█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ وانتظرت رد كتابي أو ورقة من شجر عتابي ، فما زالت تتقطع الساعة من الساعة ويلتقي اليوم باليوم ، ويذهب اللوم إلى العتاب ويجيء العتاب إلى اللوم ، وكتابك على ذلك كأنه مغمى عليه لا هو في يقظة ولا هو في نوم . . . فسبحان من علم آدم الأسماء كلها لينطق بها وعلمك أنت من دون أبنائه وبناته السكوت . . .والسلام عليك في ازلية جفائك التي لا تنتهي .أما أنا فالسلام على يوم ولدت ويوم أموت . ❝
❞ زال الكابوس وتخطينا
مرحبًا اسمي كيارا، أبلغ من العمر عشرون ربيعًا، أدرس بكلية التربية، كانت أكبر آمالي أن أجتاز ما يسمى بالثانوية العامة، حتى أنني أتذكر حوارًا دار بيني وبين أمي كنت أخبرها فيه: ˝ لو أنني أحصل معدلًا عالٍ يا أمي، لو أنني أعرف بماذا سألتحق، ويهدأ قلبي، ستُحل مخاوفي كلها˝، ولكن! لم تنتهي المخاوف ولم أجد ضالتي، مع بداية الجامعة كنت حقًا سعيدة بأنني وصلت، لا أعلم كيف ولما، لكني انطفئتُ، انطفئتُ يا سارة، زال شغفي وودت لو أعد أنا، كنت أشتاق لنفسي، لم يعد يلفتني طعامي المفضل ولا رواياتي، ولا مسلسلي المفضل الذي كنت أنشب شجارًا مع أبي لمشاهدته، تأزم الوضع وأصبح خوف مفقود هويته يلازمني، فقدت الأمان في حضن أمي، وأصبحت تهاجمني الأفكار، أنظر لمن أحب وأشعر لو أني سأفقدهم بعد ثانية، عِشتُ حالةً من الزُهد، ورعشة في القلب، وفي ليلة كان هناك عزاءً في قريتنا، انتاب جسدي رعشة قوية، وتلبسني الخوف، آلمني جسدي بقوة، وفقدتُّ السيطرة على أعصابي، انتفضت واقفة، أقول لأمي هيا، هيا نخرج من البيت سأموت يا أمي سأموت، نزلتُ درجات السُلم وأنا أسيطر على رعشة جسدي، وذهبنا لجارتنا؛ فاستخدمت الرقية الشرعية لترقيني، وإذ بي أشعر للحظات أني أود أن أهرب من تحت يدها، أخبرتنا أنه يتوجب علي الذهاب لشيخٍ معروف بشكل عاجل، ولم نُكذِب خبر، كنت أشعر بالتعرق الشديد بعد الرقية وكأني بذلتُ مجهود، صباح اليوم التالي ذهبتُ للشيخ، كنت أنتظر دور وأبكي، أبكي بشدة، أقول يا أبي أنا خائفة أود الأمان، يا أبي هذه الأحاسيس تقتلني، أمي تبكي، وأبي عاجز، رأف الناس بحالتي وأدخلوني قبل دوري، قال لي الشيخ إنه وسواس شديد دخل على عقلي، وعينٌ قوية أصابتني، أدخلت على قلبي التعاسة، شيء داخلي يقول لا هذِه آخر أيامك ستموتين، لا أنتِ لستِ بخير، الوضع يحتاج مقاومة، عاملًا نفسي لدفع الأفكار، حاولت، حاولت كثيرًا أن أشغل حالي، أن أحداث رفيقتي، أستذكر دروسي بصوتٍ عال رغم هجوم الأفكار عليَّ بضراوة، لتضعف مقاومتي، مرةٍ تلو مرة كنت لم ألقي بالًا لما يراودني، وتخطيت، كيف ومتى؟! حقًا لم أدرك لكن أيقنتُ وردد قلبي أني بخير، واستسلم عقلي لمحاولاتي وتخطيت، ما كنت احتاجه مقاومة، وعاملًا نفسي وأن أدرك أني بخير، أصحبتُ بخير يا سارة أصبحتُ بخير.
لقد انتصرت.
وهذِه القصة فقط جزءًا مما عايشت.
لـِ #دُنيا_أحمد
#كيان_خطوط . ❝
❞ الخـــروج . . .
كان يزدرد الطعام كأنه يزدرد كُرات من العجين يُلقي بها في جوفه دون تَلذُذ .. و كان الهواء راكداً ثقيلاً .. و كل شيء راكد ثقيل .. و صفحة النهار تبدو كليلٍ بلا نجوم ..
و لم يكن يدري كم من الوقت قد مضى عليه و هو جالس في كُرسيه في مقهى الروف بأعلى البرج ..
ربما بِضع ساعات و هو يجلس نفس الجلسة لم يُحرك إصبعاً .. و ربما بنفس النظرة الذاهلة المحملقة في الهواء دون أن يختلج له جفن ، و كأنما تسمرت نفسه و بات عقله مصلوباً على فكرة واحدة لا يبرحها .. أن يتخلص من حياته .
مريض بلا شفاء .. يتنقل من طبيب إلى طبيب .. و من دواء إلى دواء .. و من مُخدِر إلى مخدر .. و من أمل إلى أمل .. ثم تذوي الآمال ثم يكتشف أنه لم يبق له إلا الصبر .
و في البيت وحده .. و فِراش بارد .. و مائدة عليها عشرات العقاقير، و خِطابات لا يجف حبرها .. تجري سطورها اللاهِثة بنداء واحد لا يهدأ :
سوزان . . سوزان . .
عودي .. أحبك .. لا أستطيع أن أحيا بدونك .. و لا أن أموت بدونك .
حياتي ليل بدون ضوء عينيك .
و دائماً تُرسَل الخطابات و تسافر عبر البحر .. و لا يأتي لها رد ، و لا يُسمَع لها صَدى .
الزوجة الأوروبية عادت إلى بلادها بقلب ينزف ، و تركت وراءها قلباً آخر ينزف .
و في ذلك الصمت الشبيه بالصراخ يعيش ..
و في تلك الغرفة المُترَفة الوثيرة ذات الديكورات الغالية يتقلب .. و كأنما يتقلب على صحراء مُوحِشة تسرح فيها الأفاعي .. ثم ينفد الصبر .. و تنقطع حِبال الإنتظار .
و لا تبقى في ذهنه إلا فكرة واحدة .. أن يتخلص من حياته .
تأتيه الفكرة في البداية زائرة ثم تصبح طَوّافة ثم تُلِح عليه ثم تُقيم في رأسه ثم تتحول إلى حصار ثم تغدو كابوساً قهرياً يحتويه و يجثم عليه و يخنقه رويداً رويداً .
و يتحرك أخيراً .. فينظر إلى ساعته .
لقد مضت أربع سنوات و هو مُتجمد في كُرسيه كتمثال ، و شيء في داخله ينخر في بنيانه و يأكل جوفه .. و بنظرة سريعة عبر الشرفة يطل على الناس الذين يبدون كالنمل الصغير أسفل البرج .. و تتسمر عيناه على الهُوّة التي تَفغُر فاها تحت قدميه .
ثم في لحظة يرمي بنفسه من شاهِق .
و يتجمع الناس أسفل البرج .. و هُم يحكون في ذهول ..
هناك رجل رمى بنفسه من أعلى البرج فسقط على كتفي عامل فقتله لساعته .. أما هو فلم يُصَب بخدش ..
و حينما أفاق الرجل من صدمته و أدرك ما فعل .. إنكَبَّ على شفرة حديد صَدِئة إلتقطها من الطريق و قطع شرايينه .
و حملوه إلى المستشفى و هو ينزف .. و أسعفوه ..
و حينما فتح عينيه و اكتشف أنه لم يمُت بعد .. إبتلع زجاجة الأقراص المنومة كلها في غفلة من الممرضة ..
و لكنهم غسلوا معدته ، و أعطوه شيئاً .. و أنقذوه ..
و فتح عينيه من جديد ليجد أنه لم يمت بعد ثلاث محاولات قاتلة .. قتل فيها رجل آخر و لم يَمُت .. و سقط مغشياً عليه ..
و في النوم و بين لحظات الخدر ، و فيما يشبه الرؤيا شاهد الرجل نوراً و سمع صوتاً يقول له :
●● ماذا فعلت بنفسك ؟
● أردت أن أقتل نفسي لأستريح .
●● و من أين لك العلم بأنك سوف تستريح .. أعلِمت بما ينتظرك بعد الموت ؟
● إنه على أي حال أفضل من حالي في الدنيا .
●● هذا ظنك .. و لا يقتُل الناس أنفسهم بالظن .
● و ماذا كنت أستطيع أن أفعل .. و ماذا بقيَ لي ؟
●● أن تصبر و تنتظر أمرنا ..
● صبِرت .
●● تصبر يوماً آخر إلى غَد .
● سيكون غداً مشئوماً مثل سالفه .
●● كيف علمت .. هل أنت الذي خلقت الأيام .. هل أنت الذي خلقت نفسك ؟
● لا .
●● فكيف تحكم على ما لا تعلم ، و كيف تتصرف فيما لا تملك ؟
● هذا عمري و قد ضقت به .
●● أتعلم ماذا نُخفي لك غداً ؟
● لا .
●● إذاً فهو ليس عُمرك .
● لا أريد أن أعيش .. خلوا بيني و بين الموت .. دعوني .. ارحموني .
●● لو تركناك فما رحمناك .. إنما نحول بينك و بين رغبتك رحمةً مِنا و فضلاً ، و لو تخلينا عنك لهلَكت .
● يا مرحباً بالهلاك .. ما أريد إلا الهلاك .. يا أهلاً بالهلاك .
●● لن يكون الهلاك رقدة مُطمَئنة تحت التراب كما تتصور .
● أريد أن أخرج مما أنا فيه و كَفَى .
●● و لو إلى النار ؟
● و هل هناك نار غير هذه ؟
●● أتصَوَّرت أنه لا وجود إلا لما يقع تحت حسك من جنة و نار .. أظننت أنه لا جنة و لا نار إلا نعيمكم و عذابكم .. أظننتنا فقراء لا يتسع ملكنا إلا لهذا العالَم .. أتصَوَّرتَ أنه ليس عندنا لك إلا هذه الشقة في المعادي .. و ليس عند رب العالمين غير هذه الكرة الأرضية المعلقة كذرة غبار في الفضاء .. ؟
بئس ما خَيَّل لك بَصرُك الضرير عن فقرنا .
● ضقت ذرعاً مما أنا فيه .. إنسدت أمامي المسالك .. إنطبقت السماء على الأرض .. إختنقْت .. أريد الخروج .. أريد الخروج .
●● ألا تصبر لحظات أخرى .. أترفض عطيّتنا في الغد قبل أن تراها ؟
● رأيت منها ما يكفيني .
●● هذا رفض لنا و يأس مِنّا و اتهام لحكمتنا و سوء ظن بتدبيرنا و انتقاص لملكنا .. بئس ما قررت لنفسك .. إذهب .. رفضناك كما رفضتنا ، و حرمناك ما حرمت نفسك .. خَلّوا بينه و بين الموت ..
و في تلك الليلة شنق الرجل نفسه بملاءة الفراش .. و مات في هذه المحاولة الرابعة .. و فشلت كل الإسعافات في إنقاذه .
و جاء الغــد . .
فطلعت صفحات الجرائد الأولى بخبر مثير عن اكتشاف علاج جديد حاسم للمرض الذي كان يشكو منه .
و جاءت سوزان تدق بابه في شوق و في يدها بضع زجاجات من هذا الترياق الجديد و قلبها يطفح بالحب و الأمل .
و لكنه كان قد ذهب .
لم ينتظر العطية .
ظلم المُعطي و العَطيّة و ظلم نفسه و ظلم الغد الذي لم يره و اتهم الرحيم في رحمته و أنكر على المدبر تدبيره .
و خـــرج . .
إلى حيــث لا رحمـــة . . و لا عــودة . .
..
قصة : الخروج
من كتـــاب / نقطــة الغليـــان
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝
❞ قبّل سارة من أجلي. إن الفولاذ يحترق. المصعد صار بئراً للشيطان. لا أقدر على الفرار ولا أقدر على الوثب من النافذة كما فعل محظوظون آخرون. تمن لي أن أموت الآن. تمن لي أن تقتلني الصدمة العصبية قبل أن تتمسك النار بلحمي فيذوب. قل لي إن العالم الآخر أكثر رحمة. قل لي إنني لن أحترق في هذا العالم والعالم الآخر كذلك . ❝