█ _ محمد بن صالح العثيمين 2002 حصريا كتاب ❞ تفسير القرآن الكريم سورة الكهف ❝ عن دار ابن الجوزي 2024 الكهف: هي سورةٌ مكيةٌ رقمها 18 تسبق مريم وتلحق الإسراء ترتيب سور عدد آياتها 110 آية وهي من السور المكية المتأخرة النزول إذ أن نزولها 69 تتوسط السورة فهي تقع الجزئين الخامس عشر والسادس 8 صفحات نهاية الجزء و3 بداية السادس تتناول عدة مواضيع تدور حول التحذير الفتن والتبشير والإنذار وذكر بعض المشاهد يوم القيامة كما تناولت قصص كقصة أصحاب الذين سُميّت لذكر قصتهم فيها سورة ذوات الفضل وذكرت أحاديث كثيرة ومن أهم فضائلها ما ذكر قراءتها الجمعة نورٌ بين الجمعتين إن سبب نزول ذكره مفسرين كابن كثير وغيره: فعن عباس قال: «بعثت قريش النضر الحارث وعقبة أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة فقالوا لهم: سلوهم وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ليس عندنا الأنبياء فخرجا حتى قدما المدينة فسألوا رسول الله ﷺ ووصفوا أمره وبعض قوله وقالا: إنكم التوراة وقد جئناكم لتخبرونا صاحبنا هذا قال فقالت سلوه ثلاث نأمركم بهن فإن أخبركم فهو نبي مرسل وإن لم يفعل فالرجل متقول فروا فيه رأيكم سلوه فتية ذهبوا الدهر كان أمرهم قد شأن عجيب وسلوه رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها نبؤه؟ الروح هو؟ بذلك فاتبعوه يخبركم فإنه فاصنعوا بدا لكم فأقبل فقالا: يا معشر بفصل بينكم وبين أمرنا نسأله أمور فأخبروهم بها فجاءوا فقالوا: أخبرنا فسألوه عما أمروهم به فقال ﷺ: غدا سألتم عنه ولم يستثن فانصرفوا ومكث خمس عشرة ليلة لا يحدث له ذلك وحيا ولا يأتيه جبريل عليه الصلاة والسلام أرجف مكة وقالوا: وعدنا واليوم أصبحنا يخبرنا بشيء سألناه وحتى أحزن مكث الوحي وشق يتكلم ثم جاءه عز وجل بسورة معاتبته إياه حزنه عليهم وخبر سألوه أمر الفتية والرجل الطواف وقول وجل: ﴿وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ﴾ [الكهف:83]» الأصل دروس ألقاها فضيلة الشيخ عثيمين رحمه الدورة العلمية التي عقدها شهر ربيع عام 1419هـ بالجامع الكبير مدينة عنيزة والتي فسر آيات كتب التفاسير وعلوم مجاناً PDF اونلاين يحتوي القسم الآتي: 1 التفسير يخص لغة: مادته معنى الكشف مطلقا سواء أكان لغموض لفظ أم لغير يقال فسرت اللفظ فسرا باب ضرب ونصر وفسرته تفسيرا شدد للكثرة إذا كشفت مغلقه التفسير اصطلاحا: كشف معانى وبيان المراد منه وهو أعم يكون بحسب المشكل وغيره وبحسب المعنى الظاهر والمقصود 2 علوم العلوم المتعلقة بالقرآن حيث نزوله وترتيبه وجمعه وكتابته وقراءاته وتجويده ومعرفة المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ وأسباب وإعجازه وإعرابه ورسمه وعلم غريب وغير ويُعرف أيضًا بأنها جميع والبحوث تتعلق أو كل يتصل يُطلق عليها التنزيل عدّ الزركشي كتابه البرهان 47 علمًا وأوصلها جلال الدين السيوطي الإتقان لـ 80
❞ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103)
قوله تعالى : قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا - الآية - فيه دلالة على أن من الناس من يعمل العمل وهو يظن أنه محسن وقد حبط سعيه ، والذي يوجب إحباط السعي إما فساد الاعتقاد أو المراءاة ، والمراد هنا الكفر . روى البخاري عن مصعب قال : سألت أبيا قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا أهم الحرورية ؟ قال : لا ; هم اليهود والنصارى . وأما اليهود فكذبوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، وأما النصارى فكفروا بالجنة ، فقالوا : لا طعام فيها ولا شراب ; والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ; وكان سعد يسميهم الفاسقين . والآية معناها التوبيخ ; أي قل لهؤلاء الكفرة الذين عبدوا غيري : يخيب سعيهم وآمالهم غدا ; فهم الأخسرون أعمالا ، وهم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا في عبادة من سواي . ❝
❞ قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)
قوله تعالى : ذلك ما كنا نبغ أي قال موسى لفتاه أمر الحوت وفقده هو الذي كنا نطلب ، فإن الرجل الذي جئنا له ثم ; فرجعا يقصان آثارهما لئلا يخطئا طريقهما . وفي البخاري : ( فوجدا خضرا على طنفسة خضراء على كبد البحر مسجى بثوبه ، قد جعل طرفه تحت رجليه ، وطرفه تحت رأسه ، فسلم عليهموسى ، فكشف عن وجهه وقال : هل بأرضك من سلام ؟ من أنت ؟ قال : أنا موسى . قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم . قال : فما شأنك ؟ قال جئت لتعلمني مما علمت رشدا . . . ) الحديث . وقال الثعلبي في كتاب العرائس : ( إن موسى وفتاه وجدا الخضر وهو نائم على طنفسة خضراء على وجه الماء وهو متشح بثوب أخضر فسلم عليه موسى ، فكشف عن وجهه فقال : وأنى بأرضنا السلام ؟ ثم رفع رأسه واستوى جالسا وقال : وعليك السلام يا نبي بني إسرائيل ، فقال له موسى : وما أدراك بي ؟ ومن أخبرك أني نبي بني إسرائيل ؟ قال : الذي أدراك بي ودلك علي ; ثم قال : يا موسى لقد كان لك في بني إسرائيل شغل ، قال موسى : إن ربي أرسلني إليك لأتبعك وأتعلم من علمك ، ثم جلسا يتحدثان ، فجاءت خطافة وحملت بمنقارها من الماء . . . ) وذكر الحديث على ما يأتي . ❝
❞ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)
حتى إذا بلغ بين السدين حتى إذا بلغ بين السدين وهما جبلان من قبل أرمينية وأذربيجان . روى عطاء الخراساني عن ابن عباس : بين السدين الجبلين أرمينية وأذربيجان .
وجد من دونهما أي من ورائهما .
قوما لا يكادون يفقهون قولا وقرأ حمزة والكسائي " يفقهون " بضم الياء وكسر القاف من أفقه إذا أبان أي لا يفقهون غيرهم كلاما . الباقون بفتح الياء والقاف ، أي يعلمون . والقراءتان صحيحتان ، فلا هم يفقهون من غيرهم ولا يفقهون غيرهم . ❝
❞ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34)
وكان له ثمر قرأ أبو جعفر وشيبة وعاصم ويعقوب وابن أبي إسحاق ثمر بفتح الثاء والميم ، وكذلك قوله وأحيط بثمره جمع ثمرة . قاله الجوهري : الثمرة واحدة الثمر والثمرات ، وجمع الثمر ثمار ; مثل جبل وجبال . قال الفراء : وجمع الثمار ثمر ; مثل كتاب وكتب ، وجمع الثمر أثمار ; مثل أعناق وعنق . والثمر أيضا المال المثمر ; يخفف ويثقل . وقرأ أبو عمرو " وكان له ثمر " بضم الثاء وإسكان الميم ، وفسره بأنواع المال . والباقون بضمها في الحرفين . قال ابن عباس : ذهب وفضة وأموال . وقد مضى في " الأنعام " نحو هذا مبينا . ذكر النحاس : حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرني عمران بن بكار قال حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي قال حدثنا شعيب بن إسحاق قال هارون قال حدثني أبان عن ثعلب عن الأعمش أن الحجاج قال : لو سمعت أحدا يقرأ " وكان له ثمر " لقطعت لسانه ; فقلت للأعمش : أتأخذ بذلك ؟ فقال : لا ! ولا نعمة عين . فكان يقرأ " ثمر " ويأخذه من جمع الثمر . قال النحاس : فالتقدير على هذا القول أنه جمع ثمرة على ثمار ، ثم جمع ثمارا على ثمر ; وهو حسن في العربية إلا أن القول الأول أشبه والله أعلم ; لأن قوله كلتا الجنتين آتت أكلها يدل على أن له ثمرا .
قوله تعالى : فقال لصاحبه وهو يحاوره أي يراجعه في الكلام ويجاوبه . والمحاورة المجاوبة ، والتحاور التجاوب . ويقال : كلمته فما أحار إلي جوابا ، وما رجع إلي حويرا ولا حويرة ولا محورة ولا حوارا ; أي ما رد جوابا .
أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا النفر : الرهط وهو ما دون العشرة . وأراد هاهنا الأتباع والخدم والولد ، حسبما تقدم بيانه . ❝
❞ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)
قوله تعالى : ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا قوله تعالى : ووضع الكتاب الكتاب اسم جنس ، وفيه وجهان : أحدهما : أنها كتب الأعمال في أيدي العباد ; قاله مقاتل . الثاني : أنه وضع الحساب ; قاله الكلبي ، فعبر عن الحساب بالكتاب لأنهم يحاسبون على أعمالهم المكتوبة . والقول الأول أظهر ; ذكره ابن المبارك قال : أخبرنا الحكم أو أبو الحكم - شك نعيم - عن إسماعيل بن عبد الرحمن عن رجل من بني أسد قال : قال عمر لكعب : ويحك يا كعب حدثنا من حديث الآخرة ; قال : نعم يا أمير المؤمنين إذا كان يوم القيامة رفع اللوح المحفوظ فلم يبق أحد من الخلائق إلا وهو ينظر إلى عمله - قال - ثم يؤتى بالصحف التي فيها أعمال العباد فتنثر حول العرش ، وذلك قوله - تعالى - : ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها قال الأسدي : الصغيرة ما دون الشرك ; والكبيرة الشرك ، إلا أحصاها - قال كعب ; ثم يدعى المؤمن فيعطى كتابه بيمينه فينظر فيه فإذا حسناته باديات للناس وهو يقرأ سيئاته لكيلا يقول كانت لي حسنات فلم تذكر فأحب الله أن يريه عمله كله حتى إذا استنقص ما في الكتاب وجد في آخر ذلك كله أنه مغفور وأنك من أهل الجنة ; فعند ذلك يقبل إلى أصحابه ثم يقول هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه ثم يدعى بالكافر فيعطى كتابه بشماله ثم يلف فيجعل من وراء ظهره ويلوى عنقه ; فذلك قوله وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فينظر في كتابه فإذا سيئاته باديات للناس وينظر في حسناته لكيلا يقول أفأثاب على السيئات . وكان الفضيل بن عياض إذا قرأ هذه الآية يقول : يا ويلتاه ضجوا إلى الله - تعالى - من الصغائر قبل الكبائر . قال ابن عباس : الصغيرة التبسم ، والكبيرة الضحك ; يعني ما كان من ذلك في معصية الله - عز وجل - ; ذكره الثعلبي . وحكى الماوردي عن ابن عباس أن الصغيرة الضحك .
قلت : فيحتمل أن يكون صغيرة إذا لم يكن في معصية ، فإن الضحك من المعصية رضا بها والرضا بالمعصية معصية ، وعلى هذا تكون كبيرة ، فيكون وجه الجمع هذا والله أعلم . أو يحمل الضحك فيما ذكر الماوردي على التبسم ، وقد قال - تعالى - : فتبسم ضاحكا من قولها . وقال سعيد بن جبير : إن الصغائر اللمم كالمسيس والقبل ، والكبيرة المواقعة والزنا . وقد مضى في " النساء " بيان هذا . قال قتادة : اشتكى القوم الإحصاء وما اشتكى أحد ظلما ، فإياكم ومحقرات الذنوب فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه . وقد مضى . ومعنى أحصاها عدها وأحاط بها ; وأضيف الإحصاء إلى الكتاب توسعا .
أحصاها ووجدوا ما عملوا أي وجدوا إحصاء ما عملوا حاضرا وقيل : وجدوا جزاء ما عملوا حاضرا .
حاضرا ولا يظلم ربك أي لا يأخذ أحدا بجرم أحد ، ولا يأخذه بما لم يعمله ; قاله الضحاك . وقيل : لا ينقص طائعا من ثوابه ولا يزيد عاصيا في عقابه . ❝
❞ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)
خالدين فيها أي دائمين .
لا يبغون عنها حولا أي لا يطلبون تحويلا عنها إلى غيرها . والحول بمعنى التحويل ; قاله أبو علي . وقال الزجاج : حال من مكانه حولا كما يقال : عظم عظما . قال : ويجوز أن يكون من الحيلة ، أي لا يحتالون منزلا غيرها . قال الجوهري : التحول التنقل من موضع إلى موضع ، والاسم الحول ، ومنه قوله - تعالى - : خالدين فيها لا يبغون عنها حولا . ❝
❞ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)
قوله تعالى : قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أي لا أعلم إلا ما يعلمني الله - تعالى - ، وعلم الله - تعالى - لا يحصى ، وإنما أمرت بأن أبلغكم بأنه لا إله إلا الله .
فمن كان يرجو لقاء ربه أي يرجو رؤيته وثوابه ويخشى عقابه .
فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا قال ابن عباس : نزلت في جندب بن زهير العامري قال : يا رسول الله إني أعمل العمل لله - تعالى - ، وأريد وجه الله - تعالى - ، إلا أنه إذا اطلع عليه سرني ; فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن الله طيب ولا يقبل إلا الطيب ولا يقبل ما شورك فيه فنزلت الآية . وقال طاوس قال رجل : يا رسول الله ! إني أحب الجهاد في سبيل الله - تعالى - وأحب أن يرى مكاني فنزلت هذه الآية . وقال مجاهد : جاء رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا رسول الله ! إني أتصدق وأصل الرحم ولا أصنع ذلك إلا لله - تعالى - فيذكر ذلك مني وأحمد عليه فيسرني ذلك وأعجب به ، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يقل شيئا ، فأنزل الله - تعالى - فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا .
قلت : والكل مراد ، والآية تعم ذلك كله وغيره من الأعمال . وقد تقدم في سورة " هود " حديث أبي هريرة الصحيح في الثلاثة الذين يقضى عليهم أول الناس . وقد تقدم في سورة " النساء " الكلام على الرياء ، وذكرنا من الأخبار هناك ما فيه كفاية . وقال الماوردي وقال جميع أهل التأويل : معنى قوله - تعالى - : ولا يشرك بعبادة ربه أحدا إنه لا يرائي بعمله أحدا . وروى الترمذي الحكيم - رحمه الله تعالى - في ( نوادر الأصول ) قال : حدثنا أبي - رحمه الله تعالى - قال : حدثنا مكي بن إبراهيم قال : حدثنا عبد الواحد بن زيد عن عبادة بن نسي قال : أتيت شداد بن أوس في مصلاه وهو يبكي ، فقلت : ما الذي أبكاك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : حديث سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما ، إذ رأيت بوجهه أمرا ساءني فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما الذي أرى بوجهك ؟ قال : أمرا أتخوفه على أمتي من بعدي قلت : ما هو يا رسول الله ؟ قال : الشرك والشهوة الخفية قلت : يا رسول الله ! وتشرك أمتك من بعدك ؟ قال : يا شداد أما إنهم لا يعبدون شمسا ولا قمرا ولا حجرا ولا وثنا ولكنهم يراءون بأعمالهم قلت : والرياء شرك هو ؟ قال : نعم . قلت : فما الشهوة الخفية ؟ قال : يصبح أحدهم صائما فتعرض له شهوات الدنيا فيفطر قال عبد الواحد : فلقيت الحسن ، فقلت : يا أبا سعيد ! أخبرني عن الرياء أشرك هو ؟ قال : نعم ; أما تقرأ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا . وروى إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا محمد بن أبي بكر قال حدثنا المعتمر بن سليمان عن ليث عن شهر بن حوشب قال : كان عبادة بن الصامت وشداد بن أوس جالسين ، فقالا : إنا نتخوف على هذه الأمة من الشرك والشهوة الخفية ، فأما الشهوة الخفية فمن قبل النساء . وقالا : سمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من صلى صلاة يرائي بها فقد أشرك ومن صام صياما يرائي به فقد أشرك ثم تلا فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا .
قلت : وقد جاء تفسير الشهوة الخفية بخلاف هذا ، وقد ذكرناه في " النساء " . وقال سهل بن عبد الله : وسئل الحسن عن الإخلاص والرياء فقال : من الإخلاص أن تحب أن تكتم حسناتك ولا تحب أن تكتم سيئاتك ، فإن أظهر الله عليك حسناتك تقول هذا من فضلك وإحسانك ، وليس هذا من فعلي ولا من صنيعي ، وتذكر قوله - تعالى - : فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا . والذين يؤتون ما آتوا الآية ; يؤتون الإخلاص ، وهم يخافون ألا يقبل منهم ; وأما الرياء فطلب حظ النفس من عملها في الدنيا ; قيل لها : كيف يكون هذا ؟ قال : من طلب بعمل بينه وبين الله - تعالى - سوى وجه الله - تعالى - والدار الآخرة فهو رياء . وقال علماؤنا - رضي الله تعالى عنهم - : وقد يفضي الرياء بصاحبه إلى استهزاء الناس به ; كما يحكى أن طاهر بن الحسين قال لأبي عبد الله المروزي : منذ كم صرت إلى العراق يا أبا عبد الله ؟ قال : دخلت العراق منذ عشرين سنة وأنا منذ ثلاثين سنة صائم ; فقال يا أبا عبد الله سألناك عن مسألة فأجبتنا عن مسألتين . وحكى الأصمعي أن أعرابيا صلى فأطال وإلى جانبه قوم ، فقالوا : ما أحسن صلاتك ؟ ! فقال : وأنا مع ذلك صائم . أين هذا من قول الأشعث بن قيس وقد صلى فخفف ، فقيل له إنك خففت ، فقال : إنه لم يخالطها رياء ; فخلص من تنقصهم بنفي الرياء عن نفسه ، والتصنع من صلاته ; وقد تقدم في " النساء " دواء الرياء من قول لقمان ; وأنه كتمان العمل ، وروى الترمذي الحكيم حدثنا أبي - رحمه الله تعالى - قال : أنبأنا الحماني قال : أنبأنا جرير عن ليث عن شيخ عن معقل بن يسار قال : قال أبو بكر وشهد به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشرك ، قال : هو فيكم أخفى من دبيب النمل وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك وكباره تقول اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم تقولها ثلاث مرات . وقال عمر بن قيس الكندي سمعت معاوية تلا هذه الآية على المنبر فمن كان يرجو لقاء ربه فقال : إنها لآخر آية نزلت من السماء . وقال عمر قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أوحي إلي أنه من قرأ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا رفع له نور ما بين عدن إلى مكة حشوه الملائكة يصلون عليه ويستغفرون له . وقال معاذ بن جبل قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من قرأ أول سورة الكهف وآخرها كانت له نورا من قرنه إلى قدمه ومن قرأها كلها كانت له نورا من الأرض إلى السماء وعن ابن عباس أنه قال له رجل : إني أضمر أن أقوم ساعة من الليل فيغلبني النوم ، فقال : إذا أردت أن تقوم أي ساعة شئت من الليل فاقرأ إذا أخذت مضجعك قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي إلى آخر السورة فإن الله - تعالى - يوقظك متى شئت من الليل ; ذكر هذه الفضائل الثعلبي - رضي الله تعالى عنه - . وفي مسند الدارمي أبي محمد أخبرنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن عبدة عن زر بن حبيش قال من قرأ آخر سورة الكهف لساعة يريد أن يقوم من الليل قامها ; قال عبدة فجربناه فوجدناه كذلك قال ابن العربي : كان شيخنا الطرطوشي الأكبر يقول : لا تذهب بكم الأزمان في مصاولة الأقران ، ومواصلة الإخوان ; وقد ختم - سبحانه وتعالى - البيان بقوله : فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا . ❝
❞ ❞ وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ۖ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ۖ رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا (21)
قوله : وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا
قوله تعالى : وكذلك أعثرنا عليهم أي أطلعنا عليهم وأظهرناهم . و ˝ أعثر ˝ تعدية عثر بالهمزة ، وأصل العثار في القدم .
ليعلموا أن وعد الله حق يعني الأمة المسلمة الذين بعث أهل الكهف على عهدهم . وذلك أن دقيانوس مات ومضت قرون وملك أهل تلك الدار رجل صالح ، فاختلف أهل بلده في الحشر وبعث الأجساد من القبور ، فشك في ذلك بعض الناس واستبعدوه وقالوا : إنما تحشر الأرواح والجسد تأكله الأرض . وقال بعضهم : تبعث الروح والجسد جميعا ; فكبر ذلك على الملك وبقي حيران لا يدري كيف يتبين أمره لهم ، حتى لبس المسوح وقعد على الرماد وتضرع إلى الله - تعالى - في حجة وبيان ، فأعثر الله على أهل الكهف ; فيقال : إنهم لما بعثوا أحدهم بورقهم إلى المدينة ليأتيهم برزق منها استنكر شخصه واستنكرت دراهمه لبعد العهد ، فحمل إلى الملك وكان صالحا قد آمن من معه ، فلما نظر إليه قال : لعل هذا من الفتية الذين خرجوا على عهد دقيانوس الملك ، فقد كنت أدعو الله أن يرينيهم ، وسأل الفتى فأخبره ; فسر الملك بذلك وقال : لعل الله قد بعث لكم آية ، فلنسر إلى الكهف معه ، فركب مع أهل المدينة إليهم ، فلما دنوا إلى الكهف قال تمليخا : أنا أدخل عليهم لئلا يرعبوا فدخل عليهم فأعلمهم الأمر وأن الأمة أمة إسلام ، فروي أنهم سروا بذلك وخرجوا إلى الملك وعظموه وعظمهم ثم رجعوا إلى كهفهم . وأكثر الروايات على أنهم ماتوا حين حدثهم تمليخا ميتة الحق ، على ما يأتي . ورجع من كان شك في بعث الأجساد إلى اليقين . فهذا معنى أعثرنا عليهم . ليعلموا أن وعد الله حق أي ليعلم الملك ورعيته أن القيامة حق والبعث حق إذ يتنازعون بينهم أمرهم . وإنما استدلوا بذلك الواحد على خبرهم وهابوا الدخول عليهم .
فقال الملك : ابنوا عليهم بنيانا ; فقال الذين هم على دين الفتية : اتخذوا عليهم مسجدا . وروي أن طائفة كافرة قالت : نبني بيعة أو مضيفا ، فمانعهم المسلمون وقالوا لنتخذن عليهم مسجدا . وروي أن بعض القوم ذهب إلى طمس الكهف عليهم وتركهم فيه مغيبين . وروي عن عبد الله بن عمر أن الله - تعالى - أعمى على الناس حينئذ أثرهم وحجبهم عنهم ، فذلك دعا إلى بناء البنيان ليكون معلما لهم . وقيل : إن الملك أراد أن يدفنهم في صندوق من ذهب فأتاه آت منهم في المنام فقال : أردت أن تجعلنا في صندوق من ذهب فلا تفعل ; فإنا من التراب خلقنا وإليه نعود ، فدعنا .
وتنشأ هنا مسائل ممنوعة وجائزة ; فاتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها ، إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه ممنوع لا يجوز ; لما روى أبو داود والترمذي عن ابن عباس قال : لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج . قال الترمذي : وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة حديث ابن عباس حديث حسن . وروى الصحيحان عن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله - تعالى - يوم القيامة . لفظ مسلم . قال علماؤنا : وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد . وروى الأئمة عن أبي مرثد الغنوي قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها لفظ مسلم . أي لا تتخذوها قبلة فتصلوا عليها أو إليها كما فعل اليهود والنصارى ، فيؤدي إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام . فحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مثل ذلك ، وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك فقال : اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد . وروى الصحيحان عن عائشة وعبد الله بن عباس قالا : لما نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك : لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا . وروى مسلم عن جابر قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه . وخرجه أبو داود والترمذي أيضا عن جابر قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . وروى الصحيح عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته - في رواية - ولا صورة إلا طمستها . وأخرجه أبو داود والترمذي . قال علماؤنا : ظاهره منع تسنيم القبور ورفعها وأن تكون لاطئة . وقد قال به بعض أهل العلم . وذهب الجمهور إلى أن هذا الارتفاع المأمور بإزالته هو ما زاد على التسنيم ، ويبقى للقبر ما يعرف به ويحترم ، وذلك صفة قبر نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وقبر صاحبيه - رضي الله عنهما - على ما ذكر مالك في الموطإ - وقبر أبينا آدم - صلى الله عليه وسلم - ، على ما رواه الدارقطني من حديث ابن عباس . وأما تعلية البناء الكثير على نحو ما كانت الجاهلية تفعله تفخيما وتعظيما فذلك يهدم ويزال ; فإن فيه استعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة ، وتشبها بمن كان يعظم القبور ويعبدها . وباعتبار هذه المعاني وظاهر النهي أن ينبغي أن يقال : هو حرام . والتسنيم في القبر : ارتفاعه قدر شبر ; مأخوذ من سنام البعير . ويرش عليه بالماء لئلا ينتثر بالريح . وقال الشافعي لا بأس أن يطين القبر . وقال أبو حنيفة : لا يجصص القبر ولا يطين ولا يرفع عليه بناء فيسقط . ولا بأس بوضع الأحجار لتكون علامة ; لما رواه أبو بكر الأثرم قال : حدثنا مسدد حدثنا نوح بن دراج عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد قال : كانت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزور قبر حمزة بن عبد المطلب كل جمعة وعلمته بصخرة ; ذكره أبو عمر .
وأما الجائزة : فالدفن في التابوت ; وهو جائز لا سيما في الأرض الرخوة . روي أن دانيال - صلوات الله عليه - كان في تابوت من حجر ، وأن يوسف - عليه السلام - أوصى بأن يتخذ له تابوت من زجاج ويلقى في ركية مخافة أن يعبد ، وبقي كذلك إلى زمان موسى - صلوات الله عليهم أجمعين - ; فدلته عليه عجوز فرفعه ووضعه في حظيرة إسحاق - عليه السلام - . وفي الصحيح عن سعد بن أبي وقاص أنه قال في مرضه الذي هلك فيه : اتخذوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا ; كما صنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - . اللحد : هو أن يشق في الأرض ثم يحفر قبر آخر في جانب الشق من جانب القبلة إن كانت الأرض صلبة يدخل فيه الميت ويسد عليه باللبن . وهو أفضل عندنا من الشق ; لأنه الذي اختاره الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - . وبه قال أبو حنيفة قال : السنة اللحد . وقال الشافعي : الشق . ويكره الآجر في اللحد . وقال الشافعي : لا بأس به لأنه نوع من الحجر . وكرهه أبو حنيفة وأصحابه ; لأن الآجر لإحكام البناء ، والقبر وما فيه للبلى ، فلا يليق به الإحكام . وعلى هذا يسوى بين الحجر والآجر . وقيل : إن الآجر أثر النار فيكره تفاؤلا ; فعلى هذا يفرق بين الحجر والآجر . قالوا : ويستحب اللبن والقصب لما روي أنه وضع على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - حزمة من قصب . وحكي عن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل الحنفي - رحمه الله - أنه جوز اتخاذ التابوت في بلادهم لرخاوة الأرض . وقال : لو اتخذ تابوت من حديد فلا بأس به ، لكن ينبغي أن يفرش فيه التراب وتطين الطبقة العليا مما يلي الميت ، ويجعل اللبن الخفيف على يمين الميت ويساره ليصير بمنزلة اللحد .
قلت : ومن هذا المعنى جعل القطيفة في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ; فإن المدينة سبخة ، قال شقران : أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبر . قال أبو عيسى الترمذي : حديث شقران حديث حسن غريب. ❝ . ❝
❞ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا (16)
قوله تعالى : وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا
قوله تعالى : وإذ اعتزلتموهم وإذ اعتزلتموهم قيل : هو من قول الله لهم . أي وإذ اعتزلتموهم فأووا إلى الكهف . وقيل : هو من قول رئيسهم يملخا ; فيما ذكر ابن عطية . وقال الغزنوي : رئيسهم مكسلمينا ، قال لهم ذلك ; أي إذ اعتزلتموهم واعتزلتم ما يعبدون . ثم استثنى وقال إلا الله أي إنكم لم تتركوا عبادته ; فهو استثناء منقطع . قال ابن عطية : وهذا على تقدير إن الذين فر أهل الكهف منهم لا يعرفون الله ، ولا علم لهم به ; وإنما يعتقدون الأصنام في ألوهيتهم فقط . وإن فرضنا أنهم يعرفون الله كما كانت العرب تفعل لكنهم يشركون أصنامهم معه في العبادة فالاستثناء متصل ; لأن الاعتزال وقع في كل ما يعبد الكفار إلا في جهة الله . وفي مصحف عبد الله بن مسعود " وما يعبدون من دون الله " . قال قتادة هذا تفسيرها .
قلت : ويدل على هذا ما ذكره أبو نعيم الحافظ عن عطاء الخراساني في قوله - تعالى - وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله قال : كان فتية من قوم يعبدون الله ويعبدون معه آلهة فاعتزلت الفتية عبادة تلك الآلهة ولم تعتزل عبادة الله . ابن عطية : فعلى ما قال قتادة تكون إلا بمنزلة " غير " ، وما من قوله وما يعبدون إلا الله في موضع نصب ، عطفا على الضمير في قوله اعتزلتموهم . ومضمن هذه الآية أن بعضهم قال لبعض : إذا فارقنا الكفار وانفردنا بالله - تعالى - فلنجعل الكهف مأوى ونتكل على الله ; فإنه سيبسط لنا رحمته ، وينشرها علينا ، ويهيئ لنا من أمرنا مرفقا . وهذا كله دعاء بحسب الدنيا ، وعلى ثقة كانوا من الله في أمر آخرتهم . وقال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين - رضي الله عنه - : كان أصحاب الكهف صياقلة ، واسم الكهف حيوم .
مرفقا قرئ بكسر الميم وفتحها ، وهو ما يرتفق به وكذلك مرفق الإنسان ومرفقه ; ومنهم من يجعل " المرفق " بفتح الميم الموضع كالمسجد وهما لغتان . ❝
❞ وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا (36)
وما أظن الساعة قائمة أي لا أحسب البعث كائنا .
ولئن رددت إلى ربي أي وإن كان بعث فكما أعطاني هذه النعم في الدنيا فسيعطيني أفضل منه لكرامتي عليه .
لأجدن خيرا منها منقلبا وإنما قال ذلك لما دعاه أخوه إلى الإيمان بالحشر والنشر . وفي مصاحف مكة والمدينة والشام " منهما " . وفي مصاحف أهل البصرة والكوفة منها على التوحيد ، والتثنية أولى ; لأن الضمير أقرب إلى الجنتين . ❝
❞ وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا (43)
قوله تعالى : ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا قوله تعالى : ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله فئة اسم تكن وله الخبر . ينصرونه في موضع الصفة ، أي فئة ناصرة . ويجوز أن يكون ينصرونه الخبر . والوجه الأول عند سيبويه أولى لأنه قد تقدم له . وأبو العباس يخالفه ، ويحتج بقول الله - عز وجل - ولم يكن له كفوا أحد . وقد أجاز سيبويه الآخر . وينصرونه على معنى فئة ; لأن معناها أقوام ، ولو كان على اللفظ لقال ولم تكن له فئة تنصره ; أي فرقة وجماعة يلتجئ إليهم .
وما كان منتصرا أي ممتنعا ; قاله قتادة . وقيل : مستردا بدل ما ذهب منه . وقد تقدم اشتقاق الفئة في " آل عمران " . والهاء عوض من الياء التي نقصت من وسطه ، أصله فيء مثل فيع ; لأنه من فاء ، ويجمع على فئون وفئات ، مثل شيات ولدات ومئات . أي لم تكن له عشيرة يمنعونه من عذاب الله ، وضل عنه من افتخر بهم من الخدم والولد . ❝
❞ نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)
قوله تعالى : نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى قوله تعالى : نحن نقص عليك نبأهم بالحق لما اقتضى قوله - تعالى - لنعلم أي الحزبين أحصى اختلافا وقع في أمد الفتية ، عقب بالخبر عن أنه - عز وجل - يعلم من أمرهم بالحق الذي وقع .
وقوله تعالى : إنهم فتية أي شباب وأحداث حكم لهم بالفتوة حين آمنوا بلا واسطة ; كذلك قال أهل اللسان : رأس الفتوة الإيمان . وقال الجنيد : الفتوة بذل الندى وكف الأذى وترك الشكوى . وقيل : الفتوة اجتناب المحارم واستعجال المكارم . وقيل غير هذا . وهذا القول حسن جدا ; لأنه يعم بالمعنى جميع ما قيل في الفتوة .
قوله تعالى : وزدناهم هدى أي يسرناهم للعمل الصالح ; من الانقطاع إلى الله - تعالى - ، ومباعدة الناس ، والزهد في الدنيا . وهذه زيادة على الإيمان . وقال السدي : زادهم هدى بكلب الراعي حين طردوه ورجموه مخافة أن ينبح عليهم وينبه بهم ; فرفع الكلب يديه إلى السماء كالداعي فأنطقه الله ، فقال : يا قوم لم تطردونني ، لم ترجمونني لم تضربونني فوالله لقد عرفت الله قبل أن تعرفوه بأربعين سنة ; فزادهم الله بذلك هدى . ❝
❞ أُولَٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۚ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)
أولئك لهم جنات عدن سرة الجنة ، أي وسطها وسائر الجنات محدقة بها وذكرت بلفظ الجمع لسعتها ; لأن كل بقعة منها تصلح أن تكون جنة وقيل : العدن الإقامة ، يقال : عدن بالمكان إذا أقام به وعدنت البلد توطنته وعدنت الإبل بمكان كذا لزمته فلم تبرح منه ; ومنه جنات عدن أي جنات إقامة ومنه سمي المعدن ( بكسر الدال ; لأن الناس يقيمون فيه بالصيف والشتاء ومركز كل شيء معدنه والعادن : الناقة المقيمة في المرعى . وعدن بلد ; قاله الجوهري .
تجري من تحتهم الأنهار أي من تحت أشجارهم ومنازلهم ; ومنه قوله فرعون : وهذه الأنهار تجري من تحتي .
يحلون فيها من أساور من ذهب وهو جمع سوار . قال سعيد بن جبير : على كل واحد منهم ثلاثة أسورة : واحد من ذهب ، وواحد من ورق ، وواحد من لؤلؤ .
قلت : هذا منصوص في القرآن ، قال هنا من ذهب وقال في الحج وفاطر من ذهب ولؤلؤا وفي الإنسان من فضة . وقال أبو هريرة : سمعت خليلي - صلى الله عليه وسلم - يقول : تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء خرجه مسلم . وحكى الفراء : " يحلون " بفتح الياء وسكون الحاء وفتح اللام خفيفة ; يقال : حليت المرأة تحلى فهي حالية إذا لبست الحلي . وحلي الشيء بعيني يحلى ; ذكره النحاس . والسوار سوار المرأة ، والجمع أسورة ، وجمع الجمع أساورة . وقرئ " فلولا ألقي عليه أساورة من ذهب " وقد يكون الجمع أساور . وقال الله - تعالى - يحلون فيها من أساور من ذهب قاله الجوهري . وقال ابن عزيز : أساور جمع أسورة ، وأسورة جمع سوار وسوار ، وهو الذي يلبس في الذراع من ذهب ، فإن كان من فضة فهو قلب وجمعه قلبة ; فإن كان من قرن أو عاج فهي مسكة وجمعه مسك . قال النحاس : وحكى قطرب في واحد الأساور إسوار ، وقطرب صاحب شذوذ ، قد تركه يعقوب وغيره فلم يذكره .
قلت : قد جاء في الصحاح وقال أبو عمرو بن العلاء : واحدها إسوار . وقال المفسرون : لما كانت الملوك تلبس في الدنيا الأساور والتيجان جعل الله - تعالى - ذلك لأهل الجنة .
قوله تعالى : ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق السندس : الرقيق النحيف ، واحده سندسة ; قال الكسائي . والإستبرق : ما ثخن منه - عن عكرمة - وهو الحرير . قال الشاعر :
تراهن يلبسن المشاعر مرة وإستبرق الديباج طورا لباسها
فالإستبرق الديباج . ابن بحر : المنسوج بالذهب . القتبي : فارسي معرب . الجوهري : وتصغيره أبيرق . وقيل : هو استفعل من البريق . والصحيح أنه وفاق بين اللغتين ; إذ ليس في القرآن ما ليس من لغة العرب ، على ما تقدم ، والله أعلم .
وخص الأخضر بالذكر لأنه الموافق للبصر ; لأن البياض يبدد النظر ويؤلم ، والسواد يذم ، والخضرة بين البياض والسواد ، وذلك يجمع الشعاع . والله أعلم . روى النسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل فقال : يا رسول الله ، أخبرنا عن ثياب الجنة ، أخلق يخلق أم نسج ينسج ؟ فضحك بعض القوم . فقال لهم : مم تضحكون من جاهل يسأل عالما فجلس يسيرا أو قليلا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أين السائل عن ثياب الجنة ؟ فقال : ها هو ذا يا رسول الله ; قال لا بل تشقق عنها ثمر الجنة قالها ثلاثا . وقال أبو هريرة : دار المؤمن درة مجوفة في وسطها شجرة تنبت الحلل ويأخذ بأصبعه أو قال بأصبعيه سبعين حلة منظمة بالدر والمرجان . ذكره يحيى بن سلام في تفسيره وابن المبارك في رقائقه . وقد ذكرنا إسناده في كتاب التذكرة . وذكر في الحديث أنه يكون على كل واحد منهم الحلة لها وجهان لكل وجه لون ، يتكلمان به بصوت يستحسنه سامعه ، يقول أحد الوجهين للآخر : أنا أكرم على ولي الله منك ، أنا ألي جسده وأنت لا تلي . ويقول الآخر : أنا أكرم على ولي الله منك ، أنا أبصر وجهه وأنت لا تبصر .
قوله تعالى : متكئين فيها على الأرائك الأرائك جمع أريكة ، وهي السرر في الحجال . وقيل الفرش في الحجال ; قاله الزجاج . ابن عباس : هي الأسرة من ذهب ، وهي مكللة بالدر والياقوت عليها الحجال ، الأريكة ما بين صنعاء إلى أيلة وما بين عدن إلى الجابية . وأصل متكئين موتكئين ، وكذلك اتكأ أصله اوتكأ ، وأصل التكأة وكأة ; ومنه التوكؤ للتحامل على الشيء ، فقلبت الواو تاء وأدغمت . ورجل وكأة كثير الاتكاء .
نعم الثواب وحسنت مرتفقا يعني الجنات ، عكس وساءت مرتفقا . وقد تقدم . ولو كان " نعمت " لجاز لأنه اسم للجنة . وعلى هذا وحسنت مرتفقا . ❝
❞ قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا (87)
قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ
أي من أقام على الكفر منكم .فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ
أي بالقتل .ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ
أي يوم القيامة .فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا
أي شديدا في جهنم . ❝
❞ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)
قوله تعالى : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا قال قتادة : الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأعلاها وأفضلها وأرفعها وقال أبو أمامة الباهلي : الفردوس سرة الجنة . وقال كعب : ليس في الجنان جنة أعلى من جنة الفردوس ; فيها الآمرون بالمعروف ، والناهون عن المنكر . وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها قالوا : يا رسول الله أفلا نبشر الناس ؟ قال : إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله - تعالى - فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة - أراه قال - وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة وقال مجاهد : والفردوس البستان بالرومية . الفراء : هو عربي . والفردوس حديقة في الجنة . وفردوس اسم روضة دون اليمامة . والجمع فراديس ، قال أمية بن أبي الصلت الثقفي :
كانت منازلهم إذ ذاك ظاهرة فيها الفراديس والفومان والبصل
والفراديس موضع بالشام . وكرم مفردس أي معرش . ❝
❞ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)
قَالَ
الخضر .أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا
أي إنك يا موسى لا تطيق أن تصبر على ما تراه من علمي ; لأن الظواهر التي هي علمك لا تعطيه , وكيف تصبر على ما تراه خطأ ولم تخبر بوجه الحكمة فيه , ولا طريق الصواب . ❝
❞ وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا (48)
قوله تعالى : وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا قوله تعالى : وعرضوا على ربك صفا صفا نصب على الحال . قال مقاتل : يعرضون صفا بعد صف كالصفوف في الصلاة ، كل أمة وزمرة صفا ; لا أنهم صف واحد . وقيل جميعا ; كقوله ثم ائتوا صفا أي جميعا . وقيل قياما . وخرج الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن منده في كتاب التوحيد عن معاذ بن جبل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله - تبارك وتعالى - ينادي يوم القيامة بصوت رفيع غير فظيع يا عبادي أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون أحضروا حجتكم ويسروا جوابا فإنكم مسئولون محاسبون . يا ملائكتي أقيموا عبادي صفوفا على أطراف أنامل أقدامهم للحساب .
قلت : هذا الحديث غاية في البيان في تفسير الآية ، ولم يذكره كثير من المفسرين ، وقد كتبناه في كتاب التذكرة ، ومنه نقلناه والحمد لله .
لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة أي يقال لهم : لقد جئتمونا حفاة عراة ، لا مال معكم ولا ولدا وقيل فرادى ; دليله قوله ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة . وقد تقدم . وقال الزجاج : أي بعثناكم كما خلقناكم .
بل زعمتم هذا خطاب لمنكري البعث أي زعمتم في الدنيا أن لن تبعثوا وأن لن نجعل لكم موعدا للبعث . وفي صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا قلت : يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض ؟ قال : يا عائشة ، الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض . " غرلا " أي غير مختونين . وقد تقدم في " الأنعام " بيانه . ❝
❞ ۞ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32)
قوله تعالى : واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا
قوله تعالى : واضرب لهم مثلا رجلين هذا مثل لمن يتعزز بالدنيا ويستنكف عن مجالسة المؤمنين ، وهو متصل بقوله واصبر نفسك . واختلف في اسم هذين الرجلين وتعيينهما ; فقال الكلبي : نزلت في أخوين من أهل مكة مخزوميين ، أحدهما مؤمن وهو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، زوج أم سلمة قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - . والآخر كافر وهو الأسود بن عبد الأسد ، وهما الأخوان المذكوران في سورة " الصافات " في قوله قال قائل منهم إني كان لي قرين ، ورث كل واحد منهما أربعة آلاف دينار ، فأنفق أحدهما ماله في سبيل الله وطلب من أخيه شيئا فقال ما قال . . . ; ذكره الثعلبي والقشيري . وقيل : نزلت في النبي - صلى الله عليه وسلم - وأهل مكة . وقيل : هو مثل لجميع من آمن بالله وجميع من كفر . وقيل : هو مثل لعيينة بن حصن وأصحابه مع سلمان وصهيب وأصحابه ; شبههم الله برجلين من بني إسرائيل أخوين أحدهما مؤمن واسمه يهوذا ; في قول ابن عباس . وقال مقاتل : اسمه تمليخا . والآخر كافر واسمه قرطوش . وهما اللذان وصفهما الله - تعالى - في سورة الصافات . وكذا ذكر محمد بن الحسن المقرئ قال : اسم الخير منهما تمليخا ، والآخر قرطوش ، وأنهما كانا شريكين ثم اقتسما المال فصار لكل واحد منهما ثلاثة آلاف دينار ، فاشترى المؤمن منهما عبيدا بألف وأعتقهم ، وبالألف الثانية ثيابا فكسا العراة ، وبالألف الثالثة طعاما فأطعم الجوع ، وبنى أيضا مساجد ، وفعل خيرا . وأما الآخر فنكح بماله نساء ذوات يسار ، واشترى دواب وبقرا فاستنتجها فنمت له نماء مفرطا ، واتجر بباقيها فربح حتى فاق أهل زمانه غنى ; وأدركت الأول الحاجة ، فأراد أن يستخدم نفسه في جنة يخدمها فقال : لو ذهبت لشريكي وصاحبي فسألته أن يستخدمني في بعض جناته رجوت أن يكون ذلك أصلح بي ، فجاءه فلم يكد يصل إليه من غلظ الحجاب ، فلما دخل عليه وعرفه وسأله حاجته قال له : ألم أكن قاسمتك المال نصفين فما صنعت بمالك ؟ . قال : اشتريت به من الله - تعالى - ما هو خير منه وأبقى . فقال : أئنك لمن المصدقين ، ما أظن الساعة قائمة وما أراك إلا سفيها ، وما جزاؤك عندي على سفاهتك إلا الحرمان ، أوما ترى ما صنعت أنا بمالي حتى آل إلى ما تراه من الثروة وحسن الحال ، وذلك أني كسبت وسفهت أنت ، اخرج عني . ثم كان من قصة هذا الغني ما ذكره الله - تعالى - في القرآن من الإحاطة بثمره وذهابها أصلا بما أرسل عليها من السماء من الحسبان . وقد ذكر الثعلبي هذه القصة بلفظ آخر ، والمعنى متقارب . قال عطاء : كانا شريكين لهما ثمانية آلاف دينار . وقيل : ورثاه من أبيهما وكانا أخوين فاقتسماها ، فاشترى أحدهما أرضا بألف دينار ، فقال صاحبه : اللهم إن فلانا قد اشترى أرضا بألف دينار وإني اشتريت منك أرضا في الجنة بألف دينار فتصدق بها ، ثم إن صاحبه بنى دارا بألف دينار فقال : اللهم إن فلانا بنى دارا بألف دينار وإني أشتري منك دارا في الجنة بألف دينار ، فتصدق بها ، ثم تزوج امرأة فأنفق عليها ألف دينار ، فقال : اللهم إن فلانا تزوج امرأة بألف دينار وإني أخطب إليك من نساء الجنة بألف دينار ، فتصدق بألف دينار . ثم اشترى خدما ومتاعا بألف دينار ، وإني أشتري منك خدما ومتاعا من الجنة بألف دينار ، فتصدق بألف دينار . ثم أصابته حاجة شديدة فقال : لعل صاحبي ينالني معروفه فأتاه فقال : ما فعل مالك ؟ فأخبره قصته فقال : وإنك لمن المصدقين بهذا الحديث والله لا أعطيك شيئا ثم قال له : أنت تعبد إله السماء ، وأنا لا أعبد إلا صنما ; فقال صاحبه : والله لأعظنه ، فوعظه وذكره وخوفه . فقال : سر بنا نصطد السمك ، فمن صاد أكثر فهو على حق ; فقال له : يا أخي إن الدنيا أحقر عند الله من أن يجعلها ثوابا لمحسن أو عقابا لكافر . قال : فأكرهه على الخروج معه ، فابتلاهما الله ، فجعل الكافر يرمي شبكته ويسمي باسم صنمه ، فتطلع متدفقة سمكا . وجعل المؤمن يرمي شبكته ويسمي باسم الله فلا يطلع له فيها شيء ; فقال له : كيف ترى أنا أكثر منك في الدنيا نصيبا ومنزلة ونفرا ، كذلك أكون أفضل منك في الآخرة إن كان ما تقول بزعمك حقا . قال : فضج الملك الموكل بهما ، فأمر الله - تعالى - جبريل أن يأخذه فيذهب به إلى الجنان فيريه منازل المؤمن فيها ، فلما رأى ما أعد الله له قال : وعزتك لا يضره ما ناله من الدنيا بعد ما يكون مصيره إلى هذا ; وأراه منازل الكافر في جهنم فقال : وعزتك لا ينفعه ما أصابه من الدنيا بعد أن يكون مصيره إلى هذا . ثم إن الله - تعالى - توفى المؤمن وأهلك الكافر بعذاب من عنده ، فلما استقر المؤمن في الجنة ورأى ما أعد الله له أقبل هو وأصحابه يتساءلون ، فقال : إني كان لي قرين يقول أإنك لمن المصدقين الآية ; فنادى مناد : يا أهل الجنة هل أنتم مطلعون فاطلع إلى جهنم فرآه في سواء الجحيم ; فنزلت واضرب لهم مثلا .
بين الله - تعالى - حال الأخوين في الدنيا في هذه السورة ، وبين حالهما في الآخرة في سورة " الصافات في قوله إني كان لي قرين يقول أئنك لمن المصدقين - إلى قوله - لمثل هذا فليعمل العاملون . قال ابن عطية : وذكر إبراهيم بن القاسم الكاتب في كتابه في عجائب البلاد أن بحيرة تنيس كانت هاتين الجنتين ، وكانتا لأخوين فباع أحدهما نصيبه من الآخر فأنفق في طاعة الله حتى عيره الآخر ، وجرت بينهما المحاورة فغرقها الله - تعالى - في ليلة ، وإياها عنى بهذه الآية . وقد قيل : إن هذا مثل ضربه الله - تعالى - لهذه الأمة ، وليس بخبر عن حال متقدمة ، لتزهد في الدنيا وترغب في الآخرة ، وجعله زجرا وإنذارا ; ذكره الماوردي . وسياق الآية يدل على خلاف هذا ، والله أعلم .
قوله تعالى : وحففناهما بنخل أي أطفناهما من جوانبهما بنخل . والحفاف الجانب ، وجمعه أحفة ; ويقال : حف القوم بفلان يحفون حفا ، أي طافوا به ; ومنه حافين من حول العرش .
وجعلنا بينهما زرعا أي جعلنا حول الأعناب النخل ، ووسط الأعناب الزرع . ❝
❞ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42)
قوله تعالى : وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول ياليتني لم أشرك بربي أحدا ولم تكن اسم ما لم يسم فاعله مضمر ، وهو المصدر . ويجوز أن يكون المخفوض في موضع رفع . ومعنى أحيط بثمره أي أهلك ماله كله . وهذا أول ما حقق الله - تعالى - به إنذار أخيه .
فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها أي فأصبح الكافر يضرب إحدى يديه على الأخرى ندما ; لأن هذا يصدر من النادم . وقيل : يقلب ملكه فلا يرى فيه عوض ما أنفق ; وهذا لأن الملك قد يعبر عنه باليد ، من قولهم : في يده مال ، أي في ملكه مال . ودل قوله فأصبح على أن هذا الإهلاك جرى بالليل ; كقوله فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم ويقال : أنفقت في هذه الدار كذا وأنفقت عليها .
وهي خاوية على عروشها أي خالية قد سقط بعضها على بعض ; مأخوذ من خوت النجوم تخوى خيا أمحلت ، وذلك إذا سقطت ولم تمطر في نوئها . وأخوت مثله . وخوت الدار خواء أقوت ، وكذلك إذا سقطت ; ومنه قوله - تعالى - : فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ويقال ساقطة ; كما يقال فهي خاوية على عروشها أي ساقطة على سقوفها ; فجمع عليه بين هلاك الثمر والأصل ، وهذا من أعظم الجوائح ، مقابلة على بغيه .
ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أي يا ليتني عرفت نعم الله علي ، وعرفت أنها كانت بقدرة الله ولم أكفر به . وهذا ندم منه حين لا ينفعه الندم . ❝
❞ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86)
حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة قرأ ابن عاصم وعامر وحمزة والكسائي " حامية " أي حارة . الباقون حمئة أي كثيرة الحمأة وهي الطينة السوداء ، تقول : حمأت البئر حمأ ( بالتسكين ) إذا نزعت حمأتها . وحمئت البئر حمأ ( بالتحريك ) كثرت حمأتها . ويجوز أن تكون " حامية " من الحمأة فخففت الهمزة وقلبت ياء . وقد يجمع بين القراءتين فيقال : كانت حارة وذات حمأة . وقال عبد الله بن عمرو : نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الشمس حين غربت ; فقال : نار الله الحامية لولا ما يزعها من أمر الله لأحرقت ما على الأرض . وقال ابن عباس : ( أقرأنيها أبي كما أقرأه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عين حمئة ; وقال معاوية : هي " حامية " فقال عبد الله بن عمرو بن العاص : فأنا مع أمير المؤمنين ; فجعلوا كعبا بينهم حكما وقالوا : يا كعب كيف تجد هذا في التوراة ؟ فقال : أجدها تغرب في عين سوداء ، فوافق ابن عباس ) وقال الشاعر وهو تبع اليماني :
قد كان ذو القرنين قبلي مسلما ملكا تدين له الملوك وتسجد
بلغ المغارب والمشارق يبتغي أسباب أمر من حكيم مرشد
فرأى مغيب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد
الخلب : الطين : والثأط : الحمأة . والحرمد : الأسود . وقال القفال قال بعض العلماء : ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغربا ومشرقا وصل إلى جرمها ومسها ; لأنها تدور مع السماء حول الأرض من غير أن تلتصق بالأرض ، وهي أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض ، بل هي أكبر من الأرض أضعافا مضاعفة ، بل المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهة المغرب ومن جهة المشرق ، فوجدها في رأي العين تغرب في عين حمئة ، كما أنا نشاهدها في الأرض الملساء كأنها تدخل في الأرض ; ولهذا قال : وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ولم يرد أنها تطلع عليهم بأن تماسهم وتلاصقهم ، بل أراد أنهم أول من تطلع عليهم . وقال القتبي : ويجوز أن تكون هذه العين من البحر ، ويجوز أن تكون الشمس تغيب وراءها أو معها أو عندها ، فيقام حرف الصفة مقام صاحبه والله أعلم .
ووجد عندها قوما أي عند العين ، أو عند نهاية العين ، وهم أهل جابرس ، ويقال لها بالسريانية : جرجيسا ; يسكنها قوم من نسل ثمود بقيتهم الذين آمنوا بصالح ; ذكره السهيلي . وقال وهب بن منبه : ( كان ذو القرنين رجلا من الروم ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره وكان اسمه الإسكندر ، فلما بلغ وكان عبدا صالحا قال الله - تعالى - : يا ذا القرنين إني باعثك إلى أمم الأرض وهم أمم مختلفة ألسنتهم ، وهم أمم جميع الأرض ، وهم أصناف : أمتان بينهما طول الأرض كله ، وأمتان بينهما عرض الأرض كله ، وأمم في وسط الأرض منهم الجن والإنس ويأجوج ومأجوج ; فأما اللتان بينهما طول الأرض فأمة عند مغرب الشمس يقال لها ناسك ، وأما الأخرى فعند مطلعها ويقال لها منسك . وأما اللتان بينهما عرض الأرض فأمة في قطر الأرض الأيمن يقال لها هاويل ; وأما الأخرى التي في قطر الأرض الأيسر يقال لها تاويل . فقال ذو القرنين : إلهي قد ندبتني لأمر عظيم لا يقدر قدره إلا أنت ; فأخبرني عن هذه الأمم بأي قوة أكاثرهم ؟ وبأي صبر أقاسيهم ؟ وبأي لسان أناطقهم ؟ فكيف لي بأن أفقه لغتهم وليس عندي قوة ؟ فقال الله - تعالى - : سأظفرك بما حملتك ; أشرح لك صدرك فتسمع كل شيء ، وأثبت لك فهمك فتفقه كل شيء ، وألبسك الهيبة فلا يروعك شيء ، وأسخر لك النور والظلمة فيكونان جندا من جنودك ، يهديك النور من أمامك ، وتحفظك الظلمة من ورائك ; فلما قيل له ذلك سار بمن اتبعه ، فانطلق إلى الأمة التي عند مغرب الشمس ; لأنها كانت أقرب الأمم منه وهي ناسك ، فوجد جموعا لا يحصيها إلا الله - تعالى - وقوة وبأسا لا يطيقه إلا الله . وألسنة مختلفة ، وأهواء متشتتة فكاثرهم بالظلمة ; فضرب حولهم ثلاث عساكر من جند الظلمة قدر ما أحاط بهم من كل مكان ، حتى جمعتهم في مكان واحد ، ثم دخل عليهم بالنور فدعاهم إلى الله - تعالى - وإلى عبادته ، فمنهم من آمن به ومنهم من كفر وصد عنه ، فأدخل على الذين تولوا الظلمة فغشيتهم من كل مكان ، فدخلت إلى أفواههم وأنوفهم وأعينهم وبيوتهم وغشيتهم من كل مكان ، فتحيروا وماجوا وأشفقوا أن يهلكوا ، فعجوا إلى الله - تعالى - بصوت واحد : إنا آمنا ; فكشفها عنهم ، وأخذهم عنوة ، ودخلوا في دعوته ، فجند من أهل المغرب أمما عظيمة فجعلهم جندا واحدا ، ثم انطلق بهم يقودهم ، والظلمة تسوقهم وتحرسه من خلفه ، والنور أمامهم يقوده ويدله ، وهو يسير في ناحية الأرض اليمنى يريد الأمة التي في قطر الأرض الأيمن وهي هاويل ، وسخر الله - تعالى - يده وقلبه وعقله ونظره فلا يخطئ إذا عمل عملا ، فإذا أتوا مخاضة أو بحرا بنى سفنا من ألواح صغار مثل النعال فنظمها في ساعة ، ثم جعل فيها جميع من معه من تلك الأمم ، فإذا قطع البحار والأنهار فتقها ودفع إلى كل رجل لوحا فلا يكترث بحمله ، فانتهى إلى هاويل وفعل بهم كفعله بناسك فآمنوا ، ففرغ منهم ، وأخذ جيوشهم وانطلق إلى ناحية الأرض الأخرى حتى انتهى إلى منسك عند مطلع الشمس ، فعمل فيها وجند منها جنودا كفعله في الأولى ، ثم كر مقبلا حتى أخذ ناحية الأرض اليسرى يريد تاويل ، وهي الأمة التي تقابل هاويل بينهما عرض الأرض ، ففعل فيها كفعله فيما قبلها ، ثم عطف إلى الأمم التي في وسط الأرض من الجن الإنس ويأجوج ومأجوج ، فلما كان في بعض الطريق مما يلي منقطع الترك من المشرق قالت له أمة صالحة من الإنس : يا ذا القرنين إن بين هذين الجبلين خلقا من خلق الله - تعالى - كثيرا ليس لهم عدد ، وليس فيهم مشابهة من الإنس ، وهم أشباه البهائم ; يأكلون العشب ، ويفترسون الدواب والوحش كما تفترسها السباع ، ويأكلون حشرات الأرض كلها من الحيات والعقارب والوزغ وكل ذي روح مما خلق الله - تعالى - في الأرض ، وليس لله - تعالى - خلق ينمو نماءهم في العام الواحد ، فإن طالت المدة فسيملئون الأرض ، ويجلون أهلها فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ؟ . . . ) وذكر الحديث ; وسيأتي من صفة يأجوج ومأجوج والترك إذ هم نوع منهم ما فيه كفاية .
قوله تعالى : قلنا ياذا القرنين قال القشيري أبو نصر : إن كان نبيا فهو وحي ، وإن لم يكن نبيا فهو إلهام من الله - تعالى - .
إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا قال إبراهيم بن السري : خيره بين هذين كما خير محمدا - صلى الله عليه وسلم - فقال : فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ونحوه . وقال أبو إسحاق الزجاج : المعنى أن الله - تعالى - خيره بين هذين الحكمين ; قال النحاس : ورد علي بن سليمان عليه قوله ; لأنه لم يصح أن ذا القرنين نبي فيخاطب بهذا ، فكيف يقول لربه - عز وجل - : ثم يرد إلى ربه ؟ وكيف يقول : فسوف نعذبه فيخاطب بالنون ؟ قال : التقدير ; قلنا يا محمد قالوا يا ذا القرنين . قال أبو جعفر النحاس : هذا الذي قاله أبو الحسن لا يلزم منه شيء . أما قوله : قلنا ياذا القرنين فيجوز أن يكون الله - عز وجل - خاطبه على لسان نبي في وقته ، ويجوز أن يكون قال له هذا كما قال لنبيه : فإما منا بعد وإما فداء ، وأما إشكال فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فإن تقديره أن الله - تعالى - لما خيره بين القتل في قوله - تعالى - : إما أن تعذب وبين الاستبقاء في قوله جل وعز : وإما أن تتخذ فيهم حسنا قال لأولئك القوم : أما من ظلم أي من أقام على الكفر منكم .
فسوف نعذبه أي بالقتل .
ثم يرد إلى ربه أي يوم القيامة .
فيعذبه عذابا نكرا أي شديدا في جهنم .
وأما من آمن وعمل صالحا أي تاب من الكفر .
. قال أحمد بن يحيى : أن في موضع نصب في إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا قال : ولو رفعت كان صوابا بمعنى فإما هو ، كما قال :
فسيرا فإما حاجة تقضيانها وإما مقيل صالح وصديق . ❝