❞ من واحنا صغيرين كان عندنا سؤال.. هو فيه حد هيعيش اكتر من عمره؟ الاجابة لا.. كل واحد مننا ليه عمر لما بينتهى خلاص وكل حاجة بأيد المولى سبحانه وتعالى
فى معلومه كده ميعرفهاش الكل ان ابليس هو اول من ادعى الخلود، طيب يعنى اي الخلود.. ابليس ادعى انه مش هيموت وان عمره ممتد إلى ما لا نهاية وهو ده المقصود بالخلود، وللأسف فى الوقت الحالى فى بشر بتدعى الخلود، بس يا تري اى هتكون نهاية البشر دول؟
........
قدرت أربط خيوط كتير ببعض، سبع ضحايا بينهم عوامل مشتركة، بس اي السبب الى يخليهم ينتحروا؟
فيه سر ورا الموضوع ده او حاجة انا مش فاهمها.. قطع تفكيرى دخول كريم وقلى قدرنا نوصل لصاحب الرقم، اخدت الاسم والعنوان واصريت مبلغش حد أخدت معايا كريم ورحنا على العنوان.. كان بيت قديم فى منطقه معزوله، دخلنا عشان الباب كان موارب بيت مكون من أربع غرف، الريحه كريهه جداً ولا تطاق.. دخلنا الغرفة الي خارج منها النور وهنا كانت الصدمة
......
الخلود
أسمى أحمد عز على عندى 30 سنة متجوز وعندى ولد وحيد اسمه فهد، انا بشتغل رائد شرطه فى احدى محافظات الصعيد، قصتى بتبدأ من يوم عادى جداً فى الشغل وصلنا بلاغ عن جريمة قتل فى المدينه الى فيها المديرية، على الفور اتحركت قوه من القسم على موقع الحادث.. فى الوقت ده انا كنت فى مكتبى تليفوني رن كان العميد مصطفى رديت
_ أحمد انا عايزك دلوقتى تتحرك على مكان الحادث أنا كلفتك أنت بالقضيه دى
_تمام يا فندم تحت امر سيادتك.
اتحركت على مكان الحادث ووصلت هناك بعد نص ساعة كانت شقة فى عمارة، دخلت وكان اخصائى المعمل الجنائى وصل، والمشهد جوه كالتالى جثة لشاب فى الثلاثين من عمره مدبوح قدام مرايا الحمام وجنبه آداة الجريمة سكين حاد، التشخيص المبدئى جرح نافذ فى الرقبه.
اتعملت التحريات عن المجنى عليه وكنت منتظر تقرير الطب الشرعى عشان نبدأ التحقيق لكن تقرير الطب الشرعى كان مفاجأة.. مفيش شبهه جنائيه، المجنى عليه انتحر.
خلينى اقرأ ليكم التحريات والتقرير..( اسمه عمرو حسين عنده 32 سنة متجوز ومعندوش اولاد بيشتغل محاسب فى بنك ، بسؤال زوجته والمقربين منه مفيش أى حاجه تخليه ينتحر وحياته هادية جداً ومستقره.... التقرير لا توجد شبهه جنائيه فقد قام المدعو عمرو حسين بذبح نفسه وبصماته على السكين ولا يوجد اى نوع من المقاومة)
بس انا مش مقتنع في حاجه غلط، أى يخلى واحد معندوش مشاكل ينتحر وينهى حياته بالطريقة دى لا لا فى حاجه غلط، في الوقت ده طلبنى العميد مصطفى على مكتبه، روحتله وانا واخد قرارى
_صباح الخير يا فندم
_صباح النور يا أحمد أى قفلت ملف القضية
_فى الحقيقه لا يا فندم أنا مش مقتنع إن عمرو انتحر
_يعني أى مش مقتنع مش فاهم
_ بعد أذنك يا فندم انا محتاج وقت عشان اثبت كلامى عمرو منتحرش ارجوك يا فندم
_ قدامك اسبوع يا أحمد يا تثبت كلامك يا ملف القضية ده يتقفل.
خرجت من مكتب العميد وانا مش عارف أعمل اى، رجعت على مكتبى الباب خبط ودخل واحد وقلى
_انا النقيب كريم حمدى معاك في القضية الجديده
_ اهلا يا كريم بس لازم تعرف انها قضية من الواضح انها هتتعبنا
_ انا فهمت من العميد انك رافض فكره انه انتحر وعلى الاساس ده انضميت معاك لحلها
_عموما انا طلبت استدعى زوجه المجنى عليه اكيد لو ضغطنا عليها ممكن تقول حاجه مخبياها عننا.
بعد مرور ساعه لقيت الأمين داخل وبيقولي في واحده بره اسمها نهى عاوزة حضرتك... قولتله خليها تدخل
دخلت نهى زوجه المجنى عليه عمرو حسين وقالت
_ هو ليه الاستدعى ده هو انا متهمه بحاجة؟
_لا أبداً ده مجرد نقاش عادى وهتمشى، كل المطلوب منك تقوليلى جوزك كان عامل اى فى الفتره الاخيرة، يعنى لاحظتى عليه انه متغير مثلا؟
_ اه هو فعلاً فى الفترة الاخيرة كان متغير خصوصا لما راح للدكتور وعرف انه عقيم مش بيخلف لكن... قبل ما يتوفى بأسبوع بدأت تظهر عليه تصرفات غريبه
_ تصرفات غريبه ازاى وضحى
_في يوم كنت نايمة وصحيت على صوت خبط منتظم مكنتش عارفه الصوت ده جاى منين، الأوضة كانت ضلمة مش شايفة حاجه لكن لما ركزت كان عمرو وكان بيخبط راسه فى الدولاب.. قومت بسرعة وشغلت نور الأوضة، صرخ انا اتفزعت من صرخته لكن عينيه كانت مقفولة ولقيته رايح ناحية السرير دخل السرير واتغطى ونام، فى اليوم ده مقدرتش انام وفضلت صاحية للصبح، لما حاولت أفتح معاه الحوار ده قال عليا بخرف وأن الكلام ده محصلش، بعد الموضوع ده محصلش حاجه لحد قبل ما يتوفى بيوم كان مبسوط جداً وقلى انه قريب هيتحقق حلمنا وهنخلف، ، بس يا فندم وتانى يوم أنا خرجت روحت لوالدتى ولما رجعت عرفت الي حصل.
_ دى كل حاجه حصلت الفترة الاخيرة؟
_أيوة يا فندم مفيش حاجة تانى
_تمام تقدرى تتفضلى
طيب وبعدين كده كلام نهى مش منطقى يعنى أى واحد متفائل انه هيخلف ينتحر كده بدون سبب، القضية دى معقدة بس فيه حاجه ناقصة ولازم نعرفها
طلبت من النيابة آذن بتفتيش بيت المجنى عليه وروحنا وفتشنا وملقناش أى حاجه، ايام صعبه بتمر عليا الاسبوع بيجرى ودى اول مرة افشل فى حل قضية، لكن حصلت حاجة مكنتش على البال... جيه بلاغ عن جريمة تانية فى نفس المدينة، القوة اتحركت بقيادة ملازم أ خالد اشرف واقتحموا الشقة، لكن المفاجأة الى خلتنى اجرى بسرعة على عنوان الضحية التانية هو ان الضحية يبقى زوج اخت عمرو حسين المجنى عليه فى القضية الأولى
وصلت هناك وشوفت ادم سعيد الضحية التانية مشنوق في سقف الأوضة، خرجت للصالة وكانت زوجته امل حسين اخت عمرو حسين.. قربت منها وقولتلها البقاء لله شدى حيلك لكن مردتش عليا كانت فى حالة صدمة
_اكيد يا فندم أنا هعمل التحريات وهنتظر تقرير المعمل الجنائى وتقرير الطب الشرعي
_تمام ربنا يوفقك، انت دلوقتي معاك النقيب كريم حمدى
وملازم أ خالد اشرف، انتوا الفريق المسؤول قدامى عن الجريمتين
_الف شكر يا فندم وان شاء الله نكون قد المسؤوليه دى
رجعت مكتبى وبدأنا عمل التحريات لحد ما جالنا التقرير الي كان للاسف مخيب للأمال... لتانى مرة مفيش جريمة.. انتحار
هقرأ ليكم التحريات والتقرير (اسمه أدم سعيد عنده 31 سنة متجوز وعنده بنت اسمها سلمى بيشتغل مهندس فى شركات مقاولات لكنه محال للتحقيق بسبب مشكله فى الشغل، بسؤال زوجته والمقربين حياته هادية جداً ومستقره ومفيش غير مشكلة الشغل، التقرير.. لا توجد شبهه جنائيه فقد قام المدعو ادم سعيد بشنق نفسه فى سقف الغرفه وبصماته على الحبل المستخدم فى عملية الانتحار ولا يوجد اى نوع من المقاومة)
حالة من الصمت بتسيطر على المكتب مش قادر أصدق ولا اقتنع إن دى صدف
من وسط الحاجات الى كانت موجودة فى الأوضة كان الموبايل الخاص بيه قدرنا نفتحه ومكنش عليه أى حاجه نمشى وراها، وللمره التانية طلبت استدعى زوجة المجنى عليه، وطلبت اننا لازم نكتم على الخبر لحد لما نعرف الحقيقة
بعد شوية حضرت الأستاذة أمل حسين وكانت فى مكتبى
بدأت أنا الكلام
_ أستاذه أمل أنا مقدر الحالة الي أنتى فيها يعنى اخوكى وبعدين زوجك، لكن حاولى تهدى وتساعدينا
_ انا تحت امرك يافندم أتفضل اسأل
_ جوزك كان عامل أى فى الفترة الاخيرة؟ يعنى لاحظتى عليه أنه متغير؟
_ايوه..انا مكنتش عاوزة احكي عشان كنتوا هتقولوا عليا مجنونة لكن خلاص انا قررت احكي، جوزى بدأ يتغير من يوم ما اتحول للتحقيق في الشغل بسبب ان ورق المشروع الجديد ضاع منه وده أثر عليه جداً، بقى عصبى جداً ومن اقل حاجة خصوصا انهم قلولوا هيستغنوا عنه.. الكلام ده من شهر لكن قبل ما يتوفى
بكام يوم، كان هو فى الحمام وسمعته بيتكلم مع حد جوه
مكنتش فاهمه لكن قررت انى هفتح باب الحمام لازم أعرف أي الي بيحصل جوه وفتحته لكن فجأه نور الحمام أطفى وجوزى كان واقف قدام المرايا واتلفتلى عينيه كانت بيضة تماماً وصرخ وباب الحمام اترزع فى وشى.. انا جريت على المطبخ وكنت بترعش ومرعوبة من الى شوفته مفيش خمس دقايق ولقيته داخل المطبخ
وبيقولي احنا مش هنفطر ولا أى، مكنتش عارفة اقوله أى
وقبل ما يموت بيومين قلى اول ما احقق الخلود حياتنا هترجع لطبيعتها واحسن من الاول، وبعدها انتحر مش عارفة ليه
_ يعني اي يحقق الخلود؟
_ مش عارفة انا سألته قلي هتعرفى فى الوقت المناسب
_طيب واخوكى الاستاذ عمرو انتحر ليه؟
_معرفش فيه حاجه غريبة بتحصل بس انا بأكد لحضرتك إن فيه حاجه غلط مستحيل ينتحروا مستحيل
_ تمام يا أستاذه أمل تقدرى تتفضلى تمشي
وبعدين يا كريم أى الي بيحصل ده.. ده قاتل محترف مش بيسيب دليل وراه وبيخلى الجرايم تبان انها انتحار .. بس هو يعني اي الخلود؟
_ مش عارف يا أحمد بس هنعمل اى دلوقتى.. تتوقع فيه جريمة تاني هتحصل؟
_ اكيد.. بس احنا محتاجين نعرف السبب عشان نعرف الدور على مين
بعد مرور اربع ايام وخلاص كان الاتفاق بعد تحقيقات وتحريات اننا هنقفل الجريمتين على انهم انتحار.. لكن جالنا بلاغ جديد بجريمه جديدة عن انتحار الأستاذة أمل حسين، بمجرد وصول البلاغ اتحركنا فوراً، وصلنا كانت الناس كلها متجمعة وزحمة رهيبة .. دخلت وسط الناس وشوفت الجثة.. الأستاذة أمل رمت نفسها من البلكونة من الدور العاشر او حد رماها من الدور العاشر... كالعاده المعمل الجنائي وصل واقتحمنا الشقه كل حاجه مترتبة ومنسقة ومفيش أى حاجه واقعه على الارض وده يدل انه مفيش مقاومة، لكن لقينا أدوية اكتئاب كتير... طبعاً تقرير المعمل الجنائى وتقرير الطب الشرعي والصفة التشريحية كان متوقع.. انتحار، اتشرحت الجثة بدقة واكتشف ان الأستاذة أمل كانت تتعاطى ادوية الإكتئاب بكثره وفيه حبوب ملحقتش تدوب فى المعدة.
كنت مشتت المرة دى معنديش كلام أقوله.. أمل فعلاً انتحرت.. المقربين منها قالوا انها كانت بتمر بحالة إكتئاب بعد موت جوزها.. بعد فحص التليفون الخاص بيها اكتشفنا انها اتكلمت مع والدتها قبل ما تموت بساعات.
تم استدعاء الوالدة عشان نعرف منها اي اتقال في المكالمة دي، الوالده اسمها سعاد.. حضرت على حسب الاستدعى ودار بينا الحوار التالى
_استاذة سعاد البقاء لله انا عارف انك فقدتى ابنك وبنتك ده غير جوز بنتك، لكن حاولى تتماسكى عشان نعرف نجيب حقهم
_ سبحان من له الدوام يا باشا.. اسأل انا جاهزة
_ فيه مكالمة جمعت ما بينك وبين بنتك عاوزين نعرف قلتلك اي
_ بنتى كانت حزينه جداً بعد موت جوزها وكانت حابسة نفسها ومش بتخرج ويوم ما ماتت قلتلى انها هتنفذ الخلود عشان هي مش عارفة تعيش من غير جوزها
بس انا مفهمتش معنى كلامها واى الخلود ده،، وقلتلي ان الخلود هيخليها تعيش معاه
_ الخلود.. الخلود تانى، اى معنى الكلمة دى.. طيب وبالنسبه لابنك عمرو وجوز بنتك ادم
_لا دول معرفش حاجة واتفاجأت بانتحارهم عشان مفيش سبب يخليهم ينتحروا
_ طيب يا حجة تقدرى تمشى
الكلمة المشتركة ما بينهم الخلود.. الكلمة الي انا مش فاهم معناها لحد دلوقتى ولا مين الى بيوصلها ليهم بس الوحيدة الي عندها سبب مقنع تنتحر علشانه هي أمل بغض النظر عن كلمة الخلود... كريم اتكلم وقلى
_فيه حاجة احنا مش واخدين بالنا منها، انتوا مش ملاحظين أن اي حد بنحقق معاه بينتحر او بمعنى اصح بيتقتل.. وده استنتج منه ان القاتل بيكون مراقب الضحايا كويس بس في ضلع ناقص في المثلث.. كلمة الخلود الي الكل بيقولها قبل ما ينتحر... رد خالد وقال
_طيب المفروض دلوقتي نعمل اي يعنى نراقب الست سعاد عشان نقبض علي القاتل.. رد كريم
_بالظبط كده نراقب الست سعاد وشقتها وهو ده الي هيوصلنا للقاتل
كلام كريم كان منطقى لكن كان عايز وقت كبير.. قاتل محترف مش بيسيب دليل وراه مش هيقع بالسهولة دى برضوا.. لكن مفيش عندنا حل تانى وبدأنا نراقب شقة الست سعاد
الست سعاد ساكنه مع جوزها وبنتها ريم فى الشقة دى والحجة سعاد نادر جداً خروجها من الشقة..ريم كانت متجوزه واحد اسمه ياسين ممدوح اختفى وبعدين عرفوا انه اتعرض لحادث ومات ، فضلنا مراقبين الشقه 3 أيام متواصلة لحد ما حصلت حاجة، خرجت ريم تصرخ في البلكونة وتقول الحقونى.. الناس جريت على الشقة واحنا كمان.. اقتحمنا الشقة والمشهد جوه كالتالى جثتين ايوه بالظبط كده جثة الست سعاد غرقانة في البانيو فى الحمام، وجثة للاستاذ حسين فى اوضة النوم بطعن نافذ فى البطن، الشرطة جات ووصل خبير المعمل الجنائي وطبعا احنا عارفين النتيجة من غير اي تقارير... اتعملت التحريات وكنا في انتظار التقرير المعروفة نتيجته
واستدعانا العميد مصطفى انا وكريم وخالد ورحنالوا المكتب
_واضح ان اختيارى ليكم كان خاطئ من البداية الجرايم بتزيد فى نفس العيلة كل كام يوم يتقتل واحد والتقارير تقول انتحار، شكلنا بقى وحش قدام الرأى العام والصحافة ما اهو يا نقفل القضايا على انها انتحار يا اما تجيبوا القاتل قدامكم 48 ساعة والقاتل يكون تحت ايديكم مفهوم
_ مفهوم يا فندم
خرجنا من عندنا العميد مصطفى واحنا مش عارفين نتصرف ازاى، بالنسبالي مش انتحار ومش هقتنع انهم انتحروا وهجيب القاتل، قعدنا احنا التلاته فى المكتب عندى نفكر عشان نشوف حل.. التليفزيون والبرامج مفيش قدامهم غير سيرتنا واننا عاجزين في القبض على القاتل... بدأنا نفتش بيوت الضحايا من تانى ونجمع الآدلة من تانى عشان نوصل لحاجة مفيش للأسف وخلاص كان القرار اننا هنقفل القضايا على انها انتحار.
بالنسبالي كان قرار صعب جداً، دخلت وبلغت العميد بقرارى وانا باصص فى الارض مش قادر ابصله وعارف ان القضايا دى فيها سر بس خلاص من الواضح ان المجرم ده انتصر علينا في النهاية، وأعلنا للإعلام والصحافة والرأي العام انها صنفت قضايا انتحار.. طبعاً اتوجه لينا هجوم شديد.
لحد ما حصلت حاجة قلبت كل حاجة رأسا على عقب.. رساله وصلت على تليفوني من رقم مجهول وكان نص الرسالة ( كنت ماشى صح فى قاتل ارجع افتح القضية الناس دى منتحرتش) حسيت ان الرسالة أشبه بنجدة بالنسبالي.. اخدت الرسالة وبسرعة على مكتب العميد الي رغم أنه شاف الرسالة قلى
_ انت عاوز أي انا ما صدقت ان الناس بدأت تهدى شوية، عاوز تفتح القضايا تاني ومتعرفش تحلها.
_يا فندم الرسالة دي خطيرة ولو وصلنا لصاحب الرسالة هنوصل للقاتل
_ ويمكن لا ويطلع حد بيشتغلنا بقولك أي القضايا دي اتقفلت وانسي انها تتفتح تاني
_ يا فندم ارجوك انا مصمم اكمل
_الكلام خلص يا أحمد
خرجت من المكتب وانا بجد مستغرب رد فعله لكن انا مش هسكت، وقررت اشتغل مع فريقى في صمت.. خالد رفض وقال هينفذ الاوامر وانسحب.. وفضلنا انا وكريم وأول خطوة بدأنا نبحث عن الرقم، لكن للأسف الرقم طلع لواحد متوفي وكمان الي بعت الرسالة بعتها وقفل التليفون.. اتقلى مفيش حل غير انه يفتح تليفونه، رغم احباطى لكن مصمم اعرف الحقيقه، رجعت البيت ونمت نمت نوم عميق صحيت على صوت رسالة جديدة.. فتحت الرسالة كانت عبارة عن عنوان.. اتصلت بكريم لكنه قلى ملحقناش كان اسرع مننا وقفل التليفون تاني
قررت انى هروح العنوان ولوحدى نزلت من البيت ركبت عربيتى واتحركت.. العنوان كان بيت فى قرية قريبة وصلت القرية وسألت عن بيت الست عفاف طبعاً بطبيعة الصعايدة سألوني عاوزها فى أي.. عرفتهم انى رائد شرطة وجاى عاوزاها في موضوع ضروري.. دلوني على البيت
خبطت مرة واتنين فتحتلى ست فى الاربعين من عمرها اكيد دى عفاف عرفتها بنفسى ودخلت البيت عشان الاقى فى البيت بنت في العشرينات قاعدة وشارده في ملكوت الله وعلى لسانها كلمة واحدة الخلود.. الخلود
قعدت قدامها وسألتها يعني اى الخلود.. يعنى أى؟
مش بترد عليا ساكته تماماً.
سألت والدتها الست عفاف عن حالتها؟ ردت وقالت
_ مش عارفة يا ولدى هي كده من اسبوع
_ انتى كنتى بتشتغلى عند العيلة الي ماتوا الفترة الي فاتت دي صح؟
_ ها ايوة صح يا ولدى انا وبنتى صابرين دى
_ ومشيتوا ليه؟
_ الست سعاد هي الى قطعت عيشنا عشان شقتها اتسرقت واحنا مكناش في الشقة ومخدناش اذنها
وانا بتكلم معاها خطبة الجمعة بدأت.. قومت وروحت الجامع الي كان قريب جداً من بيتها، وصليت الجمعة وبعد الصلاة روحت لشيخ الجامع وقولتله
_ سلام عليكم يا عم الشيخ انا غريب عن بلدكم وكنت عايز اسألك على حاجة لو تعرف معناها
_ اهلا يبني منور البلد اتفضل اسأل يبنى
_ هو يعني اى الخلود؟
_ الشيخ قلي ليه السؤال ده؟
_ قولتله اجابتك متوقفه عليها حاجات كتير.. فهمني
_ قلى إبليس ادعى الخلود وقال انه مش هيموت أبداً
المقصود بيها ان العمر ممتد الي مالا نهاية
إبليس بيدعى وجود حياه بعد الموت اسمها الخلود
_ تمام انا فهمت الف شكر يا مولانا
خرجت من الجامع على صوت صراخ الست عفاف كانت بتصرخ جريت على البيت وأهل البلد كلهم اتجمعوا عند البيت.. صابرين انتحرت وقطعت شاريينها.. اتصلت بسرعة بكريم وبلغته وجات الشرطة والاسعاف والدنيا اتقلبت في القرية.. رجعت مكتبى وانا بحاول افهم بحاول اربط الخيوط ببعضها لكن مش عارف في حاجات ناقصة
لكن انا قربت اوصل
لازم نعرف يا كريم مين صاحب الرقم ده وفى اقرب وقت
المرة دي مش محتاج اعمل تحريات ولا تقارير.. الست عفاف وبنتها كانوا شغالين في بيت الست سعاد وطردتهم بسبب سرقه الشقة لكن هما أي دخلهم بالعيلة دى
واي دخل كلمة الخلود بكل ده
الإجابة هي حل كل القضايا يا كريم
فى الوقت ده وصلت رسالة بصيت كان هو الرقم ومكتوب (اتمني تلحق آخر ضحية) اتكلم كريم وقال
_ هو يقصد مين؟
_ عفاف يقصد عفاف
خرجنا نجرى من المديرية ركبنا عربيتي وبسرعة علي القرية وصلنا كان البيت علية زحمة.. دخلنا بسرعة لقينا الستات بتقول افتحي يا عفاف افتحي الباب.. قولت للستات وسعوا وكسرنا الباب عفاف قطعت شريينها زي بنتها.. للأسف ملحقناش الضحية الأخيرة
خرجت من البيت على مكتب العميد مصطفى اتكلمت معاه وقولتله انى عايز فرصة أخيرة بعد محاولات لاقناعه وافق
....
رجعت مكتبى وقعدت وانا بكلم نفسي قدرت أربط خيوط كتير ببعض، سبع ضحايا بينهم عوامل مشتركة، بس اي السبب الى يخليهم ينتحروا؟
فيه سر ورا الموضوع ده او حاجة انا مش فاهمها.. قطع تفكيرى دخول كريم وقلى قدرنا نوصل لصاحب الرقم، اخدت الاسم والعنوان واصريت مبلغش حد أخدت معايا كريم ورحنا على العنوان.. كان بيت قديم فى منطقه معزوله، دخلنا عشان الباب كان موارب بيت مكون من أربع غرف، الريحه كريهه جداً ولا تطاق.. دخلنا الغرفة الي خارج منها النور وهنا كانت الصدمة... دجال ونايمة قدامه واحدة حاطط ايده على دماغها وبيقول كلام غريب وهي بتترعش قدامه.. أول ما شافنا ابتسم وقال اخيرا عرفتوا توصلوا.. الست الي قدامه قامت وخرجت تجرى من الأوضة.. قولتلوا
_ انا هحكيلك انا كنت هتجنن عشان اوصل لرقمك عشان لازم تعرف الحقيقه.. من 6 شهور جالى واحد اسمه ياسين وكان جايب معاه صور لسبعة وقال انه عايز يخلص منهم بس بالبطئ يموتوا بالبطئ.. الي عرفته ان ياسين من عيلة غنية جداً وقولت استغل الفرصة وطلبت منه مليون جنيه
قلى هديلك الي انت عاوزه مقابل موت السبعة دول وبالبطئ.. عملت جلسة تحضير لجن موكل بالخراب والموت لكنى قولت طلسم غلط والي اتحضر جن موكل بالموت لكن الجن ده مش بيقتل بالبطئ زي ما هو طلب
ياسين قلي يأما تصرفه ياملكش عندي مليم واختلفنا عشان الجن ده مارد من مردة الجن ومش هينصرف بسهولة.. الجن ده على حسب ما عرفت عنه بيقنع ضحاياه بالخلود يعني بيقولهم انتحروا وانا هخليكم تعيشوا حياة أبدية وطبعا هو بيخدعهم والي بيرفض بيفضل وراه لحد لما يتجنن زي ما حصل في ياسين ممدوح دلوقتى واهو عايش في مستشفى المجانين
_ انت بتقول مين؟ ياسين ممدوح.. طب ازاي ده مات من فترة كبيرة
_ مين ده الي مات ياباشا ياسين ممدوح عايش في المستشفى.. مستشفى المجانين
_وهو عمل كده ليه؟
_انا مالى يا باشا روحوا اسألوه
قبضنا على فتحى الدجال والشرطة جات وفتشت البيت
وخرجت منه اعمال وأذيه طالت وبتطول ناس كتير
طمع وجحود ونفوس مريضة بتأذي ناس ملهاش ذنب في اي حاجة
رجعت المديرية من تاني وروحت للعميد مصطفى وحكتله اي الي حصل بالظبط.. العميد قلي
_طيب وبعدين يا أحمد ناوى على أى، ده واحد في مستشفى امراض عقلية يعني مجنون.. تفتكر ممكن حد ياخد بالكلام الي ممكن يقوله ده لو يعني اتكلم
_ خليني اسمع منه الاول يا فندم وبعد كده نشوف
_ تمام يا أحمد ربنا معاكم
روحت المستشفى عشان اشوف ياسين ممدوح، قابلت هناك الدكتور المسؤول عن حالة ياسين.. قلي احسن ليك متقبلهوش هو مش هيتكلم انا متأكد.. طيب ممكن اشوفه ولو من بعيد وفعلا بصيت عليه من شباك اوضته
اعوذ بالله من المنظر الي شوفته اعوذ بالله
واحد حالق شعره خالص عروق جسمه نافره ولونها اسود.. عينيه تحت هالات سوده.. اشبه بالهيكل العظمى
قولت للدكتور
_ هو ماله يا دكتور؟
_قلى عنده هلاوس سمعية وبصرية ده غير انه بتجيله حالة هياج واحنا حبسينه في غرفة العزل عشان لما بيخرج بيأذي نفسه والي حواليه
خرجت من المستشفى وانا ساكت تماماً ورحت الحبس عشان لازم اقابل فتحى فيه حاجه اكيد مقالش عليها
جبته المكتب وحكتله الحالة الي فيها ياسين وقولتله انا عايز افهم محدش من الضحايا كان في الحالة دي مفيش غير ياسين الي كده
_ عشان ياسين هو السبب في تحضيره وياسين دلوقتي رافض يخضع للخلود الي طلبه منه الجن وعشان كده الجن بيعذبه
_ طيب والحل دلوقتي اي؟
_ تجيب حد يخرجه من عليه عشان يقدر يحكيلك الي انت عايز تسمعه
_ تمام.. يعني مفيش حل تانى
_للأسف لا
رجعت فتحى السجن ومكنش فى غيره قدامى الشيخ الي قبلته فى القرية روحتله عرفت ان اسمه ايوب وحكتله كل حاجه.. قلى
_تمام يبنى هاجى معاك بس هما هيوافقوا فى المستشفى
_ سيب الموضوع ده عليا انا، انا هتصرف
اخدت الشيخ وطلعنا على المستشفى ودخلت للدكتور المعالج اكتر من ساعة من الجدال عشان أقنعه ان الشيخ هيدخل يعالح ياسين.. واقنعته مش مريض نفسي.. هو بس عليه مارد من مردة الجن.. انا مكنتش مصدق اني بقول الكلام ده انا الراجل المتعلم بيقول كده
المهم دخل الشيخ ايوب على ياسين اول ما شافه صرخ ياسين
أما الشيخ اتكلم وقال
وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ... بسم الله ارقيك بسم الله نرقيك
بسم الله وبحول الله وبقوه لا اله الا الله اخرج الان، أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها، ومن شر طوارق الليل والنهار ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان
ياسين فضل يتلوى ويتشنج وبيخرج منه صوت لا يمكن يكون صوت بشرى زي صراخ مكتوم
فضل الشيخ مكمل وقرأ آيه الكرسي كنت حاسس بزلزال في الأوضة والصوت المخيف الي طالع منه وبيقول هقتله وهقتلكم معاه مش هسيبه مش هسيبه..العروق الي في جسمه بدأ لونها يتغير للون الاحمر وعينيه اتقلبت وبقت بيضة تماماً..الشيخ زعق وقال يا من ألجمت كل متمرد سلم يارب سلم..اعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق..ربي اعوذ بك من همزات الشياطين واعوذ بك ربي ان يحضرون..سكت الشيخ ايوب... وحالة من القيئ جات لياسين رهيبة لدرجة انى حسيت انه هيموت
_ الشيخ بصلى وقال بحمد الله خرج سيبه يرتاح وتعالي بكره يبني اقعد معاه واسمع منه
فعلاً اخدت الشيخ رجعته مكانه وشكرته، وتاني يوم كنت عند ياسين في المستشفى حالته اتحسنت جداً.. دخلتله وقولتله حمدالله على السلامة، تسمحلى يا دكتور هنعمل التحقيق هنا .
ياسين احنا عارفنا كل حاجة بس انا عاوز اسمع منك انت .. انا الرائد أحمد عز على وهنا عشان اسمع منك واساعدك انا مش ضدك تمام.. اتفضل تقدر تحكى
ياسين اتكلم وقال كنت عايش حياة هادية وجميلة مع اكتر واحدة حبيتها في حياتي.. ريم كانت هي الي بتنورلى حياتي مكنش عندى اي مشاكل غير الخلفة المشكله كانت من عندها مش من عندي.. لكنى صبرت معاها 3سنين لكن مع الوقت مقدرتش نفسي اكون اب.. اسمع كلمة بابا
قررت اني هتجوز وفعلا اخدت قرار واتجوزت واحدة اسمها ريهام وكنت مخبى اني متجوز، لحد ما فى يوم ريهام كلمتنى وقلتلى انا حامل.. الفرحة مكنتش سيعانى من فرحتي جريت وقولتلهم على اساس انهم عيلتى، طردوني ورجعت لريهام قولت خلاص هعيش مع مراتى وابنى الي جاى في السكه.. لكن الجحود كان مالى قلبهم اتفقوا انهم يتخلصوا من ابنى عشان بنتهم دخلت فى مود اكتئاب.. انت متخيل.. بمساعدة حتة خدامة هي وبنتها كانوا شغالين عندى.. الخدامة دي خدرت مراتى وسهلت دخول الكلاب الشقة.. في الوقت ده انا كنت فى الشغل رجعت لقيت مراتى سايحه فى دمها.. واخر حاجة قلتهالى قتلوا ابننا.. قتلوا ابننا... وماتت ايوة ماتت، نار الانتقام حرقت قلبى لكن لو انتقمت بالطريقة الغبية انى اروحلهم فعلا هكون غبى.. روحت لفتحى عشان اعملهم سحر يموتهم بالبطئ.. لكن فتحى قرأ التعويذة غلط وحرر جن موكل بالموت والهلاك مقابل الخلود.. رفضت اديلوا الفلوس فسلطه عليا انا وعشان انا الي طلبت السحر كان عقابي اضعاف اضغاف الي اتعمل فيهم وبقيت محبوس جوه اوضة ضلمة كل يوم بشوف المخلوق المرعب ده وشايفوا وهو بيتحكم فيا وفي تصرفاتي كنت حاسس اني هموت سكت وقولت ده عقاب ربنا كنت بسمعه بيقولي الخلود لكن انا رفضت، لحد ما انت جيت وخرجتنى... انا مش زعلان انى هدخل السجن.
انا فرحان انى اخدت حقى
_ انت عارف العقوبة؟
اكيد عارف بس انا مش زعلان انا خلاص اخدت حقى ومش عايز حاجة تاني كفاية اني اخدت حقى.. انا بتمني اموت عشان حاسس انها ماتت بسببي
اتكشف علي ياسين وتم ثبوت انه لا يعاني من اى امراض
اتقبض على ياسين ممدوح واتحول للمحاكمة وكان المتهم فى القضية دى اتنين..
المتهم الأول اسمه ياسين ممدوح محمد
والمتهم الثانى فتحي عاشور السيد.. ياسين اتكلم وحكى كل حاجه في القفص للقاضى... وقاله الزمن الي احنا فيه مفهوش عدل وكل واحد بياخد حقه بدراعه انا الي بطلب منك يا سيادة القاضى.. احكم عليا بالاعدام دلوقتي وريحنى.. انا كنت ضحية وبقيت قاتل بس انا فرحان اني قتلتهم انا فرحان اني قتلتهم
رغم كل الي حكاه ياسين... حكمت المحكمة وبإجماع الاراء علي كلا من ياسين ممدوح محمد وفتحى عاشور السيد بإحالة اوراقهم إلي فضيلة المفتى
يمكن ياسين يستاهل حكم المحكمة لكن هما يستاهلوا الإعدام وفي ميدان عام
....
تمت
...
محمود الامين. ❝ ⏤محمود الامين
❞ من واحنا صغيرين كان عندنا سؤال.. هو فيه حد هيعيش اكتر من عمره؟ الاجابة لا.. كل واحد مننا ليه عمر لما بينتهى خلاص وكل حاجة بأيد المولى سبحانه وتعالى
فى معلومه كده ميعرفهاش الكل ان ابليس هو اول من ادعى الخلود، طيب يعنى اي الخلود.. ابليس ادعى انه مش هيموت وان عمره ممتد إلى ما لا نهاية وهو ده المقصود بالخلود، وللأسف فى الوقت الحالى فى بشر بتدعى الخلود، بس يا تري اى هتكون نهاية البشر دول؟
........
قدرت أربط خيوط كتير ببعض، سبع ضحايا بينهم عوامل مشتركة، بس اي السبب الى يخليهم ينتحروا؟
فيه سر ورا الموضوع ده او حاجة انا مش فاهمها.. قطع تفكيرى دخول كريم وقلى قدرنا نوصل لصاحب الرقم، اخدت الاسم والعنوان واصريت مبلغش حد أخدت معايا كريم ورحنا على العنوان.. كان بيت قديم فى منطقه معزوله، دخلنا عشان الباب كان موارب بيت مكون من أربع غرف، الريحه كريهه جداً ولا تطاق.. دخلنا الغرفة الي خارج منها النور وهنا كانت الصدمة
......
الخلود
أسمى أحمد عز على عندى 30 سنة متجوز وعندى ولد وحيد اسمه فهد، انا بشتغل رائد شرطه فى احدى محافظات الصعيد، قصتى بتبدأ من يوم عادى جداً فى الشغل وصلنا بلاغ عن جريمة قتل فى المدينه الى فيها المديرية، على الفور اتحركت قوه من القسم على موقع الحادث.. فى الوقت ده انا كنت فى مكتبى تليفوني رن كان العميد مصطفى رديت
_ أحمد انا عايزك دلوقتى تتحرك على مكان الحادث أنا كلفتك أنت بالقضيه دى
_تمام يا فندم تحت امر سيادتك.
اتحركت على مكان الحادث ووصلت هناك بعد نص ساعة كانت شقة فى عمارة، دخلت وكان اخصائى المعمل الجنائى وصل، والمشهد جوه كالتالى جثة لشاب فى الثلاثين من عمره مدبوح قدام مرايا الحمام وجنبه آداة الجريمة سكين حاد، التشخيص المبدئى جرح نافذ فى الرقبه.
اتعملت التحريات عن المجنى عليه وكنت منتظر تقرير الطب الشرعى عشان نبدأ التحقيق لكن تقرير الطب الشرعى كان مفاجأة.. مفيش شبهه جنائيه، المجنى عليه انتحر.
خلينى اقرأ ليكم التحريات والتقرير..( اسمه عمرو حسين عنده 32 سنة متجوز ومعندوش اولاد بيشتغل محاسب فى بنك ، بسؤال زوجته والمقربين منه مفيش أى حاجه تخليه ينتحر وحياته هادية جداً ومستقره.... التقرير لا توجد شبهه جنائيه فقد قام المدعو عمرو حسين بذبح نفسه وبصماته على السكين ولا يوجد اى نوع من المقاومة)
بس انا مش مقتنع في حاجه غلط، أى يخلى واحد معندوش مشاكل ينتحر وينهى حياته بالطريقة دى لا لا فى حاجه غلط، في الوقت ده طلبنى العميد مصطفى على مكتبه، روحتله وانا واخد قرارى
_صباح الخير يا فندم
_صباح النور يا أحمد أى قفلت ملف القضية
_فى الحقيقه لا يا فندم أنا مش مقتنع إن عمرو انتحر
_يعني أى مش مقتنع مش فاهم
_ بعد أذنك يا فندم انا محتاج وقت عشان اثبت كلامى عمرو منتحرش ارجوك يا فندم
_ قدامك اسبوع يا أحمد يا تثبت كلامك يا ملف القضية ده يتقفل.
خرجت من مكتب العميد وانا مش عارف أعمل اى، رجعت على مكتبى الباب خبط ودخل واحد وقلى
_انا النقيب كريم حمدى معاك في القضية الجديده
_ اهلا يا كريم بس لازم تعرف انها قضية من الواضح انها هتتعبنا
_ انا فهمت من العميد انك رافض فكره انه انتحر وعلى الاساس ده انضميت معاك لحلها
_عموما انا طلبت استدعى زوجه المجنى عليه اكيد لو ضغطنا عليها ممكن تقول حاجه مخبياها عننا.
بعد مرور ساعه لقيت الأمين داخل وبيقولي في واحده بره اسمها نهى عاوزة حضرتك... قولتله خليها تدخل
دخلت نهى زوجه المجنى عليه عمرو حسين وقالت
_ هو ليه الاستدعى ده هو انا متهمه بحاجة؟
_لا أبداً ده مجرد نقاش عادى وهتمشى، كل المطلوب منك تقوليلى جوزك كان عامل اى فى الفتره الاخيرة، يعنى لاحظتى عليه انه متغير مثلا؟
_ اه هو فعلاً فى الفترة الاخيرة كان متغير خصوصا لما راح للدكتور وعرف انه عقيم مش بيخلف لكن... قبل ما يتوفى بأسبوع بدأت تظهر عليه تصرفات غريبه
_ تصرفات غريبه ازاى وضحى
_في يوم كنت نايمة وصحيت على صوت خبط منتظم مكنتش عارفه الصوت ده جاى منين، الأوضة كانت ضلمة مش شايفة حاجه لكن لما ركزت كان عمرو وكان بيخبط راسه فى الدولاب.. قومت بسرعة وشغلت نور الأوضة، صرخ انا اتفزعت من صرخته لكن عينيه كانت مقفولة ولقيته رايح ناحية السرير دخل السرير واتغطى ونام، فى اليوم ده مقدرتش انام وفضلت صاحية للصبح، لما حاولت أفتح معاه الحوار ده قال عليا بخرف وأن الكلام ده محصلش، بعد الموضوع ده محصلش حاجه لحد قبل ما يتوفى بيوم كان مبسوط جداً وقلى انه قريب هيتحقق حلمنا وهنخلف، ، بس يا فندم وتانى يوم أنا خرجت روحت لوالدتى ولما رجعت عرفت الي حصل.
_ دى كل حاجه حصلت الفترة الاخيرة؟
_أيوة يا فندم مفيش حاجة تانى
_تمام تقدرى تتفضلى
طيب وبعدين كده كلام نهى مش منطقى يعنى أى واحد متفائل انه هيخلف ينتحر كده بدون سبب، القضية دى معقدة بس فيه حاجه ناقصة ولازم نعرفها
طلبت من النيابة آذن بتفتيش بيت المجنى عليه وروحنا وفتشنا وملقناش أى حاجه، ايام صعبه بتمر عليا الاسبوع بيجرى ودى اول مرة افشل فى حل قضية، لكن حصلت حاجة مكنتش على البال... جيه بلاغ عن جريمة تانية فى نفس المدينة، القوة اتحركت بقيادة ملازم أ خالد اشرف واقتحموا الشقة، لكن المفاجأة الى خلتنى اجرى بسرعة على عنوان الضحية التانية هو ان الضحية يبقى زوج اخت عمرو حسين المجنى عليه فى القضية الأولى
وصلت هناك وشوفت ادم سعيد الضحية التانية مشنوق في سقف الأوضة، خرجت للصالة وكانت زوجته امل حسين اخت عمرو حسين.. قربت منها وقولتلها البقاء لله شدى حيلك لكن مردتش عليا كانت فى حالة صدمة
_اكيد يا فندم أنا هعمل التحريات وهنتظر تقرير المعمل الجنائى وتقرير الطب الشرعي
_تمام ربنا يوفقك، انت دلوقتي معاك النقيب كريم حمدى
وملازم أ خالد اشرف، انتوا الفريق المسؤول قدامى عن الجريمتين
_الف شكر يا فندم وان شاء الله نكون قد المسؤوليه دى
رجعت مكتبى وبدأنا عمل التحريات لحد ما جالنا التقرير الي كان للاسف مخيب للأمال... لتانى مرة مفيش جريمة.. انتحار
هقرأ ليكم التحريات والتقرير (اسمه أدم سعيد عنده 31 سنة متجوز وعنده بنت اسمها سلمى بيشتغل مهندس فى شركات مقاولات لكنه محال للتحقيق بسبب مشكله فى الشغل، بسؤال زوجته والمقربين حياته هادية جداً ومستقره ومفيش غير مشكلة الشغل، التقرير.. لا توجد شبهه جنائيه فقد قام المدعو ادم سعيد بشنق نفسه فى سقف الغرفه وبصماته على الحبل المستخدم فى عملية الانتحار ولا يوجد اى نوع من المقاومة)
حالة من الصمت بتسيطر على المكتب مش قادر أصدق ولا اقتنع إن دى صدف
من وسط الحاجات الى كانت موجودة فى الأوضة كان الموبايل الخاص بيه قدرنا نفتحه ومكنش عليه أى حاجه نمشى وراها، وللمره التانية طلبت استدعى زوجة المجنى عليه، وطلبت اننا لازم نكتم على الخبر لحد لما نعرف الحقيقة
بعد شوية حضرت الأستاذة أمل حسين وكانت فى مكتبى
بدأت أنا الكلام
_ أستاذه أمل أنا مقدر الحالة الي أنتى فيها يعنى اخوكى وبعدين زوجك، لكن حاولى تهدى وتساعدينا
_ انا تحت امرك يافندم أتفضل اسأل
_ جوزك كان عامل أى فى الفترة الاخيرة؟ يعنى لاحظتى عليه أنه متغير؟
_ايوه..انا مكنتش عاوزة احكي عشان كنتوا هتقولوا عليا مجنونة لكن خلاص انا قررت احكي، جوزى بدأ يتغير من يوم ما اتحول للتحقيق في الشغل بسبب ان ورق المشروع الجديد ضاع منه وده أثر عليه جداً، بقى عصبى جداً ومن اقل حاجة خصوصا انهم قلولوا هيستغنوا عنه.. الكلام ده من شهر لكن قبل ما يتوفى
بكام يوم، كان هو فى الحمام وسمعته بيتكلم مع حد جوه
مكنتش فاهمه لكن قررت انى هفتح باب الحمام لازم أعرف أي الي بيحصل جوه وفتحته لكن فجأه نور الحمام أطفى وجوزى كان واقف قدام المرايا واتلفتلى عينيه كانت بيضة تماماً وصرخ وباب الحمام اترزع فى وشى.. انا جريت على المطبخ وكنت بترعش ومرعوبة من الى شوفته مفيش خمس دقايق ولقيته داخل المطبخ
وبيقولي احنا مش هنفطر ولا أى، مكنتش عارفة اقوله أى
وقبل ما يموت بيومين قلى اول ما احقق الخلود حياتنا هترجع لطبيعتها واحسن من الاول، وبعدها انتحر مش عارفة ليه
_ يعني اي يحقق الخلود؟
_ مش عارفة انا سألته قلي هتعرفى فى الوقت المناسب
_طيب واخوكى الاستاذ عمرو انتحر ليه؟
_معرفش فيه حاجه غريبة بتحصل بس انا بأكد لحضرتك إن فيه حاجه غلط مستحيل ينتحروا مستحيل
_ تمام يا أستاذه أمل تقدرى تتفضلى تمشي
وبعدين يا كريم أى الي بيحصل ده.. ده قاتل محترف مش بيسيب دليل وراه وبيخلى الجرايم تبان انها انتحار .. بس هو يعني اي الخلود؟
_ مش عارف يا أحمد بس هنعمل اى دلوقتى.. تتوقع فيه جريمة تاني هتحصل؟
_ اكيد.. بس احنا محتاجين نعرف السبب عشان نعرف الدور على مين
بعد مرور اربع ايام وخلاص كان الاتفاق بعد تحقيقات وتحريات اننا هنقفل الجريمتين على انهم انتحار.. لكن جالنا بلاغ جديد بجريمه جديدة عن انتحار الأستاذة أمل حسين، بمجرد وصول البلاغ اتحركنا فوراً، وصلنا كانت الناس كلها متجمعة وزحمة رهيبة .. دخلت وسط الناس وشوفت الجثة.. الأستاذة أمل رمت نفسها من البلكونة من الدور العاشر او حد رماها من الدور العاشر... كالعاده المعمل الجنائي وصل واقتحمنا الشقه كل حاجه مترتبة ومنسقة ومفيش أى حاجه واقعه على الارض وده يدل انه مفيش مقاومة، لكن لقينا أدوية اكتئاب كتير... طبعاً تقرير المعمل الجنائى وتقرير الطب الشرعي والصفة التشريحية كان متوقع.. انتحار، اتشرحت الجثة بدقة واكتشف ان الأستاذة أمل كانت تتعاطى ادوية الإكتئاب بكثره وفيه حبوب ملحقتش تدوب فى المعدة.
كنت مشتت المرة دى معنديش كلام أقوله.. أمل فعلاً انتحرت.. المقربين منها قالوا انها كانت بتمر بحالة إكتئاب بعد موت جوزها.. بعد فحص التليفون الخاص بيها اكتشفنا انها اتكلمت مع والدتها قبل ما تموت بساعات.
تم استدعاء الوالدة عشان نعرف منها اي اتقال في المكالمة دي، الوالده اسمها سعاد.. حضرت على حسب الاستدعى ودار بينا الحوار التالى
_استاذة سعاد البقاء لله انا عارف انك فقدتى ابنك وبنتك ده غير جوز بنتك، لكن حاولى تتماسكى عشان نعرف نجيب حقهم
_ سبحان من له الدوام يا باشا.. اسأل انا جاهزة
_ فيه مكالمة جمعت ما بينك وبين بنتك عاوزين نعرف قلتلك اي
_ بنتى كانت حزينه جداً بعد موت جوزها وكانت حابسة نفسها ومش بتخرج ويوم ما ماتت قلتلى انها هتنفذ الخلود عشان هي مش عارفة تعيش من غير جوزها
بس انا مفهمتش معنى كلامها واى الخلود ده،، وقلتلي ان الخلود هيخليها تعيش معاه
_ الخلود.. الخلود تانى، اى معنى الكلمة دى.. طيب وبالنسبه لابنك عمرو وجوز بنتك ادم
_لا دول معرفش حاجة واتفاجأت بانتحارهم عشان مفيش سبب يخليهم ينتحروا
_ طيب يا حجة تقدرى تمشى
الكلمة المشتركة ما بينهم الخلود.. الكلمة الي انا مش فاهم معناها لحد دلوقتى ولا مين الى بيوصلها ليهم بس الوحيدة الي عندها سبب مقنع تنتحر علشانه هي أمل بغض النظر عن كلمة الخلود... كريم اتكلم وقلى
_فيه حاجة احنا مش واخدين بالنا منها، انتوا مش ملاحظين أن اي حد بنحقق معاه بينتحر او بمعنى اصح بيتقتل.. وده استنتج منه ان القاتل بيكون مراقب الضحايا كويس بس في ضلع ناقص في المثلث.. كلمة الخلود الي الكل بيقولها قبل ما ينتحر... رد خالد وقال
_طيب المفروض دلوقتي نعمل اي يعنى نراقب الست سعاد عشان نقبض علي القاتل.. رد كريم
_بالظبط كده نراقب الست سعاد وشقتها وهو ده الي هيوصلنا للقاتل
كلام كريم كان منطقى لكن كان عايز وقت كبير.. قاتل محترف مش بيسيب دليل وراه مش هيقع بالسهولة دى برضوا.. لكن مفيش عندنا حل تانى وبدأنا نراقب شقة الست سعاد
الست سعاد ساكنه مع جوزها وبنتها ريم فى الشقة دى والحجة سعاد نادر جداً خروجها من الشقة..ريم كانت متجوزه واحد اسمه ياسين ممدوح اختفى وبعدين عرفوا انه اتعرض لحادث ومات ، فضلنا مراقبين الشقه 3 أيام متواصلة لحد ما حصلت حاجة، خرجت ريم تصرخ في البلكونة وتقول الحقونى.. الناس جريت على الشقة واحنا كمان.. اقتحمنا الشقة والمشهد جوه كالتالى جثتين ايوه بالظبط كده جثة الست سعاد غرقانة في البانيو فى الحمام، وجثة للاستاذ حسين فى اوضة النوم بطعن نافذ فى البطن، الشرطة جات ووصل خبير المعمل الجنائي وطبعا احنا عارفين النتيجة من غير اي تقارير... اتعملت التحريات وكنا في انتظار التقرير المعروفة نتيجته
واستدعانا العميد مصطفى انا وكريم وخالد ورحنالوا المكتب
_واضح ان اختيارى ليكم كان خاطئ من البداية الجرايم بتزيد فى نفس العيلة كل كام يوم يتقتل واحد والتقارير تقول انتحار، شكلنا بقى وحش قدام الرأى العام والصحافة ما اهو يا نقفل القضايا على انها انتحار يا اما تجيبوا القاتل قدامكم 48 ساعة والقاتل يكون تحت ايديكم مفهوم
_ مفهوم يا فندم
خرجنا من عندنا العميد مصطفى واحنا مش عارفين نتصرف ازاى، بالنسبالي مش انتحار ومش هقتنع انهم انتحروا وهجيب القاتل، قعدنا احنا التلاته فى المكتب عندى نفكر عشان نشوف حل.. التليفزيون والبرامج مفيش قدامهم غير سيرتنا واننا عاجزين في القبض على القاتل... بدأنا نفتش بيوت الضحايا من تانى ونجمع الآدلة من تانى عشان نوصل لحاجة مفيش للأسف وخلاص كان القرار اننا هنقفل القضايا على انها انتحار.
بالنسبالي كان قرار صعب جداً، دخلت وبلغت العميد بقرارى وانا باصص فى الارض مش قادر ابصله وعارف ان القضايا دى فيها سر بس خلاص من الواضح ان المجرم ده انتصر علينا في النهاية، وأعلنا للإعلام والصحافة والرأي العام انها صنفت قضايا انتحار.. طبعاً اتوجه لينا هجوم شديد.
لحد ما حصلت حاجة قلبت كل حاجة رأسا على عقب.. رساله وصلت على تليفوني من رقم مجهول وكان نص الرسالة ( كنت ماشى صح فى قاتل ارجع افتح القضية الناس دى منتحرتش) حسيت ان الرسالة أشبه بنجدة بالنسبالي.. اخدت الرسالة وبسرعة على مكتب العميد الي رغم أنه شاف الرسالة قلى
_ انت عاوز أي انا ما صدقت ان الناس بدأت تهدى شوية، عاوز تفتح القضايا تاني ومتعرفش تحلها.
_يا فندم الرسالة دي خطيرة ولو وصلنا لصاحب الرسالة هنوصل للقاتل
_ ويمكن لا ويطلع حد بيشتغلنا بقولك أي القضايا دي اتقفلت وانسي انها تتفتح تاني
_ يا فندم ارجوك انا مصمم اكمل
_الكلام خلص يا أحمد
خرجت من المكتب وانا بجد مستغرب رد فعله لكن انا مش هسكت، وقررت اشتغل مع فريقى في صمت.. خالد رفض وقال هينفذ الاوامر وانسحب.. وفضلنا انا وكريم وأول خطوة بدأنا نبحث عن الرقم، لكن للأسف الرقم طلع لواحد متوفي وكمان الي بعت الرسالة بعتها وقفل التليفون.. اتقلى مفيش حل غير انه يفتح تليفونه، رغم احباطى لكن مصمم اعرف الحقيقه، رجعت البيت ونمت نمت نوم عميق صحيت على صوت رسالة جديدة.. فتحت الرسالة كانت عبارة عن عنوان.. اتصلت بكريم لكنه قلى ملحقناش كان اسرع مننا وقفل التليفون تاني
قررت انى هروح العنوان ولوحدى نزلت من البيت ركبت عربيتى واتحركت.. العنوان كان بيت فى قرية قريبة وصلت القرية وسألت عن بيت الست عفاف طبعاً بطبيعة الصعايدة سألوني عاوزها فى أي.. عرفتهم انى رائد شرطة وجاى عاوزاها في موضوع ضروري.. دلوني على البيت
خبطت مرة واتنين فتحتلى ست فى الاربعين من عمرها اكيد دى عفاف عرفتها بنفسى ودخلت البيت عشان الاقى فى البيت بنت في العشرينات قاعدة وشارده في ملكوت الله وعلى لسانها كلمة واحدة الخلود.. الخلود
قعدت قدامها وسألتها يعني اى الخلود.. يعنى أى؟
مش بترد عليا ساكته تماماً.
سألت والدتها الست عفاف عن حالتها؟ ردت وقالت
_ مش عارفة يا ولدى هي كده من اسبوع
_ انتى كنتى بتشتغلى عند العيلة الي ماتوا الفترة الي فاتت دي صح؟
_ ها ايوة صح يا ولدى انا وبنتى صابرين دى
_ ومشيتوا ليه؟
_ الست سعاد هي الى قطعت عيشنا عشان شقتها اتسرقت واحنا مكناش في الشقة ومخدناش اذنها
وانا بتكلم معاها خطبة الجمعة بدأت.. قومت وروحت الجامع الي كان قريب جداً من بيتها، وصليت الجمعة وبعد الصلاة روحت لشيخ الجامع وقولتله
_ سلام عليكم يا عم الشيخ انا غريب عن بلدكم وكنت عايز اسألك على حاجة لو تعرف معناها
_ اهلا يبني منور البلد اتفضل اسأل يبنى
_ هو يعني اى الخلود؟
_ الشيخ قلي ليه السؤال ده؟
_ قولتله اجابتك متوقفه عليها حاجات كتير.. فهمني
_ قلى إبليس ادعى الخلود وقال انه مش هيموت أبداً
المقصود بيها ان العمر ممتد الي مالا نهاية
إبليس بيدعى وجود حياه بعد الموت اسمها الخلود
_ تمام انا فهمت الف شكر يا مولانا
خرجت من الجامع على صوت صراخ الست عفاف كانت بتصرخ جريت على البيت وأهل البلد كلهم اتجمعوا عند البيت.. صابرين انتحرت وقطعت شاريينها.. اتصلت بسرعة بكريم وبلغته وجات الشرطة والاسعاف والدنيا اتقلبت في القرية.. رجعت مكتبى وانا بحاول افهم بحاول اربط الخيوط ببعضها لكن مش عارف في حاجات ناقصة
لكن انا قربت اوصل
لازم نعرف يا كريم مين صاحب الرقم ده وفى اقرب وقت
المرة دي مش محتاج اعمل تحريات ولا تقارير.. الست عفاف وبنتها كانوا شغالين في بيت الست سعاد وطردتهم بسبب سرقه الشقة لكن هما أي دخلهم بالعيلة دى
واي دخل كلمة الخلود بكل ده
الإجابة هي حل كل القضايا يا كريم
فى الوقت ده وصلت رسالة بصيت كان هو الرقم ومكتوب (اتمني تلحق آخر ضحية) اتكلم كريم وقال
_ هو يقصد مين؟
_ عفاف يقصد عفاف
خرجنا نجرى من المديرية ركبنا عربيتي وبسرعة علي القرية وصلنا كان البيت علية زحمة.. دخلنا بسرعة لقينا الستات بتقول افتحي يا عفاف افتحي الباب.. قولت للستات وسعوا وكسرنا الباب عفاف قطعت شريينها زي بنتها.. للأسف ملحقناش الضحية الأخيرة
خرجت من البيت على مكتب العميد مصطفى اتكلمت معاه وقولتله انى عايز فرصة أخيرة بعد محاولات لاقناعه وافق
....
رجعت مكتبى وقعدت وانا بكلم نفسي قدرت أربط خيوط كتير ببعض، سبع ضحايا بينهم عوامل مشتركة، بس اي السبب الى يخليهم ينتحروا؟
فيه سر ورا الموضوع ده او حاجة انا مش فاهمها.. قطع تفكيرى دخول كريم وقلى قدرنا نوصل لصاحب الرقم، اخدت الاسم والعنوان واصريت مبلغش حد أخدت معايا كريم ورحنا على العنوان.. كان بيت قديم فى منطقه معزوله، دخلنا عشان الباب كان موارب بيت مكون من أربع غرف، الريحه كريهه جداً ولا تطاق.. دخلنا الغرفة الي خارج منها النور وهنا كانت الصدمة... دجال ونايمة قدامه واحدة حاطط ايده على دماغها وبيقول كلام غريب وهي بتترعش قدامه.. أول ما شافنا ابتسم وقال اخيرا عرفتوا توصلوا.. الست الي قدامه قامت وخرجت تجرى من الأوضة.. قولتلوا
_ انا هحكيلك انا كنت هتجنن عشان اوصل لرقمك عشان لازم تعرف الحقيقه.. من 6 شهور جالى واحد اسمه ياسين وكان جايب معاه صور لسبعة وقال انه عايز يخلص منهم بس بالبطئ يموتوا بالبطئ.. الي عرفته ان ياسين من عيلة غنية جداً وقولت استغل الفرصة وطلبت منه مليون جنيه
قلى هديلك الي انت عاوزه مقابل موت السبعة دول وبالبطئ.. عملت جلسة تحضير لجن موكل بالخراب والموت لكنى قولت طلسم غلط والي اتحضر جن موكل بالموت لكن الجن ده مش بيقتل بالبطئ زي ما هو طلب
ياسين قلي يأما تصرفه ياملكش عندي مليم واختلفنا عشان الجن ده مارد من مردة الجن ومش هينصرف بسهولة.. الجن ده على حسب ما عرفت عنه بيقنع ضحاياه بالخلود يعني بيقولهم انتحروا وانا هخليكم تعيشوا حياة أبدية وطبعا هو بيخدعهم والي بيرفض بيفضل وراه لحد لما يتجنن زي ما حصل في ياسين ممدوح دلوقتى واهو عايش في مستشفى المجانين
_ انت بتقول مين؟ ياسين ممدوح.. طب ازاي ده مات من فترة كبيرة
_ مين ده الي مات ياباشا ياسين ممدوح عايش في المستشفى.. مستشفى المجانين
_وهو عمل كده ليه؟
_انا مالى يا باشا روحوا اسألوه
قبضنا على فتحى الدجال والشرطة جات وفتشت البيت
وخرجت منه اعمال وأذيه طالت وبتطول ناس كتير
طمع وجحود ونفوس مريضة بتأذي ناس ملهاش ذنب في اي حاجة
رجعت المديرية من تاني وروحت للعميد مصطفى وحكتله اي الي حصل بالظبط.. العميد قلي
_طيب وبعدين يا أحمد ناوى على أى، ده واحد في مستشفى امراض عقلية يعني مجنون.. تفتكر ممكن حد ياخد بالكلام الي ممكن يقوله ده لو يعني اتكلم
_ خليني اسمع منه الاول يا فندم وبعد كده نشوف
_ تمام يا أحمد ربنا معاكم
روحت المستشفى عشان اشوف ياسين ممدوح، قابلت هناك الدكتور المسؤول عن حالة ياسين.. قلي احسن ليك متقبلهوش هو مش هيتكلم انا متأكد.. طيب ممكن اشوفه ولو من بعيد وفعلا بصيت عليه من شباك اوضته
اعوذ بالله من المنظر الي شوفته اعوذ بالله
واحد حالق شعره خالص عروق جسمه نافره ولونها اسود.. عينيه تحت هالات سوده.. اشبه بالهيكل العظمى
قولت للدكتور
_ هو ماله يا دكتور؟
_قلى عنده هلاوس سمعية وبصرية ده غير انه بتجيله حالة هياج واحنا حبسينه في غرفة العزل عشان لما بيخرج بيأذي نفسه والي حواليه
خرجت من المستشفى وانا ساكت تماماً ورحت الحبس عشان لازم اقابل فتحى فيه حاجه اكيد مقالش عليها
جبته المكتب وحكتله الحالة الي فيها ياسين وقولتله انا عايز افهم محدش من الضحايا كان في الحالة دي مفيش غير ياسين الي كده
_ عشان ياسين هو السبب في تحضيره وياسين دلوقتي رافض يخضع للخلود الي طلبه منه الجن وعشان كده الجن بيعذبه
_ طيب والحل دلوقتي اي؟
_ تجيب حد يخرجه من عليه عشان يقدر يحكيلك الي انت عايز تسمعه
_ تمام.. يعني مفيش حل تانى
_للأسف لا
رجعت فتحى السجن ومكنش فى غيره قدامى الشيخ الي قبلته فى القرية روحتله عرفت ان اسمه ايوب وحكتله كل حاجه.. قلى
_تمام يبنى هاجى معاك بس هما هيوافقوا فى المستشفى
_ سيب الموضوع ده عليا انا، انا هتصرف
اخدت الشيخ وطلعنا على المستشفى ودخلت للدكتور المعالج اكتر من ساعة من الجدال عشان أقنعه ان الشيخ هيدخل يعالح ياسين.. واقنعته مش مريض نفسي.. هو بس عليه مارد من مردة الجن.. انا مكنتش مصدق اني بقول الكلام ده انا الراجل المتعلم بيقول كده
المهم دخل الشيخ ايوب على ياسين اول ما شافه صرخ ياسين
أما الشيخ اتكلم وقال
وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ... بسم الله ارقيك بسم الله نرقيك
بسم الله وبحول الله وبقوه لا اله الا الله اخرج الان، أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها، ومن شر طوارق الليل والنهار ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان
ياسين فضل يتلوى ويتشنج وبيخرج منه صوت لا يمكن يكون صوت بشرى زي صراخ مكتوم
فضل الشيخ مكمل وقرأ آيه الكرسي كنت حاسس بزلزال في الأوضة والصوت المخيف الي طالع منه وبيقول هقتله وهقتلكم معاه مش هسيبه مش هسيبه..العروق الي في جسمه بدأ لونها يتغير للون الاحمر وعينيه اتقلبت وبقت بيضة تماماً..الشيخ زعق وقال يا من ألجمت كل متمرد سلم يارب سلم..اعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق..ربي اعوذ بك من همزات الشياطين واعوذ بك ربي ان يحضرون..سكت الشيخ ايوب... وحالة من القيئ جات لياسين رهيبة لدرجة انى حسيت انه هيموت
_ الشيخ بصلى وقال بحمد الله خرج سيبه يرتاح وتعالي بكره يبني اقعد معاه واسمع منه
فعلاً اخدت الشيخ رجعته مكانه وشكرته، وتاني يوم كنت عند ياسين في المستشفى حالته اتحسنت جداً.. دخلتله وقولتله حمدالله على السلامة، تسمحلى يا دكتور هنعمل التحقيق هنا .
ياسين احنا عارفنا كل حاجة بس انا عاوز اسمع منك انت .. انا الرائد أحمد عز على وهنا عشان اسمع منك واساعدك انا مش ضدك تمام.. اتفضل تقدر تحكى
ياسين اتكلم وقال كنت عايش حياة هادية وجميلة مع اكتر واحدة حبيتها في حياتي.. ريم كانت هي الي بتنورلى حياتي مكنش عندى اي مشاكل غير الخلفة المشكله كانت من عندها مش من عندي.. لكنى صبرت معاها 3سنين لكن مع الوقت مقدرتش نفسي اكون اب.. اسمع كلمة بابا
قررت اني هتجوز وفعلا اخدت قرار واتجوزت واحدة اسمها ريهام وكنت مخبى اني متجوز، لحد ما فى يوم ريهام كلمتنى وقلتلى انا حامل.. الفرحة مكنتش سيعانى من فرحتي جريت وقولتلهم على اساس انهم عيلتى، طردوني ورجعت لريهام قولت خلاص هعيش مع مراتى وابنى الي جاى في السكه.. لكن الجحود كان مالى قلبهم اتفقوا انهم يتخلصوا من ابنى عشان بنتهم دخلت فى مود اكتئاب.. انت متخيل.. بمساعدة حتة خدامة هي وبنتها كانوا شغالين عندى.. الخدامة دي خدرت مراتى وسهلت دخول الكلاب الشقة.. في الوقت ده انا كنت فى الشغل رجعت لقيت مراتى سايحه فى دمها.. واخر حاجة قلتهالى قتلوا ابننا.. قتلوا ابننا... وماتت ايوة ماتت، نار الانتقام حرقت قلبى لكن لو انتقمت بالطريقة الغبية انى اروحلهم فعلا هكون غبى.. روحت لفتحى عشان اعملهم سحر يموتهم بالبطئ.. لكن فتحى قرأ التعويذة غلط وحرر جن موكل بالموت والهلاك مقابل الخلود.. رفضت اديلوا الفلوس فسلطه عليا انا وعشان انا الي طلبت السحر كان عقابي اضعاف اضغاف الي اتعمل فيهم وبقيت محبوس جوه اوضة ضلمة كل يوم بشوف المخلوق المرعب ده وشايفوا وهو بيتحكم فيا وفي تصرفاتي كنت حاسس اني هموت سكت وقولت ده عقاب ربنا كنت بسمعه بيقولي الخلود لكن انا رفضت، لحد ما انت جيت وخرجتنى... انا مش زعلان انى هدخل السجن.
انا فرحان انى اخدت حقى
_ انت عارف العقوبة؟
اكيد عارف بس انا مش زعلان انا خلاص اخدت حقى ومش عايز حاجة تاني كفاية اني اخدت حقى.. انا بتمني اموت عشان حاسس انها ماتت بسببي
اتكشف علي ياسين وتم ثبوت انه لا يعاني من اى امراض
اتقبض على ياسين ممدوح واتحول للمحاكمة وكان المتهم فى القضية دى اتنين..
المتهم الأول اسمه ياسين ممدوح محمد
والمتهم الثانى فتحي عاشور السيد.. ياسين اتكلم وحكى كل حاجه في القفص للقاضى... وقاله الزمن الي احنا فيه مفهوش عدل وكل واحد بياخد حقه بدراعه انا الي بطلب منك يا سيادة القاضى.. احكم عليا بالاعدام دلوقتي وريحنى.. انا كنت ضحية وبقيت قاتل بس انا فرحان اني قتلتهم انا فرحان اني قتلتهم
رغم كل الي حكاه ياسين... حكمت المحكمة وبإجماع الاراء علي كلا من ياسين ممدوح محمد وفتحى عاشور السيد بإحالة اوراقهم إلي فضيلة المفتى
يمكن ياسين يستاهل حكم المحكمة لكن هما يستاهلوا الإعدام وفي ميدان عام
....
تمت
...
محمود الامين . ❝
❞ كان من أسباب انصرافي عن القرآن في شبابي ما قرأته عن أنهار العسل و أنهار الخمر في الجنة.. و أنا لا أحب العسل و لا أحب الخمر.. فاعتبرت هذه سذاجات و انسحب حكمي على القرآن ثم على الدين كله.
و الساذج في واقع الأمر.. لم يكن إلا أنا.
فأنا لم أحاول أن أتفهم النص القرآني و لا أن أعكف حتى على ظاهر عبارته فما بال باطنها.. و كنت في عجلة من أمري.. و كان الانصراف غايتي و شهوتي.. و غطت هذه الشهوة على كل شيء فضاعت معالم الحقيقة من أمامي.. و فاتتني أمور كانت شديدة الوضوح.
و الآية تبدأ بأنها ضرب مثل. ((مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ.. )) و ليست إيرادا لأوصاف حرفية. فهذا أمر مستحيل لأن الجنة و الجحيم أمور غيبية بالنسبة لنا لا يمكن تصويرها في كلمات من قاموسنا.
تماما كما يسألك الطفل عن اللذة الجنسية.. فتحتار كيف تصفها له فهي بالنسبة له غيب خارج عن حدود خبراته تماما. و بعد أن تعجز عن توصيل المعنى إليه تقول على سبيل ضرب المثل و على سبيل التقريب.. إنها شيء مثل السكر.
لقد اخترت له شيئا من خبراته اليومية.
و مع ذلك فما أبعد المعنى.
و ما أبعد الفارق بين اللذة الجنسية و بين طعم السكر العادي المبتذل.
و بالمثل كان موقف القرآن في مخاطبة البدوي البسيط.
و كل أمنية البدوي الذي يعيش في هجير الصحراء أن يعثر على نبع ماء عذب. فكل ما يجد من مياه ما هي إلا ينابيع مالحة آسنة.
و كذلك اللبن.. فما أسرع ما يختمرو يتغير طعمه في حر الصحارى.. فيضرب له القرآن المثل من أعز ما يتمنى.
ها هو ذا يبين لنا حقيقة جديدة.. فيقول إنه يورد الألفاظ للتخويف. و لكنه ليس تخويفا على غير أساس.
إنه مثل تخويفك لابنك حين تحذره من إهمال نظافة أسنانه و تقول له: إذا لم تنظف أسنانك بالفرشاة فإن السوس سوف يأكل أسنانك.. تقول ذلك محبة منك و رحمة لطفلك.
و بالطبع.. السوس لن يأكل أسنانه.. إنما هي ميكروبات و فيروسات غير مرئية.
و لكن التخويف كان على أساس.. لأن ما سوف يحدث له إذا أهمل نظافة أسنانه سيكون ألعن من أكل السوس.
و من جرب الآلام الرهيبة لضرس مسوس.. يعرف أنها أسوأ من كل ما سمع من تحذيرات.
إنه تخويف العزيز الرحيم من شيء سوف يحدث بالفعل و سيكون أسوأ من جميع ما قيل و كتب.. مما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.
إن العذاب حق.. و الثواب حق.
و هنا يعترض معترض.
ألا يتنافى مع رحمة الله و مع عظمته أن يعذب.. و يعذب من !.. إنسانا مسكينا لا يساوي ذرة أو هباء في مملكة الله اللانهائية.
و هو اعتراض كان يشغلني دائما و كان يصرفني دائما عن قبول فكرة العذاب و بالتالي عن القرآن و عن الدين كله.
و السؤال يحتاج منا إلى أن نتعمق في معنى كلمة عذاب.
و الله بالفعل لا يعذب.
إنما هو فقط يعدل.
و لو أنه ساوى في آخرته بين ظالم و مظلوم.. و بين قتيل و القاتل الذي قتله.. لو أنه فعل ذلك بحجة الرحمة لكان أبعد ما يمكن عن الرحمة.. و عن العدل.. فالمساواة بين غير المتساويين ظلم فادح.. تعالى الله عن أن يقع فيه.
ثم هي الفوضى أن يكون الأبيض في عين الله كالأسود، و الأعمى كالبصير، و الميت كالحي، و الذي يسمع كمن لا يسمع.
و الكون ينفي الفوضى.
تأمل كل جزئية في الكون تكشف لك عن النظام المحكم و القانون الذي لا يفوته واحد من ألف من المليجرام.
و حركة إليكترون من مدار إلى مدار في داخل الذرة لا تتم إلا بحساب، فهو لا بد أن يعطي حزمة من الطاقة ليقفز إلى الخارج قفزة مساوية، و لا بد له أن يمتص حزمة أخرى ليقفز إلى الداخل قفزة مساوية.. إنه محاسب في حركاته.. و هو إليكترون.. فما بال الإنسان العاقل و هو بالنسبة للإليكترون كالمجرة و الفلك بالنسبة للإنسان.. و قد نفخ الله فيه من روحه فهو شيء عظيم.. و ليس في هوان الذرة و لا الإليكترون.
ثم ما معنى أن يموت مظلوما و ظالما فيصبح ترابا بلا بعث و يذهب ما حصله من خير و شر و علم و حكمة سدى.
مستحيل أن ينتهي كل هذا إلى باطل.. لا بد أن هناك استمرار بطريقة ما.. و لا بد أن يتضح لنا الحكمة من كل هذا في ميقاتها.
إتها قضية عدالة و قضية منطق و ليست قضية تعذيب لهدف التعذيب، و الذي سوف يحدث لنا بعد البعث هو أن كل واحد ستلازمه رتبته و درجته التي حصلها في الدنيا لا أكثر.
الله يعتبر الخزي في هذه الآية أشد من النار إيلاما.
و كما يصف الإنجيل هذا العالم الآخر (( عالم البكاء و صرير الأسنان )). المجرم فيه يصر على أسنانه ندما على ما يرى من هوان شأنه أمام الدرجات العالية التي أصابها الآخرون. و يصف القرآن أهل الجنة في تلك الدرجات بأنهم المقربون. المقربون من الله.. من الحق.
إنها إذن مسألة مقامات. كل واحد يبعث على رتبته و مقامه.
الله لا يعذب للعذاب.
و إنما يأتي العذاب و احتراق الصدر من إحساس من هم في أسافل الدرجات بالغيرة و الحسد و الهوان و الخسران الأبدي الذي لا مخرج منه.. و سوف يحرق هذا الإحساس الصدور كما تحرقها النار و أكثر.. و سوف يكون هو النكال و التنكيل.. ينكل الواحد منا بنفسه بالدرجة التي وضع نفسه فيها و التي انحدر إليها بأعماله في الدنيا.
و مما يدل على أن النار في الآخرة هي غير ما نعرف من نارنا هذه الآيات من سورة الأعراف:
إنه حوار و مكالمة في النار تجرى بين المعذبين.. و في مثل نارنا لا يمكن أن يجرى حوار بين اثنين يحترقان.
و المعنى الثاني العميق في الآية (( لكل ضعف و لكن لا تعلمون )).
إن أمامنا اثنين يتعذب الواحد منهما ضعف الآخر مع أنهما في المكان نفسه، و معنى هذا أن العذاب في الشخص و ليس في المكان ذاته.. و هذا لا ينفي أن يكون العذاب المذكور حسيا، بل إنه من الممكن أن يكون معنويا و حسيا في نفس الوقت ( كما يحدث أن يتعرض اثنان للحر اللافح فيصاب أحدهما بالصداع على حين يتحمل الآخر بسبب اختلاف درجات اللياقة عند الإثنين ) و الصداع ألم حسي و معنوي.
و لا ينفي أن يكون نارا و لكنها نار غير ما نعرف من نارنا.
و يروي القرآن عن أهل الجنة و كيف أنهم يتذكرون و هم يأكلون فاكهة الجنة أنهم قد رزقوا أنواع هذه الفاكهة حينما كانوا على الأرض ( مع الفارق في الجودة ).
و كيف أن لهم زوجات في الجنة و لكنهن زوجات مطهرات ( لسن كزوجات الأرض يعانين الحيض و المخاض شكسات غيورات متسلطات ).
و الجنة بهذه الصورة هي درجة و مقام.. فيها كل ما نعرف على الأرض و لكن مع تفاوت هائل في الرتبة.. تفاوت يفوق التصور.. تفاوت مثل التفاوت بين الزمن و الأبد و مثل التفاوت الذي ذكرناه بين طعم قطعة السكر و طعم اللذة الجنسية الحادة بالنسبة لبالغ.
و إذا ذكر العسل في مثل هذه الجنة فهو عسل و لكم لا كما نعرف من عسل، و اللبن هو اللبن و لكن لا كما نعرف من لبن، و النساء لا كما نعرف من نساء.
إنها ستكون أشياء مدهشة كالغيب بالنسبة لما نعلم.. يقول الشاعر عن امرأة يحبها إن جسمها يضيء كأنها صيغت من النور.. إنها أحلام يمكن أن تكون هناك حقائق.
و بالمثل ما يروي القرآن عن النار.. فهي نار لا كما نعرف من نار.. نار تنبت فيها شجرة لها ثمر ( شجرة الزقوم ).. و فيها ماء حميم يشربه أهلها.. و المعذبون فيها يتكلمون و يتحاورون فأجسادهم لا يمكن أن تكون لها نفس كيمياء الأجساد كما نعلمها و إلا لتبخرت دخانا في لحظات و لما استطاعوا أن يتبادلوا كلمة.
و معنى هذا أننا سوف نبعث أجسادا و لكن لا كالأجساد.. ربما كيانات لها ذات الهيئة و الصورة و لكن من مادة مختلفة هي بالنسبة لنا غيب.. إنها لن تكون الأجساد الترابية التي نتكون منها الآن في حياتنا الأرضية.
و لهذا يمكن أن تتضاعف المتع حسيا و معنويا بطريقة نجهلها.
كما تتضاعف درجات العذاب حسيا و معنويا عما نعلم و كما يتوزع الناس مراتب و درجات بحسب لياقتهم.. تكون لكل مرتبة مواصفاتها الحياتية التي تكفل لمن فيها حظوظا من السعادة أو الشقاء كل حسب قدره، و أتصور أن أعلى الناس قدرا في الجنة هم الذين سيرتفعون عن متع الحواس و جنة الحواس و يختار لهم الرحمن درجة الحياة الروحية الخالصة إلى جواره في سدرة المنتهى، حيث لا تكون اللذة هي لذة طعام و لا لذة شراب و لا لذة حور عين و إنما لذة النظر إلى الله في كماله و لذة تأمل الحق و الجمال و صورة الخير المطلق.
إنها لذة الجالس (( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ (55) )) [ القمر ]
و هي مرتبة المفضلين من الأنبياء و من في مقامهم.
و هكذا تشتمل الجنة على جميع الدرجات من المتع الحسية من مأكل و مشرب ارتفاعا حتى المتع الروحية الخالصة ينال كل منا ما تؤهله له رتبته.
كل هذه آيات كواشف ذات دلالة تدلنا على أن النار ليست هي نارنا و لا الجنة هي سوق الخضار و لا الله هو الباطش الإرهابي.
و إنما الله سوف يبعث كل واحد على رتبته و مقامه و درجته، لأن هذا عين العدل و هو العادل.
و إنما سوف يتأتى العذاب من تفاوت الرتب تفاوتا عظيما، ثم بالسقوط في تقييم أبدي لا مخرج منه يلزم صاحبه كما تلزم الإصبع بصمتها.
و هو عذاب أكيد و جحيم أكيد سوف نراه عيانا و يقينا:
و لأن الله يعلم أن هذا العذاب سوف يكون رهيبا.. فقد حذرنا و خوفنا بالألفاظ المجلجلة و أرسل لنا الأنبياء مبشرين منذرين مؤيدين بالمعجزات و الخوارق و الآيات و الكتب.. فعل ذلك رحمة منه و حنانا و عطفا.. و هو القائل في حديثه القدسي: (( سبقت رحمتي غضبي )).
و في سورة الفاتحة يصف نفسه أولا بأنه الرحمن الرحيم قبل أن يقول مالك يوم الدين.. و هو يوم الحساب.. يوم الغضب.. يوم يحق القول على العالمين بلا رجعة.
و لأنه رحيم فقد فتح باب التوبة و إصلاح الخطأ على مصراعيه.
و أمر بالصلاة.. ثم قال: (( وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ.. (45) )) [ العنكبوت ]
أن تتذكر أن هناك قوة إلهية و أن يشخص هذا المعنى في ذاكرتك و في أفعالك على الدوام.. ينجيك و يحقق لك شرط المؤمن و يكون أفضل من صلاة المصلي الذي ليس في قلبه ذكر.
و كلمة (( الذكر )) في القرآن كلمة عميقة المعنى و الدلالة. فالقرآن نفسه اسمه ذكر، و التدين و الإيمان هو مجرد تذكر:
إن أحدث النظريات النفسية تقول لنا: إن المعارف كلها تكون مخبوءة مكنوزة داخل نفس الإنسان و لكن تحجبها عنه غرائزه و شهواته.. و لهذا فالتعلم هو في حقيقته تذكر. بارتفاع حجب النفس و شفوفها.. و لا يكون تعلما من عدم.
فالطفل لا يتعلم أن ( 2 + 2 = 4 ) و إنما هو فقط يتذكر حقيقة باطنة في روحه، ولد بها.
و بالمثل الإحساس بالجمال و الطرب هو نوع من التذكر المبهم لعالم القدس و ما فيه.. عالم الملكوت الذي كنا فيه قبل النزول إلى الأرحام.
و لهذا السبب فإن جمال المرأة مثلا هو جمال زائر و ليس جمالا مقيما لأنه ليس جمالها هي.. و إنما هو ظل ينعكس عليها من الملكوت.. ثم ما يلبث أن يفارقها حينما يتغلب قانون المادة و الشيخوخة و التراب.
و الآية تروي ما كان في الغيب قبل الميلاد و قبل النزول إلى الدنيا.
و كل الخلائق مما خلق الله و يخلق و سيخلق مثل الذر في كفه ينظر إليهم و يشهدهم على أنفسهم.. ألست بربكم.. فيقولون بلى شهدنا.. و هو بهذا يأخذ عليهم ميثاقا غليظا لأنه يعلم أنه بعد الهبوط في الأرحام و انسدال حجاب اللحم الكثيف و نزول غشاوة الحواس و الشهوات و الغرائز و الأهواء أنهم سوف ينسون تماما.. و سوف يتخبطون في نكران وكفر و جهالة.
لأن اتصال الوجود الدنيوي بالتذكر بالوجود الملكوتي الأول ثم بالوجود الأخروي.. هو فطنة الإنسان إلى حياته بكاملها. و هي الحياة كل الحياة.
و الله ليس بحاجة إلى صلاتنا و لا إلى صيامنا و لكن نحن المحتاجون.. لعلنا في صلاتنا العميقة نتذكر و لعلنا بالعبادة و التوجه نتصل بنبع وجودنا.. و نستمد منه حياتنا.
إن الصلاة و العبادة استمداد. نحن الذين نحتاج إليها لتكون لنا حياة. و ليس الله.. لأن الله هو الحي بذاته المستغني بوجوده عن كل شيء.
أما نحن فلا يمكن أن تكون لنا حياة إلا بمدد منه.. من الله.. الحي الذي به الحياة.
و نفهم من هذا أن الله فرض الفروض ووضع شرائع العبادات من أجلنا و ليس من أجل أن يشعر بألوهيته. فهو في غنى عنا.. و في غنى عن أن يعذبنا.. و في غنى عن أن يطلب منا طلبا أو يفرض علينا فرضا.
و هو بالفعل لا يفرض علينا فرضا و لا يطالبنا بطلب و لا يقيم علينا عذابا، كل هذا يبدو من ظاهر العبارات فقط. أما باطن القرآن الذي يكشف نفسه لكل من جاهد في الفهم، إن الله هو الرحيم مطلق الرحمة، العادل مطلق العدل الذي يعطي مطلق العطاء و لا يأخذ شيئا و لا يحتاج لشيء.
و إذا كان في الدنيا ألوان من العذاب فهي من عيون رحمته.
إنها محاولات لإيقاظ العقل الغافل لعله يتذكر و يرجع و ينجو بنفسه من عذاب أكبر في الطريق. عذاب لن يكون منه مخرج و لا مهرب. حينما تحق على كل واحد رتبته و درجته.
و نفهم من القرآن أن سنة الله أن يوقظ الغافلين في الأرض فيبتليهم بكل صنوف البؤس و المرض و العذاب لعلهم يفطنون إلى ما في الدنيا من زوال و ما وراءها من حقيقة باقية.. يفعل هذا رحمة بهم و لأنه يعلم ما ينتظرهم من ناموس عادل لن يلطف بهم.. حتى إذا نفذت فيهم كل هذه الآلام الدنيوية و لم يتيقظوا.. فتح الله عليهم أبواب كنوزه ليتمتعوا.. و حقت عليهم كلمته بالهلاك في الآخرة.
فليس الخير الظاهر في الدنيا و النعمة الغامرة بعلامة رضا الله في جميع الأحوال.. و لا عذاب الدنيا و بلائها بعلامة غضب الله في كل حال.. فقد يكون الخير غضبا و قد يكون البلاء لطفا.. و لا يكشف لك عن الحقيقة إلا صوت ضميرك.. إذا رأيت البلاء يطهرك فهو نعمة.. و إذا رأيت النعمة تطغيك فهي غضب.
إن الله يعلم أنهم لو ردوا للدنيا لعادوا إلى كبريائهم.
إنه جهل و إصرار على الجهل لا وسيلة لعلاجه.. لا الأنبياء و لا المعجزات و لا الخوارق و الآيات.. و لا حتى مرورهم على الجحيم بكاف لردهم إلى معرفة.
و من هنا يبدو البقاء في الجحيم رحمة، فهو بالنسبة لبعض الجبارين الوسيلة الوحيدة إلى المعرفة و التقويم.
إن الله رحيم دائما حتى في جحيمه.. و لهذا سمى نفسه (( الرحمن )).. أي الرحيم مطلق الرحمة في جميع الأحوال لمن يستحق و من لا يستحق.. يرحم من يستحق بالجنة و يرحم من لا يستحق بالجحيم.. فالجحيم كما رأينا هو تعريف لمن لا يعرف و لمن فشلت معه كل وسائل التعريف فهو نوع من الرحمة.. و لهذا يقول في أجمل آياته:
و الحساب هنا يبدو أنه حساب النفس للنفس و تنكيل النفس بالنفس و مواجهة النفس للنفس.
لقد لزم كل واحد عمله كظله و لا خلاص.. و حق القول.. و نفذ العدل الأزلي.
و لكن هذه المعاني تضيع في النظرة المتعجلة و القراءة السطحية و الوقوف عند الحروف و عند جلجلة الألفاظ.
و الألفاظ التي وصف الله بها القيامة كلها ألفاظ رهيبة ذات جلجلة و صلصلة.. تقرع الآذان كالأجراس، فهي الساعة، و الواقعة، و القارعة، و الزلزلة، و الدمدمة، و الغاشية، و الراجفة، و الرادفة، و الزجرة، و السكرة، و الطامة، و الحاقة، و الصاخة.
هل سمعت لفظا اسمه (( الصاخة )) ؟!
إنه لفظ يخرق طبلة الأذن.. لأن الله علم أن الواحد منا في هذه الدنيا تتخطفه الشهوات و تبرق في عينيه المطامع فهو لا يعقل.. و هو أصم لا يسمع.
فهتف في أذنه بهذه الكلمة.. التي تكاد تخرق السمع من فرط ارتفاع ذبذبتها ليوقظه:
فعل هذا رحمة و لطفا و حنانا.. تعالى الله عن أن يعذبنا شهوة في عذاب.
و ما العذاب إلا لزوم ما يلزم و حلول الصفة بموصوفها و انتظام الأرواح في سلم درجاتها الحق و انسدال الستار على هذا العالم الذي يتبارى فيه الناس على نوال ما لا يستحقون.
و نعطي مثلا لهذا التفاوت في الرتب فيما يشعر به كل منا في حياته الخاصة.. من تفاوت المستويات التي يمكن أن يعيش فيها.. لا نقصد مستويات الدخل.. و إنما نقصد شيئا أعمق.. نقصد المستويات الوجودية ذاتها.
فالواحد منا يمكن أن يعيش على مستوى متطلبات جسده، كل همه أن يأكل و يشرب و يضاجع كالبهيمة.
و يمكن أن يسكت ذلك السعار الجسدي ليستسلم لسعار آخر هو سعار النفس بين غيرة و حسد و غضب و شماتة و رغبة في السيطرة و جوع للظهور و تعطش للشهرة و استئثار لأسباب القوة بتكديس الأموال و الممتلكات و تربص لاصطياد المناصب.
و أكثر الناس لا يرتفعون عن هذه الدرجة و يموتون عليها و لا يكون العقل عندهم إلا وسيلة احتيال لبلوغ هذه الاسباب.
و الحياة بالنسبة لهذه الكثرة من الناس غابة و الشعور الطبيعي هو العدوان و تنازع البقاء و الصراع.. و الهدف هو التهام كل ما يمكن التهامه و انتهاز ما يمكن انتهازه.. و الواحد منهم تجده يتأرجح كالبندول من لهيب رغبة إلى لهيب رغبة أخرى.. يسلمه مطمع إلى مطمع و هو في ضرام من هذه الرغبات لا ينتهي.
و هناك قلة قليلة تكتشف زيف هذه الحياة و تصحو على إدراك واضح بأن هذا اللون من الحياة عبودية لا حرية.. و أنها كانت حياة أشبه بالسخرة و الأشغال الشاقة خضوعا لغرائز همجية لا تشبع و أطماع لا مضمون لها و لا معنى و لا قيمة.. كلها إلى زوال.
فتبدأ هذه القلة القليلة في إسكات هذا الصوت و في تكبيل هذه النفس الهائجة، و قد اكتشفت أنها حجاب على الرؤية و تشويش على الفهم.
و هكذا ترتفع هذه القلة القليلة في الرتبة لتعيش بمنطق آخر.. هو أن تعطي لا أن تأخذ.. و تحب لا أن تكره.. و تصبح هموم هذه القلة هي إدراك الحقيقة.
و على هذه القلة تنزل سكينة القلب فيتذكر الواحد منهم ماضيه حينما كان عبدا لسعار نفسه و كأنه خارج من جحيم !
و مثل هؤلاء يموتون و قد انعتقوا من وهم النفس و الجسد و بلغوا خلاصهم الروحي و أيقنوا حقيقة ذواتهم كأرواح كانت تبتلى في تجربة.
و ما أشبه الجسد – في الرتبة – بالتراب.. و النفس بالنار و الروح بالنور و هي مجرد ألفاظ للتقريب.. و لكنها تكشف لنا أن حكاية الرتب هي حكاية حقيقية.. و أن كل من يموت على رتبة يبعث عليها و أن هذا هو عين العدل و ليس تجبرا.. و قد يكون العذاب فوق الوصف إذا تجردت النفوس من أجسادها الترابية و لم يبق منها إلا سعار خالص و جوع بحت و اضطرام مطلق برغبات لا ترتوي ثم عدوان بين نفوس شرسة لا هدنة بينها و لا سلام و لا مصالحة إلى الأبد.. على عكس أرواح تتعايش في محبة و تتأمل الحق في عالم ملكوتي.
أكاد أجزم بأن ألفاظ القرآن بما فيها من جلجلة و صلصلة حينما تصف الجحيم إنما هي نذير حقيقي بعذاب فوق التصور و سوف نعذبه لأنفسنا بأنفسنا عدلا و صدقا على رتبة استحقها كل منا بعمله.. و أكاد أضع يدي على الحقيقة.. لا ريب فيها.
تعالى الله عن أن يعذبنا شهوة في عذاب.. و هو الحق العدل الحكم.
و في أخبار داود أن الله قال له:
(( يا داود أبلغ أهل أرضي أني حبيب لمن أحبني و جليس لمن جالسني و صاحب لمن صاحبني و مختار لمن اختارني.. و مطيع لمن أطاعني.. من طلبني بالحق وجدني و من طلب غيري لم يجدني )).
أنعم به من رب رحيم.. و تقدس و تعالى عن الظلم و العدوان.
~~. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ كان من أسباب انصرافي عن القرآن في شبابي ما قرأته عن أنهار العسل و أنهار الخمر في الجنة.. و أنا لا أحب العسل و لا أحب الخمر.. فاعتبرت هذه سذاجات و انسحب حكمي على القرآن ثم على الدين كله.
و الساذج في واقع الأمر.. لم يكن إلا أنا.
فأنا لم أحاول أن أتفهم النص القرآني و لا أن أعكف حتى على ظاهر عبارته فما بال باطنها.. و كنت في عجلة من أمري.. و كان الانصراف غايتي و شهوتي.. و غطت هذه الشهوة على كل شيء فضاعت معالم الحقيقة من أمامي.. و فاتتني أمور كانت شديدة الوضوح.
و الآية تبدأ بأنها ضرب مثل. ((مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ.. )) و ليست إيرادا لأوصاف حرفية. فهذا أمر مستحيل لأن الجنة و الجحيم أمور غيبية بالنسبة لنا لا يمكن تصويرها في كلمات من قاموسنا.
تماما كما يسألك الطفل عن اللذة الجنسية.. فتحتار كيف تصفها له فهي بالنسبة له غيب خارج عن حدود خبراته تماما. و بعد أن تعجز عن توصيل المعنى إليه تقول على سبيل ضرب المثل و على سبيل التقريب.. إنها شيء مثل السكر.
لقد اخترت له شيئا من خبراته اليومية.
و مع ذلك فما أبعد المعنى.
و ما أبعد الفارق بين اللذة الجنسية و بين طعم السكر العادي المبتذل.
و بالمثل كان موقف القرآن في مخاطبة البدوي البسيط.
و كل أمنية البدوي الذي يعيش في هجير الصحراء أن يعثر على نبع ماء عذب. فكل ما يجد من مياه ما هي إلا ينابيع مالحة آسنة.
و كذلك اللبن.. فما أسرع ما يختمرو يتغير طعمه في حر الصحارى.. فيضرب له القرآن المثل من أعز ما يتمنى.
ها هو ذا يبين لنا حقيقة جديدة.. فيقول إنه يورد الألفاظ للتخويف. و لكنه ليس تخويفا على غير أساس.
إنه مثل تخويفك لابنك حين تحذره من إهمال نظافة أسنانه و تقول له: إذا لم تنظف أسنانك بالفرشاة فإن السوس سوف يأكل أسنانك.. تقول ذلك محبة منك و رحمة لطفلك.
و بالطبع.. السوس لن يأكل أسنانه.. إنما هي ميكروبات و فيروسات غير مرئية.
و لكن التخويف كان على أساس.. لأن ما سوف يحدث له إذا أهمل نظافة أسنانه سيكون ألعن من أكل السوس.
و من جرب الآلام الرهيبة لضرس مسوس.. يعرف أنها أسوأ من كل ما سمع من تحذيرات.
إنه تخويف العزيز الرحيم من شيء سوف يحدث بالفعل و سيكون أسوأ من جميع ما قيل و كتب.. مما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.
إن العذاب حق.. و الثواب حق.
و هنا يعترض معترض.
ألا يتنافى مع رحمة الله و مع عظمته أن يعذب.. و يعذب من !.. إنسانا مسكينا لا يساوي ذرة أو هباء في مملكة الله اللانهائية.
و هو اعتراض كان يشغلني دائما و كان يصرفني دائما عن قبول فكرة العذاب و بالتالي عن القرآن و عن الدين كله.
و السؤال يحتاج منا إلى أن نتعمق في معنى كلمة عذاب.
و الله بالفعل لا يعذب.
إنما هو فقط يعدل.
و لو أنه ساوى في آخرته بين ظالم و مظلوم.. و بين قتيل و القاتل الذي قتله.. لو أنه فعل ذلك بحجة الرحمة لكان أبعد ما يمكن عن الرحمة.. و عن العدل.. فالمساواة بين غير المتساويين ظلم فادح.. تعالى الله عن أن يقع فيه.
ثم هي الفوضى أن يكون الأبيض في عين الله كالأسود، و الأعمى كالبصير، و الميت كالحي، و الذي يسمع كمن لا يسمع.
و الكون ينفي الفوضى.
تأمل كل جزئية في الكون تكشف لك عن النظام المحكم و القانون الذي لا يفوته واحد من ألف من المليجرام.
و حركة إليكترون من مدار إلى مدار في داخل الذرة لا تتم إلا بحساب، فهو لا بد أن يعطي حزمة من الطاقة ليقفز إلى الخارج قفزة مساوية، و لا بد له أن يمتص حزمة أخرى ليقفز إلى الداخل قفزة مساوية.. إنه محاسب في حركاته.. و هو إليكترون.. فما بال الإنسان العاقل و هو بالنسبة للإليكترون كالمجرة و الفلك بالنسبة للإنسان.. و قد نفخ الله فيه من روحه فهو شيء عظيم.. و ليس في هوان الذرة و لا الإليكترون.
ثم ما معنى أن يموت مظلوما و ظالما فيصبح ترابا بلا بعث و يذهب ما حصله من خير و شر و علم و حكمة سدى.
مستحيل أن ينتهي كل هذا إلى باطل.. لا بد أن هناك استمرار بطريقة ما.. و لا بد أن يتضح لنا الحكمة من كل هذا في ميقاتها.
إتها قضية عدالة و قضية منطق و ليست قضية تعذيب لهدف التعذيب، و الذي سوف يحدث لنا بعد البعث هو أن كل واحد ستلازمه رتبته و درجته التي حصلها في الدنيا لا أكثر.
الله يعتبر الخزي في هذه الآية أشد من النار إيلاما.
و كما يصف الإنجيل هذا العالم الآخر (( عالم البكاء و صرير الأسنان )). المجرم فيه يصر على أسنانه ندما على ما يرى من هوان شأنه أمام الدرجات العالية التي أصابها الآخرون. و يصف القرآن أهل الجنة في تلك الدرجات بأنهم المقربون. المقربون من الله.. من الحق.
إنها إذن مسألة مقامات. كل واحد يبعث على رتبته و مقامه.
الله لا يعذب للعذاب.
و إنما يأتي العذاب و احتراق الصدر من إحساس من هم في أسافل الدرجات بالغيرة و الحسد و الهوان و الخسران الأبدي الذي لا مخرج منه.. و سوف يحرق هذا الإحساس الصدور كما تحرقها النار و أكثر.. و سوف يكون هو النكال و التنكيل.. ينكل الواحد منا بنفسه بالدرجة التي وضع نفسه فيها و التي انحدر إليها بأعماله في الدنيا.
و مما يدل على أن النار في الآخرة هي غير ما نعرف من نارنا هذه الآيات من سورة الأعراف:
إنه حوار و مكالمة في النار تجرى بين المعذبين.. و في مثل نارنا لا يمكن أن يجرى حوار بين اثنين يحترقان.
و المعنى الثاني العميق في الآية (( لكل ضعف و لكن لا تعلمون )).
إن أمامنا اثنين يتعذب الواحد منهما ضعف الآخر مع أنهما في المكان نفسه، و معنى هذا أن العذاب في الشخص و ليس في المكان ذاته.. و هذا لا ينفي أن يكون العذاب المذكور حسيا، بل إنه من الممكن أن يكون معنويا و حسيا في نفس الوقت ( كما يحدث أن يتعرض اثنان للحر اللافح فيصاب أحدهما بالصداع على حين يتحمل الآخر بسبب اختلاف درجات اللياقة عند الإثنين ) و الصداع ألم حسي و معنوي.
و لا ينفي أن يكون نارا و لكنها نار غير ما نعرف من نارنا.
و يروي القرآن عن أهل الجنة و كيف أنهم يتذكرون و هم يأكلون فاكهة الجنة أنهم قد رزقوا أنواع هذه الفاكهة حينما كانوا على الأرض ( مع الفارق في الجودة ).
و كيف أن لهم زوجات في الجنة و لكنهن زوجات مطهرات ( لسن كزوجات الأرض يعانين الحيض و المخاض شكسات غيورات متسلطات ).
و الجنة بهذه الصورة هي درجة و مقام.. فيها كل ما نعرف على الأرض و لكن مع تفاوت هائل في الرتبة.. تفاوت يفوق التصور.. تفاوت مثل التفاوت بين الزمن و الأبد و مثل التفاوت الذي ذكرناه بين طعم قطعة السكر و طعم اللذة الجنسية الحادة بالنسبة لبالغ.
و إذا ذكر العسل في مثل هذه الجنة فهو عسل و لكم لا كما نعرف من عسل، و اللبن هو اللبن و لكن لا كما نعرف من لبن، و النساء لا كما نعرف من نساء.
إنها ستكون أشياء مدهشة كالغيب بالنسبة لما نعلم.. يقول الشاعر عن امرأة يحبها إن جسمها يضيء كأنها صيغت من النور.. إنها أحلام يمكن أن تكون هناك حقائق.
و بالمثل ما يروي القرآن عن النار.. فهي نار لا كما نعرف من نار.. نار تنبت فيها شجرة لها ثمر ( شجرة الزقوم ).. و فيها ماء حميم يشربه أهلها.. و المعذبون فيها يتكلمون و يتحاورون فأجسادهم لا يمكن أن تكون لها نفس كيمياء الأجساد كما نعلمها و إلا لتبخرت دخانا في لحظات و لما استطاعوا أن يتبادلوا كلمة.
و معنى هذا أننا سوف نبعث أجسادا و لكن لا كالأجساد.. ربما كيانات لها ذات الهيئة و الصورة و لكن من مادة مختلفة هي بالنسبة لنا غيب.. إنها لن تكون الأجساد الترابية التي نتكون منها الآن في حياتنا الأرضية.
و لهذا يمكن أن تتضاعف المتع حسيا و معنويا بطريقة نجهلها.
كما تتضاعف درجات العذاب حسيا و معنويا عما نعلم و كما يتوزع الناس مراتب و درجات بحسب لياقتهم.. تكون لكل مرتبة مواصفاتها الحياتية التي تكفل لمن فيها حظوظا من السعادة أو الشقاء كل حسب قدره، و أتصور أن أعلى الناس قدرا في الجنة هم الذين سيرتفعون عن متع الحواس و جنة الحواس و يختار لهم الرحمن درجة الحياة الروحية الخالصة إلى جواره في سدرة المنتهى، حيث لا تكون اللذة هي لذة طعام و لا لذة شراب و لا لذة حور عين و إنما لذة النظر إلى الله في كماله و لذة تأمل الحق و الجمال و صورة الخير المطلق.
إنها لذة الجالس (( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ (55) )) [ القمر ]
و هي مرتبة المفضلين من الأنبياء و من في مقامهم.
و هكذا تشتمل الجنة على جميع الدرجات من المتع الحسية من مأكل و مشرب ارتفاعا حتى المتع الروحية الخالصة ينال كل منا ما تؤهله له رتبته.
كل هذه آيات كواشف ذات دلالة تدلنا على أن النار ليست هي نارنا و لا الجنة هي سوق الخضار و لا الله هو الباطش الإرهابي.
و إنما الله سوف يبعث كل واحد على رتبته و مقامه و درجته، لأن هذا عين العدل و هو العادل.
و إنما سوف يتأتى العذاب من تفاوت الرتب تفاوتا عظيما، ثم بالسقوط في تقييم أبدي لا مخرج منه يلزم صاحبه كما تلزم الإصبع بصمتها.
و هو عذاب أكيد و جحيم أكيد سوف نراه عيانا و يقينا:
و لأن الله يعلم أن هذا العذاب سوف يكون رهيبا.. فقد حذرنا و خوفنا بالألفاظ المجلجلة و أرسل لنا الأنبياء مبشرين منذرين مؤيدين بالمعجزات و الخوارق و الآيات و الكتب.. فعل ذلك رحمة منه و حنانا و عطفا.. و هو القائل في حديثه القدسي: (( سبقت رحمتي غضبي )).
و في سورة الفاتحة يصف نفسه أولا بأنه الرحمن الرحيم قبل أن يقول مالك يوم الدين.. و هو يوم الحساب.. يوم الغضب.. يوم يحق القول على العالمين بلا رجعة.
و لأنه رحيم فقد فتح باب التوبة و إصلاح الخطأ على مصراعيه.
و أمر بالصلاة.. ثم قال: (( وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ.. (45) )) [ العنكبوت ]
أن تتذكر أن هناك قوة إلهية و أن يشخص هذا المعنى في ذاكرتك و في أفعالك على الدوام.. ينجيك و يحقق لك شرط المؤمن و يكون أفضل من صلاة المصلي الذي ليس في قلبه ذكر.
و كلمة (( الذكر )) في القرآن كلمة عميقة المعنى و الدلالة. فالقرآن نفسه اسمه ذكر، و التدين و الإيمان هو مجرد تذكر:
إن أحدث النظريات النفسية تقول لنا: إن المعارف كلها تكون مخبوءة مكنوزة داخل نفس الإنسان و لكن تحجبها عنه غرائزه و شهواته.. و لهذا فالتعلم هو في حقيقته تذكر. بارتفاع حجب النفس و شفوفها.. و لا يكون تعلما من عدم.
فالطفل لا يتعلم أن ( 2 + 2 = 4 ) و إنما هو فقط يتذكر حقيقة باطنة في روحه، ولد بها.
و بالمثل الإحساس بالجمال و الطرب هو نوع من التذكر المبهم لعالم القدس و ما فيه.. عالم الملكوت الذي كنا فيه قبل النزول إلى الأرحام.
و لهذا السبب فإن جمال المرأة مثلا هو جمال زائر و ليس جمالا مقيما لأنه ليس جمالها هي.. و إنما هو ظل ينعكس عليها من الملكوت.. ثم ما يلبث أن يفارقها حينما يتغلب قانون المادة و الشيخوخة و التراب.
و الآية تروي ما كان في الغيب قبل الميلاد و قبل النزول إلى الدنيا.
و كل الخلائق مما خلق الله و يخلق و سيخلق مثل الذر في كفه ينظر إليهم و يشهدهم على أنفسهم.. ألست بربكم.. فيقولون بلى شهدنا.. و هو بهذا يأخذ عليهم ميثاقا غليظا لأنه يعلم أنه بعد الهبوط في الأرحام و انسدال حجاب اللحم الكثيف و نزول غشاوة الحواس و الشهوات و الغرائز و الأهواء أنهم سوف ينسون تماما.. و سوف يتخبطون في نكران وكفر و جهالة.
لأن اتصال الوجود الدنيوي بالتذكر بالوجود الملكوتي الأول ثم بالوجود الأخروي.. هو فطنة الإنسان إلى حياته بكاملها. و هي الحياة كل الحياة.
و الله ليس بحاجة إلى صلاتنا و لا إلى صيامنا و لكن نحن المحتاجون.. لعلنا في صلاتنا العميقة نتذكر و لعلنا بالعبادة و التوجه نتصل بنبع وجودنا.. و نستمد منه حياتنا.
إن الصلاة و العبادة استمداد. نحن الذين نحتاج إليها لتكون لنا حياة. و ليس الله.. لأن الله هو الحي بذاته المستغني بوجوده عن كل شيء.
أما نحن فلا يمكن أن تكون لنا حياة إلا بمدد منه.. من الله.. الحي الذي به الحياة.
و نفهم من هذا أن الله فرض الفروض ووضع شرائع العبادات من أجلنا و ليس من أجل أن يشعر بألوهيته. فهو في غنى عنا.. و في غنى عن أن يعذبنا.. و في غنى عن أن يطلب منا طلبا أو يفرض علينا فرضا.
و هو بالفعل لا يفرض علينا فرضا و لا يطالبنا بطلب و لا يقيم علينا عذابا، كل هذا يبدو من ظاهر العبارات فقط. أما باطن القرآن الذي يكشف نفسه لكل من جاهد في الفهم، إن الله هو الرحيم مطلق الرحمة، العادل مطلق العدل الذي يعطي مطلق العطاء و لا يأخذ شيئا و لا يحتاج لشيء.
و إذا كان في الدنيا ألوان من العذاب فهي من عيون رحمته.
إنها محاولات لإيقاظ العقل الغافل لعله يتذكر و يرجع و ينجو بنفسه من عذاب أكبر في الطريق. عذاب لن يكون منه مخرج و لا مهرب. حينما تحق على كل واحد رتبته و درجته.
و نفهم من القرآن أن سنة الله أن يوقظ الغافلين في الأرض فيبتليهم بكل صنوف البؤس و المرض و العذاب لعلهم يفطنون إلى ما في الدنيا من زوال و ما وراءها من حقيقة باقية.. يفعل هذا رحمة بهم و لأنه يعلم ما ينتظرهم من ناموس عادل لن يلطف بهم.. حتى إذا نفذت فيهم كل هذه الآلام الدنيوية و لم يتيقظوا.. فتح الله عليهم أبواب كنوزه ليتمتعوا.. و حقت عليهم كلمته بالهلاك في الآخرة.
فليس الخير الظاهر في الدنيا و النعمة الغامرة بعلامة رضا الله في جميع الأحوال.. و لا عذاب الدنيا و بلائها بعلامة غضب الله في كل حال.. فقد يكون الخير غضبا و قد يكون البلاء لطفا.. و لا يكشف لك عن الحقيقة إلا صوت ضميرك.. إذا رأيت البلاء يطهرك فهو نعمة.. و إذا رأيت النعمة تطغيك فهي غضب.
إن الله يعلم أنهم لو ردوا للدنيا لعادوا إلى كبريائهم.
إنه جهل و إصرار على الجهل لا وسيلة لعلاجه.. لا الأنبياء و لا المعجزات و لا الخوارق و الآيات.. و لا حتى مرورهم على الجحيم بكاف لردهم إلى معرفة.
و من هنا يبدو البقاء في الجحيم رحمة، فهو بالنسبة لبعض الجبارين الوسيلة الوحيدة إلى المعرفة و التقويم.
إن الله رحيم دائما حتى في جحيمه.. و لهذا سمى نفسه (( الرحمن )).. أي الرحيم مطلق الرحمة في جميع الأحوال لمن يستحق و من لا يستحق.. يرحم من يستحق بالجنة و يرحم من لا يستحق بالجحيم.. فالجحيم كما رأينا هو تعريف لمن لا يعرف و لمن فشلت معه كل وسائل التعريف فهو نوع من الرحمة.. و لهذا يقول في أجمل آياته:
و الحساب هنا يبدو أنه حساب النفس للنفس و تنكيل النفس بالنفس و مواجهة النفس للنفس.
لقد لزم كل واحد عمله كظله و لا خلاص.. و حق القول.. و نفذ العدل الأزلي.
و لكن هذه المعاني تضيع في النظرة المتعجلة و القراءة السطحية و الوقوف عند الحروف و عند جلجلة الألفاظ.
و الألفاظ التي وصف الله بها القيامة كلها ألفاظ رهيبة ذات جلجلة و صلصلة.. تقرع الآذان كالأجراس، فهي الساعة، و الواقعة، و القارعة، و الزلزلة، و الدمدمة، و الغاشية، و الراجفة، و الرادفة، و الزجرة، و السكرة، و الطامة، و الحاقة، و الصاخة.
هل سمعت لفظا اسمه (( الصاخة )) ؟!
إنه لفظ يخرق طبلة الأذن.. لأن الله علم أن الواحد منا في هذه الدنيا تتخطفه الشهوات و تبرق في عينيه المطامع فهو لا يعقل.. و هو أصم لا يسمع.
فهتف في أذنه بهذه الكلمة.. التي تكاد تخرق السمع من فرط ارتفاع ذبذبتها ليوقظه:
فعل هذا رحمة و لطفا و حنانا.. تعالى الله عن أن يعذبنا شهوة في عذاب.
و ما العذاب إلا لزوم ما يلزم و حلول الصفة بموصوفها و انتظام الأرواح في سلم درجاتها الحق و انسدال الستار على هذا العالم الذي يتبارى فيه الناس على نوال ما لا يستحقون.
و نعطي مثلا لهذا التفاوت في الرتب فيما يشعر به كل منا في حياته الخاصة.. من تفاوت المستويات التي يمكن أن يعيش فيها.. لا نقصد مستويات الدخل.. و إنما نقصد شيئا أعمق.. نقصد المستويات الوجودية ذاتها.
فالواحد منا يمكن أن يعيش على مستوى متطلبات جسده، كل همه أن يأكل و يشرب و يضاجع كالبهيمة.
و يمكن أن يسكت ذلك السعار الجسدي ليستسلم لسعار آخر هو سعار النفس بين غيرة و حسد و غضب و شماتة و رغبة في السيطرة و جوع للظهور و تعطش للشهرة و استئثار لأسباب القوة بتكديس الأموال و الممتلكات و تربص لاصطياد المناصب.
و أكثر الناس لا يرتفعون عن هذه الدرجة و يموتون عليها و لا يكون العقل عندهم إلا وسيلة احتيال لبلوغ هذه الاسباب.
و الحياة بالنسبة لهذه الكثرة من الناس غابة و الشعور الطبيعي هو العدوان و تنازع البقاء و الصراع.. و الهدف هو التهام كل ما يمكن التهامه و انتهاز ما يمكن انتهازه.. و الواحد منهم تجده يتأرجح كالبندول من لهيب رغبة إلى لهيب رغبة أخرى.. يسلمه مطمع إلى مطمع و هو في ضرام من هذه الرغبات لا ينتهي.
و هناك قلة قليلة تكتشف زيف هذه الحياة و تصحو على إدراك واضح بأن هذا اللون من الحياة عبودية لا حرية.. و أنها كانت حياة أشبه بالسخرة و الأشغال الشاقة خضوعا لغرائز همجية لا تشبع و أطماع لا مضمون لها و لا معنى و لا قيمة.. كلها إلى زوال.
فتبدأ هذه القلة القليلة في إسكات هذا الصوت و في تكبيل هذه النفس الهائجة، و قد اكتشفت أنها حجاب على الرؤية و تشويش على الفهم.
و هكذا ترتفع هذه القلة القليلة في الرتبة لتعيش بمنطق آخر.. هو أن تعطي لا أن تأخذ.. و تحب لا أن تكره.. و تصبح هموم هذه القلة هي إدراك الحقيقة.
و على هذه القلة تنزل سكينة القلب فيتذكر الواحد منهم ماضيه حينما كان عبدا لسعار نفسه و كأنه خارج من جحيم !
و مثل هؤلاء يموتون و قد انعتقوا من وهم النفس و الجسد و بلغوا خلاصهم الروحي و أيقنوا حقيقة ذواتهم كأرواح كانت تبتلى في تجربة.
و ما أشبه الجسد – في الرتبة – بالتراب.. و النفس بالنار و الروح بالنور و هي مجرد ألفاظ للتقريب.. و لكنها تكشف لنا أن حكاية الرتب هي حكاية حقيقية.. و أن كل من يموت على رتبة يبعث عليها و أن هذا هو عين العدل و ليس تجبرا.. و قد يكون العذاب فوق الوصف إذا تجردت النفوس من أجسادها الترابية و لم يبق منها إلا سعار خالص و جوع بحت و اضطرام مطلق برغبات لا ترتوي ثم عدوان بين نفوس شرسة لا هدنة بينها و لا سلام و لا مصالحة إلى الأبد.. على عكس أرواح تتعايش في محبة و تتأمل الحق في عالم ملكوتي.
أكاد أجزم بأن ألفاظ القرآن بما فيها من جلجلة و صلصلة حينما تصف الجحيم إنما هي نذير حقيقي بعذاب فوق التصور و سوف نعذبه لأنفسنا بأنفسنا عدلا و صدقا على رتبة استحقها كل منا بعمله.. و أكاد أضع يدي على الحقيقة.. لا ريب فيها.
تعالى الله عن أن يعذبنا شهوة في عذاب.. و هو الحق العدل الحكم.
و في أخبار داود أن الله قال له:
(( يا داود أبلغ أهل أرضي أني حبيب لمن أحبني و جليس لمن جالسني و صاحب لمن صاحبني و مختار لمن اختارني.. و مطيع لمن أطاعني.. من طلبني بالحق وجدني و من طلب غيري لم يجدني )).
أنعم به من رب رحيم.. و تقدس و تعالى عن الظلم و العدوان.
❞ القانون 5: يتوقف الكثير على سمعتك، فحافظ عليها بحياتك
الحكم: السمعة هي حجر أساس السلطة. و عن طريق السمعة و حدها تستطيع أن ترهب و تفوز، غير أنك إذا انزلقت فستصبح مكشوفا و عرضة للهجوم من كل جانب.
فاجعل سمعتك منيعة تستعصي على الهجوم. و كن يقظا على الدوام إزاء الهجمات المحتملة، و أحبطها قبل وقوعها. وفي غضون ذلك، تعلم كيف تدمر أعداءك بفتح ثغرات في سمعاتهم ثم قف جانبا و اترك الرأي العام يشنقهم. ❝ ⏤روبرت جرين
❞ القانون 5: يتوقف الكثير على سمعتك، فحافظ عليها بحياتك
الحكم: السمعة هي حجر أساس السلطة. و عن طريق السمعة و حدها تستطيع أن ترهب و تفوز، غير أنك إذا انزلقت فستصبح مكشوفا و عرضة للهجوم من كل جانب.
فاجعل سمعتك منيعة تستعصي على الهجوم. و كن يقظا على الدوام إزاء الهجمات المحتملة، و أحبطها قبل وقوعها. وفي غضون ذلك، تعلم كيف تدمر أعداءك بفتح ثغرات في سمعاتهم ثم قف جانبا و اترك الرأي العام يشنقهم . ❝