❞ اِجْلِسْ بنا نُؤمنُ ساعة!
أعلَمُ أنَّها أيَّامٌ شِدادٌ يا صاحبي، وكذا الأمورُ إذا اشتدَّتْ آنَ أوانُ انفراجِها، أحلكُ ساعاتِ الليلِ ظلمةً هي التي تسبقُ الفجرَ بقليل! والهمومُ إذا تكاثرتْ أوشكتْ أن تسقطَ دفعةً واحدة!
ولستُ أُأَمِّلكَ أملاً كاذباً، كتبَ اللهُ لأغلبنَّ أنا ورُسلي! وعدٌ لا يُردُّ، فلا يغرَّنكَ عُلُوُّ الباطلِ، فما ارتفعَ شيءٌ إلا سقطَ، وسيُهزمُ الجمعُ ويُولُّون الدُّبر!
ولستُ أبيعكَ الوهمَ في سوقِ الكلام، وإنَّما كان منهجُ الأنبياء نشرُ الطمأنينة بين النَّاسِ في ساعاتِ الفزع!
أما ترى أنَّ يوسفَ عليه السَّلام قال لأخيه: لا تبتئسْ!
وشعيبٌ عليه السَّلام قالَ لموسى عليه السَّلام: لا تخفْ!
وحين أحاطَ المشركون بالغارِ، قال النَّبيُّ ﷺ لأبي بكرٍ: لا تحزن!
وإنَّكَ لو عُدتَ أدراجَ الزَّمان إلى المدينة يوم الأحزاب، وقد أحاطوا بالمسلمين إحاطة السِّوارِ بالمِعصم، لرأيتَ النَّبيَّ ﷺ آخذاً معوله يضربُ الصَّخرة، ويُبشِّرُ أصحابه بفتحِ فارس وكنوز كسرى، وقد كانَ!
يا صاحبي: كانَ العَارفون باللهِ، إذا التقوا، قال بعضهم لبعضٍ: اِجْلِسْ بنا نُؤمنُ ساعة!
هكذا قال عبد الله بن رواحة لأبي الدَّرداء حين لقيه، وهكذا قال معاذٌ لصاحبه!
فتعالَ أنتَ، اِجْلِسْ بنا نُؤمنُ ساعة!
علامَ اليأسُ يا صاحبي ونحن المُبشَّرون بإحدى الحُسنيين، النَّصرُ أو الشَّهادة؟!
فمن ماتَ فقد استراح وأدَّى الذي عليه، ومن بقيَ فها هي الطريقُ تُفضي إلى وجهةٍ معلومة، لن تقوم السَّاعة حتى نُقاتلهم فنقتلهم!
فحسبُكَ من الكرامة أن تكون على الطريق، ولا يغُرَّنكَ اجتماع أهلِ الباطل على باطلهم، فقد اجتمعوا من قبلٍ كذلك، وظنُّوا أنَّهم مانعتهم حصونهم من الله!
إنَّ هذه الأرضَ تتهيأُ لأمرٍ عظيم لن يطول، أوتحسبُ أنَّ كلَّ هذا الدَّم عند اللهِ سيذهبُ سُدى؟!
واللهِ لو أنَّ أهلَ بيتٍ قاموا إلى غنمٍ لهم، فسفكوا دمَ مئة ألفٍ منها وألقوها كِبْراً وبَطراً، لعاقبهم الله، فكيف والدِّماء التي سُفكتْ هي دماء يشهدُ أصحابها للهِ بالوحدانية، ولنبيِّه بالرِّسالة؟!
لا أحد أعدل من اللهِ يا صاحبي، لا أحد!
هاتِ قلبكَ، وتعالَ بنا نتذاكرُ قليلاً، اِجْلِسْ بنا نُؤمنُ ساعة!
بربِّكَ قُلْ لي متى أهلكَ اللهُ تعالى الباطل وهو ضعيف؟!
لن تجدَ حالةً واحدة فلا تتعبْ!
إنَّ الله تعالى لا يأخذُ الباطل أخذَ عزيزٍ مقتدرٍ إلا وهو في أوجِ قوَّته وغطرسته!
حين أهلكَ اللهُ فرعون لم يهلكه بتغيير موازين القوى، وإنما أهلكه وهو يقول: أنا ربكم الأعلى! أخذه وهو في أوج قوّته، على رأسِ جيشه المدجج!
وحين أهلكَ اللهُ قومَ لوطٍ لم يهلكهم حين ضعفوا، وإنما أهلكهم وفي أشدّ لحظات حياتهم قوةً وفجوراً، وقد جاؤوا إلى دار لوطٍ يريدون أن يأخذوا ضيوفه!
وحين أهلكَ اللهُ أبا جهلٍ لم يُهلكه بتغيير موازين القوى، وإنما أهلكه وهو في قمَّة جبروته، يريدُ أن يَرِدَ ماء بدرٍ، فينحرُ الجُزرَ، وتعزف قيانه، حتى تسمعَ بفجوره العرب!
وحين أهلكَ اللهُ النمرود لم يهلكه في لحظة ضعفٍ، وإنما أهلكه وهو في قمّة غطرسته، يُنادي في النَّاس: أنا أُحيي وأميتُ!
وحين أهلكَ اللهُ عاداً، لم يهلكها بتغيير الأسباب، وانقلاب الموازين، وإنما أهلكهم وهم يقولون: من أشدُّ منّا قوَّة!
وحين أهلكَ اللهُ ثمود، فإنما أهلكهم وهم ما زالوا يجوبون الصَّخر بالواد!
وحين شتَّتَ اللهُ شمل الأحزاب يوم الخندق، كانت الأرض قد ضاقتْ على المومنين بما رحبت، وبلغت القلوب الحناجر!
وحين أهلكَ اللهُ تعالى الرُّومَ لم يُهلكهم وهم ضعاف، وإنما أهلكهم في اليرموك وهم أكثر عدةً وعتاداً!
وحين أهلكَ اللهُ الفُرسَ لم يُهلكهم بعد أن سحبَ بساطَ الأسباب من تحت أرجلهم، وإنما أهلكهم في القادسيَّة وقد كان لهم قبلها صولة وجولة!
يا صاحبي، واللهِ لئن طالتْ بكَ حياة لا تتجاوز العامين بإذن الله، لترينَّ الرَّجل منا يأتي المسجد الأقصى لا يخافنَّ إلا الله والذئب على غنمه، وإنَّ غداً لناظره قريب!
أدهم شرقاوي. ❝ ⏤.♥sαℓαм
❞ اِجْلِسْ بنا نُؤمنُ ساعة!
أعلَمُ أنَّها أيَّامٌ شِدادٌ يا صاحبي، وكذا الأمورُ إذا اشتدَّتْ آنَ أوانُ انفراجِها، أحلكُ ساعاتِ الليلِ ظلمةً هي التي تسبقُ الفجرَ بقليل! والهمومُ إذا تكاثرتْ أوشكتْ أن تسقطَ دفعةً واحدة!
ولستُ أُأَمِّلكَ أملاً كاذباً، كتبَ اللهُ لأغلبنَّ أنا ورُسلي! وعدٌ لا يُردُّ، فلا يغرَّنكَ عُلُوُّ الباطلِ، فما ارتفعَ شيءٌ إلا سقطَ، وسيُهزمُ الجمعُ ويُولُّون الدُّبر!
ولستُ أبيعكَ الوهمَ في سوقِ الكلام، وإنَّما كان منهجُ الأنبياء نشرُ الطمأنينة بين النَّاسِ في ساعاتِ الفزع!
أما ترى أنَّ يوسفَ عليه السَّلام قال لأخيه: لا تبتئسْ!
وشعيبٌ عليه السَّلام قالَ لموسى عليه السَّلام: لا تخفْ!
وحين أحاطَ المشركون بالغارِ، قال النَّبيُّ ﷺ لأبي بكرٍ: لا تحزن!
وإنَّكَ لو عُدتَ أدراجَ الزَّمان إلى المدينة يوم الأحزاب، وقد أحاطوا بالمسلمين إحاطة السِّوارِ بالمِعصم، لرأيتَ النَّبيَّ ﷺ آخذاً معوله يضربُ الصَّخرة، ويُبشِّرُ أصحابه بفتحِ فارس وكنوز كسرى، وقد كانَ!
يا صاحبي: كانَ العَارفون باللهِ، إذا التقوا، قال بعضهم لبعضٍ: اِجْلِسْ بنا نُؤمنُ ساعة!
هكذا قال عبد الله بن رواحة لأبي الدَّرداء حين لقيه، وهكذا قال معاذٌ لصاحبه!
فتعالَ أنتَ، اِجْلِسْ بنا نُؤمنُ ساعة!
علامَ اليأسُ يا صاحبي ونحن المُبشَّرون بإحدى الحُسنيين، النَّصرُ أو الشَّهادة؟!
فمن ماتَ فقد استراح وأدَّى الذي عليه، ومن بقيَ فها هي الطريقُ تُفضي إلى وجهةٍ معلومة، لن تقوم السَّاعة حتى نُقاتلهم فنقتلهم!
فحسبُكَ من الكرامة أن تكون على الطريق، ولا يغُرَّنكَ اجتماع أهلِ الباطل على باطلهم، فقد اجتمعوا من قبلٍ كذلك، وظنُّوا أنَّهم مانعتهم حصونهم من الله!
إنَّ هذه الأرضَ تتهيأُ لأمرٍ عظيم لن يطول، أوتحسبُ أنَّ كلَّ هذا الدَّم عند اللهِ سيذهبُ سُدى؟!
واللهِ لو أنَّ أهلَ بيتٍ قاموا إلى غنمٍ لهم، فسفكوا دمَ مئة ألفٍ منها وألقوها كِبْراً وبَطراً، لعاقبهم الله، فكيف والدِّماء التي سُفكتْ هي دماء يشهدُ أصحابها للهِ بالوحدانية، ولنبيِّه بالرِّسالة؟!
لا أحد أعدل من اللهِ يا صاحبي، لا أحد!
هاتِ قلبكَ، وتعالَ بنا نتذاكرُ قليلاً، اِجْلِسْ بنا نُؤمنُ ساعة!
بربِّكَ قُلْ لي متى أهلكَ اللهُ تعالى الباطل وهو ضعيف؟!
لن تجدَ حالةً واحدة فلا تتعبْ!
إنَّ الله تعالى لا يأخذُ الباطل أخذَ عزيزٍ مقتدرٍ إلا وهو في أوجِ قوَّته وغطرسته!
حين أهلكَ اللهُ فرعون لم يهلكه بتغيير موازين القوى، وإنما أهلكه وهو يقول: أنا ربكم الأعلى! أخذه وهو في أوج قوّته، على رأسِ جيشه المدجج!
وحين أهلكَ اللهُ قومَ لوطٍ لم يهلكهم حين ضعفوا، وإنما أهلكهم وفي أشدّ لحظات حياتهم قوةً وفجوراً، وقد جاؤوا إلى دار لوطٍ يريدون أن يأخذوا ضيوفه!
وحين أهلكَ اللهُ أبا جهلٍ لم يُهلكه بتغيير موازين القوى، وإنما أهلكه وهو في قمَّة جبروته، يريدُ أن يَرِدَ ماء بدرٍ، فينحرُ الجُزرَ، وتعزف قيانه، حتى تسمعَ بفجوره العرب!
وحين أهلكَ اللهُ النمرود لم يهلكه في لحظة ضعفٍ، وإنما أهلكه وهو في قمّة غطرسته، يُنادي في النَّاس: أنا أُحيي وأميتُ!
وحين أهلكَ اللهُ عاداً، لم يهلكها بتغيير الأسباب، وانقلاب الموازين، وإنما أهلكهم وهم يقولون: من أشدُّ منّا قوَّة!
وحين أهلكَ اللهُ ثمود، فإنما أهلكهم وهم ما زالوا يجوبون الصَّخر بالواد!
وحين شتَّتَ اللهُ شمل الأحزاب يوم الخندق، كانت الأرض قد ضاقتْ على المومنين بما رحبت، وبلغت القلوب الحناجر!
وحين أهلكَ اللهُ تعالى الرُّومَ لم يُهلكهم وهم ضعاف، وإنما أهلكهم في اليرموك وهم أكثر عدةً وعتاداً!
وحين أهلكَ اللهُ الفُرسَ لم يُهلكهم بعد أن سحبَ بساطَ الأسباب من تحت أرجلهم، وإنما أهلكهم في القادسيَّة وقد كان لهم قبلها صولة وجولة!
يا صاحبي، واللهِ لئن طالتْ بكَ حياة لا تتجاوز العامين بإذن الله، لترينَّ الرَّجل منا يأتي المسجد الأقصى لا يخافنَّ إلا الله والذئب على غنمه، وإنَّ غداً لناظره قريب!
❞ هندسة الروح
الكاتب #هانى_الميهى
الفصل الثالث عشر: حين تصحو الأرواح
هناك لحظات في الحياة لا تشبه غيرها، لحظات يعلو فيها صوت داخلي خافت، يوقظنا من سبات طويل، ويهزّنا هزًّا حتى نكاد نرتعد. نسميها أحيانًا \"الصحوة الروحية\"، وأحيانًا \"اليقظة الداخلية\"، لكنها في حقيقتها هي لحظة تلاقي الروح مع حقيقتها التي نسيتها وسط زحام الدنيا وضوضاء الطموحات.
تصحو الأرواح غالبًا بعد رحلة قاسية، بعد سقوط أو فقد أو خيبة كبرى. وكأن الألم نفسه هو المنبّه الذي يوقظ النائم، فيدرك فجأة أنّ ما عاشه لم يكن سوى سباقٍ وراء سراب، وأنّ هناك طريقًا آخر أكثر صدقًا وبساطة.
حين تصحو الروح، تتغيّر المقاييس. لم يعد المال هو الغاية المطلقة، ولا الجمال الخارجي هو معيار القيمة، ولا التصفيق البشري هو الحكم النهائي. يصبح الصدق مع النفس أثمن من أي لقب، والسكينة أعمق من أي نجاح عابر.
إنّ صحوة الروح لا تعني الانسحاب من الحياة، بل تعني عيشها بوعي مختلف. أن ترى ما وراء الأحداث، أن تفهم المعنى الخفيّ وراء الخسارات والانتصارات، وأن تدرك أنّ كل ما يحدث لك كان ضروريًا لتصل إلى هذه اللحظة من النضج.
الروح حين تصحو تصبح مثل نافذة فُتحت فجأة على مشهد واسع. ترى اتساع الكون وتفاهة الصغائر التي استهلكتك. تبدأ في اختيار معاركك بوعي: ما يستحق أن تُبذل فيه الطاقة وما لا يستحق.
وهذه الصحوة ليست نهاية، بل بداية. بداية رحلة جديدة نحو معرفة الذات، نحو التقرّب من الحقيقة، نحو التوازن الذي يجعل الإنسان أقوى من الظروف وأرحب صدرًا مع الآخرين.
إنّ الذين صحَت أرواحهم يختلفون في نظرتهم للحياة. لا يعني أنّهم بلا ألم، لكنّهم يتعاملون معه بسلام. لا يعني أنّهم بلا خوف، لكنّهم لا يسمحون له بالقيادة. لا يعني أنّهم بلا رغبات، لكنّهم يعرفون أيّها يستحق السعي وأيّها مجرد وَهْم.
وحين تنال الروح لحظة الصحوة، تدرك أنّ الرحلة لم تكن عبثًا. كل جرح كان بابًا، كل دمعة كانت غسلًا للقلب، وكل خيبة كانت معلمًا أوصلها إلى حيث هي الآن.
إنها لحظة نادرة، لكنها ممكنة لكل إنسان يسعى بصدق. فمن يستمع لنداء روحه لن يضلّ الطريق، لأنّ الصحوة، مهما تأخرت، قادرة أن تعيد ترتيب العمر كله في لحظة صدق واحدة.
الرابع عشر
#كتاب_هندسة_الروح
#تأليف_هانى_الميهى. ❝ ⏤هاني الميهي
❞ هندسة الروح
الكاتب #هانى_الميهى الفصل الثالث عشر: حين تصحو الأرواح
هناك لحظات في الحياة لا تشبه غيرها، لحظات يعلو فيها صوت داخلي خافت، يوقظنا من سبات طويل، ويهزّنا هزًّا حتى نكاد نرتعد. نسميها أحيانًا ˝الصحوة الروحية˝، وأحيانًا ˝اليقظة الداخلية˝، لكنها في حقيقتها هي لحظة تلاقي الروح مع حقيقتها التي نسيتها وسط زحام الدنيا وضوضاء الطموحات.
تصحو الأرواح غالبًا بعد رحلة قاسية، بعد سقوط أو فقد أو خيبة كبرى. وكأن الألم نفسه هو المنبّه الذي يوقظ النائم، فيدرك فجأة أنّ ما عاشه لم يكن سوى سباقٍ وراء سراب، وأنّ هناك طريقًا آخر أكثر صدقًا وبساطة.
حين تصحو الروح، تتغيّر المقاييس. لم يعد المال هو الغاية المطلقة، ولا الجمال الخارجي هو معيار القيمة، ولا التصفيق البشري هو الحكم النهائي. يصبح الصدق مع النفس أثمن من أي لقب، والسكينة أعمق من أي نجاح عابر.
إنّ صحوة الروح لا تعني الانسحاب من الحياة، بل تعني عيشها بوعي مختلف. أن ترى ما وراء الأحداث، أن تفهم المعنى الخفيّ وراء الخسارات والانتصارات، وأن تدرك أنّ كل ما يحدث لك كان ضروريًا لتصل إلى هذه اللحظة من النضج.
الروح حين تصحو تصبح مثل نافذة فُتحت فجأة على مشهد واسع. ترى اتساع الكون وتفاهة الصغائر التي استهلكتك. تبدأ في اختيار معاركك بوعي: ما يستحق أن تُبذل فيه الطاقة وما لا يستحق.
وهذه الصحوة ليست نهاية، بل بداية. بداية رحلة جديدة نحو معرفة الذات، نحو التقرّب من الحقيقة، نحو التوازن الذي يجعل الإنسان أقوى من الظروف وأرحب صدرًا مع الآخرين.
إنّ الذين صحَت أرواحهم يختلفون في نظرتهم للحياة. لا يعني أنّهم بلا ألم، لكنّهم يتعاملون معه بسلام. لا يعني أنّهم بلا خوف، لكنّهم لا يسمحون له بالقيادة. لا يعني أنّهم بلا رغبات، لكنّهم يعرفون أيّها يستحق السعي وأيّها مجرد وَهْم.
وحين تنال الروح لحظة الصحوة، تدرك أنّ الرحلة لم تكن عبثًا. كل جرح كان بابًا، كل دمعة كانت غسلًا للقلب، وكل خيبة كانت معلمًا أوصلها إلى حيث هي الآن.
إنها لحظة نادرة، لكنها ممكنة لكل إنسان يسعى بصدق. فمن يستمع لنداء روحه لن يضلّ الطريق، لأنّ الصحوة، مهما تأخرت، قادرة أن تعيد ترتيب العمر كله في لحظة صدق واحدة.
❞ بداية يمكن القول أن العلاج النفسي بالعب يقدم خبرة قريدة الي نوعها للأطفال الأسوياء العاديين . فهو يتيح فرصة تكوين علاقة في موقف تكون فيه الحدود أكثر اتساعا ، ففي حجرة العب يستطيع الأطفال أن يعيشوا مشاعرهم وأحاسيسهم بأن يعبروا عنها بصورة كاملة . وبإمكانهم أن يعبروا عن الكراهية ، الخوف و الغضب ، وأن يكونوا سريعي الامتعاض resentful وأن يظهروا أشمئزازا من أشياء معينة أو أن يكونوا مرحين hilarious . مبتهجين ، أو علي العكس من ذلك ، فيكون في لعيهم بعض الحمق والسخف ، وفي كلمة واحدة ، پستطيعون أن يعبروا عن أنفسهم إلي اقصي حد فيعولون أطفالا رفسعا في لحظة من لحظات لعبهم ، ويتحدثون لغة
. . مشوشة : a gartkd language ، ويسلكون بصورة فجة ، غير ناضجة ويستبعن المتمری وقتا لأعمارهم الزمنية ، بمون خوف من أن يكونوا منع قمع أو نقد ويقود الأطفال بهم يمارسون الملعب الخيالي والإيهامي علي السواء أن يصبح ناضجين ، فيسيريا رجالا ونساء پستون النصح للناس ، ماذا يفعلون ؟ وكيف يتصرفون ؟ قديما يتخيلون القيام باوار عنيد : داخل اهدي الأسر التي ينفنونها خلال العب أسرة لهم إذا هم رغبوا في ذلك .وأخيرا يمكن أن يكونوا في لعبهم التخيلي أي شييء يريدونه .. ❝ ⏤كلارك موستاكس
❞ بداية يمكن القول أن العلاج النفسي بالعب يقدم خبرة قريدة الي نوعها للأطفال الأسوياء العاديين . فهو يتيح فرصة تكوين علاقة في موقف تكون فيه الحدود أكثر اتساعا ، ففي حجرة العب يستطيع الأطفال أن يعيشوا مشاعرهم وأحاسيسهم بأن يعبروا عنها بصورة كاملة . وبإمكانهم أن يعبروا عن الكراهية ، الخوف و الغضب ، وأن يكونوا سريعي الامتعاض resentful وأن يظهروا أشمئزازا من أشياء معينة أو أن يكونوا مرحين hilarious . مبتهجين ، أو علي العكس من ذلك ، فيكون في لعيهم بعض الحمق والسخف ، وفي كلمة واحدة ، پستطيعون أن يعبروا عن أنفسهم إلي اقصي حد فيعولون أطفالا رفسعا في لحظة من لحظات لعبهم ، ويتحدثون لغة
. . مشوشة : a gartkd language ، ويسلكون بصورة فجة ، غير ناضجة ويستبعن المتمری وقتا لأعمارهم الزمنية ، بمون خوف من أن يكونوا منع قمع أو نقد ويقود الأطفال بهم يمارسون الملعب الخيالي والإيهامي علي السواء أن يصبح ناضجين ، فيسيريا رجالا ونساء پستون النصح للناس ، ماذا يفعلون ؟ وكيف يتصرفون ؟ قديما يتخيلون القيام باوار عنيد : داخل اهدي الأسر التي ينفنونها خلال العب أسرة لهم إذا هم رغبوا في ذلك .وأخيرا يمكن أن يكونوا في لعبهم التخيلي أي شييء يريدونه. ❝
❞ إن أسوأ ورطة نقع فيها هى أن يستحوذ علينا أى شىء جداً .. جداً .
حتى الفرح حينما يستحوذ علينا جداً .. جداً .. فإنه يهزنا بما يشبه الحزن .. إننا من فرط خوفنا على هذا الفرح .. و من فرط لهفتنا على أن يطول .. و من فرط ذعرنا من أن ينتهى .. نفرح بحزن .. نفرح بخوف .. نفرح و الدموع تترقرق فى أعيننا ..
إن فرحنا جداً .. جداً .. فرح أليم .. فرح يرتجف .. فرح يبكى .. و الحب جداً .. جداً .. هو حب مُر غَيور ملتهب أعمى يبهظ صاحبه لدرجة أنه ينقلب إلى كراهية و عداوة ..
المُحِب جداً .. جداً .. يكره حبيبته من فرط حبه لها .. لأن حبه يكلفه و يرهقه و يبهظه و يؤرقه .. فهو يتمنى لو أنها تعذبت و تألمت و سهرت و تشردت مثله ..
يتمنى لو أنها كانت على شفا الموت و نادته .. لو أنها كانت تحترق و مدت له يديها لينقذها .. لو أنها كانت تعبده حباً و هو يتمنع عليها .. لو أنها كانت تخلص له و هو يخونها ..
إن عذابه يجعل مخيلته تموج بصور العداوة .. و الإنتقام .. و التشفي ..
إن الحب جداً .. جداً .. حب طعمه مالح حرّيف لاسع .. إن فيه نفوراً و بغضاً بقدر ما فيه من حب .. إنه لعنة ..
و الثراء جداً .. جداً .. هو فقر مدقع فى نفس الوقت .. فقر فى الحواس ..
حواس الغَنيّ جداً .. جداً .. المترف جداً .. الشبعان .. المتخم .. الدفيان .. تتبلد و تكسل أشواقه .. و لهفاته تكسل ..
و لماذا يشتاق .. و لماذا يتلهف .. و كل شىء بين يديه ..
و الجوع جداً يقتل حتى الإحساس بالجوع .. و ينتهي بموت الحواس .. و بشبع الفناء و قناعة الجدث الهامد ..
و الفقر جدا .. يؤدى إلى الاستهتار و الاسراف و الاستهانة بالرزق من فرط قلته .. و كما يقول المثل .. ضربوا الأعمى على عينه .. قال خسرانة .. خسرانة و على إيه حانوش إصراف ما فى الجيب يأتيك ما فى الغيب ..
و الشيخوخة جدا تؤدى إلى انحلال العقل .. و العودة بالتفكير إلى سذاجة الطفولة .. و هذيانها ..
و الضعف جدا .. يؤدى الى جبروت الشخصية و قسوتها .. و أصحاب العاهات جبابرة .
و القصار جدا .. بهلونات سيرك ..
و أدنياء الأصل طمحون طلابون للعلا ..
و أبناء الوجهاء عواطلية .
و الاستهتار بشدة يؤدى إلى التوبة .. و الرهينة ..
و الاغراق فى اللذة يؤدى إلى النفور من اللذة . و الارتداد إلى الدين و الصومعة ..
و الاستقامة بشدة تؤدى إلى الضيق بالاستقامة ..
و كل شىء يزيد على حده ينقلب إلى ضده ..
و جدا .. جدا .. هى الجرس الذى يدق لتنقلب الصفات على رأسها .. البركات تصبح لعنات .. و السيئات تصبح حسنات ..
السعادة ليست فى أن يكون عندك الكثير جدا ..
و إنما السعادة فى أن تحب الدنيا و الناس .. و أن تواتيك الفرصة لتأخذ بنصيب قليل من خيراتها ..
إن القليل الذى تحبه يسعدك أكثر من الكثير الذى لا تحبه .
و القليل يحرك الشهية .. بينما الكثير يميتها .. و بلا شهية لا وجود للسعادة ..
و القليل يحفز على العمل .. و فى العمل ينسى الانسان نفسه .. و ينسى بحثه عن السعادة و هذا فى الواقع منتهى السعادة .
و العمل تشحيم ضرورى للعقل و القلب و المفاصل .. و بدون العمل تصدأ المفاصل و يتعفن القلب و ينطفىء العقل .. و ينخر سوس الفراغ و البطالة فى المخ ..فتبدأ سلسلة من الأوجاع يعرفها أفراد الطبقة الراقية .. و يعرفها أطباء الطبقة الراقية ..
و لذلك أعتقد أن أسعد الطبقات هى الطبقة المتوسطة .. لأنها الطبقة التى تملك القليل من كل شىء ، فهى ليست معدمة مفلسة كالطبقة الدنيا ، و ليست متخمة كالطبقة الراقية ..
و لهذا فهى طبقة التى تملك الدوافع .. و الآمال .. و المطامع و المثل العليا .. و الأخلاق .. و الامكانيات ..
و هى لهذا .. الطبقة التى يخرج منها العلماء و الفنانون و العباقرة و الزعماء و الأنبياء ..
و من فضائل الوسطية أنها تضغط الطبقات و تذيبها فى عجينة متوسطة خصبة ..و تشغل جميع الأيدى بالعمل ..
إن المليون جنيه شتمه ..
و الذى يقول لى .. إلهى يرزقك بمليون جنيه ..كمن يقول لى .. إلهى يرزقك بكارثة ..
و تعالوا نفكر معا ..
لو أنى وضعت المليون جنيه فى بنك لكنت بهذا أرتكب جريمة بتجميد هذه الامكانية المادية فى رصيد باسمى .
و لو أنى أنفقته على نفسى لكنت بهذا أرتكب جريمة أبشع لأن إنفاق مليون جنيه على نفسى معناه أن لأتوقف عن كل عمل منتج .. و أتحول إلى مستهلك ينفق فقط .. و هذا معناه شلل كامل فى قواى الانتاجية ..
و لو أنى انتفعت بالمليون جنيه كرأسمال تجارى ، فسيكون معناه استغلال ألف عامل .. و ملايين المستهلكين المساكين .. أتاجر بهم .. و أتاجر عليهم .. و أبتز أموالهم لمجرد أنهم لا يملكون إلا بضاعتى .. بينما أنا أملك كل الخامات التى يحتاجون إليها ..
إن المليون جنيه فى يد واحدة هى فى الواقع إمكانية ظلم لا نهائية لآلاف الأيدى التى لا تملك .. و إمكانية ظلم حقيقية لصاحبها لأنها تضعه فى قائمة الذين يملكون كثيرا جدا .. جدا .. و يخسرون من أرواحهم بقدر ما يكسبون لأرصدتهم ..
و لهذا فأنا أشعر بالسعادة .. لأنى رجل متوسط .. إيرادى متوسط .. و صحتى متوسطة .. و عيشتى متوسطة ..
و عندى القليل من كل شىء .. و هذا معناه أن عندى الكثير من الدوافع ..
و الدوافع هى الحياة ..
إنها الرصيد الذهبى لكل المكاسب الورق ..
إنها المتجمد فى خزينة كل إنسان .
إنها المتجمد الذى نفك منه كل يوم الرغبات التى نعيش بها ..
و نحن نعود فنفك هذه الرغبات إلى خبطات مادية .. و فرص نكسبها و نخسرها ..
و هذه الخبطات هى العملة الورق ..
أما الرصيد الحقيقى فهو الدوافع .
الدوافع فى قلوبنا هى حرارة حياتنا الحقيقية .. و هى الرصيد الذى يكون به تقييم سعادتنا .. لا تسألنى .. هل عندك صحة .. هل عندك ثروة .. هل عندك شهادة .. هلى عندك فرصة .. هل عندك أملاك ..
اسألنى سؤالا واحدا ..
هل عندك دوافع ..
فهذا أنا .. و هذه حقيقيتى التى بها تعرف حاضرى و مستقبلى و مصيرى و قيمتى ووزنى ..
و كل منا يوزن بقدر دوافعه و إرادته .. و عزمه .. و إصراره .. و قواه الحافزة ..
إن الذى يملك و فرة من الدوافع مثل الماكينة قوة مائة حصان .. أو العربة ستة سلندر أو الراديو عشرة لمبة أو التيار الكهربائى 200 فولت .
أما الذى يفتقر إلى الدوافع .. و يمتلك كثرة من وسائل الترف ووفرة من الصحة و العمر فهو حتى و لو كان مليونيرا لا يزيد عن ماكينة ضعيفة قوتها الدافعة 2 حصان أو عربة صغيرة 2 سلندر أو راديو ترانزستور أو تيار بطارية واحد و نصف فولت .
الدوافع هى الترجمة الحرفية لكلمة روح ..
عندك دوافع معناها عندك روح .. معناها عندك أمل .. طموح .. حب .. شغف .. شهية .. رغبة .. كل وسائل السعادة ..
إنى أدعو الله لقارىء هذه السطور أن يمنحه حياة متوسطة .. و يعطيه القليل من كل شىء .. و هى دعوة طيبة و الله العظيم .. دعوة نصوحة .. مخلصة لوجه الخير و الحب .
أدعو الله أن يقيه شر المليون جنيه .. و أن يحفظه من ملكية العمارات الشاهقة .. و الأبعديات العريضة ..
و أمى لم تكن تفهم الفلسفة .. و لكنها كانت تملك فطرة نقية تفهم معها كل هذا الكلام دون أن تقرأه .. و كانت تطلق عليه اسما بسيطا فصيحا معبرا .. هو .. الستر ..
و الستر معناه فى القاموس الشعبى .. القليل من كل شىء و الكثير من الروح ..
و أنا بعد ثلاثين سنة من التفلسف و قراءة المعاجم و المراجع و المصطلحات .. لم أجد أفصح من هذه الكلمة البسيطة .. الستر ..
و لهذا فأنا أطلبه لك كما كانت أمى تطلبه لى .. و أعتبر أنى بهذا أكون قد طلبت لك كل شىء ..
ملحوظة :
أنا متأكد أنك بعد قراءة هذه الكلمات سوف تمصمص شفتيك و تقول .. و إيه يعنى .. ما هو مفهوم الكلام ده ..
و مع هذا فإنك فى أول فرصة تقع فيها على كاديلاك 81 فى الشارع سوف تصرخ بلهفة وعيناك تخرجان من رأسك ..
يا سلام لو الواحد عنده عربية زى دى .. يا سلام يا ولاد .. يا سلام على كاديلاك و عمارة و مليون جنية .. يا خواتى .. و بحرقة أكثر من حرقة مطربى هذه الأيام سوف تكتشف أن كلامى العادى المفهوم لم يكن مفهوما .. و أنك لم تكن فى أى يوم فاهما لنفسك .
و أن حكاية الفهم .. حكاية طويلة و متعبة .. جدا .. جدا ..
د. مصطفى محمود . .
مقال : جداً .. جداً ..
من كتاب / في الحب و الحياة
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ إن أسوأ ورطة نقع فيها هى أن يستحوذ علينا أى شىء جداً . جداً .
حتى الفرح حينما يستحوذ علينا جداً . جداً . فإنه يهزنا بما يشبه الحزن . إننا من فرط خوفنا على هذا الفرح . و من فرط لهفتنا على أن يطول . و من فرط ذعرنا من أن ينتهى . نفرح بحزن . نفرح بخوف . نفرح و الدموع تترقرق فى أعيننا .
إن فرحنا جداً . جداً . فرح أليم . فرح يرتجف . فرح يبكى . و الحب جداً . جداً . هو حب مُر غَيور ملتهب أعمى يبهظ صاحبه لدرجة أنه ينقلب إلى كراهية و عداوة .
المُحِب جداً . جداً . يكره حبيبته من فرط حبه لها . لأن حبه يكلفه و يرهقه و يبهظه و يؤرقه . فهو يتمنى لو أنها تعذبت و تألمت و سهرت و تشردت مثله .
يتمنى لو أنها كانت على شفا الموت و نادته . لو أنها كانت تحترق و مدت له يديها لينقذها . لو أنها كانت تعبده حباً و هو يتمنع عليها . لو أنها كانت تخلص له و هو يخونها .
إن عذابه يجعل مخيلته تموج بصور العداوة . و الإنتقام . و التشفي .
إن الحب جداً . جداً . حب طعمه مالح حرّيف لاسع . إن فيه نفوراً و بغضاً بقدر ما فيه من حب . إنه لعنة .
و الثراء جداً . جداً . هو فقر مدقع فى نفس الوقت . فقر فى الحواس .
حواس الغَنيّ جداً . جداً . المترف جداً . الشبعان . المتخم . الدفيان . تتبلد و تكسل أشواقه . و لهفاته تكسل .
و لماذا يشتاق . و لماذا يتلهف . و كل شىء بين يديه .
و الجوع جداً يقتل حتى الإحساس بالجوع . و ينتهي بموت الحواس . و بشبع الفناء و قناعة الجدث الهامد .
و الفقر جدا . يؤدى إلى الاستهتار و الاسراف و الاستهانة بالرزق من فرط قلته . و كما يقول المثل . ضربوا الأعمى على عينه . قال خسرانة . خسرانة و على إيه حانوش إصراف ما فى الجيب يأتيك ما فى الغيب .
و الشيخوخة جدا تؤدى إلى انحلال العقل . و العودة بالتفكير إلى سذاجة الطفولة . و هذيانها .
و الضعف جدا . يؤدى الى جبروت الشخصية و قسوتها . و أصحاب العاهات جبابرة .
و القصار جدا . بهلونات سيرك .
و أدنياء الأصل طمحون طلابون للعلا .
و أبناء الوجهاء عواطلية .
و الاستهتار بشدة يؤدى إلى التوبة . و الرهينة .
و الاغراق فى اللذة يؤدى إلى النفور من اللذة . و الارتداد إلى الدين و الصومعة .
و الاستقامة بشدة تؤدى إلى الضيق بالاستقامة .
و كل شىء يزيد على حده ينقلب إلى ضده .
و جدا . جدا . هى الجرس الذى يدق لتنقلب الصفات على رأسها . البركات تصبح لعنات . و السيئات تصبح حسنات .
السعادة ليست فى أن يكون عندك الكثير جدا .
و إنما السعادة فى أن تحب الدنيا و الناس . و أن تواتيك الفرصة لتأخذ بنصيب قليل من خيراتها .
إن القليل الذى تحبه يسعدك أكثر من الكثير الذى لا تحبه .
و القليل يحرك الشهية . بينما الكثير يميتها . و بلا شهية لا وجود للسعادة .
و القليل يحفز على العمل . و فى العمل ينسى الانسان نفسه . و ينسى بحثه عن السعادة و هذا فى الواقع منتهى السعادة .
و العمل تشحيم ضرورى للعقل و القلب و المفاصل . و بدون العمل تصدأ المفاصل و يتعفن القلب و ينطفىء العقل . و ينخر سوس الفراغ و البطالة فى المخ .فتبدأ سلسلة من الأوجاع يعرفها أفراد الطبقة الراقية . و يعرفها أطباء الطبقة الراقية .
و لذلك أعتقد أن أسعد الطبقات هى الطبقة المتوسطة . لأنها الطبقة التى تملك القليل من كل شىء ، فهى ليست معدمة مفلسة كالطبقة الدنيا ، و ليست متخمة كالطبقة الراقية .
و لهذا فهى طبقة التى تملك الدوافع . و الآمال . و المطامع و المثل العليا . و الأخلاق . و الامكانيات .
و هى لهذا . الطبقة التى يخرج منها العلماء و الفنانون و العباقرة و الزعماء و الأنبياء .
و من فضائل الوسطية أنها تضغط الطبقات و تذيبها فى عجينة متوسطة خصبة .و تشغل جميع الأيدى بالعمل .
إن المليون جنيه شتمه .
و الذى يقول لى . إلهى يرزقك بمليون جنيه .كمن يقول لى . إلهى يرزقك بكارثة .
و تعالوا نفكر معا .
لو أنى وضعت المليون جنيه فى بنك لكنت بهذا أرتكب جريمة بتجميد هذه الامكانية المادية فى رصيد باسمى .
و لو أنى أنفقته على نفسى لكنت بهذا أرتكب جريمة أبشع لأن إنفاق مليون جنيه على نفسى معناه أن لأتوقف عن كل عمل منتج . و أتحول إلى مستهلك ينفق فقط . و هذا معناه شلل كامل فى قواى الانتاجية .
و لو أنى انتفعت بالمليون جنيه كرأسمال تجارى ، فسيكون معناه استغلال ألف عامل . و ملايين المستهلكين المساكين . أتاجر بهم . و أتاجر عليهم . و أبتز أموالهم لمجرد أنهم لا يملكون إلا بضاعتى . بينما أنا أملك كل الخامات التى يحتاجون إليها .
إن المليون جنيه فى يد واحدة هى فى الواقع إمكانية ظلم لا نهائية لآلاف الأيدى التى لا تملك . و إمكانية ظلم حقيقية لصاحبها لأنها تضعه فى قائمة الذين يملكون كثيرا جدا . جدا . و يخسرون من أرواحهم بقدر ما يكسبون لأرصدتهم .
و لهذا فأنا أشعر بالسعادة . لأنى رجل متوسط . إيرادى متوسط . و صحتى متوسطة . و عيشتى متوسطة .
و عندى القليل من كل شىء . و هذا معناه أن عندى الكثير من الدوافع .
و الدوافع هى الحياة .
إنها الرصيد الذهبى لكل المكاسب الورق .
إنها المتجمد فى خزينة كل إنسان .
إنها المتجمد الذى نفك منه كل يوم الرغبات التى نعيش بها .
و نحن نعود فنفك هذه الرغبات إلى خبطات مادية . و فرص نكسبها و نخسرها .
و هذه الخبطات هى العملة الورق .
أما الرصيد الحقيقى فهو الدوافع .
الدوافع فى قلوبنا هى حرارة حياتنا الحقيقية . و هى الرصيد الذى يكون به تقييم سعادتنا . لا تسألنى . هل عندك صحة . هل عندك ثروة . هل عندك شهادة . هلى عندك فرصة . هل عندك أملاك .
اسألنى سؤالا واحدا .
هل عندك دوافع .
فهذا أنا . و هذه حقيقيتى التى بها تعرف حاضرى و مستقبلى و مصيرى و قيمتى ووزنى .
و كل منا يوزن بقدر دوافعه و إرادته . و عزمه . و إصراره . و قواه الحافزة .
إن الذى يملك و فرة من الدوافع مثل الماكينة قوة مائة حصان . أو العربة ستة سلندر أو الراديو عشرة لمبة أو التيار الكهربائى 200 فولت .
أما الذى يفتقر إلى الدوافع . و يمتلك كثرة من وسائل الترف ووفرة من الصحة و العمر فهو حتى و لو كان مليونيرا لا يزيد عن ماكينة ضعيفة قوتها الدافعة 2 حصان أو عربة صغيرة 2 سلندر أو راديو ترانزستور أو تيار بطارية واحد و نصف فولت .
الدوافع هى الترجمة الحرفية لكلمة روح .
عندك دوافع معناها عندك روح . معناها عندك أمل . طموح . حب . شغف . شهية . رغبة . كل وسائل السعادة .
إنى أدعو الله لقارىء هذه السطور أن يمنحه حياة متوسطة . و يعطيه القليل من كل شىء . و هى دعوة طيبة و الله العظيم . دعوة نصوحة . مخلصة لوجه الخير و الحب .
أدعو الله أن يقيه شر المليون جنيه . و أن يحفظه من ملكية العمارات الشاهقة . و الأبعديات العريضة .
و أمى لم تكن تفهم الفلسفة . و لكنها كانت تملك فطرة نقية تفهم معها كل هذا الكلام دون أن تقرأه . و كانت تطلق عليه اسما بسيطا فصيحا معبرا . هو . الستر .
و الستر معناه فى القاموس الشعبى . القليل من كل شىء و الكثير من الروح .
و أنا بعد ثلاثين سنة من التفلسف و قراءة المعاجم و المراجع و المصطلحات . لم أجد أفصح من هذه الكلمة البسيطة . الستر .
و لهذا فأنا أطلبه لك كما كانت أمى تطلبه لى . و أعتبر أنى بهذا أكون قد طلبت لك كل شىء .
ملحوظة :
أنا متأكد أنك بعد قراءة هذه الكلمات سوف تمصمص شفتيك و تقول . و إيه يعنى . ما هو مفهوم الكلام ده .
و مع هذا فإنك فى أول فرصة تقع فيها على كاديلاك 81 فى الشارع سوف تصرخ بلهفة وعيناك تخرجان من رأسك .
يا سلام لو الواحد عنده عربية زى دى . يا سلام يا ولاد . يا سلام على كاديلاك و عمارة و مليون جنية . يا خواتى . و بحرقة أكثر من حرقة مطربى هذه الأيام سوف تكتشف أن كلامى العادى المفهوم لم يكن مفهوما . و أنك لم تكن فى أى يوم فاهما لنفسك .
و أن حكاية الفهم . حكاية طويلة و متعبة . جدا . جدا .
د. مصطفى محمود . .
مقال : جداً . جداً .
من كتاب / في الحب و الحياة
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝