❞ قصة النبي صالح
أرسله الله إلى قوم ثمود - قبيلة من القبائل العربية البائدة، المتفرعة من أولاد سام بن نوح، وهي قبيلة ثمود، وسميت بذلك نسبة إلى أحد أجدادها، وهو: ثمود بن جاثر بن إرم بن سام بن نوح --، وقيل: ثمود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح.والنبي صالح من هذه القبيلة، ويتصل نسبه بثمود - وكانوا قوما جاحدين آتاهم الله رزقا كثيرا ولكنهم عصوا ربهم وعبدوا الأصنام وتفاخروا بينهم بقوتهم فبعث الله إليهم صالحا مبشرا ومنذرا ولكنهم كذبوه وعصوه وطالبوه بأن يأتي بآية ليصدقوه فأتاهم بالناقة وأمرهم أن لا يؤذوها ولكنهم أصروا على كبرهم فعقروا الناقة وعاقبهم الله بالصاعقة فصعقوا جزاء لفعلتهم ونجى الله صالحا والمؤمنين.
أما نسبه: فهو: صالح—بن عبيد بن أسف بن ماشخ بن عبيد بن حاذر -أو- صالح—بن جابر بن ثمود بن جاثر بن إرم بن سام بن نوح.
إرسال صالح لثمود
جاء قوم ثمود بعد قوم عاد، وتكررت قصة العذاب بشكل مختلف مع ثمود. كانت ثمود قبيلة تعبد الأصنام هي الأخرى، فأرسل الله سيدنا \"صالحا\" إليهم.. وقال صالح لقومه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ) نفس الكلمة التي يقولها كل نبي.. لا تتبدل ولا تتغير، كما أن الحق لا يتبدل ولا يتغير.
فوجئ الكبار من قوم صالح بما يقوله.. إنه يتهم آلهتهم بأنها بلا قيمة، وهو ينهاهم عن عبادتها ويأمرهم بعبادة الله وحده. وأحدثت دعوته هزة كبيرة في القوم.. وكان صالح معروفا بالحكمة والنقاء والخير. كان قومه يحترمونه قبل أن يوحي الله إليه ويرسله بالدعوة إليهم.. وقال قوم صالح له:
تأمل وجهة نظر الكافرين من قوم صالح. إنهم يدلفون إليه من باب شخصي بحت. لقد كان لنا رجاء فيك. كنت مرجوا فينا لعلمك وعقلك وصدقك وحسن تدبيرك، ثم خاب رجاؤنا فيك.. أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟! يا للكارثة.. كل شيء يا صالح إلا هذا. ما كنا نتوقع منك أن تعيب آلهتنا التي وجدنا آبائنا عاكفين عليها.. وهكذا يعجب القوم مما يدعوهم إليه. ويستنكرون ما هو واجب وحق، ويدهشون أن يدعوهم أخوهم صالح إلى عبادة الله وحده. لماذا؟ ما كان ذلك كله إلا لأن آبائهم كانوا يعبدون هذه الآلهة
معجزة صالح
ورغم نصاعة دعوة صالحعليه السلام، فقد بدا واضحا أن قومه لن يصدقونه. كانوا يشكون في دعوته، واعتقدوا أنه ساحر أو مسحور، وطالبوه بمعجزة تثبت أنه رسول من الله إليهم. وشاءت إرادة الله أن تستجيب لطلبهم. وكان قوم ثمود ينحتون من الجبال بيوتا عظيمة. كانوا يستخدمون الصخر في البناء، وكانوا أقوياء قد فتح الله عليهم رزقهم من كل شيء. جاءوا بعد قوم عاد فسكنوا الأرض التي استعمروها. ❝ ⏤
❞ قصة النبي صالح
أرسله الله إلى قوم ثمود - قبيلة من القبائل العربية البائدة، المتفرعة من أولاد سام بن نوح، وهي قبيلة ثمود، وسميت بذلك نسبة إلى أحد أجدادها، وهو: ثمود بن جاثر بن إرم بن سام بن نوح --، وقيل: ثمود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح.والنبي صالح من هذه القبيلة، ويتصل نسبه بثمود - وكانوا قوما جاحدين آتاهم الله رزقا كثيرا ولكنهم عصوا ربهم وعبدوا الأصنام وتفاخروا بينهم بقوتهم فبعث الله إليهم صالحا مبشرا ومنذرا ولكنهم كذبوه وعصوه وطالبوه بأن يأتي بآية ليصدقوه فأتاهم بالناقة وأمرهم أن لا يؤذوها ولكنهم أصروا على كبرهم فعقروا الناقة وعاقبهم الله بالصاعقة فصعقوا جزاء لفعلتهم ونجى الله صالحا والمؤمنين.
أما نسبه: فهو: صالح—بن عبيد بن أسف بن ماشخ بن عبيد بن حاذر -أو- صالح—بن جابر بن ثمود بن جاثر بن إرم بن سام بن نوح.
إرسال صالح لثمود
جاء قوم ثمود بعد قوم عاد، وتكررت قصة العذاب بشكل مختلف مع ثمود. كانت ثمود قبيلة تعبد الأصنام هي الأخرى، فأرسل الله سيدنا ˝صالحا˝ إليهم. وقال صالح لقومه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ) نفس الكلمة التي يقولها كل نبي. لا تتبدل ولا تتغير، كما أن الحق لا يتبدل ولا يتغير.
فوجئ الكبار من قوم صالح بما يقوله. إنه يتهم آلهتهم بأنها بلا قيمة، وهو ينهاهم عن عبادتها ويأمرهم بعبادة الله وحده. وأحدثت دعوته هزة كبيرة في القوم. وكان صالح معروفا بالحكمة والنقاء والخير. كان قومه يحترمونه قبل أن يوحي الله إليه ويرسله بالدعوة إليهم. وقال قوم صالح له:
تأمل وجهة نظر الكافرين من قوم صالح. إنهم يدلفون إليه من باب شخصي بحت. لقد كان لنا رجاء فيك. كنت مرجوا فينا لعلمك وعقلك وصدقك وحسن تدبيرك، ثم خاب رجاؤنا فيك. أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟! يا للكارثة. كل شيء يا صالح إلا هذا. ما كنا نتوقع منك أن تعيب آلهتنا التي وجدنا آبائنا عاكفين عليها. وهكذا يعجب القوم مما يدعوهم إليه. ويستنكرون ما هو واجب وحق، ويدهشون أن يدعوهم أخوهم صالح إلى عبادة الله وحده. لماذا؟ ما كان ذلك كله إلا لأن آبائهم كانوا يعبدون هذه الآلهة
معجزة صالح
ورغم نصاعة دعوة صالحعليه السلام، فقد بدا واضحا أن قومه لن يصدقونه. كانوا يشكون في دعوته، واعتقدوا أنه ساحر أو مسحور، وطالبوه بمعجزة تثبت أنه رسول من الله إليهم. وشاءت إرادة الله أن تستجيب لطلبهم. وكان قوم ثمود ينحتون من الجبال بيوتا عظيمة. كانوا يستخدمون الصخر في البناء، وكانوا أقوياء قد فتح الله عليهم رزقهم من كل شيء. جاءوا بعد قوم عاد فسكنوا الأرض التي استعمروها. ❝
❞ أشهر قصة تُحكى عن شرود الذهن هي قصة إديسون العالم الأميركي العبقري الذي لم يحضر حفل زفافه. السبب هو أنه انشغل في المختبر بتجربة مهمة، وقد بحثوا عنه كثيراً فاتضح أنه كتب موعد الزفاف في مفكرته لكنه نسي!
لا أعرف ما قاله لعروسه في تلك الليلة السوداء لكن التاريخ لا يذكر أن فسخ الخطبة قد تم على كل حال.
وهناك نيوتن عالم الرياضيات الذي كان جالساً قرب المدفأة لكنه لا يشعر بالدفء. فطلب من خادمه أن ينزع المدفأة من الجدار ويقربها منه، فقال له الخادم في أدب:
ـ لماذا لا يقوم سيدي بتقريب مقعده من النار؟
هنا شهق نيوتن، وأعلن أن خادمه عبقري حاضر الذهن فعلاً!
القصة الأغرب هي (تشسترتون) الكاتب المسرحي البريطاني الشهير الذي وقف في طابور مكتب البريد ليحصل على حوالة مالية، فلما بلغ الشباك اكتشف أنه نسي اسمه!، وكان أول ما قاله للموظف المذهول:
ـ معذرة يا سيدي... لكن هل تعرف اسمي؟!!
يمكننا بسهولة أن نتصور ما قاله الموظف وما فعله.
شرود ذهن العباقرة أمر معروف للجميع، وإن كان يسبب الدهشة أولاً.
وكثيراً ما يدفع الناس إلى اعتبار العبقري على شيء من ""الخبال"" أو الجنون... لكنهم بعد ذلك يقبلونه باحترام.
لكني أعترف أن شرود الذهن لا يدل على العبقرية في كل الظروف، بل قد يدل على عقل خاو تماماً. وباعتباري من الذين اشتهروا بشرود الذهن، فإنني أقر وأعترف أن أغلب الأوقات التي شوهدت فيها شارداً لم يكن في رأسي أي شيء مفيد، لكن الناس تنظر لي في احترام، وتتصور أني أنظم قصيدة عصماء أو قصة عبقرية.
أشهر من عرف بشرود الذهن في عالم الأدب هو الأديب المصري (توفيق الحكيم)، لكن المخرج (محمد كريم) جلس معه طويلاً أثناء كتابة سيناريو فيلم (رصاصة في القلب) ولاحظ أن جزءاً من هذا الشرود إرادي تماماً. مثلاً، لاحظ أن توفيق الحكيم يجلس شارد الذهن وذقنه مستندة على مقبض عصاه، فيقول له محمد كريم: هناك فتاة حسناء سألت عنك أمس.
عندها يفيق الفيلسوف الشارد على الفور، ويستفسر عن كل التفاصيل. هذا إذن شرود إرادي يفيق منه متى أراد.
الموسيقار عبد الوهاب اشتهر بالشرود الحقيقي، ويقول كل من اقتربوا منه إنه كان يزوم كالقطط طيلة الوقت لأن الألحان لا تكف عن زيارة عقله.
أحمد شوقي الشاعر كان شارد الذهن كذلك، وكان يخرج علبة السجائر كل بضع دقائق ليدون على هامشها بضعة أبيات قبل أن تضيع.
على كل حال، يمكنك أن تنجو بشرودك فلا يسخر منك أحد إذا أقنعت الناس أنك فنان. وهو حل لا بد أن تلجأ إليه إذا أردت أن تنجو من مواقف محرجة جداً.
مثلاً، ذات مرة كنت شارد الذهن وقابلت امرأة ذات وجه مألوف على سلم بيتي فهززت رأسي وقلت في وقار متحفظ: مساء الخير.
وواصلت النزول، فقط بعد ربع ساعة تذكرت أن التي قابلتها هي أختي! والله العظيم حدث هذا وليس من تأليفي.
في مرة أخرى كانت زميلة عمل مملة تكلمني بصوت رتيب عن أشياء كثيرة، فلجأت إلى الحل الأمثل وهو صوت (م م م!) كل ثلاثين ثانية بما يوحي بأنني أتابعها.
وفجأة فطنت إلى أنها تنظر لي في لوم وقد كفت عن الكلام الرتيب، ولما نظرت إليها قالت:
ـ أنا أسألك!!، وكالعادة لا إجابة عندك إلا (م م م).
هذه مواقف محرجة جداً لهذا عليك أن تقنع الناس على سبيل الاعتذار أنك عبقري وأنك تفكر في عظائم الأمور. عليك أن تعتذر ثم تخرج ورقة مطوية وتدون فيها بعض الكلمات بلهفة ويد ترتجف، ثم تتنهد في ارتياح كمن فرغ من آخر بيتين في ملحمة الإلياذة.
غرابة أطوار؟ ربما... لكنها ليست أغرب من أن تقابل أختك فلا تعرفها، أو تكتشف زميلتك انك لا تسمع حرفًا مما تقول.
وكمــــا هي العــــــادة، شرود الذهن سوف يجــــــعلني أفرغ من كتابة هذا المقال ثم أرسله لزوج خالتي كما أفعـل في كل مرة، بدلاً من إرساله لهذه الجريدة الغراء، وسأزعم أنني كنت أفكر في المقال التالي!
#أحمد_خالد_توفيق
الشاردون. ❝ ⏤أحمد خالد توفيق
❞ أشهر قصة تُحكى عن شرود الذهن هي قصة إديسون العالم الأميركي العبقري الذي لم يحضر حفل زفافه. السبب هو أنه انشغل في المختبر بتجربة مهمة، وقد بحثوا عنه كثيراً فاتضح أنه كتب موعد الزفاف في مفكرته لكنه نسي!
لا أعرف ما قاله لعروسه في تلك الليلة السوداء لكن التاريخ لا يذكر أن فسخ الخطبة قد تم على كل حال.
وهناك نيوتن عالم الرياضيات الذي كان جالساً قرب المدفأة لكنه لا يشعر بالدفء. فطلب من خادمه أن ينزع المدفأة من الجدار ويقربها منه، فقال له الخادم في أدب:
ـ لماذا لا يقوم سيدي بتقريب مقعده من النار؟
هنا شهق نيوتن، وأعلن أن خادمه عبقري حاضر الذهن فعلاً!
القصة الأغرب هي (تشسترتون) الكاتب المسرحي البريطاني الشهير الذي وقف في طابور مكتب البريد ليحصل على حوالة مالية، فلما بلغ الشباك اكتشف أنه نسي اسمه!، وكان أول ما قاله للموظف المذهول:
ـ معذرة يا سيدي.. لكن هل تعرف اسمي؟!!
يمكننا بسهولة أن نتصور ما قاله الموظف وما فعله.
شرود ذهن العباقرة أمر معروف للجميع، وإن كان يسبب الدهشة أولاً.
وكثيراً ما يدفع الناس إلى اعتبار العبقري على شيء من ""الخبال"" أو الجنون.. لكنهم بعد ذلك يقبلونه باحترام.
لكني أعترف أن شرود الذهن لا يدل على العبقرية في كل الظروف، بل قد يدل على عقل خاو تماماً. وباعتباري من الذين اشتهروا بشرود الذهن، فإنني أقر وأعترف أن أغلب الأوقات التي شوهدت فيها شارداً لم يكن في رأسي أي شيء مفيد، لكن الناس تنظر لي في احترام، وتتصور أني أنظم قصيدة عصماء أو قصة عبقرية.
أشهر من عرف بشرود الذهن في عالم الأدب هو الأديب المصري (توفيق الحكيم)، لكن المخرج (محمد كريم) جلس معه طويلاً أثناء كتابة سيناريو فيلم (رصاصة في القلب) ولاحظ أن جزءاً من هذا الشرود إرادي تماماً. مثلاً، لاحظ أن توفيق الحكيم يجلس شارد الذهن وذقنه مستندة على مقبض عصاه، فيقول له محمد كريم: هناك فتاة حسناء سألت عنك أمس.
عندها يفيق الفيلسوف الشارد على الفور، ويستفسر عن كل التفاصيل. هذا إذن شرود إرادي يفيق منه متى أراد.
الموسيقار عبد الوهاب اشتهر بالشرود الحقيقي، ويقول كل من اقتربوا منه إنه كان يزوم كالقطط طيلة الوقت لأن الألحان لا تكف عن زيارة عقله.
أحمد شوقي الشاعر كان شارد الذهن كذلك، وكان يخرج علبة السجائر كل بضع دقائق ليدون على هامشها بضعة أبيات قبل أن تضيع.
على كل حال، يمكنك أن تنجو بشرودك فلا يسخر منك أحد إذا أقنعت الناس أنك فنان. وهو حل لا بد أن تلجأ إليه إذا أردت أن تنجو من مواقف محرجة جداً.
مثلاً، ذات مرة كنت شارد الذهن وقابلت امرأة ذات وجه مألوف على سلم بيتي فهززت رأسي وقلت في وقار متحفظ: مساء الخير.
وواصلت النزول، فقط بعد ربع ساعة تذكرت أن التي قابلتها هي أختي! والله العظيم حدث هذا وليس من تأليفي.
في مرة أخرى كانت زميلة عمل مملة تكلمني بصوت رتيب عن أشياء كثيرة، فلجأت إلى الحل الأمثل وهو صوت (م م م!) كل ثلاثين ثانية بما يوحي بأنني أتابعها.
وفجأة فطنت إلى أنها تنظر لي في لوم وقد كفت عن الكلام الرتيب، ولما نظرت إليها قالت:
ـ أنا أسألك!!، وكالعادة لا إجابة عندك إلا (م م م).
هذه مواقف محرجة جداً لهذا عليك أن تقنع الناس على سبيل الاعتذار أنك عبقري وأنك تفكر في عظائم الأمور. عليك أن تعتذر ثم تخرج ورقة مطوية وتدون فيها بعض الكلمات بلهفة ويد ترتجف، ثم تتنهد في ارتياح كمن فرغ من آخر بيتين في ملحمة الإلياذة.
غرابة أطوار؟ ربما.. لكنها ليست أغرب من أن تقابل أختك فلا تعرفها، أو تكتشف زميلتك انك لا تسمع حرفًا مما تقول.
وكمــــا هي العــــــادة، شرود الذهن سوف يجــــــعلني أفرغ من كتابة هذا المقال ثم أرسله لزوج خالتي كما أفعـل في كل مرة، بدلاً من إرساله لهذه الجريدة الغراء، وسأزعم أنني كنت أفكر في المقال التالي!
❞ الذي رأى قطة تتلصص على مائدة في خلسة من أصحابها ثم تمد فمها لتلقف قطعة سمك. الذي رأى مثل تلك القطة ونظر إلى عينيها وهي تسرق لن ينسى أبداً تلك النظرة التي تملؤها الإحساس بالذنب.
إن القطة وهي الحيوان الأعجم تشعر شعوراً مبهماً أنها ترتكب إثماً .. فإذا لحقها العقاب ونالت ضربة على رأسها فإنها تغض من رأسها وتطأطئ بصرها ، وكأنها تدرك إدراكاً مبهماً أنها نالت ما تستحق.
هو إحساس الفطرة الأولى الذي ركبه الخالق في بنية المخلوق .. إنه الحاسة الأخلاقية البدائية نجد أثرها حتى في الحيوان الأعجم.
والقط إذ يتبرز ثم ينثني علي ما فعل ويهيل عليه التراب حتى يخفيه عن الأنظار.
ذلك الفعل الغريزي يدل على إحساس بالقبح وعلى المبادرة بستر هذا القبح.
وذلك الفعل هو أيضاً فطرة أخلاقية لم تكتسب بالتعلم .. وإنما بهذه الفطرة وُلِد كل القطط.
وبالمثل غضبة الجمل بعد تكرار الإهانة من صاحبه وبعد طول الصبر والتحمل .. وكبرياء الأسد وترفعه عن أن يهاجم فريسته غدراً من الخلف وإنما دائماً من الأمام ومواجهة .. ولا يفترس إلا ليأكل .. ولا يفكر في أكل أو افتراس إلّا إذا جاع.
كل هذه أخلاق مفطورة في الحشوة الحية وفي الحيوان.
ثم الوفاء الزوجي عند الحمام.
والولاء للجماعة في الحيوانات التي تتحرك في قطعان.
نحن أمام الأسس الأولى للضمير .. نكتشفها تحت الجلد وفي الدم لم يعلمها معلم وإنما هي في الخلقة.
ونحن إذ نتردد قبل الفعل نتيجة إحساس فطري بالمسئولية .. ثم نشعر بالعبء أثناء الفعل نتيجة تحري الصواب .. ونشعر بالندم بعد الفعل نتيجة الخطأ.
هذه المشاعر الفطرية التي يشترك فيها المثقف والبدائي والطفل هي دليل على شعور باطن بالقانون والنظام وأن هناك محاسبة .. وأن هناك عدالة .. وإن كل واحد فينا مُطَالب بالعدالة كما أن له الحق في أن يطلبها .. وإن هذا شعور مفطور فينا منذ الميلاد جاءنا من الخالق الذي خلقنا ومن طبيعتنا ذاتها.
فإذا نظرنا إلى العالم المادي من الذرات المتناهية في الصغر إلى المجرات المتناهية في العظم وجدنا كل شيء يجري بقوانين و بحساب و انضباط .
حتى الإلكترون لا ينتقل من مدار إلى مدار في فلك النواة إلّا إذا أعطى أو أخذ حزماً من الطاقة تساوي مقادير انتقاله و كأنه راكب في قطار لا يستطيع أن يستقل القطار إلّا إذا دفع ثمن التذكرة .
و ميلاد النجوم و موتها له قوانين و أسباب.
و حركة الكواكب في دولاب الجاذبية لها معادلة .
و تحول المادة إلى طاقة و تحول جسم الشمس إلى نور له معادلة .
و انتقال النور له سرعة .
و كل موجة لها طول و لها ذبذبة و لها سرعة .
كما أن كل معدن له طيف و له خطوط امتصاص مميزة يُعرَف بها في جهاز المطياف .
و كل معدن يتمدد بمقدار و يتقلص بمقدار بالحرارة و البرودة .. و كل معدن له كتلة و كثافة و وزن ذري جزيئي و ثوابت و خواص .
و أينشتين أثبت لنا أن هناك علاقة بين كتلة الجسم و سرعته .. و بين الزمن و نظام الحركة داخل مجموعة متحركة .. و بين الزمان و المكان .
و الذي يفرق المواد إلى جوامد و سوائل و غازات هو معدل السرعة بين جزيئاتها .
و لأن الحرارة تعجّل من هذه السرعة فإنها تستطيع أن تصهر الجوامد و تحولها إلى سوائل ثم تبخر السوائل و تحولها إلى غازات .
كما أن الكهرباء تتولد بقوانين .. كما يتحرك التيار الكهربائي و يفعل و يؤثرعلى أساس من فرق الجهد و الشدة .
كما تتوقف جاذبية كل نجم على مقدار جرمه و كتلته .
و الزلازل التي تبدو أنواعاً من الفوضى لها هي الأخرى نظام و أحزمة و
خطوط تحدث فيها و يمكن رسم و تتبع الأحزمة الزلزالية بطول الكرة
الأرضية و عرضها .
و الكون كله جدول من القوانين المنضبطة الصريحة التي لا غش فيها و لا خداع .
سوف يرتفع صوت ليقول : و ما رأيك فيما نحن فيه من الغش و الخداع و الحروب و المظالم و قتل بعضنا البعض بغياً و عدواناً .. أين النظام هنا ؟ و سوف أقول له : هذا شيء آخر .. فإن ما يحدث بيننا نحن دولة بني آدم يحدث لأن الله أخلفنا في الأرض و أقامنا ملوكاً نحكم و أعطانا الحرية .. و عرض علينا الأمانة فقبلناها .
و كان معنى إعطائنا الحرية أن تصبح لنا إمكانية الخطأ و الصواب .
و كان كل ما نرى حولنا في دنيانا البشرية هو نتيجة هذه الحرية التي
أسأنا استعمالها .
إن الفوضى هي فعلنا نحن و هي النتيجة المترتبة على حريتنا ، أما العالم فهو بالغ الذروة في الانضباط و النظام .
و لو شاء الله لأخضعنا نحن أيضاً للنظام قهراً كما أخضع الجبال و البحار و النجوم و الفضاء .. و لكنه شاء أن يفني عنّا القهر لتكتمل بذلك عدالته .. و ليكون لكل منا فعله الخاص الحر الذي هو من جنس دخيلته .
أراد بذلك عدلاً ليكون بعثنا بعد ذلك على مقامات و درجات هو إحقاق الحق و وضع كل شيء في نصابه .
و الحياة مستمرة .
و ليس ما نحياه من الحياة في دنيانا هو كل الحياة .
و معنى هذا أن الفترة الاعتراضية من المظالم و الفوضى هي فترة لها حِكمتها و أسبابها و أنها عين العدالة من حيث هي امتحان لما يلي من حياة مستمرة أبداً .
إن دنيانا هي فترة موضوعة بين قوسين بالنسبة لما بعدها و ما قبلها ، و هي ليست كل الحقيقة و لا كل القصة .. و إنما هي فصل صغير من رواية سوف تتعدد فصولاً .
وقد أدرك الإنسان حقيقة البعث بالفطرة.
أدركها الإنسان البدائي.
وقال بها الأنبياء إخباراً عن الغيب.
وقال بها العقل والعلم الذي أدرك أن الإنسان جسد وروح كما ذكرنا في فصول سابقة .. وإن الإنسان يستشعر بروحه من إحساسه الداخلي العميق المستمر بالحضور رغم شلال التغيرات الزمنية من حوله ، وهو إحساس ينبئ بأنه يملك وجوداً داخلياً متعالياً على التغيرات مجاوزاً للزمن والفناء والموت.
وفلاسفة مثل عمانويل كانت وبرجسون وكيركجارد ، لهم وزنهم في الفكر قالوا بحقيقة الروح والبعث.
وفي كتاب «جمهورية أفلاطون».. فصل رائع عن خلود الروح.
هي حقيقة كانت تفرض نفسها إذن على أكبر العقول وعلى أصغر العقول وكانت تقوم كبداهة يصعب إنكارها.
ولكن أهم برهان على البعث في نظري هو ذلك الإحساس الباطني العميق الفطري الذي نولد به جميعا ونتصرف على أساسه ، أن هناك نظاماً مُحكَماً وقانوناً وعدلاً.
ونحن نطالب أنفسنا ونطالب غيرنا فطرياً وغريزياً بهذا العدل.
وتحترق صدورنا إذا لم يتحقق هذا العدل.
ونحارب لنرسي دعائم ذلك العدل.
ونموت في سبيل العدل.
وفي النهاية لا نحقق أبداً ذلك العدل.
وهذا يعني أنه سوف يتحقق بصورة ما لاشك فيها .. لأنه حقيقة مطلقة فرضت نفسها على عقولنا وضمائرنا طول الوقت.
وإذا كنا لا نرى ذلك العدل يتحقق في دنيانا فلأننا لا نرى كل الصورة ولأن دنيانا الظاهرة ليست هي كل الحقيقة.
وإلّا فلماذا تحترق صدورنا لرؤية الظلم ولماذا نطالب غيرنا دائما بأن يكون عادلاً .. لماذا نحرص كل هذا الحرص ونشتعل غضباً على ما لا وجود له.
يقول لنا المفكر الهندي وحيد الدين خان :
إذا كان الظمأ إلى الماء يدل على وجود الماء فكذلك الظمأ إلى العدل لابد أنه يدل على وجود العدل .. ولأنه لا عدل في الدنيا .. فهو دليل على وجود الآخرة مستقر العدل الحقيقي.
إن شعورنا الداخلي الفطري هو الدليل القطعي على أن العدل حق .. وإن كنا لا نراه اليوم .. فإننا سوف نراه غداً .. هذا توكيد يأتينا دائما من داخلنا .. وهو الصدق لأنه وحي البداهة..
والبداهة والفطرة جزء من الطبيعة المحكمة الخالية من الغش وهي قانون من ضمن القوانين العديدة التي ينضبط بها الوجود.
سوف يرتفع صوت ليقول : لندع عالم الآدميين ونسأل : لماذا خلق الله الخنزير خنزيراً والكلب كلباً .. والحشرة حشرة .. ما ذنب هذه الكائنات لتخلق على تلك الصورة المنحطة .. وأين العدل هنا ؟
وإذا كان الله سوف يبعث كل ذي روح فلماذا لا يبعث القرد والكلب والخنزير؟
والسؤال وجيه ولكن يلقيه عقل لا يعرف إلّا نصف القضية .. أو سطراً واحداً من ملف التحقيق .. ومع ذلك يتعجل معرفة الحكم وحيثياته.
والواقع أن كل الكائنات الحيوانية نفوس.
والله قد اختار لكل نفس القالب المادي الذي تستحقه.
والله قد خلق الخنزير خنزيراً لأنه خنزير..
ونحن لا نعلم شيئا عن تلك النفوس الخنزيرية قبل أن يودعها الله في قالبها المادي الخنزيري..
ولا نعلم لماذا وكيف كان الميلاد على تلك الصورة .. وما قبل الميلاد محجوب.
كما أن ما بعد الموت محجوب.
ولكن أهل المشاهدة يقولون كما يقول القرآن إننا كنا قبل الميلاد في عالم ( يسمونه عالم الذر ) ونكون بعد الموت في عالم. والحياة أبدية ولا موت وإنما انتقال وارتقاء في معراج لا ينتهي . صعوداً وتطوراً وتسامياً وكدحاً إلى الله.
وهذا الاستمرار يقول به العقل أيضاً.
والعدل هو الحقيقة الأزلية التي وقرها الله في الفطرة وفي الحشوة الآدمية.. وحتي في الحشوة الحيوانية كما قدمت في بداية مقالي.
هذا العدل حقيقة مطلقة سوف تقول لنا أن جميع القوالب المادية والحيوانية هي استحقاقات مؤكدة لا ندري شيئا عن تفاصيلها ولا كيف كانت ، ولكننا نستطيع أن نقول بداهة أنها استحقاقات .. وأن الله خلق الخنزير خنزيراً لأن نفسه كانت نفسا خنزيرية فكان هذا ثوبها وقالبها الملائم.
أما بعث الحيوانات فالقرآن يقول به :
( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ) (الأنعام – 38).
هي أمم من الأنفس يقول لنا القرآن أنها تُحشَر كما نُحشَر.. أما ما يجري عليها بعد ذلك وأين تكون وما مصيرها .. فهو غيب .. وتطلع إلى محجوبات .. وفضول لن نجد له جواباً شافياً.
والعلم بكل شيء في داخل اللحظة المحدودة وفي عمرنا الدنيوي هو طمع في مستحيل.
ولكن إذا كان نصيبنا من العلم وإذا كان ما غنمناه بالتأمل هو أن العدل حقيقة أزلية وأن الله وقرها وأودعها في الفطرة فقد علمنا الكثير وأدركنا كفايتنا.
وبالصورة التي أدركنا بها الله في مقالنا الأول على أنه العقل الكلي المحيط وأنه القادر المبدع الملهم المعني بمخلوقاته ، بهذه الصورة سوف نفهم كيف أودع الله هذه الفطرة الهادية المرشدة في مخلوقاته فهذا مقتضي عنايته وعدله .. أن يخلق مخلوقاته ويخلق لها النور الذي تهتدي به. وسوف نصدق أيضا أن الله أرسل الأنبياء وأوحي بالكتب .. فإن الله لا يكون رباً ولا إلهاً ملهماً مدبراً بغير ذلك.
وسوف يكون دليلا على صدق الكتب السماوية وهو ما تأتينا به من علم وغيب وحكمة وتشريع وحق مما لا يتأتي لجهد فردي أن يهتدي إليه بالمحاولة الشخصية.
إن الله الخالق العادل الملهم الذي خلق مخلوقاته وألهمها الطريق.. (وهو لباب الأديان كلها)..
هو مبدأ أولي يصل إليه العقل دون إجهاد. وتوحي به الفطرة بداهة.
وإنما الافتعال كل الافتعال.. هو القول بغير ذلك.
والإنكار يحتاج إلى الجهد كل الجهد وإلى الالتفاف والدوران واللجاجة والجدل العقيم ثم نهايته إلى التهافت .. لأنه لا يقوم على أساس .. ولأنه يدخل في باب المكابرة والعناد أكثر مما يدخل في باب التأمل المحايد النزيه والفطرة السوية.
وهذا هو ما قالته لي رحلتي الفكرية الطويلة .. من بدايتها المزهوة في كتاب ( الله والإنسان ) إلى وقفتها الخاشعة على أبواب القرآن والتوراة والإنجيل وليس متديناً في نظري من تعصب وتحزب وتصور أن نبيه هو النبي الوحيد وأن الله لم يأت بغيره .. فإن هذا التصور لله هو تصور طفولي متخلف يظن أن الله أشبه بشيخ قبيلة .. ومثل هذا الإحساس هو عنصرية وليس تديناً.
وإنما التصور الحق لله .. أنه الكريم الذي يعطي الكل ويرسل الرسل للكل.
( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير )
(فاطر – 24)
و( لقد بعثنا في كل أمة رسولاً )
(النحل – 36)
( وما كان ربك مُهلِك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً )
( القصص – 59)
( ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك )
( النساء – 164)
ومعنى هذه الآية أن بوذا يمكن أن يكون رسولا وإن لم يرد ذكره في القرآن.
وإخناتون يمكن أن يكون رسولاً .. ويمكن أن يكون ما وصلنا من تعاليمهم قد خضع للتحريف .. والله يريد بهذا أن يوحي بالإيمان المنفتح الذي يحتضن كل الرسالات وكل الأنبياء وكل الكتب بلا تعصب وبلا تحيز.
وأصدق مثل للوعي الديني المتفتح هو وعي رجل مثل غاندي .. هندوسي ومع ذلك يقرأ في صلاته فقرات من القرآن والتوراة والإنجيل وكتاب ( الدامابادا ) لبوذا .. في خشوع ومحبة.. مؤمناً بكل الكتب وكل الرسل .. وبالخالق الواحد الذي أرسلها.
وهو رجل حياته مثل كلامه أنفقها في الحب والسلام.
والدين واحد من الناحية العقائدية وإن اختلفت الشرائع في الأديان المتعددة . كما أن الرب واحد.
والفضلاء من جميع الأديان هم على دين واحد.
لأن المتدين الفاضل لا يتصور الله خالقاً له وحده وهادياً له وحده أو لفئة وحدها .. وإنما هو نور السموات والأرض .. المتاح لكل من يجهد باحثا عنه .. الرحمن الرحيم المرسل للهداة المنزل للوحي في جميع الأعصر والدهور .. وهذا مقتضى عدله الأزلي .. وهذا هو المعنى الجدير بالمقام الإلهي .. وبدون هذا الإيمان المنفتح لا يكون المتدين متديناً.
أما الأديان التي تنقسم شيعاً يحارب بعضها بعضاً باسم الدين فإنها ترفع راية الدين كذباً .. وما الراية المرفوعة إلا راية العنصر والعرق والجنس وهي مازالت في جاهلية الأوس والخزرج وحماسيات عنترة .. تحارب للغرور .. وإن ظنت أنها تحارب لله .. وهي هالكة ، الغالب فيها والمغلوب .. مشركة .. كل منها عابد لتمثاله ولذاته ولتصوره الشخصي وليس عابداً لله.
وإنما تبدأ عبادة الله بمعرفة الله ومقامه الأسمى . وتبدأ معرفة الله بمعرفة النفس ومكانها الأدنى.
وهذا هو الطريق .. والصراط .. والمعراج الذي يبدأ منه عروج السالكين في هجرتهم الكبرى إلى الحق.
مقال : العدل الأزلي .
من كتاب : رحلتي من الشك إلى الإيمان .
للدكتور : مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ الذي رأى قطة تتلصص على مائدة في خلسة من أصحابها ثم تمد فمها لتلقف قطعة سمك. الذي رأى مثل تلك القطة ونظر إلى عينيها وهي تسرق لن ينسى أبداً تلك النظرة التي تملؤها الإحساس بالذنب.
إن القطة وهي الحيوان الأعجم تشعر شعوراً مبهماً أنها ترتكب إثماً . فإذا لحقها العقاب ونالت ضربة على رأسها فإنها تغض من رأسها وتطأطئ بصرها ، وكأنها تدرك إدراكاً مبهماً أنها نالت ما تستحق.
هو إحساس الفطرة الأولى الذي ركبه الخالق في بنية المخلوق . إنه الحاسة الأخلاقية البدائية نجد أثرها حتى في الحيوان الأعجم.
والقط إذ يتبرز ثم ينثني علي ما فعل ويهيل عليه التراب حتى يخفيه عن الأنظار.
ذلك الفعل الغريزي يدل على إحساس بالقبح وعلى المبادرة بستر هذا القبح.
وذلك الفعل هو أيضاً فطرة أخلاقية لم تكتسب بالتعلم . وإنما بهذه الفطرة وُلِد كل القطط.
وبالمثل غضبة الجمل بعد تكرار الإهانة من صاحبه وبعد طول الصبر والتحمل . وكبرياء الأسد وترفعه عن أن يهاجم فريسته غدراً من الخلف وإنما دائماً من الأمام ومواجهة . ولا يفترس إلا ليأكل . ولا يفكر في أكل أو افتراس إلّا إذا جاع.
كل هذه أخلاق مفطورة في الحشوة الحية وفي الحيوان.
ثم الوفاء الزوجي عند الحمام.
والولاء للجماعة في الحيوانات التي تتحرك في قطعان.
نحن أمام الأسس الأولى للضمير . نكتشفها تحت الجلد وفي الدم لم يعلمها معلم وإنما هي في الخلقة.
ونحن إذ نتردد قبل الفعل نتيجة إحساس فطري بالمسئولية . ثم نشعر بالعبء أثناء الفعل نتيجة تحري الصواب . ونشعر بالندم بعد الفعل نتيجة الخطأ.
هذه المشاعر الفطرية التي يشترك فيها المثقف والبدائي والطفل هي دليل على شعور باطن بالقانون والنظام وأن هناك محاسبة . وأن هناك عدالة . وإن كل واحد فينا مُطَالب بالعدالة كما أن له الحق في أن يطلبها . وإن هذا شعور مفطور فينا منذ الميلاد جاءنا من الخالق الذي خلقنا ومن طبيعتنا ذاتها.
فإذا نظرنا إلى العالم المادي من الذرات المتناهية في الصغر إلى المجرات المتناهية في العظم وجدنا كل شيء يجري بقوانين و بحساب و انضباط .
حتى الإلكترون لا ينتقل من مدار إلى مدار في فلك النواة إلّا إذا أعطى أو أخذ حزماً من الطاقة تساوي مقادير انتقاله و كأنه راكب في قطار لا يستطيع أن يستقل القطار إلّا إذا دفع ثمن التذكرة .
و ميلاد النجوم و موتها له قوانين و أسباب.
و حركة الكواكب في دولاب الجاذبية لها معادلة .
و تحول المادة إلى طاقة و تحول جسم الشمس إلى نور له معادلة .
و انتقال النور له سرعة .
و كل موجة لها طول و لها ذبذبة و لها سرعة .
كما أن كل معدن له طيف و له خطوط امتصاص مميزة يُعرَف بها في جهاز المطياف .
و كل معدن يتمدد بمقدار و يتقلص بمقدار بالحرارة و البرودة . و كل معدن له كتلة و كثافة و وزن ذري جزيئي و ثوابت و خواص .
و أينشتين أثبت لنا أن هناك علاقة بين كتلة الجسم و سرعته . و بين الزمن و نظام الحركة داخل مجموعة متحركة . و بين الزمان و المكان .
و الذي يفرق المواد إلى جوامد و سوائل و غازات هو معدل السرعة بين جزيئاتها .
و لأن الحرارة تعجّل من هذه السرعة فإنها تستطيع أن تصهر الجوامد و تحولها إلى سوائل ثم تبخر السوائل و تحولها إلى غازات .
كما أن الكهرباء تتولد بقوانين . كما يتحرك التيار الكهربائي و يفعل و يؤثرعلى أساس من فرق الجهد و الشدة .
كما تتوقف جاذبية كل نجم على مقدار جرمه و كتلته .
و الزلازل التي تبدو أنواعاً من الفوضى لها هي الأخرى نظام و أحزمة و
خطوط تحدث فيها و يمكن رسم و تتبع الأحزمة الزلزالية بطول الكرة
الأرضية و عرضها .
و الكون كله جدول من القوانين المنضبطة الصريحة التي لا غش فيها و لا خداع .
سوف يرتفع صوت ليقول : و ما رأيك فيما نحن فيه من الغش و الخداع و الحروب و المظالم و قتل بعضنا البعض بغياً و عدواناً . أين النظام هنا ؟ و سوف أقول له : هذا شيء آخر . فإن ما يحدث بيننا نحن دولة بني آدم يحدث لأن الله أخلفنا في الأرض و أقامنا ملوكاً نحكم و أعطانا الحرية . و عرض علينا الأمانة فقبلناها .
و كان معنى إعطائنا الحرية أن تصبح لنا إمكانية الخطأ و الصواب .
و كان كل ما نرى حولنا في دنيانا البشرية هو نتيجة هذه الحرية التي
أسأنا استعمالها .
إن الفوضى هي فعلنا نحن و هي النتيجة المترتبة على حريتنا ، أما العالم فهو بالغ الذروة في الانضباط و النظام .
و لو شاء الله لأخضعنا نحن أيضاً للنظام قهراً كما أخضع الجبال و البحار و النجوم و الفضاء . و لكنه شاء أن يفني عنّا القهر لتكتمل بذلك عدالته . و ليكون لكل منا فعله الخاص الحر الذي هو من جنس دخيلته .
أراد بذلك عدلاً ليكون بعثنا بعد ذلك على مقامات و درجات هو إحقاق الحق و وضع كل شيء في نصابه .
و الحياة مستمرة .
و ليس ما نحياه من الحياة في دنيانا هو كل الحياة .
و معنى هذا أن الفترة الاعتراضية من المظالم و الفوضى هي فترة لها حِكمتها و أسبابها و أنها عين العدالة من حيث هي امتحان لما يلي من حياة مستمرة أبداً .
إن دنيانا هي فترة موضوعة بين قوسين بالنسبة لما بعدها و ما قبلها ، و هي ليست كل الحقيقة و لا كل القصة . و إنما هي فصل صغير من رواية سوف تتعدد فصولاً .
وقد أدرك الإنسان حقيقة البعث بالفطرة.
أدركها الإنسان البدائي.
وقال بها الأنبياء إخباراً عن الغيب.
وقال بها العقل والعلم الذي أدرك أن الإنسان جسد وروح كما ذكرنا في فصول سابقة . وإن الإنسان يستشعر بروحه من إحساسه الداخلي العميق المستمر بالحضور رغم شلال التغيرات الزمنية من حوله ، وهو إحساس ينبئ بأنه يملك وجوداً داخلياً متعالياً على التغيرات مجاوزاً للزمن والفناء والموت.
وفلاسفة مثل عمانويل كانت وبرجسون وكيركجارد ، لهم وزنهم في الفكر قالوا بحقيقة الروح والبعث.
وفي كتاب «جمهورية أفلاطون». فصل رائع عن خلود الروح.
هي حقيقة كانت تفرض نفسها إذن على أكبر العقول وعلى أصغر العقول وكانت تقوم كبداهة يصعب إنكارها.
ولكن أهم برهان على البعث في نظري هو ذلك الإحساس الباطني العميق الفطري الذي نولد به جميعا ونتصرف على أساسه ، أن هناك نظاماً مُحكَماً وقانوناً وعدلاً.
ونحن نطالب أنفسنا ونطالب غيرنا فطرياً وغريزياً بهذا العدل.
وتحترق صدورنا إذا لم يتحقق هذا العدل.
ونحارب لنرسي دعائم ذلك العدل.
ونموت في سبيل العدل.
وفي النهاية لا نحقق أبداً ذلك العدل.
وهذا يعني أنه سوف يتحقق بصورة ما لاشك فيها . لأنه حقيقة مطلقة فرضت نفسها على عقولنا وضمائرنا طول الوقت.
وإذا كنا لا نرى ذلك العدل يتحقق في دنيانا فلأننا لا نرى كل الصورة ولأن دنيانا الظاهرة ليست هي كل الحقيقة.
وإلّا فلماذا تحترق صدورنا لرؤية الظلم ولماذا نطالب غيرنا دائما بأن يكون عادلاً . لماذا نحرص كل هذا الحرص ونشتعل غضباً على ما لا وجود له.
يقول لنا المفكر الهندي وحيد الدين خان :
إذا كان الظمأ إلى الماء يدل على وجود الماء فكذلك الظمأ إلى العدل لابد أنه يدل على وجود العدل . ولأنه لا عدل في الدنيا . فهو دليل على وجود الآخرة مستقر العدل الحقيقي.
إن شعورنا الداخلي الفطري هو الدليل القطعي على أن العدل حق . وإن كنا لا نراه اليوم . فإننا سوف نراه غداً . هذا توكيد يأتينا دائما من داخلنا . وهو الصدق لأنه وحي البداهة.
والبداهة والفطرة جزء من الطبيعة المحكمة الخالية من الغش وهي قانون من ضمن القوانين العديدة التي ينضبط بها الوجود.
سوف يرتفع صوت ليقول : لندع عالم الآدميين ونسأل : لماذا خلق الله الخنزير خنزيراً والكلب كلباً . والحشرة حشرة . ما ذنب هذه الكائنات لتخلق على تلك الصورة المنحطة . وأين العدل هنا ؟
وإذا كان الله سوف يبعث كل ذي روح فلماذا لا يبعث القرد والكلب والخنزير؟
والسؤال وجيه ولكن يلقيه عقل لا يعرف إلّا نصف القضية . أو سطراً واحداً من ملف التحقيق . ومع ذلك يتعجل معرفة الحكم وحيثياته.
والواقع أن كل الكائنات الحيوانية نفوس.
والله قد اختار لكل نفس القالب المادي الذي تستحقه.
والله قد خلق الخنزير خنزيراً لأنه خنزير.
ونحن لا نعلم شيئا عن تلك النفوس الخنزيرية قبل أن يودعها الله في قالبها المادي الخنزيري.
ولا نعلم لماذا وكيف كان الميلاد على تلك الصورة . وما قبل الميلاد محجوب.
كما أن ما بعد الموت محجوب.
ولكن أهل المشاهدة يقولون كما يقول القرآن إننا كنا قبل الميلاد في عالم ( يسمونه عالم الذر ) ونكون بعد الموت في عالم. والحياة أبدية ولا موت وإنما انتقال وارتقاء في معراج لا ينتهي . صعوداً وتطوراً وتسامياً وكدحاً إلى الله.
وهذا الاستمرار يقول به العقل أيضاً.
والعدل هو الحقيقة الأزلية التي وقرها الله في الفطرة وفي الحشوة الآدمية. وحتي في الحشوة الحيوانية كما قدمت في بداية مقالي.
هذا العدل حقيقة مطلقة سوف تقول لنا أن جميع القوالب المادية والحيوانية هي استحقاقات مؤكدة لا ندري شيئا عن تفاصيلها ولا كيف كانت ، ولكننا نستطيع أن نقول بداهة أنها استحقاقات . وأن الله خلق الخنزير خنزيراً لأن نفسه كانت نفسا خنزيرية فكان هذا ثوبها وقالبها الملائم.
أما بعث الحيوانات فالقرآن يقول به :
( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ) (الأنعام – 38).
هي أمم من الأنفس يقول لنا القرآن أنها تُحشَر كما نُحشَر. أما ما يجري عليها بعد ذلك وأين تكون وما مصيرها . فهو غيب . وتطلع إلى محجوبات . وفضول لن نجد له جواباً شافياً.
والعلم بكل شيء في داخل اللحظة المحدودة وفي عمرنا الدنيوي هو طمع في مستحيل.
ولكن إذا كان نصيبنا من العلم وإذا كان ما غنمناه بالتأمل هو أن العدل حقيقة أزلية وأن الله وقرها وأودعها في الفطرة فقد علمنا الكثير وأدركنا كفايتنا.
وبالصورة التي أدركنا بها الله في مقالنا الأول على أنه العقل الكلي المحيط وأنه القادر المبدع الملهم المعني بمخلوقاته ، بهذه الصورة سوف نفهم كيف أودع الله هذه الفطرة الهادية المرشدة في مخلوقاته فهذا مقتضي عنايته وعدله . أن يخلق مخلوقاته ويخلق لها النور الذي تهتدي به. وسوف نصدق أيضا أن الله أرسل الأنبياء وأوحي بالكتب . فإن الله لا يكون رباً ولا إلهاً ملهماً مدبراً بغير ذلك.
وسوف يكون دليلا على صدق الكتب السماوية وهو ما تأتينا به من علم وغيب وحكمة وتشريع وحق مما لا يتأتي لجهد فردي أن يهتدي إليه بالمحاولة الشخصية.
إن الله الخالق العادل الملهم الذي خلق مخلوقاته وألهمها الطريق. (وهو لباب الأديان كلها).
هو مبدأ أولي يصل إليه العقل دون إجهاد. وتوحي به الفطرة بداهة.
وإنما الافتعال كل الافتعال. هو القول بغير ذلك.
والإنكار يحتاج إلى الجهد كل الجهد وإلى الالتفاف والدوران واللجاجة والجدل العقيم ثم نهايته إلى التهافت . لأنه لا يقوم على أساس . ولأنه يدخل في باب المكابرة والعناد أكثر مما يدخل في باب التأمل المحايد النزيه والفطرة السوية.
وهذا هو ما قالته لي رحلتي الفكرية الطويلة . من بدايتها المزهوة في كتاب ( الله والإنسان ) إلى وقفتها الخاشعة على أبواب القرآن والتوراة والإنجيل وليس متديناً في نظري من تعصب وتحزب وتصور أن نبيه هو النبي الوحيد وأن الله لم يأت بغيره . فإن هذا التصور لله هو تصور طفولي متخلف يظن أن الله أشبه بشيخ قبيلة . ومثل هذا الإحساس هو عنصرية وليس تديناً.
وإنما التصور الحق لله . أنه الكريم الذي يعطي الكل ويرسل الرسل للكل.
( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير )
(فاطر – 24)
و( لقد بعثنا في كل أمة رسولاً )
(النحل – 36)
( وما كان ربك مُهلِك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً )
( القصص – 59)
( ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك )
( النساء – 164)
ومعنى هذه الآية أن بوذا يمكن أن يكون رسولا وإن لم يرد ذكره في القرآن.
وإخناتون يمكن أن يكون رسولاً . ويمكن أن يكون ما وصلنا من تعاليمهم قد خضع للتحريف . والله يريد بهذا أن يوحي بالإيمان المنفتح الذي يحتضن كل الرسالات وكل الأنبياء وكل الكتب بلا تعصب وبلا تحيز.
وأصدق مثل للوعي الديني المتفتح هو وعي رجل مثل غاندي . هندوسي ومع ذلك يقرأ في صلاته فقرات من القرآن والتوراة والإنجيل وكتاب ( الدامابادا ) لبوذا . في خشوع ومحبة. مؤمناً بكل الكتب وكل الرسل . وبالخالق الواحد الذي أرسلها.
وهو رجل حياته مثل كلامه أنفقها في الحب والسلام.
والدين واحد من الناحية العقائدية وإن اختلفت الشرائع في الأديان المتعددة . كما أن الرب واحد.
والفضلاء من جميع الأديان هم على دين واحد.
لأن المتدين الفاضل لا يتصور الله خالقاً له وحده وهادياً له وحده أو لفئة وحدها . وإنما هو نور السموات والأرض . المتاح لكل من يجهد باحثا عنه . الرحمن الرحيم المرسل للهداة المنزل للوحي في جميع الأعصر والدهور . وهذا مقتضى عدله الأزلي . وهذا هو المعنى الجدير بالمقام الإلهي . وبدون هذا الإيمان المنفتح لا يكون المتدين متديناً.
أما الأديان التي تنقسم شيعاً يحارب بعضها بعضاً باسم الدين فإنها ترفع راية الدين كذباً . وما الراية المرفوعة إلا راية العنصر والعرق والجنس وهي مازالت في جاهلية الأوس والخزرج وحماسيات عنترة . تحارب للغرور . وإن ظنت أنها تحارب لله . وهي هالكة ، الغالب فيها والمغلوب . مشركة . كل منها عابد لتمثاله ولذاته ولتصوره الشخصي وليس عابداً لله.
وإنما تبدأ عبادة الله بمعرفة الله ومقامه الأسمى . وتبدأ معرفة الله بمعرفة النفس ومكانها الأدنى.
وهذا هو الطريق . والصراط . والمعراج الذي يبدأ منه عروج السالكين في هجرتهم الكبرى إلى الحق.
مقال : العدل الأزلي .
من كتاب : رحلتي من الشك إلى الإيمان .
للدكتور : مصطفى محمود (رحمه الله). ❝
❞ حيث تظل "إنسانية محمد" هي عماد سيرته، وتظل سيرته موضوعًا للبحث بين العلماء، معتمدة على ما جاء في آيات القرآن الكريم، وفصلته كتب السنة والسيرة النبوية والمغازي والشمائل المحمدية والتاريخ الإسلامي، فما خلا منها عصرٌ، أو مصر،
منذ بعثته للناس كافة رسولًا إنسانًا وبشرًا يُوحي إليه، لذا أُثير منذ انطلاق دعوة الإسلام وإلى يوما هذا العديد من المسائل والأحكام التي تمس إنسانية النبي محمد عليه وعلى جميع أنبياء الله الصلاة والسلام،
يطرحها الباحثون من شتى البيئات والأعراق والثقافات والديانات، لنرى اختلاف تناولهم، وتباين أحكامهم، فالباحثون في السيرة النبوية يختلفون في مناهجهم، ورؤاهم، ومناهل مادتهم العلمية، وأدواتهم، وأحكامهم، حتى لم يبق هناك شيءٌ متعلقٌ بمحمد إلا علموه،. ❝ ⏤حسين صبري
❞ حيث تظل ˝إنسانية محمد˝ هي عماد سيرته، وتظل سيرته موضوعًا للبحث بين العلماء، معتمدة على ما جاء في آيات القرآن الكريم، وفصلته كتب السنة والسيرة النبوية والمغازي والشمائل المحمدية والتاريخ الإسلامي، فما خلا منها عصرٌ، أو مصر،
منذ بعثته للناس كافة رسولًا إنسانًا وبشرًا يُوحي إليه، لذا أُثير منذ انطلاق دعوة الإسلام وإلى يوما هذا العديد من المسائل والأحكام التي تمس إنسانية النبي محمد عليه وعلى جميع أنبياء الله الصلاة والسلام،
يطرحها الباحثون من شتى البيئات والأعراق والثقافات والديانات، لنرى اختلاف تناولهم، وتباين أحكامهم، فالباحثون في السيرة النبوية يختلفون في مناهجهم، ورؤاهم، ومناهل مادتهم العلمية، وأدواتهم، وأحكامهم، حتى لم يبق هناك شيءٌ متعلقٌ بمحمد إلا علموه،. ❝