█ يقول إدريس: «هناك ألف طريقة للفّ الحكايات والمرور عليها خصوصًا إذا كانت تَمُتُّ إلى عالم الممنوعات مرور الكرام ولكن ما كان يذهلني ويعجبني حواديت جدتي تلك أنها مرحلة تخطت فيها حدود العيب وما يصح لا من أخلاق وعادات الطبقة الريفية الوسطى قد وصلت سن النضج بل جاوزته بعد تتحدث معي عن كل شيء بصراحة لم أعهدها حديث الكبار أولئك الذين يعاملونني كـ(عيل) أن يعرف الحقيقة بعض الأشياء الممنوع الصغار يعرفوها فالأب المباشر أو الأم المباشرة يخشيان ابنتهما ابنهما أي الجنس مثلًا جنسه الآخر فتلك طلاسم بد تبقى يعرفها الإنسان بنفسه حين يكبر وعليه يسعى هو لمعرفتها زملائه وأصدقائه بأي أخرى بعيدًا المعرفة فم الأب والنتيجة أننا نتعلم ولماذا عيب الصواب مصادر جاهلة مشتتة زملاء وأصدقاء يدركوا هذه هم الآخرون آبائهم وأمهاتهم وإنما بالسماع التهويش التهويل الادّعاء أدركوها» كتاب أنا يوسف إدريس مجاناً PDF اونلاين 2024 يدين بمعظم تربيته الروحية جدة أمه «ملكة» فقد اضطرته ظروف عمل والده الذي دائمًا يقطن أماكن إصلاح الأراضي يسكن مع عائلة المستقرة قرية بجوار مدينة فاقوس وانضم لهذه الأسرة الكبيرة منذ الخامسة مبكرًا جدًّا وكانت أم جدته والتسعين عمرها وبقية الأفراد تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والستين لذا يكن طفلًا مدللًا يستيقظ يوم صباحًا لأن المسافة المدرسة أربعة كيلومترات! شعر أول الأمر بوحدة رهيبة حد تعبيره فالكل يعمل ولا وقت عند أحد ليضيعه طفل مثله ليس بالتأكيد طفله وهكذا بدأت وبين علاقة ربما تكون أهم علاقات حياته فالإنسان طالت وتعدّى التسعين يعود ليحيا طفولته الثانية مثل التي وجدها الأقرب طبيعته «الطفلة»!
❞ وبالتفصيل راحت ملكة تقص على يوسف إدريس كل الدقائق الصغيرة الخاصة بالملابس التي جهّزتها، وكل كبيرة وصغيرة في (جهازها)، حتى وصلا إلى ليلة الحنة، وهي الليلة التي عادةً يكتب فيها الكتاب، وتسبق يوم الدخلة بيوم.
كل هذا وإدريس يتأمل نظراتها المستفيقة السكرى بعبق التي تتذكر الماضي كأنه الآن، وأحلى من الآن، فهو ماضي البنت الصغيرة الحلوة حين تحلم بشاب غريب تريد أن تمنح له نفسها في أقرب لحظة، نظرات تختلط فيها نشوة ما كان، باكتئابه أنه فعلًا كان ومضى، وأنه أبدًا لن يعود!
إلى أن وصلا إلى ليلة الدخلة، فقالت له ملكة: «وفي الصباحية...».
أمسك إدريس بيدها النحيلة كأنه -على حد تعبيره- يقبض بكل قوته على «فرامل» البسكليتة!
وقال لها: «لا... الأهم من الصباحية أن تحكي لي عن ليلة (الدخلة) وما حدث فيها... فأرجوكِ يا جلالة الملكة أن تقصِّي علي كل شيء بالتفصيل» . ❝
❞ هكذا استولت ملكة على عقل يوسف إدريس تمامًا خصوصًا وهي تُحدِّثه عن عشاء العروسين الذي يخصص لهما بعد «الزَّفة» حين ينفردان وحدهما في غرفة جديدة الفراش مغلقة... وكان يزيح جانبًا أحاديثها المفصلة عن الفستان والطرحة والخجل، وعدم قدرتها على ابتلاع لقمة من المائدة الفاخرة الحافلة التي أمامها، فيسألها في الصميم: «طبعًا كنتِ تعرفين ما سوف يحدث بعد الطعام؟!» . ❝
❞ فتقول ملكة: «يا بني ماعدتش فاكرة، سعيدة أم تعيسة، أخيرًا أنا مع نقاوة عيني في ليلة الانفراد التي لطالما حلمت بها، الغناء والبهرجة والتصفيق والرقص الذي كان حافلًا خارج الغرفة المغلقة بدأ يسكت، وأخيرًا نقرت (أمي) على الباب ودخلت، واصفرّ وجهي حتى أصبح كالليمونة، فقد كانت تسأل عريسي إن كان في حاجة إلى مساعدة (الماشطة) فاستنكر، وحمدت له استنكاره، فلم أكن أريد حضور أحد ولا حتى العريس، رجاء استعجال أمي ليزيد رعبي، وطرحت على الفراش حِرامًا أبيض، وتركتنا وهي تُنذر العريس أن ينتهي حالًا لتطلع على الناس بالحِرام الأبيض مُدمَّمًا مُظهرًا أن العروس بكر» . ❝