█ _ محمد ابن قيم الجوزية 2003 حصريا كتاب ❞ مدارج السالكين (ط العلمية) ❝ عن دار الكتب العلمية بلبنان 2024 العلمية): هذا الكتاب هو من خير ما كتب الإمام القّيم وحسبنا به تهذيب النفوس والأخلاق والتأدب بآداب المتقين الصادقين مما يدل أوضح دلالة أنه كان أولئك المهتدين الذين طابت نفوسهم بتقوى الله فجاء ليسدّ الحاجة الماسّة إليه عصر المادة يجمع إلى النشاط المادي عند الناس صفاء الأرواح وتقوى وتهذيب الأخلاق حتى يجعل للعرب والمسلمين فيما آتاهم الأسباب المادية والغنى والثراء الحاضر والمنتظر المستقبل حياة عزيزة كريمة آمنة ظل الإسلام والإمام القيّم كتابه ينبه أن كمال الإنسان إنما بالعلم النافع والعمل الصالح وهما الهدى ودين الحق وبتكميله لغيره هذين الأمرين وبالتوصية بالحق والصبر عليه وما إلا الإيمان وليس ذلك بالإقبال القرآن وتفهمه وتدبره واستخراج كنوزه وآثاره فإنه الكفيل بمصالح العباد المعاش والمعاد والموصل لهم سبيل الرشاد فالحقيقة والطريقة والأذواق والمواجيد الصحيحة كلها لا تقبس مشكاته ولا تستثمر شجراته القيم كله بالكلام فاتحة وأم وعلى بعض تضمنته هذه السورة المطالب الرد جميع طوائف أهل البدع والضلال منازل السائرين ومقامات العارفين والفرق بين وسائلها وغاياتها ومواهبها وكسبياتها وبيان يقوم غير مقامها يسد مسدها ولذلك لم ينزل تعالى التوراة الإنجيل مثلها ونظراً لأهمية فقد عمل تحقيقه حيث تم تخريج آياته وأهم أحاديثه والتعليق نصوصه بما يفيد المطالع فيها جانب أعطى نبذة يسيرة الفرق الإسلامية ووقف المصطلحات الصوفية والفلسفية وإتماماً للنفع وضعت ترجمة لشيخ مستهل التزكية مجاناً PDF اونلاين نظر الآداب والاخلاق نظرة فجعلها حلية ووسيلة تجميله وأسلوب تزيينه كانت مفخرة مفاخر النبي صلى وسلم يقول نفسه "أدبني ربي فأحسن تأديبي" كتب والسلوك تزكية للنساء دورة مختصرة والآداب ودورة القلب
❞ الذكر ˝ منشور الولاية ˝ الذي من أُعطيه إتصل ، ومن منعه عُزل ، وهو قوت قلوب القوم ، التي متى ما فارقها صارت الأجساد لها قبورا ، وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بورا ، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق ، وماؤهم الذي يطفئون به التهاب الحريق ، ودواء أسقامهم الذي متى ما فارقهم إنتكست منه القلوب ، والسبب الواصل ، والعلاقة التي كانت بينهم وبين علام الغيوب ، به يستدفعون الآفات ويستكشفون الكربات ، وتهون عليهم به المصيبات ، إذا أضلهم البلاء فإليه ملجؤهم ، وإذا نزلت بهم النوازل فإليه مفزعهم ، فهو رياض جنتهم التي فيها يتقلبون ، ورؤوس أموال سعادتهم التي بها يتاجرون ، يدع القلب الحزين ضاحكا مسرورا ، ويوصل الذاكر إلى المذكور ، بل يدع الذاكر مذكورا . ❝
❞ سُئل بعض الأئمة عن السُنِّة ، فقال : ما لا إسم له سوى السُنَّة ، يعني أن اهل السُنة ليس لهم أسم يُنسبون إليه سواه ، فمن الناس من يتقيد بلباس لا يلبس غيره ، أو بالجلوس في مكان لا يجلس غيره ، أو مشية لا يمشي غيرها ، أو بزّي وهيئة لا يخرج عنهما ، أو عبادة معينة لا يتعبد بغيرها ، وإن كانت أعلى منها ، أو شيخ معين لا يلتفت إلى غيره ، وإن كان أقرب إلى الله ورسوله منه ، فهؤلاء كلهم محجوبون عن الظفر بالمطلوب الأعلى ومصدودون عنه ، قد قيدتهم العوائد والرسوم والأوضاع والإصطلاحات عن تجريد المتابعة ، فأضحوا عنها بمعزل ، ومنزلتهم منها أبعد منزل ، فترى أحدهم يتعبد بالرياضة والخلوة وتفريغ القلب ويعد العلم قاطعا له عن الطريق ، فإذا ذّكر له المولات في الله والمعاداة فيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عَدَّ ذلك فضولا وشرا ، وإذا رأوا بينهم من يقوم بذلك أخرجوه من بينهم ، فهؤلاء أبعد الناس عن الله وإن كانوا أكثر إشارة ، والله أعلم . ❝
❞ سمعت شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله يقول : من واظب على ( يا حي يا قيوم ، لا إله إلا أنت ) كل يوم ، بين سّنَّة الفجر وصلاة الفجر ، أربعين مرة ، أحيا الله بها قلبه . ❝
❞ التوكل نصف الدين ، والنصف الثاني الإنابة ، فإن الدين إستعانة وعبادة ، فالتوكل هو الإستعانة ، والإنابة هي العبادة ، ومنزلته أوسع المنازل وأجمعها ، ولا تزال معمورة بالنازلين ، لسعة متعلق التوكل وكثرة حوائج العالمين ، ومن صدق توكله على الله في حصول شيء ناله . ❝
❞ في كل جارحة من جوارح العبد عبودية مؤقتة ، و ˝ الذكر ˝ عبودية القلب واللسان وهي غير مؤقتة ، بل هم يأمرون بذكر معبودهم ومحبوبهم في كل حال ، قياما وقعودا وعلى جنوبهم ، فكما أن الجنة قيعان وهو غراسها ، فكذلك القلوب بور خراب ، وهو عمارتها وأساسها ، وهو جلاء القلوب وصقالها ، ودواؤها إذا غشاها إعتلالها ، وكلما زاد الذاكر في ذكره إستغراقا ، إزداد المذكور محبة إلى لقائه وإشتياقا ، وإذا واطأ في ذكره قلبه للسانه نسي في جنب ذكره كل شيء ، وحفظ الله عليه كل شيء ، وكان له عوضا من كل شيء ، به يزول الوفر عن الأسماع ، والبكم عن الألسن ، وتنقشع الظلمة عن الأبصار ، وزين الله به ألسنة الذاكرين ، كما زين بالنور أبصار الناظرين ، وهو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده ، ما لم يغلقه العبد بغفلته . . ❝
❞ كيف يُقال ˝ لا نعبد الله طلباً لجنته ، ولا خوفاً من ناره ˝ ؟! ، ومطلوب الأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين هو الجنة ، ومهربهم من النار . ❝
❞ كان صبر يوسف عن مطاوعة إمرأة العزيز على شأنها أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجُبّ ، وبيعه وتفريقهم بينه وبين أبيه ، فإن هذه الأمور جرت عليه بغير إختياره ولا كسب له فيها ، ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر ، وأما صبره عن المعصية فصبر إختيار ورضى ومُحاربة للنفس ، ولاسيما مع الأسباب التي تقوي معها دواعي الموافقة ، فإنه كان شابا ، وداعية الشباب إليها قوية ، وعزبا ، ليس له ما يعوضه ويرد شهوته ، وغريبا ، والغريب لا يستحي في بلد غربته مما يستحي منه مَن بين أصحابه ومعارفه وأهله ، ومملوكا ، والمملوك أيضا ليس وازعه كوازع الحُر ، والمرأة جميلة وذات منصب وهي سيدته وقد غاب الرقيب ، وهي الداعية له إلى نفسها ، والحريصة على ذلك أشد الحرص ، ومع ذلك توعدته إن لم يفعل بالسجن الصِغار ، ومع هذه الدواعي كلها صبر إختيارا وإيثارا لما عند الله ، وأين هذا من صبره في الجُب على ما ليس من كسبه ؟ . ❝
❞ لما كان الحياء من شيم الأشراف وأهل الكرم والنفوس الزكية كان صاحبه أحسن حالا من أهل الخوف ، ولأن في الحياء من الله ما يدل على مراقبته وحضور القلب معه ، ولأن فيه من تعظيمه وإجلاله ما ليس في وازع الخوف ، فمن وازَعه الخوف قلبه حاضر مع العقوبة ، ومن وازَعه الحياء قلبه حاضر مع الله، والخائف مُراعٍ جانب نفسه وحمايتها ، والمُستَحيّي مُراعٍ جانب ربه ومُلاحظٍ عظمته ، وكلا المقامين من مقامات أهل الإيمان ، غير إن الحياء أقرب إلى مقام الإحسان وألصق به ، إذ أنزل نفسه منزلة من كأنه يرى الله ، فنبعت ينابيع الحياء من عين قلبه وتفجرت عيونها . ❝
❞ لله دَرَّ قوم أجابوا منادي الشوق إذ نادى بهم ˝حي على الفلاح˝ وبذلوا نفوسهم في طلب الوصول إلى محبوبهم ، وكان بذلهم بالرضى والسماح ، وواصلوا إليه للسير بالإدلاج والغدو والرواح ، تالله لقد حمدوا عند الوصول سراهم ، وشكروا مولاهم على ما أعطاهم ، وإنما يحمد القوم السرى عند الصباح . ❝
❞ فلله هِمَّة نفسٍ قطعت جميع الأكوان فما ألقَت عصى السير إلا بين يدي الرحمن تبارك وتعالى ، فسجدت بين يديه سجدة الشكر على الوصول إليه ، فلم تَزَّل ساجدة حتى قيل لها : ( يا أيّتُها النَّفس المُطمئنَّة ارجعي إِلى ربِّك راضية مرضيّة فادخلي في عبادي وادخُلي جنَّتي ) . ❝
❞ دخلت يوما على بعض أصحابنا ، وقد حصل له وَجدٌّ أبكاه ، فسألته عنه ، فقال : ذكرت ما مَنَّ الله به عَليَّ من السُنَّة ومعرفتها ، والتخلص من شُبَه القوم ، وقواعدهم الباطلة ، وموافقة العقل الصريح ، والفطرة السليمة ، لما جاء به الرسول ﷺ ، فَسَرَّني ذلك حتى أبكاني . ❝
❞ الصبر على أداء الطاعات أكمل من الصبر على اجتناب المُحرمات وأفضل ، فإن مصلحة فعل الطاعة أحب إلى الشارع من مصلحة ترك المعصية ، ومفسدة عدم الطاعة أبغض إليه وأكره من مفسدة وجود المعصية . ❝
❞ وضعوا لمعنى المحبة حرفين مناسبين للمسمى غاية المناسبة ˝الحاء˝ التي هي من أقصى الحلق ، و˝الباء˝ الشفوية التي هي نهايته ، فللحاء الإبتداء وللباء الإنتهاء ، وهذا شأن المحبة وتعلقها بالمحبوب ، فإن إبتداءها منه وإنتهاءها إليه ، ثم إقتصروا على إسم الفاعل من ˝أحبَّ˝ فقالوا ˝مُحب˝ ولم يقولوا ˝حابٌ˝ وأقتصروا على إسم المفعول من ˝حب˝ فقالوا ˝محبوب˝ ولم يقولوا ˝مُحب˝ إلا قليلا ، وأعطوا ˝الحب˝ حركة الضم التي هي أشد الحركات وأقواها ، مطابقة لشدة حركة مسماة وقوتها ، وأعطوا ˝الحِب˝ وهو المحبوب حركة الكسر لخفتها عن الضمة ، وخفة المحبوب ، وخفة ذكره على قلوبهم وألسنتهم ، فتأمل هذا اللطف والمطابقة والمناسبة العجيبة بين الألفاظ والمعاني ، تطلعك على قدر هذه اللغة ، وأن لها شأنا ليس لسائر اللغات . ❝
❞ وسر الخلق والأمر والكتب والشرائع والثواب والعقاب إنتهى إلى هاتين الكلمتين ، وعليهما مدار العبودية والتوحيد ، حتى قيل : أنزل الله مائة كتاب وأربعة كتب ، جمع معانيها في التوراة والإنجيل والقرآن ، وجمع معاني هذه الكتب الثلاثة في القرآن ، وجمع معاني القرآن في المفصل ، وجمع معاني المفصل في الفاتحة ، في ˝ إياك نعبد وإياك نستعين ˝ وهما الكلمتان المقسومتان بين الرب وبين عبده نصفين ، فنصفهما له تعالى وهو ˝إياك نعبد˝ ونصفهما لعبده وهو˝إياك نستعين˝ . . ❝
❞ إن في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله، وعليه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه، وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه طلب شديد لا يقف دون أن يكون هو وحده المطلوب، وفيه فاقة لا يسدها الا محبته ودوام ذكره والاخلاص له، ولو أعطى الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدًا . ❝