-ماذا فعلت بنفسك ؟ - أردت أن أقتل نفسي لأستريح. - ومن... 💬 أقوال مصطفى محمود 📖 كتاب نقطة الغليان
- 📖 من ❞ كتاب نقطة الغليان ❝ مصطفى محمود 📖
█ ماذا فعلت بنفسك ؟ أردت أن أقتل نفسي لأستريح ومن أين لك العلم بأنك سوف تستريح أعلمت بما ينتظرك بعد الموت؟ إنه أي حال أفضل من حالي الدنيا هذا ظنك ولا يقتل الناس أنفسهم بالظن وماذا كنت أستطيع أفعل بقي لى تصبر وتنتظر أمرنا صبرت يوما آخر إلى غد سيكون غدا مشئوما مثل سالفه كيف علمت أنت الذي خلقت الأيام خلقت نفسك؟ لا فكيف تحكم ما لا تعلم وكيف تتصرف فيما تملك عمري وقد ضقت به أتعلم نخفي غدا؟ إذن فهو ليس عمرك أريد أعيش خلوا بيني وبين الموت دعوني ارحمونی لو تركناك فما رحمناك إنما نحول بينك رغبتك رحمة وفضلا ولو تخلينا عنك لهلكت يا مرحبا بالهلاك إلا الهلاك أهلا لن يكون رقدة مطمئنة تحت التراب كما تتصور أخرج مما أنا فيه وكفی النار وهل هناك نار غير هذه؟ اتصورت أنه وجود يقع حسك جنة ونار أظننت ونار نعيمكم وعذابكم أظننتنا فقراء لا يتسع ملكنا لهذا العالم أتصورت عندنا هذه الشقة المعادي وليس عند رب العالمين الكرة الأرضية المعلقة كذرة غبار الفضاء بئس خيل لك بصرك الضرير عن كتاب نقطة الغليان مجاناً PDF اونلاين 2025 هو تأليف الدكتور مصطفى محمود وهو عبارة مجموعة قصصية يدور محورها الرئيس حول الهداية والإيمان بالله العلي القدير وبأقداره وبما قسمه للإنسان صورت القصص يشعر الإنسان المعاصر ضياع وعدمية وفقدان لمعنى الحياة وجوهرها وقدمت سعيدا بغير هداية الله له الطريق الصحيح؛ فلا سعادة بمال أو حب سلطة دون التوجه تعالى والتقرب منه وإليه
- ومن أين لك العلم بأنك سوف تستريح، أعلمت بما ينتظرك
بعد الموت؟
- إنه على أي حال أفضل من حالي في الدنيا.
- هذا ظنك. ولا يقتل الناس أنفسهم بالظن.
- وماذا كنت أستطيع أن أفعل. وماذا بقي لى ؟
- أن تصبر وتنتظر أمرنا
- صبرت
- تصبر يوما آخر إلى غد.
- سيكون غدا مشئوما مثل سالفه.
كيف علمت. هل أنت الذي خلقت الأيام. هل أنت الذي خلقت
- نفسك؟
- لا
- فكيف تحكم على ما لا تعلم وكيف تتصرف فيما لا تملك
- هذا عمري وقد ضقت به.
- أتعلم ماذا نخفي لك غدا؟
- لا.
- إذن فهو ليس عمرك.
- لا أريد أن أعيش. خلوا بيني وبين الموت. دعوني. ارحمونی
- لو تركناك فما رحمناك. إنما نحول بينك وبين رغبتك رحمة
وفضلا ولو تخلينا عنك لهلكت.
- يا مرحبا بالهلاك. ما أريد إلا الهلاك. يا أهلا بالهلاك.
- لن يكون الهلاك رقدة مطمئنة تحت التراب كما تتصور.
- أريد أن أخرج مما أنا فيه وكفی.
- ولو إلى النار
- وهل هناك نار غير هذه؟
اتصورت أنه لا وجود، إلا ما يقع تحت حسك من جنة ونار أظننت أنه لا جنة ونار إلا نعيمكم وعذابكم. أظننتنا فقراء لا يتسع ملكنا إلا لهذا العالم. أتصورت أنه ليس عندنا لك إلا هذه الشقة في المعادي وليس عند رب العالمين غير هذه الكرة الأرضية المعلقة كذرة غبار في الفضاء. بئس ما خيل لك بصرك الضرير عن فقرنا.
- ضقت ذرعا مما أنا فيه. انسدت أمامي المسالك. انطبقت
السماء على الأرض. اختنقت. . أريد الخروج. أريد الخروج.
- ألا تصبر لحظات أخرى. أترفض عطيتنا في الغد قبل أن
تراها؟
- رأيت منها ما يكفيني.
- هذا رفض لنا ويأس منا واتهام لحكمتنا وسوء ظن بتدبيرنا
وانتقاص لملكنا. بئس ما قررت لنفسك. اذهب. رفضناك كما رفضتنا وحرمناك ما حرمت نفسك. خلوا بينه وبين الموت. وفي تلك الليلة شنق الرجل نفسه بملاءة الفراش. ومات في هذه المحاولة الرابعة. وفشلت كل الإسعافات في إنقاذه. وجاء الغد. فطلعت صفحات الجرائد الأولى بخبر مثير عن اكتشاف علاج جديد حاسم للمرض الذي كان يشكو منه. ولكنه كان قد ذهب لم ينتظر العطية ظلم المعطى والعطية وظلم نفسه وظلم الغد ااذى لم يره واتهم الرحيم فى رحمته وأنكر على المدبر تدبيره. وخرج إلى حيث لا رحمة . ولا . عودة. ❝
❞ -ماذا فعلت بنفسك ؟ - أردت أن أقتل نفسي لأستريح. - ومن أين لك العلم بأنك سوف تستريح، أعلمت بما ينتظرك بعد الموت؟ -إنه على أي حال أفضل من حالي في الدنيا. -هذا ظنك.. ولا يقتل الناس أنفسهم بالظن. - وماذا كنت أستطيع أن أفعل.. وماذا بقي لى ؟ - أن تصبر وتنتظر أمرنا - صبرت - تصبر يوما آخر إلى غد. - سيكون غدا مشئوما مثل سالفه. كيف علمت.. هل أنت الذي خلقت الأيام.. هل أنت الذي خلقت -نفسك؟ -لا - فكيف تحكم على ما لا تعلم وكيف تتصرف فيما لا تملك -هذا عمري وقد ضقت به. - أتعلم ماذا نخفي لك غدا؟ - لا. - إذن فهو ليس عمرك. - لا أريد أن أعيش.. خلوا بيني وبين الموت.. دعوني.. ارحمونی - لو تركناك فما رحمناك.. إنما نحول بينك وبين رغبتك رحمة وفضلا ولو تخلينا عنك لهلكت. - يا مرحبا بالهلاك.. ما أريد إلا الهلاك.. يا أهلا بالهلاك. - لن يكون الهلاك رقدة مطمئنة تحت التراب كما تتصور. - أريد أن أخرج مما أنا فيه وكفی. -ولو إلى النار -وهل هناك نار غير هذه؟ اتصورت أنه لا وجود، إلا ما يقع تحت حسك من جنة ونار أظننت أنه لا جنة ونار إلا نعيمكم وعذابكم.. أظننتنا فقراء لا يتسع ملكنا إلا لهذا العالم.. أتصورت أنه ليس عندنا لك إلا هذه الشقة في المعادي وليس عند رب العالمين غير هذه الكرة الأرضية المعلقة كذرة غبار في الفضاء.. بئس ما خيل لك بصرك الضرير عن فقرنا. - ضقت ذرعا مما أنا فيه.. انسدت أمامي المسالك.. انطبقت السماء على الأرض.. اختنقت.. . أريد الخروج.. أريد الخروج. - ألا تصبر لحظات أخرى.. أترفض عطيتنا في الغد قبل أن تراها؟ - رأيت منها ما يكفيني. - هذا رفض لنا ويأس منا واتهام لحكمتنا وسوء ظن بتدبيرنا وانتقاص لملكنا.. بئس ما قررت لنفسك.. اذهب.. رفضناك كما رفضتنا وحرمناك ما حرمت نفسك.. خلوا بينه وبين الموت.. وفي تلك الليلة شنق الرجل نفسه بملاءة الفراش.. ومات في هذه المحاولة الرابعة.. وفشلت كل الإسعافات في إنقاذه. وجاء الغد.. فطلعت صفحات الجرائد الأولى بخبر مثير عن اكتشاف علاج جديد حاسم للمرض الذي كان يشكو منه. ولكنه كان قد ذهب لم ينتظر العطية ظلم المعطى والعطية وظلم نفسه وظلم الغد ااذى لم يره واتهم الرحيم فى رحمته وأنكر على المدبر تدبيره. وخرج إلى حيث لا رحمة .. ولا .. عودة. . ❝ ⏤مصطفى محمود
❞
- ماذا فعلت بنفسك ؟
- أردت أن أقتل نفسي لأستريح.
- ومن أين لك العلم بأنك سوف تستريح، أعلمت بما ينتظرك
بعد الموت؟
- إنه على أي حال أفضل من حالي في الدنيا.
- هذا ظنك. ولا يقتل الناس أنفسهم بالظن.
- وماذا كنت أستطيع أن أفعل. وماذا بقي لى ؟
- أن تصبر وتنتظر أمرنا
- صبرت
- تصبر يوما آخر إلى غد.
- سيكون غدا مشئوما مثل سالفه.
كيف علمت. هل أنت الذي خلقت الأيام. هل أنت الذي خلقت
- نفسك؟
- لا
- فكيف تحكم على ما لا تعلم وكيف تتصرف فيما لا تملك
- هذا عمري وقد ضقت به.
- أتعلم ماذا نخفي لك غدا؟
- لا.
- إذن فهو ليس عمرك.
- لا أريد أن أعيش. خلوا بيني وبين الموت. دعوني. ارحمونی
- لو تركناك فما رحمناك. إنما نحول بينك وبين رغبتك رحمة
وفضلا ولو تخلينا عنك لهلكت.
- يا مرحبا بالهلاك. ما أريد إلا الهلاك. يا أهلا بالهلاك.
- لن يكون الهلاك رقدة مطمئنة تحت التراب كما تتصور.
- أريد أن أخرج مما أنا فيه وكفی.
- ولو إلى النار
- وهل هناك نار غير هذه؟
اتصورت أنه لا وجود، إلا ما يقع تحت حسك من جنة ونار أظننت أنه لا جنة ونار إلا نعيمكم وعذابكم. أظننتنا فقراء لا يتسع ملكنا إلا لهذا العالم. أتصورت أنه ليس عندنا لك إلا هذه الشقة في المعادي وليس عند رب العالمين غير هذه الكرة الأرضية المعلقة كذرة غبار في الفضاء. بئس ما خيل لك بصرك الضرير عن فقرنا.
- ضقت ذرعا مما أنا فيه. انسدت أمامي المسالك. انطبقت
السماء على الأرض. اختنقت. . أريد الخروج. أريد الخروج.
- ألا تصبر لحظات أخرى. أترفض عطيتنا في الغد قبل أن
تراها؟
- رأيت منها ما يكفيني.
- هذا رفض لنا ويأس منا واتهام لحكمتنا وسوء ظن بتدبيرنا
وانتقاص لملكنا. بئس ما قررت لنفسك. اذهب. رفضناك كما رفضتنا وحرمناك ما حرمت نفسك. خلوا بينه وبين الموت. وفي تلك الليلة شنق الرجل نفسه بملاءة الفراش. ومات في هذه المحاولة الرابعة. وفشلت كل الإسعافات في إنقاذه. وجاء الغد. فطلعت صفحات الجرائد الأولى بخبر مثير عن اكتشاف علاج جديد حاسم للمرض الذي كان يشكو منه. ولكنه كان قد ذهب لم ينتظر العطية ظلم المعطى والعطية وظلم نفسه وظلم الغد ااذى لم يره واتهم الرحيم فى رحمته وأنكر على المدبر تدبيره. وخرج إلى حيث لا رحمة . ولا . عودة. ❝
❞ الخـــروج . . . كان يزدرد الطعام كأنه يزدرد كُرات من العجين يُلقي بها في جوفه دون تَلذُذ .. و كان الهواء راكداً ثقيلاً .. و كل شيء راكد ثقيل .. و صفحة النهار تبدو كليلٍ بلا نجوم .. و لم يكن يدري كم من الوقت قد مضى عليه و هو جالس في كُرسيه في مقهى الروف بأعلى البرج .. ربما بِضع ساعات و هو يجلس نفس الجلسة لم يُحرك إصبعاً .. و ربما بنفس النظرة الذاهلة المحملقة في الهواء دون أن يختلج له جفن ، و كأنما تسمرت نفسه و بات عقله مصلوباً على فكرة واحدة لا يبرحها .. أن يتخلص من حياته . مريض بلا شفاء .. يتنقل من طبيب إلى طبيب .. و من دواء إلى دواء .. و من مُخدِر إلى مخدر .. و من أمل إلى أمل .. ثم تذوي الآمال ثم يكتشف أنه لم يبق له إلا الصبر . و في البيت وحده .. و فِراش بارد .. و مائدة عليها عشرات العقاقير، و خِطابات لا يجف حبرها .. تجري سطورها اللاهِثة بنداء واحد لا يهدأ : سوزان . . سوزان . . عودي .. أحبك .. لا أستطيع أن أحيا بدونك .. و لا أن أموت بدونك . حياتي ليل بدون ضوء عينيك . و دائماً تُرسَل الخطابات و تسافر عبر البحر .. و لا يأتي لها رد ، و لا يُسمَع لها صَدى . الزوجة الأوروبية عادت إلى بلادها بقلب ينزف ، و تركت وراءها قلباً آخر ينزف . و في ذلك الصمت الشبيه بالصراخ يعيش .. و في تلك الغرفة المُترَفة الوثيرة ذات الديكورات الغالية يتقلب .. و كأنما يتقلب على صحراء مُوحِشة تسرح فيها الأفاعي .. ثم ينفد الصبر .. و تنقطع حِبال الإنتظار . و لا تبقى في ذهنه إلا فكرة واحدة .. أن يتخلص من حياته . تأتيه الفكرة في البداية زائرة ثم تصبح طَوّافة ثم تُلِح عليه ثم تُقيم في رأسه ثم تتحول إلى حصار ثم تغدو كابوساً قهرياً يحتويه و يجثم عليه و يخنقه رويداً رويداً . و يتحرك أخيراً .. فينظر إلى ساعته . لقد مضت أربع سنوات و هو مُتجمد في كُرسيه كتمثال ، و شيء في داخله ينخر في بنيانه و يأكل جوفه .. و بنظرة سريعة عبر الشرفة يطل على الناس الذين يبدون كالنمل الصغير أسفل البرج .. و تتسمر عيناه على الهُوّة التي تَفغُر فاها تحت قدميه . ثم في لحظة يرمي بنفسه من شاهِق . و يتجمع الناس أسفل البرج .. و هُم يحكون في ذهول .. هناك رجل رمى بنفسه من أعلى البرج فسقط على كتفي عامل فقتله لساعته .. أما هو فلم يُصَب بخدش .. و حينما أفاق الرجل من صدمته و أدرك ما فعل .. إنكَبَّ على شفرة حديد صَدِئة إلتقطها من الطريق و قطع شرايينه . و حملوه إلى المستشفى و هو ينزف .. و أسعفوه .. و حينما فتح عينيه و اكتشف أنه لم يمُت بعد .. إبتلع زجاجة الأقراص المنومة كلها في غفلة من الممرضة .. و لكنهم غسلوا معدته ، و أعطوه شيئاً .. و أنقذوه .. و فتح عينيه من جديد ليجد أنه لم يمت بعد ثلاث محاولات قاتلة .. قتل فيها رجل آخر و لم يَمُت .. و سقط مغشياً عليه .. و في النوم و بين لحظات الخدر ، و فيما يشبه الرؤيا شاهد الرجل نوراً و سمع صوتاً يقول له : ●● ماذا فعلت بنفسك ؟ ● أردت أن أقتل نفسي لأستريح . ●● و من أين لك العلم بأنك سوف تستريح .. أعلِمت بما ينتظرك بعد الموت ؟ ● إنه على أي حال أفضل من حالي في الدنيا . ●● هذا ظنك .. و لا يقتُل الناس أنفسهم بالظن . ● و ماذا كنت أستطيع أن أفعل .. و ماذا بقيَ لي ؟ ●● أن تصبر و تنتظر أمرنا .. ● صبِرت . ●● تصبر يوماً آخر إلى غَد . ● سيكون غداً مشئوماً مثل سالفه . ●● كيف علمت .. هل أنت الذي خلقت الأيام .. هل أنت الذي خلقت نفسك ؟ ● لا . ●● فكيف تحكم على ما لا تعلم ، و كيف تتصرف فيما لا تملك ؟ ● هذا عمري و قد ضقت به . ●● أتعلم ماذا نُخفي لك غداً ؟ ● لا . ●● إذاً فهو ليس عُمرك . ● لا أريد أن أعيش .. خلوا بيني و بين الموت .. دعوني .. ارحموني . ●● لو تركناك فما رحمناك .. إنما نحول بينك و بين رغبتك رحمةً مِنا و فضلاً ، و لو تخلينا عنك لهلَكت . ● يا مرحباً بالهلاك .. ما أريد إلا الهلاك .. يا أهلاً بالهلاك . ●● لن يكون الهلاك رقدة مُطمَئنة تحت التراب كما تتصور . ● أريد أن أخرج مما أنا فيه و كَفَى . ●● و لو إلى النار ؟ ● و هل هناك نار غير هذه ؟ ●● أتصَوَّرت أنه لا وجود إلا لما يقع تحت حسك من جنة و نار .. أظننت أنه لا جنة و لا نار إلا نعيمكم و عذابكم .. أظننتنا فقراء لا يتسع ملكنا إلا لهذا العالَم .. أتصَوَّرتَ أنه ليس عندنا لك إلا هذه الشقة في المعادي .. و ليس عند رب العالمين غير هذه الكرة الأرضية المعلقة كذرة غبار في الفضاء .. ؟ بئس ما خَيَّل لك بَصرُك الضرير عن فقرنا . ● ضقت ذرعاً مما أنا فيه .. إنسدت أمامي المسالك .. إنطبقت السماء على الأرض .. إختنقْت .. أريد الخروج .. أريد الخروج . ●● ألا تصبر لحظات أخرى .. أترفض عطيّتنا في الغد قبل أن تراها ؟ ● رأيت منها ما يكفيني . ●● هذا رفض لنا و يأس مِنّا و اتهام لحكمتنا و سوء ظن بتدبيرنا و انتقاص لملكنا .. بئس ما قررت لنفسك .. إذهب .. رفضناك كما رفضتنا ، و حرمناك ما حرمت نفسك .. خَلّوا بينه و بين الموت .. و في تلك الليلة شنق الرجل نفسه بملاءة الفراش .. و مات في هذه المحاولة الرابعة .. و فشلت كل الإسعافات في إنقاذه . و جاء الغــد . . فطلعت صفحات الجرائد الأولى بخبر مثير عن اكتشاف علاج جديد حاسم للمرض الذي كان يشكو منه . و جاءت سوزان تدق بابه في شوق و في يدها بضع زجاجات من هذا الترياق الجديد و قلبها يطفح بالحب و الأمل . و لكنه كان قد ذهب . لم ينتظر العطية . ظلم المُعطي و العَطيّة و ظلم نفسه و ظلم الغد الذي لم يره و اتهم الرحيم في رحمته و أنكر على المدبر تدبيره . و خـــرج . . إلى حيــث لا رحمـــة . . و لا عــودة . . .. قصة : الخروج من كتـــاب / نقطــة الغليـــان للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ الخـــروج . . .
كان يزدرد الطعام كأنه يزدرد كُرات من العجين يُلقي بها في جوفه دون تَلذُذ . و كان الهواء راكداً ثقيلاً . و كل شيء راكد ثقيل . و صفحة النهار تبدو كليلٍ بلا نجوم . و لم يكن يدري كم من الوقت قد مضى عليه و هو جالس في كُرسيه في مقهى الروف بأعلى البرج . ربما بِضع ساعات و هو يجلس نفس الجلسة لم يُحرك إصبعاً . و ربما بنفس النظرة الذاهلة المحملقة في الهواء دون أن يختلج له جفن ، و كأنما تسمرت نفسه و بات عقله مصلوباً على فكرة واحدة لا يبرحها . أن يتخلص من حياته .
مريض بلا شفاء . يتنقل من طبيب إلى طبيب . و من دواء إلى دواء . و من مُخدِر إلى مخدر . و من أمل إلى أمل . ثم تذوي الآمال ثم يكتشف أنه لم يبق له إلا الصبر . و في البيت وحده . و فِراش بارد . و مائدة عليها عشرات العقاقير، و خِطابات لا يجف حبرها . تجري سطورها اللاهِثة بنداء واحد لا يهدأ :
سوزان . . سوزان . . عودي . أحبك . لا أستطيع أن أحيا بدونك . و لا أن أموت بدونك . حياتي ليل بدون ضوء عينيك .
و دائماً تُرسَل الخطابات و تسافر عبر البحر . و لا يأتي لها رد ، و لا يُسمَع لها صَدى . الزوجة الأوروبية عادت إلى بلادها بقلب ينزف ، و تركت وراءها قلباً آخر ينزف .
و في ذلك الصمت الشبيه بالصراخ يعيش . و في تلك الغرفة المُترَفة الوثيرة ذات الديكورات الغالية يتقلب . و كأنما يتقلب على صحراء مُوحِشة تسرح فيها الأفاعي . ثم ينفد الصبر . و تنقطع حِبال الإنتظار . و لا تبقى في ذهنه إلا فكرة واحدة . أن يتخلص من حياته . تأتيه الفكرة في البداية زائرة ثم تصبح طَوّافة ثم تُلِح عليه ثم تُقيم في رأسه ثم تتحول إلى حصار ثم تغدو كابوساً قهرياً يحتويه و يجثم عليه و يخنقه رويداً رويداً .
و يتحرك أخيراً . فينظر إلى ساعته .
لقد مضت أربع سنوات و هو مُتجمد في كُرسيه كتمثال ، و شيء في داخله ينخر في بنيانه و يأكل جوفه . و بنظرة سريعة عبر الشرفة يطل على الناس الذين يبدون كالنمل الصغير أسفل البرج . و تتسمر عيناه على الهُوّة التي تَفغُر فاها تحت قدميه .
ثم في لحظة يرمي بنفسه من شاهِق .
و يتجمع الناس أسفل البرج . و هُم يحكون في ذهول . هناك رجل رمى بنفسه من أعلى البرج فسقط على كتفي عامل فقتله لساعته . أما هو فلم يُصَب بخدش .
و حينما أفاق الرجل من صدمته و أدرك ما فعل . إنكَبَّ على شفرة حديد صَدِئة إلتقطها من الطريق و قطع شرايينه .
و حملوه إلى المستشفى و هو ينزف . و أسعفوه .
و حينما فتح عينيه و اكتشف أنه لم يمُت بعد . إبتلع زجاجة الأقراص المنومة كلها في غفلة من الممرضة .
و لكنهم غسلوا معدته ، و أعطوه شيئاً . و أنقذوه .
و فتح عينيه من جديد ليجد أنه لم يمت بعد ثلاث محاولات قاتلة . قتل فيها رجل آخر و لم يَمُت . و سقط مغشياً عليه . و في النوم و بين لحظات الخدر ، و فيما يشبه الرؤيا شاهد الرجل نوراً و سمع صوتاً يقول له : ●● ماذا فعلت بنفسك ؟
● أردت أن أقتل نفسي لأستريح .
●● و من أين لك العلم بأنك سوف تستريح . أعلِمت بما ينتظرك بعد الموت ؟
● إنه على أي حال أفضل من حالي في الدنيا .
●● هذا ظنك . و لا يقتُل الناس أنفسهم بالظن .
● و ماذا كنت أستطيع أن أفعل . و ماذا بقيَ لي ؟
●● أن تصبر و تنتظر أمرنا .
● صبِرت .
●● تصبر يوماً آخر إلى غَد .
● سيكون غداً مشئوماً مثل سالفه .
●● كيف علمت . هل أنت الذي خلقت الأيام . هل أنت الذي خلقت نفسك ؟
● لا .
●● فكيف تحكم على ما لا تعلم ، و كيف تتصرف فيما لا تملك ؟
● هذا عمري و قد ضقت به .
●● أتعلم ماذا نُخفي لك غداً ؟
● لا .
●● إذاً فهو ليس عُمرك .
● لا أريد أن أعيش . خلوا بيني و بين الموت . دعوني . ارحموني .
●● لو تركناك فما رحمناك . إنما نحول بينك و بين رغبتك رحمةً مِنا و فضلاً ، و لو تخلينا عنك لهلَكت .
● يا مرحباً بالهلاك . ما أريد إلا الهلاك . يا أهلاً بالهلاك .
●● لن يكون الهلاك رقدة مُطمَئنة تحت التراب كما تتصور .
● أريد أن أخرج مما أنا فيه و كَفَى .
●● و لو إلى النار ؟
● و هل هناك نار غير هذه ؟
●● أتصَوَّرت أنه لا وجود إلا لما يقع تحت حسك من جنة و نار . أظننت أنه لا جنة و لا نار إلا نعيمكم و عذابكم . أظننتنا فقراء لا يتسع ملكنا إلا لهذا العالَم . أتصَوَّرتَ أنه ليس عندنا لك إلا هذه الشقة في المعادي . و ليس عند رب العالمين غير هذه الكرة الأرضية المعلقة كذرة غبار في الفضاء . ؟ بئس ما خَيَّل لك بَصرُك الضرير عن فقرنا .
● ضقت ذرعاً مما أنا فيه . إنسدت أمامي المسالك . إنطبقت السماء على الأرض . إختنقْت . أريد الخروج . أريد الخروج .
●● ألا تصبر لحظات أخرى . أترفض عطيّتنا في الغد قبل أن تراها ؟
● رأيت منها ما يكفيني .
●● هذا رفض لنا و يأس مِنّا و اتهام لحكمتنا و سوء ظن بتدبيرنا و انتقاص لملكنا . بئس ما قررت لنفسك . إذهب . رفضناك كما رفضتنا ، و حرمناك ما حرمت نفسك . خَلّوا بينه و بين الموت .
و في تلك الليلة شنق الرجل نفسه بملاءة الفراش . و مات في هذه المحاولة الرابعة . و فشلت كل الإسعافات في إنقاذه .
و جاء الغــد . .
فطلعت صفحات الجرائد الأولى بخبر مثير عن اكتشاف علاج جديد حاسم للمرض الذي كان يشكو منه .
و جاءت سوزان تدق بابه في شوق و في يدها بضع زجاجات من هذا الترياق الجديد و قلبها يطفح بالحب و الأمل .
و لكنه كان قد ذهب . لم ينتظر العطية . ظلم المُعطي و العَطيّة و ظلم نفسه و ظلم الغد الذي لم يره و اتهم الرحيم في رحمته و أنكر على المدبر تدبيره .
و خـــرج . .
إلى حيــث لا رحمـــة . . و لا عــودة . .
. قصة : الخروج من كتـــاب / نقطــة الغليـــان للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝