❞ لماذا الكوارث..
إن كل ما بالعالم من كوارث وازمات ومحن وحروب ومجاعات ينبع من اصل واحد هو أزمة الضمير الإنسانى وما أصابه.
إن السماء لن تجود بالماء ولا الأرض بالحياة وأبناؤها يسفحون عليها الدم
بغيا وجورا على بعضهم البعض فخالق الأرض وما تثمر من غلات هو الله وحده وبيده مرفق المياه الذى ينساب من السماء كما أن بيده تغوير المياه الجوفية التى تخرج من الأرض وهو قد جعل الاجتهاد سببا فى الرزق كما جعل الطاعة والتقوى والمحبة مؤهلات أكبر خطرا ..
ولا شك أن الشرور والمحن التى تغرق الأرض يواكبها على الناحية الاخرى موجات الكفر والشرك والوثنية والتدهور الخلقى وتفكك الأسرة وطغيان الظلم وغلبة الشهوات المادية على كل القيم والاعتبارات ..حتى فى البلاد التى عرفت بتراثها العريق فى الدين والتدين قد انحسر الآن إلى مجرد شكليات دينية فى حين انحرف السلوك إلى مادية مسرفة وراح الكل يتسابق إلى الكسب المادى والثراء العاجل على حساب جميع القيم الدينية.
وإذا كان ما يجرى فى أثيوبيا بسبب القحط والجفاف من موت الملايين جوعا وعطشا يذيب الفؤاد حسرة وألما ..فإن ماجاء فى تقرير لجنة المعونة البريطانية لأثيوبيا يستوقف النظر فقد جاء فى التقرير أن المعونة لا تصل إلى المستحقين وأنها تمنع عن القرى التى بها ثوار وأن هذه القرى تترك ليفترسها الجوع والعطش بينما تذهب المعونة إلى الجيش وإلى القوات الحكومية ويعلق التقرير على البذخ والملايين والدولارات التى انفقتها الحكومة فى الاحتفال بأعياد الاشتراكية وفى الولائم والمسيرات الشبابية والمهرجانات فى اديس أبابا بينما الفلاحون يموتون هم وبهائهم جوعا وعطشا فى القرى الاثيوبية وهو كلام يقال فى مواطن كثيرة ولدول كثيرة من العالم وليس لاثيوبيا وحدها.
إن الخير وحتى الخير البحت الذى ينبع من الضمير لا يوزع بضمير ويظل المبدأ هو نفس المبدأ ..أنا آكل وخصمى فى الرآى يموت..
ماذا يتوقع فى عالم كهذا..
إن ما يجرى داخل الاسرة وداخل الوطن من مظالم يظهر مكبرا على مساحة العالم كله ثم يعود فيظهر مترجما فى احداث وازمات وحروب ومحن واوبئة ومجاعات.
بل أن ما يجرى فى ضمير الفرد من صراع وما تسكن رأسه من خواطر وما تتنازعه من رغبات هو المفتاح للمشكلة كلها..
وإذا كان البحر تلوث ..فقد تلوث بنا نحن وبما أفرزناه فيه.
إن فضلات أفكارنا ورغباتنا هى التى صنعت كل هذا ..
سمعت الرجل يلوم زوجته ويلقى براسها وعلى النساء جميعا ما بالعالم من بؤس..فهى لا ترضى ولا تشبع ولا تكف عن الطلب وهى كرباج لا يكف ولا ينزل على ظهرة ليجرى ويهرول ويسعى إلى السوق لتنفق ماجمع وتطلب المزيد ولا هامش ليدها للاكتفاء.
وإذا صدق الرجل فى شكواه فهو ملوم هو الآخر مثل زوجته فيبدو أنه لا هامش ليده للخضوع والرضوخ والضعف والاستكانة ..فهو ملوم لضعفه بمثل ماهى ملومة لضغيانها ولن تكون الذرية التى ينجبها الاثنان إلا استمرارا لهذه العيوب وتضخيمها لها مع مرور الوقت ..وهكذا تتفاقم العيوب بمثل ما تتضاعف الأرقام فى متوالية حسابية..وتتدهور الأجيال ويتدهور النتاج الإنسانى فنا وفكراً وسياسة..ومع الوقت لن يكون التقدم العلمى فى مثل هذه المجتمعات حسنة بل عيبا لأنه سيضع فى يد هؤلاء الضعاف وسيلة دمار كلية يقضون بها على كل شئ وينسفون بها كل ما كسبه أجدادهم من تراث الحضارة وا بنوه وما شيدوه بعرقهم ودمائهم.
إن العلم سوف يسلح الحماقة.
وطاقة الذرة سوف تكون ذراعا للطغيان وأداة لحب السيطرة.
والصاروخ سوف يكون أداة للقهر والاستبداد.
وسوف تتجسد المأساة فى هذا المسخ الشائه الذى له ذراعا شمشون والذى له ضمير وغد محتال.
ولكنا جميعا وضعنا بذرة هذا المسخ ونحن جميعا أنجبناه وربيناه.
ولايملك أحدنا أن يبرئ نفسه.
وقديما قال عمر بن الخطاب (لو عثرت دابة فى العراق لرأيت نفسى مسئولا عما حدث لها ) وهى قولة حق ..فما يجرى فى أى مجتمع هو محصلة أفعال أفراده وكل منهم مسئول بحسب مكانه تصاعديا من القاعدة إلى القمة.
إن ما يحدث لنا هو نحن وكل واحد لا يقابل فى الطريق إلا نفسه..
المجرم تتسابق إليه مناسبات الاجرام والفاضل الخير تتسابق إليه مناسبات الخير والعطاء.
وبمثل ما تجود أيدينا تجود أرضنا وتجود سماؤنا لأن الذى خلق الكون خلق له قوانين الحافظة التى يزدهر بها طالما كان ناميا والقوانين الهادمة له إذا دب فيه الفساد ونخر فيه السوس.
وبيئة المجتمع مثل بنية الجسم هى فى نماء واذدهار طالما غلبت فيها عوامل الانسجام والنظام والصحة فإذا غلب الاضراب والفوضى والمرض تداعب إلى تراب.
فلا تلوموا القدر ولا تحتجوا على السماء ولا تقولوا ظلمنا ربنا بهذه الكوارث..
بل قولوا ربنا ظلمنا أنفسنا..
ولينظر كل منا ماذا يفعل فى دولة نفسه وإلى أى جانب من رغباته ينحاز..إلى لذاته العاجلة وإلى منفعته الذاتية أم إلى نجدة المحروم ونصرة الضعيف..
إلى الأصنام المادية يتوجه؟؟!أم إلى القيم ..أم إلى الرب القيم ثم لينظر ماذا يفعل لا ماذا يقول ..
وماذا يخفى لا ماذا يعلن ..
وحينئذ سيعرف الجواب على سؤاله
لماذا كل هذه الكوارث .. !
من كتاب : نار تحت الرماد
الدكتور : مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ لماذا الكوارث.
إن كل ما بالعالم من كوارث وازمات ومحن وحروب ومجاعات ينبع من اصل واحد هو أزمة الضمير الإنسانى وما أصابه.
إن السماء لن تجود بالماء ولا الأرض بالحياة وأبناؤها يسفحون عليها الدم
بغيا وجورا على بعضهم البعض فخالق الأرض وما تثمر من غلات هو الله وحده وبيده مرفق المياه الذى ينساب من السماء كما أن بيده تغوير المياه الجوفية التى تخرج من الأرض وهو قد جعل الاجتهاد سببا فى الرزق كما جعل الطاعة والتقوى والمحبة مؤهلات أكبر خطرا .
ولا شك أن الشرور والمحن التى تغرق الأرض يواكبها على الناحية الاخرى موجات الكفر والشرك والوثنية والتدهور الخلقى وتفكك الأسرة وطغيان الظلم وغلبة الشهوات المادية على كل القيم والاعتبارات .حتى فى البلاد التى عرفت بتراثها العريق فى الدين والتدين قد انحسر الآن إلى مجرد شكليات دينية فى حين انحرف السلوك إلى مادية مسرفة وراح الكل يتسابق إلى الكسب المادى والثراء العاجل على حساب جميع القيم الدينية.
وإذا كان ما يجرى فى أثيوبيا بسبب القحط والجفاف من موت الملايين جوعا وعطشا يذيب الفؤاد حسرة وألما .فإن ماجاء فى تقرير لجنة المعونة البريطانية لأثيوبيا يستوقف النظر فقد جاء فى التقرير أن المعونة لا تصل إلى المستحقين وأنها تمنع عن القرى التى بها ثوار وأن هذه القرى تترك ليفترسها الجوع والعطش بينما تذهب المعونة إلى الجيش وإلى القوات الحكومية ويعلق التقرير على البذخ والملايين والدولارات التى انفقتها الحكومة فى الاحتفال بأعياد الاشتراكية وفى الولائم والمسيرات الشبابية والمهرجانات فى اديس أبابا بينما الفلاحون يموتون هم وبهائهم جوعا وعطشا فى القرى الاثيوبية وهو كلام يقال فى مواطن كثيرة ولدول كثيرة من العالم وليس لاثيوبيا وحدها.
إن الخير وحتى الخير البحت الذى ينبع من الضمير لا يوزع بضمير ويظل المبدأ هو نفس المبدأ .أنا آكل وخصمى فى الرآى يموت.
ماذا يتوقع فى عالم كهذا.
إن ما يجرى داخل الاسرة وداخل الوطن من مظالم يظهر مكبرا على مساحة العالم كله ثم يعود فيظهر مترجما فى احداث وازمات وحروب ومحن واوبئة ومجاعات.
بل أن ما يجرى فى ضمير الفرد من صراع وما تسكن رأسه من خواطر وما تتنازعه من رغبات هو المفتاح للمشكلة كلها.
وإذا كان البحر تلوث .فقد تلوث بنا نحن وبما أفرزناه فيه.
إن فضلات أفكارنا ورغباتنا هى التى صنعت كل هذا .
سمعت الرجل يلوم زوجته ويلقى براسها وعلى النساء جميعا ما بالعالم من بؤس.فهى لا ترضى ولا تشبع ولا تكف عن الطلب وهى كرباج لا يكف ولا ينزل على ظهرة ليجرى ويهرول ويسعى إلى السوق لتنفق ماجمع وتطلب المزيد ولا هامش ليدها للاكتفاء.
وإذا صدق الرجل فى شكواه فهو ملوم هو الآخر مثل زوجته فيبدو أنه لا هامش ليده للخضوع والرضوخ والضعف والاستكانة .فهو ملوم لضعفه بمثل ماهى ملومة لضغيانها ولن تكون الذرية التى ينجبها الاثنان إلا استمرارا لهذه العيوب وتضخيمها لها مع مرور الوقت .وهكذا تتفاقم العيوب بمثل ما تتضاعف الأرقام فى متوالية حسابية.وتتدهور الأجيال ويتدهور النتاج الإنسانى فنا وفكراً وسياسة.ومع الوقت لن يكون التقدم العلمى فى مثل هذه المجتمعات حسنة بل عيبا لأنه سيضع فى يد هؤلاء الضعاف وسيلة دمار كلية يقضون بها على كل شئ وينسفون بها كل ما كسبه أجدادهم من تراث الحضارة وا بنوه وما شيدوه بعرقهم ودمائهم.
إن العلم سوف يسلح الحماقة.
وطاقة الذرة سوف تكون ذراعا للطغيان وأداة لحب السيطرة.
والصاروخ سوف يكون أداة للقهر والاستبداد.
وسوف تتجسد المأساة فى هذا المسخ الشائه الذى له ذراعا شمشون والذى له ضمير وغد محتال.
ولكنا جميعا وضعنا بذرة هذا المسخ ونحن جميعا أنجبناه وربيناه.
ولايملك أحدنا أن يبرئ نفسه.
وقديما قال عمر بن الخطاب (لو عثرت دابة فى العراق لرأيت نفسى مسئولا عما حدث لها ) وهى قولة حق .فما يجرى فى أى مجتمع هو محصلة أفعال أفراده وكل منهم مسئول بحسب مكانه تصاعديا من القاعدة إلى القمة.
إن ما يحدث لنا هو نحن وكل واحد لا يقابل فى الطريق إلا نفسه.
المجرم تتسابق إليه مناسبات الاجرام والفاضل الخير تتسابق إليه مناسبات الخير والعطاء.
وبمثل ما تجود أيدينا تجود أرضنا وتجود سماؤنا لأن الذى خلق الكون خلق له قوانين الحافظة التى يزدهر بها طالما كان ناميا والقوانين الهادمة له إذا دب فيه الفساد ونخر فيه السوس.
وبيئة المجتمع مثل بنية الجسم هى فى نماء واذدهار طالما غلبت فيها عوامل الانسجام والنظام والصحة فإذا غلب الاضراب والفوضى والمرض تداعب إلى تراب.
فلا تلوموا القدر ولا تحتجوا على السماء ولا تقولوا ظلمنا ربنا بهذه الكوارث.
بل قولوا ربنا ظلمنا أنفسنا.
ولينظر كل منا ماذا يفعل فى دولة نفسه وإلى أى جانب من رغباته ينحاز.إلى لذاته العاجلة وإلى منفعته الذاتية أم إلى نجدة المحروم ونصرة الضعيف.
إلى الأصنام المادية يتوجه؟؟!أم إلى القيم .أم إلى الرب القيم ثم لينظر ماذا يفعل لا ماذا يقول .
وماذا يخفى لا ماذا يعلن .
وحينئذ سيعرف الجواب على سؤاله
لماذا كل هذه الكوارث . !
من كتاب : نار تحت الرماد
الدكتور : مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝
❞ اخاف الصيف...لا اقصد مجيء الصيف في حد ذاته انما اخاف نفسي وما تصبح عليه حين قدوم هذا الفصل الجامح الذي يأخذ بطريقه كل شيء جميل بداخلي ... ثمة دراسة تقول أن مزاجنا في الصيف يصبح حادا اكثر وثابتا أقل... بحيث يصعب علينا ان نسيطر عليه فلا نقدر على التحكم به ولا ندرس ردود افعالنا قبل ان نقوم بها... ربما بذلك يمكننا ان نفسر اعصابنا المتعبة وعقولنا المرهقة من شدة التفكير الذي ينتابنا في هذا الفصل من السنة..
ويمكننا ان نبرر إنفلات الامور من قبضتنا وعدم قدرتنا على احكام السيطرة على ما يحدث حولنا ...ويمكننا ان نفهم مزاجنا المتقلب الذي يتغير كل لحظة واخرى...
هو فصل مزاجي بإمتياز يجعلنا أشبه به على عكس كل الفصول الاخرى يلبسنا ثوب جنونه...ينقل لنا عدوى حرارته ...فنهرب من أجسادنا الحارة مثله كل يوم الى شيء ما ينسينا حره وصعوبة التأقلم معه....
يمكنني ان اعترف صراحة أنني أكره الصيف...اكره بهجة لياليه المزيفة التي لا تشبه اعماقنا...فنحاول التشبه بها ونتصنع السعادة والانطلاق...
وكسل صباحاته وقيلولته المضجرة التي لا يراودني فيها النوم كما الجميع...و ضجر مساءاته الكئيبة وغروبه الطويل المحزن ...
يمكنني ان اعترف حقا أنني لا أحبذ حركة الاجرام ودوران الكواكب في هذا الفصل فلا اتوافق مع ابراجه ولا استحسن بطئ حركة الشمس فيه و طول غروبها ووحشية اشعتها التي تشعرني بأنني احترق ببطئ او اتعرض للشواء
...
يمكنني ان اعترف حقا انه فصل لا يشبهني بشيء ولا اشبهه في شيء...اقضيه هاربة من جسدي...من ذاكرتي...من افكاري التي تحاصرني ومن ذهني الذي سيقضي علي كل لحظة بصور لا أرغب في رؤيتها وذكريات لا أحبذ استرجاعها..
اقضيه وحيدة وسط الملايين..أبحث عن شيء ما يملأ فراغي كي اعتزل تفكيري المجهد وانسى أو اتناسى وحدتي وسهري وسهادي بلا انيس ولا مؤنس..أظن أنني أشبه الجميع في ذلك نوعا ما والا فلم أرى كل هؤلاء من حولي يهربون من بيوتهم وعقولهم واجسادهم الى الشوارع والنزل والملاهي والشطآن لولا انهم يحاولون تناسي ملله والتأقلم مع طول أيامه والانسجام مع اوقاته التي تتخلها رتابة رهيبة؟ فالاغنياء يهربون من كل هذا الى جميع وسائل الترفيه متناسين اموالهم الطائلة التي تذهب فداء تحسين مزاجهم دون اهتمام منهم..والاخرون يحاولون البحث عن عمل كمورد للمال الذي يحتاجونه أو البحث عن وسائل ترفيه تتناسب مع دخلهم وتتلائم مع فقرهم وحاجتهم..في الصيف تظهر جلية الفوارق الاجتماعية بين الناس... فيتذكر البعض خصاصتهم واحتياجهم الذي يمنعهم من العيش كما يرغبون بينما لا يمتلك البعض الآخر الوقت لكي يتذكروا ثرائهم الفاحش الذي انعم به الله عليهم دون تقديرهم قيمته فيواصلون متعتهم وفجورهم بلا مبالاة...
ووسط كل هذا نظل نبحث عن شيء يصنع معنى للوقت الذي يمر من حياتنا دون عودة فهل لنا قضاء هذا الفصل لولا انتظارنا الدائم لقدوم الفرج بمجيء الخريف؟. ❝ ⏤إيمان رياني
❞ اخاف الصيف..لا اقصد مجيء الصيف في حد ذاته انما اخاف نفسي وما تصبح عليه حين قدوم هذا الفصل الجامح الذي يأخذ بطريقه كل شيء جميل بداخلي .. ثمة دراسة تقول أن مزاجنا في الصيف يصبح حادا اكثر وثابتا أقل.. بحيث يصعب علينا ان نسيطر عليه فلا نقدر على التحكم به ولا ندرس ردود افعالنا قبل ان نقوم بها.. ربما بذلك يمكننا ان نفسر اعصابنا المتعبة وعقولنا المرهقة من شدة التفكير الذي ينتابنا في هذا الفصل من السنة.
ويمكننا ان نبرر إنفلات الامور من قبضتنا وعدم قدرتنا على احكام السيطرة على ما يحدث حولنا ..ويمكننا ان نفهم مزاجنا المتقلب الذي يتغير كل لحظة واخرى..
هو فصل مزاجي بإمتياز يجعلنا أشبه به على عكس كل الفصول الاخرى يلبسنا ثوب جنونه..ينقل لنا عدوى حرارته ..فنهرب من أجسادنا الحارة مثله كل يوم الى شيء ما ينسينا حره وصعوبة التأقلم معه..
يمكنني ان اعترف صراحة أنني أكره الصيف..اكره بهجة لياليه المزيفة التي لا تشبه اعماقنا..فنحاول التشبه بها ونتصنع السعادة والانطلاق..
وكسل صباحاته وقيلولته المضجرة التي لا يراودني فيها النوم كما الجميع..و ضجر مساءاته الكئيبة وغروبه الطويل المحزن ..
يمكنني ان اعترف حقا أنني لا أحبذ حركة الاجرام ودوران الكواكب في هذا الفصل فلا اتوافق مع ابراجه ولا استحسن بطئ حركة الشمس فيه و طول غروبها ووحشية اشعتها التي تشعرني بأنني احترق ببطئ او اتعرض للشواء
..
يمكنني ان اعترف حقا انه فصل لا يشبهني بشيء ولا اشبهه في شيء..اقضيه هاربة من جسدي..من ذاكرتي..من افكاري التي تحاصرني ومن ذهني الذي سيقضي علي كل لحظة بصور لا أرغب في رؤيتها وذكريات لا أحبذ استرجاعها.
اقضيه وحيدة وسط الملايين.أبحث عن شيء ما يملأ فراغي كي اعتزل تفكيري المجهد وانسى أو اتناسى وحدتي وسهري وسهادي بلا انيس ولا مؤنس.أظن أنني أشبه الجميع في ذلك نوعا ما والا فلم أرى كل هؤلاء من حولي يهربون من بيوتهم وعقولهم واجسادهم الى الشوارع والنزل والملاهي والشطآن لولا انهم يحاولون تناسي ملله والتأقلم مع طول أيامه والانسجام مع اوقاته التي تتخلها رتابة رهيبة؟ فالاغنياء يهربون من كل هذا الى جميع وسائل الترفيه متناسين اموالهم الطائلة التي تذهب فداء تحسين مزاجهم دون اهتمام منهم.والاخرون يحاولون البحث عن عمل كمورد للمال الذي يحتاجونه أو البحث عن وسائل ترفيه تتناسب مع دخلهم وتتلائم مع فقرهم وحاجتهم.في الصيف تظهر جلية الفوارق الاجتماعية بين الناس.. فيتذكر البعض خصاصتهم واحتياجهم الذي يمنعهم من العيش كما يرغبون بينما لا يمتلك البعض الآخر الوقت لكي يتذكروا ثرائهم الفاحش الذي انعم به الله عليهم دون تقديرهم قيمته فيواصلون متعتهم وفجورهم بلا مبالاة..
ووسط كل هذا نظل نبحث عن شيء يصنع معنى للوقت الذي يمر من حياتنا دون عودة فهل لنا قضاء هذا الفصل لولا انتظارنا الدائم لقدوم الفرج بمجيء الخريف؟. ❝