يقول المؤلف: هذه الدراسة أقدمها محاولة مني لتحلية المشهد الصوفي بليبيا في امتداده التاريخي، وتوطه الجغرافي. لست من البالغين حين أقول إن الظاهرة التصوفية ليبيا لم تحظ بدراسة مركزة وجادة، شتنبطن خفاياها، وتتغور ملابساتها. إنما رکن أكثر من كتب عنها إلى اجترار معلومات تاريخية مكرورة، أو سود تواربع أعلام مشهورة. وفي هذا ما يفسر لنا انتقادنا لنتاج بحي متكامل متآص يشقى تهم الباحثين عن الحياة الصوفية، وملابساتها في ليبيا، و تم بعض الجهود المعدودة المحدودة التي بذلها اساتید وباحثون كان من أشطهم هم في النطاق المحلي: عبد الحميد الهرامة، وجمعة الوريقي، ومصطفى بن رابعة، وأحمد القطعاني.. بدأت هذا الكتاب مبحث خصصت الدراسة وتشخيص الحياة الثقافية والفكرية التي شهدتها ليبيا في المدة التي ساوقت وزامت بدء الظهور الصوفي ومظاهره في ليبيا. تلكم المظاهر التي كانت من أنهدها ما شهدته السياحة من صدامات، وتداولات بين كل من الفقهاء، وبين الصوفية، ثم ركزت النظر على الطرق الصوفية التي تحقق لها وجود عملي في السياحة الليبية منذ أوائل الظهور التصوفي بليبيا، فجمعت شتاتها في مبحث موجز، عرضت فيه ما تيسر من حال ومال كل فرقة منها، سواء في ذلك ما فرط منها وانقرض، أو ما ظل ناصية اطنابه، ومشرعة أبوابه، إلى يوم التام هذا. ولم أشا أن أجعل من هذا الكتاب تاحية تجاه التفريع والتقييم والنقد، لأني جعلت لذلك الغرض كتابا آخر سميه (ثالوث التصوف الإسلامي). أما هذا الكتاب الذي هو بين أصابعك فقد جعلته مقيدة بإيانة المشهد التصوفي في ليباء بعرض وتحليل الحياة الثقافية في هذه البلاد قبيل وأثناء وبعد ظهور التصوف فيها، فضلا عن بيان تضون وقسمات الوجود الصوفي في ليبيا، من الدن بواكير ظهوره، إلى مرحلة استقرائه، واستوائه. وقد جاء كل ذلك منحصرأ وسط مبحثين: المبحث الأول عنوانه: البيئة الثقافية والظهور الصوفي في ليبيا، والثاني عنوانه: الطرق الصوفية في ليبيا. ثم أقفلت الكتاب بقافلة فمنها أهم النواتج التي نبطت خلاله..