❞ حيــاة الأعـزب . . .
الجمعة :
أنا حاكم لا شريك له على بيت أنيق ..
ليس لي ثانٍ في دولتي الصغيرة الجميلة . أستطيع أن أصحى متى شئت .. و أنام متى شئت .. و أخلع ثيابي .. و أغني .. و أُطرقع مفاصلي .. و أشرب الماء أو العرقسوس أو الويسكي كما يحلو لي ...
ليس على أكتافي شئ سوى رأسي ... لا مسئوليات .. لا هموم .. لا مطالب .. لا واجبات .. فأنا أعزب .. كلمة جميلة حلوة .. هذه الكلمة .. أعزب ..
لقد تذكرتها و أنا أحلق ذقني .. و أنظر إلى وجهي في المرآة .
فصفرت بفمي نشيد المارسيليز إحتفالا بالحرية المطلقة التي أعيش فيها .. و الإمبراطورية الواسعة التي أحكمها .. و التي تتألف من ثلاث غرف و صالة و حمام أنيق بالقيشاني ..
سوف أنام الليلة ملء أجفاني .. تحلم بي كل عانس و يحسدني كل زوج .. و تجعل مني بنات السادسة عشرة محوراً لمغامراتهن .. و يحمل همي الخادم و البواب و الجيران .. و لا أحمل أنا سوى إبتسامة و اسعة ساخرة معها آخر نكتة من نكت الموسم ..
يقولون إن حياة الأعزب تعاسة .. و وِحدة و فراغ .. و فشل .. و هذه خرافة خلقها الأزواج لأنهم فشلوا في أن يكونوا عُزاباً ناجحين .
و مثلها .. حكاية البيت الدافئ .. و الأولاد الذين يمدون بقاء الزوج على الأرض .. و الزوجة التي تضئ ظلام الوحدة مثل القنديل . و حديث آخر الليل الذي يتقاسم فيه الزوجان المسرات و الهموم ..
كل هذه إعلانات مثل الإعلانات التي تروج بيع الصابون و ملح كروشن و الأسبرو .
أما الواقع فهو شئ آخر غير هذه الإعلانات .. فالبيت قد لا يدخله الدفء بالمرة .. و الإبن قد لا يمد أجل أبيه .. و ربما أخذ أجله .. و الزوجة قد تكون نكداً .. و حديث آخر الليل غالبا ما تحول إلى مراجعة للحسابات تنتهي بخناقة و بأن يعطي كل واحد ظهره لصاحبه و وجهه للحائط ..
خذوا الحكمة من أفواه المتزوجين .
إن من عادتي أن أترك ملعب الزوجية ينزل فيه أصدقائي .. و أكتفي بالتهليل على كل هدف يصيبه أي واحد من الاثنين ..
و مازلت أشكر الله على هذه النصاحة . و أشعر بالتلذذ و أنا أتأمل وجهي في المرآة .. و أجر عليه الموس و أحلقه بعناية قطعة قطعة .. و أبحث عن ينابيع النصاحة في عيني . و أصفر بصوت مرح يخرج من نافوخي .. و أقول أنا حر .. أنا أعزب ..
السبت :
دفتر يومياتي يقول إني محجوز على الغذاء و العشاء لمدة أسبوع مقدما ..
إني على حق في إلغاء المطبخ من شقتي .. فما الداعي للمطبخ ما دمت أتغذى في أقرب مطعم و أتعشى عند أقرب صديق .. و أغسل ثيابي عند أقرب مكوجي .. و أعود للبيت لأنام ..
لقد قالت لي صديقتي اليوم :
ــ أنت رجل مضيع للوقت .. أنت موزع على طول الشارع الذي تسكن فيه بين البقالين و الحلاقين و المكوجية و المطاعم و المخابز ..
إن بيتك ليس بيتاً .. إنه مجرد سرير سفاري .. جراج .. خيمة كشافة .. تتزود بالتموين من كل رصيف ..
أنت متشرد ..
و فهمت من كلامها أن تُلمِح لي بالزواج بأسلوب ماكر مهذب .. فقلت لها بهدوء :
_ أنا رجل عصري . لا أضع ثروتي في البيت تحت البلاطة .. و إنما أساهم بها في كل البنوك .. أيكون هذا تضييعاً لي .. !
فقالت في غيظ :
ــ و تساهم بحبك في كل القلوب .. أليس كذلك .. إنك تحاول أن تضمن الواحدة بعقد علاقة مع أخرى .. و لكنك تخسر الإثنين ، لإنك تخسر الثقة .. إن كل شئ في حياتك لا يبعث على الثقة .. و أنت نفسك لا تثق بنفسك ..
و دمعت عيناها .. و أردفت في يأس :
ــ إنك تجعل الإخلاص مستحيلاً .. ثم تبكي لأنك لا تجد الإخلاص .. ألست رجلاً مغفلاً ..
فقلت في ضيق :
_ إن الإخلاص يولد من نفسه و لا يولد بالحقن و المواثيق .. أنا رجل واقعي لا أطلب من الطبيعة البشرية أكثر مما تستطيع أن تعطيه ..
ــ إن الغلب عندك طبيعة .. أنت غلبان .
و شعرت بالغيظ .. ربما لأني غلبان فعلاً .. و لكني لم أجب بكلمة .. و قالت هي بعد فترة :
_ أريد أن أعرف .. ماذا تريد من وراء هذا كله .. في مقابل أي شئ تعيش هذه الحياة ؟
و أجبت في يقين :
_ أريد أن أحتفظ بحريتي ..
_ بالضبط تريد أن تحتفظ بحريتك .. مجرد إحتفاظ .. لأنك لا تفعل بها شيئــاً .
و رفعت صوت الراديو ليغطي على صوتها .. و فاض بي الضيق .
إن المرأة تفقد نصف جمالها حين تلمح بالزواج .. و تفقد النصف الآخر حينما تتحدث عن الفلسفة و المنطق .. و خصوصاً إذا كان كلامها في محله ..
الأحد :
تيقظت متأخراً هذا الصباح .. و فتحت نصف عين على شعاع الشمس الذي يداعب وسادتي .. ثم عدت فأغلقتهما .. و بدأت أفكر من حيث انتهينا في الليلة الماضية .
ماذا أريد من هذا كله ؟
حريتي ..
و ماذا أفعل بحريتي ..
إني أرفض إختيار طريق لأنه يقيدني .. و أفضل البقاء في مفترق الطرق .. أعاني الحرية و لا أمارسها .
أهو احساس بالمسئولية .. أم جبن .. أم تغفيل ..إني دائماً أكتشف أني مثالي من حيث أظن أني واقعي .
إن الواقعية لا تقف في مفترق الطرق أبداً ..
الواقعية لا تعلق إمكانياتها .. و إنما تثب و تعمل ..
و أنا أعلق كل شئ على مشجب ..
و رفعت السماعة لأطلب صديقتي ..فقالت لي إنها خطبت إلى إبن عمها .. و تمنت لي أياما طيبة ..
و وضعت السماعة في سكون .. و تلفَتَّ حولي .. و لأول مرة إكتشفت أن في شقتي صراصير .. و أن العنكبوت يتدلى من جدرانها ..
و تذكرت أن المكوجي قد أخذ كل القمصان للغسيل و لم يحضرها و أن كل الصحون قذرة .. و أحسست أني أكسل من أن أنظف صحناً .. فأرسلت البواب ليشتري لي صحناً جديداً ..
ثم زعقت عليه بعد قفز بضع درجات على السلم ..
_ إستنى عندك .. خد اشتري لي قميص كمان علشان ما عنديش قمصان ..
و أغلقت الباب .. و عدت أتمشى في الصالة .. ثم بدأت أدير البيك آب .. و وضعت أسطوانتي المحببة .
و وقفت في النافذة .. و لكن البيك آب ظل يخشخش ..
و اكتشفت بعد مدة أن طبقات من التراب واقفة في حلقه ..
و لا أدري لماذا تذكرت حكاية الإمبراطورية الواسعة التي أحكمها في تلك اللحظة .. و أحسست أني إمبراطور فعلاً . و لكن إمبراطور على خرابة .
الإثنين :
ذهبت في زيارة فرج .. و هو صديق قديم أعرفه من عشرين عاماً .. و وجدته يدخن الجوزة وسط أولاده الخمسة .. و كان أكبر أولاده يمص عوداً من القصب و يضع المصاصة في طربوشه .. و أصغرهم يقف وسط الغرفة بالفانلة و اللباس .. يلوح بذراعيه الرفيعتين ..
و كانت نونا الصغيرة تخرج لسانها .. ثم تقفز على الكراسي و تؤذن .
و كان فرج وسط هذه الهوسة يضحك و يكركر بقلب طليق و بين حين و آخر يفرغ الطربوش من مصاصة القصب في صينية على الأرض قائلاً في حنان :
_ بقه كده يا ولد يا تنتون .. تحط الزبالة في طربوش أبوك ثم يضحك ..
_ عفاريت الولاد دول .. عفاريت ..
و طول الزيارة كنت أفكر في سؤال واحد .
كيف أضيق بهذا الصراخ و لا أكاد أحتمله دقيقة واحدة .. و كيف إحتمله فرج عشر سنوات .. و هو يضحك .
أهناك سر بين الأب و أولاده .. يجعل كل شئ محتملاً ..
سر لا يفهمه الأعزب ..
ربما .. أنا لم أجرب على كل حال .
الخميس :
بعد ليلة حمراء .. جسمي مثل مدينة اكتسحها زلزال .. أعضائي تهدمت .. عظامي مثل أعمدة معبد .. إنهارت .. و انهار فوقها السقف .
إني أسأل نفسي .. أهذه هي اللذة .. أهذه هي السعادة التي يتزوج من أجلها الناس ؟
مجانين ..
إني لا أجد فيها سبباً أتزوج من أجله .
إنها مجرد رغبة حمقاء .. لا شأن لي بها .. الطبيعة تدفعني إليها و تشوقني و ترغمني .. فأسعى إليها كما يسعى النمل .. و أمارسها في غباء ثم أفيق على لا شئ .. و لا تبقي من النار الموقدة إلا مجاملات فاترة ..
خمس دقائق فقط ..
كيف أتزوج من أجل خمس دقائق ..
السبت :
سألت نفسي .. ما هو الحب .. و بعد تفكير طويل اكتشفت أن الحب هو أن يبقى شئ بعد الخمس دقائق .. هو أن تبقى في النفس حاجات تدفع الإثنين على البقاء معا .
الحب هو رغبة بين الإثنين لا تستنفذها الطبيعة .. رغبة شخصية لكل منهما في الآخر .. ليس لكونه ذكراً .. و لا لكونها أنثى .. و لكن لكونه فلان .. و لكونها فلانة .. و لكونهما مشدودان بخيط من الفضول و الدهشة و الإعجاب .. كل منهما يحب أن يصغى إلى صوت الآخر .. حتى و لو لم يكن يتكلم .. يصغى إلى صوت وجوده ..
فكرت في هذه العبارات ثم ضحكت .. يالي من شاعر و تذكرت أخي و هو يقول لي كل يوم :
_ إلى متى تظل أعزب .. متى تفكر في الزواج .
و هو لا يدري أني أعزب لأني أفكر في الزواج .. أقتله تفكيراً كل يوم .. و أفكر في الحب و أقتله تفكيراً .. ثم أقتل نفسي من كثرة التفكير في نفسي .. ثم لا يبقى بعد هذا إلا أشباح و رغبات .. و شبح آخر أحمق ثرثار هو أنا .. لا يفتأ يسأل .. و يسأل .. يسأل لماذا .. و كيف .. و متى .. و أين
.. و إلى أين ..
. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ حيــاة الأعـزب . . .
الجمعة :
أنا حاكم لا شريك له على بيت أنيق .
ليس لي ثانٍ في دولتي الصغيرة الجميلة . أستطيع أن أصحى متى شئت . و أنام متى شئت . و أخلع ثيابي . و أغني . و أُطرقع مفاصلي . و أشرب الماء أو العرقسوس أو الويسكي كما يحلو لي ..
ليس على أكتافي شئ سوى رأسي .. لا مسئوليات . لا هموم . لا مطالب . لا واجبات . فأنا أعزب . كلمة جميلة حلوة . هذه الكلمة . أعزب .
لقد تذكرتها و أنا أحلق ذقني . و أنظر إلى وجهي في المرآة .
فصفرت بفمي نشيد المارسيليز إحتفالا بالحرية المطلقة التي أعيش فيها . و الإمبراطورية الواسعة التي أحكمها . و التي تتألف من ثلاث غرف و صالة و حمام أنيق بالقيشاني .
سوف أنام الليلة ملء أجفاني . تحلم بي كل عانس و يحسدني كل زوج . و تجعل مني بنات السادسة عشرة محوراً لمغامراتهن . و يحمل همي الخادم و البواب و الجيران . و لا أحمل أنا سوى إبتسامة و اسعة ساخرة معها آخر نكتة من نكت الموسم .
يقولون إن حياة الأعزب تعاسة . و وِحدة و فراغ . و فشل . و هذه خرافة خلقها الأزواج لأنهم فشلوا في أن يكونوا عُزاباً ناجحين .
و مثلها . حكاية البيت الدافئ . و الأولاد الذين يمدون بقاء الزوج على الأرض . و الزوجة التي تضئ ظلام الوحدة مثل القنديل . و حديث آخر الليل الذي يتقاسم فيه الزوجان المسرات و الهموم .
كل هذه إعلانات مثل الإعلانات التي تروج بيع الصابون و ملح كروشن و الأسبرو .
أما الواقع فهو شئ آخر غير هذه الإعلانات . فالبيت قد لا يدخله الدفء بالمرة . و الإبن قد لا يمد أجل أبيه . و ربما أخذ أجله . و الزوجة قد تكون نكداً . و حديث آخر الليل غالبا ما تحول إلى مراجعة للحسابات تنتهي بخناقة و بأن يعطي كل واحد ظهره لصاحبه و وجهه للحائط .
خذوا الحكمة من أفواه المتزوجين .
إن من عادتي أن أترك ملعب الزوجية ينزل فيه أصدقائي . و أكتفي بالتهليل على كل هدف يصيبه أي واحد من الاثنين .
و مازلت أشكر الله على هذه النصاحة . و أشعر بالتلذذ و أنا أتأمل وجهي في المرآة . و أجر عليه الموس و أحلقه بعناية قطعة قطعة . و أبحث عن ينابيع النصاحة في عيني . و أصفر بصوت مرح يخرج من نافوخي . و أقول أنا حر . أنا أعزب .
السبت :
دفتر يومياتي يقول إني محجوز على الغذاء و العشاء لمدة أسبوع مقدما .
إني على حق في إلغاء المطبخ من شقتي . فما الداعي للمطبخ ما دمت أتغذى في أقرب مطعم و أتعشى عند أقرب صديق . و أغسل ثيابي عند أقرب مكوجي . و أعود للبيت لأنام .
لقد قالت لي صديقتي اليوم :
ــ أنت رجل مضيع للوقت . أنت موزع على طول الشارع الذي تسكن فيه بين البقالين و الحلاقين و المكوجية و المطاعم و المخابز .
إن بيتك ليس بيتاً . إنه مجرد سرير سفاري . جراج . خيمة كشافة . تتزود بالتموين من كل رصيف .
أنت متشرد .
و فهمت من كلامها أن تُلمِح لي بالزواج بأسلوب ماكر مهذب . فقلت لها بهدوء :
_ أنا رجل عصري . لا أضع ثروتي في البيت تحت البلاطة . و إنما أساهم بها في كل البنوك . أيكون هذا تضييعاً لي . !
فقالت في غيظ :
ــ و تساهم بحبك في كل القلوب . أليس كذلك . إنك تحاول أن تضمن الواحدة بعقد علاقة مع أخرى . و لكنك تخسر الإثنين ، لإنك تخسر الثقة . إن كل شئ في حياتك لا يبعث على الثقة . و أنت نفسك لا تثق بنفسك .
و دمعت عيناها . و أردفت في يأس :
ــ إنك تجعل الإخلاص مستحيلاً . ثم تبكي لأنك لا تجد الإخلاص . ألست رجلاً مغفلاً .
فقلت في ضيق :
_ إن الإخلاص يولد من نفسه و لا يولد بالحقن و المواثيق . أنا رجل واقعي لا أطلب من الطبيعة البشرية أكثر مما تستطيع أن تعطيه .
ــ إن الغلب عندك طبيعة . أنت غلبان .
و شعرت بالغيظ . ربما لأني غلبان فعلاً . و لكني لم أجب بكلمة . و قالت هي بعد فترة :
_ أريد أن أعرف . ماذا تريد من وراء هذا كله . في مقابل أي شئ تعيش هذه الحياة ؟
و أجبت في يقين :
_ أريد أن أحتفظ بحريتي .
_ بالضبط تريد أن تحتفظ بحريتك . مجرد إحتفاظ . لأنك لا تفعل بها شيئــاً .
و رفعت صوت الراديو ليغطي على صوتها . و فاض بي الضيق .
إن المرأة تفقد نصف جمالها حين تلمح بالزواج . و تفقد النصف الآخر حينما تتحدث عن الفلسفة و المنطق . و خصوصاً إذا كان كلامها في محله .
الأحد :
تيقظت متأخراً هذا الصباح . و فتحت نصف عين على شعاع الشمس الذي يداعب وسادتي . ثم عدت فأغلقتهما . و بدأت أفكر من حيث انتهينا في الليلة الماضية .
ماذا أريد من هذا كله ؟
حريتي .
و ماذا أفعل بحريتي .
إني أرفض إختيار طريق لأنه يقيدني . و أفضل البقاء في مفترق الطرق . أعاني الحرية و لا أمارسها .
أهو احساس بالمسئولية . أم جبن . أم تغفيل .إني دائماً أكتشف أني مثالي من حيث أظن أني واقعي .
إن الواقعية لا تقف في مفترق الطرق أبداً .
الواقعية لا تعلق إمكانياتها . و إنما تثب و تعمل .
و أنا أعلق كل شئ على مشجب .
و رفعت السماعة لأطلب صديقتي .فقالت لي إنها خطبت إلى إبن عمها . و تمنت لي أياما طيبة .
و وضعت السماعة في سكون . و تلفَتَّ حولي . و لأول مرة إكتشفت أن في شقتي صراصير . و أن العنكبوت يتدلى من جدرانها .
و تذكرت أن المكوجي قد أخذ كل القمصان للغسيل و لم يحضرها و أن كل الصحون قذرة . و أحسست أني أكسل من أن أنظف صحناً . فأرسلت البواب ليشتري لي صحناً جديداً .
ثم زعقت عليه بعد قفز بضع درجات على السلم .
_ إستنى عندك . خد اشتري لي قميص كمان علشان ما عنديش قمصان .
و أغلقت الباب . و عدت أتمشى في الصالة . ثم بدأت أدير البيك آب . و وضعت أسطوانتي المحببة .
و وقفت في النافذة . و لكن البيك آب ظل يخشخش .
و اكتشفت بعد مدة أن طبقات من التراب واقفة في حلقه .
و لا أدري لماذا تذكرت حكاية الإمبراطورية الواسعة التي أحكمها في تلك اللحظة . و أحسست أني إمبراطور فعلاً . و لكن إمبراطور على خرابة .
الإثنين :
ذهبت في زيارة فرج . و هو صديق قديم أعرفه من عشرين عاماً . و وجدته يدخن الجوزة وسط أولاده الخمسة . و كان أكبر أولاده يمص عوداً من القصب و يضع المصاصة في طربوشه . و أصغرهم يقف وسط الغرفة بالفانلة و اللباس . يلوح بذراعيه الرفيعتين .
و كانت نونا الصغيرة تخرج لسانها . ثم تقفز على الكراسي و تؤذن .
و كان فرج وسط هذه الهوسة يضحك و يكركر بقلب طليق و بين حين و آخر يفرغ الطربوش من مصاصة القصب في صينية على الأرض قائلاً في حنان :
_ بقه كده يا ولد يا تنتون . تحط الزبالة في طربوش أبوك ثم يضحك .
_ عفاريت الولاد دول . عفاريت .
و طول الزيارة كنت أفكر في سؤال واحد .
كيف أضيق بهذا الصراخ و لا أكاد أحتمله دقيقة واحدة . و كيف إحتمله فرج عشر سنوات . و هو يضحك .
أهناك سر بين الأب و أولاده . يجعل كل شئ محتملاً .
سر لا يفهمه الأعزب .
ربما . أنا لم أجرب على كل حال .
الخميس :
بعد ليلة حمراء . جسمي مثل مدينة اكتسحها زلزال . أعضائي تهدمت . عظامي مثل أعمدة معبد . إنهارت . و انهار فوقها السقف .
إني أسأل نفسي . أهذه هي اللذة . أهذه هي السعادة التي يتزوج من أجلها الناس ؟
مجانين .
إني لا أجد فيها سبباً أتزوج من أجله .
إنها مجرد رغبة حمقاء . لا شأن لي بها . الطبيعة تدفعني إليها و تشوقني و ترغمني . فأسعى إليها كما يسعى النمل . و أمارسها في غباء ثم أفيق على لا شئ . و لا تبقي من النار الموقدة إلا مجاملات فاترة .
خمس دقائق فقط .
كيف أتزوج من أجل خمس دقائق .
السبت :
سألت نفسي . ما هو الحب . و بعد تفكير طويل اكتشفت أن الحب هو أن يبقى شئ بعد الخمس دقائق . هو أن تبقى في النفس حاجات تدفع الإثنين على البقاء معا .
الحب هو رغبة بين الإثنين لا تستنفذها الطبيعة . رغبة شخصية لكل منهما في الآخر . ليس لكونه ذكراً . و لا لكونها أنثى . و لكن لكونه فلان . و لكونها فلانة . و لكونهما مشدودان بخيط من الفضول و الدهشة و الإعجاب . كل منهما يحب أن يصغى إلى صوت الآخر . حتى و لو لم يكن يتكلم . يصغى إلى صوت وجوده .
فكرت في هذه العبارات ثم ضحكت . يالي من شاعر و تذكرت أخي و هو يقول لي كل يوم :
_ إلى متى تظل أعزب . متى تفكر في الزواج .
و هو لا يدري أني أعزب لأني أفكر في الزواج . أقتله تفكيراً كل يوم . و أفكر في الحب و أقتله تفكيراً . ثم أقتل نفسي من كثرة التفكير في نفسي . ثم لا يبقى بعد هذا إلا أشباح و رغبات . و شبح آخر أحمق ثرثار هو أنا . لا يفتأ يسأل . و يسأل . يسأل لماذا . و كيف . و متى . و أين
. و إلى أين. ❝
❞ الحلقة الثانية من الرواية
وعند عودة تامر إلى المنزل تصادف مع مريم أمام المبنى ، فقال لها متذمرًا :
أنا بقيت مسخرة قدام صحابي ، عجبك كده ؟!!
اه ، ردي ، بدل ما أديكي في وشك ، وأريح الناس من شرك .
فأجابته وهي تسخر ، وتلوح بيدها :
صحابي ، صحابي ، يبني هما دول صحاب ، ياريتك مصاحب حد عدل ، كنا قلنا ماشي ، لكن إنت وهما عايزين إبادة ، ملكمش أي فايدة إطلاقًا .
فانزعج وقال :
اتكلمي عدل يا مريم ، عشان لغاية دولوقتي عامل اعتبار إنك أختي الصغيرة وبقول عيلة وبكرة تعقل ، لكن إنك تقلي مني ومن صحابي
ولوح بيده وقال :
لا ، أنا بقولك أهو ، احترمي أخوكي الكبير ، انتي فاهمه ولا ولا .
فقالت :
هما حيالله تلات سنين ، مش غاغا هي .
وتركته وصعدت للبيت .
فصاح فيها وقال:
بت ، لما بكون بكلمك ، مش تمشي إلا لما أخلص كلامي ، انت يا بت ، انتي با بتاعت الكونغ فو .
فدخلت الشقة وأغلقت الباب فى وجهه ، فصاح غاضبًا:
انا هعرفك إزاي تحترميني ، استني عندك .
فجأة لمح إحدى صديقات والدته وتدعى \" نرمين \" جالسة مع والدته في غرفة المعيشة ، فارتبك وكانت تنظر إليه ، فقال :
أهلاً يا طنط ، أهلا ، إزي حضرتك عاملة ايه ؟!
فأجابته :
أهلا يا حبيبي ، أخبارك كويس ؟!.. سامعاك بتزعق ، في مشكلة .
-لا ، خالص ، دنا أنا ومريم كنا بنتناقش في شوية حاجات كده ، بس احنا عيلة كده صوتها عالى وهي بتتناقش ، فتحسي ان احنا بنتخانق ، لكن ، لا احنا بس بنتناقش .
- طيب يا حبيبي ، انا همشي بقا يا نادية ، وابقي فكري في إلي قولتلك عليه .
- سلام عليكو
- سلام. يا تامر ، وابقى سلملي على مريم ، عشان دخلت ومسلمتش عليا ، مش مشكلة ، يمكن ما أخدتش بالها .
فأشار بيده وقال :
سلام يا طنط
وأوصلتها الأم إلى الباب وقالت :
مع السلامه يا حبيبتي. ما تنسيش بقا .
-ربنا يقدم إلي فيه الخير .
وبعد أن غادرت ، فذهب تامر لأمه وأمسك يدها ، وقال:
تعالي بقا ، اقعديلي هنا ، قوليلي الست الحشرية دي عايزة ايه ، اوعي تكوني لسه مصرين تجوزوني بنتها .
- على أساس انها هتبور بنتها جمبك ، يا تك نيلة ، بنتها اتجوزت وقربت تولد. ، اومال انا كنت في فرح مين السنة الي فاتت .
فوضع يده على صدره وقال :
الحمد لله ، أومال موضوع ايه إلي مش عايزاكي تنسيه ؟!
- جايبة عريس لأختك مريم .
- وده ايه ظروفه ؟!
- راجل ، شغال برة مصر ، وظروفه المادية كويسة ، وأهله ناس محترمين ، يعني بتقولي مناسب ، وهيعيش مريم مبسوطة ومش محتاجة حاجة .
- أومال مش مبسوطة ليه ، مادام مناسب .
- قلقانة بس مش أكتر، بتقولي عنده ٤٢ سنه ، بس مش باين عليه شكله لسه شباب ،
- ايه ده ٤٢ ولسه متجوزش لغاية دولوقتي ، مع انو ظروفه كويسة يعني .
- ومستغرب ليه ، منتا قريب هتقفل 40 ولسه بتتسرمح ، على الأقل ده اتجوز وطلق ومعاه عيلين .
- نعم ، انتي بتقولي ايه ؟!
- اهدى شوية ، أنا غلطانة إن بفضفض معاك ، وبستشيرك قبل ما أقول لأختك .
- لو هي وافقت ، انا مش هوافق .
- وليه يبني ، أختك كبرت مبقتش صغيرة ، وبعدين الراجل مفيش حاجه تعيبه ، وولاده مع أمهم.
- كبرت ايه ، بنتك لسه قدامها إن هي تنقي وتختار إلي يناسبها ، وبعدين ، على عيني وراسي وراجل محترم وكويس وتمام ، بس افرضي حب يرجع لمراته عشان خاطر عياله ، عايزة بنتك تبقى زوجة تانية يا حاجة نادية .
- لا طبعًا ، طليقته أصلاً اتجوزت ، وهو مطلقها من ست سنين .
- اه قولي كده ، هو بقا ايه . لقى طليقته اتجوزت ، قال ايه هروح اشوف بنت عزبا وحلوة واتجوزها عشان اغيظ طليقتي .
- انت بتقول ايه ، يا بني ؟!
- بقول على جثتي الجوازة دي .
- طيب يا تامر افرض العكس ، لو اختك هي الى مطلقة دولوقتى ومعاها عيلين ، وجه ليها واحد أعزب وابن ناس وطلب يتجوزها ، هيكون ايه رد فعل اهله ، هل هيعترضوا ؟! لا ، لأنو بيحبها ، ورضي بيها بكل الظروف إلي فيها .
- هو إنتي مقتنعة بلي بتقوليه ده ، ماما ، إنتي أصلاً مش مقتنعة ، فيه فرق بين حب ، وفرق بين جواز على السيرة والصور .
- بقولك ايه ، الموضوع ده ميتفتحش تاني ، وانسي ، ولا مريم تعرف بالموضوع ، خلصنا .
وتركها ودخل غرفته وهو منزعج ، فجلست تبكي وتقول :
- طب اعمل ايه ؟!.. أنا أم ونفسي أفرح ببنتي ، قبل ما أموت ، طب انت راجل ومش يتخاف عليك ، هتعيش في الدنيا بالطول والعرض وتتجوز بدل الواحدة اربعة ، لكن البنت دي ، هتعيش ازاى لوحدها ، لا قريب ولا غريب بقو بيسألوا عن حد .
ثم مسحت دمعتها وقالت :
هقوم أصلي المغرب ، وإن شاء الله ، المولى يحلها من عنده . اللهم لا اعتراض يارب
أما تامر قضى ليلته يفكر فيما قالته أمه وفيما قاله هيثم ، وقال :
طب وايه الحل ؟!.. يعني أختي دولوقتي ، مش هيجيلها غير المطلق والأرمل ، أدي فرصة لهيثم ولا اعمل ايه ؟!
وأمسك هاتفه ثم قال :
هو أنا ليه حسيت مرة واحده بالمسئولية كده ، والله ، شكل وقت السرمحة قد ولى ، بقا فيه مسئولية على كتافك يا واد يا تامر .
ورن الهاتف ، وإذ ، بصديقته \" مي \" تُهاتفه ، فتبدل وجهه القلق ، بابتسامة عريضة ، وأجابها ، قائلاً:
روحي ، وحبيبة قلبي ، كنت لسه بفكر فيكى يا ميس .
وأجابته الأخرى بصياح :
ميس ؟!.. ميس مين يا تامر ؟!!... نهارك مش معدي النهاردة .
فنظر في هاتفه ، فوجد مي. وليس ميس ، وضرب رأسه وقال :
يا بنتي مش تفهميني غلط ، بقول مي ، تلاقي عندك السماعة بايظة ، صلحيها يا حبيبتي ، أو أنا أجبلك غيره جديد ، مكان إلي هيوديني في داهية ده
-بجد ، ولا بتضحك عليا ، أصل أنا عارقاك ،مش هفضل ألملم من وراك ، وصحابي دايما بيحظروني منك .
- وصحابك مين دول ، تلاقيهم غيرانين ، منك يا روحي وده كلام ، إنتي إلي في القلب ، وفي أرض الملعب ، والباقي إحتياط على الدكة .
- انت بتقول ايه ، يا تامر؟!
- بقولك ، انت إلي في القلب ، غيري السماعة بعد اذنك .
فكانت خلفه مريم ، وتتسمع عليه وضحكت ضحكة عالية ، وقالت :
يا تيمو ، انت فين يا حبيبي ؟
ففتح فمه من هول ما يحدث وبدأ يتلعثم ، والأخرى تصرخ وتقول :
مين دي يا تامر ، انت فين بالظبط ؟!.. قولي بقا دي كمان عيب سماعه ، أكيد بتتسرمح مع صحابك الصيع .
- والله العظيم ، أنا في البيت ، بس أمي شغلت التلفزيون و وهي بتحب تعليه شويه ، ده فيلم .
وبدأ. يضع يده على رقبته وينظر إلى مريم ويشير إليها ، بأنها سوف يقتلها ، وهي تهز برأسها وتخرج لسانها له لإستفزازه ، فرمى بها وسادة فخرجت وهي تضحك وتقول :
نجحت المهمة !!! نيااااااااه .
وأما مي فقد أغلقت الهاتف ، وحاول أن يعاود الاتصال بها ، لها دون جدوى ، فقد غضبت وتجاهلت ،كل مكالماته .
فلما يأس من محاولاته ، قال :
أهي اتقمصت ، يارب تكوني مبسوطة يا أخت مريم .
فعادت إليه ، وقالت :
اه مبسوطة ، مادام هساعد بنت إنها تبعد عنك ، فأنا هبقى مبسوطة ، لأن أنا بنت ومبحبش أبدًا بنت تنخدع ، وتتعشم على الفاضي ، وتضيع مستقبلها جمب واحد زيك ، بيلعب ببنات الناس ، افتكر كل ما تكلم بنت ، إن ممكن تكون البنت دي أختك ، وزي ما بتخاف وبتغير على أختك ،خاف على بنات الناس ، لأن كله بيترد صدقني ، حتى لو كنت شيخة البنات وملتزمة ، ممكن ابتلي ، بواحد زيك .
فصمت بعض الشيء ، وكأنه تأثر بكلامها ، وقال :
ماشي يا مريم ، على العموم ، أنا جد المرة دي بس عايز أموري تستقر مهنيًا وكده .
-طب الحمد لله ، ربنا يهديك .
- هصالحها ازاى دولوقتي ، بعد العملة الهباب ، إلي عملتيها .
-لو بتحبك هتعدي ، عشان إلي عايزك جمبه ، مش هيفرق معاه أي حاجه ، بس هقولك خاف ، من إلي بيعدي كتير من غير ما ياخد موقف منك ، عشان ده غدار ، في لحظه هيقلب وهيسيبك ، وهتفضل تدور عليه ، مش هتلاقيه ،لأنه ادالك فرص وكان نفسه تستغلها وتغير من نفسك .
عمر ما كان الساكت ، قلبه اسود ، أو بوشين ، كل إلي فيها مش عايز حياته كلها صراعات ، وتبريرات كدابه ، فبيريح راسه بالسكوت ، وبيعقد يتفرج حتى لو عارف إنك كداب ، بس بيجي يوم ويمل ، فبيمشي وهو ساكت بردو، وبتفضل تستغرب هو ليه مشي ، أنا معملتلوش حاجه ، أنا بتعامل بنفس الاسلوب إلي بتعامل بيه على طول معاه ،عارف الواحد ليه بيستغرب وقتها ، لأن في ناس ، لما بتفضل تعديلها ، و تمشي الدنيا ، تفتكر نفسها مثالية ، وإن انتَ متقدرش تعيش من غيرها ، َ محور حياتها ، لو جت صراحتك وقالتلك ،انت عملت كذا وكذا ، تفتكر هيكون ايه ردك ؟!.....لما تتفاجئ انها أخده بالها من تصرفاتك ، وانت عامل نفسك ، الذكي ، إلي بيلعب بالسمكة وديلها ، وفاهمها وهي طايرة.
فصمت وقال :
يعني ، هقولها ، طب مش جيتي ليه صرحتيني ؟!.. يمكن لو جت وقالتلي على في قلبها مني .... مش هنخسر بعض ..! صح مش كده ، ليه دايمًا بتفضلوا ساكتين . تفضلوا تتفرجوا وتعيشوا الدور كمان ، وفي الأخر تزعلوا ، مهو طبيعي ، انت لو مجتش وقولتلي على في قلبك ، طب أنا هعرف إزاى ؟!.. إلي بيزعلك مني ... طول ما أنت ساكت ومستحمل ... طبيعي إن أنا أتمادى ... منا مش عارف إذا كان إلي بعمله بيزعلك .. ولا ولا .
-ما تضحكش على نفسك ، انت مدرك إن إلي بتعمله غلط ، ولو قلبت عليك وعاملتك بنفس المعاملة ، هتتقمص وتزعل ، وهيكون رد فعلك هو هو نفسه
فليه ، زي ما انت بتتحب. وبتتقدر ، وحد بيعاملك بما يرضي ، الله ، عامله زي ما بيعاملك ، ليه الكدب والكيد إلي ملوش لازمة ، ليه تجرح وتقول ، دنا ما أقصدش ، انتَ فهمت غلط ، وانتَ عارف انك قاصد .
بص ، يا تامر ، مشكلة الناس إلي زي كده ، إن الكلام معاها ملوش لازمة ، عشان كده كتير بيفضلو السكوت عن أي كلام ، تصبح على خير يا تامر.
فذهبت لغرفتها ، وهو عاد ليراسل حبيبته ، وترك لها رسالة ، معتذراً عن سوء الفهم ، وأخلد إلى النوم .
وفي اليوم التالي .
ذهبت مريم إلى النادي ، لممارسة الرياضة اليومية الخاصة بها ، فتصادفت مع هيثم ، فأوقفها ليتحدث معها ، فقال :
مريم !
فقالت محدثة نفسها :
عايز ايه ده كمان ؟!
قال :
آسف ، إني وقفتك بالطريقة دي ، بس عايز اتكلم معاكي، على انفراد ممكن ؟!
قالت :
لا ، مش ممكن ، بعد اذنك .
- استني ، أنا والله بحبك جدًا ، ومش زي ما انتي فاكرة ، معرفش ليه أخده عني الفكرة دي ، رغم إن ، انا وتامر صحاب من سنين بس عمرك ما اتعاملتي معايا ، عشان تعرفيني ، اديني فرصة أثبتلك ، إن أنا مش أصفر زي ما بتقولي عني .
- ايه ده هو قلك ، طب كويس ، وفر عليا ، بص بقا ، لو انتَ آخر واحد في الدنيا ، مش هوافق عليك ، أبدًا أبدًا.
- وليه بقا ، أنا لا بتاع بنات زي أخوكي ، وماشي سكتي دغري ، ومليش في اللف والدوران .
- مش مرتحالك ، قلبي بيقولي إنك مش كويس ، أنا نفسي تبعد عن أخويا بجد ، لأنك حقود ومش سالك ، انتَ بتمثل المثالية ، وانتَ غير كده تمامًا .
فتركته وذهبت ، وغضب لحديثها معه بهذه الطريقة ، وقال :
مهما عملت مش نافع ، بس أنا هعرفك ، إزاي ترفضي هيثم البكري .
وذهب إلى الحانة التي يتعاطى بها المخدرات ، وبدأ يتعاطى جرعة كبيرة من غضبه ويقول :
ماشي ، يا مريم .
ماشي !!
وجاء من خلفة ، رجل جاحظ الوجه يدعى \" مرتضى السكري \" رجل عصابات، و تاجر للمخدرات ، فضرب كتفه وقال :
ايه يا عم هيثم بقالك يومين .. غايب يعني ؟!..
-أكيد مش بتسأل ، لسواد عيوني ، خير ؟
- ايه يا عم ، في حد مزعلك النهاردة ولا ايه ؟!
- يعني ، مضايق شوية .
- طب والي يفك الضيقة دي ، يا عم .
- مش فاهم .. انت عايز ايه ؟!
- ليك سبوبة حلوة ، انما ايه هتكسبك ملايين ، وأنا قولت ، انتَ أولى من أي حد .
- بجد ، إلي انتَ بتقوله ، ولا أنا تقلت العيار .
-عيب عليك ، اسمع ، الريس بتاعنا \"سمير البارودي \" شاري أرض في الصحرا وعايز يبني ڤيلا صغيرة كده ، ومخزن كبير ، وقلي أشوف مهندس ثقة ، ينفذله إلي هو عايزه ، فجيت في بالي على طول ، الشغلانة فيها قرشين حلوين ، بس الغلطة بعمرك ، انت فاهم طبعًا .
فشرد قليلاً ، ثم حدث نفسه وقال :
جتلك لحد عندك .
فضحك بخبث وقال :
ينفع أشغل معايا في المشروع صديق ثقة بردو ، وأشطر مني كمان .
-ماشي ، المهم الشغل يخلص من غير مشاكل ويكون على أكمل وجه ، وأنا هخدلك معاد مع الريس ، عشان تقابله ، ويتفق معاك ، انتَ وزميلك .
- ماشي ، وأنا مستني تليفونك .
وبعد أن غادر الرجل ، هاتف تامر ، وقال:
لسه زعلان مني ؟!
-لا ، من حقك تعبر عن مشاعرك ، وأنا من حقي احترم مشاعر اختي ، وأيدها في كل اختياراتها الخاصة ، فانت إلي مش تزعل .
فقبض على الهاتف بيديه من شدة الغضب ، فقال بنبرة من الهدوء :
وأنا مش هيأس ، هحاول ، المهم ، عندي ليك مشروع هيكسبنا ملايين مع رجل أعمال كبير .
- بجد ، يا هيثم .
- طبعاً أنا قولت ، مفيش غير صحبي وصديق عمري تامر ، هو إلي يستحق يشاركني في المشروع ده ونكبر سوا .
- تسلملي يا صحبي .
- بص بكرة هيكلمونا ، عشان نروح نتفق مع الراجل الكبير ، استنى اتصال مني .
- شكرًا يا هيثم ، أنا مش هنسالك ده طول عمري .
- متقولش كده ، احنا اخوات ، يا ما كان بنا عيش وملح .
وبعد أن أغلق معه الهاتف ، قال :
والله ، ووقعت في ايدي يا بن المنصوري ، وأنا مش هنسى لأختك إلي قالتهولي ، واكسر قلبها عليك ، زي ما كسرتني .
تم بحمد الله
انتهاء الحلقة
نراكم في الحلقات القادمة
الكاتبة / ندا محمود نجم. ❝ ⏤ندا محمود عبد اللطيف
❞ الحلقة الثانية من الرواية
وعند عودة تامر إلى المنزل تصادف مع مريم أمام المبنى ، فقال لها متذمرًا :
أنا بقيت مسخرة قدام صحابي ، عجبك كده ؟!!
اه ، ردي ، بدل ما أديكي في وشك ، وأريح الناس من شرك .
فأجابته وهي تسخر ، وتلوح بيدها :
صحابي ، صحابي ، يبني هما دول صحاب ، ياريتك مصاحب حد عدل ، كنا قلنا ماشي ، لكن إنت وهما عايزين إبادة ، ملكمش أي فايدة إطلاقًا .
فانزعج وقال :
اتكلمي عدل يا مريم ، عشان لغاية دولوقتي عامل اعتبار إنك أختي الصغيرة وبقول عيلة وبكرة تعقل ، لكن إنك تقلي مني ومن صحابي
ولوح بيده وقال :
لا ، أنا بقولك أهو ، احترمي أخوكي الكبير ، انتي فاهمه ولا ولا .
فقالت :
هما حيالله تلات سنين ، مش غاغا هي .
وتركته وصعدت للبيت .
فصاح فيها وقال:
بت ، لما بكون بكلمك ، مش تمشي إلا لما أخلص كلامي ، انت يا بت ، انتي با بتاعت الكونغ فو .
فدخلت الشقة وأغلقت الباب فى وجهه ، فصاح غاضبًا:
انا هعرفك إزاي تحترميني ، استني عندك .
فجأة لمح إحدى صديقات والدته وتدعى ˝ نرمين ˝ جالسة مع والدته في غرفة المعيشة ، فارتبك وكانت تنظر إليه ، فقال :
أهلاً يا طنط ، أهلا ، إزي حضرتك عاملة ايه ؟!
فأجابته :
أهلا يا حبيبي ، أخبارك كويس ؟!. سامعاك بتزعق ، في مشكلة .
- لا ، خالص ، دنا أنا ومريم كنا بنتناقش في شوية حاجات كده ، بس احنا عيلة كده صوتها عالى وهي بتتناقش ، فتحسي ان احنا بنتخانق ، لكن ، لا احنا بس بنتناقش .
- طيب يا حبيبي ، انا همشي بقا يا نادية ، وابقي فكري في إلي قولتلك عليه .
- سلام عليكو
- سلام. يا تامر ، وابقى سلملي على مريم ، عشان دخلت ومسلمتش عليا ، مش مشكلة ، يمكن ما أخدتش بالها .
فأشار بيده وقال :
سلام يا طنط
وأوصلتها الأم إلى الباب وقالت :
مع السلامه يا حبيبتي. ما تنسيش بقا .
- ربنا يقدم إلي فيه الخير .
وبعد أن غادرت ، فذهب تامر لأمه وأمسك يدها ، وقال:
تعالي بقا ، اقعديلي هنا ، قوليلي الست الحشرية دي عايزة ايه ، اوعي تكوني لسه مصرين تجوزوني بنتها .
- على أساس انها هتبور بنتها جمبك ، يا تك نيلة ، بنتها اتجوزت وقربت تولد. ، اومال انا كنت في فرح مين السنة الي فاتت .
فوضع يده على صدره وقال :
الحمد لله ، أومال موضوع ايه إلي مش عايزاكي تنسيه ؟!
- جايبة عريس لأختك مريم .
- وده ايه ظروفه ؟!
- راجل ، شغال برة مصر ، وظروفه المادية كويسة ، وأهله ناس محترمين ، يعني بتقولي مناسب ، وهيعيش مريم مبسوطة ومش محتاجة حاجة .
- أومال مش مبسوطة ليه ، مادام مناسب .
- قلقانة بس مش أكتر، بتقولي عنده ٤٢ سنه ، بس مش باين عليه شكله لسه شباب ،
- ايه ده ٤٢ ولسه متجوزش لغاية دولوقتي ، مع انو ظروفه كويسة يعني .
- ومستغرب ليه ، منتا قريب هتقفل 40 ولسه بتتسرمح ، على الأقل ده اتجوز وطلق ومعاه عيلين .
- نعم ، انتي بتقولي ايه ؟!
- اهدى شوية ، أنا غلطانة إن بفضفض معاك ، وبستشيرك قبل ما أقول لأختك .
- لو هي وافقت ، انا مش هوافق .
- وليه يبني ، أختك كبرت مبقتش صغيرة ، وبعدين الراجل مفيش حاجه تعيبه ، وولاده مع أمهم.
- كبرت ايه ، بنتك لسه قدامها إن هي تنقي وتختار إلي يناسبها ، وبعدين ، على عيني وراسي وراجل محترم وكويس وتمام ، بس افرضي حب يرجع لمراته عشان خاطر عياله ، عايزة بنتك تبقى زوجة تانية يا حاجة نادية .
- لا طبعًا ، طليقته أصلاً اتجوزت ، وهو مطلقها من ست سنين .
- اه قولي كده ، هو بقا ايه . لقى طليقته اتجوزت ، قال ايه هروح اشوف بنت عزبا وحلوة واتجوزها عشان اغيظ طليقتي .
- انت بتقول ايه ، يا بني ؟!
- بقول على جثتي الجوازة دي .
- طيب يا تامر افرض العكس ، لو اختك هي الى مطلقة دولوقتى ومعاها عيلين ، وجه ليها واحد أعزب وابن ناس وطلب يتجوزها ، هيكون ايه رد فعل اهله ، هل هيعترضوا ؟! لا ، لأنو بيحبها ، ورضي بيها بكل الظروف إلي فيها .
- هو إنتي مقتنعة بلي بتقوليه ده ، ماما ، إنتي أصلاً مش مقتنعة ، فيه فرق بين حب ، وفرق بين جواز على السيرة والصور .
- بقولك ايه ، الموضوع ده ميتفتحش تاني ، وانسي ، ولا مريم تعرف بالموضوع ، خلصنا .
وتركها ودخل غرفته وهو منزعج ، فجلست تبكي وتقول :
- طب اعمل ايه ؟!. أنا أم ونفسي أفرح ببنتي ، قبل ما أموت ، طب انت راجل ومش يتخاف عليك ، هتعيش في الدنيا بالطول والعرض وتتجوز بدل الواحدة اربعة ، لكن البنت دي ، هتعيش ازاى لوحدها ، لا قريب ولا غريب بقو بيسألوا عن حد .
ثم مسحت دمعتها وقالت :
هقوم أصلي المغرب ، وإن شاء الله ، المولى يحلها من عنده . اللهم لا اعتراض يارب
أما تامر قضى ليلته يفكر فيما قالته أمه وفيما قاله هيثم ، وقال :
طب وايه الحل ؟!. يعني أختي دولوقتي ، مش هيجيلها غير المطلق والأرمل ، أدي فرصة لهيثم ولا اعمل ايه ؟!
وأمسك هاتفه ثم قال :
هو أنا ليه حسيت مرة واحده بالمسئولية كده ، والله ، شكل وقت السرمحة قد ولى ، بقا فيه مسئولية على كتافك يا واد يا تامر .
ورن الهاتف ، وإذ ، بصديقته ˝ مي ˝ تُهاتفه ، فتبدل وجهه القلق ، بابتسامة عريضة ، وأجابها ، قائلاً:
روحي ، وحبيبة قلبي ، كنت لسه بفكر فيكى يا ميس .
وأجابته الأخرى بصياح :
ميس ؟!. ميس مين يا تامر ؟!!.. نهارك مش معدي النهاردة .
فنظر في هاتفه ، فوجد مي. وليس ميس ، وضرب رأسه وقال :
يا بنتي مش تفهميني غلط ، بقول مي ، تلاقي عندك السماعة بايظة ، صلحيها يا حبيبتي ، أو أنا أجبلك غيره جديد ، مكان إلي هيوديني في داهية ده
- بجد ، ولا بتضحك عليا ، أصل أنا عارقاك ،مش هفضل ألملم من وراك ، وصحابي دايما بيحظروني منك .
- وصحابك مين دول ، تلاقيهم غيرانين ، منك يا روحي وده كلام ، إنتي إلي في القلب ، وفي أرض الملعب ، والباقي إحتياط على الدكة .
- انت بتقول ايه ، يا تامر؟!
- بقولك ، انت إلي في القلب ، غيري السماعة بعد اذنك .
فكانت خلفه مريم ، وتتسمع عليه وضحكت ضحكة عالية ، وقالت :
يا تيمو ، انت فين يا حبيبي ؟
ففتح فمه من هول ما يحدث وبدأ يتلعثم ، والأخرى تصرخ وتقول :
مين دي يا تامر ، انت فين بالظبط ؟!. قولي بقا دي كمان عيب سماعه ، أكيد بتتسرمح مع صحابك الصيع .
- والله العظيم ، أنا في البيت ، بس أمي شغلت التلفزيون و وهي بتحب تعليه شويه ، ده فيلم .
وبدأ. يضع يده على رقبته وينظر إلى مريم ويشير إليها ، بأنها سوف يقتلها ، وهي تهز برأسها وتخرج لسانها له لإستفزازه ، فرمى بها وسادة فخرجت وهي تضحك وتقول :
نجحت المهمة !!! نيااااااااه .
وأما مي فقد أغلقت الهاتف ، وحاول أن يعاود الاتصال بها ، لها دون جدوى ، فقد غضبت وتجاهلت ،كل مكالماته .
فلما يأس من محاولاته ، قال :
أهي اتقمصت ، يارب تكوني مبسوطة يا أخت مريم .
فعادت إليه ، وقالت :
اه مبسوطة ، مادام هساعد بنت إنها تبعد عنك ، فأنا هبقى مبسوطة ، لأن أنا بنت ومبحبش أبدًا بنت تنخدع ، وتتعشم على الفاضي ، وتضيع مستقبلها جمب واحد زيك ، بيلعب ببنات الناس ، افتكر كل ما تكلم بنت ، إن ممكن تكون البنت دي أختك ، وزي ما بتخاف وبتغير على أختك ،خاف على بنات الناس ، لأن كله بيترد صدقني ، حتى لو كنت شيخة البنات وملتزمة ، ممكن ابتلي ، بواحد زيك .
فصمت بعض الشيء ، وكأنه تأثر بكلامها ، وقال :
ماشي يا مريم ، على العموم ، أنا جد المرة دي بس عايز أموري تستقر مهنيًا وكده .
- طب الحمد لله ، ربنا يهديك .
- هصالحها ازاى دولوقتي ، بعد العملة الهباب ، إلي عملتيها .
- لو بتحبك هتعدي ، عشان إلي عايزك جمبه ، مش هيفرق معاه أي حاجه ، بس هقولك خاف ، من إلي بيعدي كتير من غير ما ياخد موقف منك ، عشان ده غدار ، في لحظه هيقلب وهيسيبك ، وهتفضل تدور عليه ، مش هتلاقيه ،لأنه ادالك فرص وكان نفسه تستغلها وتغير من نفسك .
عمر ما كان الساكت ، قلبه اسود ، أو بوشين ، كل إلي فيها مش عايز حياته كلها صراعات ، وتبريرات كدابه ، فبيريح راسه بالسكوت ، وبيعقد يتفرج حتى لو عارف إنك كداب ، بس بيجي يوم ويمل ، فبيمشي وهو ساكت بردو، وبتفضل تستغرب هو ليه مشي ، أنا معملتلوش حاجه ، أنا بتعامل بنفس الاسلوب إلي بتعامل بيه على طول معاه ،عارف الواحد ليه بيستغرب وقتها ، لأن في ناس ، لما بتفضل تعديلها ، و تمشي الدنيا ، تفتكر نفسها مثالية ، وإن انتَ متقدرش تعيش من غيرها ، َ محور حياتها ، لو جت صراحتك وقالتلك ،انت عملت كذا وكذا ، تفتكر هيكون ايه ردك ؟!...لما تتفاجئ انها أخده بالها من تصرفاتك ، وانت عامل نفسك ، الذكي ، إلي بيلعب بالسمكة وديلها ، وفاهمها وهي طايرة.
فصمت وقال :
يعني ، هقولها ، طب مش جيتي ليه صرحتيني ؟!. يمكن لو جت وقالتلي على في قلبها مني .. مش هنخسر بعض .! صح مش كده ، ليه دايمًا بتفضلوا ساكتين . تفضلوا تتفرجوا وتعيشوا الدور كمان ، وفي الأخر تزعلوا ، مهو طبيعي ، انت لو مجتش وقولتلي على في قلبك ، طب أنا هعرف إزاى ؟!. إلي بيزعلك مني .. طول ما أنت ساكت ومستحمل .. طبيعي إن أنا أتمادى .. منا مش عارف إذا كان إلي بعمله بيزعلك . ولا ولا .
- ما تضحكش على نفسك ، انت مدرك إن إلي بتعمله غلط ، ولو قلبت عليك وعاملتك بنفس المعاملة ، هتتقمص وتزعل ، وهيكون رد فعلك هو هو نفسه
فليه ، زي ما انت بتتحب. وبتتقدر ، وحد بيعاملك بما يرضي ، الله ، عامله زي ما بيعاملك ، ليه الكدب والكيد إلي ملوش لازمة ، ليه تجرح وتقول ، دنا ما أقصدش ، انتَ فهمت غلط ، وانتَ عارف انك قاصد .
بص ، يا تامر ، مشكلة الناس إلي زي كده ، إن الكلام معاها ملوش لازمة ، عشان كده كتير بيفضلو السكوت عن أي كلام ، تصبح على خير يا تامر.
فذهبت لغرفتها ، وهو عاد ليراسل حبيبته ، وترك لها رسالة ، معتذراً عن سوء الفهم ، وأخلد إلى النوم .
وفي اليوم التالي .
ذهبت مريم إلى النادي ، لممارسة الرياضة اليومية الخاصة بها ، فتصادفت مع هيثم ، فأوقفها ليتحدث معها ، فقال :
مريم !
فقالت محدثة نفسها :
عايز ايه ده كمان ؟!
قال :
آسف ، إني وقفتك بالطريقة دي ، بس عايز اتكلم معاكي، على انفراد ممكن ؟!
قالت :
لا ، مش ممكن ، بعد اذنك .
- استني ، أنا والله بحبك جدًا ، ومش زي ما انتي فاكرة ، معرفش ليه أخده عني الفكرة دي ، رغم إن ، انا وتامر صحاب من سنين بس عمرك ما اتعاملتي معايا ، عشان تعرفيني ، اديني فرصة أثبتلك ، إن أنا مش أصفر زي ما بتقولي عني .
- ايه ده هو قلك ، طب كويس ، وفر عليا ، بص بقا ، لو انتَ آخر واحد في الدنيا ، مش هوافق عليك ، أبدًا أبدًا.
- وليه بقا ، أنا لا بتاع بنات زي أخوكي ، وماشي سكتي دغري ، ومليش في اللف والدوران .
- مش مرتحالك ، قلبي بيقولي إنك مش كويس ، أنا نفسي تبعد عن أخويا بجد ، لأنك حقود ومش سالك ، انتَ بتمثل المثالية ، وانتَ غير كده تمامًا .
فتركته وذهبت ، وغضب لحديثها معه بهذه الطريقة ، وقال :
مهما عملت مش نافع ، بس أنا هعرفك ، إزاي ترفضي هيثم البكري .
وذهب إلى الحانة التي يتعاطى بها المخدرات ، وبدأ يتعاطى جرعة كبيرة من غضبه ويقول :
ماشي ، يا مريم .
ماشي !!
وجاء من خلفة ، رجل جاحظ الوجه يدعى ˝ مرتضى السكري ˝ رجل عصابات، و تاجر للمخدرات ، فضرب كتفه وقال :
ايه يا عم هيثم بقالك يومين . غايب يعني ؟!.
- أكيد مش بتسأل ، لسواد عيوني ، خير ؟
- ايه يا عم ، في حد مزعلك النهاردة ولا ايه ؟!
- يعني ، مضايق شوية .
- طب والي يفك الضيقة دي ، يا عم .
- مش فاهم . انت عايز ايه ؟!
- ليك سبوبة حلوة ، انما ايه هتكسبك ملايين ، وأنا قولت ، انتَ أولى من أي حد .
- بجد ، إلي انتَ بتقوله ، ولا أنا تقلت العيار .
- عيب عليك ، اسمع ، الريس بتاعنا ˝سمير البارودي ˝ شاري أرض في الصحرا وعايز يبني ڤيلا صغيرة كده ، ومخزن كبير ، وقلي أشوف مهندس ثقة ، ينفذله إلي هو عايزه ، فجيت في بالي على طول ، الشغلانة فيها قرشين حلوين ، بس الغلطة بعمرك ، انت فاهم طبعًا .
فشرد قليلاً ، ثم حدث نفسه وقال :
جتلك لحد عندك .
فضحك بخبث وقال :
ينفع أشغل معايا في المشروع صديق ثقة بردو ، وأشطر مني كمان .
- ماشي ، المهم الشغل يخلص من غير مشاكل ويكون على أكمل وجه ، وأنا هخدلك معاد مع الريس ، عشان تقابله ، ويتفق معاك ، انتَ وزميلك .
- ماشي ، وأنا مستني تليفونك .
وبعد أن غادر الرجل ، هاتف تامر ، وقال:
لسه زعلان مني ؟!
- لا ، من حقك تعبر عن مشاعرك ، وأنا من حقي احترم مشاعر اختي ، وأيدها في كل اختياراتها الخاصة ، فانت إلي مش تزعل .
فقبض على الهاتف بيديه من شدة الغضب ، فقال بنبرة من الهدوء :
وأنا مش هيأس ، هحاول ، المهم ، عندي ليك مشروع هيكسبنا ملايين مع رجل أعمال كبير .
- بجد ، يا هيثم .
- طبعاً أنا قولت ، مفيش غير صحبي وصديق عمري تامر ، هو إلي يستحق يشاركني في المشروع ده ونكبر سوا .
- تسلملي يا صحبي .
- بص بكرة هيكلمونا ، عشان نروح نتفق مع الراجل الكبير ، استنى اتصال مني .
- شكرًا يا هيثم ، أنا مش هنسالك ده طول عمري .
- متقولش كده ، احنا اخوات ، يا ما كان بنا عيش وملح .
وبعد أن أغلق معه الهاتف ، قال :
والله ، ووقعت في ايدي يا بن المنصوري ، وأنا مش هنسى لأختك إلي قالتهولي ، واكسر قلبها عليك ، زي ما كسرتني .
تم بحمد الله
انتهاء الحلقة
نراكم في الحلقات القادمة
❞ جلست مسندة ظهرها إلى حائط الغرفة وأغلقت عينيها وهي تقول في نفسها إلى متى هذا الحال وغرقت بأحلامها وأفكارها واستيقظت من شرودها على صوت رنين الهاتف الأرضي قامت مسرعة والتقطت السماعة بنفس منقطع وقالت من معي ولكن لم يجب أحد بل سمعت صوت أغنيتها المفضلة (دايما\"دموع)فأغلقت السماعة بسرعة حتى لايأتي أحد وأخذ قلبها يخفق بشدة ترى من المتصل؟؟؟؟. ❝ ⏤
❞ جلست مسندة ظهرها إلى حائط الغرفة وأغلقت عينيها وهي تقول في نفسها إلى متى هذا الحال وغرقت بأحلامها وأفكارها واستيقظت من شرودها على صوت رنين الهاتف الأرضي قامت مسرعة والتقطت السماعة بنفس منقطع وقالت من معي ولكن لم يجب أحد بل سمعت صوت أغنيتها المفضلة (دايما˝دموع)فأغلقت السماعة بسرعة حتى لايأتي أحد وأخذ قلبها يخفق بشدة ترى من المتصل؟؟؟؟. ❝
❞ يقول لي الأستاذ زكريا:
- «هناك خلافات بيني وبين زوجتي.. خلافات خاصة.. أنت تعرف أن هناك أمورًا تقع بين الزوجين ولا يصح أن يعرفها أحد.. لا تطالبني بالشرح أرجوك. ولا تحاول جعل لساني ينزلق بالكلام».
طبعًا أنا غير مهتم البتة بالأمور التي تقع بينه وبين زوجته، ولا أملك أي درجة من الفضول، لهذا أقول في حرارة وصدق إنني لا أريد أن أعرف..
بعد قليل يقول لي:
- «في الحقيقة أنا متردد.. كل ذرة في كياني تطالبني بأن أصمت، لكنك أخ فاضل، ولا أعرف كيف أخفي عنك شيئًا كهذا»..
- «صدقني أنا لا أريد الضغط عليك».
طبعًا لا أجرؤ على القول إنني غير مهتم بأسراره بتاتًا، فهذه وقاحة أو نوع من الإهانة، لذا أصمت إلى أن تأتي اللحظة الرهيبة ويخبرني بالسر:
- «كانت هناك قطعة من التورتة في الثلاجة، وقد اتفقت مع زوجتي على أن نقتسمها. تسللت ليلًا لآكلها وحدي، فاتضح لي أن زوجتي سبقت وأكلتها!.. تصور!.. السيدة المهذبة بنت الأصول القادمة من أسرة ثرية تسرق. وتسرق من؟.. زوجها»!
فما أن أسمع هذا السر المريع حتى أهز رأسي، هنا أفاجأ به ينظر لي في توحش:
- «اسمع!.. ما كان يجب أن أقول هذا الكلام لكنني لم أستطع الكتمان.. أقسم بالله لو عرفت أنك أخبرت مخلوقًا لكان لي تصرف سيئ معك». هكذا أجد نفسي محملًا برغمي بسر لا يهمني في شيء، والمصيبة أن يتسرب. أتذكر قصة الحلاق الذي كان يحلق لأحد الأثرياء، ويعرف وحده أن للثري أذني حمار. ظل السر في صدره لفترة طويلة حتى أوشك على الانفجار. هكذا حفر حفرة في الأرض وراح يصرخ فيها: الثري له أذنا حمار !!! في اليوم التالي خرج من الحفرة نبات له مائة فرع، ومن كل فرع خرجت مائة زهرة تصرخ: الثري له أذنا حمار!
لكني بالفعل غير راغب في إذاعة السر، ولم أكن راغبًا في معرفته، وأعتقد أنني نسيت هذا الكلام الفارغ بعد ربع ساعة. لكن صاحبنا لا ينسى.. يقابلني في الشارع فينظر لي في شك، ثم يقول:
- «كما اتفقنا.. هه؟.. لا أحد يعرف.. هذه أمور خاصة جدًا».
لا أذكر عما يتكلم فأهز رأسي في ذكاء.
لكن الحياة ليست بهذه البساطة، إذ سرعان ما يأتي لي ليقول في غضب:
- «لقد ائتمنتك على سر عزيز من أسراري، لكن للأسف وضعت ثقتي بالشخص الخطأ.. أمس قابلت سيد الشماشرجي وهل تتصور ما وجدته؟.. إنه يعرف كل شيء.. التورتة وزوجتي و... كل شيء!.. معنى هذا أن شخصًا غير جدير بالثقة تكلم»!
أؤكد له وقد احمرت أذناي أنني لم ألق سيد الشماشرجي منذ عامين، ولو حدث لما أخبرته بشيء.. دعك من أنني غير مهتم بالقصة أصلًا..
لكنه ينصرف وهو يرغي ويزبد، وينعى ضياع المروءة والشهامة.. في اليوم التالي أقابل بعض الأصدقاء في العمل فيقول أحدهم:
- «هل سمعت قصة الأستاذ زكريا؟.. الرجل ترك قطعة من التورتة في الثلاجة فأكلتها زوجته»!
أسألهم في دهشة من أين عرفوا هذه التفاصيل، فيقولون في مرح:
- «الأستاذ زكريا نفسه»!
أهرع إلى الهاتف واتصل بزكريا لأقول له إن كل الناس يعرفون القصة.. منه هو شخصيًا، فيقول في غضب:
- «يتكلمون عن بيتي وعرضي وأنت تشاركهم هذا الحفل!.. هذا آخر شيء تصورته.. وحتى لو كنت أنا الذي أخبرتهم، فما هي المشكلة؟.. هذه أسراري يا أخي، ومن حقي التصرف بها كما أتصرف بمالي.. أنفقه بالشكل الذي أريده»!
أضع السماعة شاعرًا بالدوار من هذه اللعبة النفسية المعقدة.. الناس يحبون أن يشعرون أن لديهم أسرارًا خطيرة، فهذا يرفع تقديرهم لأنفسهم، دعك من منحهم الفرصة للعب القط والفأر مع السذج من أمثالي. هنا يأتي ذلك الصديق ليقول لي:
- «من المفترض ألا أخبرك بما سأقول فهو من أدق أسراري، لكنني أشعر أن بوسعي أن أثق بك.. القصة هي.... لكن.. إلى أين تهرب؟.. ماذا أصابك بالضبط»؟
#أحمد_خالد_توفيق
السر في بير
من كتاب وساوس وهلاوس. ❝ ⏤أحمد خالد توفيق
❞ يقول لي الأستاذ زكريا:
- «هناك خلافات بيني وبين زوجتي. خلافات خاصة. أنت تعرف أن هناك أمورًا تقع بين الزوجين ولا يصح أن يعرفها أحد. لا تطالبني بالشرح أرجوك. ولا تحاول جعل لساني ينزلق بالكلام».
طبعًا أنا غير مهتم البتة بالأمور التي تقع بينه وبين زوجته، ولا أملك أي درجة من الفضول، لهذا أقول في حرارة وصدق إنني لا أريد أن أعرف.
بعد قليل يقول لي:
- «في الحقيقة أنا متردد. كل ذرة في كياني تطالبني بأن أصمت، لكنك أخ فاضل، ولا أعرف كيف أخفي عنك شيئًا كهذا».
- «صدقني أنا لا أريد الضغط عليك».
طبعًا لا أجرؤ على القول إنني غير مهتم بأسراره بتاتًا، فهذه وقاحة أو نوع من الإهانة، لذا أصمت إلى أن تأتي اللحظة الرهيبة ويخبرني بالسر:
- «كانت هناك قطعة من التورتة في الثلاجة، وقد اتفقت مع زوجتي على أن نقتسمها. تسللت ليلًا لآكلها وحدي، فاتضح لي أن زوجتي سبقت وأكلتها!. تصور!. السيدة المهذبة بنت الأصول القادمة من أسرة ثرية تسرق. وتسرق من؟. زوجها»!
فما أن أسمع هذا السر المريع حتى أهز رأسي، هنا أفاجأ به ينظر لي في توحش:
- «اسمع!. ما كان يجب أن أقول هذا الكلام لكنني لم أستطع الكتمان. أقسم بالله لو عرفت أنك أخبرت مخلوقًا لكان لي تصرف سيئ معك». هكذا أجد نفسي محملًا برغمي بسر لا يهمني في شيء، والمصيبة أن يتسرب. أتذكر قصة الحلاق الذي كان يحلق لأحد الأثرياء، ويعرف وحده أن للثري أذني حمار. ظل السر في صدره لفترة طويلة حتى أوشك على الانفجار. هكذا حفر حفرة في الأرض وراح يصرخ فيها: الثري له أذنا حمار !!! في اليوم التالي خرج من الحفرة نبات له مائة فرع، ومن كل فرع خرجت مائة زهرة تصرخ: الثري له أذنا حمار!
لكني بالفعل غير راغب في إذاعة السر، ولم أكن راغبًا في معرفته، وأعتقد أنني نسيت هذا الكلام الفارغ بعد ربع ساعة. لكن صاحبنا لا ينسى. يقابلني في الشارع فينظر لي في شك، ثم يقول:
- «كما اتفقنا. هه؟. لا أحد يعرف. هذه أمور خاصة جدًا».
لا أذكر عما يتكلم فأهز رأسي في ذكاء.
لكن الحياة ليست بهذه البساطة، إذ سرعان ما يأتي لي ليقول في غضب:
- «لقد ائتمنتك على سر عزيز من أسراري، لكن للأسف وضعت ثقتي بالشخص الخطأ. أمس قابلت سيد الشماشرجي وهل تتصور ما وجدته؟. إنه يعرف كل شيء. التورتة وزوجتي و.. كل شيء!. معنى هذا أن شخصًا غير جدير بالثقة تكلم»!
أؤكد له وقد احمرت أذناي أنني لم ألق سيد الشماشرجي منذ عامين، ولو حدث لما أخبرته بشيء. دعك من أنني غير مهتم بالقصة أصلًا.
لكنه ينصرف وهو يرغي ويزبد، وينعى ضياع المروءة والشهامة. في اليوم التالي أقابل بعض الأصدقاء في العمل فيقول أحدهم:
- «هل سمعت قصة الأستاذ زكريا؟. الرجل ترك قطعة من التورتة في الثلاجة فأكلتها زوجته»!
أسألهم في دهشة من أين عرفوا هذه التفاصيل، فيقولون في مرح:
- «الأستاذ زكريا نفسه»!
أهرع إلى الهاتف واتصل بزكريا لأقول له إن كل الناس يعرفون القصة. منه هو شخصيًا، فيقول في غضب:
- «يتكلمون عن بيتي وعرضي وأنت تشاركهم هذا الحفل!. هذا آخر شيء تصورته. وحتى لو كنت أنا الذي أخبرتهم، فما هي المشكلة؟. هذه أسراري يا أخي، ومن حقي التصرف بها كما أتصرف بمالي. أنفقه بالشكل الذي أريده»!
أضع السماعة شاعرًا بالدوار من هذه اللعبة النفسية المعقدة. الناس يحبون أن يشعرون أن لديهم أسرارًا خطيرة، فهذا يرفع تقديرهم لأنفسهم، دعك من منحهم الفرصة للعب القط والفأر مع السذج من أمثالي. هنا يأتي ذلك الصديق ليقول لي:
- «من المفترض ألا أخبرك بما سأقول فهو من أدق أسراري، لكنني أشعر أن بوسعي أن أثق بك. القصة هي.. لكن. إلى أين تهرب؟. ماذا أصابك بالضبط»؟