█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)
قوله تعالى : قالوا أئنك لأنت يوسف لما دخلوا عليه فقالوا : مسنا وأهلنا الضر فخضعوا له وتواضعوا رق لهم ، وعرفهم بنفسه ، فقال : هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه فتنبهوا فقالوا : أئنك لأنت يوسف قاله ابن إسحاق . وقيل : إن يوسف تبسم فشبهوه بيوسف واستفهموا قال ابن عباس لما قال لهم : هل علمتم ما فعلتم بيوسف الآية ، ثم تبسم يوسف - وكان إذا تبسم كأن ثناياه اللؤلؤ المنظوم - فشبهوه بيوسف ، فقالوا له على جهة الاستفهام : أئنك لأنت يوسف . وعن ابن عباس أيضا : أن إخوته لم يعرفوه حتى وضع التاج عنه ، وكان في قرنه علامة ، وكان ليعقوب مثلها شبه الشامة ، فلما قال لهم : هل علمتم ما فعلتم بيوسف رفع التاج عنه فعرفوه ، فقالوا : أئنك لأنت يوسف . وقال ابن عباس : كتب يعقوب إليه يطلب رد ابنه ، وفي الكتاب : من يعقوب صفي الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله إلى عزيز مصر - أما بعد - فإنا أهل بيت بلاء ومحن ، ابتلى الله جدي إبراهيم بنمروذ وناره ، ثم ابتلى أبي إسحاق بالذبح ، ثم ابتلاني بولد كان لي أحب أولادي إلي حتى كف بصري من البكاء ، وإني لم أسرق ولم ألد سارقا والسلام . فلما قرأ يوسف الكتاب ارتعدت مفاصله ، واقشعر جلده ، وأرخى عينيه بالبكاء ، وعيل صبره فباح بالسر . وقرأ ابن كثير " إنك " على الخبر ، ويجوز أن تكون هذه القراءة استفهاما كقوله : وتلك نعمة .
قال أنا يوسف أي أنا المظلوم والمراد قتله ، ولم يقل أنا هو تعظيما للقصة .
قد من الله علينا أي بالنجاة والملك .
إنه من يتق ويصبر أي يتق الله ويصبر على المصائب ، وعن المعاصي .
فإن الله لا يضيع أجر المحسنين أي الصابرين في بلائه ، القائمين بطاعته . وقرأ ابن كثير : " إنه من يتقي " بإثبات الياء ; والقراءة بها جائزة على أن تجعل " من " بمعنى الذي ، وتدخل يتقي في الصلة ، فتثبت الياء لا غير ، وترفع " ويصبر " . وقد يجوز أن تجزم " ويصبر " على أن تجعل " يتقي " في موضع جزم و " من " للشرط ، وتثبت الياء ، وتجعل علامة الجزم حذف الضمة التي كانت في الياء على الأصل ; كما قال :
ثم نادي إذا دخلت دمشقا يا يزيد بن خالد بن يزيد
وقال آخر :
ألم يأتيك والأنباء تنمي بما لاقت لبون بني زياد
وقراءة الجماعة ظاهرة ، والهاء في " إنه " كناية عن الحديث ، والجملة الخبر . ❝
❞ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)
قوله تعالى : ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين
قوله تعالى : ودخل معه السجن فتيان ˝ فتيان ˝ تثنية فتى ; وهو من ذوات الياء ، وقولهم : الفتو شاذ . قال وهب وغيره : حمل يوسف إلى السجن مقيدا على حمار ، وطيف به ˝ هذا جزاء من يعصي سيدته ˝ وهو يقول : هذا أيسر من مقطعات النيران ، وسرابيل القطران ، وشراب الحميم ، وأكل الزقوم . فلما انتهى يوسف إلى السجن وجد فيه قوما قد انقطع رجاؤهم ، واشتد بلاؤهم ; فجعل يقول لهم : اصبروا وأبشروا تؤجروا ; فقالوا له : يا فتى ! ما أحسن حديثك ! لقد بورك لنا في جوارك ، من أنت يا فتى ؟ قال : أنا يوسف ابن صفي الله يعقوب ، ابن ذبيح الله إسحاق ، ابن خليل الله إبراهيم . وقال ابن عباس : لما قالت المرأة لزوجها إن هذا العبد العبراني قد فضحني ، وأنا أريد أن تسجنه ، فسجنه في السجن ; فكان يعزي فيه الحزين ، ويعود فيه المريض ، ويداوي فيه الجريح ، ويصلي الليل كله ، ويبكي حتى تبكي معه جدر البيوت وسقفها والأبواب ، وطهر به السجن ، واستأنس به أهل السجن ; فكان إذا خرج الرجل من السجن رجع حتى يجلس في السجن مع يوسف ، وأحبه صاحب السجن فوسع عليه فيه ; ثم قال له : يا يوسف ! لقد أحببتك حبا لم أحب شيئا حبك ; فقال : أعوذ بالله من حبك ، قال : ولم ذلك ؟ فقال : أحبني أبي ففعل بي إخوتي ما فعلوه ، وأحبتني سيدتي فنزل بي ما ترى ، فكان في حبسه حتى غضب الملك على خبازه وصاحب شرابه ، وذلك أن الملك عمر فيهم فملوه ، فدسوا إلى خبازه وصاحب شرابه أن يسماه جميعا ، فأجاب الخباز وأبى صاحب الشراب ، فانطلق صاحب الشراب فأخبر الملك بذلك ، فأمر الملك بحبسهما ، فاستأنسا بيوسف ، فذلك قوله : ودخل معه السجن فتيان وقد قيل : إن الخباز وضع السم في الطعام ، فلما حضر الطعام قال الساقي : أيها الملك ! لا تأكل فإن الطعام مسموم . وقال الخباز : أيها الملك لا تشرب ! فإن الشراب مسموم ; فقال الملك للساقي : اشرب ! فشرب فلم يضره ، وقال للخباز : كل ; فأبى ، فجرب الطعام على حيوان فنفق مكانه ، فحبسهما سنة ، وبقيا في السجن تلك المدة مع يوسف . واسم الساقي منجا ، والآخر مجلث ; ذكره الثعلبي عن كعب . وقال النقاش : اسم أحدهما شرهم ، والآخر سرهم ; الأول ، بالشين المعجمة . والآخر بالسين المهملة . وقال الطبري : الذي رأى أنه يعصر خمرا هو نبو ، قال السهيلي : وذكر اسم الآخر ولم أقيده . وقال فتيان لأنهما كانا عبدين ، والعبد يسمى فتى ، صغيرا كان أو كبيرا ; ذكره الماوردي . وقال القشيري : ولعل الفتى كان اسما للعبد في عرفهم ; ولهذا قال : تراود فتاها عن نفسه . ويحتمل أن يكون الفتى اسما للخادم وإن لم يكن مملوكا . ويمكن أن يكون حبسهما مع حبس يوسف أو بعده أو قبله ، غير أنهما دخلا معه البيت الذي كان فيه .
قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا أي عنبا ; كان يوسف قال لأهل السجن : إني أعبر الأحلام ; فقال أحد الفتيين لصاحبه : تعال حتى نجرب هذا العبد العبراني ; فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئا ; قاله ابن مسعود . وحكى الطبري أنهما سألاه عن علمه فقال : إني أعبر الرؤيا ; فسألاه عن رؤياهما . قال ابن عباس ومجاهد : كانت رؤيا صدق رأياها وسألاه عنها ; ولذلك صدق تأويلها . وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا . وقيل : إنها كانت رؤيا كذب سألاه عنها تجريبا ; وهذا قول ابن مسعود والسدي . وقيل : إن المصلوب منهما كان كاذبا ، والآخر صادقا ; قاله أبو مجلز . وروى الترمذي عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : قال : من تحلم كاذبا كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين ولن يعقد بينهما . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح وعن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من كذب في حلمه كلف يوم القيامة عقد شعيرة . قال : حديث حسن . قال ابن عباس : لما رأيا رؤياهما أصبحا مكروبين ; فقال لهما يوسف : ما لي أراكما مكروبين ؟ قالا : يا سيدنا ! إنا رأينا ما كرهنا ; قال : فقصا علي ، فقصا عليه ; قالا : نبئنا بتأويل ما رأينا ; وهذا يدل على أنها كانت رؤيا منام إنا نراك من المحسنين فإحسانه ، أنه كان يعود المرضى ويداويهم ، ويعزي الحزانى ; قال الضحاك : كان إذا مرض الرجل من أهل السجن قام به ، وإذا ضاق وسع له ، وإذا احتاج جمع له ، وسأل له . وقيل : من المحسنين أي العالمين الذين أحسنوا العلم ، قاله الفراء . وقال ابن إسحاق : من المحسنين لنا إن فسرته ، كما يقول : افعل كذا وأنت محسن .
. قال : فما رأيتما ؟ قال الخباز : رأيت كأني اختبزت في ثلاثة تنانير ، وجعلته في ثلاث سلال ، فوضعته على رأسي فجاء الطير فأكل منه . وقال الآخر : رأيت كأني أخذت ثلاثة عناقيد من عنب أبيض ، فعصرتهن في ثلاث أوان ، ثم صفيته فسقيت الملك كعادتي فيما مضى ، فذلك قوله : إني أراني أعصر خمرا أي عنبا ، بلغة عمان ، قاله الضحاك . وقرأ ابن مسعود : ˝ إني أراني أعصر عنبا ˝ . وقال الأصمعي : أخبرني المعتمر بن سليمان أنه لقي أعرابيا ومعه عنب فقال له : ما معك ؟ قال : خمر . وقيل : معنى . أعصر خمرا أي عنب خمر ، فحذف المضاف . ويقال : خمرة وخمر وخمور ، مثل تمرة وتمر وتمور . ❝
❞ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)
ولقد همت به وهم بها الآية ، قال أبو عبيدة : هذا على التقديم والتأخير ; كأنه أراد ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها . وقال أحمد بن يحيى : أي همت زليخاء بالمعصية وكانت مصرة ، وهم يوسف ولم يواقع ما هم به ; فبين الهمتين فرق ، ذكر هذين القولين الهروي في كتابه . قال جميل :
هممت بهم من بثينة لو بدا شفيت غليلات الهوى من فؤاديا
آخر :
هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي حلائله
فهذا كله حديث نفس من غير عزم . وقيل : هم بها تمنى زوجيتها . وقيل : هم بها أي بضربها ودفعها عن نفسه ، والبرهان كفه عن الضرب ; إذ لو ضربها لأوهم أنه قصدها بالحرام فامتنعت فضربها . وقيل : إن هم يوسف كان معصية ، وأنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته ، وإلى هذا القول ذهب معظم المفسرين وعامتهم ، فيما ذكر القشيري أبو نصر ، وابن الأنباري والنحاس والماوردي وغيرهم . قال ابن عباس : حل الهميان وجلس منها مجلس الخاتن ، وعنه : استلقت على قفاها وقعد بين رجليها ينزع ثيابه . وقال سعيد بن جبير : أطلق تكة سراويله . وقال مجاهد : حل السراويل حتى بلغ الأليتين ، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته . قال ابن عباس : ولما قال : ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال له جبريل : ولا حين هممت بها يا يوسف ؟ ! فقال عند ذلك : وما أبرئ نفسي . قالوا : والانكفاف في مثل هذه الحالة دال على الإخلاص ، وأعظم للثواب .
قلت : وهذا كان سبب ثناء الله تعالى على ذي الكفل حسب ما يأتي بيانه في [ ص ] إن شاء الله تعالى . وجواب لولا على هذا محذوف ; أي لولا أن رأى برهان ربه لأمضى ما هم به ; ومثله كلا لو تعلمون علم اليقين وجوابه لم تتنافسوا ; قال ابن عطية : روي هذا القول عن ابن عباس وجماعة من السلف ، وقالوا : الحكمة في ذلك أن يكون مثلا للمذنبين ليروا أن توبتهم ترجع إلى عفو الله تعالى كما رجعت ممن هو خير منهم ولم يوبقه القرب من الذنب ، وهذا كله على أن هم يوسف بلغ فيما روت هذه الفرقة إلى أن جلس بين رجلي زليخاء وأخذ في حل ثيابه وتكته ونحو ذلك ، وهي قد استلقت له ; حكاه الطبري . وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : وابن عباس ومن دونه لا يختلفون في أنه هم بها ، وهم أعلم بالله وبتأويل كتابه ، وأشد تعظيما للأنبياء من أن يتكلموا فيهم بغير علم . وقال الحسن : إن الله - عز وجل - لم يذكر معاصي الأنبياء ليعيرهم بها ; ولكنه ذكرها لكيلا تيأسوا من التوبة . قال الغزنوي : مع أن لزلة الأنبياء حكما : زيادة الوجل ، وشدة الحياء بالخجل ، والتخلي عن عجب العمل ، والتلذذ بنعمة العفو بعد الأمل ، وكونهم أئمة رجاء أهل الزلل . قال القشيري أبو نصر : وقال قوم جرى من يوسف هم ، وكان ذلك الهم حركة طبع من غير تصميم للعقد على الفعل ; وما كان من هذا القبيل لا يؤخذ به العبد ، وقد يخطر بقلب المرء وهو صائم شرب الماء البارد ; وتناول الطعام اللذيذ ; فإذا لم يأكل ولم يشرب ، ولم يصمم عزمه على الأكل والشرب لا يؤاخذ بما هجس في النفس ; والبرهان صرفه عن هذا الهم حتى لم يصر عزما مصمما .
قلت : هذا قول حسن ; وممن قال به الحسن . قال ابن عطية : الذي أقول به في هذه الآية إن كون يوسف نبيا في وقت هذه النازلة لم يصح ، ولا تظاهرت به رواية ; وإذا كان كذلك فهو مؤمن قد أوتي حكما وعلما ، ويجوز عليه الهم الذي هو إرادة الشيء دون مواقعته وأن يستصحب الخاطر الرديء على ما في ذلك من الخطيئة ; وإن فرضناه نبيا في ذلك الوقت فلا يجوز عليه عندي إلا الهم الذي هو خاطر ، ولا يصح عليه شيء مما ذكر من حل تكته ونحوه ; لأن العصمة مع النبوة . وما روي من أنه قيل له : تكون في ديوان الأنبياء وتفعل فعل السفهاء . فإنما معناه العدة بالنبوة فيما بعد .
قلت : ما ذكره من هذا التفصيل صحيح ; لكن قوله تعالى : وأوحينا إليه يدل على أنه كان نبيا على ما ذكرناه ، وهو قول جماعة من العلماء ; وإذا كان نبيا فلم يبق إلا أن يكون الهم الذي هم به ما يخطر في النفس ولا يثبت في الصدر ; وهو الذي رفع الله فيه المؤاخذة عن الخلق ، إذ لا قدرة للمكلف على دفعه ; ويكون قوله : وما أبرئ نفسي - إن كان من قول يوسف - أي من هذا الهم ، أو يكون ذلك منه على طريق التواضع والاعتراف ، لمخالفة النفس لما زكي به قبل وبرئ ; وقد أخبر الله تعالى عن حال يوسف من حين بلوغه فقال : ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما على ما تقدم بيانه ; وخبر الله تعالى صدق ، ووصفه صحيح ، وكلامه حق ; فقد عمل يوسف بما علمه الله من تحريم الزنا ومقدماته ; وخيانة السيد والجار والأجنبي في أهله ; فما تعرض لامرأة العزيز ، ولا أجاب إلى المراودة ، بل أدبر عنها وفر منها ; حكمة خص بها ، وعملا بمقتضى ما علمه الله . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قالت الملائكة رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به فقال ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها وإن تركها فاكتبوها له حسنة إنما تركها من جراي . وقال - عليه السلام - مخبرا عن ربه : إذا هم عبدي بسيئة فلم يعملها كتبت حسنة . فإن كان ما يهم به العبد من السيئة يكتب له بتركها حسنة فلا ذنب ; وفي الصحيح : إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم به وقد تقدم . قال ابن العربي : كان بمدينة السلام إمام من أئمة الصوفية - وأي إمام - يعرف بابن عطاء ! تكلم يوما على يوسف وأخباره حتى ذكر تبرئته مما نسب إليه من مكروه ; فقام رجل من آخر مجلسه وهو مشحون بالخليقة من كل طائفة فقال : يا شيخ ! يا سيدنا ! فإذا يوسف هم وما تم ؟ قال : نعم ! لأن العناية من ثم . فانظر إلى حلاوة العالم والمتعلم ، وانظر إلى فطنة العامي في سؤاله ، وجواب العالم في اختصاره واستيفائه ; ولذلك قال علماء الصوفية : إن فائدة قوله : ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما إنما أعطاه ذلك إبان غلبة الشهوة لتكون له سببا للعصمة .
قلت : وإذا تقررت عصمته وبراءته بثناء الله تعالى عليه فلا يصح ما قال مصعب بن عثمان : إن سليمان بن يسار كان من أحسن الناس وجها ، فاشتاقته امرأة فسامته نفسها فامتنع عليها وذكرها ، فقالت : إن لم تفعل لأشهرنك ; فخرج وتركها ، فرأى في منامه يوسف الصديق - عليه السلام - جالسا فقال : أنت يوسف ؟ فقال : أنا يوسف الذي هممت ، وأنت سليمان الذي لم تهم ؟ ! فإن هذا يقتضي أن تكون درجة الولاية أرفع من درجة النبوة وهو محال ; ولو قدرنا يوسف غير نبي فدرجته الولاية ، فيكون محفوظا كهو ; ولو غلقت على سليمان الأبواب ، وروجع في المقال والخطاب ، والكلام والجواب مع طول الصحبة لخيف عليه الفتنة ، وعظيم المحنة ، والله أعلم .
قوله تعالى : لولا أن رأى برهان ربه " أن " في موضع رفع أي لولا رؤية برهان ربه والجواب محذوف . لعلم السامع ; أي لكان ما كان . وهذا البرهان غير مذكور في القرآن ; فروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن زليخاء قامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت في زاوية البيت فسترته بثوب ، فقال : ما تصنعين ؟ قالت : أستحي من إلهي هذا أن يراني في هذه الصورة ; فقال يوسف : أنا أولى أن أستحي من الله ; وهذا أحسن ما قيل فيه ، لأن فيه إقامة الدليل . وقيل : رأى مكتوبا في سقف البيتولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا . وقال ابن عباس : بدت كف مكتوب عليها وإن عليكم لحافظين وقال قوم : تذكر عهد الله وميثاقه . وقيل : نودي يا يوسف ! أنت مكتوب في ديوان الأنبياء وتعمل عمل السفهاء ؟ ! وقيل : رأى صورة يعقوب على الجدران عاضا على أنملته يتوعده فسكن ، وخرجت شهوته من أنامله ; قاله قتادة ومجاهد والحسن والضحاك . وأبو صالح وسعيد بن جبير . وروى الأعمش عن مجاهد قال : حل سراويله فتمثل له يعقوب ، وقال له : يا يوسف ! فولى هاربا . وروى سفيان عن أبي حصين عن سعيد بن جبير قال : مثل له يعقوب فضرب صدره فخرجت شهوته من أنامله ، قال مجاهد : فولد لكل واحد من أولاد يعقوب اثنا عشر ذكرا إلا يوسف لم يولد له إلا غلامان ، ونقص بتلك الشهوة ولده ; وقيل غير هذا . وبالجملة : فذلك البرهان آية من آيات الله أراها الله يوسف حتى قوي إيمانه ، وامتنع عن المعصية .
قوله تعالى : كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء الكاف من كذلك يجوز أن تكون رفعا ، بأن يكون خبر ابتداء محذوف ، التقدير : البراهين كذلك ، ويكون نعتا لمصدر محذوف ; أي أريناه البراهين رؤية كذلك . والسوء الشهوة ، والفحشاء المباشرة . وقيل : السوء الثناء القبيح ، والفحشاء الزنا . وقيل : السوء خيانة صاحبه ، والفحشاء ركوب الفاحشة . وقيل : السوء عقوبة الملك العزيز .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر " المخلصين " بكسر اللام ; وتأويلها الذين أخلصوا طاعة الله . وقرأ الباقون بفتح اللام ، وتأويلها : الذين أخلصهم الله لرسالته ; وقد كان يوسف - صلى الله عليه وسلم - بهاتين الصفتين ; لأنه كان مخلصا في طاعة الله تعالى ، مستخلصا لرسالة الله تعالى . ❝
❞ أنا يوسف إبراهيم الشاذلي، أبلغ من العمر تسعةً وعشرين ربيعًا، وتستوقفني كلمة ربيعًا؛ لأنني لم أرَ من رونق ألوانها شيئًا، لقبي بين التجار وجميع معارفي ((شيحا))، شاب بسيط من قرية صغيرة تابعة لمركز حوش عيسى في محافظة البحيرة، توقف طموحي الدراسي عند دبلوم الثانوي الفني التجاري، وسبب تنازلي عن دراستي لم يكن كرهًا بها أبدًا، وإنما المسؤوليات التي كانت ملقاة على عاتقي قد أثقلت كاهلي، وكان عليّ أن أختار بين الدراسة أو التجارة، أجل، التجارة شغفي الأول والأخير، التجارة في كل شيء بيع، شراء، مبادلات عقارية، مبادلات صناعية، آليات، أستطيع أن أقول بأن أي شيء كانت يدي تقع عليه أضمه إلى لائحة التجارة، ربما يعود الفضل في هذا التعلق بالتجارة إلى عمي ˝عيسى˝، وهو من أهم وأكبر التجار في ناحيتنا، برغم كل الإساءة التي تعرضت لها منه وبسببه، ولكن لا أبخسه حقه في تشجيعي على عملي هذا، كنت أشعر بسعادة كانت تغمر قلبي ووجداني حينما يناديني أحدهم بـ˝نحلة السوق˝، ربما للوهلة الأولى تجدونه اسمًا مضحكًا، ولكنه محبب لقلبي جدًا وسبب مناداتي هكذا، كان تنقلي السريع في أرجاء السوق ذهابًا وإيابًا بدون كلل أو ملل، كنت سريعًا كالبرق في تلبية أي طلبات، وتحمل أي مسؤولية تقع على عاتقي، وأتقن في أدائها.
حبي لعائلتي والتفاني في خدمتهم كان هو الدافع الأكبر لاجتهادي هذا، أبي الحاج ˝إبراهيم˝، والدتي الحاجة ˝زهرة˝، إخوتي ˝هاني˝، ˝أحمد˝، وأختي الصغرى ˝هند˝ . ❝