عن كتاب مذكرات بغي:
كُتِبت هذه الرواية فى فترة أعدها من أجمل ما عرفت مصر والكاتب مصرى وقد إنتهى من هذا العمل فى عام 1922 وكان أول أعماله الأدبية والحقيقة أنى لا زلت لا أعلم إذا ما كان له أعمال أدبية أخرى .

ثانى الأمور التى لفتت إنتباهى لهذه الرواية هو إسمها والحقيقة أن أى شخص سيتوقع مضمونها الأخلاقى قبل أن يقرأها لكنى لم أتوقع براعة الكاتب التى صاحبتنى كقارىء من الصفحات الأولى حتى النهاية ولكم كان الكاتب ثوريا فى فكره ليكت مثل هذا العمل فى مجتمع محافظ كالمجتمع المصرى فى العشرينيات مهاجما بعض الأفكار المغلوطة التى توارثتها الأجيال التى سبقته و مهاجما كذلك بعض أفعال المجتمع خصوصا تلك التى تدل على إزدواجية الشعوب بين الفكر والفعل . السماح للنفس والتحريم على الغير ....

أعجبتنى شجاعة الكاتب فى دفاعة عن البغى وتصويرها لمجتمعه كإمرأة كأى إمرأة تشعر وتفكر وتدرك الأمور وتقوم بالتضحيات وتشفق على نفسها كما تشفق على الآخرين . فى حين كان الشرف كلمة يتشدق بها الرجال والنساء على السواء والعهر بكل صوره موجود فى معظم أرجاء المجتمع بكل طبقاته كما هى عادة المجتمعات التى تستورد ثقافتها من الخارج فأول ما يهتموا به هو الثقافة الجنسية حتى وإن تعارضت مع موروثاتهم وتقاليدهم فإنهم يمارسونها فى الخفاء .

حتى يستشرى الفساد والإنحلال فى المجتمع بأكمله أو فى طبقة بأكملها فلا تجد حرج فى فعل الرذيلة علانية وبمعرفة الآخرين .

فى الحقيقة إن الكاتب ذو ثقافة عالية وله رؤية قوية وإدرلك عالى فالرواية تحتوى على فلسفة إجتماعية وأخلاقية ذات مستوى عالى وقدرته على التعبير لا تقل عن أبرع الأدباء والمشاعر التى صورها على لسان البغى بطلة الرواية من أعمق المشاعر الإنسانية وتصويره لها كان ناجحاً تماماً فمن يقرأ مناجاة المرأة لإبنتها البعيدة أو يقرأ وصفها وتأثرها بالربيع لا يملك إلا أن يتمنى أن تكون له مثل تلك القدرة على الإدراك والتعبير فى آن واحد .

يقول كلفتنى زوجتى أن أتم مذكراتها التى كتبتها عن حياتها، حياة الزوجية الاولى وحياة الزوجية الثانية وما تخللها من حياة العهر والفجر وإطاعة لأمرها أتم مذكراتها.

لشد ما تعذبت المسكينة فى مرضها الأخير، ولشد ما قاست منه، فلقد أضعف جسمها وأنحله بعد أن أنهك قواها ولكنها احتملت ذلك بصبر جميل، لازمت فراشها ثلاثة أشهر، تألمت أثنائها أشد الألم وزاد الأطباء ألمها بمخدراتهم وأحقانهم.