█ قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78) قَالَ هَذَا وَبَيْنِكَ فعند ذلك قال له الخضر هذا فراق بيني وبينك بحكم ما شرطت نفسك وتكريره وعدوله عن بيننا لمعنى التأكيد قال سيبويه : كما يقال أخزى الله الكاذب مني ومنك ; أي منا وقال ابن عباس وكان قول موسى السفينة والغلام لله , قوله الجدار لنفسه لطلب شيء من الدنيا فكان سبب الفراق وهب بن منبه كان جدارا طوله السماء مائة ذراع تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا تأويل الشيء مآله إني أخبرك لم فعلت وقيل تفسير هذه الآيات التي وقعت لموسى مع إنها حجة وعجبا وذلك أنه لما أنكر أمر خرق نودي يا أين تدبيرك وأنت التابوت مطروحا اليم فلما الغلام قيل إنكارك وكزك القبطي وقضائك عليه إقامة رفعك حجر البئر لبنات شعيب دون أجر كتاب القرآن الكريم سورة الكهف مجاناً PDF اونلاين 2024 هي سورةٌ مكيةٌ رقمها 18 تسبق مريم وتلحق الإسراء ترتيب سور عدد آياتها 110 آية وهي السور المكية المتأخرة النزول إذ أن نزولها 69 تتوسط السورة فهي تقع الجزئين الخامس عشر والسادس 8 صفحات نهاية الجزء و3 بداية السادس تتناول عدة مواضيع تدور حول التحذير الفتن والتبشير والإنذار وذكر بعض المشاهد يوم القيامة تناولت قصص كقصة أصحاب الذين سُميّت لذكر قصتهم فيها سورة ذوات الفضل وذكرت أحاديث كثيرة ومن أهم فضائلها ذكر قراءتها الجمعة نورٌ بين الجمعتين إن نزول ذكره مفسرين كابن كثير وغيره: فعن قال: «بعثت قريش النضر الحارث وعقبة أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة فقالوا لهم: سلوهم محمد وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ليس عندنا الأنبياء فخرجا حتى قدما المدينة فسألوا رسول ﷺ ووصفوا أمره وبعض وقالا: إنكم التوراة وقد جئناكم لتخبرونا صاحبنا فقالت سلوه ثلاث نأمركم بهن فإن أخبركم فهو نبي مرسل وإن يفعل فالرجل متقول فروا فيه رأيكم سلوه فتية ذهبوا الدهر أمرهم قد شأن عجيب وسلوه رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها نبؤه؟ الروح هو؟ بذلك فاتبعوه يخبركم فإنه فاصنعوا بدا لكم فأقبل فقالا: معشر بفصل بينكم وبين أمرنا نسأله أمور فأخبروهم بها فجاءوا فقالوا: أخبرنا فسألوه عما أمروهم به فقال ﷺ: غدا سألتم عنه ولم يستثن فانصرفوا ومكث خمس عشرة ليلة لا يحدث وحيا ولا يأتيه جبريل الصلاة والسلام أرجف مكة وقالوا: وعدنا واليوم أصبحنا يخبرنا بشيء سألناه وحتى أحزن مكث الوحي وشق يتكلم ثم جاءه عز وجل بسورة معاتبته إياه حزنه عليهم وخبر سألوه الفتية والرجل الطواف وقول وجل: ﴿وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ﴾ [الكهف:83]» الأصل دروس ألقاها فضيلة الشيخ عثيمين رحمه الدورة العلمية عقدها شهر ربيع عام 1419هـ بالجامع الكبير مدينة عنيزة والتي فسر آيات
❞ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57)
قوله تعالى : ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها أي لا أحد أظلم لنفسه ممن وعظ بآيات ربه ، فتهاون بها وأعرض عن قبولها .
ونسي ما قدمت يداه أي ترك كفره ومعاصيه فلم يتب منها ، فالنسيان هنا بمعنى الترك . وقيل : المعنى نسي ما قدم لنفسه وحصل من العذاب ; والمعنى متقارب .
إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا بسبب كفرهم ; أي نحن منعنا الإيمان من أن يدخل قلوبهم وأسماعهم .
وإن تدعهم إلى الهدى أي إلى الإيمان .
فلن يهتدوا إذا أبدا نزل في قوم معينين ، وهو يرد على القدرية قولهم ; وقد تقدم معنى هذه الآية في سبحان وغيرها . ❝
❞ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)
قوله تعالى : إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : إذ أوى الفتية إلى الكهف روي أنهم قوم من أبناء أشراف مدينة دقيوس الملك الكافر ، ويقال فيه دقينوس . وروي أنهم كانوا مطوقين مسورين بالذهب ذوي ذوائب ، وهم من الروم واتبعوا دين عيسى . وقيل : كانوا قبل عيسى ، والله أعلم . وقال ابن عباس : إن ملكا من الملوك يقال له دقيانوس ظهر على مدينة من مدائن الروم يقال لها أفسوس . وقيل هي طرسوس وكان بعد زمن عيسى - عليه السلام - فأمر بعبادة الأصنام فدعا أهلها إلى عبادة الأصنام ، وكان بها سبعة أحداث يعبدون الله سرا ، فرفع خبرهم إلى الملك وخافوه فهربوا ليلا ، ومروا براع معه كلب فتبعهم فأووا إلى الكهف فتبعهم الملك إلى فم الغار ، فوجد أثر دخولهم ولم يجد أثر خروجهم ، فدخلوا فأعمى الله أبصارهم فلم يروا شيئا ; فقال الملك : سدوا عليهم باب الغار حتى يموتوا فيه جوعا وعطشا . وروى مجاهد عن ابن عباس أيضا أن هؤلاء الفتية كانوا في دين ملك يعبد الأصنام ويذبح لها ويكفر بالله ، وقد تابعه على ذلك أهل المدينة ، فوقع للفتية علم من بعض الحواريين - حسبما ذكر النقاش أو من مؤمني الأمم قبلهم - فآمنوا بالله ورأوا ببصائرهم قبيح فعل الناس ، فأخذوا نفوسهم بالتزام الدين وعبادة الله ; فرفع أمرهم إلى الملك وقيل له : إنهم قد فارقوا دينك واستخفوا آلهتك وكفروا بها ، فاستحضرهم الملك إلى مجلسه وأمرهم باتباع دينه والذبح لآلهته ، وتوعدهم على فراق ذلك بالقتل ; فقالوا له فيما روي : ربنا رب السماوات والأرض - إلى قوله - وإذ اعتزلتموهم وروي أنهم قالوا نحو هذا الكلام وليس به ، فقال لهم الملك : إنكم شبان أغمار لا عقول لكم ، وأنا لا أعجل بكم بل أستأني فاذهبوا إلى منازلكم ودبروا رأيكم وارجعوا إلى أمري ، وضرب لهم في ذلك أجلا ، ثم إنه خلال الأجل فتشاور الفتية في الهروب بأديانهم ، فقال لهم أحدهم : إني أعرف كهفا في جبل كذا ، وكان أبي يدخل فيه غنمه فلنذهب فلنختف فيه حتى يفتح الله لنا ; فخرجوا فيما روي يلعبون بالصولجان والكرة ، وهم يدحرجونها إلى نحو طريقهم لئلا يشعر الناس بهم . وروي أنهم كانوا مثقفين فحضر عيد خرجوا إليه فركبوا في جملة الناس ، ثم أخذوا باللعب بالصولجان حتى خلصوا بذلك . وروى وهب بن منبه أن أول أمرهم إنما كان حواري لعيسى ابن مريم جاء إلى مدينة أصحاب الكهف يريد دخولها ، فأجر نفسه من صاحب الحمام وكان يعمل فيه ، فرأى صاحب الحمام في أعماله بركة عظيمة ، فألقى إليه بكل أمره ، وعرف ذلك الرجل فتيان من المدينة فعرفهم الله - تعالى - فآمنوا به واتبعوه على دينه ، واشتهرت خلطتهم به ; فأتى يوما إلى ذلك الحمام ولد الملك بامرأة أراد الخلوة بها ، فنهاه ذلك الحواري فانتهى ، ثم جاء مرة أخرى فنهاه فشتمه ، وأمضى عزمه في دخول الحمام مع البغي ، فدخل فماتا فيه جميعا ; فاتهم ذلك الحواري وأصحابه بقتلهما ; ففروا جميعا حتى دخلوا الكهف . وقيل في خروجهم غير هذا .
وأما الكلب فروي أنه كان كلب صيد لهم ، وروي أنهم وجدوا في طريقهم راعيا له كلب فاتبعهم الراعي على رأيهم وذهب الكلب معهم ; قاله ابن عباس . واسم الكلب حمران وقيل قطمير .
وأما أسماء أهل الكهف فأعجمية ، والسند في معرفتها واه . والذي ذكره الطبري هي هذه : مكسلمينا وهو أكبرهم والمتكلم عنهم ، ومحسيميلنينا ويمليخا ، وهو الذي مضى بالورق إلى المدينة عند بعثهم من رقدتهم ، ومرطوس وكشوطوش ودينموس ويطونس وبيرونس . قال مقاتل : وكان الكلب لمكسلمينا ، وكان أسنهم وصاحب غنم .
الثانية : هذه الآية صريحة في الفرار بالدين وهجرة الأهل والبنين والقرابات والأصدقاء والأوطان والأموال خوف الفتنة وما يلقاه الإنسان من المحنة . وقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فارا بدينه ، وكذلك أصحابه ، وجلس في الغار حسبما تقدم في سورة " النحل " . وقد نص الله - تعالى - على ذلك في " براءة " وقد تقدم . وهجروا أوطانهم وتركوا أرضهم وديارهم وأهاليهم وأولادهم وقراباتهم وإخوانهم ، رجاء السلامة بالدين والنجاة من فتنة الكافرين . فسكنى الجبال ودخول الغيران ، والعزلة عن الخلق والانفراد بالخالق ، وجواز الفرار من الظالم هي سنة الأنبياء - صلوات الله عليهم - والأولياء . وقد فضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العزلة ، وفضلها جماعة العلماء لا سيما عند ظهور الفتن وفساد الناس ، وقد نص الله - تعالى - عليها في كتابه فقال : فأووا إلى الكهف .
قال العلماء الاعتزال عن الناس يكون مرة في الجبال والشعاب ، ومرة في السواحل والرباط ، ومرة في البيوت ; وقد جاء في الخبر : إذا كانت الفتنة فأخف مكانك وكف لسانك . ولم يخص موضعا من موضع . وقد جعلت طائفة من العلماء العزلة اعتزال الشر وأهله بقلبك وعملك ، إن كنت بين أظهرهم . وقال ابن المبارك في تفسير العزلة : أن تكون مع القوم فإذا خاضوا في ذكر الله فخض معهم ، وإن خاضوا في غير ذلك فاسكت . وروى البغوي عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : نعم صوامع المؤمنين بيوتهم من مراسل الحسن وغيره . وقال عقبة بن عامر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما النجاة يا رسول الله ؟ فقال : يا عقبة أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك . وقال - صلى الله عليه وسلم - : يأتي على الناس زمان خير مال الرجل المسلم الغنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن . خرجه البخاري . وذكر علي بن سعد عن الحسن بن واقد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا كانت سنة ثمانين ومائة فقد حلت لأمتي العزبة والعزلة والترهب في رءوس الجبال . وذكر أيضا علي بن سعد عن عبد الله بن المبارك عن مبارك بن فضالة عن الحسن يرفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يأتي على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من فر بدينه من شاهق إلى شاهق أو حجر إلى حجر فإذا كان ذلك لم تنل المعيشة إلا بمعصية الله فإذا كان ذلك حلت العزبة . قالوا : يا رسول الله ، كيف تحل العزبة وأنت تأمرنا بالتزويج ؟ قال : إذا كان ذلك كان فساد الرجل على يدي أبويه فإن لم يكن له أبوان كان هلاكه على يدي زوجته فإن لم تكن له زوجة كان هلاكه على يدي ولده فإن لم يكن له ولد كان هلاكه على يدي القرابات والجيران . قالوا وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : يعيرونه بضيق المعيشة ويكلفونه ما لا يطيق فعند ذلك يورد نفسه الموارد التي يهلك فيها .
قلت : أحوال الناس في هذا الباب تختلف ، فرب رجل تكون له قوة على سكنى الكهوف والغيران في الجبال ، وهي أرفع الأحوال لأنها الحالة التي اختارها الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في بداية أمره ، ونص عليها في كتابه مخبرا عن الفتية ، فقال : وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف . ورب رجل تكون العزلة له في بيته أخف عليه وأسهل ; وقد اعتزل رجال من أهل بدر فلزموا بيوتهم بعد قتل عثمان فلم يخرجوا إلا إلى قبورهم . ورب رجل متوسط بينهما فيكون له من القوة ما يصبر بها على مخالطة الناس وأذاهم ، فهو معهم في الظاهر ومخالف لهم في الباطن . وذكر ابن المبارك حدثنا وهيب بن الورد قال : جاء رجل إلى وهب بن منبه فقال : إن الناس وقعوا فيما وقعوا وقد حدثت نفسي ألا أخالطهم . فقال : لا تفعل إنه لا بد لك من الناس ، ولا بد لهم منك ، ولك إليهم حوائج ، ولهم إليك حوائج ، ولكن كن فيهم أصم سميعا ، أعمى بصيرا ، سكوتا نطوقا . وقد قيل : إن كل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في معنى الجبال والشعاب ; مثل الاعتكاف في المساجد ، ولزوم السواحل للرباط والذكر ، ولزوم البيوت فرارا عن شرور الناس . وإنما جاءت الأحاديث بذكر الشعاب والجبال واتباع الغنم - والله أعلم - لأن ذلك هو الأغلب في المواضع التي يعتزل فيها ; فكل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في معناه ، كما ذكرنا ، والله الموفق وبه العصمة . وروى عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية الجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله - عز وجل - انظروا إلى عبدي يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة . خرجه النسائي .
الثالثة : قوله تعالى : وهيئ لنا من أمرنا رشدا لما فروا ممن يطلبهم اشتغلوا بالدعاء ولجئوا إلى الله - تعالى - فقالوا : ربنا آتنا من لدنك رحمة أي مغفرة ورزقا .
وهيئ لنا من أمرنا رشدا توفيقا للرشاد . وقال ابن عباس : مخرجا من الغار في سلامة . وقيل صوابا . ومن هذا المعنى أنه - عليه السلام - كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة . ❝
❞ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا (90)
حتى إذا بلغ مطلع الشمس وقرأ مجاهد وابن محيصن بفتح الميم واللام ; يقال : طلعت الشمس والكواكب طلوعا ومطلعا . والمطلع والمطلع أيضا موضع طلوعها قاله الجوهري .
وجدها تطلع على قوم المعنى أنه انتهى إلى موضع قوم لم يكن بينهم وبين مطلع الشمس أحد من الناس . والشمس تطلع وراء ذلك بمسافة بعيدة وقد اختلف فيهم ; فعن وهب بن منبه ما تقدم ، وأنها أمة يقال لها منسك وهي مقابلة ناسك ; وقاله مقاتل وقال قتادة : يقال لهما الزنج وقال الكلبي : هم تارس وهاويل ومنسك ; حفاة عراة عماة عن الحق ، يتسافدون مثل الكلاب ، ويتهارجون تهارج الحمر . وقيل : هم أهل جابلق وهم من نسل مؤمني عاد الذين آمنوا بهود ، ويقال لهم بالسريانية مرقيسا والذين عند مغرب الشمس هم أهل جابرس ; ولكل واحدة من المدينتين عشرة آلاف باب ، وبين كل باب فرسخ ووراء جابلق أمم وهم تافيل وتارس وهم يجاورون يأجوج ومأجوج وأهل جابرس وجابلق آمنوا بالنبي - عليه الصلاة والسلام - ( مر بهم ليلة الإسراء فدعاهم فأجابوه ، ودعا الأمم الآخرين فلم يجيبوه ) ; ذكره السهيلي وقال : اختصرت هذا كله من حديث طويل رواه مقاتل بن حيان عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه الطبري مسندا إلى مقاتل يرفعه ; والله أعلم .
قوله تعالى : لم نجعل لهم من دونها سترا أي حجابا يستترون منها عند طلوعها . قال قتادة : لم يكن بينهم وبين الشمس سترا ; كانوا في مكان لا يستقر عليه بناء ، وهم يكونون في أسراب لهم ، حتى إذا زالت الشمس عنهم رجعوا إلى معايشهم وحروثهم ; يعني لا يستترون منها بكهف جبل ولا بيت يكنهم منها . وقال أمية : وجدت رجالا بسمرقند يحدثون الناس ، فقال بعضهم : خرجت حتى جاوزت الصين ، فقيل لي : إن بينك وبينهم مسيرة يوم وليلة ، فاستأجرت رجلا يرينيهم حتى صبحتهم ، فوجدت أحدهم يفترش أذنه ويلتحف بالأخرى ، وكان صاحبي يحسن كلامهم ، فبتنا بهم ، فقالوا : فيم جئتم ؟ قلنا : جئنا ننظر كيف تطلع الشمس ; فبينا نحن كذلك إذ سمعنا كهيئة الصلصلة ، فغشي علي ، ثم أفقت وهم يمسحونني بالدهن ، فلما طلعت الشمس على الماء إذ هي على الماء كهيئة الزيت ، وإذا طرف السماء كهيئة الفسطاط ، فلما ارتفعت أدخلوني سربا لهم ، فلما ارتفع النهار وزالت الشمس عن رءوسهم خرجوا يصطادون السمك ، فيطرحونه في الشمس فينضج . وقال ابن جريج : جاءهم جيش مرة ، فقال لهم أهلها : لا تطلع الشمس وأنتم بها ، فقالوا : ما نبرح حتى تطلع الشمس . ثم قالوا : ما هذه العظام ؟ قالوا : هذه والله عظام جيش طلعت عليهم الشمس هاهنا فماتوا قال : فولوا هاربين في الأرض . وقال الحسن : كانت أرضهم لا جبل فيها ولا شجر ، وكانت لا تحمل البناء ، فإذا طلعت عليهم الشمس نزلوا في الماء ، فإذا ارتفعت عنهم خرجوا ، فيتراعون كما تتراعى البهائم .
قلت : وهذه الأقوال تدل على أن لا مدينة هناك والله أعلم . وربما يكون منهم من يدخل في النهر . ومنهم من يدخل في السرب فلا تناقض بين قول الحسن وقتادة . ❝