قال صاحبي : - أنتم تتكلمون عن الضمير في تقديس كما لو كان شيئاً مطلقاً مع أنه أحد المصنوعات الاجتماعية ، عملة نحاسية لا أكثر .
صكت و دمغت و سبكت في فرن التعاملات الاجتماعية وهو عندنا شيء تتغير أحكامه و ضوابطه وفق المصالح الجارية و القيمة التي تفيد نقول عنها خيراً والقيمة التي تضر نقول عنها شراً و لو كانت هذه القيمة هي العفة التي تتمسكون بها كعيونكم .
قلت له في هدوء :- نعم .. هذا هو رأي الفلسفة المادية على ما أسمع .. أن الضمير سلطة زجر و ردع نبتت من الدواعي الإجتماعية .. مجرد تحصيل خبرة تتفاوت بين شخص و شخص وبين عصر و عصر و بين أمة وأمة .. هذا كلامكم ..
ولكن الحقيقة غير ذلك ..
الحقيقة أن الضمير نور وضعه الله في الفطرة ومؤشر ودليل وبوصلة نولد بها .. تهدينا إلى الحقائق و كل دور الاكتساب الاجتماعى أنه يجلو مرآة هذه البوصلة و يصقل زجاجها .
و لنا على ذلك براهين تؤيدنا و تشجب كلامكم .
انظر إلى عالم الحيوان حيث لا مجتمع ، ترى القطة تتبرز ثم تستدير لتغطى فضلاتها بالتراب ، في أي مجتمع قططى تعلمت القطة هذا الوازع ؟ و كيف ميزت بين القذارة و النظافة ؟ و أنت ترى القطة تسرق السمكة فإذا ضبطتها و ضربتها على رأسها طأطأت و نكست بصرها في إحساس واضح بالذنب .. و تراها تلهو مع الأطفال في البيت فتكسر فازة أثناء اللعب .. فماذا يحدث ، إنها تجرى في فزع و تختبيء تحت الكراسى و قد أدركت أنها أخطأت . كل هذه شواهد و ملامح ضمير . و ليس في مملكة القطط دواع لنشأة هذه المشاعر .. و لا نرى حتى مجتمعًا قططيًا من الأساس .
و تقاليد الوفاء الزوجى في الحمام .. و نبل الحصان في ارتباطه بصاحبه حتى الموت .. وكبرياء الأسد و ترفعه عن الهجوم على فريسته من الخلف .. و خجل الجمل و توقفه عن مضاجعة أنثاه إذا وجد أن هناك عينًا ترقبه .. ثم تلك الحادثة البليغة التي رآها جمهور المشاهدين في السيرك القومى بالقاهرة .. حينما قفز الأسد على المدرب محمد الحلو من الخلف و أنشب مخالبه في كتفه و أصابه بجرج قاتل .. و بقية الحادثة يرويها موظفوا السيرك .. كيف امتنع الأسد عن الطعام .. و حبس نفسه في زنزانته لا يبرحها .. و كيف نقلوه إلى حديقة الحيوان و قدموا له أنثى لتروح عنه فضربها و طردها .. و ظل على صيامه و رفضه للطعام ثم انقض على يده الآثمة و ظل يمزقها حتى نزف و مات .
حيوان ينتحر ندمًا و تكفيرًا عن جريمته .
من أي مجتمع في دنيا السباع أخذ الأسد هذه التقاليد .. هل في مجتمع السباع أن افتراس الإنسان جريمة تدعو إلى الانتحار .
نحن هنا أمام نبل و خلق و ضمير لا نجده في بشر .
و نحن أمام فشل كامل للتفسير الماديّ و للتصور الماديّ لحقيقة الضمير .
و لا تفسير لما نراه سوى ما يقوله الدين .. من أن الضمير هو نور وضعه الله في الفطرة و أن كل دور الاكتساب الاجتماعي أن يجلو صدأ النفس فتشف عن هذا النور الإلهي .
و هذا هو ما حدث بين الأسد و مدربه .. المعاشرة و المحبة و المصاحبة صقلت تلك النفس الحيوانية فأيقظت ذلك القبس الرحمانى .. فإذا بالأسد يحزن و يندم و ينتحر كمدًا كالبشر .
(( الحلال بين والحرام بين )) ... كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام .
((استفت قلبك وإن أفتاك الناس )) .
لسنا في حاجة إلى كلية شريعة لنعرف الخطأ من الصواب و الحق من الحلال .. فقد وضع الله في قلب كل منا كلية شريعة .. و ميزاناً لا يخطئ .. و كل ما نحن مطالبون به أن نجلو نفوسنا من غواشى المادة ومن كثافة الشهوات فنبصر و نرى و نعرف و نميز بدون عكاز "الخبرة الاجتماعية" وذلك بنور الله الذي اسمه الضمير .
((يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً )) [ الأنفال الآية 29]
يقول الله في الحديث القدسي للصوفي محمد بن عبد الجبار : " كيف تيأس منّي و في قلبك سفيري و متحدثي" .
الضمير حقيقة ثابتة و القيم الأخلاقية الأساسية هي بالمثل ثابتة فقتل البريء لن يصبح يومًا ما فضيلة و كذا السرقة و الكذب و إيذاء الآخرين و الفحشاء و الفجور و البذاءة و الغلظة و القسوة و النفاق و الخيانة كل هذه نقائض خلقية ، و سوف تظل هكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
و كذلك سوف تظل المحبة و الرحمة و الصدق و الحلم و العفو و الإحسان فضائل .. و لن تتحول إلى جرائم إلا إذا فسدت السماوات و الأرض و ساد الجنون و انتهى العقل .
من كتاب / حوار مع صديقي الملحد
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ حوار مع صديقي الملحد
الضميـــــر ؟
قال صاحبي : أنتم تتكلمون عن الضمير في تقديس كما لو كان شيئاً مطلقاً مع أنه أحد المصنوعات الاجتماعية ، عملة نحاسية لا أكثر .
صكت و دمغت و سبكت في فرن التعاملات الاجتماعية وهو عندنا شيء تتغير أحكامه و ضوابطه وفق المصالح الجارية و القيمة التي تفيد نقول عنها خيراً والقيمة التي تضر نقول عنها شراً و لو كانت هذه القيمة هي العفة التي تتمسكون بها كعيونكم .
قلت له في هدوء : نعم .. هذا هو رأي الفلسفة المادية على ما أسمع .. أن الضمير سلطة زجر و ردع نبتت من الدواعي الإجتماعية .. مجرد تحصيل خبرة تتفاوت بين شخص و شخص وبين عصر و عصر و بين أمة وأمة .. هذا كلامكم ..
ولكن الحقيقة غير ذلك ..
الحقيقة أن الضمير نور وضعه الله في الفطرة ومؤشر ودليل وبوصلة نولد بها .. تهدينا إلى الحقائق و كل دور الاكتساب الاجتماعى أنه يجلو مرآة هذه البوصلة و يصقل زجاجها .
و لنا على ذلك براهين تؤيدنا و تشجب كلامكم .
انظر إلى عالم الحيوان حيث لا مجتمع ، ترى القطة تتبرز ثم تستدير لتغطى فضلاتها بالتراب ، في أي مجتمع قططى تعلمت القطة هذا الوازع ؟ و كيف ميزت بين القذارة و النظافة ؟ و أنت ترى القطة تسرق السمكة فإذا ضبطتها و ضربتها على رأسها طأطأت و نكست بصرها في إحساس واضح بالذنب .. و تراها تلهو مع الأطفال في البيت فتكسر فازة أثناء اللعب .. فماذا يحدث ، إنها تجرى في فزع و تختبيء تحت الكراسى و قد أدركت أنها أخطأت . كل هذه شواهد و ملامح ضمير . و ليس في مملكة القطط دواع لنشأة هذه المشاعر .. و لا نرى حتى مجتمعًا قططيًا من الأساس .
و تقاليد الوفاء الزوجى في الحمام .. و نبل الحصان في ارتباطه بصاحبه حتى الموت .. وكبرياء الأسد و ترفعه عن الهجوم على فريسته من الخلف .. و خجل الجمل و توقفه عن مضاجعة أنثاه إذا وجد أن هناك عينًا ترقبه .. ثم تلك الحادثة البليغة التي رآها جمهور المشاهدين في السيرك القومى بالقاهرة .. حينما قفز الأسد على المدرب محمد الحلو من الخلف و أنشب مخالبه في كتفه و أصابه بجرج قاتل .. و بقية الحادثة يرويها موظفوا السيرك .. كيف امتنع الأسد عن الطعام .. و حبس نفسه في زنزانته لا يبرحها .. و كيف نقلوه إلى حديقة الحيوان و قدموا له أنثى لتروح عنه فضربها و طردها .. و ظل على صيامه و رفضه للطعام ثم انقض على يده الآثمة و ظل يمزقها حتى نزف و مات .
حيوان ينتحر ندمًا و تكفيرًا عن جريمته .
من أي مجتمع في دنيا السباع أخذ الأسد هذه التقاليد .. هل في مجتمع السباع أن افتراس الإنسان جريمة تدعو إلى الانتحار .
نحن هنا أمام نبل و خلق و ضمير لا نجده في بشر .
و نحن أمام فشل كامل للتفسير الماديّ و للتصور الماديّ لحقيقة الضمير .
و لا تفسير لما نراه سوى ما يقوله الدين .. من أن الضمير هو نور وضعه الله في الفطرة و أن كل دور الاكتساب الاجتماعي أن يجلو صدأ النفس فتشف عن هذا النور الإلهي .
و هذا هو ما حدث بين الأسد و مدربه .. المعاشرة و المحبة و المصاحبة صقلت تلك النفس الحيوانية فأيقظت ذلك القبس الرحمانى .. فإذا بالأسد يحزن و يندم و ينتحر كمدًا كالبشر .
(( الحلال بين والحرام بين )) ... كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام .
((استفت قلبك وإن أفتاك الناس )) .
لسنا في حاجة إلى كلية شريعة لنعرف الخطأ من الصواب و الحق من الحلال .. فقد وضع الله في قلب كل منا كلية شريعة .. و ميزاناً لا يخطئ .. و كل ما نحن مطالبون به أن نجلو نفوسنا من غواشى المادة ومن كثافة الشهوات فنبصر و نرى و نعرف و نميز بدون عكاز "الخبرة الاجتماعية" وذلك بنور الله الذي اسمه الضمير .
((يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً )) [ الأنفال الآية 29]
يقول الله في الحديث القدسي للصوفي محمد بن عبد الجبار : " كيف تيأس منّي و في قلبك سفيري و متحدثي" .
الضمير حقيقة ثابتة و القيم الأخلاقية الأساسية هي بالمثل ثابتة فقتل البريء لن يصبح يومًا ما فضيلة و كذا السرقة و الكذب و إيذاء الآخرين و الفحشاء و الفجور و البذاءة و الغلظة و القسوة و النفاق و الخيانة كل هذه نقائض خلقية ، و سوف تظل هكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
و كذلك سوف تظل المحبة و الرحمة و الصدق و الحلم و العفو و الإحسان فضائل .. و لن تتحول إلى جرائم إلا إذا فسدت السماوات و الأرض و ساد الجنون و انتهى العقل .
من كتاب / حوار مع صديقي الملحد
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝
❞ نهاية الفلاسفة فى قديم الزمن
يروي تاريخ الفلاسفى معاناة الفلاسفة والذي كان مصيرهم يصل إلى الموت مثل
سقراط الذى حكم عليه بالاعدام
أفلاطون الذى بيع فى سوق العبيد
أما ارسطو هرب خوفاً من المصير الذى يحدث له إذا أستمر فى طرح رأيه فى فلسفته، لانه رايه كان ضدد بعض الحكماء ومعارضه أفكارهم
أما مكيافيلى وايمانويل كانط كانوا فى فترة الفقر والجوع وقيام الحروب الاهليه التي كانت منتشر خلال هذا الوقت وهروبهم من بلادهم ، مما أثر عليهم وكان تشبيهم للانسان فى بعض فلسفتهم إنه وحش كاسر يستغل الحروب ليخرج الوحش الذى بداخله ليستمتع بلذه القتل
ابن سينا أيضاً بسبب ذكائه واتقانه فى جميع العلوم سواء الطب أو الرياضيات أو الموسيقى وعلم النفس ،كانوا الأشخاص خلال هذه الحقبه يطلقون عليه ممسوس من الشيطان 😁😁
#اسماء_يمانى. ❝ ⏤𝑺𝑶𝑴𝑨 𝑨𝑳𝒀𝑨𝑴𝑨𝑵𝒀
❞ نهاية الفلاسفة فى قديم الزمن
يروي تاريخ الفلاسفى معاناة الفلاسفة والذي كان مصيرهم يصل إلى الموت مثل
سقراط الذى حكم عليه بالاعدام
أفلاطون الذى بيع فى سوق العبيد
أما ارسطو هرب خوفاً من المصير الذى يحدث له إذا أستمر فى طرح رأيه فى فلسفته، لانه رايه كان ضدد بعض الحكماء ومعارضه أفكارهم
أما مكيافيلى وايمانويل كانط كانوا فى فترة الفقر والجوع وقيام الحروب الاهليه التي كانت منتشر خلال هذا الوقت وهروبهم من بلادهم ، مما أثر عليهم وكان تشبيهم للانسان فى بعض فلسفتهم إنه وحش كاسر يستغل الحروب ليخرج الوحش الذى بداخله ليستمتع بلذه القتل
ابن سينا أيضاً بسبب ذكائه واتقانه فى جميع العلوم سواء الطب أو الرياضيات أو الموسيقى وعلم النفس ،كانوا الأشخاص خلال هذه الحقبه يطلقون عليه ممسوس من الشيطان 😁😁
اسماء_يمانى . ❝
❞ و أذكر فيما أذكر الآن ما كانوا يحكون لي عن جدي و أنا صغير و كيف أنه حج سبع حجات ، و كان الحج في ذلك الزمان البعيد منذ مائة سنة على الأقدام و على الإبل و بالبحر في سفن شراعية بدائية و في الحجة السابعة يروي الجد أهوالا .. عاصفة هبت على الحجيج و هم في عرض البحر و اقتلعت الشراع و حطمت الدفة ، و الكل يصرخ و يتضرع و يستنجد ، و المركب تدور في الدوامة كالفلك و الدوار ، و الموج المتلاطم يلف الجميع .
ثم يروي كيف تفسخت المركب إلى ألواح ابتلعتها اللجة في لحظات ، و كيف أفاق ليجد نفسه سابحا على طوف خشبي و أمامه جراب الزاد ، و كانوا يسمونه في تلك الأيام (( الذهاب )) .. كل حاج كان يطلع إلى الحج و معه ذهابه الخاص و به ما يلزم من المئونة و الأدوات و الثياب .
و كان أمرا عجيبا أن يهدأ البحر و تقلع الرياح و تنتهي العاصفة ، و ينجو وحده و معه ذهابه بهذه الطريقة التي تبدو كالمعجزة .
و تدمع عينا الجد و يومض بصره الكليل ، و كأنما يرى شريطا سريعا من اللقطات الرهيبة .. و يروي كيف قضى ليلتين في البحر ثم انتشله مركب شراعي آخر قاصدا إلى الحج .. و كيف أتم حجته السابعة ثم عاد بسلام .
و يروي كيف كان الموت يترصد الحاج في كل خطوة في البحر و في البر و في الصحارى .. و بين الحر المحرق و الرمال و العطش إذا ضل طريقه أو ماتت راحلته .. و على أيدي قطاع الطرق إذا ألقى به سوء حظه إلى عصبة من عصاباتهم .. أو بمرض معدٍ في زمان لم يكن يعرف شيئا اسمه طب وقائي أو يسمع عن لقاح للكوليرا أو التيفود .. و كانت الرحلة تطول إلى ستة شهور و سبعة شهور و سنة ، و كان الخارج إليها مفقودا و العائد مولودا .
و كان يختم قصته مبتسما بفمه الخالي من الأسنان ..
و برغم كل هذه الأهوال فقد حجيت سبع مرات و هاأناذا أموت بينكم في الفراش كما يموت الكسالى من العجائز ، لتعلموا يا أولادي أن كل شيء بأمر الله .. و أنه لا البحر يغرق و لا المرض يهلك و لا نار الصحارى تحرق ، و إنما هو الله وحده الذي يصرف الآجال كيف يشاء .
و أذكر الآن قصة هذا الجد الطيب و تطوف بذهني تلك الصور و أنا أضع قدمي في الطائرة لأصل جدة في ساعتين ، و في ساعة ثالثة أكون في الحرم أطوف بالكعبة ثم في الساعة التالية أكون صاعد إلى عرفات ، و بعد غروب الشمس أكون نازلا إلى منى لرمي الجمرات ثم طواف الإفاضة ثم تنتهي كل المناسك في أمان .
و أتذكر السرب الطويل من خمسين ألف عربة تحمل نصف مليون حاج و تصعد كلها في وقت واحد في عدة طرق دائرية حديثة الرصف .. و كل شيء يتم في سرعة و نظام و دون حادث و قد تناثرت وحدات الكشافة لتنظيم المرور .. و على الجبل تراصت مستشفيات كاملة التجهيز لعلاج و عزل أي حالة اشتباه .. و طوال ساعات الليل و النهار تطوف الرشاشات لقتل الذباب و البعوض في أماكن توالده ، و تطوف فرق أخرى لجمع القمامة و حرقها .
و بين مكة و المدينة يمتد أوتوستراد أملس كالحرير تنزلق عليه العربات في نعومة ، و ينام الراكب في حضن كرسيه في استرخاء لذيذ .
ما أبعد اليوم من الأمس .
و ما أكثر ما نتقلب فيه من النعم .
و كلما أحاطتنا النعمة ازددنا لله هجرانا .
أين إيمان اليوم .. من إيمان النبي العظيم منذ ألف و أربعمائة سنة و هو خارج في غزوة تبوك على رأس اثنى عشر ألفا من المسلمين في شهور القيظ المحرق ، ليخوض في رياح السموم و الحرور القاتلة سبع ليال يتهدده العطش في كل خطوة .. و قد ترك من خلفه الأمان و الظل الظليل و الراحة في خيام زوجاته .. ليلقى الله و ليبلغ الرسالة .. و ليحارب من ؟! .. الروم .. الذين احتشدوا على الحدود بمئات الألوف .
و اليوم ترتفع حرارة الجو بضع درجات فندير جهاز التكييف و نغلق أبواب غرفنا لا نبرحها لأن الخروج إلى الشارع مجازفة غير مأمونة .
و ما أبعد اليوم من الأمس حقاً .
و ما أفدح ما خسرنا حينما خسرنا الإيمان
...
كتاب/ الإسلام ماهو
للــدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ و أذكر فيما أذكر الآن ما كانوا يحكون لي عن جدي و أنا صغير و كيف أنه حج سبع حجات ، و كان الحج في ذلك الزمان البعيد منذ مائة سنة على الأقدام و على الإبل و بالبحر في سفن شراعية بدائية و في الحجة السابعة يروي الجد أهوالا .. عاصفة هبت على الحجيج و هم في عرض البحر و اقتلعت الشراع و حطمت الدفة ، و الكل يصرخ و يتضرع و يستنجد ، و المركب تدور في الدوامة كالفلك و الدوار ، و الموج المتلاطم يلف الجميع .
ثم يروي كيف تفسخت المركب إلى ألواح ابتلعتها اللجة في لحظات ، و كيف أفاق ليجد نفسه سابحا على طوف خشبي و أمامه جراب الزاد ، و كانوا يسمونه في تلك الأيام (( الذهاب )) .. كل حاج كان يطلع إلى الحج و معه ذهابه الخاص و به ما يلزم من المئونة و الأدوات و الثياب .
و كان أمرا عجيبا أن يهدأ البحر و تقلع الرياح و تنتهي العاصفة ، و ينجو وحده و معه ذهابه بهذه الطريقة التي تبدو كالمعجزة .
و تدمع عينا الجد و يومض بصره الكليل ، و كأنما يرى شريطا سريعا من اللقطات الرهيبة .. و يروي كيف قضى ليلتين في البحر ثم انتشله مركب شراعي آخر قاصدا إلى الحج .. و كيف أتم حجته السابعة ثم عاد بسلام .
و يروي كيف كان الموت يترصد الحاج في كل خطوة في البحر و في البر و في الصحارى .. و بين الحر المحرق و الرمال و العطش إذا ضل طريقه أو ماتت راحلته .. و على أيدي قطاع الطرق إذا ألقى به سوء حظه إلى عصبة من عصاباتهم .. أو بمرض معدٍ في زمان لم يكن يعرف شيئا اسمه طب وقائي أو يسمع عن لقاح للكوليرا أو التيفود .. و كانت الرحلة تطول إلى ستة شهور و سبعة شهور و سنة ، و كان الخارج إليها مفقودا و العائد مولودا .
و كان يختم قصته مبتسما بفمه الخالي من الأسنان ..
و برغم كل هذه الأهوال فقد حجيت سبع مرات و هاأناذا أموت بينكم في الفراش كما يموت الكسالى من العجائز ، لتعلموا يا أولادي أن كل شيء بأمر الله .. و أنه لا البحر يغرق و لا المرض يهلك و لا نار الصحارى تحرق ، و إنما هو الله وحده الذي يصرف الآجال كيف يشاء .
و أذكر الآن قصة هذا الجد الطيب و تطوف بذهني تلك الصور و أنا أضع قدمي في الطائرة لأصل جدة في ساعتين ، و في ساعة ثالثة أكون في الحرم أطوف بالكعبة ثم في الساعة التالية أكون صاعد إلى عرفات ، و بعد غروب الشمس أكون نازلا إلى منى لرمي الجمرات ثم طواف الإفاضة ثم تنتهي كل المناسك في أمان .
و أتذكر السرب الطويل من خمسين ألف عربة تحمل نصف مليون حاج و تصعد كلها في وقت واحد في عدة طرق دائرية حديثة الرصف .. و كل شيء يتم في سرعة و نظام و دون حادث و قد تناثرت وحدات الكشافة لتنظيم المرور .. و على الجبل تراصت مستشفيات كاملة التجهيز لعلاج و عزل أي حالة اشتباه .. و طوال ساعات الليل و النهار تطوف الرشاشات لقتل الذباب و البعوض في أماكن توالده ، و تطوف فرق أخرى لجمع القمامة و حرقها .
و بين مكة و المدينة يمتد أوتوستراد أملس كالحرير تنزلق عليه العربات في نعومة ، و ينام الراكب في حضن كرسيه في استرخاء لذيذ .
ما أبعد اليوم من الأمس .
و ما أكثر ما نتقلب فيه من النعم .
و كلما أحاطتنا النعمة ازددنا لله هجرانا .
أين إيمان اليوم .. من إيمان النبي العظيم منذ ألف و أربعمائة سنة و هو خارج في غزوة تبوك على رأس اثنى عشر ألفا من المسلمين في شهور القيظ المحرق ، ليخوض في رياح السموم و الحرور القاتلة سبع ليال يتهدده العطش في كل خطوة .. و قد ترك من خلفه الأمان و الظل الظليل و الراحة في خيام زوجاته .. ليلقى الله و ليبلغ الرسالة .. و ليحارب من ؟! .. الروم .. الذين احتشدوا على الحدود بمئات الألوف .
و اليوم ترتفع حرارة الجو بضع درجات فندير جهاز التكييف و نغلق أبواب غرفنا لا نبرحها لأن الخروج إلى الشارع مجازفة غير مأمونة .
و ما أبعد اليوم من الأمس حقاً .
و ما أفدح ما خسرنا حينما خسرنا الإيمان
...
كتاب/ الإسلام ماهو
للــدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله ) . ❝