❞ الذي رأى قطة تتلصص على مائدة في خلسة من أصحابها ثم تمد فمها لتلقف قطعة سمك. الذي رأى مثل تلك القطة ونظر إلى عينيها وهي تسرق لن ينسى أبداً تلك النظرة التي تملؤها الإحساس بالذنب.
إن القطة وهي الحيوان الأعجم تشعر شعوراً مبهماً أنها ترتكب إثماً .. فإذا لحقها العقاب ونالت ضربة على رأسها فإنها تغض من رأسها وتطأطئ بصرها ، وكأنها تدرك إدراكاً مبهماً أنها نالت ما تستحق.
هو إحساس الفطرة الأولى الذي ركبه الخالق في بنية المخلوق .. إنه الحاسة الأخلاقية البدائية نجد أثرها حتى في الحيوان الأعجم.
والقط إذ يتبرز ثم ينثني علي ما فعل ويهيل عليه التراب حتى يخفيه عن الأنظار.
ذلك الفعل الغريزي يدل على إحساس بالقبح وعلى المبادرة بستر هذا القبح.
وذلك الفعل هو أيضاً فطرة أخلاقية لم تكتسب بالتعلم .. وإنما بهذه الفطرة وُلِد كل القطط.
وبالمثل غضبة الجمل بعد تكرار الإهانة من صاحبه وبعد طول الصبر والتحمل .. وكبرياء الأسد وترفعه عن أن يهاجم فريسته غدراً من الخلف وإنما دائماً من الأمام ومواجهة .. ولا يفترس إلا ليأكل .. ولا يفكر في أكل أو افتراس إلّا إذا جاع.
كل هذه أخلاق مفطورة في الحشوة الحية وفي الحيوان.
ثم الوفاء الزوجي عند الحمام.
والولاء للجماعة في الحيوانات التي تتحرك في قطعان.
نحن أمام الأسس الأولى للضمير .. نكتشفها تحت الجلد وفي الدم لم يعلمها معلم وإنما هي في الخلقة.
ونحن إذ نتردد قبل الفعل نتيجة إحساس فطري بالمسئولية .. ثم نشعر بالعبء أثناء الفعل نتيجة تحري الصواب .. ونشعر بالندم بعد الفعل نتيجة الخطأ.
هذه المشاعر الفطرية التي يشترك فيها المثقف والبدائي والطفل هي دليل على شعور باطن بالقانون والنظام وأن هناك محاسبة .. وأن هناك عدالة .. وإن كل واحد فينا مُطَالب بالعدالة كما أن له الحق في أن يطلبها .. وإن هذا شعور مفطور فينا منذ الميلاد جاءنا من الخالق الذي خلقنا ومن طبيعتنا ذاتها.
فإذا نظرنا إلى العالم المادي من الذرات المتناهية في الصغر إلى المجرات المتناهية في العظم وجدنا كل شيء يجري بقوانين و بحساب و انضباط .
حتى الإلكترون لا ينتقل من مدار إلى مدار في فلك النواة إلّا إذا أعطى أو أخذ حزماً من الطاقة تساوي مقادير انتقاله و كأنه راكب في قطار لا يستطيع أن يستقل القطار إلّا إذا دفع ثمن التذكرة .
و ميلاد النجوم و موتها له قوانين و أسباب.
و حركة الكواكب في دولاب الجاذبية لها معادلة .
و تحول المادة إلى طاقة و تحول جسم الشمس إلى نور له معادلة .
و انتقال النور له سرعة .
و كل موجة لها طول و لها ذبذبة و لها سرعة .
كما أن كل معدن له طيف و له خطوط امتصاص مميزة يُعرَف بها في جهاز المطياف .
و كل معدن يتمدد بمقدار و يتقلص بمقدار بالحرارة و البرودة .. و كل معدن له كتلة و كثافة و وزن ذري جزيئي و ثوابت و خواص .
و أينشتين أثبت لنا أن هناك علاقة بين كتلة الجسم و سرعته .. و بين الزمن و نظام الحركة داخل مجموعة متحركة .. و بين الزمان و المكان .
و الذي يفرق المواد إلى جوامد و سوائل و غازات هو معدل السرعة بين جزيئاتها .
و لأن الحرارة تعجّل من هذه السرعة فإنها تستطيع أن تصهر الجوامد و تحولها إلى سوائل ثم تبخر السوائل و تحولها إلى غازات .
كما أن الكهرباء تتولد بقوانين .. كما يتحرك التيار الكهربائي و يفعل و يؤثرعلى أساس من فرق الجهد و الشدة .
كما تتوقف جاذبية كل نجم على مقدار جرمه و كتلته .
و الزلازل التي تبدو أنواعاً من الفوضى لها هي الأخرى نظام و أحزمة و
خطوط تحدث فيها و يمكن رسم و تتبع الأحزمة الزلزالية بطول الكرة
الأرضية و عرضها .
و الكون كله جدول من القوانين المنضبطة الصريحة التي لا غش فيها و لا خداع .
سوف يرتفع صوت ليقول : و ما رأيك فيما نحن فيه من الغش و الخداع و الحروب و المظالم و قتل بعضنا البعض بغياً و عدواناً .. أين النظام هنا ؟ و سوف أقول له : هذا شيء آخر .. فإن ما يحدث بيننا نحن دولة بني آدم يحدث لأن الله أخلفنا في الأرض و أقامنا ملوكاً نحكم و أعطانا الحرية .. و عرض علينا الأمانة فقبلناها .
و كان معنى إعطائنا الحرية أن تصبح لنا إمكانية الخطأ و الصواب .
و كان كل ما نرى حولنا في دنيانا البشرية هو نتيجة هذه الحرية التي
أسأنا استعمالها .
إن الفوضى هي فعلنا نحن و هي النتيجة المترتبة على حريتنا ، أما العالم فهو بالغ الذروة في الانضباط و النظام .
و لو شاء الله لأخضعنا نحن أيضاً للنظام قهراً كما أخضع الجبال و البحار و النجوم و الفضاء .. و لكنه شاء أن يفني عنّا القهر لتكتمل بذلك عدالته .. و ليكون لكل منا فعله الخاص الحر الذي هو من جنس دخيلته .
أراد بذلك عدلاً ليكون بعثنا بعد ذلك على مقامات و درجات هو إحقاق الحق و وضع كل شيء في نصابه .
و الحياة مستمرة .
و ليس ما نحياه من الحياة في دنيانا هو كل الحياة .
و معنى هذا أن الفترة الاعتراضية من المظالم و الفوضى هي فترة لها حِكمتها و أسبابها و أنها عين العدالة من حيث هي امتحان لما يلي من حياة مستمرة أبداً .
إن دنيانا هي فترة موضوعة بين قوسين بالنسبة لما بعدها و ما قبلها ، و هي ليست كل الحقيقة و لا كل القصة .. و إنما هي فصل صغير من رواية سوف تتعدد فصولاً .
وقد أدرك الإنسان حقيقة البعث بالفطرة.
أدركها الإنسان البدائي.
وقال بها الأنبياء إخباراً عن الغيب.
وقال بها العقل والعلم الذي أدرك أن الإنسان جسد وروح كما ذكرنا في فصول سابقة .. وإن الإنسان يستشعر بروحه من إحساسه الداخلي العميق المستمر بالحضور رغم شلال التغيرات الزمنية من حوله ، وهو إحساس ينبئ بأنه يملك وجوداً داخلياً متعالياً على التغيرات مجاوزاً للزمن والفناء والموت.
وفلاسفة مثل عمانويل كانت وبرجسون وكيركجارد ، لهم وزنهم في الفكر قالوا بحقيقة الروح والبعث.
وفي كتاب «جمهورية أفلاطون».. فصل رائع عن خلود الروح.
هي حقيقة كانت تفرض نفسها إذن على أكبر العقول وعلى أصغر العقول وكانت تقوم كبداهة يصعب إنكارها.
ولكن أهم برهان على البعث في نظري هو ذلك الإحساس الباطني العميق الفطري الذي نولد به جميعا ونتصرف على أساسه ، أن هناك نظاماً مُحكَماً وقانوناً وعدلاً.
ونحن نطالب أنفسنا ونطالب غيرنا فطرياً وغريزياً بهذا العدل.
وتحترق صدورنا إذا لم يتحقق هذا العدل.
ونحارب لنرسي دعائم ذلك العدل.
ونموت في سبيل العدل.
وفي النهاية لا نحقق أبداً ذلك العدل.
وهذا يعني أنه سوف يتحقق بصورة ما لاشك فيها .. لأنه حقيقة مطلقة فرضت نفسها على عقولنا وضمائرنا طول الوقت.
وإذا كنا لا نرى ذلك العدل يتحقق في دنيانا فلأننا لا نرى كل الصورة ولأن دنيانا الظاهرة ليست هي كل الحقيقة.
وإلّا فلماذا تحترق صدورنا لرؤية الظلم ولماذا نطالب غيرنا دائما بأن يكون عادلاً .. لماذا نحرص كل هذا الحرص ونشتعل غضباً على ما لا وجود له.
يقول لنا المفكر الهندي وحيد الدين خان :
إذا كان الظمأ إلى الماء يدل على وجود الماء فكذلك الظمأ إلى العدل لابد أنه يدل على وجود العدل .. ولأنه لا عدل في الدنيا .. فهو دليل على وجود الآخرة مستقر العدل الحقيقي.
إن شعورنا الداخلي الفطري هو الدليل القطعي على أن العدل حق .. وإن كنا لا نراه اليوم .. فإننا سوف نراه غداً .. هذا توكيد يأتينا دائما من داخلنا .. وهو الصدق لأنه وحي البداهة..
والبداهة والفطرة جزء من الطبيعة المحكمة الخالية من الغش وهي قانون من ضمن القوانين العديدة التي ينضبط بها الوجود.
سوف يرتفع صوت ليقول : لندع عالم الآدميين ونسأل : لماذا خلق الله الخنزير خنزيراً والكلب كلباً .. والحشرة حشرة .. ما ذنب هذه الكائنات لتخلق على تلك الصورة المنحطة .. وأين العدل هنا ؟
وإذا كان الله سوف يبعث كل ذي روح فلماذا لا يبعث القرد والكلب والخنزير؟
والسؤال وجيه ولكن يلقيه عقل لا يعرف إلّا نصف القضية .. أو سطراً واحداً من ملف التحقيق .. ومع ذلك يتعجل معرفة الحكم وحيثياته.
والواقع أن كل الكائنات الحيوانية نفوس.
والله قد اختار لكل نفس القالب المادي الذي تستحقه.
والله قد خلق الخنزير خنزيراً لأنه خنزير..
ونحن لا نعلم شيئا عن تلك النفوس الخنزيرية قبل أن يودعها الله في قالبها المادي الخنزيري..
ولا نعلم لماذا وكيف كان الميلاد على تلك الصورة .. وما قبل الميلاد محجوب.
كما أن ما بعد الموت محجوب.
ولكن أهل المشاهدة يقولون كما يقول القرآن إننا كنا قبل الميلاد في عالم ( يسمونه عالم الذر ) ونكون بعد الموت في عالم. والحياة أبدية ولا موت وإنما انتقال وارتقاء في معراج لا ينتهي . صعوداً وتطوراً وتسامياً وكدحاً إلى الله.
وهذا الاستمرار يقول به العقل أيضاً.
والعدل هو الحقيقة الأزلية التي وقرها الله في الفطرة وفي الحشوة الآدمية.. وحتي في الحشوة الحيوانية كما قدمت في بداية مقالي.
هذا العدل حقيقة مطلقة سوف تقول لنا أن جميع القوالب المادية والحيوانية هي استحقاقات مؤكدة لا ندري شيئا عن تفاصيلها ولا كيف كانت ، ولكننا نستطيع أن نقول بداهة أنها استحقاقات .. وأن الله خلق الخنزير خنزيراً لأن نفسه كانت نفسا خنزيرية فكان هذا ثوبها وقالبها الملائم.
أما بعث الحيوانات فالقرآن يقول به :
( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ) (الأنعام – 38).
هي أمم من الأنفس يقول لنا القرآن أنها تُحشَر كما نُحشَر.. أما ما يجري عليها بعد ذلك وأين تكون وما مصيرها .. فهو غيب .. وتطلع إلى محجوبات .. وفضول لن نجد له جواباً شافياً.
والعلم بكل شيء في داخل اللحظة المحدودة وفي عمرنا الدنيوي هو طمع في مستحيل.
ولكن إذا كان نصيبنا من العلم وإذا كان ما غنمناه بالتأمل هو أن العدل حقيقة أزلية وأن الله وقرها وأودعها في الفطرة فقد علمنا الكثير وأدركنا كفايتنا.
وبالصورة التي أدركنا بها الله في مقالنا الأول على أنه العقل الكلي المحيط وأنه القادر المبدع الملهم المعني بمخلوقاته ، بهذه الصورة سوف نفهم كيف أودع الله هذه الفطرة الهادية المرشدة في مخلوقاته فهذا مقتضي عنايته وعدله .. أن يخلق مخلوقاته ويخلق لها النور الذي تهتدي به. وسوف نصدق أيضا أن الله أرسل الأنبياء وأوحي بالكتب .. فإن الله لا يكون رباً ولا إلهاً ملهماً مدبراً بغير ذلك.
وسوف يكون دليلا على صدق الكتب السماوية وهو ما تأتينا به من علم وغيب وحكمة وتشريع وحق مما لا يتأتي لجهد فردي أن يهتدي إليه بالمحاولة الشخصية.
إن الله الخالق العادل الملهم الذي خلق مخلوقاته وألهمها الطريق.. (وهو لباب الأديان كلها)..
هو مبدأ أولي يصل إليه العقل دون إجهاد. وتوحي به الفطرة بداهة.
وإنما الافتعال كل الافتعال.. هو القول بغير ذلك.
والإنكار يحتاج إلى الجهد كل الجهد وإلى الالتفاف والدوران واللجاجة والجدل العقيم ثم نهايته إلى التهافت .. لأنه لا يقوم على أساس .. ولأنه يدخل في باب المكابرة والعناد أكثر مما يدخل في باب التأمل المحايد النزيه والفطرة السوية.
وهذا هو ما قالته لي رحلتي الفكرية الطويلة .. من بدايتها المزهوة في كتاب ( الله والإنسان ) إلى وقفتها الخاشعة على أبواب القرآن والتوراة والإنجيل وليس متديناً في نظري من تعصب وتحزب وتصور أن نبيه هو النبي الوحيد وأن الله لم يأت بغيره .. فإن هذا التصور لله هو تصور طفولي متخلف يظن أن الله أشبه بشيخ قبيلة .. ومثل هذا الإحساس هو عنصرية وليس تديناً.
وإنما التصور الحق لله .. أنه الكريم الذي يعطي الكل ويرسل الرسل للكل.
( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير )
(فاطر – 24)
و( لقد بعثنا في كل أمة رسولاً )
(النحل – 36)
( وما كان ربك مُهلِك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً )
( القصص – 59)
( ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك )
( النساء – 164)
ومعنى هذه الآية أن بوذا يمكن أن يكون رسولا وإن لم يرد ذكره في القرآن.
وإخناتون يمكن أن يكون رسولاً .. ويمكن أن يكون ما وصلنا من تعاليمهم قد خضع للتحريف .. والله يريد بهذا أن يوحي بالإيمان المنفتح الذي يحتضن كل الرسالات وكل الأنبياء وكل الكتب بلا تعصب وبلا تحيز.
وأصدق مثل للوعي الديني المتفتح هو وعي رجل مثل غاندي .. هندوسي ومع ذلك يقرأ في صلاته فقرات من القرآن والتوراة والإنجيل وكتاب ( الدامابادا ) لبوذا .. في خشوع ومحبة.. مؤمناً بكل الكتب وكل الرسل .. وبالخالق الواحد الذي أرسلها.
وهو رجل حياته مثل كلامه أنفقها في الحب والسلام.
والدين واحد من الناحية العقائدية وإن اختلفت الشرائع في الأديان المتعددة . كما أن الرب واحد.
والفضلاء من جميع الأديان هم على دين واحد.
لأن المتدين الفاضل لا يتصور الله خالقاً له وحده وهادياً له وحده أو لفئة وحدها .. وإنما هو نور السموات والأرض .. المتاح لكل من يجهد باحثا عنه .. الرحمن الرحيم المرسل للهداة المنزل للوحي في جميع الأعصر والدهور .. وهذا مقتضى عدله الأزلي .. وهذا هو المعنى الجدير بالمقام الإلهي .. وبدون هذا الإيمان المنفتح لا يكون المتدين متديناً.
أما الأديان التي تنقسم شيعاً يحارب بعضها بعضاً باسم الدين فإنها ترفع راية الدين كذباً .. وما الراية المرفوعة إلا راية العنصر والعرق والجنس وهي مازالت في جاهلية الأوس والخزرج وحماسيات عنترة .. تحارب للغرور .. وإن ظنت أنها تحارب لله .. وهي هالكة ، الغالب فيها والمغلوب .. مشركة .. كل منها عابد لتمثاله ولذاته ولتصوره الشخصي وليس عابداً لله.
وإنما تبدأ عبادة الله بمعرفة الله ومقامه الأسمى . وتبدأ معرفة الله بمعرفة النفس ومكانها الأدنى.
وهذا هو الطريق .. والصراط .. والمعراج الذي يبدأ منه عروج السالكين في هجرتهم الكبرى إلى الحق.
مقال : العدل الأزلي .
من كتاب : رحلتي من الشك إلى الإيمان .
للدكتور : مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ الذي رأى قطة تتلصص على مائدة في خلسة من أصحابها ثم تمد فمها لتلقف قطعة سمك. الذي رأى مثل تلك القطة ونظر إلى عينيها وهي تسرق لن ينسى أبداً تلك النظرة التي تملؤها الإحساس بالذنب.
إن القطة وهي الحيوان الأعجم تشعر شعوراً مبهماً أنها ترتكب إثماً . فإذا لحقها العقاب ونالت ضربة على رأسها فإنها تغض من رأسها وتطأطئ بصرها ، وكأنها تدرك إدراكاً مبهماً أنها نالت ما تستحق.
هو إحساس الفطرة الأولى الذي ركبه الخالق في بنية المخلوق . إنه الحاسة الأخلاقية البدائية نجد أثرها حتى في الحيوان الأعجم.
والقط إذ يتبرز ثم ينثني علي ما فعل ويهيل عليه التراب حتى يخفيه عن الأنظار.
ذلك الفعل الغريزي يدل على إحساس بالقبح وعلى المبادرة بستر هذا القبح.
وذلك الفعل هو أيضاً فطرة أخلاقية لم تكتسب بالتعلم . وإنما بهذه الفطرة وُلِد كل القطط.
وبالمثل غضبة الجمل بعد تكرار الإهانة من صاحبه وبعد طول الصبر والتحمل . وكبرياء الأسد وترفعه عن أن يهاجم فريسته غدراً من الخلف وإنما دائماً من الأمام ومواجهة . ولا يفترس إلا ليأكل . ولا يفكر في أكل أو افتراس إلّا إذا جاع.
كل هذه أخلاق مفطورة في الحشوة الحية وفي الحيوان.
ثم الوفاء الزوجي عند الحمام.
والولاء للجماعة في الحيوانات التي تتحرك في قطعان.
نحن أمام الأسس الأولى للضمير . نكتشفها تحت الجلد وفي الدم لم يعلمها معلم وإنما هي في الخلقة.
ونحن إذ نتردد قبل الفعل نتيجة إحساس فطري بالمسئولية . ثم نشعر بالعبء أثناء الفعل نتيجة تحري الصواب . ونشعر بالندم بعد الفعل نتيجة الخطأ.
هذه المشاعر الفطرية التي يشترك فيها المثقف والبدائي والطفل هي دليل على شعور باطن بالقانون والنظام وأن هناك محاسبة . وأن هناك عدالة . وإن كل واحد فينا مُطَالب بالعدالة كما أن له الحق في أن يطلبها . وإن هذا شعور مفطور فينا منذ الميلاد جاءنا من الخالق الذي خلقنا ومن طبيعتنا ذاتها.
فإذا نظرنا إلى العالم المادي من الذرات المتناهية في الصغر إلى المجرات المتناهية في العظم وجدنا كل شيء يجري بقوانين و بحساب و انضباط .
حتى الإلكترون لا ينتقل من مدار إلى مدار في فلك النواة إلّا إذا أعطى أو أخذ حزماً من الطاقة تساوي مقادير انتقاله و كأنه راكب في قطار لا يستطيع أن يستقل القطار إلّا إذا دفع ثمن التذكرة .
و ميلاد النجوم و موتها له قوانين و أسباب.
و حركة الكواكب في دولاب الجاذبية لها معادلة .
و تحول المادة إلى طاقة و تحول جسم الشمس إلى نور له معادلة .
و انتقال النور له سرعة .
و كل موجة لها طول و لها ذبذبة و لها سرعة .
كما أن كل معدن له طيف و له خطوط امتصاص مميزة يُعرَف بها في جهاز المطياف .
و كل معدن يتمدد بمقدار و يتقلص بمقدار بالحرارة و البرودة . و كل معدن له كتلة و كثافة و وزن ذري جزيئي و ثوابت و خواص .
و أينشتين أثبت لنا أن هناك علاقة بين كتلة الجسم و سرعته . و بين الزمن و نظام الحركة داخل مجموعة متحركة . و بين الزمان و المكان .
و الذي يفرق المواد إلى جوامد و سوائل و غازات هو معدل السرعة بين جزيئاتها .
و لأن الحرارة تعجّل من هذه السرعة فإنها تستطيع أن تصهر الجوامد و تحولها إلى سوائل ثم تبخر السوائل و تحولها إلى غازات .
كما أن الكهرباء تتولد بقوانين . كما يتحرك التيار الكهربائي و يفعل و يؤثرعلى أساس من فرق الجهد و الشدة .
كما تتوقف جاذبية كل نجم على مقدار جرمه و كتلته .
و الزلازل التي تبدو أنواعاً من الفوضى لها هي الأخرى نظام و أحزمة و
خطوط تحدث فيها و يمكن رسم و تتبع الأحزمة الزلزالية بطول الكرة
الأرضية و عرضها .
و الكون كله جدول من القوانين المنضبطة الصريحة التي لا غش فيها و لا خداع .
سوف يرتفع صوت ليقول : و ما رأيك فيما نحن فيه من الغش و الخداع و الحروب و المظالم و قتل بعضنا البعض بغياً و عدواناً . أين النظام هنا ؟ و سوف أقول له : هذا شيء آخر . فإن ما يحدث بيننا نحن دولة بني آدم يحدث لأن الله أخلفنا في الأرض و أقامنا ملوكاً نحكم و أعطانا الحرية . و عرض علينا الأمانة فقبلناها .
و كان معنى إعطائنا الحرية أن تصبح لنا إمكانية الخطأ و الصواب .
و كان كل ما نرى حولنا في دنيانا البشرية هو نتيجة هذه الحرية التي
أسأنا استعمالها .
إن الفوضى هي فعلنا نحن و هي النتيجة المترتبة على حريتنا ، أما العالم فهو بالغ الذروة في الانضباط و النظام .
و لو شاء الله لأخضعنا نحن أيضاً للنظام قهراً كما أخضع الجبال و البحار و النجوم و الفضاء . و لكنه شاء أن يفني عنّا القهر لتكتمل بذلك عدالته . و ليكون لكل منا فعله الخاص الحر الذي هو من جنس دخيلته .
أراد بذلك عدلاً ليكون بعثنا بعد ذلك على مقامات و درجات هو إحقاق الحق و وضع كل شيء في نصابه .
و الحياة مستمرة .
و ليس ما نحياه من الحياة في دنيانا هو كل الحياة .
و معنى هذا أن الفترة الاعتراضية من المظالم و الفوضى هي فترة لها حِكمتها و أسبابها و أنها عين العدالة من حيث هي امتحان لما يلي من حياة مستمرة أبداً .
إن دنيانا هي فترة موضوعة بين قوسين بالنسبة لما بعدها و ما قبلها ، و هي ليست كل الحقيقة و لا كل القصة . و إنما هي فصل صغير من رواية سوف تتعدد فصولاً .
وقد أدرك الإنسان حقيقة البعث بالفطرة.
أدركها الإنسان البدائي.
وقال بها الأنبياء إخباراً عن الغيب.
وقال بها العقل والعلم الذي أدرك أن الإنسان جسد وروح كما ذكرنا في فصول سابقة . وإن الإنسان يستشعر بروحه من إحساسه الداخلي العميق المستمر بالحضور رغم شلال التغيرات الزمنية من حوله ، وهو إحساس ينبئ بأنه يملك وجوداً داخلياً متعالياً على التغيرات مجاوزاً للزمن والفناء والموت.
وفلاسفة مثل عمانويل كانت وبرجسون وكيركجارد ، لهم وزنهم في الفكر قالوا بحقيقة الروح والبعث.
وفي كتاب «جمهورية أفلاطون». فصل رائع عن خلود الروح.
هي حقيقة كانت تفرض نفسها إذن على أكبر العقول وعلى أصغر العقول وكانت تقوم كبداهة يصعب إنكارها.
ولكن أهم برهان على البعث في نظري هو ذلك الإحساس الباطني العميق الفطري الذي نولد به جميعا ونتصرف على أساسه ، أن هناك نظاماً مُحكَماً وقانوناً وعدلاً.
ونحن نطالب أنفسنا ونطالب غيرنا فطرياً وغريزياً بهذا العدل.
وتحترق صدورنا إذا لم يتحقق هذا العدل.
ونحارب لنرسي دعائم ذلك العدل.
ونموت في سبيل العدل.
وفي النهاية لا نحقق أبداً ذلك العدل.
وهذا يعني أنه سوف يتحقق بصورة ما لاشك فيها . لأنه حقيقة مطلقة فرضت نفسها على عقولنا وضمائرنا طول الوقت.
وإذا كنا لا نرى ذلك العدل يتحقق في دنيانا فلأننا لا نرى كل الصورة ولأن دنيانا الظاهرة ليست هي كل الحقيقة.
وإلّا فلماذا تحترق صدورنا لرؤية الظلم ولماذا نطالب غيرنا دائما بأن يكون عادلاً . لماذا نحرص كل هذا الحرص ونشتعل غضباً على ما لا وجود له.
يقول لنا المفكر الهندي وحيد الدين خان :
إذا كان الظمأ إلى الماء يدل على وجود الماء فكذلك الظمأ إلى العدل لابد أنه يدل على وجود العدل . ولأنه لا عدل في الدنيا . فهو دليل على وجود الآخرة مستقر العدل الحقيقي.
إن شعورنا الداخلي الفطري هو الدليل القطعي على أن العدل حق . وإن كنا لا نراه اليوم . فإننا سوف نراه غداً . هذا توكيد يأتينا دائما من داخلنا . وهو الصدق لأنه وحي البداهة.
والبداهة والفطرة جزء من الطبيعة المحكمة الخالية من الغش وهي قانون من ضمن القوانين العديدة التي ينضبط بها الوجود.
سوف يرتفع صوت ليقول : لندع عالم الآدميين ونسأل : لماذا خلق الله الخنزير خنزيراً والكلب كلباً . والحشرة حشرة . ما ذنب هذه الكائنات لتخلق على تلك الصورة المنحطة . وأين العدل هنا ؟
وإذا كان الله سوف يبعث كل ذي روح فلماذا لا يبعث القرد والكلب والخنزير؟
والسؤال وجيه ولكن يلقيه عقل لا يعرف إلّا نصف القضية . أو سطراً واحداً من ملف التحقيق . ومع ذلك يتعجل معرفة الحكم وحيثياته.
والواقع أن كل الكائنات الحيوانية نفوس.
والله قد اختار لكل نفس القالب المادي الذي تستحقه.
والله قد خلق الخنزير خنزيراً لأنه خنزير.
ونحن لا نعلم شيئا عن تلك النفوس الخنزيرية قبل أن يودعها الله في قالبها المادي الخنزيري.
ولا نعلم لماذا وكيف كان الميلاد على تلك الصورة . وما قبل الميلاد محجوب.
كما أن ما بعد الموت محجوب.
ولكن أهل المشاهدة يقولون كما يقول القرآن إننا كنا قبل الميلاد في عالم ( يسمونه عالم الذر ) ونكون بعد الموت في عالم. والحياة أبدية ولا موت وإنما انتقال وارتقاء في معراج لا ينتهي . صعوداً وتطوراً وتسامياً وكدحاً إلى الله.
وهذا الاستمرار يقول به العقل أيضاً.
والعدل هو الحقيقة الأزلية التي وقرها الله في الفطرة وفي الحشوة الآدمية. وحتي في الحشوة الحيوانية كما قدمت في بداية مقالي.
هذا العدل حقيقة مطلقة سوف تقول لنا أن جميع القوالب المادية والحيوانية هي استحقاقات مؤكدة لا ندري شيئا عن تفاصيلها ولا كيف كانت ، ولكننا نستطيع أن نقول بداهة أنها استحقاقات . وأن الله خلق الخنزير خنزيراً لأن نفسه كانت نفسا خنزيرية فكان هذا ثوبها وقالبها الملائم.
أما بعث الحيوانات فالقرآن يقول به :
( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ) (الأنعام – 38).
هي أمم من الأنفس يقول لنا القرآن أنها تُحشَر كما نُحشَر. أما ما يجري عليها بعد ذلك وأين تكون وما مصيرها . فهو غيب . وتطلع إلى محجوبات . وفضول لن نجد له جواباً شافياً.
والعلم بكل شيء في داخل اللحظة المحدودة وفي عمرنا الدنيوي هو طمع في مستحيل.
ولكن إذا كان نصيبنا من العلم وإذا كان ما غنمناه بالتأمل هو أن العدل حقيقة أزلية وأن الله وقرها وأودعها في الفطرة فقد علمنا الكثير وأدركنا كفايتنا.
وبالصورة التي أدركنا بها الله في مقالنا الأول على أنه العقل الكلي المحيط وأنه القادر المبدع الملهم المعني بمخلوقاته ، بهذه الصورة سوف نفهم كيف أودع الله هذه الفطرة الهادية المرشدة في مخلوقاته فهذا مقتضي عنايته وعدله . أن يخلق مخلوقاته ويخلق لها النور الذي تهتدي به. وسوف نصدق أيضا أن الله أرسل الأنبياء وأوحي بالكتب . فإن الله لا يكون رباً ولا إلهاً ملهماً مدبراً بغير ذلك.
وسوف يكون دليلا على صدق الكتب السماوية وهو ما تأتينا به من علم وغيب وحكمة وتشريع وحق مما لا يتأتي لجهد فردي أن يهتدي إليه بالمحاولة الشخصية.
إن الله الخالق العادل الملهم الذي خلق مخلوقاته وألهمها الطريق. (وهو لباب الأديان كلها).
هو مبدأ أولي يصل إليه العقل دون إجهاد. وتوحي به الفطرة بداهة.
وإنما الافتعال كل الافتعال. هو القول بغير ذلك.
والإنكار يحتاج إلى الجهد كل الجهد وإلى الالتفاف والدوران واللجاجة والجدل العقيم ثم نهايته إلى التهافت . لأنه لا يقوم على أساس . ولأنه يدخل في باب المكابرة والعناد أكثر مما يدخل في باب التأمل المحايد النزيه والفطرة السوية.
وهذا هو ما قالته لي رحلتي الفكرية الطويلة . من بدايتها المزهوة في كتاب ( الله والإنسان ) إلى وقفتها الخاشعة على أبواب القرآن والتوراة والإنجيل وليس متديناً في نظري من تعصب وتحزب وتصور أن نبيه هو النبي الوحيد وأن الله لم يأت بغيره . فإن هذا التصور لله هو تصور طفولي متخلف يظن أن الله أشبه بشيخ قبيلة . ومثل هذا الإحساس هو عنصرية وليس تديناً.
وإنما التصور الحق لله . أنه الكريم الذي يعطي الكل ويرسل الرسل للكل.
( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير )
(فاطر – 24)
و( لقد بعثنا في كل أمة رسولاً )
(النحل – 36)
( وما كان ربك مُهلِك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً )
( القصص – 59)
( ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك )
( النساء – 164)
ومعنى هذه الآية أن بوذا يمكن أن يكون رسولا وإن لم يرد ذكره في القرآن.
وإخناتون يمكن أن يكون رسولاً . ويمكن أن يكون ما وصلنا من تعاليمهم قد خضع للتحريف . والله يريد بهذا أن يوحي بالإيمان المنفتح الذي يحتضن كل الرسالات وكل الأنبياء وكل الكتب بلا تعصب وبلا تحيز.
وأصدق مثل للوعي الديني المتفتح هو وعي رجل مثل غاندي . هندوسي ومع ذلك يقرأ في صلاته فقرات من القرآن والتوراة والإنجيل وكتاب ( الدامابادا ) لبوذا . في خشوع ومحبة. مؤمناً بكل الكتب وكل الرسل . وبالخالق الواحد الذي أرسلها.
وهو رجل حياته مثل كلامه أنفقها في الحب والسلام.
والدين واحد من الناحية العقائدية وإن اختلفت الشرائع في الأديان المتعددة . كما أن الرب واحد.
والفضلاء من جميع الأديان هم على دين واحد.
لأن المتدين الفاضل لا يتصور الله خالقاً له وحده وهادياً له وحده أو لفئة وحدها . وإنما هو نور السموات والأرض . المتاح لكل من يجهد باحثا عنه . الرحمن الرحيم المرسل للهداة المنزل للوحي في جميع الأعصر والدهور . وهذا مقتضى عدله الأزلي . وهذا هو المعنى الجدير بالمقام الإلهي . وبدون هذا الإيمان المنفتح لا يكون المتدين متديناً.
أما الأديان التي تنقسم شيعاً يحارب بعضها بعضاً باسم الدين فإنها ترفع راية الدين كذباً . وما الراية المرفوعة إلا راية العنصر والعرق والجنس وهي مازالت في جاهلية الأوس والخزرج وحماسيات عنترة . تحارب للغرور . وإن ظنت أنها تحارب لله . وهي هالكة ، الغالب فيها والمغلوب . مشركة . كل منها عابد لتمثاله ولذاته ولتصوره الشخصي وليس عابداً لله.
وإنما تبدأ عبادة الله بمعرفة الله ومقامه الأسمى . وتبدأ معرفة الله بمعرفة النفس ومكانها الأدنى.
وهذا هو الطريق . والصراط . والمعراج الذي يبدأ منه عروج السالكين في هجرتهم الكبرى إلى الحق.
مقال : العدل الأزلي .
من كتاب : رحلتي من الشك إلى الإيمان .
للدكتور : مصطفى محمود (رحمه الله). ❝
❞ استعيذوا بالله من شرور هؤلاء
المهرطقين عباد القبور المخرفين
بقلم د محمد عمر
ايها السادة لابد أن يعلم أن هذه البدعة المحدثة وهي بدعة التصوف ظهرت في اواخر القرن الثالث الهجري علي يد جماعة من ادعياء الزهد في البصرة كان يقال لهم اهل الوجد و الخلوات
والوجد هو الانشاد الديني بصوت جماعي مرتفع وما اشبههم اليوم بانشاد الشماسين النصاري في الكنائس.
وأما الخلوات فهي الرهبنة التي ابتدعوها تقليدا للرهبنة في النصرانية التي انكرها الله عز وجل علي النصاري قال تعالي
وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
لكن الرهبنة وعبادة الخلوات لم تكن مطلقا من شريعة محمد صلي الله عليه وسلم انما استحدثها هؤلاء المهرطقون
فمن احتج علينا بخلوة التبي في غار حراء انها من باب عبادة الخلوات وانها من الرهبنة نقول ل٧ قد وقع ذلك قبل بعثة النبي صلي الله عليه وسلم فهي ليست من اعمال الشرع بدليل ان النبي لم يصعد مطلقا الي غار حراء بعد ان نزل عليه جبريل في اول نزول بايات سورة العلق بعدها لم يصعد النبي مطلقا الي غار حراء ومن جاءنا بغيى عذا فلياتنا بدليله ان كان من الصادقين
وقد كانت اصول هذا المنهج المنحرف قائمة علي عدة محاور
المحور الاول :-
هو عقيدة التعطيل الذي وضع اصوله الجعد بن درهم اول من تكلم بالتعطيل
ومقتضي هذه العقيدة أن الله عز وجل وفق عقيدة النبي التي كان عليها الصحابة والتابعين انه له ذات الهية لا تشبه ذوات المخلوقات وان هذه الذات متمايزة عن المخلوقات وعاليه علي جميع الخلق فهي مستوية علي العرش فوق الكرسي والكرسي فوق السماء السابعة
والله عز وجل له صفات الآهية تليق بذاته سبحانه وتعالي ولا تشبه احدا من خلقه فله وجه وله قبضة وله ساق وله عين كلها الهية لا تشبه الخلق وله كمال الأسماء والصفات من السمع والبصر والعزة والقوة والعلم والحكمة الي آخر هذه الصفات الإلهية
لكن الجعد بن درهم زعم ان الله عز وجل ليس له ذات وانه كالروح التي امتزجت بالمخلوقات أو كالهواء الذي يسري في الكون وبسبب هذه العقيدة زعم الجعد بن درهم أن الله ليس علي عرشه فوق السماء انما هو في كل مكان وليس في جهة العلو رغم كل الايات والأحاديث الدالة علي أن الله علي العرش مستوي فوق السماء السابعة
من مثل قوله تعالي
سبح اسم ربك الأعلي
وسبحان ربي الأعلي
واليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه
اامنتم من في السماء
والحديث الصحيح عن النبي لما سال الجارية وقال لها اين الله فاشارت باصبعها أن في السماء
وحديث النبي ان الله عز وجل ينزل الي السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل
بل وسبع مواضع في كتاب الله تعالي تثبت أن الله عز وجل علي العرش مستوي فوق السماء السابعة كقوله تعالي الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة ايام ثم استوي علي العرش
وقوله الرحمن علي العرش استوي
وغيرها من الايات التي تثبت أن الله عز وجل فوق عرشه ولا يشبه احدا من خلقه
لكن الجعد بن درهم جعل الله كالهواء الذي حل في الكون
فإن سألت هؤلاء الصوفية المهرطقين اين الله فلا تجد لهم الا اجابة واحده وهي أن الله في كل مكان ولا يحده زمان ولا مكان وهذه اولي اماراتهم
المحور الثاني :-
وهو وحدة الوجود الذي تكلم به محي الدين بن عربي وابن الفارض وابو يزيد البسطامي
وهذه العقيدة الفاسدة بنيت علي عقيدة التعطيل التي تكلم بها الجعد بن درهم
فلما جعل الجعد الذات الإلهية كانها روح سرت في الكون جاء بن عربي فاحل هذه الروح في كل الموجودات فصار لا خالق ولا مخلوق فالكون كله كأنه الله وحرف معني لا إله إلا الله من المعني الحقيقي وهو لا معبود بحق الا الله فجعلها لا موجود بحق الا الله فصارت كل الموجودات كانها تجليات الهية ولم يعد هناك فارق بين جبريل وابليس فكلاهما تجليات ربانية ولا فارق بين موسي وفرعون ولا بين ابو بكر وابو جهل ولا بين الجنة والنار ولا بين نجاسة الكلب والخنزير وبين طهارة البقر والغنم فالكل تجليات ربانية كانها اجساد حلت فيها الروح الإلهية وهذه هي قمة الهرطقة فلم يعد هناك ايمان ولا كفر ولها طهارة ولا نجاسة ولا نعيم ولا جحيم فالكل سواء ولا فارق بين الجنة و النار
والمجمل من القول أن هولاء المهرطقين لو سألتهم عن محي الدين ابن عربي وابن الفارض وابو يزيد البسطامي يقول لك هو سيدي وشيخي ومولانا وهذا ما اماراتهم
المحور الثالث
وهو الحلول والاتحاد الذي تكلم به حسين بن منصور الحلاج
الذي قتل ردة بعدان كفره اهل زمانه
ومقتضي هذه الهرطقة القائمة علي ذات فكر التعطيل الذي وضعة الجعد بن درهم أن الله عز وجل لما صار روحا من غير ذات جاء الحلاج فاحل هذه الروح في اجساد عدد من البشر فقط قالو عنهم الاولياء بنفس فكرة الحلول عند النصاري التي جعلت جسد المسيح البشري كأنه وعاء حلت فيه روح الإله
ومن هنا نشاءت فكرة الاولياء والمريدين فقد زعم هؤلاء المهرطقين أن هناك منزلة أعلي من منزلة الأنبياء والمرسلين قالو عنهم الاولياء واعطوهم من خالص الربوبية وصرفو من أعمال العبادات التي خص الله عز وجل بها نفسه فصلوها لأولياء المزعومين تحت زريعة انهم أعطاهم الاه من ملكه وسلطانه فهذا شيخ العرب احمد البدوي وهذا احمد الرفاعي وهذا ابراهيم الدسوقي وهذا ابو الحسن الشازولي والكرسي ايو العباس وعبد القادر الجيلاني صارو عند هؤلاء المهرطقين كانهم آلهة معبودة يستعينون بهم ويشتغلون بهم ويدعوهم ويتقربون إليهم بالقرابين والنذور ويركعون ويسجدون لهم ومن العجيب أن كل هؤلاء البشر ما ولدوا الي في القرن الخامس والسادس الهجري فمن الذي اقر بولاية هؤلاء واعطاهم هذه القداسة بعد انقطاع الوحي بوفاة رسول الله
واتوقف عند هذا الحد لاعود واستكمل سلسلة التحذير من هولاء المخرفين عباد القبور الجهلاء
انتهي...... ❝ ⏤Dr Mohammed omar Abdelaziz
❞ استعيذوا بالله من شرور هؤلاء
المهرطقين عباد القبور المخرفين
بقلم د محمد عمر
ايها السادة لابد أن يعلم أن هذه البدعة المحدثة وهي بدعة التصوف ظهرت في اواخر القرن الثالث الهجري علي يد جماعة من ادعياء الزهد في البصرة كان يقال لهم اهل الوجد و الخلوات
والوجد هو الانشاد الديني بصوت جماعي مرتفع وما اشبههم اليوم بانشاد الشماسين النصاري في الكنائس.
وأما الخلوات فهي الرهبنة التي ابتدعوها تقليدا للرهبنة في النصرانية التي انكرها الله عز وجل علي النصاري قال تعالي
وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
لكن الرهبنة وعبادة الخلوات لم تكن مطلقا من شريعة محمد صلي الله عليه وسلم انما استحدثها هؤلاء المهرطقون
فمن احتج علينا بخلوة التبي في غار حراء انها من باب عبادة الخلوات وانها من الرهبنة نقول ل٧ قد وقع ذلك قبل بعثة النبي صلي الله عليه وسلم فهي ليست من اعمال الشرع بدليل ان النبي لم يصعد مطلقا الي غار حراء بعد ان نزل عليه جبريل في اول نزول بايات سورة العلق بعدها لم يصعد النبي مطلقا الي غار حراء ومن جاءنا بغيى عذا فلياتنا بدليله ان كان من الصادقين
وقد كانت اصول هذا المنهج المنحرف قائمة علي عدة محاور
المحور الاول :-
هو عقيدة التعطيل الذي وضع اصوله الجعد بن درهم اول من تكلم بالتعطيل
ومقتضي هذه العقيدة أن الله عز وجل وفق عقيدة النبي التي كان عليها الصحابة والتابعين انه له ذات الهية لا تشبه ذوات المخلوقات وان هذه الذات متمايزة عن المخلوقات وعاليه علي جميع الخلق فهي مستوية علي العرش فوق الكرسي والكرسي فوق السماء السابعة
والله عز وجل له صفات الآهية تليق بذاته سبحانه وتعالي ولا تشبه احدا من خلقه فله وجه وله قبضة وله ساق وله عين كلها الهية لا تشبه الخلق وله كمال الأسماء والصفات من السمع والبصر والعزة والقوة والعلم والحكمة الي آخر هذه الصفات الإلهية
لكن الجعد بن درهم زعم ان الله عز وجل ليس له ذات وانه كالروح التي امتزجت بالمخلوقات أو كالهواء الذي يسري في الكون وبسبب هذه العقيدة زعم الجعد بن درهم أن الله ليس علي عرشه فوق السماء انما هو في كل مكان وليس في جهة العلو رغم كل الايات والأحاديث الدالة علي أن الله علي العرش مستوي فوق السماء السابعة
من مثل قوله تعالي
سبح اسم ربك الأعلي
وسبحان ربي الأعلي
واليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه
اامنتم من في السماء
والحديث الصحيح عن النبي لما سال الجارية وقال لها اين الله فاشارت باصبعها أن في السماء
وحديث النبي ان الله عز وجل ينزل الي السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل
بل وسبع مواضع في كتاب الله تعالي تثبت أن الله عز وجل علي العرش مستوي فوق السماء السابعة كقوله تعالي الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة ايام ثم استوي علي العرش
وقوله الرحمن علي العرش استوي
وغيرها من الايات التي تثبت أن الله عز وجل فوق عرشه ولا يشبه احدا من خلقه
لكن الجعد بن درهم جعل الله كالهواء الذي حل في الكون
فإن سألت هؤلاء الصوفية المهرطقين اين الله فلا تجد لهم الا اجابة واحده وهي أن الله في كل مكان ولا يحده زمان ولا مكان وهذه اولي اماراتهم
المحور الثاني :-
وهو وحدة الوجود الذي تكلم به محي الدين بن عربي وابن الفارض وابو يزيد البسطامي
وهذه العقيدة الفاسدة بنيت علي عقيدة التعطيل التي تكلم بها الجعد بن درهم
فلما جعل الجعد الذات الإلهية كانها روح سرت في الكون جاء بن عربي فاحل هذه الروح في كل الموجودات فصار لا خالق ولا مخلوق فالكون كله كأنه الله وحرف معني لا إله إلا الله من المعني الحقيقي وهو لا معبود بحق الا الله فجعلها لا موجود بحق الا الله فصارت كل الموجودات كانها تجليات الهية ولم يعد هناك فارق بين جبريل وابليس فكلاهما تجليات ربانية ولا فارق بين موسي وفرعون ولا بين ابو بكر وابو جهل ولا بين الجنة والنار ولا بين نجاسة الكلب والخنزير وبين طهارة البقر والغنم فالكل تجليات ربانية كانها اجساد حلت فيها الروح الإلهية وهذه هي قمة الهرطقة فلم يعد هناك ايمان ولا كفر ولها طهارة ولا نجاسة ولا نعيم ولا جحيم فالكل سواء ولا فارق بين الجنة و النار
والمجمل من القول أن هولاء المهرطقين لو سألتهم عن محي الدين ابن عربي وابن الفارض وابو يزيد البسطامي يقول لك هو سيدي وشيخي ومولانا وهذا ما اماراتهم
المحور الثالث
وهو الحلول والاتحاد الذي تكلم به حسين بن منصور الحلاج
الذي قتل ردة بعدان كفره اهل زمانه
ومقتضي هذه الهرطقة القائمة علي ذات فكر التعطيل الذي وضعة الجعد بن درهم أن الله عز وجل لما صار روحا من غير ذات جاء الحلاج فاحل هذه الروح في اجساد عدد من البشر فقط قالو عنهم الاولياء بنفس فكرة الحلول عند النصاري التي جعلت جسد المسيح البشري كأنه وعاء حلت فيه روح الإله
ومن هنا نشاءت فكرة الاولياء والمريدين فقد زعم هؤلاء المهرطقين أن هناك منزلة أعلي من منزلة الأنبياء والمرسلين قالو عنهم الاولياء واعطوهم من خالص الربوبية وصرفو من أعمال العبادات التي خص الله عز وجل بها نفسه فصلوها لأولياء المزعومين تحت زريعة انهم أعطاهم الاه من ملكه وسلطانه فهذا شيخ العرب احمد البدوي وهذا احمد الرفاعي وهذا ابراهيم الدسوقي وهذا ابو الحسن الشازولي والكرسي ايو العباس وعبد القادر الجيلاني صارو عند هؤلاء المهرطقين كانهم آلهة معبودة يستعينون بهم ويشتغلون بهم ويدعوهم ويتقربون إليهم بالقرابين والنذور ويركعون ويسجدون لهم ومن العجيب أن كل هؤلاء البشر ما ولدوا الي في القرن الخامس والسادس الهجري فمن الذي اقر بولاية هؤلاء واعطاهم هذه القداسة بعد انقطاع الوحي بوفاة رسول الله
واتوقف عند هذا الحد لاعود واستكمل سلسلة التحذير من هولاء المخرفين عباد القبور الجهلاء
انتهي. ❝
❞ \"مع اللوحات المتينة على كل قصص منتشرة وقافية ممتعة للقراءة بصوت عالٍ، فإن سلسلة تيلز فروم أكورن وود تسعد الآباء والأطفال الصغار على حد سواء لأكثر من عشرين عامًا.
اكتشف المزيد من القصص في سلسلة تيلز من خشب البلوط: جوارب الثعلب، قيلولة الأرنب والخنزير الاختباء والبحث عن الخنزير، كتاب طبخ القطط، رجل الثلج السنجاب، نظارات مولز آند بادجر باند.. ❝ ⏤جوليا دونالدسون
❞ ˝مع اللوحات المتينة على كل قصص منتشرة وقافية ممتعة للقراءة بصوت عالٍ، فإن سلسلة تيلز فروم أكورن وود تسعد الآباء والأطفال الصغار على حد سواء لأكثر من عشرين عامًا.
اكتشف المزيد من القصص في سلسلة تيلز من خشب البلوط: جوارب الثعلب، قيلولة الأرنب والخنزير الاختباء والبحث عن الخنزير، كتاب طبخ القطط، رجل الثلج السنجاب، نظارات مولز آند بادجر باند. ❝
❞ أتلفت حولي دائماً في دهشة متأملاً إختلاف الطبائع في صنوف الحيوان .. مكر الثعلب ، و وفاء الكلب ، و شجاعة الأسد ، و اندفاع الثور ، و صبر النملة ، و تحمل الحمار ، و غضبة الجمل ، و انتقام الفيل ، و وداعة الحمامة ، و رقة الغزالة ، و تلون الحرباء ، و غدر النمر ، و لؤم الضبع ، و دناءة الخنزير .. فأرى كل هذه الطباع التي تفرقت بين أجناس الحيوان .. قد اجتمعت في الإنسان .. و أحيانا أراها في الإنسان الواحد تختلف عليه مع اختلاف الأحوال و المناسبات . .. من. ❝ ⏤هنري شاريير
❞ أتلفت حولي دائماً في دهشة متأملاً إختلاف الطبائع في صنوف الحيوان . مكر الثعلب ، و وفاء الكلب ، و شجاعة الأسد ، و اندفاع الثور ، و صبر النملة ، و تحمل الحمار ، و غضبة الجمل ، و انتقام الفيل ، و وداعة الحمامة ، و رقة الغزالة ، و تلون الحرباء ، و غدر النمر ، و لؤم الضبع ، و دناءة الخنزير . فأرى كل هذه الطباع التي تفرقت بين أجناس الحيوان . قد اجتمعت في الإنسان . و أحيانا أراها في الإنسان الواحد تختلف عليه مع اختلاف الأحوال و المناسبات . . من. ❝