❞ {وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الرَّجْع } الطارق: 11
هذه العبارة يشار إليها في الترجمات بمعنى: الارجاع، وتحمل أيضا معنى إعادة الإرسال. وكما هو معلوم فإن الغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض مكون من عدة طبقات وكل طبقة لها دورها في إعادة الإشعاعات التي تتعرض لها إلى الفضاء أو إرسالها إلى الأرض. والآن لنعاين من خلال بعض الأمثلة عملية إعادة الإرسال التي تقوم بها الطبقات المختلفة التي تحيط بالأرض. طبقة التروبوسفير (13-15 كيلومتراً فوق الأرض) تمكن بخار الماء من الصعود من سطح الأرض والتكثف ثم ترجعه مطراً. طبقة الأوزون التي تقع على ارتفاع 25 كيلومتراً تعكس الإشعاعات الضارة والأشعة فوق البنفسجية الآتية من الفضاء وترجعها إلى الفضاء. طبقة الإينوسفير تعكس موجات الراديو التي تبث من الأرض وترجعها إلى مناطق مختلفة من العالم تماما مثل الأقمار الصناعية، وبذلك فإنها تجعل البث الإذاعي والتلفزيوني والاتصالات اللاسلكية طويلة المسافات أمورا ممكنة. أما طبقة الماغنوسفير فإنها تعيد جزئيات الإشعاعات النووية التي تصدر عن الشمس وغيرها من النجوم إلى الفضاء قبل أن تصل إلى الأرض. والحقيقة أن هذه الخاصية من خصائص طبقات الغلاف الجوي التي لم تظهر إلا في الأبحاث المتأخرة قد ذكرت في القرآن الكريم قبل قرون، ومرة أخرى، فإن هذا يثبت بأن القرآن كلام الله. ❝ ⏤هارون يحي
❞﴿وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الرَّجْع ﴾ الطارق: 11
هذه العبارة يشار إليها في الترجمات بمعنى: الارجاع، وتحمل أيضا معنى إعادة الإرسال. وكما هو معلوم فإن الغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض مكون من عدة طبقات وكل طبقة لها دورها في إعادة الإشعاعات التي تتعرض لها إلى الفضاء أو إرسالها إلى الأرض. والآن لنعاين من خلال بعض الأمثلة عملية إعادة الإرسال التي تقوم بها الطبقات المختلفة التي تحيط بالأرض. طبقة التروبوسفير (13-15 كيلومتراً فوق الأرض) تمكن بخار الماء من الصعود من سطح الأرض والتكثف ثم ترجعه مطراً. طبقة الأوزون التي تقع على ارتفاع 25 كيلومتراً تعكس الإشعاعات الضارة والأشعة فوق البنفسجية الآتية من الفضاء وترجعها إلى الفضاء. طبقة الإينوسفير تعكس موجات الراديو التي تبث من الأرض وترجعها إلى مناطق مختلفة من العالم تماما مثل الأقمار الصناعية، وبذلك فإنها تجعل البث الإذاعي والتلفزيوني والاتصالات اللاسلكية طويلة المسافات أمورا ممكنة. أما طبقة الماغنوسفير فإنها تعيد جزئيات الإشعاعات النووية التي تصدر عن الشمس وغيرها من النجوم إلى الفضاء قبل أن تصل إلى الأرض. والحقيقة أن هذه الخاصية من خصائص طبقات الغلاف الجوي التي لم تظهر إلا في الأبحاث المتأخرة قد ذكرت في القرآن الكريم قبل قرون، ومرة أخرى، فإن هذا يثبت بأن القرآن كلام الله. ❝
❞ {وَجَعَلْنَا السّمَآءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ ءَايَاتِهَا مُعرِضُونَ } الأنبياء: 32
هذه الخاصية قد أثبتتها الأبحاث العلمية التي أجريت في القرن العشرين. فالغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض يؤدي وظائف ضرورية لاستمرارية الحياة، فهو حين يدمر الكثير من النيازك الكبيرة والصغيرة فإنه يمنعها من السقوط على سطح الأرض وإيذاء الكائنات الحية. بالإضافة إلى ذلك فإن الغلاف الجوي يصفي شعاع الضوء الآتي من الفضاء المؤذي للكائنات الحية. والملفت أن الغلاف الجوي لا يسمح إلا للإشعاعات غير الضارة مثل الضوء المرئي والأشعة فوق البنفسجية وموجات الراديو بالمرور. وكل هذه الإشعاعات أساسية للحياة. فالأشعة فوق البنفسجية التي يسمح بمرورها بشكل جزئي فقط عبر الغلاف الجوي، ضرورية جدا لعملية التمثيل الضوئي في النباتات ولبقاء الكائنات الحية على قيد الحياة. غالبية الإشعاعات فوق البنفسجية المركزة التي تنبعث من الشمس يتم تصفيتها من خلال طبقة الأوزون في الغلاف الجوي ولا تصل إلا كمية محدودة وضرورية من الطيف فوق البنفسجي إلى الأرض. هذه الوظيفة الوقائية للغلاف الجوي لا تقف عند هذا الحد، بل إن الغلاف الجوي يحمي الأرض من برد الفضاء المجمد الذي يصل إلى 270 درجة مئوية تحت الصفر. وليس الغلاف الجوي فقط هو الذي يحمي الأرض من التأثيرات الضارة، فبالإضافة إلى الغلاف الجوي فإن ما يعرف بحزام فان ألن وهو طبقة نتجت عن حقول الأرض المغناطيسية، تشكل درعاً واقياً من الإشعاعات الضارة التي تهدد كوكبنا. هذه الإشعاعات (التي تصدر عن الشمس وغيرها من النجوم باستمرار) مميتة للكائنات الحية. ولولا وجود حزام فان ألن، لكانت الانفجارات العظيمة للطاقة المسماة التماوجات أو الانفجارات الشمسية (التي تحدث بشكل دائم في الشمس) قد دمرت الأرض. يقول دكتور هوغ روس عن أهمية حزام فان آلن ما يأتي: ‘’ في الحقيقة إن الأرض تملك كثافة أعلى من كل ما تملكه باقي الكواكب في النظام الشمسي، وهذا القلب العظيم للأرض المكون من الحديد والنيكل هو المسؤول عن الحقل المغناطيسي الكبير. وهذا الحقل المغناطيسي هو الذي ينتج درع إشعاعات فان آلن الذي يحمي الأرض من الانفجارات الإشعاعية. ولو لم يكن هذا الدرع موجوداً لما كانت الحياة ممكنة على سطح الأرض. ولا يملك مثل هذا الدرع سوى الأرض وكوكب المريخ الصخري، ولكن قوة حقله المغناطيسي اقل بمائة مرة من قوة حقل الأرض المغناطيسي، وحتى كوكب الزهرة المشابه لكوكبنا ليس لديه حقل مغناطيسي. إن درع فان آلن الإشعاعي هو تصميم فريد خاص بالأرض.’’1 إن الطاقة التي ينقلها انفجار واحد فقط من هذه الانفجارات التي تم حساب قوتها مؤخراً تعادل قوة مائة بليون قنبلة ذرية شبيهة بتلك التي ألقيت فوق هيروشيما. بعد خمس وثمانين ساعة من انفجارها لوحظ أن الإبر المغناطيسية في البوصلات أظهرت حركة غير عادية، ووصلت الحرارة فوق الغلاف الجوي على ارتفاع مائتين وخمسين كيلومتراً إلى 2500 درجة مئوية. وباختصار فإن هناك نظاماً متكاملا يعمل فوق الأرض. وهو يحيط عالمنا ويحميه من التهديدات الخارجية. إلا أن العلماء لم يعلموا بوجوده إلا مؤخرا، ولكن الله سبحانه وتعالى أخبرنا منذ قرون بعيدة من خلال القرآن الكريم عن غلاف الأرض الجوي الذي يشكل درعاً واقياً. ❝ ⏤هارون يحي
هذه الخاصية قد أثبتتها الأبحاث العلمية التي أجريت في القرن العشرين. فالغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض يؤدي وظائف ضرورية لاستمرارية الحياة، فهو حين يدمر الكثير من النيازك الكبيرة والصغيرة فإنه يمنعها من السقوط على سطح الأرض وإيذاء الكائنات الحية. بالإضافة إلى ذلك فإن الغلاف الجوي يصفي شعاع الضوء الآتي من الفضاء المؤذي للكائنات الحية. والملفت أن الغلاف الجوي لا يسمح إلا للإشعاعات غير الضارة مثل الضوء المرئي والأشعة فوق البنفسجية وموجات الراديو بالمرور. وكل هذه الإشعاعات أساسية للحياة. فالأشعة فوق البنفسجية التي يسمح بمرورها بشكل جزئي فقط عبر الغلاف الجوي، ضرورية جدا لعملية التمثيل الضوئي في النباتات ولبقاء الكائنات الحية على قيد الحياة. غالبية الإشعاعات فوق البنفسجية المركزة التي تنبعث من الشمس يتم تصفيتها من خلال طبقة الأوزون في الغلاف الجوي ولا تصل إلا كمية محدودة وضرورية من الطيف فوق البنفسجي إلى الأرض. هذه الوظيفة الوقائية للغلاف الجوي لا تقف عند هذا الحد، بل إن الغلاف الجوي يحمي الأرض من برد الفضاء المجمد الذي يصل إلى 270 درجة مئوية تحت الصفر. وليس الغلاف الجوي فقط هو الذي يحمي الأرض من التأثيرات الضارة، فبالإضافة إلى الغلاف الجوي فإن ما يعرف بحزام فان ألن وهو طبقة نتجت عن حقول الأرض المغناطيسية، تشكل درعاً واقياً من الإشعاعات الضارة التي تهدد كوكبنا. هذه الإشعاعات (التي تصدر عن الشمس وغيرها من النجوم باستمرار) مميتة للكائنات الحية. ولولا وجود حزام فان ألن، لكانت الانفجارات العظيمة للطاقة المسماة التماوجات أو الانفجارات الشمسية (التي تحدث بشكل دائم في الشمس) قد دمرت الأرض. يقول دكتور هوغ روس عن أهمية حزام فان آلن ما يأتي: ‘’ في الحقيقة إن الأرض تملك كثافة أعلى من كل ما تملكه باقي الكواكب في النظام الشمسي، وهذا القلب العظيم للأرض المكون من الحديد والنيكل هو المسؤول عن الحقل المغناطيسي الكبير. وهذا الحقل المغناطيسي هو الذي ينتج درع إشعاعات فان آلن الذي يحمي الأرض من الانفجارات الإشعاعية. ولو لم يكن هذا الدرع موجوداً لما كانت الحياة ممكنة على سطح الأرض. ولا يملك مثل هذا الدرع سوى الأرض وكوكب المريخ الصخري، ولكن قوة حقله المغناطيسي اقل بمائة مرة من قوة حقل الأرض المغناطيسي، وحتى كوكب الزهرة المشابه لكوكبنا ليس لديه حقل مغناطيسي. إن درع فان آلن الإشعاعي هو تصميم فريد خاص بالأرض.’’1 إن الطاقة التي ينقلها انفجار واحد فقط من هذه الانفجارات التي تم حساب قوتها مؤخراً تعادل قوة مائة بليون قنبلة ذرية شبيهة بتلك التي ألقيت فوق هيروشيما. بعد خمس وثمانين ساعة من انفجارها لوحظ أن الإبر المغناطيسية في البوصلات أظهرت حركة غير عادية، ووصلت الحرارة فوق الغلاف الجوي على ارتفاع مائتين وخمسين كيلومتراً إلى 2500 درجة مئوية. وباختصار فإن هناك نظاماً متكاملا يعمل فوق الأرض. وهو يحيط عالمنا ويحميه من التهديدات الخارجية. إلا أن العلماء لم يعلموا بوجوده إلا مؤخرا، ولكن الله سبحانه وتعالى أخبرنا منذ قرون بعيدة من خلال القرآن الكريم عن غلاف الأرض الجوي الذي يشكل درعاً واقياً. ❝
❞ لا أنسى تلك الليلة منذ سنوات وأنا في رحلتي في أدغال أفريقيا الإستوائية أشق النيل العريض في سفينة نيلية وقد تجاوزنا الملكال ودخلنا منطقة يكثر فيها البعوض وينبسط فيها النيل على شكل مستنقعات على مدى البصر .
والسفينة تتهادى على سطح الماء في جو لزج شديد الرطوبة ويقع مريضاً بالملاريا كل من على السفينة حتى الربان .. وأنا أبتلع أقراص الكاموكين بانتظام خوفًا من الإصابة بالحمى .
وذات ليلة خطر لي أن أصعد على سطح السفينة لأشاهد أفريقيا الإستوائية في الليل .
ودهنت وجهي وذراعي بطارد البعوض وتسللت إلى السطح وكان ما رأيته شيئاً كالحلم .
كانت آلاف الأشجار تضيء وتنطفئ وكأنها أشجار الميلاد يلهو بها الأطفال وقد غطوها بآلاف القناديل الكهربائية الصغيرة يضيئونها ويطفئونها معًا .
ومسحت على عيني من الدهشة .. وعدت أنظر .
كان ما أرى حقيقة لا خيالًا .
كانت الأشجار تومض بالفعل كأنها مغطاة بآلاف الكهارب ثم تنطفئ .
وأخبرني الربان أن ما رأيت في تلك الليلة كان هو الحقيقة بعينها .. وأن تلك الأشجار تغطيها آلاف من حشرات الحباحب المضيئة وأنها تضيء معًا لتجذب البعوض بضوئها ثم تأكله وتعود فتنطفئ من جديد .. وأن هذه سُنّة الطبيعة .. كلما تكاثرت فيها حشرة اصطنع لها الله حشرة مضادة تأكلها ليحفظ للمخلوقات توازنها فلا يطغى واحد على الآخر إلا بحساب .
وظللت أذكر تلك الليلة .
وظللت أذكر ذلك الحديث .
وكل يوم يجتمع لديّ المزيد من الأدلة بأن الكون هو بالفعل مسرح للتوازن العظيم في كل شيء .. وأن كل شيء قد قُدِّر فيه تقديرًا دقيقًا .
لو كانت الكرة الأرضية أصغر حجمًا مما هي لضغطت جاذبيتها ولأفلت الهواء من جوها وتبعثر في الفضاء ولتبخر الماء وتبدد ولأصبحت جرداء مثل القمر لا ماء ولا هواء ولا جو ولاستحالت الحياة .
ولو كانت أكبر حجمًا مما هي لازدادت قوتها الجاذبة ولأصبحت الحركة على سطحها أكثر مشقة ولازداد وزن كل منا أضعافًا ولأصبح جسده عبئًا ثقيلًا لا يمكن حمله .
ولو أنها دارت حول نفسها بسرعة أقل كسرعة القمر مثلًا لاستطال النهار إلى 14 يومًا والليل إلى 14 ليلة ولتقلب الجو من حر مهلك بطول أسبوعين إلى صقيع قاتل بطول أسبوعين ولأصبحت الحياة مستحيلة .
وبالمثل لو أن الأرض اقتربت في فلكها من الشمس مثل حال الزهرة لأهلكتنا الحرارة .. ولو أنها ابتعدت في مدارها مثل زحل والمشتري لأهلكنا البرد .
وأكثر من هذا فنحن نعلم أنها تدور بزاوية ميل قدرها 33 درجة الأمر الذي تنشأ عنه المواسم وتنتج عنه صلاحية أكثر مناطق الأرض للزراعة والسكن .
ولو كانت قشرة الأرض أكثر سُمكًا لامتصت الأكسجين, ولما وجدنا حاجتنا من هذا الغاز الثمين .
ولو كانت البحار أعمق لامتصت المياه الزائدة ثاني أكسيد الكربون ولما وجد النبات كفايته ليعيش ويتنفس .
ولو كان الغلاف الهوائي أقل كثافة لأحرقتنا النيازك والشهب المتساقطة بدلًا من أن تستهلك هذه الشهب وتتفتت في أثناء اختراقها للغلاف الهوائي الكثيف كما يحدث حاليًا .
ولو زادت نسبة الأكسجين عما هي عليه حاليّاً في الجو لازدادت القابلية للاحتراق و لتحولت الحرائق البسيطة إلى انفجارات هائلة .
ولو انخفضت لاستحال نشاطنا إلى خمول .
ولولا أن الثلج أقل كثافة من الماء لما طفا على السطح ولما حفظ أعماق البحار دافئة وصالحة لحياة الأسماك والأحياء البحرية .
ولولا مظلة الأوزون المنصوبة في الفضاء فوق الأرض والتي تمنع وصول الأشعة فوق البنفسجية إلى الأرض إلا بنسب ضئيلة .. لأهلكتنا هذه الأشعة القاتلة .
فإذا جئنا إلى تشريح الإنسان نفسه فسوف نرى المعجز والملغز من أمر هذا التوازن الدقيق المحسوب .. فكل عنصر له في الدم نسبة ومقدار .. الصوديوم .. البوتاسيوم .. الكالسيوم .. السكر .. الكوليسترول .. البولينا .
وأي اختلال في هذه النسب ولو بمقادير ضئيلة يكون معناه المرض .. فإذا تفاقم الاختلال فهو العجز والموت .
والجسم مسلح بوسائل آلية تعمل في تلقائية على حفظ هذا التوازن طوال الحياة .
بل إن قلوية الدم لها ضوابط لحفظها .
وحموضة البول لها ضوابط لحفظها .
ودرجة الحرارة المكيفة دائمًا عند 37 مئوية، من ورائها عمليات فسيولوجية وكيميائية ثابتة متزنة عن هذا المستوى .
وكذلك ضغط الدم .
وتوتر العضلات .
ونبض القلب .
ونظام الإمتصاص والإخراج .
ونظام الاحتراق الكيميائي في فرن الكبد .
ثم الاتزان العصبي بين عوامل التهدئة والإثارة .
ثم عملية التنظيم التي تقوم بها الهرمونات والإنزيمات بين التعجيل والإبطاء للعمليات الكيميائية والحيوية .
معجزة فنية من معجزات التوازن والاتساق والهارموني يعرفها كل طبيب وكل دارس للفسيولوجيا والتشريح والكيمياء العضوية .
(( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرا ))
(الفرقان – 2)
ولن تنتهي الأمثلة في علم النبات و الحيوان و الطب و الفلك , مجلدات و مجلدات .و كل صفحة سوف تؤيد وتؤكد هذا التوازن المحكم والإنضباط العظيم في عالم الخلق والمخلوقات .
والقول بأن كل هذا الاتساق والنظام حدث صدفة واتفاقًا هو السذاجة بعينها . كقولنا إن انفجارًا في مطبعة أدى إلى أن تصطف الحروف على هيئة قاموس محكم .
والكيميائي المغرور الذي قال .. آتوني بالهواء والماء والطين وظروف نشأة الحياة الأولى وأنا أصنع لكم إنسانًا .. هذا الكيميائي قد قرر احتجاجه سلفًا لكل العناصر والظروف .. وهو اعتراف بالعجز عن تقليد صنعة الخالق الذي خلق كل شيء وخلق ظروفه أيضًا .
ولو أنا آتيناه بكل هذه العناصر وكل تلك الظروف .. ولو أنه فرضًا وجدلًا استطاع أن يخلق إنساناً ... فإنه لن يقول .. صنعته الصدفة ... بل إنه سوف يقول .. صنعته أنا .
والكلام عن القرد الذي يجلس على آلة كاتبة لمدى اللانهاية من الزمان ليدق لانهاية من الإمكانيات .. وكيف أنه لا بد يوماً ما أن يدق بالصدقة بيتاً لشكسبير أو جملة مفيدة .. هو كلام مردود عليه .
فسوف نسلم جدلاً وفرضاً بأن هذا حدث في الطبيعة وبأنه حدث صدفة واتفاقاً وبعد ملايين الملايين من التباديل والتوافيق بين العناصر ...تكونت بالصدفة في مياه المستنقعات كمية من الحامض النووي DNA الذي يستطيع أن يكرر نفسه .
لكن ...كيف تطورت هذه الكمية من الحامض العضوي إلى الحياة التي نراها ؟
سوف نعود فنقول بالصدفة أمكن تشكيل البروتوبلازم .
ثم بصدفة أخرى تشكلت الخلية .
ثم بصدفة ثالثة تشعبت إلى نوعين خلية نباتية وخلية حيوانية .
ثم نتسلق شجرة الحياة درجة درجة ومعنا هذا المفتاح السحري .
كلما أعيتنا الحيلة في فهم شيء قلنا إنه حدث صدفة .
هل هذا معقول .. ؟!
بالصدفة تستدل الطيور والأسماك المهاجرة على أوطانها على بعد آلاف الأميال وعبر الصحارى والبحار .
بالصدفة يكسر الكتكوت البيضة عند أضعف نقطة فيها ليخرج .
بالصدفة تلتئم الجروح وتخيط شفراتها بنفسها بدون جراح .
بالصدفة يدرك عباد الشمس أن الشمس هي مصدر حياته فيتبعها .
بالصدفة تصنع أشجار الصحارى لنفسها بذوراً مجنحة لتطير عبر الصحارى إلى حيث ظروف إنبات وري وأمطار أحسن .
بالصدفة اكتشف النبات قنبلته الخضراء ( الكلوروفيل) واستخدامها في توليد طاقة حياته .
بالصدفة صنعت البعوضة لبيضها أكياساً للطفو (بدون معونة أرشميدس) .
والنحلة التي أقامت مجتمعاً ونظاماً ومارست العمارة وفنون الكيمياء المعقدة التي تحول بها الرحيق إلى عسل وشمع .
وحشرة الترميت التي اكتشفت القوانين الأولية لتكيف الهواء فأقامت بيوتًا مكيفة وطبقت في مجتمعها نظاماً صارماً للطبقات .
والحشرات الملونة التي اكتشفت أصول وفن مكياج التنكر والتخفي .
هل كل هذا جاء صدفة .
وإذا سلمنا بصدفة واحدة في البداية .فكيف يقبل العقل سلسلة متلاحقة من المصادفات والخبطات العشوائية .
إنها السذاجة بعينها التي لا تحدث إلا في الأفلام الهزلية الرخيصة .
وقد وجد الفكر المادي نفسه في مأزق أمام هذه السذاجة فبدأ يحاول التخلص من كلمة صدفة ليفترض فرضاً آخر ..
فقال إن كل هذه الحياة المذهلة بألوانها وتصانيفها بدأت من حالة ضرورة .. مثل الضرورة التي تدفعك إلى الطعام ساعة الجوع . ثم بتعقد الظروف والبيئات والحاجات فنشأت كل هذه الألوان .
وهو مجرد لعب بالألفاظ .
فمكان الصدفة وضعوا كلمة (( تعقد الضرورة )) .
وهي في نظرهم تتعقد تلقائيّاً .. وتنمو من نغمة واحدة إلى سمفونية تلقائياً .
كيف ؟
كيف ينمو الحدث الواحد إلى قصة محبوكة بدون عقل مؤلف ؟
ومَن الذي أقام الضرورة أصلاً ؟
وكيف تقوم الضرورة مِن لا ضرورة ؟
إنها استمالة العقل الخبيث المكابر ليتجنب صوت الفطرة الذي يفرض نفسه فرضاً ليقول إن هناك خالقاً مدبراً هو اليد الهادية و عصا المايسترو التي تقود هذه المعزوفة الجميلة الرائعة .
هذا التوازن العظيم والاتساق المذهل والتوافق والتلاحم والانسجام الذي يتألف من ملايين الدقائق والتفاصيل يصرخ بأن هناك مبدعاً لهذه البدائع وأنه إله قادر جامع لكل الكمالات قريب من مخلوقاته قرب دمها من أجسادها .. معتني بها عناية الأب الحنون مستجيباً لحاجاتها سميعاً لآهاتها بصيراً بحالاتها .. وأنه الله الذي وصفته لنا الأديان بأسمائه الحسنى ولا سواه .. وليس القانون الأصم الذي تقول به العلوم المادية البكماء .. ولا إله أرسطو المنعزلين .. ولا إله أفلاطون القابع في عالم المُثُل .. ولا هو الوجود المادي بكليته كما تصور إسبينواز وأتباع الوجود .
و إنما هو :
الأحد .
الذي ليس كمثله شيء .
المتعالي على كل ما نعرف من حالات و صور و أشكال و زمان و مكان .
ظاهر بأفعاله خفي بذاته .. لا تراه الأبصار و يرى كل الأبصار .. بل إن كل الأبصار ترى به و بنوره و بما أودع فيها من قدرة .
و العقل العلمي لا يعترف بهذه الكلمات الصوفية و يريد أن يرى الله ليعترف به .. فإذا قلنا له إن الله ليس محدوداً ليقع في مدى الأبصار .. و إنه اللانهاية و إنه الغيب .
يقول لنا العلم . إنه لهذا لا يعترف به . و إنه ليس من العلم الإيمان بالغيب و إن مجال العلم هو المحسوس , يبدأ من المحسوس و ينتهي إلى المحسوس .
فنقول للعلم .. كذبت .
إن نصف العلم الآن أصبح غيباً .
العلم يلاحظ و يدون الملاحظات .. يلاحظ أن صعود الجبل أشق من النزول منه .. و إن رفع حجر على الظهر أصعب من رفع عصاً .. و أن الطير إذا مات وقع على الأرض . و أن التفاحة تقع هي الأخرى من شجرتها على الأرض .. و أن القمر يدور معلقاً في السماء .
و هي ملاحظات لا تبدو بينها علقة .
و لكن حينما يكتشف نيوتن الجاذبية ترتبط كل هذه الملاحظات لتصبح شواهد دالة على هذه الجاذبية .. وقوع التفاحة من شجرتها وصعوبة تسلق الجبل و صعوبة رفع الحجر .. و تعلق القمر بالسماء .
إنها نظرية فسرت لنا الواقع .
و مع ذلك فهذه الجاذبية غيب لا أحد يعرف كنهها .. لم ير أحد الأعمدة التي ترفع السماوات بما فيها من نجوم و كواكب .
و نيوتن نفسه و هو صاحب النظرية يقول في خطاب إلى صديقه بنتلى :
إنه لأمر غير مفهوم أن نجد مادة لا حياة فيها و لا إحساس تؤثر على مادة أخرى و تجذبها مع أنه لا توجد بينهم أي علاقة .
فها هي ذي نظرية علمية نتداولها و نؤمن بها و نعتبرها علماً .. و هي غيب في غيب .
و الإلكترون .
و الموجة الكلاسيكية .
و الذرة .
و النترون .
لم نر منها شيئاً و مع ذلك نؤمن بوجودها اكتفاء بآثارها . و نقيم عليها علوماً متخصصة و نبني لها المعامل و المختبرات .. و هي غيب في غيب .. بالنسبة لحواسنا .
و العلم لم يعرف ماهية أي شيء على الإطلاق .
و نحن لا نعرف إلا أسماء . لا نعرف إلا مسميات .. نحن لا نتبادل مصطلحات دون أن نعرف لها كنهاً .
و الله حينما علم آدم الأسماء فقط و لم يعلمه المسميات .
((و عَلَّمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلَّهَا))
(31 – البقرة)
و هذه هي حدود العلم .
و غاية مطمع العلم أن يتعرف على العلاقات و المقادير . و لكنه لا يستطيع أن يرى جوهر أي شيء أو ماهيته أو كنهه . هو دائماً يتعرف على الأشياء من ظواهرها و يتحسسها من خارجها .
و مع ذلك فهو يحتضن بنظرياته كل الماهيات و يفترض الفروض و يتصور مسائل هي بالنسبة لأدواته محض غيب و تخمين .
نحن في عصر العلم الغيبي .. والضرب في متاهات الفروض .
و ليس للعلم الآن أن يحتج على الغيبيات بعد أن غرق إلى أذنيه في الغيبيات .
و أولى بنا أن نؤمن بعالم الغيب . خالقنا البر الكريم . الذي نرى آثاره في كل لمحة عين و كل نبضة قلب و كل سبحة تأمل .
هذا أمر أولى بنا من الغرق في الفروض .
مقال / التوازن العظيم .
من كتاب/ رحلتي من الشك إلى الإيمان
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ لا أنسى تلك الليلة منذ سنوات وأنا في رحلتي في أدغال أفريقيا الإستوائية أشق النيل العريض في سفينة نيلية وقد تجاوزنا الملكال ودخلنا منطقة يكثر فيها البعوض وينبسط فيها النيل على شكل مستنقعات على مدى البصر .
والسفينة تتهادى على سطح الماء في جو لزج شديد الرطوبة ويقع مريضاً بالملاريا كل من على السفينة حتى الربان . وأنا أبتلع أقراص الكاموكين بانتظام خوفًا من الإصابة بالحمى .
وذات ليلة خطر لي أن أصعد على سطح السفينة لأشاهد أفريقيا الإستوائية في الليل .
ودهنت وجهي وذراعي بطارد البعوض وتسللت إلى السطح وكان ما رأيته شيئاً كالحلم .
كانت آلاف الأشجار تضيء وتنطفئ وكأنها أشجار الميلاد يلهو بها الأطفال وقد غطوها بآلاف القناديل الكهربائية الصغيرة يضيئونها ويطفئونها معًا .
ومسحت على عيني من الدهشة . وعدت أنظر .
كان ما أرى حقيقة لا خيالًا .
كانت الأشجار تومض بالفعل كأنها مغطاة بآلاف الكهارب ثم تنطفئ .
وأخبرني الربان أن ما رأيت في تلك الليلة كان هو الحقيقة بعينها . وأن تلك الأشجار تغطيها آلاف من حشرات الحباحب المضيئة وأنها تضيء معًا لتجذب البعوض بضوئها ثم تأكله وتعود فتنطفئ من جديد . وأن هذه سُنّة الطبيعة . كلما تكاثرت فيها حشرة اصطنع لها الله حشرة مضادة تأكلها ليحفظ للمخلوقات توازنها فلا يطغى واحد على الآخر إلا بحساب .
وظللت أذكر تلك الليلة .
وظللت أذكر ذلك الحديث .
وكل يوم يجتمع لديّ المزيد من الأدلة بأن الكون هو بالفعل مسرح للتوازن العظيم في كل شيء . وأن كل شيء قد قُدِّر فيه تقديرًا دقيقًا .
لو كانت الكرة الأرضية أصغر حجمًا مما هي لضغطت جاذبيتها ولأفلت الهواء من جوها وتبعثر في الفضاء ولتبخر الماء وتبدد ولأصبحت جرداء مثل القمر لا ماء ولا هواء ولا جو ولاستحالت الحياة .
ولو كانت أكبر حجمًا مما هي لازدادت قوتها الجاذبة ولأصبحت الحركة على سطحها أكثر مشقة ولازداد وزن كل منا أضعافًا ولأصبح جسده عبئًا ثقيلًا لا يمكن حمله .
ولو أنها دارت حول نفسها بسرعة أقل كسرعة القمر مثلًا لاستطال النهار إلى 14 يومًا والليل إلى 14 ليلة ولتقلب الجو من حر مهلك بطول أسبوعين إلى صقيع قاتل بطول أسبوعين ولأصبحت الحياة مستحيلة .
وبالمثل لو أن الأرض اقتربت في فلكها من الشمس مثل حال الزهرة لأهلكتنا الحرارة . ولو أنها ابتعدت في مدارها مثل زحل والمشتري لأهلكنا البرد .
وأكثر من هذا فنحن نعلم أنها تدور بزاوية ميل قدرها 33 درجة الأمر الذي تنشأ عنه المواسم وتنتج عنه صلاحية أكثر مناطق الأرض للزراعة والسكن .
ولو كانت قشرة الأرض أكثر سُمكًا لامتصت الأكسجين, ولما وجدنا حاجتنا من هذا الغاز الثمين .
ولو كانت البحار أعمق لامتصت المياه الزائدة ثاني أكسيد الكربون ولما وجد النبات كفايته ليعيش ويتنفس .
ولو كان الغلاف الهوائي أقل كثافة لأحرقتنا النيازك والشهب المتساقطة بدلًا من أن تستهلك هذه الشهب وتتفتت في أثناء اختراقها للغلاف الهوائي الكثيف كما يحدث حاليًا .
ولو زادت نسبة الأكسجين عما هي عليه حاليّاً في الجو لازدادت القابلية للاحتراق و لتحولت الحرائق البسيطة إلى انفجارات هائلة .
ولو انخفضت لاستحال نشاطنا إلى خمول .
ولولا أن الثلج أقل كثافة من الماء لما طفا على السطح ولما حفظ أعماق البحار دافئة وصالحة لحياة الأسماك والأحياء البحرية .
ولولا مظلة الأوزون المنصوبة في الفضاء فوق الأرض والتي تمنع وصول الأشعة فوق البنفسجية إلى الأرض إلا بنسب ضئيلة . لأهلكتنا هذه الأشعة القاتلة .
فإذا جئنا إلى تشريح الإنسان نفسه فسوف نرى المعجز والملغز من أمر هذا التوازن الدقيق المحسوب . فكل عنصر له في الدم نسبة ومقدار . الصوديوم . البوتاسيوم . الكالسيوم . السكر . الكوليسترول . البولينا .
وأي اختلال في هذه النسب ولو بمقادير ضئيلة يكون معناه المرض . فإذا تفاقم الاختلال فهو العجز والموت .
والجسم مسلح بوسائل آلية تعمل في تلقائية على حفظ هذا التوازن طوال الحياة .
بل إن قلوية الدم لها ضوابط لحفظها .
وحموضة البول لها ضوابط لحفظها .
ودرجة الحرارة المكيفة دائمًا عند 37 مئوية، من ورائها عمليات فسيولوجية وكيميائية ثابتة متزنة عن هذا المستوى .
وكذلك ضغط الدم .
وتوتر العضلات .
ونبض القلب .
ونظام الإمتصاص والإخراج .
ونظام الاحتراق الكيميائي في فرن الكبد .
ثم الاتزان العصبي بين عوامل التهدئة والإثارة .
ثم عملية التنظيم التي تقوم بها الهرمونات والإنزيمات بين التعجيل والإبطاء للعمليات الكيميائية والحيوية .
معجزة فنية من معجزات التوازن والاتساق والهارموني يعرفها كل طبيب وكل دارس للفسيولوجيا والتشريح والكيمياء العضوية .
(( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرا ))
(الفرقان – 2)
ولن تنتهي الأمثلة في علم النبات و الحيوان و الطب و الفلك , مجلدات و مجلدات .و كل صفحة سوف تؤيد وتؤكد هذا التوازن المحكم والإنضباط العظيم في عالم الخلق والمخلوقات .
والقول بأن كل هذا الاتساق والنظام حدث صدفة واتفاقًا هو السذاجة بعينها . كقولنا إن انفجارًا في مطبعة أدى إلى أن تصطف الحروف على هيئة قاموس محكم .
والكيميائي المغرور الذي قال . آتوني بالهواء والماء والطين وظروف نشأة الحياة الأولى وأنا أصنع لكم إنسانًا . هذا الكيميائي قد قرر احتجاجه سلفًا لكل العناصر والظروف . وهو اعتراف بالعجز عن تقليد صنعة الخالق الذي خلق كل شيء وخلق ظروفه أيضًا .
ولو أنا آتيناه بكل هذه العناصر وكل تلك الظروف . ولو أنه فرضًا وجدلًا استطاع أن يخلق إنساناً .. فإنه لن يقول . صنعته الصدفة .. بل إنه سوف يقول . صنعته أنا .
والكلام عن القرد الذي يجلس على آلة كاتبة لمدى اللانهاية من الزمان ليدق لانهاية من الإمكانيات . وكيف أنه لا بد يوماً ما أن يدق بالصدقة بيتاً لشكسبير أو جملة مفيدة . هو كلام مردود عليه .
فسوف نسلم جدلاً وفرضاً بأن هذا حدث في الطبيعة وبأنه حدث صدفة واتفاقاً وبعد ملايين الملايين من التباديل والتوافيق بين العناصر ..تكونت بالصدفة في مياه المستنقعات كمية من الحامض النووي DNA الذي يستطيع أن يكرر نفسه .
لكن ..كيف تطورت هذه الكمية من الحامض العضوي إلى الحياة التي نراها ؟
سوف نعود فنقول بالصدفة أمكن تشكيل البروتوبلازم .
ثم بصدفة أخرى تشكلت الخلية .
ثم بصدفة ثالثة تشعبت إلى نوعين خلية نباتية وخلية حيوانية .
ثم نتسلق شجرة الحياة درجة درجة ومعنا هذا المفتاح السحري .
كلما أعيتنا الحيلة في فهم شيء قلنا إنه حدث صدفة .
هل هذا معقول . ؟!
بالصدفة تستدل الطيور والأسماك المهاجرة على أوطانها على بعد آلاف الأميال وعبر الصحارى والبحار .
بالصدفة يكسر الكتكوت البيضة عند أضعف نقطة فيها ليخرج .
بالصدفة تلتئم الجروح وتخيط شفراتها بنفسها بدون جراح .
بالصدفة يدرك عباد الشمس أن الشمس هي مصدر حياته فيتبعها .
بالصدفة تصنع أشجار الصحارى لنفسها بذوراً مجنحة لتطير عبر الصحارى إلى حيث ظروف إنبات وري وأمطار أحسن .
بالصدفة اكتشف النبات قنبلته الخضراء ( الكلوروفيل) واستخدامها في توليد طاقة حياته .
والنحلة التي أقامت مجتمعاً ونظاماً ومارست العمارة وفنون الكيمياء المعقدة التي تحول بها الرحيق إلى عسل وشمع .
وحشرة الترميت التي اكتشفت القوانين الأولية لتكيف الهواء فأقامت بيوتًا مكيفة وطبقت في مجتمعها نظاماً صارماً للطبقات .
والحشرات الملونة التي اكتشفت أصول وفن مكياج التنكر والتخفي .
هل كل هذا جاء صدفة .
وإذا سلمنا بصدفة واحدة في البداية .فكيف يقبل العقل سلسلة متلاحقة من المصادفات والخبطات العشوائية .
إنها السذاجة بعينها التي لا تحدث إلا في الأفلام الهزلية الرخيصة .
وقد وجد الفكر المادي نفسه في مأزق أمام هذه السذاجة فبدأ يحاول التخلص من كلمة صدفة ليفترض فرضاً آخر .
فقال إن كل هذه الحياة المذهلة بألوانها وتصانيفها بدأت من حالة ضرورة . مثل الضرورة التي تدفعك إلى الطعام ساعة الجوع . ثم بتعقد الظروف والبيئات والحاجات فنشأت كل هذه الألوان .
وهو مجرد لعب بالألفاظ .
فمكان الصدفة وضعوا كلمة (( تعقد الضرورة )) .
وهي في نظرهم تتعقد تلقائيّاً . وتنمو من نغمة واحدة إلى سمفونية تلقائياً .
كيف ؟
كيف ينمو الحدث الواحد إلى قصة محبوكة بدون عقل مؤلف ؟
ومَن الذي أقام الضرورة أصلاً ؟
وكيف تقوم الضرورة مِن لا ضرورة ؟
إنها استمالة العقل الخبيث المكابر ليتجنب صوت الفطرة الذي يفرض نفسه فرضاً ليقول إن هناك خالقاً مدبراً هو اليد الهادية و عصا المايسترو التي تقود هذه المعزوفة الجميلة الرائعة .
هذا التوازن العظيم والاتساق المذهل والتوافق والتلاحم والانسجام الذي يتألف من ملايين الدقائق والتفاصيل يصرخ بأن هناك مبدعاً لهذه البدائع وأنه إله قادر جامع لكل الكمالات قريب من مخلوقاته قرب دمها من أجسادها . معتني بها عناية الأب الحنون مستجيباً لحاجاتها سميعاً لآهاتها بصيراً بحالاتها . وأنه الله الذي وصفته لنا الأديان بأسمائه الحسنى ولا سواه . وليس القانون الأصم الذي تقول به العلوم المادية البكماء . ولا إله أرسطو المنعزلين . ولا إله أفلاطون القابع في عالم المُثُل . ولا هو الوجود المادي بكليته كما تصور إسبينواز وأتباع الوجود .
و إنما هو :
الأحد .
الذي ليس كمثله شيء .
المتعالي على كل ما نعرف من حالات و صور و أشكال و زمان و مكان .
ظاهر بأفعاله خفي بذاته . لا تراه الأبصار و يرى كل الأبصار . بل إن كل الأبصار ترى به و بنوره و بما أودع فيها من قدرة .
و العقل العلمي لا يعترف بهذه الكلمات الصوفية و يريد أن يرى الله ليعترف به . فإذا قلنا له إن الله ليس محدوداً ليقع في مدى الأبصار . و إنه اللانهاية و إنه الغيب .
يقول لنا العلم . إنه لهذا لا يعترف به . و إنه ليس من العلم الإيمان بالغيب و إن مجال العلم هو المحسوس , يبدأ من المحسوس و ينتهي إلى المحسوس .
فنقول للعلم . كذبت .
إن نصف العلم الآن أصبح غيباً .
العلم يلاحظ و يدون الملاحظات . يلاحظ أن صعود الجبل أشق من النزول منه . و إن رفع حجر على الظهر أصعب من رفع عصاً . و أن الطير إذا مات وقع على الأرض . و أن التفاحة تقع هي الأخرى من شجرتها على الأرض . و أن القمر يدور معلقاً في السماء .
و هي ملاحظات لا تبدو بينها علقة .
و لكن حينما يكتشف نيوتن الجاذبية ترتبط كل هذه الملاحظات لتصبح شواهد دالة على هذه الجاذبية . وقوع التفاحة من شجرتها وصعوبة تسلق الجبل و صعوبة رفع الحجر . و تعلق القمر بالسماء .
إنها نظرية فسرت لنا الواقع .
و مع ذلك فهذه الجاذبية غيب لا أحد يعرف كنهها . لم ير أحد الأعمدة التي ترفع السماوات بما فيها من نجوم و كواكب .
و نيوتن نفسه و هو صاحب النظرية يقول في خطاب إلى صديقه بنتلى :
إنه لأمر غير مفهوم أن نجد مادة لا حياة فيها و لا إحساس تؤثر على مادة أخرى و تجذبها مع أنه لا توجد بينهم أي علاقة .
فها هي ذي نظرية علمية نتداولها و نؤمن بها و نعتبرها علماً . و هي غيب في غيب .
و الإلكترون .
و الموجة الكلاسيكية .
و الذرة .
و النترون .
لم نر منها شيئاً و مع ذلك نؤمن بوجودها اكتفاء بآثارها . و نقيم عليها علوماً متخصصة و نبني لها المعامل و المختبرات . و هي غيب في غيب . بالنسبة لحواسنا .
و العلم لم يعرف ماهية أي شيء على الإطلاق .
و نحن لا نعرف إلا أسماء . لا نعرف إلا مسميات . نحن لا نتبادل مصطلحات دون أن نعرف لها كنهاً .
و الله حينما علم آدم الأسماء فقط و لم يعلمه المسميات .
((و عَلَّمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلَّهَا))
(31 – البقرة)
و هذه هي حدود العلم .
و غاية مطمع العلم أن يتعرف على العلاقات و المقادير . و لكنه لا يستطيع أن يرى جوهر أي شيء أو ماهيته أو كنهه . هو دائماً يتعرف على الأشياء من ظواهرها و يتحسسها من خارجها .
و مع ذلك فهو يحتضن بنظرياته كل الماهيات و يفترض الفروض و يتصور مسائل هي بالنسبة لأدواته محض غيب و تخمين .
نحن في عصر العلم الغيبي . والضرب في متاهات الفروض .
و ليس للعلم الآن أن يحتج على الغيبيات بعد أن غرق إلى أذنيه في الغيبيات .
و أولى بنا أن نؤمن بعالم الغيب . خالقنا البر الكريم . الذي نرى آثاره في كل لمحة عين و كل نبضة قلب و كل سبحة تأمل .
هذا أمر أولى بنا من الغرق في الفروض .
مقال / التوازن العظيم .
من كتاب/ رحلتي من الشك إلى الإيمان
❞ حوار مع صديقي الملحد
..
قلت لصديقي : ربما كان حديث اليوم عن لمحات العلم في القرآن أكثر إثارة لعقلك العلمي من جلستنا السابقة .. فما كان الفلك الحديث ، و لا علوم الذرّة ، و لا علوم البيولوجيا و التشريح معروفة حينما نزلت الآيات الكونية في القرآن منذ أكثر من ألف و أربعمائة سنة لتتكلم عن السماوات و الأرض و النجوم و الكواكب ، و خلق الجنين و تكوين الإنسان بما يتفق مع أحداث العلوم التي جاء بها عصرنا .و لم يتعرض القرآن لهذه الموضوعات بتفصيل الكتاب العلمي المتخصص ، لأنه جاء في المقام الأول كتاب عقيدة و منهج و تشريع ..و لو أنه تعرض لتلك الموضوعات بتفصيل و وضوح لصدم العرب بما لا يفهمونه .. و لهذا لجأ إلى أسلوب الإشارة و اللمحة و الومضة لتفسرها علوم المستقبل و كشوفه بعد ذلك بمئات السنين .. و تظهر للناس جيلاً بعد جيل كآيات و معجزات على صدق نزول القرآن من الله الحق ..
( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (
لأنهم لم يكتفوا بشهادة الله على كتابه .. فأصبح من الضروري أن نريهم ذلك بالآيات الكاشفة .. هكذا يقول الله في كتابه ..و ما زال القرآن يكشف لنا يوماً بعد يوم مزيداً من تلك الآيات العجيبة .. و حول كروية الأرض جاءت هذه الآيات الصريحة التي تستخدم لفظ التكوير لتصف انزلاق الليل و النهار كنصفي كرة :
( يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ)
ثم الآية التي تصف دحو الأرض ..
( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا )
و دحا هي الكلمة الوحيدة في القاموس التي تعني البسط والتكوير معاً .. و الأرض كما هو معلوم مبسوطة في الظاهر و مكورة في الحقيقة ، بل هي أشبه بالدحية " البيضة " في تكويرها .. ثم نقرأ إشارة أخرى صريحة عن أن الجبال تسبح في الفضاء ، و بالتالي فالأرض كلها تسبح بجبالها حيث هي و الجبال كتلة واحدة :
( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ (
فالجبال التي تبدو جامدة ساكنة هي في الواقع سابحة في الفضاء .. و تشبيه الجبال بالسحب فيه لمحة أخرى عن التكوين الهش للمادة .. التي نعرف الآن أنها مؤلفة من ذرّات ، كما أن السحب مؤلفة من قطيرات . .ثم الكلام عن تواقت الليل والنهار بدون أن يسبق أحدهما الآخر من مبدأ الخلق إلى نهايته .
( لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ )
إشارة أخرى إلى كروية الأرض .. حيث بدأ الليل والنهار معاً وفي وقت واحد منذ بدء الخليقة كنصفي كرة ولو كانت الأرض مسطحة لتعاقب النهار والليل الواحد بعد الآخر بالضرورة .
ثم تأتي القيامة والأرض في ليل ونهار في وقت واحد كما كانت في البدء
( حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ )
و في قوله تعالى ليلاً أو نهاراً .. تأكيد لهذا التواقت الذي لا تفسير له إلا أن نصف الأرض محجوب عن الشمس و مظلم ، و الآخر مواجه للشمس و مضيء بحكم كونها كروية ، و لو كانت مسطحة لكان لها في كل وقت وجه واحد ، و لما صح أن نقول :
( وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ )
ثم تعدد المشارق و المغارب في القرآن فالله يُوصَف :
( بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ(
رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ )
و لو كانت الأرض مسطحة لكان هناك مشرق واحد ومغرب واحد ، يقول الإنسان لشيطانه يوم القيامة :
( يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ (
ولا تكون المسافة على الأرض أبعد ما تكون بين مشرقين إلا إذا كانت الأرض كروية ..ثم الكلام عن السماء بأن فيها مسارات ومجالات وطرقاً :
( وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ )
والحبك هي المسارات..
( وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ )
أي أنها ترجع كل ما يرتفع فيها إلى الأرض .. ترجع بخار الماء مطراً .. وترجع الأجسام بالجاذبية الأرضية .. وترجع الأمواج اللاسلكية بانعكاسها من طبقة الأيونوسفير .. كما ترجع الأشعة الحرارية تحت الحمراء معكوسة إلى الأرض بنفس الطريقة فتدفئها في الليل ..وكما تعكس السماء ما ينقذف إليها من الأرض كذلك تمتص وتعكس وتشتت ما ينقذف إليها من العالم الخارجي ، وبذلك تحمي الأرض من قذائف الأشعة الكونية المميتة ، والأشعة فوق البنفسجية القاتلة ..فهي تتصرف كأنها سقف ..
( وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا(
( وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ )
و هو ما يعرف الآن باسم تمدد الكون المطرد ..وكان مثقال الذرة يعرف في تلك الأيام بأنه أصغر مثقال، وكانت الذرة توصف بأنها جوهر فرد لا ينقسم، فجاء القرآن ليقول بمثاقيل أصغر تنقسم إليها الذرة .. وكان أول كتاب يذكر شيئاً أصغر من الذرة :
( لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ )
كل هذه لمحات كاشفة قاطعة عن حقائق مذهلة مثل كروية الأرض ، وطبيعة السماء والذرة .. وهي حقائق لم تكن تخطر على بال عاقل أو مجنون في ذلك العصر البائد الذي نزل فيه القرآن ..ثم بصيرة القرآن في تكوين الإنسان وكلامه عن النطفة المنوية وانفرادها بتحديد جنس المولود .
( وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى . مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى )
و هي حقيقة بيولوجية لم تُعرف إلاّ هذا الزمان .. ونحن نقول الآن إن رأس الحيوان المنوي هو وحده الذي يحتوي على عوامل تحديد الجنس Sex Determination Factor .وتسوية البنان بما فيه من رسوم البصمات التي أوردها الله في مجال التحدي عن البعث والتجسيد :
( أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ . بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ)
بل سوف نجسد حتى ذلك البنان ونسويه كما كان .. وفي ذلك لفتة إلى الإعجاز الملحوظ فيتسوية البنان بحيث لا يتشابه فيه اثنان ..وأوهن البيوت في القرآن هو بيت العنكبوت.. لم يقل الله خيط العنكبوت بل قال بيت العنكبوت ..وخيط العنكبوت كما هو معلوم أقوى من مثيله من الصلب أربع مرات .. إنما الوهن في البيتلا في الخيط .. حيث يكون البيت أسوأ ملجأ لمن يحتمي فيه .. فهو مصيدة لمن يقع فيه من الزوار الغرباء ..وهو مقتل حتى لأهله .. فالعنكبوت الأنثى تأكل زوجها بعد التلقيح .. وتأكل أولادها عند الفقس ، والأولاد يأكل بعضهم بعض .
إن بيت العنكبوت هو أبلغ مثال يضرب عن سوء الملجأ وسوء المصير .. وهكذا حال من يلجأ لغير الله .. وهنا بلاغة الآية :
( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ )
وجاءت خاتمة الآية عبارة .. لو كانوا يعلمون .. إشارة إلى أنه علم لن يظهر إلا متأخراً .. و معلوم أن هذه الأسرار البيولوجية لم تظهر إلا متأخرة .. كذلك نجد في سورة الكهف ..
( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (
و نعرف الآن أن ثلاثمائة سنة بالتقويم الشمسي تساوي ثلاثمائة وتسعاً بالتقويم القمري باليوم والدقيقة والثانية ..و في سورة مريم يحكي الله تبارك وتعالى عن مريم وكيف جاءها المخاض فأوت إلى جذع النخلة وهي تتمنى الموت، فناداها المنادي أن تهز بجذع النخلة وتأكل ما يتساقط من رطب جنى :
( فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا . فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَاأَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا . وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا . فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا )
و لمـاذا الرطـب ؟ !!إن أحدث بحث علمي عن الرطب يقول : إن فيه مادة قابضة للرحم تساعد على الولادة ، وتساعد على منع النزيف بعد الولادة ، مثل مادة Oxytocin ، وأن فيه مادة ملينة .. ومعلوم طبياً أن الملينات النباتية تفيد في تسهيل و تأمين عملية الولادة بتنظيفها للقولون ..إن الحكمة العلمية لوصف الرطب وتوقيت تناول الرطب مع مخاض الولادة فيه دقة علمية واضحة .هذه الأمثلة من الصدق العلمي والصدق المجازي والصدق الحرفي هو ما أشار إليه الله سبحانه واصفاً القرآن بأنه :
( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ (
و بأنه :
( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (
اختلافاً بين الآيات وبين بعضها بمعنى تناقضها .. واختلافاً عن الحقائق الثابتة التي سوف تكشفها العلوم .. وكلا الاختلافين نجده دائماً في الكتب المؤلفة .. ولهذا يحرص المؤلف على أن يضيف أو يحذف أو يعدل كلما أصدر طبعة جديدة من كتبه .. ونرى النظريات تتلو بعضها البعض مكذبة بعضها البعض .. ونرى المؤلف مهما راعى الدقة يقع في التناقض .. وهي عيوب لا نجدها في القرآن . وهو بعد ذلك معجزة ، لأنه يخبرك عن ماض لم يؤرخ ويتنبا بمستقبل لم يأت .. وقد صدقت نبوءات القرآن المتعددة عن انتصار الروم بعد هزيمتهم :
( غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ )
و " بضع " في اللغة هي ما بين ثلاث وتسع .. وقد جاء انتصار الروم بعد سنين .وعن انتصار بدر :
( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ )
وعن رؤيا دخول مكة :
( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ
و قد كان .. وما زلت في القرآن نبوءات تتحقق أمام أعيننا .. فهذا إبراهيم يدعو ربه:
( رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (
لقد دعا بالرزق لهذا الوادي الجديب ..ثم جاء وعد الله لأهل مكة بالرخاء والغنى حينما أمرهم بمنع المشركين من زيارة البيت فخافوا البوار الاقتصادي والكساد ، " وكان أهل مكة يعتمدون في رواجهم على حج البيت " فقال ليطمئنهم :
( وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ )
وهو وعد نراه الآن يتحقق أمامنا في البترول الذي يتدفق من الصحراء بلا حساب وترتفع أسعارهفي جنون يوماً بعد يوم .. ثم في كنوز اليورانيوم التي تخفيها تلك الصحاري بما يضمن لها الرخاء إلى نهاية الزمان ..ثم نرى القرآن يحدثنا عن الغيب المطلسم في أسرار الجن والملائكة مما لم يكشف إلاّ لقلة من المخصوصين من أهل التصوف .. فإذا رأي هؤلاء فهم لا يرون إلا ما يوافق كلمة القرآن ..وإذا طالعوا لا يطالعون إلا ما يطابق أسراره .ثم هو يقدم لنا الكلمة الأخيرة في السياسة والأخلاق ، ونظم الحكم ، والحرب والسلم ، والاقتصاد والمجتمع ، والزواج والمعاشرة ، ويشرع لنا من محكم الشرائع ما يسبق به ميثاق حقوق الإنسان .. كل ذلك في أسلوب منفرد وعبارة شامخة وبنيان جمالي وبلاغي هو نسيج وحده في تاريخ اللغة .سألوا ابن عربي عن سر إعجاز القرآن فأجاب بكلمة واحدة هي : " الصدق المطلق " ..فكلمات القرآن صادقة صدقاً مطلقاً ، في حين أقصى ما يستطيعه مؤلف هو أن يصل إلى صدق نسبي ، وأقصى ما يطمع فيه كاتب هو أن يكون صادقاً حسب رؤيته .. ومساحة الرؤية دائماً محدودة ومتغيرة من عصر إلى عصر .. كل واحد منا يحيط بجانب من الحقيقة وتفوته جوانب ، ينظر من زاوية وتفوته زوايا .. وما يصل إليه من صدق دائماً صدق نسبي .. أما صاحب العلم المحيط والبصر الشامل فهو الله وحده .. وهو وحده القادر على الصدق المطلق .. ولهذا نقول على القرآن إنه من عند الله ، لأنه أصاب الصدق المطلق في كل شيء.سألوا محمداً عليه الصلاة والسلام عن القرآن فقال :" فيه نبأ ما قبلكم ، وفصل ما بينكم ، وخبر ما بعدكم ، وهو الفصل ليس بالهزل ، وهو الذكر الحكيم ، وهو حبل الله المتين ، وهو الصراط المستقيم ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو الذي لا تلتبس به الألسن ، ولا تزيغ به العقول ، ولا يخلق على كثرة الرد ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا تنقضي عجائبه " ..عن انفجار شمسنا ونهاية الحياة على الأرض وقيام القيامة يقول ربنا في سورة الرحمن الآيات 37 إلى 44 :
( فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ . يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ )
وتأتينا علوم الفلك الآن وبعد ألف وأربعمائة سنة من نزول القرآن .. بأن هذه نهاية النجوم التي تملأ السماء بألوانها المبهرة .. بل ويطلق الفلكيون على بعض هذه النجوم المنفجرة اسم Rosetta أي وردة ..من أي مصدر جاءت هذه النبوءات للرسول منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام ..إلا أن تكون من رب الكون نفسه .. ويستطيع أي قارئ أن يرى هذه العجائب على الانترنت بموقع NASA بابAstronomical picture of the day بعنوان Cats eye و هذا كلامهم و ليس كلامنا ..و هذا هو كتابنا يا صديقــي ..و لهذه الصفات مجتمعة لا يمكن أن يكون مؤلفاً ..
من كتــاب/ حوار مع صديقي الملحد
للدكتور / مصطفى محمود رحمه الله. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ حوار مع صديقي الملحد
.
قلت لصديقي : ربما كان حديث اليوم عن لمحات العلم في القرآن أكثر إثارة لعقلك العلمي من جلستنا السابقة . فما كان الفلك الحديث ، و لا علوم الذرّة ، و لا علوم البيولوجيا و التشريح معروفة حينما نزلت الآيات الكونية في القرآن منذ أكثر من ألف و أربعمائة سنة لتتكلم عن السماوات و الأرض و النجوم و الكواكب ، و خلق الجنين و تكوين الإنسان بما يتفق مع أحداث العلوم التي جاء بها عصرنا .و لم يتعرض القرآن لهذه الموضوعات بتفصيل الكتاب العلمي المتخصص ، لأنه جاء في المقام الأول كتاب عقيدة و منهج و تشريع .و لو أنه تعرض لتلك الموضوعات بتفصيل و وضوح لصدم العرب بما لا يفهمونه . و لهذا لجأ إلى أسلوب الإشارة و اللمحة و الومضة لتفسرها علوم المستقبل و كشوفه بعد ذلك بمئات السنين . و تظهر للناس جيلاً بعد جيل كآيات و معجزات على صدق نزول القرآن من الله الحق .
لأنهم لم يكتفوا بشهادة الله على كتابه . فأصبح من الضروري أن نريهم ذلك بالآيات الكاشفة . هكذا يقول الله في كتابه .و ما زال القرآن يكشف لنا يوماً بعد يوم مزيداً من تلك الآيات العجيبة . و حول كروية الأرض جاءت هذه الآيات الصريحة التي تستخدم لفظ التكوير لتصف انزلاق الليل و النهار كنصفي كرة :
ثم الآية التي تصف دحو الأرض .
( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا )
و دحا هي الكلمة الوحيدة في القاموس التي تعني البسط والتكوير معاً . و الأرض كما هو معلوم مبسوطة في الظاهر و مكورة في الحقيقة ، بل هي أشبه بالدحية " البيضة " في تكويرها . ثم نقرأ إشارة أخرى صريحة عن أن الجبال تسبح في الفضاء ، و بالتالي فالأرض كلها تسبح بجبالها حيث هي و الجبال كتلة واحدة :
( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ (
فالجبال التي تبدو جامدة ساكنة هي في الواقع سابحة في الفضاء . و تشبيه الجبال بالسحب فيه لمحة أخرى عن التكوين الهش للمادة . التي نعرف الآن أنها مؤلفة من ذرّات ، كما أن السحب مؤلفة من قطيرات . .ثم الكلام عن تواقت الليل والنهار بدون أن يسبق أحدهما الآخر من مبدأ الخلق إلى نهايته .
( لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ )
إشارة أخرى إلى كروية الأرض . حيث بدأ الليل والنهار معاً وفي وقت واحد منذ بدء الخليقة كنصفي كرة ولو كانت الأرض مسطحة لتعاقب النهار والليل الواحد بعد الآخر بالضرورة .
ثم تأتي القيامة والأرض في ليل ونهار في وقت واحد كما كانت في البدء
( حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ )
و في قوله تعالى ليلاً أو نهاراً . تأكيد لهذا التواقت الذي لا تفسير له إلا أن نصف الأرض محجوب عن الشمس و مظلم ، و الآخر مواجه للشمس و مضيء بحكم كونها كروية ، و لو كانت مسطحة لكان لها في كل وقت وجه واحد ، و لما صح أن نقول :
( وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ )
ثم تعدد المشارق و المغارب في القرآن فالله يُوصَف :
( بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ(
رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ )
و لو كانت الأرض مسطحة لكان هناك مشرق واحد ومغرب واحد ، يقول الإنسان لشيطانه يوم القيامة :
( يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ (
ولا تكون المسافة على الأرض أبعد ما تكون بين مشرقين إلا إذا كانت الأرض كروية .ثم الكلام عن السماء بأن فيها مسارات ومجالات وطرقاً :
( وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ )
والحبك هي المسارات.
( وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ )
أي أنها ترجع كل ما يرتفع فيها إلى الأرض . ترجع بخار الماء مطراً . وترجع الأجسام بالجاذبية الأرضية . وترجع الأمواج اللاسلكية بانعكاسها من طبقة الأيونوسفير . كما ترجع الأشعة الحرارية تحت الحمراء معكوسة إلى الأرض بنفس الطريقة فتدفئها في الليل .وكما تعكس السماء ما ينقذف إليها من الأرض كذلك تمتص وتعكس وتشتت ما ينقذف إليها من العالم الخارجي ، وبذلك تحمي الأرض من قذائف الأشعة الكونية المميتة ، والأشعة فوق البنفسجية القاتلة .فهي تتصرف كأنها سقف .
( وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا(
( وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ )
و هو ما يعرف الآن باسم تمدد الكون المطرد .وكان مثقال الذرة يعرف في تلك الأيام بأنه أصغر مثقال، وكانت الذرة توصف بأنها جوهر فرد لا ينقسم، فجاء القرآن ليقول بمثاقيل أصغر تنقسم إليها الذرة . وكان أول كتاب يذكر شيئاً أصغر من الذرة :
( لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ )
كل هذه لمحات كاشفة قاطعة عن حقائق مذهلة مثل كروية الأرض ، وطبيعة السماء والذرة . وهي حقائق لم تكن تخطر على بال عاقل أو مجنون في ذلك العصر البائد الذي نزل فيه القرآن .ثم بصيرة القرآن في تكوين الإنسان وكلامه عن النطفة المنوية وانفرادها بتحديد جنس المولود .
( وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى . مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى )
و هي حقيقة بيولوجية لم تُعرف إلاّ هذا الزمان . ونحن نقول الآن إن رأس الحيوان المنوي هو وحده الذي يحتوي على عوامل تحديد الجنس Sex Determination Factor .وتسوية البنان بما فيه من رسوم البصمات التي أوردها الله في مجال التحدي عن البعث والتجسيد :
( أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ . بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ)
بل سوف نجسد حتى ذلك البنان ونسويه كما كان . وفي ذلك لفتة إلى الإعجاز الملحوظ فيتسوية البنان بحيث لا يتشابه فيه اثنان .وأوهن البيوت في القرآن هو بيت العنكبوت. لم يقل الله خيط العنكبوت بل قال بيت العنكبوت .وخيط العنكبوت كما هو معلوم أقوى من مثيله من الصلب أربع مرات . إنما الوهن في البيتلا في الخيط . حيث يكون البيت أسوأ ملجأ لمن يحتمي فيه . فهو مصيدة لمن يقع فيه من الزوار الغرباء .وهو مقتل حتى لأهله . فالعنكبوت الأنثى تأكل زوجها بعد التلقيح . وتأكل أولادها عند الفقس ، والأولاد يأكل بعضهم بعض .
إن بيت العنكبوت هو أبلغ مثال يضرب عن سوء الملجأ وسوء المصير . وهكذا حال من يلجأ لغير الله . وهنا بلاغة الآية :
( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ )
وجاءت خاتمة الآية عبارة . لو كانوا يعلمون . إشارة إلى أنه علم لن يظهر إلا متأخراً . و معلوم أن هذه الأسرار البيولوجية لم تظهر إلا متأخرة . كذلك نجد في سورة الكهف .
( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (
و نعرف الآن أن ثلاثمائة سنة بالتقويم الشمسي تساوي ثلاثمائة وتسعاً بالتقويم القمري باليوم والدقيقة والثانية .و في سورة مريم يحكي الله تبارك وتعالى عن مريم وكيف جاءها المخاض فأوت إلى جذع النخلة وهي تتمنى الموت، فناداها المنادي أن تهز بجذع النخلة وتأكل ما يتساقط من رطب جنى :
( فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا . فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَاأَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا . وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا . فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا )
و لمـاذا الرطـب ؟ !!إن أحدث بحث علمي عن الرطب يقول : إن فيه مادة قابضة للرحم تساعد على الولادة ، وتساعد على منع النزيف بعد الولادة ، مثل مادة Oxytocin ، وأن فيه مادة ملينة . ومعلوم طبياً أن الملينات النباتية تفيد في تسهيل و تأمين عملية الولادة بتنظيفها للقولون .إن الحكمة العلمية لوصف الرطب وتوقيت تناول الرطب مع مخاض الولادة فيه دقة علمية واضحة .هذه الأمثلة من الصدق العلمي والصدق المجازي والصدق الحرفي هو ما أشار إليه الله سبحانه واصفاً القرآن بأنه :
( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ (
و بأنه :
( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (
اختلافاً بين الآيات وبين بعضها بمعنى تناقضها . واختلافاً عن الحقائق الثابتة التي سوف تكشفها العلوم . وكلا الاختلافين نجده دائماً في الكتب المؤلفة . ولهذا يحرص المؤلف على أن يضيف أو يحذف أو يعدل كلما أصدر طبعة جديدة من كتبه . ونرى النظريات تتلو بعضها البعض مكذبة بعضها البعض . ونرى المؤلف مهما راعى الدقة يقع في التناقض . وهي عيوب لا نجدها في القرآن . وهو بعد ذلك معجزة ، لأنه يخبرك عن ماض لم يؤرخ ويتنبا بمستقبل لم يأت . وقد صدقت نبوءات القرآن المتعددة عن انتصار الروم بعد هزيمتهم :
( غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ )
و " بضع " في اللغة هي ما بين ثلاث وتسع . وقد جاء انتصار الروم بعد سنين .وعن انتصار بدر :
( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ )
وعن رؤيا دخول مكة :
( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ
و قد كان . وما زلت في القرآن نبوءات تتحقق أمام أعيننا . فهذا إبراهيم يدعو ربه:
( رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (
لقد دعا بالرزق لهذا الوادي الجديب .ثم جاء وعد الله لأهل مكة بالرخاء والغنى حينما أمرهم بمنع المشركين من زيارة البيت فخافوا البوار الاقتصادي والكساد ، " وكان أهل مكة يعتمدون في رواجهم على حج البيت " فقال ليطمئنهم :
( وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ )
وهو وعد نراه الآن يتحقق أمامنا في البترول الذي يتدفق من الصحراء بلا حساب وترتفع أسعارهفي جنون يوماً بعد يوم . ثم في كنوز اليورانيوم التي تخفيها تلك الصحاري بما يضمن لها الرخاء إلى نهاية الزمان .ثم نرى القرآن يحدثنا عن الغيب المطلسم في أسرار الجن والملائكة مما لم يكشف إلاّ لقلة من المخصوصين من أهل التصوف . فإذا رأي هؤلاء فهم لا يرون إلا ما يوافق كلمة القرآن .وإذا طالعوا لا يطالعون إلا ما يطابق أسراره .ثم هو يقدم لنا الكلمة الأخيرة في السياسة والأخلاق ، ونظم الحكم ، والحرب والسلم ، والاقتصاد والمجتمع ، والزواج والمعاشرة ، ويشرع لنا من محكم الشرائع ما يسبق به ميثاق حقوق الإنسان . كل ذلك في أسلوب منفرد وعبارة شامخة وبنيان جمالي وبلاغي هو نسيج وحده في تاريخ اللغة .سألوا ابن عربي عن سر إعجاز القرآن فأجاب بكلمة واحدة هي : " الصدق المطلق " .فكلمات القرآن صادقة صدقاً مطلقاً ، في حين أقصى ما يستطيعه مؤلف هو أن يصل إلى صدق نسبي ، وأقصى ما يطمع فيه كاتب هو أن يكون صادقاً حسب رؤيته . ومساحة الرؤية دائماً محدودة ومتغيرة من عصر إلى عصر . كل واحد منا يحيط بجانب من الحقيقة وتفوته جوانب ، ينظر من زاوية وتفوته زوايا . وما يصل إليه من صدق دائماً صدق نسبي . أما صاحب العلم المحيط والبصر الشامل فهو الله وحده . وهو وحده القادر على الصدق المطلق . ولهذا نقول على القرآن إنه من عند الله ، لأنه أصاب الصدق المطلق في كل شيء.سألوا محمداً عليه الصلاة والسلام عن القرآن فقال :" فيه نبأ ما قبلكم ، وفصل ما بينكم ، وخبر ما بعدكم ، وهو الفصل ليس بالهزل ، وهو الذكر الحكيم ، وهو حبل الله المتين ، وهو الصراط المستقيم ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو الذي لا تلتبس به الألسن ، ولا تزيغ به العقول ، ولا يخلق على كثرة الرد ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا تنقضي عجائبه " .عن انفجار شمسنا ونهاية الحياة على الأرض وقيام القيامة يقول ربنا في سورة الرحمن الآيات 37 إلى 44 :
( فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ . يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ )
وتأتينا علوم الفلك الآن وبعد ألف وأربعمائة سنة من نزول القرآن . بأن هذه نهاية النجوم التي تملأ السماء بألوانها المبهرة . بل ويطلق الفلكيون على بعض هذه النجوم المنفجرة اسم Rosetta أي وردة .من أي مصدر جاءت هذه النبوءات للرسول منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام .إلا أن تكون من رب الكون نفسه . ويستطيع أي قارئ أن يرى هذه العجائب على الانترنت بموقع NASA بابAstronomical picture of the day بعنوان Cats eye و هذا كلامهم و ليس كلامنا .و هذا هو كتابنا يا صديقــي .و لهذه الصفات مجتمعة لا يمكن أن يكون مؤلفاً .
من كتــاب/ حوار مع صديقي الملحد
للدكتور / مصطفى محمود رحمه الله. ❝
❞ {هُوَ الَذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلىَ السَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِ شَيءٍ عَلِيمٌ } البقرة: 29
{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ.. فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ في يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَآءٍ أمْرَهَا وَزَيَّنّا السَّمَآءَ الدُنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العليم } فصلت: 11-12
وكلمة السماوات التي تظهر في آيات كثيرة من القرآن الكريم تستعمل للإشارة إلى السماء فوق الدنيا، كما تستعمل للدلالة على الكون بأكمله. ومع الأخذ بالدلالة الأولى للكلمة يمكن أن نرى أن الغلاف الجوي يتكون من سبع طبقات. وبالفعل فإنه من المعروف اليوم أن الغلاف الجوي يتكون من طبقات مختلفة تقع فوق بعضها البعض.
وبالإضافة إلى ذلك فإن لغلاف الجوي يتكون، تماماً كما يصف القرآن الكريم، من سبع طبقات بالتحديد. ويمكن وصفه من الناحية العلمية بما يلي: ‘’وجد العلماء أن الغلاف الجوي يتكون من عدة طبقات. وهذه الطبقات تختلف في خصائصها الفيزيائية وفي ضغطها وأنواع الغازات الموجودة فيها. الطبقة الأقرب إلى الأرض تسمى التروبوسفير وتضم 90% من حجم الغلاف الجوي. الطبقة التي فوق التروبوسفير تسمى الستراتوسفير. أما طبقة الأوزون فهي ذلك الجزء من الستراتوسفير الذي يمتص الأشعة فوق البنفسجية. والطبقة التي وفق استراتوسفير تسمى الميسوسفي. أما الثيرموسفير فإنها تقع فوق الميزوسفير، وتسمى الغازات الأيونية في طبقة الثيرموسفير بالإينوسفير. أما الطبقة الخارجية من غلاف الأرض الجوي فإنها تمتد من 480 إلى 960كلمتراً وتسمى الإكسوسفير.2 إذا أحصينا عدد الطبقات المذكورة في المرجع السابق نرى أن الغلاف الجوي يتكون تحديدا من سبع طبقات، تماما كما هو مذكور في الآية. التروبوسفير الستراتوسفير الميسوسفير الثيرموسفير الإيكسوسفير الأيونوسفير المانيتوسفير وهناك إعجاز آخر اشتملت عليه الآية 12 من سورة فصلت، وهو قوله تعالى: ‘’وأوحى في كل سماء أمرها’’. وبكلمات أخرى فإن الله جعل لك سماء مهمة. وهذا صحيح كما رأينا في الفصل السابق، فإن لكل واحد من هذه الطبقات وظائف حيوية لخير البشرية ولكل الكائنات الحية التي تعيش على الأرض. كل طبقة لها وظيفة معينة تتراوح بين تكوين المطر إلى الحماية من الإشعاعات الضارة وعكس موجات الراديو وحماية الأرض من آثار النيازك الضارة. وعلى سبيل المثال فإن واحدة من هذه الوظائف مذكورة في أحد المراجع العلمية كما يأتي: غلاف الأرض الجوي له سبع طبقات الطبقة السفلى تسمى التروبوسفير، وتكوين المطر والرياح والثلوج يقتصر عليها.3 إنها معجزة عظيمة أن تكون هذه الحقائق التي لم يكن من الممكن اكتشافها دون تقنيات القرن العشرين مذكورة في القرآن الكريم بدقة منذ 1400 عاماً. ❝ ⏤هارون يحي
وكلمة السماوات التي تظهر في آيات كثيرة من القرآن الكريم تستعمل للإشارة إلى السماء فوق الدنيا، كما تستعمل للدلالة على الكون بأكمله. ومع الأخذ بالدلالة الأولى للكلمة يمكن أن نرى أن الغلاف الجوي يتكون من سبع طبقات. وبالفعل فإنه من المعروف اليوم أن الغلاف الجوي يتكون من طبقات مختلفة تقع فوق بعضها البعض.
وبالإضافة إلى ذلك فإن لغلاف الجوي يتكون، تماماً كما يصف القرآن الكريم، من سبع طبقات بالتحديد. ويمكن وصفه من الناحية العلمية بما يلي: ‘’وجد العلماء أن الغلاف الجوي يتكون من عدة طبقات. وهذه الطبقات تختلف في خصائصها الفيزيائية وفي ضغطها وأنواع الغازات الموجودة فيها. الطبقة الأقرب إلى الأرض تسمى التروبوسفير وتضم 90% من حجم الغلاف الجوي. الطبقة التي فوق التروبوسفير تسمى الستراتوسفير. أما طبقة الأوزون فهي ذلك الجزء من الستراتوسفير الذي يمتص الأشعة فوق البنفسجية. والطبقة التي وفق استراتوسفير تسمى الميسوسفي. أما الثيرموسفير فإنها تقع فوق الميزوسفير، وتسمى الغازات الأيونية في طبقة الثيرموسفير بالإينوسفير. أما الطبقة الخارجية من غلاف الأرض الجوي فإنها تمتد من 480 إلى 960كلمتراً وتسمى الإكسوسفير.2 إذا أحصينا عدد الطبقات المذكورة في المرجع السابق نرى أن الغلاف الجوي يتكون تحديدا من سبع طبقات، تماما كما هو مذكور في الآية. التروبوسفير الستراتوسفير الميسوسفير الثيرموسفير الإيكسوسفير الأيونوسفير المانيتوسفير وهناك إعجاز آخر اشتملت عليه الآية 12 من سورة فصلت، وهو قوله تعالى: ‘’وأوحى في كل سماء أمرها’’. وبكلمات أخرى فإن الله جعل لك سماء مهمة. وهذا صحيح كما رأينا في الفصل السابق، فإن لكل واحد من هذه الطبقات وظائف حيوية لخير البشرية ولكل الكائنات الحية التي تعيش على الأرض. كل طبقة لها وظيفة معينة تتراوح بين تكوين المطر إلى الحماية من الإشعاعات الضارة وعكس موجات الراديو وحماية الأرض من آثار النيازك الضارة. وعلى سبيل المثال فإن واحدة من هذه الوظائف مذكورة في أحد المراجع العلمية كما يأتي: غلاف الأرض الجوي له سبع طبقات الطبقة السفلى تسمى التروبوسفير، وتكوين المطر والرياح والثلوج يقتصر عليها.3 إنها معجزة عظيمة أن تكون هذه الحقائق التي لم يكن من الممكن اكتشافها دون تقنيات القرن العشرين مذكورة في القرآن الكريم بدقة منذ 1400 عاماً. ❝