلُ كل السطور.. وكل القوافي بحبٍ غزانا.. أنيق الجُمل
تعالي لنصرخ في كل نادٍ.. وفي كل وادٍ.. وكل طريقٍ مررنا به.. وفي أي دربٍ نمرُ ونرجوا لنا مُحتمل
تعالي كثيراً.. وعذراً كثيراً.. أنا قد أطلتُ.. حديث الغرام الذي قد غزاني ولي قد وصل
وعذراً لمن مر يوماً.. وباتت حروفي له مثل وردٍ.. أنيق الحُلل..
#خالد_الخطيب. ❝ ⏤خالد الخطيب
❞ أتعبني. أوجعني. حطمني منها الرحيل. برحلتي
وعُدتُ سريعاً. أسابقُ كل إنهمارٍ لذاك المطر.
أُسابق قلبي الحزين المُتيم. وذاك الوريدُ الذي قد تقطع. تخضب نزفاً. وبات العذابُ رفيقاً يراقبُ نور القمر
رحلتُ هناك إلى حرفها. إلى حِلمها. إلى قلبها الذي بي قد خفق. بجوفي تفتت. صار أميراً وبي قد أمر
غريبٌ أنا. وهاجرتُ طوعاً من غُربتي. نويتُ السفر
وتاهت حروفي كما قد تتوه. بعض الرعود من غيمتي
وخطَت طريقاً لذاك العبور. وقالت وداعاً. سأرحلُ عنك. وأحملُ دفتر. وبعض المداد. وبعض البُكل
غريبٌ أنا. بلا أي غاية. ودون وصاية. ودون دليلٍ لنجمٍ يقودُ. حروفي الغريقة. لنظم القوافي. بدمع المُقل
....
تعالي لنُعلن عهداً ووعداً. نضلُ سوية. وكفي بكفك. تعالي نُقرُ بكل العقائد. ووحي السماء. سنبقىٰ سوياً. طول الأجل
تعالي لنرحل. هنا كالنوارس. بشاطئ قلبي
هناك أنا. أتوه ببعضي وبعض الغروب الذي بين صدري وبين ضلوعي التي فيكِ تخفق. وفيكِ تتوه. وفيكِ تناجي إختلاف الأماني فيكِ إكتمل
توعدتُ موتك. هي أخبرتني
وقالت ونادت. سأغدو سِهاماً تقاوم كل الجيوش التي فينا تغرق. فموتك عندي إحتضاناً لحضنك. لأمكث فيك. وأهطلُ فيك. وأرمي كثيراً عليك القُبل
كما في الحروب التي كنا نقرأ.
تعال. نحقق كل رؤانا التي نستريح بجمع المشاعر التي فيها كنا. التي فيها تُهنا. وعاقرنا يوماً لذيذ الغرام بنا قد نزل.
رفيقة عُمري. وعُمري الجميل الذي منكِ جاء. وفيكِ إبتدأ.
تعالي نُسامر عيني وعينك. وشوقاً. ولهفاً. يعادل حب حياء العذارىٰ. وكل جنونٍ لغير العذارىٰ. مُنذ الأزل
ونُعلنُ أنا تركنا الهموم. تركنا الغيوم. تركنا إعتدال الخريف وحيداً. وبتنا ربيعاً. شتاءً جميلاً. لنا قد حصل
تعالي نُكحلُ كل السطور. وكل القوافي بحبٍ غزانا. أنيق الجُمل
تعالي لنصرخ في كل نادٍ. وفي كل وادٍ. وكل طريقٍ مررنا به. وفي أي دربٍ نمرُ ونرجوا لنا مُحتمل
تعالي كثيراً. وعذراً كثيراً. أنا قد أطلتُ. حديث الغرام الذي قد غزاني ولي قد وصل
وعذراً لمن مر يوماً. وباتت حروفي له مثل وردٍ. أنيق الحُلل.
❞ كما عودناكم عزيزي القارئ في \" أحرفنا المنيرة لنشر إلكترونية\" بشخصيات أبدعت في مجالها 🤍
اسمك/ أحلام الزهيري
محافظتك/ إب \"اليمن\"
موهبتك/ الكتابه والرسم والخط
وهنا سوف نقوم بالبدأ في حوارنا الصحفى للتعرف على مبدعنا اليوم .
نتمنى لكم قراءة ممتعة \"💕
س/ نبذه تعريفيه عنك؟
ج/ أحلام ربما لدي نصيب من اسمي فأنا لدي احلام كثييييييرة وطموحات كبييييرة في الواقع انا ادرس في مجال الطب ولكن دراستي لم تمنعني عن مواهبي وحبي للكتابه والفنون فلقد اتخذت القلم رفيقاً لي وابدعت به في الكتابه والرسم والخط
ربما لاني احب العزله وعدم ثقتي بالاخرين هي من جعلتني اكتشف مواهبي هذه فابلكتابه والرسم استطيع ان ابوح بما في داخلي دون حاجتي إلى شخص اتحدث معه
س/ ممكن تقوليلنا بدأت كتابه من امتي؟
ج/ من زمااان من فتره طويييييله وانا اكتب بس ماكنت مهتمه او مركزه ان هذه موهبه وممكن استفيد منها كان كل همي اطلع الي داخلي وافرغ مشاعري وخلاص
ولكن كبرت وواجهت اشياء وقرأت كتب وروايات وهنا عرفت إن هذي موهبه وإني لازم استغلها
س/ مين شجعك ف اول خطوة ليك ف المجال؟
ج/ امي اكثر شخص يشجعني وبيفخر فيني وطبعاً انا كنت لنفسي كل شي المشجع والداعم واشكر نفسي كثييير على الشي هذا
س/ هل لديك اعمال ورقيه؟
ج/ لا وهذي اول تجربه لي
س/ من رايك الكاتب المثالي ايه اكثر شئ يتصف بيه؟
ج/ المشاعر والاحاسيس ودقة الملاحظه على ابسط الاشياء
لانه لما يكون الكاتب مشاعره واحاسيسه فياضه وعنده دقه في الملاحظه يقدر انه يجسد الاشياء ويوصفها بحيث يؤثر على القارئ ويشعره انه داخل هذه الاسطر
س/ أي شخص ف بدايه حياته بيقابل صعوبات على التأقلم ف المجال فما هى وكيف تخطيتها؟
ج/ كنت اواجه صعوبه لما اجي اكتب اكتب اشياء حلوه بس لما اقرأها احس انها مو منتضمه وهنا يضيع جمال الفكره والكلام
تخطيتها بكثرة قرأة الكتب والاطلاع والابيات الشعريه الفصحى ومن هنا قدرت انظم واربط كتاباتي
س/ ما هي الحكمه التي اتخذتها ك مبدأ ف حياتك العمليه والعامه؟
ج/ كن لنفسك كل شي اصنع لحظاتك الجميله لاتنتظرها من احد مااحد بيعظم مواهبك وابداعك غيرك مااحد بيحس بإنجازاتك وفشلك غيرك
س/ مين اكتر الشخصيات اللي قابلتك ف مجال الكتابه واثرت فيك ؟
ج/ ادهم شرقاوي احس بيسلط الضوء لاشياء واقعيه واشياء احنا نحتاج إن احنا نقرأ عنها
وأيضاً الكاتبه الجوهره الرمال كثير اثرة فيني حبيت اسلوبها لانها تكلمة عن حياتها وجسدة مشاعرها بشكل دقيق ومؤثر
س/ كلمنا عن انجازاتك داخل وخارج المجال ؟
ج/ داخل المجال هذا او انجاز لي
خارج المجال الرسم شاركت في مسابقات كثيره وأيضاً الالقاء
س/من وجه نظرك ك كاتب هل الكتابه هواية أم موهبه؟
ج/ لا فرق بينهما ولكن اقول انها موهبه لانها شئ موجود فيك
س/ لكل شخص مثل اعلي ليه فمن هو مثلك الاعلي؟
ج/ لا احد
س/ هل عندك موهبه تانيه؟
ج/ عندي مواهب كثيييييرة لكن الواقع لا يشجع ومن ابرز هذه المواهب الرسم
س/ كلمنا عن أعمالك القادمه؟
ج/ إن شاءلله بيصدر كتاب خاص فيني وأيضاً بشارك بمسابقة في مجال الفن التشكيلي على مستوى المحافظة
س/ لكل شخص حلم يريد تحقيقه فما هو حلمك؟
ج/ كما قلت سابقاً لاسمي نصيب فلدي احلام كثيييييرة لا استطيع حصرها
س/تنصح ب ايه لكل شخص يريد أن يسلك مجال الكتابه؟
ج/ اولاً لا تسمع لاحد ولا تهتم لكلام الناس
ثانياً اكثر من القرأة والاطلاع لانه كثير بتساعدك
ثالثاً لما تجي تكتب اكتب بمكان هادي لوحدك انت ومشاعرك دعها تعصف فيك
وفي الختام نرجو أن نكون قد أسعدنا حضراتكم ونتمني لكم جزيل الشكر والإحترام.
المحررة/إسراء عيد
المؤسسه/إسراء عيد. ❝ ⏤دار نشر أحرفنا المنيرة
❞ كما عودناكم عزيزي القارئ في ˝ أحرفنا المنيرة لنشر إلكترونية˝ بشخصيات أبدعت في مجالها 🤍
وهنا سوف نقوم بالبدأ في حوارنا الصحفى للتعرف على مبدعنا اليوم .
نتمنى لكم قراءة ممتعة ˝💕
س/ نبذه تعريفيه عنك؟
ج/ أحلام ربما لدي نصيب من اسمي فأنا لدي احلام كثييييييرة وطموحات كبييييرة في الواقع انا ادرس في مجال الطب ولكن دراستي لم تمنعني عن مواهبي وحبي للكتابه والفنون فلقد اتخذت القلم رفيقاً لي وابدعت به في الكتابه والرسم والخط
ربما لاني احب العزله وعدم ثقتي بالاخرين هي من جعلتني اكتشف مواهبي هذه فابلكتابه والرسم استطيع ان ابوح بما في داخلي دون حاجتي إلى شخص اتحدث معه
س/ ممكن تقوليلنا بدأت كتابه من امتي؟
ج/ من زمااان من فتره طويييييله وانا اكتب بس ماكنت مهتمه او مركزه ان هذه موهبه وممكن استفيد منها كان كل همي اطلع الي داخلي وافرغ مشاعري وخلاص
ولكن كبرت وواجهت اشياء وقرأت كتب وروايات وهنا عرفت إن هذي موهبه وإني لازم استغلها
س/ مين شجعك ف اول خطوة ليك ف المجال؟
ج/ امي اكثر شخص يشجعني وبيفخر فيني وطبعاً انا كنت لنفسي كل شي المشجع والداعم واشكر نفسي كثييير على الشي هذا
س/ هل لديك اعمال ورقيه؟
ج/ لا وهذي اول تجربه لي
س/ من رايك الكاتب المثالي ايه اكثر شئ يتصف بيه؟
ج/ المشاعر والاحاسيس ودقة الملاحظه على ابسط الاشياء
لانه لما يكون الكاتب مشاعره واحاسيسه فياضه وعنده دقه في الملاحظه يقدر انه يجسد الاشياء ويوصفها بحيث يؤثر على القارئ ويشعره انه داخل هذه الاسطر
س/ أي شخص ف بدايه حياته بيقابل صعوبات على التأقلم ف المجال فما هى وكيف تخطيتها؟
ج/ كنت اواجه صعوبه لما اجي اكتب اكتب اشياء حلوه بس لما اقرأها احس انها مو منتضمه وهنا يضيع جمال الفكره والكلام
تخطيتها بكثرة قرأة الكتب والاطلاع والابيات الشعريه الفصحى ومن هنا قدرت انظم واربط كتاباتي
س/ ما هي الحكمه التي اتخذتها ك مبدأ ف حياتك العمليه والعامه؟
ج/ كن لنفسك كل شي اصنع لحظاتك الجميله لاتنتظرها من احد مااحد بيعظم مواهبك وابداعك غيرك مااحد بيحس بإنجازاتك وفشلك غيرك
س/ مين اكتر الشخصيات اللي قابلتك ف مجال الكتابه واثرت فيك ؟
ج/ ادهم شرقاوي احس بيسلط الضوء لاشياء واقعيه واشياء احنا نحتاج إن احنا نقرأ عنها
وأيضاً الكاتبه الجوهره الرمال كثير اثرة فيني حبيت اسلوبها لانها تكلمة عن حياتها وجسدة مشاعرها بشكل دقيق ومؤثر
س/ كلمنا عن انجازاتك داخل وخارج المجال ؟
ج/ داخل المجال هذا او انجاز لي
خارج المجال الرسم شاركت في مسابقات كثيره وأيضاً الالقاء
س/من وجه نظرك ك كاتب هل الكتابه هواية أم موهبه؟
ج/ لا فرق بينهما ولكن اقول انها موهبه لانها شئ موجود فيك
س/ لكل شخص مثل اعلي ليه فمن هو مثلك الاعلي؟
ج/ لا احد
س/ هل عندك موهبه تانيه؟
ج/ عندي مواهب كثيييييرة لكن الواقع لا يشجع ومن ابرز هذه المواهب الرسم
س/ كلمنا عن أعمالك القادمه؟
ج/ إن شاءلله بيصدر كتاب خاص فيني وأيضاً بشارك بمسابقة في مجال الفن التشكيلي على مستوى المحافظة
س/ لكل شخص حلم يريد تحقيقه فما هو حلمك؟
ج/ كما قلت سابقاً لاسمي نصيب فلدي احلام كثيييييرة لا استطيع حصرها
س/تنصح ب ايه لكل شخص يريد أن يسلك مجال الكتابه؟
ج/ اولاً لا تسمع لاحد ولا تهتم لكلام الناس
ثانياً اكثر من القرأة والاطلاع لانه كثير بتساعدك
ثالثاً لما تجي تكتب اكتب بمكان هادي لوحدك انت ومشاعرك دعها تعصف فيك
وفي الختام نرجو أن نكون قد أسعدنا حضراتكم ونتمني لكم جزيل الشكر والإحترام.
❞ “وتذكرت العلامة ابن النفيس ، وحزنت عليه ، وعلينا. فقد قال لنا هذا الرجل ، وهو أيضا عالم وفقيه شافعي لم يكن في زمانه مثله ، قبل ثمانية قرون من الزمان ، هذه العبارة التي لم نلتفت أبدا إليها. وهي بالمناسبة ، ولكي لا يكذبني أحد ، موجودة في كتابه الذي لم يزل مخطوطا لم ينشر ، وعنوانه (شرح معاني القانون). تقول عبارة ابن النفيس ، التي أرجو أن نقرأها بهدوء:
وربما أوجب استقصاؤنا النظر عدولا عن المشهور والمتعارف ، فمن قرع سمعه خلاف ما عهده ، فلا يبادرنا بالإنكار ، فذلك طيش ، فرب شنع حق ومألوف محمود كاذب ، والحق حق في نفسه ، لا لقول الناس له ، ولنذكر دوما قولهم: إذا تساوت الأذهان والهمم ، فمتأخر كل صنعة خير من متقدمها.”. ❝ ⏤يوسف زيدان
❞ وتذكرت العلامة ابن النفيس ، وحزنت عليه ، وعلينا. فقد قال لنا هذا الرجل ، وهو أيضا عالم وفقيه شافعي لم يكن في زمانه مثله ، قبل ثمانية قرون من الزمان ، هذه العبارة التي لم نلتفت أبدا إليها. وهي بالمناسبة ، ولكي لا يكذبني أحد ، موجودة في كتابه الذي لم يزل مخطوطا لم ينشر ، وعنوانه (شرح معاني القانون). تقول عبارة ابن النفيس ، التي أرجو أن نقرأها بهدوء:
وربما أوجب استقصاؤنا النظر عدولا عن المشهور والمتعارف ، فمن قرع سمعه خلاف ما عهده ، فلا يبادرنا بالإنكار ، فذلك طيش ، فرب شنع حق ومألوف محمود كاذب ، والحق حق في نفسه ، لا لقول الناس له ، ولنذكر دوما قولهم: إذا تساوت الأذهان والهمم ، فمتأخر كل صنعة خير من متقدمها.”. ❝
❞ #إكتشاف قانون لغوي فى القرآن:
إكتشف العلماء قانوناً لغوياً في القرآن الكريم ينطبق على جميع السور بلا استثناء.
عندما قام العلماء بإنجاز أكبر برنامج لإحصاء القرآن الكريم، وجدوا شيئاً غريباً في كل سورة من سور القرآن وعددها 114 سورة.
فكل سورة من سور القرآن تحوي كلمات خاصة بها لم تُذكر في أي سورة أخرى، وهذا القانون ينطبق على 114 سورة بلا استثناء.
فسورة الفاتحة تحوي كلمتين هما: إياك – نستعين، لا نجدهما إلا في سورة الفاتحة فقط، وكأن الله يريد أن يذكّرنا في كل ركعة نقرأ فيها الفاتحة بأن الإستعانة لا تكون إلا بالله عز وجل.
سورة البقرة تحوي 647 كلمة خاصة بهذه السورة لم تذكر في أي سورة أخرى(حسب الرسم الأول للقرآن) مثل: (الطلاق – الخيط – قثائها – فومها – عدسها – بصلها...).
سور آل عمران تحوي 289 كلمة خاصة بها لم تتكرر في أي سورة أخرى مثل (حصوراً – محرراً – نبتهل...) ، وهكذا حتى السور القصيرة في آخر القرآن تحوي نفس القاعدة.
فسورة الإخلاص تحوي 3 كلمات خاصة بها (الصمد – يلد – يولد) وكأن الله تعالى اختص هذه السورة ليؤكد أنه لم يلد ولم يولد، مع العلم أنه كان من الممكن أن تذكر كلمة ˝يلد˝ أو ˝يولد˝ في سور أخرى ذُكر فيها ولادة المسيح عليه السلام وولادة مريم عليها السلام وولادة إسماعيل وإسحاق ويحيى عليهم السلام... ولكن هاتين الكلمتين (يلد – يولد) فقط ذكرتا في سورة الإخلاص وبصيغة النفي، ليذكرنا كلما قرأنا هذه السورة بأنه لم يلد ولم يولد.
أما أقصر سورة في القرآن وهي سورة الكوثر والتي تتألف من 10 كلمات فقط، فتحوي خمس كلمات خاصة بها لم تذكر في أي سورة أخرى وهي (أعطيناك – الكوثر – انحر – شانئك – الأبتر) فكلمة الكوثر مثلاً كان من الممكن أن ترد في سور أخرى ولكن الله تعالى اختص سورة الكوثر بهذه الكلمة وسماها سورة الكوثر.
من عجائب هذا القانون أن الكلمات التي تنفرد بها كل سورة تعبر عن مضمون هذه السورة وليس عشوائياً.
فكلمة (قريش) لم تُذكر في القرآن كله إلا في سورة قريش.
وكلمة (الماعون) لم تُذكر في القرآن إلا في سورة الماعون.
كلمة (الفلق) لم تذكر إلا في سورة الفلق..
كلمة (العاديات) لم تذكر إلا في سورة العاديات.
كلمة (الهمزة) لم تذكر إلا في سورة الهمزة
كلمة (القدر) لم تذكر إلا في سورة القدر
كلمة (التين) لم تذكر إلا في سورة التين
كلمة (المطففين) لم تذكر إلا في سورة المطففين
كلمة (الطارق) لم تذكر إلا في سورة الطارق
كلمة (النازعات) لم تذكر إلا في سورة النازعات
كلمة (المرسلات) لم تذكر إلا في سورة المرسلات
كلمة (المدثر) لم تذكر إلا في سورة المدثر
كلمة (التغابن) لم تذكر إلا في سورة التغابن
كلمة (الذاريات) لم تذكر إلا في سورة الذاريات
كلمة (الأحقاف) لم تذكر إلا في سورة الأحقاف
كلمة (جاثية) لم تذكر إلا في سورة الجاثية
كلمة (النحل) لم تذكر إلا في سورة النحل
كلمة (النمل) لم تذكر إلا في سورة النمل
كلمة (العنكبوت) لم تذكر إلا في سورة العنكبوت
كلمة (الفيل) لم تذكر إلا في سورة الفيل
كلمة (الكهف) لم تذكر إلا في سورة الكهف
كلمة (الشعراء) لم تذكر إلا في سورة الشعراء
كلمة (لقمان) لم تذكر إلا في سورة لقمان
كلمة (سبأ) لم تذكر إلا في سورة سبأ
كلمة (مائدة) لم تذكر إلا في سورة المائدة
وهكذا كل سورة من سور القرآن الكريم تحوي كلمات لها علاقة بمضمون هذه السورة ولم تذكر إلا في هذه السورة.. وغالباً ما تكون اسم السورة.
إنها معجزة تظهر اليوم لتقيم الحجة على كل ملحد مستكبر وتنطق بالحق بأن هذا القرآن لا يمكن أن يكون كلام بشر.. وأنه لا يمكن لأحد أن يأتي بمثله.
قال تعالى:«
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [الإسراء: 88]». ❝ ⏤كلام الله عز وجل
❞
#إكتشاف قانون لغوي فى القرآن:
إكتشف العلماء قانوناً لغوياً في القرآن الكريم ينطبق على جميع السور بلا استثناء.
عندما قام العلماء بإنجاز أكبر برنامج لإحصاء القرآن الكريم، وجدوا شيئاً غريباً في كل سورة من سور القرآن وعددها 114 سورة.
فكل سورة من سور القرآن تحوي كلمات خاصة بها لم تُذكر في أي سورة أخرى، وهذا القانون ينطبق على 114 سورة بلا استثناء.
فسورة الفاتحة تحوي كلمتين هما: إياك – نستعين، لا نجدهما إلا في سورة الفاتحة فقط، وكأن الله يريد أن يذكّرنا في كل ركعة نقرأ فيها الفاتحة بأن الإستعانة لا تكون إلا بالله عز وجل.
سورة البقرة تحوي 647 كلمة خاصة بهذه السورة لم تذكر في أي سورة أخرى(حسب الرسم الأول للقرآن) مثل: (الطلاق – الخيط – قثائها – فومها – عدسها – بصلها..).
سور آل عمران تحوي 289 كلمة خاصة بها لم تتكرر في أي سورة أخرى مثل (حصوراً – محرراً – نبتهل..) ، وهكذا حتى السور القصيرة في آخر القرآن تحوي نفس القاعدة.
فسورة الإخلاص تحوي 3 كلمات خاصة بها (الصمد – يلد – يولد) وكأن الله تعالى اختص هذه السورة ليؤكد أنه لم يلد ولم يولد، مع العلم أنه كان من الممكن أن تذكر كلمة ˝يلد˝ أو ˝يولد˝ في سور أخرى ذُكر فيها ولادة المسيح عليه السلام وولادة مريم عليها السلام وولادة إسماعيل وإسحاق ويحيى عليهم السلام.. ولكن هاتين الكلمتين (يلد – يولد) فقط ذكرتا في سورة الإخلاص وبصيغة النفي، ليذكرنا كلما قرأنا هذه السورة بأنه لم يلد ولم يولد.
أما أقصر سورة في القرآن وهي سورة الكوثر والتي تتألف من 10 كلمات فقط، فتحوي خمس كلمات خاصة بها لم تذكر في أي سورة أخرى وهي (أعطيناك – الكوثر – انحر – شانئك – الأبتر) فكلمة الكوثر مثلاً كان من الممكن أن ترد في سور أخرى ولكن الله تعالى اختص سورة الكوثر بهذه الكلمة وسماها سورة الكوثر.
من عجائب هذا القانون أن الكلمات التي تنفرد بها كل سورة تعبر عن مضمون هذه السورة وليس عشوائياً.
فكلمة (قريش) لم تُذكر في القرآن كله إلا في سورة قريش.
وكلمة (الماعون) لم تُذكر في القرآن إلا في سورة الماعون.
كلمة (الفلق) لم تذكر إلا في سورة الفلق.
كلمة (العاديات) لم تذكر إلا في سورة العاديات.
كلمة (الهمزة) لم تذكر إلا في سورة الهمزة
كلمة (القدر) لم تذكر إلا في سورة القدر
كلمة (التين) لم تذكر إلا في سورة التين
كلمة (المطففين) لم تذكر إلا في سورة المطففين
كلمة (الطارق) لم تذكر إلا في سورة الطارق
كلمة (النازعات) لم تذكر إلا في سورة النازعات
كلمة (المرسلات) لم تذكر إلا في سورة المرسلات
كلمة (المدثر) لم تذكر إلا في سورة المدثر
كلمة (التغابن) لم تذكر إلا في سورة التغابن
كلمة (الذاريات) لم تذكر إلا في سورة الذاريات
كلمة (الأحقاف) لم تذكر إلا في سورة الأحقاف
كلمة (جاثية) لم تذكر إلا في سورة الجاثية
كلمة (النحل) لم تذكر إلا في سورة النحل
كلمة (النمل) لم تذكر إلا في سورة النمل
كلمة (العنكبوت) لم تذكر إلا في سورة العنكبوت
كلمة (الفيل) لم تذكر إلا في سورة الفيل
كلمة (الكهف) لم تذكر إلا في سورة الكهف
كلمة (الشعراء) لم تذكر إلا في سورة الشعراء
كلمة (لقمان) لم تذكر إلا في سورة لقمان
كلمة (سبأ) لم تذكر إلا في سورة سبأ
كلمة (مائدة) لم تذكر إلا في سورة المائدة
وهكذا كل سورة من سور القرآن الكريم تحوي كلمات لها علاقة بمضمون هذه السورة ولم تذكر إلا في هذه السورة. وغالباً ما تكون اسم السورة.
إنها معجزة تظهر اليوم لتقيم الحجة على كل ملحد مستكبر وتنطق بالحق بأن هذا القرآن لا يمكن أن يكون كلام بشر. وأنه لا يمكن لأحد أن يأتي بمثله.
❞ الحمد لله
سورة الفاتحة :
وفيها أربعة أبواب :
[ الباب الأول في فضائلها وأسمائها ] وفيه سبع مسائل
الأولى : روى الترمذي عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن وهي السبع المثاني وهي مقسومة بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل . أخرج مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب : أن أبا سعيد مولى [ عبد الله بن ] عامر بن كريز أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب وهو يصلي ; فذكر الحديث . قال ابن عبد البر : أبو سعيد لا يوقف له على اسم وهو معدود في أهل المدينة ، روايته عن أبي هريرة وحديثه هذا مرسل ; وقد روى هذا الحديث عن أبي سعيد بن المعلى رجل من الصحابة لا يوقف على اسمه أيضا رواه عنه حفص بن عاصم ، وعبيد بن حنين .
قلت : كذا قال في ( التمهيد ) : لا يوقف له على اسم . وذكر في كتاب الصحابة الاختلاف في اسمه . والحديث خرجه البخاري عن أبي سعيد بن المعلى قال : كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه ، فقلت : يا رسول الله إني كنت أصلي ; فقال : ( ألم يقل الله استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم ) - ثم قال لي - ( إني لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ) ثم أخذ بيدي ، فلما أراد أن يخرج قلت له : ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن ؟ قال : الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته . قال ابن عبد البر وغيره : أبو سعيد بن المعلى من جلة الأنصار ، وسادات الأنصار ، تفرد به البخاري ، واسمه رافع ، ويقال : الحارث بن نفيع بن المعلى ، ويقال : أوس بن المعلى ، ويقال : أبو سعيد بن أوس بن المعلى ; توفي سنة أربع وسبعين وهو ابن أربع وستين سنة ، وهو أول من صلى إلى القبلة حين حولت ، وسيأتي . وقد أسند حديث أبي يزيد بن زريع قال : حدثنا روح بن القاسم عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي وهو يصلي ; فذكر الحديث بمعناه .
وذكر ابن الأنباري في كتاب الرد له : حدثني أبو عبيد الله الوراق حدثنا أبو داود حدثنا شيبان عن منصور عن مجاهد قال : إن إبليس - لعنه الله - رن أربع رنات : حين لعن ، وحين أهبط من الجنة ، وحين بعث محمد صلى الله عليه وسلم ، وحين أنزلت فاتحة الكتاب ، وأنزلت بالمدينة .
الثانية : اختلف العلماء في تفضيل بعض السور والآي على بعض ، وتفضيل بعض أسماء الله تعالى الحسنى على بعض ، فقال قوم : لا فضل لبعض على بعض ، لأن الكل كلام الله ، وكذلك أسماؤه لا مفاضلة بينها . ذهب إلى هذا الشيخ أبو الحسن الأشعري ، والقاضي أبو بكر بن الطيب ، وأبو حاتم محمد بن حبان البستي ، وجماعة من الفقهاء . وروي معناه عن مالك . قال يحيى بن يحيى : تفضيل بعض القرآن على بعض خطأ ، وكذلك كره مالك أن تعاد سورة أو تردد دون غيرها . وقال عن مالك في قول الله تعالى : نأت بخير منها أو مثلها قال : محكمة مكان منسوخة . وروى ابن كنانة مثل ذلك كله عن مالك . واحتج هؤلاء بأن قالوا : إن الأفضل يشعر بنقص المفضول ، والذاتية في الكل واحدة ، وهي كلام الله ، وكلام الله تعالى لا نقص فيه . قال البستي : ومعنى هذه اللفظة ( ما في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن ) : أن الله تعالى لا يعطي لقارئ التوراة والإنجيل من الثواب مثل ما يعطي لقارئ أم القرآن ، إذ الله بفضله فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم ، وأعطاها من الفضل على قراءة كلامه أكثر مما أعطى غيرها من الفضل على قراءة كلامه ، وهو فضل منه لهذه الأمة . قال ومعنى قوله : ( أعظم سورة ) أراد به في الأجر ، لا أن بعض القرآن أفضل من بعض . وقال قوم بالتفضيل ، وأن ما تضمنه قوله تعالى وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم وآية الكرسي ، وآخر سورة الحشر ، وسورة الإخلاص من الدلالات على وحدانيته وصفاته ليس موجودا مثلا في تبت يدا أبي لهب وما كان مثلها .
والتفضيل إنما هو بالمعاني العجيبة وكثرتها ، لا من حيث الصفة ، وهذا هو الحق . وممن قال بالتفضيل إسحاق بن راهويه وغيره من العلماء والمتكلمين ، وهو اختيار القاضي أبي بكر بن العربي وابن الحصار ، لحديث أبي سعيد بن المعلى وحديث أبي بن كعب أنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا أبي أي آية معك في كتاب الله أعظم ) قال : الله لا إله إلا هو الحي القيوم . قال : فضرب في صدري وقال : ( ليهنك العلم أبا المنذر ) أخرجه البخاري ومسلم .
قال ابن الحصار : عجبي ممن يذكر الاختلاف مع هذه النصوص .
وقال ابن العربي : قوله : " ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها " وسكت عن سائر الكتب ، كالصحف المنزلة والزبور وغيرها ، لأن هذه المذكورة أفضلها ، وإذا كان الشيء أفضل الأفضل ، صار أفضل الكل . كقولك : زيد أفضل العلماء فهو أفضل الناس .
وفي الفاتحة من الصفات ما ليس لغيرها ، حتى قيل : إن جميع القرآن فيها . وهي خمس وعشرون كلمة تضمنت جميع علوم القرآن . ومن شرفها أن الله سبحانه قسمها بينه وبين عبده ، ولا تصح القربة إلا بها ، ولا يلحق عمل بثوابها ، وبهذا المعنى صارت أم القرآن العظيم ، كما صارت قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ، إذ القرآن توحيد وأحكام ووعظ ، و قل هو الله أحد فيها التوحيد كله ، وبهذا المعنى وقع البيان في قوله عليه السلام لأبي . ( أي آية في القرآن أعظم ) قال : الله لا إله إلا هو الحي القيوم . وإنما كانت أعظم آية لأنها توحيد كلها كما صار قوله : أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له أفضل الذكر ; لأنها كلمات حوت جميع العلوم في التوحيد ، والفاتحة تضمنت التوحيد والعبادة والوعظ والتذكير ، ولا يستبعد ذلك في قدرة الله تعالى .
الثالثة : روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فاتحة الكتاب ، وآية الكرسي ، و شهد الله أنه لا إله إلا هو ، و قل اللهم مالك الملك ، هذه الآيات معلقات بالعرش ليس بينهن وبين الله حجاب ) . أسنده أبو عمرو الداني في كتاب ( البيان ) له .
الرابعة : في أسمائها ، وهي اثنا عشر اسما :
( الأول ) : الصلاة ، قال الله تعالى : ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ) الحديث . وقد تقدم .
( الثاني ) : الحمد ، لأن فيها ذكر الحمد ; كما يقال : سورة الأعراف ، والأنفال ، والتوبة ، ونحوها .
( الثالث ) : فاتحة الكتاب ، من غير خلاف بين العلماء ; وسميت بذلك لأنه تفتتح قراءة القرآن بها لفظا ، وتفتتح بها الكتابة في المصحف خطا ، وتفتتح بها الصلوات .
( الرابع ) : أم الكتاب ، وفي هذا الاسم خلاف ، جوزه الجمهور ، وكرهه أنس والحسن وابن سيرين . قال الحسن : أم الكتاب الحلال والحرام ، قال الله تعالى : آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات . وقال أنس وابن سيرين : أم الكتاب اسم اللوح المحفوظ . قال الله تعالى : وإنه في أم الكتاب .
( الخامس ) : أم القرآن ، واختلف فيه أيضا ، فجوزه الجمهور ، وكرهه أنس وابن سيرين ; والأحاديث الثابتة ترد هذين القولين . روى الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني قال : هذا حديث حسن صحيح . وفي البخاري قال : وسميت أم الكتاب لأنه يبتدأ بكتابتها في المصاحف ، ويبدأ بقراءتها في الصلاة . وقال يحيى بن يعمر : أم القرى : مكة ، وأم خراسان : مرو ، وأم القرآن : سورة الحمد . وقيل : سميت أم القرآن لأنها أوله ومتضمنة لجميع علومه ، وبه سميت مكة أم القرى لأنها أول الأرض ومنها دحيت ، ومنه سميت الأم أما لأنها أصل النسل ، والأرض أما ، في قول أمية بن أبي الصلت :
فالأرض معقلنا وكانت أمنا فيها مقابرنا وفيها نولد
ويقال لراية الحرب : أم ; لتقدمها واتباع الجيش لها . وأصل أم أمهة ، ولذلك تجمع على أمهات ، قال الله تعالى : وأمهاتكم . ويقال أمات بغير هاء . قال :
فرجت الظلام بأماتكا
وقيل : إن أمهات في الناس ، وأمات في البهائم ; حكاه ابن فارس في المجمل .
( السادس ) : المثاني ، سميت بذلك لأنها تثنى في كل ركعة . وقيل : سميت بذلك لأنها استثنيت لهذه الأمة فلم تنزل على أحد قبلها ذخرا لها .
( السابع ) : القرآن العظيم ، سميت بذلك لتضمنها جميع علوم القرآن ، وذلك أنها تشتمل على الثناء على الله عز وجل بأوصاف كماله وجلاله ، وعلى الأمر بالعبادات والإخلاص فيها ، والاعتراف بالعجز عن القيام بشيء منها إلا بإعانته تعالى ، وعلى الابتهال إليه في الهداية إلى الصراط المستقيم ; وكفاية أحوال الناكثين ، وعلى بيانه عاقبة الجاحدين .
( الثامن ) : الشفاء ، روى الدارمي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فاتحة الكتاب شفاء من كل سم .
( التاسع ) : الرقية ، ثبت ذلك من حديث أبي سعيد الخدري وفيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للرجل ، الذي رقى سيد الحي : ( ما أدراك أنها رقية ) فقال : يا رسول الله شيء ألقي في روعي ; الحديث . خرجه الأئمة ، وسيأتي بتمامه .
( العاشر ) : الأساس ، شكا رجل إلى الشعبي وجع الخاصرة ; فقال : عليك بأساس القرآن فاتحة الكتاب ، سمعت ابن عباس يقول : لكل شيء أساس ، وأساس الدنيا مكة ، لأنها منها دحيت ; وأساس السماوات عريبا ، وهي السماء السابعة ; وأساس الأرض عجيبا ، وهي الأرض السابعة السفلى ; وأساس الجنان جنة عدن ، وهي سرة الجنان عليها أسست الجنة ; وأساس النار جهنم ، وهي الدركة السابعة السفلى عليها أسست الدركات ، وأساس الخلق آدم ، وأساس الأنبياء نوح ; وأساس بني إسرائيل يعقوب ; وأساس الكتب القرآن ; وأساس القرآن الفاتحة ; وأساس الفاتحة بسم الله الرحمن الرحيم ; فإذا اعتللت أو اشتكيت فعليك بالفاتحة تشفى .
( الحادي عشر ) : الوافية ، قاله سفيان بن عيينة ، لأنها لا تتنصف ولا تحتمل الاختزال ، ولو قرأ من سائر السور نصفها في ركعة ، ونصفها الآخر في ركعة لأجزأ ; ولو نصفت الفاتحة في ركعتين لم يجز .
( الثاني عشر ) : الكافية ، قال يحيى بن أبي كثير : لأنها تكفي عن سواها ولا يكفي سواها عنها . يدل عليه ما روى محمد بن خلاد الإسكندراني قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أم القرآن عوض من غيرها وليس غيرها منها عوضا .
الخامسة : قال المهلب : إن موضع الرقية منها إنما هو إياك نعبد وإياك نستعين . وقيل : السورة كلها رقية ، لقوله عليه السلام للرجل لما أخبره : ( وما أدراك أنها رقية ) ولم يقل : أن فيها رقية ; فدل هذا على أن السورة بأجمعها رقية ، لأنها فاتحة الكتاب ومبدؤه ، ومتضمنة لجميع علومه ، كما تقدم والله أعلم .
السادسة : ليس في تسميتها بالمثاني وأم الكتاب ما يمنع من تسمية غيرها بذلك ، قال الله عز وجل : كتابا متشابها مثاني فأطلق على كتابه : مثاني ; لأن الأخبار تثنى فيه . وقد سميت السبع الطول أيضا مثاني ; لأن الفرائض والقصص تثنى فيها . قال ابن عباس : أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعا من المثاني ; قال : السبع الطول . ذكره النسائي ، وهي من " البقرة " إلى " الأعراف " ست ، واختلفوا في السابعة ، فقيل : يونس ، وقيل : الأنفال والتوبة ; وهو قول مجاهد وسعيد بن جبير . وقال أعشى همدان :
فلجوا المسجد وادعوا ربكم وادرسوا هذي المثاني والطول
وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة " الحجر " إن شاء الله تعالى .
السابعة : المثاني جمع مثنى ، وهي التي جاءت بعد الأولى ، والطول جمع أطول . وقد سميت الأنفال من المثاني لأنها تتلو الطول في القدر . وقيل : هي التي تزيد آياتها على المفصل وتنقص عن المئين . والمئون : هي السور التي تزيد كل واحدة منها على مائة آية .
وفيه عشرون مسألة
الأولى : أجمعت الأمة على أن فاتحة الكتاب سبع آيات ; إلا ما روي عن حسين الجعفي : أنها ست ; وهذا شاذ . وإلا ما روي عن عمرو بن عبيد أنه جعل إياك نعبد آية ، وهي على عدة ثماني آيات ; وهذا شاذ . وقوله تعالى : ولقد آتيناك سبعا من المثاني ، وقوله : ( قسمت الصلاة ) الحديث ، يرد هذين القولين .
وأجمعت الأمة أيضا على أنها من القرآن . فإن قيل : لو كانت قرآنا لأثبتها عبد الله بن مسعود في مصحفه ، فلما لم يثبتها دل على أنها ليست من القرآن ، كالمعوذتين عنده .
فالجواب ما ذكره أبو بكر الأنباري قال : حدثنا الحسن بن الحباب حدثنا سليمان بن الأشعث حدثنا ابن أبي قدامة حدثنا جرير عن الأعمش قال : أظنه عن إبراهيم قال : قيل لعبد الله بن مسعود : لم لم تكتب فاتحة الكتاب في مصحفك ؟ قال لو كتبتها لكتبتها مع كل سورة . قال أبو بكر : يعني أن كل ركعة سبيلها أن تفتتح بأم القرآن قبل السورة المتلوة بعدها ، فقال : اختصرت بإسقاطها ، ووثقت بحفظ المسلمين لها ، ولم أثبتها في موضع فيلزمني أن أكتبها مع كل سورة ، إذ كانت تتقدمها في الصلاة .
الثانية : اختلفوا أهي مكية أم مدنية ؟ فقال ابن عباس وقتادة وأبو العالية الرياحي - واسمه رفيع - وغيرهم : هي مكية . وقال أبو هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري وغيرهم : هي مدنية . ويقال : نزل نصفها بمكة ، ونصفها بالمدينة . حكاه أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي في تفسيره . والأول أصح لقوله تعالى : ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم والحجر مكية بإجماع . ولا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة . وما حفظ أنه كان في الإسلام قط صلاة بغير الحمد لله رب العالمين ; يدل على هذا قوله عليه السلام : ( لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ) . وهذا خبر عن الحكم ، لا عن الابتداء ، والله أعلم . وقد ذكر القاضي ابن الطيب اختلاف الناس في أول ما نزل من القرآن ; فقيل : المدثر ، وقيل : اقرأ ، وقيل : الفاتحة . وذكر البيهقي في دلائل النبوة عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة : إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء وقد والله خشيت أن يكون هذا أمرا قالت : معاذ الله ! ما كان الله ليفعل بك ، فوالله إنك لتؤدي الأمانة ، وتصل الرحم ، وتصدق الحديث . فلما دخل أبو بكر - وليس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم - ذكرت خديجة حديثه له ، قالت : يا عتيق ، اذهب مع محمد إلى ورقة بن نوفل . فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ أبو بكر بيده ، فقال : انطلق بنا إلى ورقة ، فقال : ( ومن أخبرك ) . قال : خديجة ، فانطلقا إليه فقصا عليه ; فقال : إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي يا محمد يا محمد فأنطلق هاربا في الأرض فقال : لا تفعل ، إذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبرني . فلما خلا ناداه : يا محمد ، قل بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين - حتى بلغ ولا الضالين ، قل : لا إله إلا الله . فأتى ورقة فذكر ذلك له ; فقال له ورقة : أبشر ثم أبشر ، فأنا أشهد أنك الذي بشر به عيسى ابن مريم ، وأنك على مثل ناموس موسى ، وأنك نبي مرسل ، وأنك سوف تؤمر بالجهاد بعد يومك هذا ، وإن يدركني ذلك لأجاهدن معك . فلما توفي ورقة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب الحرير لأنه آمن بي وصدقني يعني ورقة . قال البيهقي رضي الله عنه : هذا منقطع . يعني هذا الحديث ، فإن كان محفوظا فيحتمل أن يكون خبرا عن نزولها بعدما نزل عليه اقرأ باسم ربك و ياأيها المدثر .
الثالثة : قال ابن عطية : ظن بعض العلماء أن جبريل عليه السلام لم ينزل بسورة الحمد ; لما رواه مسلم عن ابن عباس قال : بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم ، سمع نقيضا من فوقه ، فرفع رأسه فقال : هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم ، فنزل منه ملك ، فقال : هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم ; فسلم وقال : أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة ; لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته . قال ابن عطية : وليس كما ظن ، فإن هذا الحديث يدل على أن جبريل عليه السلام تقدم الملك إلى النبي صلى الله عليه وسلم معلما به وبما ينزل معه ; وعلى هذا يكون جبريل شارك في نزولها ; والله أعلم .
قلت : الظاهر من الحديث يدل على أن جبريل عليه السلام لم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من ذلك . وقد بينا أن نزولها كان بمكة ، نزل بها جبريل عليه السلام ، لقوله تعالى : نزل به الروح الأمين وهذا يقتضي جميع القرآن ، فيكون جبريل عليه السلام نزل بتلاوتها بمكة ، ونزل الملك بثوابها بالمدينة . والله أعلم . وقد قيل : إنها مكية مدنية ، نزل بها جبريل مرتين ; حكاه الثعلبي . وما ذكرناه أولى . فإنه جمع بين القرآن والسنة ، ولله الحمد والمنة .
الرابعة : قد تقدم أن البسملة ليست بآية منها على القول الصحيح ، وإذا ثبت ذلك فحكم المصلي إذا كبر أن يصله بالفاتحة ولا يسكت ، ولا يذكر توجيها ولا تسبيحا ، لحديث عائشة وأنس المتقدمين وغيرهما ، وقد جاءت أحاديث بالتوجيه والتسبيح والسكوت ، قال بها جماعة من العلماء ; فروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أنهما كانا يقولان إذا افتتحا الصلاة : سبحانك اللهم وبحمدك ، تبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك . وبه قال سفيان وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي . وكان الشافعي يقول بالذي روي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا افتتح الصلاة كبر ثم قال : وجهت وجهي الحديث ، ذكره مسلم ، وسيأتي بتمامه في آخر سورة الأنعام ، وهناك يأتي القول في هذه المسألة مستوفى إن شاء الله .
قال ابن المنذر : ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة قبل أن يقرأ يقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد واستعمل ذلك أبو هريرة . وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : للإمام سكتتان فاغتنموا فيهما القراءة . وكان الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وأحمد بن حنبل يميلون إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب .
الخامسة : واختلف العلماء في وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة ; فقال مالك وأصحابه : هي متعينة للإمام والمنفرد في كل ركعة . قال ابن خويز منداد البصري المالكي : لم يختلف قول مالك أنه من نسيها في صلاة ركعة من صلاة ركعتين أن صلاته تبطل ولا تجزيه . واختلف قوله فيمن تركها ناسيا في ركعة من صلاة رباعية أو ثلاثية ; فقال مرة : يعيد الصلاة ، وقال مرة أخرى : يسجد سجدتي السهو ; وهي رواية ابن عبد الحكم وغيره عن مالك . قال ابن خويز منداد وقد قيل : إنه يعيد تلك الركعة ويسجد للسهو بعد السلام . قال ابن عبد البر : الصحيح من القول إلغاء تلك الركعة ويأتي بركعة بدلا منها ، كمن أسقط سجدة سهوا . وهو اختيار ابن القاسم . وقال الحسن البصري وأكثر أهل البصرة والمغيرة بن عبد الرحمن المخزومي المدني : إذا قرأ بأم القرآن مرة واحدة في الصلاة أجزأه ولم تكن عليه إعادة ; لأنها صلاة قد قرأ فيها بأم القرآن ; وهي تامة لقوله عليه السلام : لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن وهذا قد قرأ بها .
قلت : ويحتمل لا صلاة لمن لم يقرأ بها في كل ركعة ، وهو الصحيح على ما يأتي . ويحتمل لا صلاة لمن لم يقرأ بها في أكثر عدد الركعات ، وهذا هو سبب الخلاف والله أعلم .
وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي : إن تركها عامدا في صلاته كلها وقرأ غيرها أجزأه ; على اختلاف عن الأوزاعي في ذلك . وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن : أقله ثلاث آيات أو آية طويلة كآية الدين . وعن محمد بن الحسن أيضا قال : أسوغ الاجتهاد في مقدار آية ومقدار كلمة مفهومة ; نحو : الحمد لله ولا أسوغه في حرف لا يكون كلاما . وقال الطبري : يقرأ المصلي بأم القرآن في كل ركعة ، فإن لم يقرأ بها لم يجزه إلا مثلها من القرآن عدد آيها وحروفها . قال ابن عبد البر : وهذا لا معنى له ; لأن التعيين لها والنص عليها قد خصها بهذا الحكم دون غيرها ; ومحال أن يجيء بالبدل منها من وجبت عليه فتركها وهو قادر عليها ، وإنما عليه أن يجيء بها ويعود إليها ، كسائر المفروضات المتعينات في العبادات .
السادسة : وأما المأموم فإن أدرك الإمام راكعا فالإمام يحمل عنه القراءة ; لإجماعهم على أنه إذا أدركه راكعا أنه يكبر ويركع ولا يقرأ شيئا وإن أدركه قائما فإنه يقرأ ، وهي المسألة :
السابعة : ولا ينبغي لأحد أن يدع القراءة خلف إمامه في صلاة السر ; فإن فعل فقد أساء ; ولا شيء عليه عند مالك وأصحابه . وأما إذا جهر الإمام وهي المسألة :
الثامنة : فلا قراءة بفاتحة الكتاب ولا غيرها في المشهور من مذهب مالك ; لقول الله تعالى : وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لي أنازع القرآن ، وقوله في الإمام : إذا قرأ فأنصتوا ، وقوله : من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة .
وقال الشافعي فيما حكى عنه البويطي وأحمد بن حنبل : لا تجزئ أحدا صلاة حتى يقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة ، إماما كان أو مأموما ، جهر إمامه أو أسر . وكان الشافعي بالعراق يقول في المأموم : يقرأ إذا أسر ولا يقرأ إذا جهر ; كمشهور مذهب مالك . وقال بمصر : فيما يجهر فيه الإمام بالقراءة قولان : أحدهما أن يقرأ والآخر يجزئه ألا يقرأ ويكتفي بقراءة الإمام . حكاه ابن المنذر . وقال ابن وهب وأشهب وابن عبد الحكم وابن حبيب والكوفيون : لا يقرأ المأموم شيئا ، جهر إمامه أو أسر ; لقوله عليه السلام : فقراءة الإمام له قراءة وهذا عام ، ولقول جابر : من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا وراء الإمام .
التاسعة : الصحيح من هذه الأقوال قول الشافعي وأحمد ومالك في القول الآخر ، وأن الفاتحة متعينة في كل ركعة لكل أحد على العموم ; لقوله صلى الله عليه وسلم : لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ، وقوله : من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ثلاثا . وقال أبو هريرة : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي أنه : ( لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد ) أخرجه أبو داود . كما لا ينوب سجود ركعة ولا ركوعها عن ركعة أخرى ، فكذلك لا تنوب قراءة ركعة عن غيرها ; وبه قال عبد الله بن عون وأيوب السختياني وأبو ثور وغيره من أصحاب الشافعي وداود بن علي ، وروي مثله عن الأوزاعي ; وبه قال مكحول .
وروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وأبي بن كعب وأبي أيوب الأنصاري وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبادة بن الصامت وأبي سعيد الخدري وعثمان بن أبي العاص وخوات بن جبير أنهم قالوا : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب . وهو قول ابن عمر والمشهور من مذهب الأوزاعي ; فهؤلاء الصحابة بهم القدوة ، وفيهم الأسوة ، كلهم يوجبون الفاتحة في كل ركعة .
وقد أخرج الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني في سننه ما يرفع الخلاف ويزيل كل احتمال فقال : حدثنا أبو كريب حدثنا محمد بن فضيل ، ح ، وحدثنا سويد بن سعيد حدثنا علي بن مسهر جميعا عن أبي سفيان السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد لله وسورة في فريضة أو غيرها . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أنه عليه السلام قال للذي علمه الصلاة : وافعل ذلك في صلاتك كلها وسيأتي . ومن الحجة في ذلك أيضا ما رواه أبو داود عن نافع بن محمود بن الربيع الأنصاري قال : أبطأ عبادة بن الصامت عن صلاة الصبح ; فأقام أبو نعيم المؤذن الصلاة فصلى أبو نعيم بالناس ، وأقبل عبادة بن الصامت وأنا معه حتى صففنا خلف أبي نعيم ، وأبو نعيم يجهر بالقراءة ; فجعل عبادة يقرأ بأم القرآن ; فلما انصرف قلت لعبادة : سمعتك تقرأ بأم القرآن وأبو نعيم يجهر ؟ قال : أجل ! صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة فالتبست عليه ; فلما انصرف أقبل علينا بوجهه فقال : هل تقرءون إذا جهرت بالقراءة ؟ فقال بعضنا : إنا نصنع ذلك ; قال : فلا . وأنا أقول ما لي ينازعني القرآن فلا تقرءوا بشيء من القرآن إذا جهرت إلا بأم القرآن . وهذا نص صريح في المأموم . وأخرجه أبو عيسى الترمذي من حديث محمد بن إسحاق بمعناه ; وقال : حديث حسن . والعمل على هذا الحديث في القراءة خلف الإمام عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ; وهو قول مالك بن أنس وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ، يرون القراءة خلف الإمام . وأخرجه أيضا الدارقطني وقال : هذا إسناد حسن ، ورجاله كلهم ثقات ; وذكر أن محمود بن الربيع كان يسكن إيلياء ، وأن أبا نعيم أول من أذن في بيت المقدس . وقال أبو محمد عبد الحق : ونافع بن محمود لم يذكره البخاري في تاريخه ولا ابن أبي حاتم ; ولا أخرج له البخاري ومسلم شيئا . وقال فيه أبو عمر : مجهول . وذكر الدارقطني عن يزيد بن شريك قال : سألت عمر عن القراءة خلف الإمام ، فأمرني أن أقرأ ، قلت : وإن كنت أنت ؟ قال : وإن كنت أنا ; قلت : وإن جهرت ؟ قال : وإن جهرت . قال الدارقطني : هذا إسناد صحيح . وروي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإمام ضامن فما صنع فاصنعوا . قال أبو حاتم : هذا يصح لمن قال بالقراءة خلف الإمام ; وبهذا أفتى أبو هريرة الفارسي أن يقرأ بها في نفسه حين قال له : إني أحيانا أكون وراء الإمام ، ثم استدل بقوله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرءوا يقول العبد الحمد لله رب العالمين الحديث .
العاشرة : أما ما استدل به الأولون بقوله عليه السلام : وإذا قرأ فأنصتوا أخرجه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري ; وقال : وفي حديث جرير عن سليمان عن قتادة من الزيادة وإذا قرأ فأنصتوا قال الدارقطني : هذه اللفظة لم يتابع سليمان التيمي فيها عن قتادة ; وخالفه الحفاظ من أصحاب قتادة فلم يذكروها ; منهم شعبة وهشام وسعيد بن أبي عروبة وهمام وأبو عوانة ومعمر وعدي بن أبي عمارة . قال الدارقطني : فإجماعهم يدل على وهمه . وقد روي عن عبد الله بن عامر عن قتادة متابعة التيمي ; ولكن ليس هو بالقوي ، تركه القطان . وأخرج أيضا هذه الزيادة أبو داود من حديث أبي هريرة وقال : هذه الزيادة إذا قرأ فأنصتوا ليست بمحفوظة . وذكر أبو محمد عبد الحق : أن مسلما صحح حديث أبي هريرة وقال : هو عندي صحيح .
قلت : ومما يدل على صحتها عنده إدخالها في كتابه من حديث أبي موسى وإن كانت مما لم يجمعوا عليها . وقد صححها الإمام أحمد بن حنبل وابن المنذر . وأما قوله تعالى : وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا فإنه نزل بمكة ، وتحريم الكلام في الصلاة نزل بالمدينة - كما قال زيد بن أرقم فلا حجة فيها ; فإن المقصود كان المشركين ، على ما قال سعيد بن المسيب . وقد روى الدارقطني عن أبي هريرة أنها نزلت في رفع الصوت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال : عبد الله بن عامر ضعيف . وأما قوله عليه السلام : ( ما لي أنازع القرآن ) فأخرجه مالك عن ابن شهاب عن ابن أكيمة الليثي ، واسمه فيما قال مالك : عمرو ، وغيره يقول عامر ، وقيل يزيد ، وقيل عمارة ، وقيل عباد ، يكنى أبا الوليد توفي سنة إحدى ومائة وهو ابن تسع وسبعين سنة ، لم يرو عنه الزهري إلا هذا الحديث الواحد ، وهو ثقة ، وروى عنه محمد بن عمرو وغيره . والمعنى في حديثه : لا تجهروا إذا جهرت فإن ذلك تنازع وتجاذب وتخالج ، اقرءوا في أنفسكم . يبينه حديث عبادة وفتيا الفاروق وأبي هريرة الراوي للحديثين . فلو فهم المنع جملة من قوله : ( ما لي أنازع القرآن ) لما أفتى بخلافه ، وقول الزهري في حديث ابن أكيمة : فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقراءة ، حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يريد بالحمد على ما بينا ; وبالله توفيقنا .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة فحديث ضعيف أسنده الحسن بن عمارة وهو متروك ، وأبو حنيفة وهو ضعيف ; كلاهما عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر . أخرجه الدارقطني وقال : رواه سفيان الثوري وشعبة وإسرائيل بن يونس وشريك وأبو خالد الدالاني وأبو الأحوص وسفيان بن عيينة وجرير بن عبد الحميد وغيرهم ، عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصواب . وأما قول جابر : من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا وراء الإمام ; فرواه مالك عن وهب بن كيسان عن جابر قوله . قال ابن عبد البر : ورواه يحيى بن سلام صاحب التفسير عن مالك عن أبي نعيم وهب بن كيسان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وصوابه موقوف على جابر كما في الموطأ . وفيه من الفقه إبطال الركعة التي لا يقرأ فيها بأم القرآن ; وهو يشهد لصحة ما ذهب إليه ابن القاسم ورواه عن مالك في إلغاء الركعة والبناء على غيرها ولا يعتد المصلي بركعة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب . وفيه أيضا أنالإمام قراءته لمن خلفه قراءة ; وهذا مذهب جابر وقد خالفه فيه غيره .
الحادية عشرة : قال ابن العربي : لما قال صلى الله عليه وسلم : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب واختلف الناس في هذا الأصل هل يحمل هذا النفي على التمام والكمال ، أو على الإجزاء ؟ اختلفت الفتوى بحسب اختلاف حال الناظر ، ولما كان الأشهر في هذا الأصل والأقوى أن النفي على العموم ، كان الأقوى من رواية مالك أن من لم يقرأ الفاتحة في صلاته بطلت . ثم نظرنا في تكرارها في كل ركعة ; فمن تأول قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثم افعل ذلك في صلاتك كلها ) لزمه أن يعيد القراءة كما يعيد الركوع والسجود . والله أعلم .
الثانية عشرة : ما ذكرناه في هذا الباب من الأحاديث والمعاني في تعيين الفاتحة يرد على الكوفيين قولهم في أن الفاتحة لا تتعين ، وأنها وغيرها من آي القرآن سواء . وقد عينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله كما ذكرناه ; وهو المبين عن الله تعالى مراده في قوله : وأقيموا الصلاة . وقد روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال : أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر . فدل هذا الحديث على أن قوله عليه السلام للأعرابي : اقرأ ما تيسر معك من القرآن ما زاد على الفاتحة ، وهو تفسير قوله تعالى : فاقرءوا ما تيسر منه وقد روى مسلم عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن - زاد في رواية - فصاعدا . وقوله عليه السلام : ( هي خداج - ثلاثا - غير تمام ) أي غير مجزئة بالأدلة المذكورة . والخداج : النقص والفساد . قال الأخفش : خدجت الناقة ; إذا ألقت ولدها لغير تمام ، وأخدجت إذا قذفت به قبل وقت الولادة وإن كان تام الخلق .
والنظر يوجب في النقصان ألا تجوز معه الصلاة ، لأنها صلاة لم تتم ; ومن خرج من صلاته وهي لم تتم فعليه إعادتها كما أمر ، على حسب حكمها . ومن ادعى أنها تجوز مع إقراره بنقصها فعليه الدليل ، ولا سبيل إليه من وجه يلزم ، والله أعلم .
الثالثة عشرة : روي عن مالك أن القراءة لا تجب في شيء في الصلاة ; وكذلك كان الشافعي يقول بالعراق فيمن نسيها ، ثم رجع عن هذا بمصر فقال : لا تجزئ صلاة من يحسن فاتحة الكتاب إلا بها ، ولا يجزئه أن ينقص حرفا منها ; فإن لم يقرأها أو نقص منها حرفا أعاد صلاته وإن قرأ بغيرها . وهذا هو الصحيح في المسألة . وأما ما روي عن عمر رحمه الله أنه صلى المغرب فلم يقرأ فيها ، فذكر ذلك له فقال : كيف كان الركوع والسجود ؟ قالوا : حسن ، قال : لا بأس إذا ، فحديث منكر اللفظ منقطع الإسناد ، لأنه يرويه إبراهيم بن الحارث التيمي عن عمر ، ومرة يرويه إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عمر ، وكلاهما منقطع لا حجة فيه ; وقد ذكره مالك في الموطأ ، وهو عند بعض الرواة وليس عند يحيى وطائفة معه ، لأنه رماه مالك من كتابه بأخرة ، وقال ليس عليه العمل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج وقد روي عن عمر أنه أعاد تلك الصلاة ; وهو الصحيح عنه . روى يحيى بن يحيى النيسابوري قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن همام بن الحارث أن عمر نسي القراءة في المغرب فأعاد بهم الصلاة . قال ابن عبد البر : وهذا حديث متصل شهده همام من عمر ; روي ذلك من وجوه . وروى أشهب عن مالك قال : سئل مالك عن الذي نسي القراءة ، أيعجبك ما قال عمر ؟ فقال : أنا أنكر أن يكون عمر فعله - وأنكر الحديث - وقال : يرى الناس عمر يصنع هذا في المغرب ولا يسبحون به ! أرى أن يعيد الصلاة من فعل هذا .
الرابعة عشرة : أجمع العلماء على أن لا صلاة إلا بقراءة ، على ما تقدم من أصولهم في ذلك . وأجمعوا على أن لا توقيت في ذلك بعد فاتحة الكتاب ، إلا أنهم يستحبون ألا يقرأ مع فاتحة الكتاب إلا سورة واحدة لأنه الأكثر مما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال مالك : وسنة القراءة أن يقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة ، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب . وقال الأوزاعي : يقرأ بأم القرآن فإن لم يقرأ بأم القرآن وقرأ بغيرها أجزأه ، وقال : وإن نسي أن يقرأ في ثلاث ركعات أعاد . وقال الثوري : يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة ، ويسبح في الأخريين إن شاء ، وإن شاء قرأ ، وإن لم يقرأ ولم يسبح جازت صلاته ، وهو قول أبي حنيفة وسائر الكوفيين .
قال ابن المنذر : وقد روينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : اقرأ في الأوليين وسبح في الأخريين ، وبه قال النخعي . قال سفيان : فإن لم يقرأ في ثلاث ركعات أعاد الصلاة لأنه لا تجزئه قراءة ركعة . قال : وكذلك إن نسي أن يقرأ ركعة في صلاة الفجر . وقال أبو ثور : لا تجزئ صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة ، كقول الشافعي المصري ، وعليه جماعة أصحاب الشافعي . وكذلك قال ابن خويز منداد المالكي ; قال : قراءة الفاتحة واجبة عندنا في كل ركعة ، وهذا هو الصحيح في المسألة . روى مسلم عن أبي قتادة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ، ويسمعنا الآية أحيانا ، وكان يطول في الركعة الأولى من الظهر ويقصر الثانية ، وكذلك في الصبح . وفي رواية : ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب ; وهذا نص صريح وحديث صحيح لما ذهب إليه مالك . ونص في تعين الفاتحة في كل ركعة ; خلافا لمن أبى ذلك ، والحجة في السنة لا فيما خالفها .
الخامسة عشرة : ذهب الجمهور إلى أن ما زاد على الفاتحة من القراءة ليس بواجب ; لما رواه مسلم عن أبي هريرة قال : في كل صلاة قراءة ، فما أسمعنا النبي صلى الله عليه وسلم أسمعناكم ، وما أخفى منا أخفينا منكم ; فمن قرأ بأم القرآن فقد أجزأت عنه ، ومن زاد فهو أفضل . وفي البخاري : وإن زدت فهو خير . وقد أبى كثير من أهل العلم ترك السورة لضرورة أو لغير ضرورة ; منهم عمران بن حصين وأبو سعيد الخدري وخوات بن جبير ومجاهد وأبو وائل وابن عمر وابن عباس وغيرهم ; قالوا : لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وشيء معها من القرآن ; فمنهم من حد آيتين ، ومنهم من حد آية ، ومنهم من لم يحد ، وقال : شيء من القرآن معها ; وكل هذا موجب لتعلم ما تيسر من القرآن على كل حال مع فاتحة الكتاب ; لحديث عبادة وأبي سعيد الخدري وغيرهما . وفي المدونة : وكيع عن الأعمش عن خيثمة قال : حدثني من سمع عمر بن الخطاب يقول : لا تجزئ صلاة من لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وشيء معها .
واختلف المذهب في قراءة السورة على ثلاثة أقوال : سنة ، فضيلة ، واجبة .
السادسة عشرة : من تعذر ذلك عليه بعد بلوغ مجهوده فلم يقدر على تعلم الفاتحة أو شيء من القرآن ولا علق منه بشيء ، لزمه أن يذكر الله في موضع القراءة بما أمكنه من تكبير أو تهليل أو تحميد أو تسبيح أو تمجيد أو لا حول ولا قوة إلا بالله ، إذا صلى وحده أو مع إمام فيما أسر فيه الإمام ; فقد روى أبو داود وغيره عن عبد الله بن أبي أوفى قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا ، فعلمني ما يجزئني منه ; قال : قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ; قال : يا رسول الله ، هذا لله ، فما لي ؟ قال : قل اللهم ارحمني وعافني واهدني وارزقني .
السابعة عشرة : فإن عجز عن إصابة شيء من هذا اللفظ فلا يدع الصلاة مع الإمام جهده ; فالإمام يحمل ذلك عنه إن شاء الله ; وعليه أبدا أن يجهد نفسه في تعلم فاتحة الكتاب فما زاد ، إلى أن يحول الموت دون ذلك وهو بحال الاجتهاد فيعذره الله .
الثامنة عشرة : من لم يواته لسانه إلى التكلم بالعربية من الأعجميين وغيرهم ترجم له الدعاء العربي بلسانه الذي يفقه لإقامة صلاته ; فإن ذلك يجزئه إن شاء الله تعالى .
التاسعة عشرة : لا تجزئ صلاة من قرأ بالفارسية وهو يحسن العربية في قول الجمهور . وقال أبو حنيفة : تجزئه القراءة بالفارسية وإن أحسن العربية ; لأن المقصود إصابة المعنى . قال ابن المنذر : لا يجزئه ذلك ; لأنه خلاف ما أمر الله به ، وخلاف ما علم النبي صلى الله عليه وسلم ، وخلاف جماعات المسلمين . ولا نعلم أحدا وافقه على ما قال .
الموفية عشرين : من افتتح الصلاة كما أمر وهو غير عالم بالقراءة ، فطرأ عليه العلم بها في أثناء الصلاة ويتصور ذلك بأن يكون سمع من قرأها فعلقت بحفظه من مجرد السماع فلا يستأنف الصلاة ; لأنه أدى ما مضى على حسب ما أمر به ; فلا وجه لإبطاله قاله في كتاب ابن سحنون .
فيه ثمان مسائل :
الأولى : ويسن لقارئ القرآن أن يقول بعد الفراغ من الفاتحة بعد سكتة على نون " ولا الضالين " : آمين ، ليتميز ما هو قرآن مما ليس بقرآن .
الثانية : ثبت في الأمهات من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه . قال علماؤنا رحمة الله عليهم : فترتبت المغفرة للذنب على مقدمات أربع تضمنها هذا الحديث . الأولى : تأمين الإمام ، الثانية : تأمين من خلفه ، الثالثة : تأمين الملائكة ، الرابعة : موافقة التأمين ، قيل في الإجابة ، وقيل في الزمن ، وقيل في الصفة من إخلاص الدعاء ، لقوله عليه السلام : ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه .
الثالثة : روى أبو داود عن أبي مصبح المقرائي قال : كنا نجلس إلى أبي زهير النميري وكان من الصحابة ، فيحدث أحسن الحديث ، فإذا دعا الرجل منا بدعاء قال : اختمه بآمين . فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة . قال أبو زهير ألا أخبركم عن ذلك ، خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فأتينا على رجل قد ألح في المسألة ، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم يسمع منه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أوجب إن ختم فقال له رجل من القوم : بأي شيء يختم ؟ قال : بآمين فإنه إن ختم بآمين فقد أوجب فانصرف الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتى الرجل فقال له : اختم يا فلان وأبشر . قال ابن عبد البر : أبو زهير النميري اسمه يحيى بن نفير روى عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تقتلوا الجراد فإنه جند الله الأعظم . وقال وهب بن منبه : آمين أربعة أحرف يخلق الله من كل حرف ملكا يقول : اللهم اغفر لكل من قال آمين . وفي الخبر ( لقنني جبريل آمين عند فراغي من فاتحة الكتاب وقال إنه كالخاتم على الكتاب ) وفي حديث آخر : آمين خاتم رب العالمين . قال الهروي قال أبو بكر : معناه أنه طابع الله على عباده ; لأنه يدفع [ به عنهم ] الآفات والبلايا ; فكان كخاتم الكتاب الذي يصونه ، ويمنع من إفساده وإظهار ما فيه . وفي حديث آخر آمين درجة في الجنة . قال أبو بكر : معناه أنه حرف يكتسب به قائله درجة في الجنة .
الرابعة : معنى آمين عند أكثر أهل العلم : اللهم استجب لنا ; وضع موضع الدعاء . وقال قوم : هو اسم من أسماء الله ; روي عن جعفر بن محمد ومجاهد وهلال بن يساف ورواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصح ; قاله ابن العربي . وقيل معنى آمين : كذلك فليكن ; قاله الجوهري . وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معنى آمين ؟ قال : ( رب افعل ) . وقال مقاتل : هو قوة للدعاء ، واستنزال للبركة . وقال الترمذي : معناه لا تخيب رجاءنا .
الخامسة : وفي آمين لغتان : المد على وزن فاعيل كياسين . والقصر على وزن يمين . قال الشاعر في المد :
يا رب لا تسلبني حبها أبدا ويرحم الله عبدا قال آمينا
وقال آخر :
آمين آمين لا أرضى بواحدة حتى أبلغها ألفين آمينا
وقال آخر في القصر :
تباعد مني فطحل إذ سألته أمين فزاد الله ما بيننا بعدا
وتشديد الميم خطأ ; قال الجوهري . وقد روي عن الحسن وجعفر الصادق التشديد ; وهو قول الحسين بن الفضل ; من " أم " إذا قصد ، أي نحن قاصدون نحوك ; ومنه قوله : ولا آمين البيت الحرام . حكاه أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم القشيري . قال الجوهري : وهو مبني على الفتح مثل أين وكيف ; لاجتماع الساكنين . وتقول منه : أمن فلان تأمينا .
السادسة : اختلف العلماء هل يقولها الإمام وهل يجهر بها ; فذهب الشافعي ومالك في رواية المدنيين إلى ذلك . وقال الكوفيون وبعض المدنيين : لا يجهر بها . وهو قول الطبري ، وبه قال ابن حبيب من علمائنا . وقال ابن بكير : هو مخير . وروى ابن القاسم عن مالك أن الإمام لا يقول آمين وإنما يقول ذلك من خلفه ; وهو قول ابن القاسم والمصريين من أصحاب مالك . وحجتهم حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال : إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا وإذا قال " غير المغضوب عليهم ولا الضالين " فقولوا آمين يجبكم الله وذكر الحديث ، أخرجه مسلم . ومثله حديث سمي عن أبي هريرة ; وأخرجه مالك . والصحيح الأول لحديث وائل بن حجر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ولا الضالين قال : " آمين " يرفع بها صوته ; أخرجه أبو داود والدارقطني ، وزاد " قال أبو بكر : هذه سنة تفرد بها أهل الكوفة ، هذا صحيح والذي بعده " . وترجم البخاري " باب جهر الإمام بالتأمين " .
وقال عطاء : " آمين " دعاء ، أمن ابن الزبير ومن وراءه حتى إن للمسجد للجة . قال الترمذي : وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم ، يرون أن يرفع الرجل صوته بالتأمين ولا يخفيها . وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق . وفي الموطأ والصحيحين قال ابن شهاب : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " آمين " . وفي سنن ابن ماجه عن أبي هريرة قال : ترك الناس آمين ; وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال : غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال : " آمين " حتى يسمعها أهل الصف الأول فيرتج بها المسجد . وأما حديث أبي موسى وسمي فمعناهما التعريف بالموضع الذي يقال فيه آمين ; وهو إذا قال الإمام : ولا الضالين ليكون قولهما معا ، ولا يتقدموه بقول : آمين ; لما ذكرناه ، والله أعلم . ولقوله عليه السلام : إذا أمن الإمام فأمنوا . وقال ابن نافع في كتاب ابن الحارث : لا يقولها المأموم إلا أن يسمع الإمام يقول : ولا الضالين . وإذا كان ببعد لا يسمعه فلا يقل . وقال ابن عبدوس : يتحرى قدر القراءة ويقول : آمين .
السابعة : قال أصحاب أبي حنيفة : الإخفاء بآمين أولى من الجهر بها لأنه دعاء ، وقد قال الله تعالى : ادعوا ربكم تضرعا وخفية . قالوا : والدليل عليه ما روي في تأويل قوله تعالى : قد أجيبت دعوتكما . قال : كان موسى يدعو وهارون يؤمن ، فسماهما الله داعيين .
الجواب : أن إخفاء الدعاء إنما كان أفضل لما يدخله من الرياء . وأما ما يتعلق بصلاة الجماعة فشهودها إشهار شعار ظاهر ، وإظهار حق يندب العباد إلى إظهاره ; وقد ندب الإمام إلى إشهار قراءة الفاتحة المشتملة على الدعاء والتأمين في آخرها ; فإذا كان الدعاء مما يسن الجهر فيه فالتأمين على الدعاء تابع له وجار مجراه ; وهذا بين .
الثامنة : كلمة آمين لم تكن قبلنا إلا لموسى وهارون عليهما السلام . ذكر الترمذي الحكيم في ( نوادر الأصول ) : حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد قال حدثنا أبي قال حدثنا رزين مؤذن مسجد هشام بن حسان قال حدثنا أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أعطى أمتي ثلاثا لم تعط أحدا قبلهم السلام وهو تحية أهل الجنة وصفوف الملائكة وآمين إلا ما كان من موسى وهارون قال أبو عبد الله : معناه أن موسى دعا على فرعون ، وأمن هارون ، فقال الله تبارك اسمه عندما ذكر دعاء موسى في تنزيله : قد أجيبت دعوتكما ولم يذكر مقالة هارون ; وقال موسى : ربنا ، فكان من هارون التأمين ، فسماه داعيا في تنزيله ، إذ صير ذلك منه دعوة . وقد قيل : إن أمين خاص لهذه الأمة ; لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين أخرجه ابن ماجه من حديث حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . . . ; الحديث . وأخرج أيضا من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على آمين فأكثروا من قول آمين . قال علماؤنا رحمة الله عليهم : إنما حسدنا أهل الكتاب لأن أولها حمد لله وثناء عليه ثم خضوع له واستكانة ، ثم دعاء لنا بالهداية إلى الصراط المستقيم ، ثم الدعاء عليهم مع قولنا آمين .
وفيه ست وثلاثون مسألة :
الأولى : قوله سبحانه وتعالى : الحمد لله روى أبو محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا قال العبد الحمد لله قال صدق عبدي الحمد لي . وروى مسلم عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحم. ❝ ⏤عبدالعزيز بن داخل المطيري
❞ الحمد لله
سورة الفاتحة :
وفيها أربعة أبواب :
[ الباب الأول في فضائلها وأسمائها ] وفيه سبع مسائل
الأولى : روى الترمذي عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن وهي السبع المثاني وهي مقسومة بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل . أخرج مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب : أن أبا سعيد مولى [ عبد الله بن ] عامر بن كريز أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب وهو يصلي ; فذكر الحديث . قال ابن عبد البر : أبو سعيد لا يوقف له على اسم وهو معدود في أهل المدينة ، روايته عن أبي هريرة وحديثه هذا مرسل ; وقد روى هذا الحديث عن أبي سعيد بن المعلى رجل من الصحابة لا يوقف على اسمه أيضا رواه عنه حفص بن عاصم ، وعبيد بن حنين .
قلت : كذا قال في ( التمهيد ) : لا يوقف له على اسم . وذكر في كتاب الصحابة الاختلاف في اسمه . والحديث خرجه البخاري عن أبي سعيد بن المعلى قال : كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه ، فقلت : يا رسول الله إني كنت أصلي ; فقال : ( ألم يقل الله استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم ) - ثم قال لي - ( إني لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ) ثم أخذ بيدي ، فلما أراد أن يخرج قلت له : ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن ؟ قال : الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته . قال ابن عبد البر وغيره : أبو سعيد بن المعلى من جلة الأنصار ، وسادات الأنصار ، تفرد به البخاري ، واسمه رافع ، ويقال : الحارث بن نفيع بن المعلى ، ويقال : أوس بن المعلى ، ويقال : أبو سعيد بن أوس بن المعلى ; توفي سنة أربع وسبعين وهو ابن أربع وستين سنة ، وهو أول من صلى إلى القبلة حين حولت ، وسيأتي . وقد أسند حديث أبي يزيد بن زريع قال : حدثنا روح بن القاسم عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي وهو يصلي ; فذكر الحديث بمعناه .
وذكر ابن الأنباري في كتاب الرد له : حدثني أبو عبيد الله الوراق حدثنا أبو داود حدثنا شيبان عن منصور عن مجاهد قال : إن إبليس - لعنه الله - رن أربع رنات : حين لعن ، وحين أهبط من الجنة ، وحين بعث محمد صلى الله عليه وسلم ، وحين أنزلت فاتحة الكتاب ، وأنزلت بالمدينة .
الثانية : اختلف العلماء في تفضيل بعض السور والآي على بعض ، وتفضيل بعض أسماء الله تعالى الحسنى على بعض ، فقال قوم : لا فضل لبعض على بعض ، لأن الكل كلام الله ، وكذلك أسماؤه لا مفاضلة بينها . ذهب إلى هذا الشيخ أبو الحسن الأشعري ، والقاضي أبو بكر بن الطيب ، وأبو حاتم محمد بن حبان البستي ، وجماعة من الفقهاء . وروي معناه عن مالك . قال يحيى بن يحيى : تفضيل بعض القرآن على بعض خطأ ، وكذلك كره مالك أن تعاد سورة أو تردد دون غيرها . وقال عن مالك في قول الله تعالى : نأت بخير منها أو مثلها قال : محكمة مكان منسوخة . وروى ابن كنانة مثل ذلك كله عن مالك . واحتج هؤلاء بأن قالوا : إن الأفضل يشعر بنقص المفضول ، والذاتية في الكل واحدة ، وهي كلام الله ، وكلام الله تعالى لا نقص فيه . قال البستي : ومعنى هذه اللفظة ( ما في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن ) : أن الله تعالى لا يعطي لقارئ التوراة والإنجيل من الثواب مثل ما يعطي لقارئ أم القرآن ، إذ الله بفضله فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم ، وأعطاها من الفضل على قراءة كلامه أكثر مما أعطى غيرها من الفضل على قراءة كلامه ، وهو فضل منه لهذه الأمة . قال ومعنى قوله : ( أعظم سورة ) أراد به في الأجر ، لا أن بعض القرآن أفضل من بعض . وقال قوم بالتفضيل ، وأن ما تضمنه قوله تعالى وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم وآية الكرسي ، وآخر سورة الحشر ، وسورة الإخلاص من الدلالات على وحدانيته وصفاته ليس موجودا مثلا في تبت يدا أبي لهب وما كان مثلها .
والتفضيل إنما هو بالمعاني العجيبة وكثرتها ، لا من حيث الصفة ، وهذا هو الحق . وممن قال بالتفضيل إسحاق بن راهويه وغيره من العلماء والمتكلمين ، وهو اختيار القاضي أبي بكر بن العربي وابن الحصار ، لحديث أبي سعيد بن المعلى وحديث أبي بن كعب أنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا أبي أي آية معك في كتاب الله أعظم ) قال : الله لا إله إلا هو الحي القيوم . قال : فضرب في صدري وقال : ( ليهنك العلم أبا المنذر ) أخرجه البخاري ومسلم .
قال ابن الحصار : عجبي ممن يذكر الاختلاف مع هذه النصوص .
وقال ابن العربي : قوله : ˝ ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها ˝ وسكت عن سائر الكتب ، كالصحف المنزلة والزبور وغيرها ، لأن هذه المذكورة أفضلها ، وإذا كان الشيء أفضل الأفضل ، صار أفضل الكل . كقولك : زيد أفضل العلماء فهو أفضل الناس .
وفي الفاتحة من الصفات ما ليس لغيرها ، حتى قيل : إن جميع القرآن فيها . وهي خمس وعشرون كلمة تضمنت جميع علوم القرآن . ومن شرفها أن الله سبحانه قسمها بينه وبين عبده ، ولا تصح القربة إلا بها ، ولا يلحق عمل بثوابها ، وبهذا المعنى صارت أم القرآن العظيم ، كما صارت قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ، إذ القرآن توحيد وأحكام ووعظ ، و قل هو الله أحد فيها التوحيد كله ، وبهذا المعنى وقع البيان في قوله عليه السلام لأبي . ( أي آية في القرآن أعظم ) قال : الله لا إله إلا هو الحي القيوم . وإنما كانت أعظم آية لأنها توحيد كلها كما صار قوله : أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له أفضل الذكر ; لأنها كلمات حوت جميع العلوم في التوحيد ، والفاتحة تضمنت التوحيد والعبادة والوعظ والتذكير ، ولا يستبعد ذلك في قدرة الله تعالى .
الثالثة : روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فاتحة الكتاب ، وآية الكرسي ، و شهد الله أنه لا إله إلا هو ، و قل اللهم مالك الملك ، هذه الآيات معلقات بالعرش ليس بينهن وبين الله حجاب ) . أسنده أبو عمرو الداني في كتاب ( البيان ) له .
الرابعة : في أسمائها ، وهي اثنا عشر اسما :
( الأول ) : الصلاة ، قال الله تعالى : ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ) الحديث . وقد تقدم .
( الثاني ) : الحمد ، لأن فيها ذكر الحمد ; كما يقال : سورة الأعراف ، والأنفال ، والتوبة ، ونحوها .
( الثالث ) : فاتحة الكتاب ، من غير خلاف بين العلماء ; وسميت بذلك لأنه تفتتح قراءة القرآن بها لفظا ، وتفتتح بها الكتابة في المصحف خطا ، وتفتتح بها الصلوات .
( الرابع ) : أم الكتاب ، وفي هذا الاسم خلاف ، جوزه الجمهور ، وكرهه أنس والحسن وابن سيرين . قال الحسن : أم الكتاب الحلال والحرام ، قال الله تعالى : آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات . وقال أنس وابن سيرين : أم الكتاب اسم اللوح المحفوظ . قال الله تعالى : وإنه في أم الكتاب .
( الخامس ) : أم القرآن ، واختلف فيه أيضا ، فجوزه الجمهور ، وكرهه أنس وابن سيرين ; والأحاديث الثابتة ترد هذين القولين . روى الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني قال : هذا حديث حسن صحيح . وفي البخاري قال : وسميت أم الكتاب لأنه يبتدأ بكتابتها في المصاحف ، ويبدأ بقراءتها في الصلاة . وقال يحيى بن يعمر : أم القرى : مكة ، وأم خراسان : مرو ، وأم القرآن : سورة الحمد . وقيل : سميت أم القرآن لأنها أوله ومتضمنة لجميع علومه ، وبه سميت مكة أم القرى لأنها أول الأرض ومنها دحيت ، ومنه سميت الأم أما لأنها أصل النسل ، والأرض أما ، في قول أمية بن أبي الصلت :
فالأرض معقلنا وكانت أمنا فيها مقابرنا وفيها نولد
ويقال لراية الحرب : أم ; لتقدمها واتباع الجيش لها . وأصل أم أمهة ، ولذلك تجمع على أمهات ، قال الله تعالى : وأمهاتكم . ويقال أمات بغير هاء . قال :
فرجت الظلام بأماتكا
وقيل : إن أمهات في الناس ، وأمات في البهائم ; حكاه ابن فارس في المجمل .
( السادس ) : المثاني ، سميت بذلك لأنها تثنى في كل ركعة . وقيل : سميت بذلك لأنها استثنيت لهذه الأمة فلم تنزل على أحد قبلها ذخرا لها .
( السابع ) : القرآن العظيم ، سميت بذلك لتضمنها جميع علوم القرآن ، وذلك أنها تشتمل على الثناء على الله عز وجل بأوصاف كماله وجلاله ، وعلى الأمر بالعبادات والإخلاص فيها ، والاعتراف بالعجز عن القيام بشيء منها إلا بإعانته تعالى ، وعلى الابتهال إليه في الهداية إلى الصراط المستقيم ; وكفاية أحوال الناكثين ، وعلى بيانه عاقبة الجاحدين .
( الثامن ) : الشفاء ، روى الدارمي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فاتحة الكتاب شفاء من كل سم .
( التاسع ) : الرقية ، ثبت ذلك من حديث أبي سعيد الخدري وفيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للرجل ، الذي رقى سيد الحي : ( ما أدراك أنها رقية ) فقال : يا رسول الله شيء ألقي في روعي ; الحديث . خرجه الأئمة ، وسيأتي بتمامه .
( العاشر ) : الأساس ، شكا رجل إلى الشعبي وجع الخاصرة ; فقال : عليك بأساس القرآن فاتحة الكتاب ، سمعت ابن عباس يقول : لكل شيء أساس ، وأساس الدنيا مكة ، لأنها منها دحيت ; وأساس السماوات عريبا ، وهي السماء السابعة ; وأساس الأرض عجيبا ، وهي الأرض السابعة السفلى ; وأساس الجنان جنة عدن ، وهي سرة الجنان عليها أسست الجنة ; وأساس النار جهنم ، وهي الدركة السابعة السفلى عليها أسست الدركات ، وأساس الخلق آدم ، وأساس الأنبياء نوح ; وأساس بني إسرائيل يعقوب ; وأساس الكتب القرآن ; وأساس القرآن الفاتحة ; وأساس الفاتحة بسم الله الرحمن الرحيم ; فإذا اعتللت أو اشتكيت فعليك بالفاتحة تشفى .
( الحادي عشر ) : الوافية ، قاله سفيان بن عيينة ، لأنها لا تتنصف ولا تحتمل الاختزال ، ولو قرأ من سائر السور نصفها في ركعة ، ونصفها الآخر في ركعة لأجزأ ; ولو نصفت الفاتحة في ركعتين لم يجز .
( الثاني عشر ) : الكافية ، قال يحيى بن أبي كثير : لأنها تكفي عن سواها ولا يكفي سواها عنها . يدل عليه ما روى محمد بن خلاد الإسكندراني قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أم القرآن عوض من غيرها وليس غيرها منها عوضا .
الخامسة : قال المهلب : إن موضع الرقية منها إنما هو إياك نعبد وإياك نستعين . وقيل : السورة كلها رقية ، لقوله عليه السلام للرجل لما أخبره : ( وما أدراك أنها رقية ) ولم يقل : أن فيها رقية ; فدل هذا على أن السورة بأجمعها رقية ، لأنها فاتحة الكتاب ومبدؤه ، ومتضمنة لجميع علومه ، كما تقدم والله أعلم .
السادسة : ليس في تسميتها بالمثاني وأم الكتاب ما يمنع من تسمية غيرها بذلك ، قال الله عز وجل : كتابا متشابها مثاني فأطلق على كتابه : مثاني ; لأن الأخبار تثنى فيه . وقد سميت السبع الطول أيضا مثاني ; لأن الفرائض والقصص تثنى فيها . قال ابن عباس : أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعا من المثاني ; قال : السبع الطول . ذكره النسائي ، وهي من ˝ البقرة ˝ إلى ˝ الأعراف ˝ ست ، واختلفوا في السابعة ، فقيل : يونس ، وقيل : الأنفال والتوبة ; وهو قول مجاهد وسعيد بن جبير . وقال أعشى همدان :
فلجوا المسجد وادعوا ربكم وادرسوا هذي المثاني والطول
وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة ˝ الحجر ˝ إن شاء الله تعالى .
السابعة : المثاني جمع مثنى ، وهي التي جاءت بعد الأولى ، والطول جمع أطول . وقد سميت الأنفال من المثاني لأنها تتلو الطول في القدر . وقيل : هي التي تزيد آياتها على المفصل وتنقص عن المئين . والمئون : هي السور التي تزيد كل واحدة منها على مائة آية .
وفيه عشرون مسألة
الأولى : أجمعت الأمة على أن فاتحة الكتاب سبع آيات ; إلا ما روي عن حسين الجعفي : أنها ست ; وهذا شاذ . وإلا ما روي عن عمرو بن عبيد أنه جعل إياك نعبد آية ، وهي على عدة ثماني آيات ; وهذا شاذ . وقوله تعالى : ولقد آتيناك سبعا من المثاني ، وقوله : ( قسمت الصلاة ) الحديث ، يرد هذين القولين .
وأجمعت الأمة أيضا على أنها من القرآن . فإن قيل : لو كانت قرآنا لأثبتها عبد الله بن مسعود في مصحفه ، فلما لم يثبتها دل على أنها ليست من القرآن ، كالمعوذتين عنده .
فالجواب ما ذكره أبو بكر الأنباري قال : حدثنا الحسن بن الحباب حدثنا سليمان بن الأشعث حدثنا ابن أبي قدامة حدثنا جرير عن الأعمش قال : أظنه عن إبراهيم قال : قيل لعبد الله بن مسعود : لم لم تكتب فاتحة الكتاب في مصحفك ؟ قال لو كتبتها لكتبتها مع كل سورة . قال أبو بكر : يعني أن كل ركعة سبيلها أن تفتتح بأم القرآن قبل السورة المتلوة بعدها ، فقال : اختصرت بإسقاطها ، ووثقت بحفظ المسلمين لها ، ولم أثبتها في موضع فيلزمني أن أكتبها مع كل سورة ، إذ كانت تتقدمها في الصلاة .
الثانية : اختلفوا أهي مكية أم مدنية ؟ فقال ابن عباس وقتادة وأبو العالية الرياحي - واسمه رفيع - وغيرهم : هي مكية . وقال أبو هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري وغيرهم : هي مدنية . ويقال : نزل نصفها بمكة ، ونصفها بالمدينة . حكاه أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي في تفسيره . والأول أصح لقوله تعالى : ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم والحجر مكية بإجماع . ولا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة . وما حفظ أنه كان في الإسلام قط صلاة بغير الحمد لله رب العالمين ; يدل على هذا قوله عليه السلام : ( لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ) . وهذا خبر عن الحكم ، لا عن الابتداء ، والله أعلم . وقد ذكر القاضي ابن الطيب اختلاف الناس في أول ما نزل من القرآن ; فقيل : المدثر ، وقيل : اقرأ ، وقيل : الفاتحة . وذكر البيهقي في دلائل النبوة عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة : إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء وقد والله خشيت أن يكون هذا أمرا قالت : معاذ الله ! ما كان الله ليفعل بك ، فوالله إنك لتؤدي الأمانة ، وتصل الرحم ، وتصدق الحديث . فلما دخل أبو بكر - وليس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم - ذكرت خديجة حديثه له ، قالت : يا عتيق ، اذهب مع محمد إلى ورقة بن نوفل . فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ أبو بكر بيده ، فقال : انطلق بنا إلى ورقة ، فقال : ( ومن أخبرك ) . قال : خديجة ، فانطلقا إليه فقصا عليه ; فقال : إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي يا محمد يا محمد فأنطلق هاربا في الأرض فقال : لا تفعل ، إذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبرني . فلما خلا ناداه : يا محمد ، قل بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين - حتى بلغ ولا الضالين ، قل : لا إله إلا الله . فأتى ورقة فذكر ذلك له ; فقال له ورقة : أبشر ثم أبشر ، فأنا أشهد أنك الذي بشر به عيسى ابن مريم ، وأنك على مثل ناموس موسى ، وأنك نبي مرسل ، وأنك سوف تؤمر بالجهاد بعد يومك هذا ، وإن يدركني ذلك لأجاهدن معك . فلما توفي ورقة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب الحرير لأنه آمن بي وصدقني يعني ورقة . قال البيهقي رضي الله عنه : هذا منقطع . يعني هذا الحديث ، فإن كان محفوظا فيحتمل أن يكون خبرا عن نزولها بعدما نزل عليه اقرأ باسم ربك و ياأيها المدثر .
الثالثة : قال ابن عطية : ظن بعض العلماء أن جبريل عليه السلام لم ينزل بسورة الحمد ; لما رواه مسلم عن ابن عباس قال : بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم ، سمع نقيضا من فوقه ، فرفع رأسه فقال : هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم ، فنزل منه ملك ، فقال : هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم ; فسلم وقال : أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة ; لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته . قال ابن عطية : وليس كما ظن ، فإن هذا الحديث يدل على أن جبريل عليه السلام تقدم الملك إلى النبي صلى الله عليه وسلم معلما به وبما ينزل معه ; وعلى هذا يكون جبريل شارك في نزولها ; والله أعلم .
قلت : الظاهر من الحديث يدل على أن جبريل عليه السلام لم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من ذلك . وقد بينا أن نزولها كان بمكة ، نزل بها جبريل عليه السلام ، لقوله تعالى : نزل به الروح الأمين وهذا يقتضي جميع القرآن ، فيكون جبريل عليه السلام نزل بتلاوتها بمكة ، ونزل الملك بثوابها بالمدينة . والله أعلم . وقد قيل : إنها مكية مدنية ، نزل بها جبريل مرتين ; حكاه الثعلبي . وما ذكرناه أولى . فإنه جمع بين القرآن والسنة ، ولله الحمد والمنة .
الرابعة : قد تقدم أن البسملة ليست بآية منها على القول الصحيح ، وإذا ثبت ذلك فحكم المصلي إذا كبر أن يصله بالفاتحة ولا يسكت ، ولا يذكر توجيها ولا تسبيحا ، لحديث عائشة وأنس المتقدمين وغيرهما ، وقد جاءت أحاديث بالتوجيه والتسبيح والسكوت ، قال بها جماعة من العلماء ; فروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أنهما كانا يقولان إذا افتتحا الصلاة : سبحانك اللهم وبحمدك ، تبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك . وبه قال سفيان وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي . وكان الشافعي يقول بالذي روي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا افتتح الصلاة كبر ثم قال : وجهت وجهي الحديث ، ذكره مسلم ، وسيأتي بتمامه في آخر سورة الأنعام ، وهناك يأتي القول في هذه المسألة مستوفى إن شاء الله .
قال ابن المنذر : ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة قبل أن يقرأ يقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد واستعمل ذلك أبو هريرة . وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : للإمام سكتتان فاغتنموا فيهما القراءة . وكان الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وأحمد بن حنبل يميلون إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب .
الخامسة : واختلف العلماء في وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة ; فقال مالك وأصحابه : هي متعينة للإمام والمنفرد في كل ركعة . قال ابن خويز منداد البصري المالكي : لم يختلف قول مالك أنه من نسيها في صلاة ركعة من صلاة ركعتين أن صلاته تبطل ولا تجزيه . واختلف قوله فيمن تركها ناسيا في ركعة من صلاة رباعية أو ثلاثية ; فقال مرة : يعيد الصلاة ، وقال مرة أخرى : يسجد سجدتي السهو ; وهي رواية ابن عبد الحكم وغيره عن مالك . قال ابن خويز منداد وقد قيل : إنه يعيد تلك الركعة ويسجد للسهو بعد السلام . قال ابن عبد البر : الصحيح من القول إلغاء تلك الركعة ويأتي بركعة بدلا منها ، كمن أسقط سجدة سهوا . وهو اختيار ابن القاسم . وقال الحسن البصري وأكثر أهل البصرة والمغيرة بن عبد الرحمن المخزومي المدني : إذا قرأ بأم القرآن مرة واحدة في الصلاة أجزأه ولم تكن عليه إعادة ; لأنها صلاة قد قرأ فيها بأم القرآن ; وهي تامة لقوله عليه السلام : لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن وهذا قد قرأ بها .
قلت : ويحتمل لا صلاة لمن لم يقرأ بها في كل ركعة ، وهو الصحيح على ما يأتي . ويحتمل لا صلاة لمن لم يقرأ بها في أكثر عدد الركعات ، وهذا هو سبب الخلاف والله أعلم .
وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي : إن تركها عامدا في صلاته كلها وقرأ غيرها أجزأه ; على اختلاف عن الأوزاعي في ذلك . وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن : أقله ثلاث آيات أو آية طويلة كآية الدين . وعن محمد بن الحسن أيضا قال : أسوغ الاجتهاد في مقدار آية ومقدار كلمة مفهومة ; نحو : الحمد لله ولا أسوغه في حرف لا يكون كلاما . وقال الطبري : يقرأ المصلي بأم القرآن في كل ركعة ، فإن لم يقرأ بها لم يجزه إلا مثلها من القرآن عدد آيها وحروفها . قال ابن عبد البر : وهذا لا معنى له ; لأن التعيين لها والنص عليها قد خصها بهذا الحكم دون غيرها ; ومحال أن يجيء بالبدل منها من وجبت عليه فتركها وهو قادر عليها ، وإنما عليه أن يجيء بها ويعود إليها ، كسائر المفروضات المتعينات في العبادات .
السادسة : وأما المأموم فإن أدرك الإمام راكعا فالإمام يحمل عنه القراءة ; لإجماعهم على أنه إذا أدركه راكعا أنه يكبر ويركع ولا يقرأ شيئا وإن أدركه قائما فإنه يقرأ ، وهي المسألة :
السابعة : ولا ينبغي لأحد أن يدع القراءة خلف إمامه في صلاة السر ; فإن فعل فقد أساء ; ولا شيء عليه عند مالك وأصحابه . وأما إذا جهر الإمام وهي المسألة :
الثامنة : فلا قراءة بفاتحة الكتاب ولا غيرها في المشهور من مذهب مالك ; لقول الله تعالى : وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لي أنازع القرآن ، وقوله في الإمام : إذا قرأ فأنصتوا ، وقوله : من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة .
وقال الشافعي فيما حكى عنه البويطي وأحمد بن حنبل : لا تجزئ أحدا صلاة حتى يقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة ، إماما كان أو مأموما ، جهر إمامه أو أسر . وكان الشافعي بالعراق يقول في المأموم : يقرأ إذا أسر ولا يقرأ إذا جهر ; كمشهور مذهب مالك . وقال بمصر : فيما يجهر فيه الإمام بالقراءة قولان : أحدهما أن يقرأ والآخر يجزئه ألا يقرأ ويكتفي بقراءة الإمام . حكاه ابن المنذر . وقال ابن وهب وأشهب وابن عبد الحكم وابن حبيب والكوفيون : لا يقرأ المأموم شيئا ، جهر إمامه أو أسر ; لقوله عليه السلام : فقراءة الإمام له قراءة وهذا عام ، ولقول جابر : من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا وراء الإمام .
التاسعة : الصحيح من هذه الأقوال قول الشافعي وأحمد ومالك في القول الآخر ، وأن الفاتحة متعينة في كل ركعة لكل أحد على العموم ; لقوله صلى الله عليه وسلم : لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ، وقوله : من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ثلاثا . وقال أبو هريرة : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي أنه : ( لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد ) أخرجه أبو داود . كما لا ينوب سجود ركعة ولا ركوعها عن ركعة أخرى ، فكذلك لا تنوب قراءة ركعة عن غيرها ; وبه قال عبد الله بن عون وأيوب السختياني وأبو ثور وغيره من أصحاب الشافعي وداود بن علي ، وروي مثله عن الأوزاعي ; وبه قال مكحول .
وروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وأبي بن كعب وأبي أيوب الأنصاري وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبادة بن الصامت وأبي سعيد الخدري وعثمان بن أبي العاص وخوات بن جبير أنهم قالوا : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب . وهو قول ابن عمر والمشهور من مذهب الأوزاعي ; فهؤلاء الصحابة بهم القدوة ، وفيهم الأسوة ، كلهم يوجبون الفاتحة في كل ركعة .
وقد أخرج الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني في سننه ما يرفع الخلاف ويزيل كل احتمال فقال : حدثنا أبو كريب حدثنا محمد بن فضيل ، ح ، وحدثنا سويد بن سعيد حدثنا علي بن مسهر جميعا عن أبي سفيان السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد لله وسورة في فريضة أو غيرها . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أنه عليه السلام قال للذي علمه الصلاة : وافعل ذلك في صلاتك كلها وسيأتي . ومن الحجة في ذلك أيضا ما رواه أبو داود عن نافع بن محمود بن الربيع الأنصاري قال : أبطأ عبادة بن الصامت عن صلاة الصبح ; فأقام أبو نعيم المؤذن الصلاة فصلى أبو نعيم بالناس ، وأقبل عبادة بن الصامت وأنا معه حتى صففنا خلف أبي نعيم ، وأبو نعيم يجهر بالقراءة ; فجعل عبادة يقرأ بأم القرآن ; فلما انصرف قلت لعبادة : سمعتك تقرأ بأم القرآن وأبو نعيم يجهر ؟ قال : أجل ! صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة فالتبست عليه ; فلما انصرف أقبل علينا بوجهه فقال : هل تقرءون إذا جهرت بالقراءة ؟ فقال بعضنا : إنا نصنع ذلك ; قال : فلا . وأنا أقول ما لي ينازعني القرآن فلا تقرءوا بشيء من القرآن إذا جهرت إلا بأم القرآن . وهذا نص صريح في المأموم . وأخرجه أبو عيسى الترمذي من حديث محمد بن إسحاق بمعناه ; وقال : حديث حسن . والعمل على هذا الحديث في القراءة خلف الإمام عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ; وهو قول مالك بن أنس وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ، يرون القراءة خلف الإمام . وأخرجه أيضا الدارقطني وقال : هذا إسناد حسن ، ورجاله كلهم ثقات ; وذكر أن محمود بن الربيع كان يسكن إيلياء ، وأن أبا نعيم أول من أذن في بيت المقدس . وقال أبو محمد عبد الحق : ونافع بن محمود لم يذكره البخاري في تاريخه ولا ابن أبي حاتم ; ولا أخرج له البخاري ومسلم شيئا . وقال فيه أبو عمر : مجهول . وذكر الدارقطني عن يزيد بن شريك قال : سألت عمر عن القراءة خلف الإمام ، فأمرني أن أقرأ ، قلت : وإن كنت أنت ؟ قال : وإن كنت أنا ; قلت : وإن جهرت ؟ قال : وإن جهرت . قال الدارقطني : هذا إسناد صحيح . وروي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإمام ضامن فما صنع فاصنعوا . قال أبو حاتم : هذا يصح لمن قال بالقراءة خلف الإمام ; وبهذا أفتى أبو هريرة الفارسي أن يقرأ بها في نفسه حين قال له : إني أحيانا أكون وراء الإمام ، ثم استدل بقوله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرءوا يقول العبد الحمد لله رب العالمين الحديث .
العاشرة : أما ما استدل به الأولون بقوله عليه السلام : وإذا قرأ فأنصتوا أخرجه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري ; وقال : وفي حديث جرير عن سليمان عن قتادة من الزيادة وإذا قرأ فأنصتوا قال الدارقطني : هذه اللفظة لم يتابع سليمان التيمي فيها عن قتادة ; وخالفه الحفاظ من أصحاب قتادة فلم يذكروها ; منهم شعبة وهشام وسعيد بن أبي عروبة وهمام وأبو عوانة ومعمر وعدي بن أبي عمارة . قال الدارقطني : فإجماعهم يدل على وهمه . وقد روي عن عبد الله بن عامر عن قتادة متابعة التيمي ; ولكن ليس هو بالقوي ، تركه القطان . وأخرج أيضا هذه الزيادة أبو داود من حديث أبي هريرة وقال : هذه الزيادة إذا قرأ فأنصتوا ليست بمحفوظة . وذكر أبو محمد عبد الحق : أن مسلما صحح حديث أبي هريرة وقال : هو عندي صحيح .
قلت : ومما يدل على صحتها عنده إدخالها في كتابه من حديث أبي موسى وإن كانت مما لم يجمعوا عليها . وقد صححها الإمام أحمد بن حنبل وابن المنذر . وأما قوله تعالى : وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا فإنه نزل بمكة ، وتحريم الكلام في الصلاة نزل بالمدينة - كما قال زيد بن أرقم فلا حجة فيها ; فإن المقصود كان المشركين ، على ما قال سعيد بن المسيب . وقد روى الدارقطني عن أبي هريرة أنها نزلت في رفع الصوت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال : عبد الله بن عامر ضعيف . وأما قوله عليه السلام : ( ما لي أنازع القرآن ) فأخرجه مالك عن ابن شهاب عن ابن أكيمة الليثي ، واسمه فيما قال مالك : عمرو ، وغيره يقول عامر ، وقيل يزيد ، وقيل عمارة ، وقيل عباد ، يكنى أبا الوليد توفي سنة إحدى ومائة وهو ابن تسع وسبعين سنة ، لم يرو عنه الزهري إلا هذا الحديث الواحد ، وهو ثقة ، وروى عنه محمد بن عمرو وغيره . والمعنى في حديثه : لا تجهروا إذا جهرت فإن ذلك تنازع وتجاذب وتخالج ، اقرءوا في أنفسكم . يبينه حديث عبادة وفتيا الفاروق وأبي هريرة الراوي للحديثين . فلو فهم المنع جملة من قوله : ( ما لي أنازع القرآن ) لما أفتى بخلافه ، وقول الزهري في حديث ابن أكيمة : فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقراءة ، حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يريد بالحمد على ما بينا ; وبالله توفيقنا .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة فحديث ضعيف أسنده الحسن بن عمارة وهو متروك ، وأبو حنيفة وهو ضعيف ; كلاهما عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر . أخرجه الدارقطني وقال : رواه سفيان الثوري وشعبة وإسرائيل بن يونس وشريك وأبو خالد الدالاني وأبو الأحوص وسفيان بن عيينة وجرير بن عبد الحميد وغيرهم ، عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصواب . وأما قول جابر : من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا وراء الإمام ; فرواه مالك عن وهب بن كيسان عن جابر قوله . قال ابن عبد البر : ورواه يحيى بن سلام صاحب التفسير عن مالك عن أبي نعيم وهب بن كيسان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وصوابه موقوف على جابر كما في الموطأ . وفيه من الفقه إبطال الركعة التي لا يقرأ فيها بأم القرآن ; وهو يشهد لصحة ما ذهب إليه ابن القاسم ورواه عن مالك في إلغاء الركعة والبناء على غيرها ولا يعتد المصلي بركعة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب . وفيه أيضا أنالإمام قراءته لمن خلفه قراءة ; وهذا مذهب جابر وقد خالفه فيه غيره .
الحادية عشرة : قال ابن العربي : لما قال صلى الله عليه وسلم : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب واختلف الناس في هذا الأصل هل يحمل هذا النفي على التمام والكمال ، أو على الإجزاء ؟ اختلفت الفتوى بحسب اختلاف حال الناظر ، ولما كان الأشهر في هذا الأصل والأقوى أن النفي على العموم ، كان الأقوى من رواية مالك أن من لم يقرأ الفاتحة في صلاته بطلت . ثم نظرنا في تكرارها في كل ركعة ; فمن تأول قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثم افعل ذلك في صلاتك كلها ) لزمه أن يعيد القراءة كما يعيد الركوع والسجود . والله أعلم .
الثانية عشرة : ما ذكرناه في هذا الباب من الأحاديث والمعاني في تعيين الفاتحة يرد على الكوفيين قولهم في أن الفاتحة لا تتعين ، وأنها وغيرها من آي القرآن سواء . وقد عينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله كما ذكرناه ; وهو المبين عن الله تعالى مراده في قوله : وأقيموا الصلاة . وقد روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال : أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر . فدل هذا الحديث على أن قوله عليه السلام للأعرابي : اقرأ ما تيسر معك من القرآن ما زاد على الفاتحة ، وهو تفسير قوله تعالى : فاقرءوا ما تيسر منه وقد روى مسلم عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن - زاد في رواية - فصاعدا . وقوله عليه السلام : ( هي خداج - ثلاثا - غير تمام ) أي غير مجزئة بالأدلة المذكورة . والخداج : النقص والفساد . قال الأخفش : خدجت الناقة ; إذا ألقت ولدها لغير تمام ، وأخدجت إذا قذفت به قبل وقت الولادة وإن كان تام الخلق .
والنظر يوجب في النقصان ألا تجوز معه الصلاة ، لأنها صلاة لم تتم ; ومن خرج من صلاته وهي لم تتم فعليه إعادتها كما أمر ، على حسب حكمها . ومن ادعى أنها تجوز مع إقراره بنقصها فعليه الدليل ، ولا سبيل إليه من وجه يلزم ، والله أعلم .
الثالثة عشرة : روي عن مالك أن القراءة لا تجب في شيء في الصلاة ; وكذلك كان الشافعي يقول بالعراق فيمن نسيها ، ثم رجع عن هذا بمصر فقال : لا تجزئ صلاة من يحسن فاتحة الكتاب إلا بها ، ولا يجزئه أن ينقص حرفا منها ; فإن لم يقرأها أو نقص منها حرفا أعاد صلاته وإن قرأ بغيرها . وهذا هو الصحيح في المسألة . وأما ما روي عن عمر رحمه الله أنه صلى المغرب فلم يقرأ فيها ، فذكر ذلك له فقال : كيف كان الركوع والسجود ؟ قالوا : حسن ، قال : لا بأس إذا ، فحديث منكر اللفظ منقطع الإسناد ، لأنه يرويه إبراهيم بن الحارث التيمي عن عمر ، ومرة يرويه إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عمر ، وكلاهما منقطع لا حجة فيه ; وقد ذكره مالك في الموطأ ، وهو عند بعض الرواة وليس عند يحيى وطائفة معه ، لأنه رماه مالك من كتابه بأخرة ، وقال ليس عليه العمل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج وقد روي عن عمر أنه أعاد تلك الصلاة ; وهو الصحيح عنه . روى يحيى بن يحيى النيسابوري قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن همام بن الحارث أن عمر نسي القراءة في المغرب فأعاد بهم الصلاة . قال ابن عبد البر : وهذا حديث متصل شهده همام من عمر ; روي ذلك من وجوه . وروى أشهب عن مالك قال : سئل مالك عن الذي نسي القراءة ، أيعجبك ما قال عمر ؟ فقال : أنا أنكر أن يكون عمر فعله - وأنكر الحديث - وقال : يرى الناس عمر يصنع هذا في المغرب ولا يسبحون به ! أرى أن يعيد الصلاة من فعل هذا .
الرابعة عشرة : أجمع العلماء على أن لا صلاة إلا بقراءة ، على ما تقدم من أصولهم في ذلك . وأجمعوا على أن لا توقيت في ذلك بعد فاتحة الكتاب ، إلا أنهم يستحبون ألا يقرأ مع فاتحة الكتاب إلا سورة واحدة لأنه الأكثر مما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال مالك : وسنة القراءة أن يقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة ، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب . وقال الأوزاعي : يقرأ بأم القرآن فإن لم يقرأ بأم القرآن وقرأ بغيرها أجزأه ، وقال : وإن نسي أن يقرأ في ثلاث ركعات أعاد . وقال الثوري : يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة ، ويسبح في الأخريين إن شاء ، وإن شاء قرأ ، وإن لم يقرأ ولم يسبح جازت صلاته ، وهو قول أبي حنيفة وسائر الكوفيين .
قال ابن المنذر : وقد روينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : اقرأ في الأوليين وسبح في الأخريين ، وبه قال النخعي . قال سفيان : فإن لم يقرأ في ثلاث ركعات أعاد الصلاة لأنه لا تجزئه قراءة ركعة . قال : وكذلك إن نسي أن يقرأ ركعة في صلاة الفجر . وقال أبو ثور : لا تجزئ صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة ، كقول الشافعي المصري ، وعليه جماعة أصحاب الشافعي . وكذلك قال ابن خويز منداد المالكي ; قال : قراءة الفاتحة واجبة عندنا في كل ركعة ، وهذا هو الصحيح في المسألة . روى مسلم عن أبي قتادة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ، ويسمعنا الآية أحيانا ، وكان يطول في الركعة الأولى من الظهر ويقصر الثانية ، وكذلك في الصبح . وفي رواية : ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب ; وهذا نص صريح وحديث صحيح لما ذهب إليه مالك . ونص في تعين الفاتحة في كل ركعة ; خلافا لمن أبى ذلك ، والحجة في السنة لا فيما خالفها .
الخامسة عشرة : ذهب الجمهور إلى أن ما زاد على الفاتحة من القراءة ليس بواجب ; لما رواه مسلم عن أبي هريرة قال : في كل صلاة قراءة ، فما أسمعنا النبي صلى الله عليه وسلم أسمعناكم ، وما أخفى منا أخفينا منكم ; فمن قرأ بأم القرآن فقد أجزأت عنه ، ومن زاد فهو أفضل . وفي البخاري : وإن زدت فهو خير . وقد أبى كثير من أهل العلم ترك السورة لضرورة أو لغير ضرورة ; منهم عمران بن حصين وأبو سعيد الخدري وخوات بن جبير ومجاهد وأبو وائل وابن عمر وابن عباس وغيرهم ; قالوا : لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وشيء معها من القرآن ; فمنهم من حد آيتين ، ومنهم من حد آية ، ومنهم من لم يحد ، وقال : شيء من القرآن معها ; وكل هذا موجب لتعلم ما تيسر من القرآن على كل حال مع فاتحة الكتاب ; لحديث عبادة وأبي سعيد الخدري وغيرهما . وفي المدونة : وكيع عن الأعمش عن خيثمة قال : حدثني من سمع عمر بن الخطاب يقول : لا تجزئ صلاة من لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وشيء معها .
واختلف المذهب في قراءة السورة على ثلاثة أقوال : سنة ، فضيلة ، واجبة .
السادسة عشرة : من تعذر ذلك عليه بعد بلوغ مجهوده فلم يقدر على تعلم الفاتحة أو شيء من القرآن ولا علق منه بشيء ، لزمه أن يذكر الله في موضع القراءة بما أمكنه من تكبير أو تهليل أو تحميد أو تسبيح أو تمجيد أو لا حول ولا قوة إلا بالله ، إذا صلى وحده أو مع إمام فيما أسر فيه الإمام ; فقد روى أبو داود وغيره عن عبد الله بن أبي أوفى قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا ، فعلمني ما يجزئني منه ; قال : قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ; قال : يا رسول الله ، هذا لله ، فما لي ؟ قال : قل اللهم ارحمني وعافني واهدني وارزقني .
السابعة عشرة : فإن عجز عن إصابة شيء من هذا اللفظ فلا يدع الصلاة مع الإمام جهده ; فالإمام يحمل ذلك عنه إن شاء الله ; وعليه أبدا أن يجهد نفسه في تعلم فاتحة الكتاب فما زاد ، إلى أن يحول الموت دون ذلك وهو بحال الاجتهاد فيعذره الله .
الثامنة عشرة : من لم يواته لسانه إلى التكلم بالعربية من الأعجميين وغيرهم ترجم له الدعاء العربي بلسانه الذي يفقه لإقامة صلاته ; فإن ذلك يجزئه إن شاء الله تعالى .
التاسعة عشرة : لا تجزئ صلاة من قرأ بالفارسية وهو يحسن العربية في قول الجمهور . وقال أبو حنيفة : تجزئه القراءة بالفارسية وإن أحسن العربية ; لأن المقصود إصابة المعنى . قال ابن المنذر : لا يجزئه ذلك ; لأنه خلاف ما أمر الله به ، وخلاف ما علم النبي صلى الله عليه وسلم ، وخلاف جماعات المسلمين . ولا نعلم أحدا وافقه على ما قال .
الموفية عشرين : من افتتح الصلاة كما أمر وهو غير عالم بالقراءة ، فطرأ عليه العلم بها في أثناء الصلاة ويتصور ذلك بأن يكون سمع من قرأها فعلقت بحفظه من مجرد السماع فلا يستأنف الصلاة ; لأنه أدى ما مضى على حسب ما أمر به ; فلا وجه لإبطاله قاله في كتاب ابن سحنون .
فيه ثمان مسائل :
الأولى : ويسن لقارئ القرآن أن يقول بعد الفراغ من الفاتحة بعد سكتة على نون ˝ ولا الضالين ˝ : آمين ، ليتميز ما هو قرآن مما ليس بقرآن .
الثانية : ثبت في الأمهات من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه . قال علماؤنا رحمة الله عليهم : فترتبت المغفرة للذنب على مقدمات أربع تضمنها هذا الحديث . الأولى : تأمين الإمام ، الثانية : تأمين من خلفه ، الثالثة : تأمين الملائكة ، الرابعة : موافقة التأمين ، قيل في الإجابة ، وقيل في الزمن ، وقيل في الصفة من إخلاص الدعاء ، لقوله عليه السلام : ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه .
الثالثة : روى أبو داود عن أبي مصبح المقرائي قال : كنا نجلس إلى أبي زهير النميري وكان من الصحابة ، فيحدث أحسن الحديث ، فإذا دعا الرجل منا بدعاء قال : اختمه بآمين . فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة . قال أبو زهير ألا أخبركم عن ذلك ، خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فأتينا على رجل قد ألح في المسألة ، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم يسمع منه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أوجب إن ختم فقال له رجل من القوم : بأي شيء يختم ؟ قال : بآمين فإنه إن ختم بآمين فقد أوجب فانصرف الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتى الرجل فقال له : اختم يا فلان وأبشر . قال ابن عبد البر : أبو زهير النميري اسمه يحيى بن نفير روى عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تقتلوا الجراد فإنه جند الله الأعظم . وقال وهب بن منبه : آمين أربعة أحرف يخلق الله من كل حرف ملكا يقول : اللهم اغفر لكل من قال آمين . وفي الخبر ( لقنني جبريل آمين عند فراغي من فاتحة الكتاب وقال إنه كالخاتم على الكتاب ) وفي حديث آخر : آمين خاتم رب العالمين . قال الهروي قال أبو بكر : معناه أنه طابع الله على عباده ; لأنه يدفع [ به عنهم ] الآفات والبلايا ; فكان كخاتم الكتاب الذي يصونه ، ويمنع من إفساده وإظهار ما فيه . وفي حديث آخر آمين درجة في الجنة . قال أبو بكر : معناه أنه حرف يكتسب به قائله درجة في الجنة .
الرابعة : معنى آمين عند أكثر أهل العلم : اللهم استجب لنا ; وضع موضع الدعاء . وقال قوم : هو اسم من أسماء الله ; روي عن جعفر بن محمد ومجاهد وهلال بن يساف ورواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصح ; قاله ابن العربي . وقيل معنى آمين : كذلك فليكن ; قاله الجوهري . وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معنى آمين ؟ قال : ( رب افعل ) . وقال مقاتل : هو قوة للدعاء ، واستنزال للبركة . وقال الترمذي : معناه لا تخيب رجاءنا .
الخامسة : وفي آمين لغتان : المد على وزن فاعيل كياسين . والقصر على وزن يمين . قال الشاعر في المد :
يا رب لا تسلبني حبها أبدا ويرحم الله عبدا قال آمينا
وقال آخر :
آمين آمين لا أرضى بواحدة حتى أبلغها ألفين آمينا
وقال آخر في القصر :
تباعد مني فطحل إذ سألته أمين فزاد الله ما بيننا بعدا
وتشديد الميم خطأ ; قال الجوهري . وقد روي عن الحسن وجعفر الصادق التشديد ; وهو قول الحسين بن الفضل ; من ˝ أم ˝ إذا قصد ، أي نحن قاصدون نحوك ; ومنه قوله : ولا آمين البيت الحرام . حكاه أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم القشيري . قال الجوهري : وهو مبني على الفتح مثل أين وكيف ; لاجتماع الساكنين . وتقول منه : أمن فلان تأمينا .
السادسة : اختلف العلماء هل يقولها الإمام وهل يجهر بها ; فذهب الشافعي ومالك في رواية المدنيين إلى ذلك . وقال الكوفيون وبعض المدنيين : لا يجهر بها . وهو قول الطبري ، وبه قال ابن حبيب من علمائنا . وقال ابن بكير : هو مخير . وروى ابن القاسم عن مالك أن الإمام لا يقول آمين وإنما يقول ذلك من خلفه ; وهو قول ابن القاسم والمصريين من أصحاب مالك . وحجتهم حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال : إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا وإذا قال ˝ غير المغضوب عليهم ولا الضالين ˝ فقولوا آمين يجبكم الله وذكر الحديث ، أخرجه مسلم . ومثله حديث سمي عن أبي هريرة ; وأخرجه مالك . والصحيح الأول لحديث وائل بن حجر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ولا الضالين قال : ˝ آمين ˝ يرفع بها صوته ; أخرجه أبو داود والدارقطني ، وزاد ˝ قال أبو بكر : هذه سنة تفرد بها أهل الكوفة ، هذا صحيح والذي بعده ˝ . وترجم البخاري ˝ باب جهر الإمام بالتأمين ˝ .
وقال عطاء : ˝ آمين ˝ دعاء ، أمن ابن الزبير ومن وراءه حتى إن للمسجد للجة . قال الترمذي : وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم ، يرون أن يرفع الرجل صوته بالتأمين ولا يخفيها . وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق . وفي الموطأ والصحيحين قال ابن شهاب : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ˝ آمين ˝ . وفي سنن ابن ماجه عن أبي هريرة قال : ترك الناس آمين ; وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال : غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال : ˝ آمين ˝ حتى يسمعها أهل الصف الأول فيرتج بها المسجد . وأما حديث أبي موسى وسمي فمعناهما التعريف بالموضع الذي يقال فيه آمين ; وهو إذا قال الإمام : ولا الضالين ليكون قولهما معا ، ولا يتقدموه بقول : آمين ; لما ذكرناه ، والله أعلم . ولقوله عليه السلام : إذا أمن الإمام فأمنوا . وقال ابن نافع في كتاب ابن الحارث : لا يقولها المأموم إلا أن يسمع الإمام يقول : ولا الضالين . وإذا كان ببعد لا يسمعه فلا يقل . وقال ابن عبدوس : يتحرى قدر القراءة ويقول : آمين .
السابعة : قال أصحاب أبي حنيفة : الإخفاء بآمين أولى من الجهر بها لأنه دعاء ، وقد قال الله تعالى : ادعوا ربكم تضرعا وخفية . قالوا : والدليل عليه ما روي في تأويل قوله تعالى : قد أجيبت دعوتكما . قال : كان موسى يدعو وهارون يؤمن ، فسماهما الله داعيين .
الجواب : أن إخفاء الدعاء إنما كان أفضل لما يدخله من الرياء . وأما ما يتعلق بصلاة الجماعة فشهودها إشهار شعار ظاهر ، وإظهار حق يندب العباد إلى إظهاره ; وقد ندب الإمام إلى إشهار قراءة الفاتحة المشتملة على الدعاء والتأمين في آخرها ; فإذا كان الدعاء مما يسن الجهر فيه فالتأمين على الدعاء تابع له وجار مجراه ; وهذا بين .
الثامنة : كلمة آمين لم تكن قبلنا إلا لموسى وهارون عليهما السلام . ذكر الترمذي الحكيم في ( نوادر الأصول ) : حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد قال حدثنا أبي قال حدثنا رزين مؤذن مسجد هشام بن حسان قال حدثنا أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أعطى أمتي ثلاثا لم تعط أحدا قبلهم السلام وهو تحية أهل الجنة وصفوف الملائكة وآمين إلا ما كان من موسى وهارون قال أبو عبد الله : معناه أن موسى دعا على فرعون ، وأمن هارون ، فقال الله تبارك اسمه عندما ذكر دعاء موسى في تنزيله : قد أجيبت دعوتكما ولم يذكر مقالة هارون ; وقال موسى : ربنا ، فكان من هارون التأمين ، فسماه داعيا في تنزيله ، إذ صير ذلك منه دعوة . وقد قيل : إن أمين خاص لهذه الأمة ; لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين أخرجه ابن ماجه من حديث حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . . . ; الحديث . وأخرج أيضا من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على آمين فأكثروا من قول آمين . قال علماؤنا رحمة الله عليهم : إنما حسدنا أهل الكتاب لأن أولها حمد لله وثناء عليه ثم خضوع له واستكانة ، ثم دعاء لنا بالهداية إلى الصراط المستقيم ، ثم الدعاء عليهم مع قولنا آمين .
وفيه ست وثلاثون مسألة :
الأولى : قوله سبحانه وتعالى : الحمد لله روى أبو محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا قال العبد الحمد لله قال صدق عبدي الحمد لي . وروى مسلم عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحم. ❝