الدين ليس حرفة و لا يصلح لأن يكون حرفة . و لا توجد في... 💬 أقوال مصطفى محمود 📖 كتاب الاسلام ماهو؟
- 📖 من ❞ كتاب الاسلام ماهو؟ ❝ مصطفى محمود 📖
█ الدين ليس حرفة لا يصلح لأن يكون و توجد الإسلام وظيفة اسمها رجل دين و مجموعة الشعائر المناسك التي يؤديها المسلم يمكن أن تؤدى روتينية مكررة فاترة خالية من الشعور فلا تكون شيء عندنا زي اسمه إسلامي الجلباب السروال الشمروخ اللحية أعراف عادات يشترك فيها البوذي المجوسي الدرزي مطربو الديسكو الهيبي لحاهم أطول اسمك محمدا أو عليا عثمان يكفي لتكون مسلما ديانتك البطاقة هي الأخرى مجرد كلمة السبحة التمتمة الحمحمة سمت الدراويش تهليلة المشايخ أحيانا يباشرها الممثلون بإجادة أكثر أصحابها الرايات اللافتات المجامر المباخر الجماعات الدينية يختفي وراءها التآمر المكر السياسي الفتن الثورات تمت إلى بسبب ما إذن ؟! الدين حالة قلبية شعور إحساس باطني بالغيب إدراك مبهم لكن مع إبهامه شديد الوضوح بأن هناك قوة خفية حكيمة مهيمنة تدبر كل إحساس تام قاهر ذاتا المملكة لها ملك أنه مهرب لظالم إفلات لمجرم أنك حر مسئول لم تولد عبثا تحيا سدى موتك نهايتك إنما سيعبر بك حيث تعلم غيب جئت كتاب الاسلام ماهو؟ مجاناً PDF اونلاين 2025 الإسلام: ما هو؟ هو تأليف الدكتور مصطفى محمود يتحدث فيه عن مشكلة المسلمين اليوم وأنَّ علاقتهم بعقيدتهم أكثرنا " مسلم بطاقته الشخصية وعباداته الباردة فقط ننظر ممارساتنا وشعائرنا كواجبٍ له طعم ولا روح صلاتنا أصبحت حركاتٍ رياضية نؤديها لأننا نريد الله يسخط علينا علاقتنا بالقرآن الكريم تشبه بأي كتابٍ آخر نقرأه أحيانًا ونتأثر به ثم نتركه ونمضي دون جعله دستوراً حقيقيًا هذا الكتاب يخاطب روحك وعقلك وسواء كنت مسلمًا أم فأنتَ بحاجةٍ لقراءته كي تفهم صدقًا ولماذا نصلي ؟ وما الروحية بالسماء
❞ الدين ليس حرفة و لا يصلح لأن يكون حرفة . و لا توجد في الإسلام وظيفة اسمها رجل دين .
و مجموعة الشعائر و المناسك التي يؤديها المسلم يمكن أن تؤدى في روتينية مكررة فاترة خالية من الشعور ، فلا تكون من الدين في شيء .
و ليس عندنا زي اسمه زي إسلامي . و الجلباب و السروال و الشمروخ و اللحية أعراف و عادات يشترك فيها المسلم و البوذي و المجوسي و الدرزي . و مطربو الديسكو و الهيبي لحاهم أطول . و أن يكون اسمك محمدا أو عليا أو عثمان ، لا يكفي لتكون مسلما .
و ديانتك على البطاقة هي الأخرى مجرد كلمة .
و السبحة و التمتمة و الحمحمة ، و سمت الدراويش و تهليلة المشايخ أحيانا يباشرها الممثلون بإجادة أكثر من أصحابها .
و الرايات و اللافتات و المجامر و المباخر و الجماعات الدينية أحيانا يختفي وراءها التآمر و المكر السياسي و الفتن و الثورات التي لا تمت إلى الدين بسبب. ما الدين إذن .. ؟!
الدين حالة قلبية . شعور . إحساس باطني بالغيب . و إدراك مبهم ، لكن مع إبهامه شديد الوضوح بأن هناك قوة خفية حكيمة مهيمنة عليا تدبر كل شيء .
إحساس تام قاهر بأن هناك ذاتا عليا . و أن المملكة لها ملك . و أنه لا مهرب لظالم و لا إفلات لمجرم . و أنك حر مسئول لم تولد عبثا و لا تحيا سدى و أن موتك ليس نهايتك . و إنما سيعبر بك إلى حيث لا تعلم . إلى غيب من حيث جئت من غيب . و الوجود مستمر .
و هذا الإحساس يورث الرهبة و التقوى و الورع ، و يدفع إلى مراجعة النفس و يحفز صاحبه لأن يبدع من حياته شيئا ذا قيمة و يصوغ من نفسه وجودا أرقى و أرقى كل لحظة متحسبا لليوم الذي يلاقي فيه ذلك الملك العظيم . مالك الملك .
هذه الأزمة الوجودية المتجددة و المعاناة الخلاقة المبدعة و الشعور المتصل بالحضور أبدا منذ قبل الميلاد إلى ما بعد الموت . و الإحساس بالمسئولية و الشعور بالحكمة و الجمال و النظام و الجدية في كل شيء . هو حقيقة الدين .
إنما تأتي العبادات و الطاعات بعد ذلك شواهد على هذه الحالة القلبية . لكن الحالة القلبية هي الأصل . و هي عين الدين و كنهه و جوهره .
و ينزل القرآن للتعريف بهذا الملك العظيم . ملك الملوك . و بأسمائه الحسنى و صفاته و أفعاله و آياته و وحدانيته .
و يأتي محمد عليه الصلاة و السلام ليعطي المثال و القدوة . و ذلك لتوثيق الأمر و تمام الكلمة .
و لكن يظل الإحساس بالغيب هو روح العبادة و جوهر الأحكام و الشرائع ، و بدونه لا تعني الصلاة و لا تعني الزكاة شيئا .
و لقد أعطى محمد عليه الصلاة و السلام القدوة و المثال للمسلم الكامل ، كما أعطى المثال للحكم الإسلامي و المجتمع الإسلامي . لكن محمدا عليه الصلاة و السلام و صحبه كانوا مسلمين في مجتمع قريش الكافر . فبيئة الكفر ، و مناخ الكفر لم يمنع أيا منهم من أن يكون مسلما تام الإسلام .
و على المؤمن أن يدعو إلى الإيمان ، و لكن لا يضره ألا يستمع أحد ، و لا يضره أن يكفر من حوله ، فهو يستطيع أن يكون مؤمنا في أي نظام و في أي بيئة . لأن الإيمان حالة قلبية ، و الدين شعور و ليس مظاهرة ، و المبصر يستطيع أن يباشر الإبصار و لو كان كل الموجودين عميانا ، فالإبصار ملكة لا تتأثر بعمى الموجودين ، كما أن الإحساس بالغيب ملكة لا تتأثر بغفلة الغافلين و لو كثروا بل سوف تكون كثرتهم زيادة في ميزانها يوم الحساب .
إن العمدة في مسألة الدين و التدين هي الحالة القلبية . ماذا يشغل القلب . و ماذا يجول بالخاطر ؟ و ما الحب الغالب على المشاعر ؟ و لأي شيء الأفضلية القصوى ؟ و ماذا يختار القلب في اللحظة الحاسمة ؟ و إلى أي كفة يميل الهوى ؟
تلك هي المؤشرات التي سوف تدل على الدين من عدمه . و هي أكثر دلالة من الصلاة الشكلية ، و لهذا قال القرآن . و لذكر الله أكبر . أي أن الذكر أكبر من الصلاة . برغم أهمية الصلاة . و لذلك قال النبي عليه الصلاة و السلام لصحابته عن أبي بكر . إنه لا يفضلكم بصوم أو بصلاة و لكن بشيء وقر في قلبه .
و بهذا الشيء الذي وقر في قلب كل منا سوف نتفاضل يوم القيامة بأكثر مما نتفاضل بصلاة أو صيام . إنما تكون الصلاة صلاة بسبب هذا الشيء الذي في القلب .
و إنما تكتسب الصلاة أهميتها القصوى في قدرتها على تصفية القلب و جمع الهمة و تحشيد الفكر و تركيز المشاعر .
و كثرة الصلاة تفتح هذه العين الداخلية و توسع هذا النهر الباطني ، و هي الجمعية الوجودية مع الله التي تعبر عن الدين بأكثر مما يعبر أي فعل .
و هي رسم الإسلام الذي يرسمه الجسم على الأرض ، سجودا ، و ركوعا و خشوعا و ابتهالا ، و فناء . يقول رب العالمين لنبيه : (( اسجد و اقترب )) .
و بسجود القلب يتجسد المعنى الباطني العميق للدين ، و تنعقد الصلة بأوثق ما تكون بين العبد و الرب .
و بالحس الديني ، يشهد القلب الفعل الإلهي في كل شيء . في المطر و الجفاف ، في الهزيمة و النصر ، في الصحة و المرض ، في الفقر و الغنى ، في الفرج و الضيق . و على اتساع التاريخ يرى الله في تقلب الأحداث و تداول المقادير .
و على اتساع الكون يرى الله في النظام و التناسق و الجمال ، كما يراه في الكوارث التي تنفجر فيها النجوم و تتلاشى في الفضاء البعيد .
و في خصوصية النفس يراه فيما يتعاقب على النفس من بسط و قبض ، و أمل و حلم ، و فيما يلقى في القلب من خواطر و واردات . حتى لتكاد تتحول حياة العابد إلى حوار هامس بينه و بين ربه طول الوقت .
حوار بدون كلمات . لأن كل حدث يجري حوله هو كلمة إلهية و عبارة ربانية ، و كل خبر مشيئة ، و كل جديد هو سابقة في علم الله القديم .
و هذا الفهم للمشيئة لا يرى فيه المسلم تعطيلا لحريته ، بل يرى فيه امتدادا لهذه الحرية . فقد أصبح يختار بربه ، و يريد بربه ، و يخطط بربه ، و ينفذ بربه . فالله هو الوكيل في كل أعماله . بل هو يمشي به ، و يتنفس به ، و يسمع به ، و يبصر به ، و يحيا به . و تلك قوة هائلة و مدد لا ينفد للعابد العارف ، كادت أن تكون يده يد الله و بصره بصره ، و سمعه سمعه ، و إرادته إرادته .
إن نهر الوجود الباطني داخله قد اتسع للإطلاق . و في ذلك يقول الله في حديثه القدسي : (( لم تسعني سماواتي و لا أرضي و وسعني قلب عبدي المؤمن )) .
هذا التصعيد الوجودي ، و العروج النفسي المستمر هو المعنى الحقيقي للدين . و تلك هي الهجرة إلى الله كدحا .
(( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه )) . و لا نجد غير الكدح كلمة تعبر عن هذه المعاناة الوجودية الخلاقة ، و الجهاد النفسي صعودا إلى الله .
هذا هو الدين . و هو أكبر بكثير من أن يكون حرفة أو وظيفة أو بطاقة أو مؤسسة أو زيا رسميا
مقال/ الدين ما هو من كتاب / الإسلام ما هو للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝
❞ الدين ليس حرفة و لا يصلح لأن يكون حرفة . و لا توجد في الإسلام وظيفة اسمها رجل دين . و مجموعة الشعائر و المناسك التي يؤديها المسلم يمكن أن تؤدى في روتينية مكررة فاترة خالية من الشعور ، فلا تكون من الدين في شيء . و ليس عندنا زي اسمه زي إسلامي .. و الجلباب و السروال و الشمروخ و اللحية أعراف و عادات يشترك فيها المسلم و البوذي و المجوسي و الدرزي .. و مطربو الديسكو و الهيبي لحاهم أطول .. و أن يكون اسمك محمدا أو عليا أو عثمان ، لا يكفي لتكون مسلما . و ديانتك على البطاقة هي الأخرى مجرد كلمة . و السبحة و التمتمة و الحمحمة ، و سمت الدراويش و تهليلة المشايخ أحيانا يباشرها الممثلون بإجادة أكثر من أصحابها . و الرايات و اللافتات و المجامر و المباخر و الجماعات الدينية أحيانا يختفي وراءها التآمر و المكر السياسي و الفتن و الثورات التي لا تمت إلى الدين بسبب. ما الدين إذن ... ؟! الدين حالة قلبية .. شعور .. إحساس باطني بالغيب .. و إدراك مبهم ، لكن مع إبهامه شديد الوضوح بأن هناك قوة خفية حكيمة مهيمنة عليا تدبر كل شيء . إحساس تام قاهر بأن هناك ذاتا عليا .. و أن المملكة لها ملك .. و أنه لا مهرب لظالم و لا إفلات لمجرم .. و أنك حر مسئول لم تولد عبثا و لا تحيا سدى و أن موتك ليس نهايتك .. و إنما سيعبر بك إلى حيث لا تعلم .. إلى غيب من حيث جئت من غيب .. و الوجود مستمر . و هذا الإحساس يورث الرهبة و التقوى و الورع ، و يدفع إلى مراجعة النفس و يحفز صاحبه لأن يبدع من حياته شيئا ذا قيمة و يصوغ من نفسه وجودا أرقى و أرقى كل لحظة متحسبا لليوم الذي يلاقي فيه ذلك الملك العظيم .. مالك الملك . هذه الأزمة الوجودية المتجددة و المعاناة الخلاقة المبدعة و الشعور المتصل بالحضور أبدا منذ قبل الميلاد إلى ما بعد الموت .. و الإحساس بالمسئولية و الشعور بالحكمة و الجمال و النظام و الجدية في كل شيء .. هو حقيقة الدين . إنما تأتي العبادات و الطاعات بعد ذلك شواهد على هذه الحالة القلبية .. لكن الحالة القلبية هي الأصل .. و هي عين الدين و كنهه و جوهره . و ينزل القرآن للتعريف بهذا الملك العظيم .. ملك الملوك .. و بأسمائه الحسنى و صفاته و أفعاله و آياته و وحدانيته . و يأتي محمد عليه الصلاة و السلام ليعطي المثال و القدوة . و ذلك لتوثيق الأمر و تمام الكلمة . و لكن يظل الإحساس بالغيب هو روح العبادة و جوهر الأحكام و الشرائع ، و بدونه لا تعني الصلاة و لا تعني الزكاة شيئا . و لقد أعطى محمد عليه الصلاة و السلام القدوة و المثال للمسلم الكامل ، كما أعطى المثال للحكم الإسلامي و المجتمع الإسلامي .. لكن محمدا عليه الصلاة و السلام و صحبه كانوا مسلمين في مجتمع قريش الكافر .. فبيئة الكفر ، و مناخ الكفر لم يمنع أيا منهم من أن يكون مسلما تام الإسلام . و على المؤمن أن يدعو إلى الإيمان ، و لكن لا يضره ألا يستمع أحد ، و لا يضره أن يكفر من حوله ، فهو يستطيع أن يكون مؤمنا في أي نظام و في أي بيئة .. لأن الإيمان حالة قلبية ، و الدين شعور و ليس مظاهرة ، و المبصر يستطيع أن يباشر الإبصار و لو كان كل الموجودين عميانا ، فالإبصار ملكة لا تتأثر بعمى الموجودين ، كما أن الإحساس بالغيب ملكة لا تتأثر بغفلة الغافلين و لو كثروا بل سوف تكون كثرتهم زيادة في ميزانها يوم الحساب . إن العمدة في مسألة الدين و التدين هي الحالة القلبية . ماذا يشغل القلب .. و ماذا يجول بالخاطر ؟ و ما الحب الغالب على المشاعر ؟ و لأي شيء الأفضلية القصوى ؟ و ماذا يختار القلب في اللحظة الحاسمة ؟ و إلى أي كفة يميل الهوى ؟ تلك هي المؤشرات التي سوف تدل على الدين من عدمه .. و هي أكثر دلالة من الصلاة الشكلية ، و لهذا قال القرآن .. و لذكر الله أكبر .. أي أن الذكر أكبر من الصلاة .. برغم أهمية الصلاة . و لذلك قال النبي عليه الصلاة و السلام لصحابته عن أبي بكر .. إنه لا يفضلكم بصوم أو بصلاة و لكن بشيء وقر في قلبه . و بهذا الشيء الذي وقر في قلب كل منا سوف نتفاضل يوم القيامة بأكثر مما نتفاضل بصلاة أو صيام . إنما تكون الصلاة صلاة بسبب هذا الشيء الذي في القلب . و إنما تكتسب الصلاة أهميتها القصوى في قدرتها على تصفية القلب و جمع الهمة و تحشيد الفكر و تركيز المشاعر . و كثرة الصلاة تفتح هذه العين الداخلية و توسع هذا النهر الباطني ، و هي الجمعية الوجودية مع الله التي تعبر عن الدين بأكثر مما يعبر أي فعل . و هي رسم الإسلام الذي يرسمه الجسم على الأرض ، سجودا ، و ركوعا و خشوعا و ابتهالا ، و فناء .. يقول رب العالمين لنبيه : (( اسجد و اقترب )) . و بسجود القلب يتجسد المعنى الباطني العميق للدين ، و تنعقد الصلة بأوثق ما تكون بين العبد و الرب . و بالحس الديني ، يشهد القلب الفعل الإلهي في كل شيء .. في المطر و الجفاف ، في الهزيمة و النصر ، في الصحة و المرض ، في الفقر و الغنى ، في الفرج و الضيق .. و على اتساع التاريخ يرى الله في تقلب الأحداث و تداول المقادير . و على اتساع الكون يرى الله في النظام و التناسق و الجمال ، كما يراه في الكوارث التي تنفجر فيها النجوم و تتلاشى في الفضاء البعيد . و في خصوصية النفس يراه فيما يتعاقب على النفس من بسط و قبض ، و أمل و حلم ، و فيما يلقى في القلب من خواطر و واردات .. حتى لتكاد تتحول حياة العابد إلى حوار هامس بينه و بين ربه طول الوقت .. حوار بدون كلمات .. لأن كل حدث يجري حوله هو كلمة إلهية و عبارة ربانية ، و كل خبر مشيئة ، و كل جديد هو سابقة في علم الله القديم . و هذا الفهم للمشيئة لا يرى فيه المسلم تعطيلا لحريته ، بل يرى فيه امتدادا لهذه الحرية .. فقد أصبح يختار بربه ، و يريد بربه ، و يخطط بربه ، و ينفذ بربه .. فالله هو الوكيل في كل أعماله . بل هو يمشي به ، و يتنفس به ، و يسمع به ، و يبصر به ، و يحيا به .. و تلك قوة هائلة و مدد لا ينفد للعابد العارف ، كادت أن تكون يده يد الله و بصره بصره ، و سمعه سمعه ، و إرادته إرادته . إن نهر الوجود الباطني داخله قد اتسع للإطلاق .. و في ذلك يقول الله في حديثه القدسي : (( لم تسعني سماواتي و لا أرضي و وسعني قلب عبدي المؤمن )) . هذا التصعيد الوجودي ، و العروج النفسي المستمر هو المعنى الحقيقي للدين .. و تلك هي الهجرة إلى الله كدحا . (( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه )) . و لا نجد غير الكدح كلمة تعبر عن هذه المعاناة الوجودية الخلاقة ، و الجهاد النفسي صعودا إلى الله . هذا هو الدين .. و هو أكبر بكثير من أن يكون حرفة أو وظيفة أو بطاقة أو مؤسسة أو زيا رسميا مقال/ الدين ما هو من كتاب / الإسلام ما هو للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ الدين ليس حرفة و لا يصلح لأن يكون حرفة . و لا توجد في الإسلام وظيفة اسمها رجل دين .
و مجموعة الشعائر و المناسك التي يؤديها المسلم يمكن أن تؤدى في روتينية مكررة فاترة خالية من الشعور ، فلا تكون من الدين في شيء .
و ليس عندنا زي اسمه زي إسلامي . و الجلباب و السروال و الشمروخ و اللحية أعراف و عادات يشترك فيها المسلم و البوذي و المجوسي و الدرزي . و مطربو الديسكو و الهيبي لحاهم أطول . و أن يكون اسمك محمدا أو عليا أو عثمان ، لا يكفي لتكون مسلما .
و ديانتك على البطاقة هي الأخرى مجرد كلمة .
و السبحة و التمتمة و الحمحمة ، و سمت الدراويش و تهليلة المشايخ أحيانا يباشرها الممثلون بإجادة أكثر من أصحابها .
و الرايات و اللافتات و المجامر و المباخر و الجماعات الدينية أحيانا يختفي وراءها التآمر و المكر السياسي و الفتن و الثورات التي لا تمت إلى الدين بسبب. ما الدين إذن .. ؟!
الدين حالة قلبية . شعور . إحساس باطني بالغيب . و إدراك مبهم ، لكن مع إبهامه شديد الوضوح بأن هناك قوة خفية حكيمة مهيمنة عليا تدبر كل شيء .
إحساس تام قاهر بأن هناك ذاتا عليا . و أن المملكة لها ملك . و أنه لا مهرب لظالم و لا إفلات لمجرم . و أنك حر مسئول لم تولد عبثا و لا تحيا سدى و أن موتك ليس نهايتك . و إنما سيعبر بك إلى حيث لا تعلم . إلى غيب من حيث جئت من غيب . و الوجود مستمر .
و هذا الإحساس يورث الرهبة و التقوى و الورع ، و يدفع إلى مراجعة النفس و يحفز صاحبه لأن يبدع من حياته شيئا ذا قيمة و يصوغ من نفسه وجودا أرقى و أرقى كل لحظة متحسبا لليوم الذي يلاقي فيه ذلك الملك العظيم . مالك الملك .
هذه الأزمة الوجودية المتجددة و المعاناة الخلاقة المبدعة و الشعور المتصل بالحضور أبدا منذ قبل الميلاد إلى ما بعد الموت . و الإحساس بالمسئولية و الشعور بالحكمة و الجمال و النظام و الجدية في كل شيء . هو حقيقة الدين .
إنما تأتي العبادات و الطاعات بعد ذلك شواهد على هذه الحالة القلبية . لكن الحالة القلبية هي الأصل . و هي عين الدين و كنهه و جوهره .
و ينزل القرآن للتعريف بهذا الملك العظيم . ملك الملوك . و بأسمائه الحسنى و صفاته و أفعاله و آياته و وحدانيته .
و يأتي محمد عليه الصلاة و السلام ليعطي المثال و القدوة . و ذلك لتوثيق الأمر و تمام الكلمة .
و لكن يظل الإحساس بالغيب هو روح العبادة و جوهر الأحكام و الشرائع ، و بدونه لا تعني الصلاة و لا تعني الزكاة شيئا .
و لقد أعطى محمد عليه الصلاة و السلام القدوة و المثال للمسلم الكامل ، كما أعطى المثال للحكم الإسلامي و المجتمع الإسلامي . لكن محمدا عليه الصلاة و السلام و صحبه كانوا مسلمين في مجتمع قريش الكافر . فبيئة الكفر ، و مناخ الكفر لم يمنع أيا منهم من أن يكون مسلما تام الإسلام .
و على المؤمن أن يدعو إلى الإيمان ، و لكن لا يضره ألا يستمع أحد ، و لا يضره أن يكفر من حوله ، فهو يستطيع أن يكون مؤمنا في أي نظام و في أي بيئة . لأن الإيمان حالة قلبية ، و الدين شعور و ليس مظاهرة ، و المبصر يستطيع أن يباشر الإبصار و لو كان كل الموجودين عميانا ، فالإبصار ملكة لا تتأثر بعمى الموجودين ، كما أن الإحساس بالغيب ملكة لا تتأثر بغفلة الغافلين و لو كثروا بل سوف تكون كثرتهم زيادة في ميزانها يوم الحساب .
إن العمدة في مسألة الدين و التدين هي الحالة القلبية . ماذا يشغل القلب . و ماذا يجول بالخاطر ؟ و ما الحب الغالب على المشاعر ؟ و لأي شيء الأفضلية القصوى ؟ و ماذا يختار القلب في اللحظة الحاسمة ؟ و إلى أي كفة يميل الهوى ؟
تلك هي المؤشرات التي سوف تدل على الدين من عدمه . و هي أكثر دلالة من الصلاة الشكلية ، و لهذا قال القرآن . و لذكر الله أكبر . أي أن الذكر أكبر من الصلاة . برغم أهمية الصلاة . و لذلك قال النبي عليه الصلاة و السلام لصحابته عن أبي بكر . إنه لا يفضلكم بصوم أو بصلاة و لكن بشيء وقر في قلبه .
و بهذا الشيء الذي وقر في قلب كل منا سوف نتفاضل يوم القيامة بأكثر مما نتفاضل بصلاة أو صيام . إنما تكون الصلاة صلاة بسبب هذا الشيء الذي في القلب .
و إنما تكتسب الصلاة أهميتها القصوى في قدرتها على تصفية القلب و جمع الهمة و تحشيد الفكر و تركيز المشاعر .
و كثرة الصلاة تفتح هذه العين الداخلية و توسع هذا النهر الباطني ، و هي الجمعية الوجودية مع الله التي تعبر عن الدين بأكثر مما يعبر أي فعل .
و هي رسم الإسلام الذي يرسمه الجسم على الأرض ، سجودا ، و ركوعا و خشوعا و ابتهالا ، و فناء . يقول رب العالمين لنبيه : (( اسجد و اقترب )) .
و بسجود القلب يتجسد المعنى الباطني العميق للدين ، و تنعقد الصلة بأوثق ما تكون بين العبد و الرب .
و بالحس الديني ، يشهد القلب الفعل الإلهي في كل شيء . في المطر و الجفاف ، في الهزيمة و النصر ، في الصحة و المرض ، في الفقر و الغنى ، في الفرج و الضيق . و على اتساع التاريخ يرى الله في تقلب الأحداث و تداول المقادير .
و على اتساع الكون يرى الله في النظام و التناسق و الجمال ، كما يراه في الكوارث التي تنفجر فيها النجوم و تتلاشى في الفضاء البعيد .
و في خصوصية النفس يراه فيما يتعاقب على النفس من بسط و قبض ، و أمل و حلم ، و فيما يلقى في القلب من خواطر و واردات . حتى لتكاد تتحول حياة العابد إلى حوار هامس بينه و بين ربه طول الوقت .
حوار بدون كلمات . لأن كل حدث يجري حوله هو كلمة إلهية و عبارة ربانية ، و كل خبر مشيئة ، و كل جديد هو سابقة في علم الله القديم .
و هذا الفهم للمشيئة لا يرى فيه المسلم تعطيلا لحريته ، بل يرى فيه امتدادا لهذه الحرية . فقد أصبح يختار بربه ، و يريد بربه ، و يخطط بربه ، و ينفذ بربه . فالله هو الوكيل في كل أعماله . بل هو يمشي به ، و يتنفس به ، و يسمع به ، و يبصر به ، و يحيا به . و تلك قوة هائلة و مدد لا ينفد للعابد العارف ، كادت أن تكون يده يد الله و بصره بصره ، و سمعه سمعه ، و إرادته إرادته .
إن نهر الوجود الباطني داخله قد اتسع للإطلاق . و في ذلك يقول الله في حديثه القدسي : (( لم تسعني سماواتي و لا أرضي و وسعني قلب عبدي المؤمن )) .
هذا التصعيد الوجودي ، و العروج النفسي المستمر هو المعنى الحقيقي للدين . و تلك هي الهجرة إلى الله كدحا .
(( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه )) . و لا نجد غير الكدح كلمة تعبر عن هذه المعاناة الوجودية الخلاقة ، و الجهاد النفسي صعودا إلى الله .
هذا هو الدين . و هو أكبر بكثير من أن يكون حرفة أو وظيفة أو بطاقة أو مؤسسة أو زيا رسميا
مقال/ الدين ما هو من كتاب / الإسلام ما هو للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝
❞ سألني صديقي و هو رجل كثير الشك : - و ما السر في ثياب الإحرام البيضاء و ضرورة لبسها على اللحم و تحريم لبس المخيط .. و ما معنى رجم إبليس و الطواف حول الكعبة .. ألا ترى معي أنها بقايا وثنية ؟ قلت له : أنت لا تكتفي بأن تحب حبيبك حباً عذرياً أفلاطونياً ، و إنما تريد أن تعبر عن حبك بالفعل .. بالقبلة و العناق و اللقاء .. هل أنت وثني ؟ و بالمثل من يسعى إلى الله بعقله و قلبه .. يقول له الله : إن هذا لا يكفي .. لابد أن تسعى على قدميك . و الحج و الطواف رمز لهذا السعي الذي يكتمل فيه الحب شعوراً و قولاً و فعلاً . و هنا معنى التوحيد . أن تتوحد جسداً و روحاً بأفعالك و كلماتك . و لهذا نركع و نسجد في الصلاة و لا نكتفي بخشوع القلب .. فهذه الوحدة بين القلب و الجسد يتجلى فيها الإيمان بأصدق مما يتجلى في رجل يكتفي بالتأمل . أما ثياب الإحرام البيضاء فهي رمز الوحدة الكبرى التي تذوب فيها الأجناس و يتساوى فيها الفقير و الغني .. المهراجا و أتباعه . و نحن نلبسها على اللحم .. كما حدث حينما نزلنا إلى العالم في لحظة الميلاد و كما سوف يحدث حينما نغادره بالموت .. جئنا ملفوفين في لفافة بيضاء على اللحم .. و نخرج من الدنيا بذات اللفة . هي رمز للتجرد .. لأن لحظة اللقاء بالله تحتاج إلى التجرد كل التجرد . و لهذا قال الله لموسى : (( اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى )) . هو التجرد المناسب لجلال الموقف . و هذا هو الفرق بين لقاء لرئيس جمهورية .. و لقاء مع الخالق . فنحن نرتدي لباس التشريفة لنقابل رئيس الجمهورية . أما أمام الله فنحن لا شيء .. لا نكاد نساوي شيئاً . و علينا أن نخلع كل ثياب الغرور و كل الزينة . قال صديقي في خبث : و رجم إبليس ؟ قلت : - أنت تضع باقة ورد على نصب تذكاري للجندي المجهول ، و تلقي خطبة لتحيته .. هل أنت وثني ؟ لماذا تعتبرني وثنياً إذا رشقت النصب التذكاري للشيطان بحجر و لعنته .. إنها نفس الفكرة . إنها كلها رمزيات . أنت تعلم أن النصب التذكاري مجرد رمز ، و أنه ليس الجندي . و أنا أعلم أيضا أن هذا التمثال رمز ، و أنه ليس الشيطان . و بالمثل السعي بين الصفا و المروة إلى حيث نبعت عين زمزم التي ارتوى منها إسماعيل و أمه هاجر .. هي إحياء ذكرى عزيزة و يوم لا يُنسى في حياة النبي و الجد اسماعيل و أمه المصرية هاجر . و جميع شعائر ديانتنا ليست طقوساً كهنوتية بالمعنى المعروف ، و إنما هي نوع من الأفعال التكاملية التي يتكامل بها الشعور و التي تسترد بها النفس الموزعة وحدتها .. إنها وسيلة لخلق إنسان موحد .. قوله هو فعله .. فالكرم لا معنى له إذا ظل تصريحاً شفوياً باللسان ، و إنما لابد أن تمتد اليد إلى الجيب ثم تنبسط في عطاء ليكون الكرم كرماً حقيقياً .. هل هذه الحركة وثنية أو طقساً كهنوتياً . و بهذا المعنى ، شعائر الإسلام ليست شعائر ، و إنما تعبيرات شديدة البساطة للإحساس الديني . و لهذا كان الإسلام هو الدين الوحيد الذي بلا طقوس و بلا كهنوت و بلا كهنة . ألا تراهم أمامك أكثر من مليون يكلمون الله مباشرة بلا واسطة و يركعون على الأرض العراء حيث لا محاريب و لا مآذن و لا قباب و لا منابر و لا سجاجيد و لا سقوف منقوشة بالذهب و لا جدران من المرمر و الرخام . لا شيء سوى العراء . و نحن عراء . و نفوسنا تعرت أمام خالقها فهي عراء . و نحن نبكي .. كلنا نبكي . و سكت صديقي و ارتفعت أصوات التلبية من مليون و خمسمائة ألف حنجرة .. لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك . و كنت أعلم أن صديقي مازال بينه و بين الإيمان الحقيقي أشواط و مراحل و معراج من المعاناة. مازال عليه أن يصعد فوق خرائب هذا البناء المنطقي الذي اسمه العقل و يستشرف على ينابيع الحقيقة في تدفقها البكر داخل قلبه .. حينئذ سوف يكف عقله عن اللجاجة و التنطع و يلزم حدوده و اختصاصه ، و يدرك أن الدين أكبر من مجرد قضية منطقية ، و أنه هو في ذاته منطق كل شيء .. و أن الله هو البرهان الذي نبرهن به على وجود الموجودات لأنه قيومها ( هو الذي أوجدها من العدم فهي موجودة به و بفضله ) ، فهو برهان عليها أكثر مما هي برهان عليه .. و كيف يكون العدم برهاناً على الوجود .. و كيف يكون المعدوم شاهداً على موجد الوجود . إنها لجاجة العقل .. و هي سلسلة من الخرائب المنطقية لابد أن نمر بها في معراجنا للوصول إلى الحقيقة .. و هذا عيب العصر الذي يدّعي فيه العقل أنه كل شيء . من كتــاب الإسلام ماهو؟ الدكتور مصطفى محمود رحمه الله. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ سألني صديقي و هو رجل كثير الشك :
- و ما السر في ثياب الإحرام البيضاء و ضرورة لبسها على اللحم و تحريم لبس المخيط . و ما معنى رجم إبليس و الطواف حول الكعبة . ألا ترى معي أنها بقايا وثنية ؟
قلت له : أنت لا تكتفي بأن تحب حبيبك حباً عذرياً أفلاطونياً ، و إنما تريد أن تعبر عن حبك بالفعل . بالقبلة و العناق و اللقاء . هل أنت وثني ؟ و بالمثل من يسعى إلى الله بعقله و قلبه . يقول له الله : إن هذا لا يكفي . لابد أن تسعى على قدميك .
و الحج و الطواف رمز لهذا السعي الذي يكتمل فيه الحب شعوراً و قولاً و فعلاً . و هنا معنى التوحيد . أن تتوحد جسداً و روحاً بأفعالك و كلماتك . و لهذا نركع و نسجد في الصلاة و لا نكتفي بخشوع القلب . فهذه الوحدة بين القلب و الجسد يتجلى فيها الإيمان بأصدق مما يتجلى في رجل يكتفي بالتأمل .
أما ثياب الإحرام البيضاء فهي رمز الوحدة الكبرى التي تذوب فيها الأجناس و يتساوى فيها الفقير و الغني . المهراجا و أتباعه .
و نحن نلبسها على اللحم . كما حدث حينما نزلنا إلى العالم في لحظة الميلاد و كما سوف يحدث حينما نغادره بالموت . جئنا ملفوفين في لفافة بيضاء على اللحم . و نخرج من الدنيا بذات اللفة . هي رمز للتجرد . لأن لحظة اللقاء بالله تحتاج إلى التجرد كل التجرد . و لهذا قال الله لموسى : (( اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى )) . هو التجرد المناسب لجلال الموقف .
و هذا هو الفرق بين لقاء لرئيس جمهورية . و لقاء مع الخالق . فنحن نرتدي لباس التشريفة لنقابل رئيس الجمهورية . أما أمام الله فنحن لا شيء . لا نكاد نساوي شيئاً . و علينا أن نخلع كل ثياب الغرور و كل الزينة .
قال صديقي في خبث : و رجم إبليس ؟ قلت :
- أنت تضع باقة ورد على نصب تذكاري للجندي المجهول ، و تلقي خطبة لتحيته . هل أنت وثني ؟
لماذا تعتبرني وثنياً إذا رشقت النصب التذكاري للشيطان بحجر و لعنته . إنها نفس الفكرة . إنها كلها رمزيات . أنت تعلم أن النصب التذكاري مجرد رمز ، و أنه ليس الجندي . و أنا أعلم أيضا أن هذا التمثال رمز ، و أنه ليس الشيطان . و بالمثل السعي بين الصفا و المروة إلى حيث نبعت عين زمزم التي ارتوى منها إسماعيل و أمه هاجر . هي إحياء ذكرى عزيزة و يوم لا يُنسى في حياة النبي و الجد اسماعيل و أمه المصرية هاجر .
و جميع شعائر ديانتنا ليست طقوساً كهنوتية بالمعنى المعروف ، و إنما هي نوع من الأفعال التكاملية التي يتكامل بها الشعور و التي تسترد بها النفس الموزعة وحدتها . إنها وسيلة لخلق إنسان موحد . قوله هو فعله . فالكرم لا معنى له إذا ظل تصريحاً شفوياً باللسان ، و إنما لابد أن تمتد اليد إلى الجيب ثم تنبسط في عطاء ليكون الكرم كرماً حقيقياً . هل هذه الحركة وثنية أو طقساً كهنوتياً .
و بهذا المعنى ، شعائر الإسلام ليست شعائر ، و إنما تعبيرات شديدة البساطة للإحساس الديني . و لهذا كان الإسلام هو الدين الوحيد الذي بلا طقوس و بلا كهنوت و بلا كهنة .
ألا تراهم أمامك أكثر من مليون يكلمون الله مباشرة بلا واسطة و يركعون على الأرض العراء حيث لا محاريب و لا مآذن و لا قباب و لا منابر و لا سجاجيد و لا سقوف منقوشة بالذهب و لا جدران من المرمر و الرخام . لا شيء سوى العراء . و نحن عراء . و نفوسنا تعرت أمام خالقها فهي عراء . و نحن نبكي . كلنا نبكي .
و سكت صديقي و ارتفعت أصوات التلبية من مليون و خمسمائة ألف حنجرة . لبيك اللهم لبيك . لبيك لا شريك لك لبيك .
و كنت أعلم أن صديقي مازال بينه و بين الإيمان الحقيقي أشواط و مراحل و معراج من المعاناة. مازال عليه أن يصعد فوق خرائب هذا البناء المنطقي الذي اسمه العقل و يستشرف على ينابيع الحقيقة في تدفقها البكر داخل قلبه . حينئذ سوف يكف عقله عن اللجاجة و التنطع و يلزم حدوده و اختصاصه ، و يدرك أن الدين أكبر من مجرد قضية منطقية ، و أنه هو في ذاته منطق كل شيء . و أن الله هو البرهان الذي نبرهن به على وجود الموجودات لأنه قيومها ( هو الذي أوجدها من العدم فهي موجودة به و بفضله ) ، فهو برهان عليها أكثر مما هي برهان عليه . و كيف يكون العدم برهاناً على الوجود . و كيف يكون المعدوم شاهداً على موجد الوجود .
إنها لجاجة العقل . و هي سلسلة من الخرائب المنطقية لابد أن نمر بها في معراجنا للوصول إلى الحقيقة . و هذا عيب العصر الذي يدّعي فيه العقل أنه كل شيء .
من كتــاب الإسلام ماهو؟ الدكتور مصطفى محمود رحمه الله. ❝