❞ الصبح مشهد مألوف مكرور , و لكنه في تعبير القرآن حيّ لم تشهده من قبل عينان . إنه (( الصبح إذا تنفّس )) .
و الليل آنٌ من زمانٍ معهود و لكنه في تعبير القرآن حيّ جديد (( و الليل إذا يَسْرِ )) . و هو يطلب النهار في سباقٍ جبّار (( يُغشي الليل النهار . يطلبُهُ حثيثاً )) .
و الظلّ ظاهرة تُشهد و تُعرَف , و لكنه في التعبير القرآني نفس تحسّ و تتصرف (( و ظلّ من يحموم . لا بارد و لا كريم )) .
و الجدار بنية جامدة كالجلمود , و لكنه في تعبير القرآن يحسّ و يريد (( فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقضّ فأقامه ))
و الأرض و السماء , و الشمس و القمر , و الجبال و الوديان , و الدور العامرة , و الآثار الدائرة , و النبات و الحيوان , و الأشجار و الأفنان ... كل أولئك أحياء . أو مشاهد تخاطب الأحياء . فليس هناك جامد و لا ميّت بين الجوامد و الأشياء .
تلك طريقة القرآن . و إنّها لفنّ قائم وحده ازاء المعاني و الأغراض , و هو في أفقه الرفيع , كفاء لتلك المعاني , و صنو هذه الأغراض. ❝ ⏤سيد قطب
❞ الصبح مشهد مألوف مكرور , و لكنه في تعبير القرآن حيّ لم تشهده من قبل عينان . إنه (( الصبح إذا تنفّس )) .
و الليل آنٌ من زمانٍ معهود و لكنه في تعبير القرآن حيّ جديد (( و الليل إذا يَسْرِ )) . و هو يطلب النهار في سباقٍ جبّار (( يُغشي الليل النهار . يطلبُهُ حثيثاً )) .
و الظلّ ظاهرة تُشهد و تُعرَف , و لكنه في التعبير القرآني نفس تحسّ و تتصرف (( و ظلّ من يحموم . لا بارد و لا كريم )) .
و الجدار بنية جامدة كالجلمود , و لكنه في تعبير القرآن يحسّ و يريد (( فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقضّ فأقامه ))
و الأرض و السماء , و الشمس و القمر , و الجبال و الوديان , و الدور العامرة , و الآثار الدائرة , و النبات و الحيوان , و الأشجار و الأفنان ... كل أولئك أحياء . أو مشاهد تخاطب الأحياء . فليس هناك جامد و لا ميّت بين الجوامد و الأشياء .
تلك طريقة القرآن . و إنّها لفنّ قائم وحده ازاء المعاني و الأغراض , و هو في أفقه الرفيع , كفاء لتلك المعاني , و صنو هذه الأغراض . ❝
❞ ملخص كتاب ❞ التصوير الفني في القرآن (جزء ثان)❝ لقد قرأت القرآن وأنا طفل صغير، لا ترقى مداركي إلى آفاق معانيه، ولا يحيط فهمي بجليل أغراضه، ولكني كنت أجد في نفسي منه شيئًا. لقد كان خيالي الساذج الصغير يجسِّم لي بعض الأمور من خلال تعبير القرآن، وإنها لصور ساذجة ولكنها كانت تشوِّق نفسي وتلذ حسِّي؛ فأظل فترة أتملَّاها، وأنا بها فَرِح ولها نشيط. ثم دخلتُ المعاهد العلمية فقرأتُ تفسير القرآن في كتب التفسير، وسمعت تفسيره من الأساتذة، ولكنني لم أجد فيما أقرأ أو أسمع ذلك القرآن اللذيذ الجميل الذي كنت أجده في الطفولة والصبا. ترى هما قرآنان؟ قرآن الطفولة الميسَّر، وقرآن الشباب المعقَّد؟ أم أنها الطريقة المتَّبعة في التفسير؟ وعُدْتُ إلى القرآن أقرؤه في المصحف لا في كتب التفسير، وعُدْتُ أجد قرآني الحبيب الجميل، وأجد صوري المشوِّقة اللذيذة. إنها ليست في سذاجتها التي كانت هناك، ولكن سحرها ما يزال، وجاذبيتها ما تزال. الحمد لله، لقد وجدتُ القرآن.
1- لفظة واحدة: قد يستقل لفظ واحد برسم صورة شاخصة، لا بمجرد المساعدة على إكمال معالم صورة، وهذه خطوة أخرى في تنسيق التصوير، خطوة يزيد من قيمتها أن لفظًا مفردًا هو الذي يرسم الصورة، تارة بِجَرَسه الذي يلقيه في الأذن، وتارة بظله الذي يلقيه في الخيال، وتارة بالجرس والظل جميعًا. تسمع الأذن كلمة "اثَّاقَلْتُمْ" في قوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَي الْأَرْضِ"؛ فيتصور الخيال ذلك الجسم المثّاقل، يرفعه الرافعون في جهد، فيسقط من أيديهم في ثقل. إن في هذه الكلمة "طنًّا" على الأقل من الأثقال، ولو أنك قلت: تثاقلتم، لخف الجرس، ولضاع الأثر المنشود، ولتوارت الصورة المطلوبة التي رسمها هذا اللفظ، واستقل برسمها.
وتقرأ: "وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ"؛ فترتسم صورة التَّبْطِئة في جرس العبارة كلها، وفي جرس "ليبطئن" خاصة. وإن اللسان ليكاد يتعثر، وهو يتخبط بها، حتى يصل ببطء إلى نهايتها. وتسمع كلمة: "يصطرخون" في الآية: "وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَي عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ، وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ". فيُخَيَّل إليك جرسها الغليظ، غلظ الصراخ المختلط المتجاوب من كل مكان، المنبعث من حناجر مكتظة بالأصوات الخشنة؛ كما تلقي إليك ظل الإهمال لهذا الاصطراخ، الذي لا يجد من يهتم به أو يلبيه. وتلمح من وراء ذلك كله صورة ذلك العذاب الغليظ الذي هم فيه يصطرخون.
ومثلها التعبير عن النوم بالنعاس، وعن التنويم بغشية النعاس: "إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ"؛ تجد جو النعاس الرقيق اللطيف، وكأنه غشاء شفيف، يغشى الحواس في لطف ولين: "أمنة منه"؛ فالجو كله أمن وهدوء. ❝ ⏤سيد قطب
ملخص كتاب ❞ التصوير الفني في القرآن (جزء ثان)❝
لقد قرأت القرآن وأنا طفل صغير، لا ترقى مداركي إلى آفاق معانيه، ولا يحيط فهمي بجليل أغراضه، ولكني كنت أجد في نفسي منه شيئًا. لقد كان خيالي الساذج الصغير يجسِّم لي بعض الأمور من خلال تعبير القرآن، وإنها لصور ساذجة ولكنها كانت تشوِّق نفسي وتلذ حسِّي؛ فأظل فترة أتملَّاها، وأنا بها فَرِح ولها نشيط. ثم دخلتُ المعاهد العلمية فقرأتُ تفسير القرآن في كتب التفسير، وسمعت تفسيره من الأساتذة، ولكنني لم أجد فيما أقرأ أو أسمع ذلك القرآن اللذيذ الجميل الذي كنت أجده في الطفولة والصبا. ترى هما قرآنان؟ قرآن الطفولة الميسَّر، وقرآن الشباب المعقَّد؟ أم أنها الطريقة المتَّبعة في التفسير؟ وعُدْتُ إلى القرآن أقرؤه في المصحف لا في كتب التفسير، وعُدْتُ أجد قرآني الحبيب الجميل، وأجد صوري المشوِّقة اللذيذة. إنها ليست في سذاجتها التي كانت هناك، ولكن سحرها ما يزال، وجاذبيتها ما تزال. الحمد لله، لقد وجدتُ القرآن.
قد يستقل لفظ واحد برسم صورة شاخصة، لا بمجرد المساعدة على إكمال معالم صورة، وهذه خطوة أخرى في تنسيق التصوير، خطوة يزيد من قيمتها أن لفظًا مفردًا هو الذي يرسم الصورة، تارة بِجَرَسه الذي يلقيه في الأذن، وتارة بظله الذي يلقيه في الخيال، وتارة بالجرس والظل جميعًا. تسمع الأذن كلمة "اثَّاقَلْتُمْ" في قوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَي الْأَرْضِ"؛ فيتصور الخيال ذلك الجسم المثّاقل، يرفعه الرافعون في جهد، فيسقط من أيديهم في ثقل. إن في هذه الكلمة "طنًّا" على الأقل من الأثقال، ولو أنك قلت: تثاقلتم، لخف الجرس، ولضاع الأثر المنشود، ولتوارت الصورة المطلوبة التي رسمها هذا اللفظ، واستقل برسمها.
وتقرأ: "وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ"؛ فترتسم صورة التَّبْطِئة في جرس العبارة كلها، وفي جرس "ليبطئن" خاصة. وإن اللسان ليكاد يتعثر، وهو يتخبط بها، حتى يصل ببطء إلى نهايتها. وتسمع كلمة: "يصطرخون" في الآية: "وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَي عَلَيْهِمْ ....... [المزيد]
جاء في القرآن الكريم: "وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ". وجاء فيه حكاية عن كفار العرب: "بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ". وصدق القرآن الكريم، فليس هذا النسق شعرًا. ولكن العرب كذلك لم يكونوا مجانين، ولا جاهلين بخصائص الشعر، يوم قالوا عن هذا النَّسَق العالي أنه شعر. لقد راع خيالهم بما فيه من تصوير بارع؛ وسَحَرَ وجدانهم بما فيه من منطق ساحر؛ وأخذ أسماعهم بما فيه من إيقاع جميل. وتلك خصائص الشعر الأساسية، إذا نحن أغفلنا القافية والتفاعيل. على أن النَّسَق القرآني قد جمع بين مزايا النثر والشعر جميعًا؛ فقد أُعفِيَ التعبير من قيود القافية الموحَّدة والتفعيلات التامة؛ فنال بذلك حرية التعبير الكاملة عن جميع أغراضه العامة. وأخذ في الوقت ذاته من الشعر الموسيقى الداخلية، والفواصل المتقاربة في الوزن، التي تغني عن التفاعيل؛ والتقفية المتقاربة التي تغني عن القوافي؛ وضم ذلك إلى الخصائص التي ذكرنا، فنشأ النثر والنَّظْم جميعًا.
وحيثما تلا الإنسان القرآن أحس بذلك الإيقاع الداخلي في سياقه؛ يبرز ....... [المزيد]
3- اللوحة المرسومة
4- مدة عرض المشهد
5- بناء الشخصية في القصة - الجزء الاول
6- بناء الشخصية في القصة - الجزء الثاني
❞ و الذباب صغير حقير , و لكن الاعجاز في خلقه هو الاعجاز في خلق الجمل و الفيل , انها معجزة ˝الحياة˝ . فليست المعجزة في صميمها هي خلق الهائل من الأحياء . انما هي خلق الخليّة الصغيرة كالهباء. ❝ ⏤سيد قطب
❞ و الذباب صغير حقير , و لكن الاعجاز في خلقه هو الاعجاز في خلق الجمل و الفيل , انها معجزة ˝الحياة˝ . فليست المعجزة في صميمها هي خلق الهائل من الأحياء . انما هي خلق الخليّة الصغيرة كالهباء . ❝
❞ إن هذه الريشة المبدعة ما مسّت جامداً إلا نبض بالحياة , و لا عرضت مألوفاً إلا بدا جديداً , و تلك قدرة قادرة , و معجزة ساحرة , كسائر معجزات الحياة!. ❝ ⏤سيد قطب
❞ إن هذه الريشة المبدعة ما مسّت جامداً إلا نبض بالحياة , و لا عرضت مألوفاً إلا بدا جديداً , و تلك قدرة قادرة , و معجزة ساحرة , كسائر معجزات الحياة! . ❝