❞ هديه ﷺ في الصدقة والزكاة
كان هديه ﷺ في الزكاة ، أكمل هدي في وقتها ، وقدرها ، ونصابها ، وَمَنْ تَجبُ عليه ومَصْرِفِها ، وقد راعى فيها مصلحة أرباب الأموال ، ومصلحة المساكين ، وجعلها الله سبحانه وتعالى طُهرة للمال ولصاحبه ، وقيد النعمة بها على الأغنياء ، فما زالت النعمة بالمال على من أدى زكاته ، بل يحفظه عليه ويُنميه له ، ويدفعُ عنه بها الآفاتِ ، ويجعلُها سُوراً عليه ، وحصناً له ، وحارساً له ، ثم إنه جعلها في أربعة أصناف من المال ، وهي أكثر الأموال دَوَراناً بين الخلق ، وحاجتهم إليها ضرورية 🔸️أحدها : الزرع ، والثمار 🔸️الثاني : بهيمة الأنعام من الإبل ، والبقر ، والغنم 🔸️الثالث : الجوهران اللذان بهما قوام العالم ، وهما الذهب والفضة 🔸️الرابع : أموال التجارة على اختلاف أنواعها ، ثم إنه أوجبها مرَّةً كل عام ، وجعل حول الزروع والثمار عند كمالها واستوائها ، وهذا أعدلُ ما يكون ، إذ وجوبُها كل شهر أو كُل جمعة يضُرُّ بأرباب الأموال ، ووجوبها في العمر مرة مما يضرُّ بالمساكين ، فلم يكن أعدل من وجوبها كُلَّ عام مرة ، ثم إنه فاوت بين مقادير الواجب بحسب سعي أرباب الأموال في تحصيلها ، وسهولة ذلك ، و مشقته ، فأوجب الخُمس فيما صادفه الإنسان مجموعاً محصَّلاً من الأموال، وهو الركاز ، ولم يعتبر له حولاً ، بل أوجب فيه الخمس متى ظفر به ، وأوجب نصفه وهو العشر فيما كانت مشقة تحصيله وتعبه وكُلفته فوق ذلك ، وذلك في الثمار والزروع التي يباشر حرث أرضها وسقيها وبذرها ، ويتولَّى الله سقيها من عنده بلا كلفة من العبد ، ولا شراء ماء ، ولا إثارة بئر ودولاب ، وأوجب نصف العُشر ، فيما تولى العبد سقيه بالكلفة ، والدوالي ، والنواضح ، وغيرها ، وأوجب نصف ذلك ، وهو ربع العشر ، فيما كان النماء فيه موقوفاً على عمل متصل من رب المال بالضرب في الأرض تارة وبالإدارة تارة ، وبالتربص تارة ، ولا ريب أن كلفة هذا أعظم من كلفة الزرع والثمار ، وأيضاً فإن نمو الزرع والثمار أظهر وأكثر من نمو التجارة ، فكان واجبها أكثر من واجب التجارة ، وظهور النمو فيما يُسقى بالسماء والأنهار ، أكثر مما يسقى بالدوالي والنواضح ، وظهوره فيما وجد محصلاً مجموعاً ، كالكنز ، أكثر وأظهر من الجميع ، ثم إنه لما كان لا يحتمل المواساة كل مال وإن قل ، جعل للمال الذي تحتمله المواساة نُصباً مقدرةً المواساة فيها ، لا تُجْحِفُ بأرباب الأموال ، وتقع موقعها من المساكين ، فجعل للوَرِقِ مئتي درهم ، وللذهب عشرين مثقالاً ، وللحبوب والثمار خمسة أوسق ، وهي خمسة أحمال من أحمال إبل العرب ، وللغنم أربعين شاة ، وللبقر ثلاثين بقرة ، وللإبل خمساً ، لكن لما كان نصابها لا يحتمل المواساة من جنسها أوجب فيها شاة ، فإذا تكررت الخمس خمس مرات وصارت خمساً وعشرين ، احتمل نصابها واحداً منها ، فكان هو الواجب ، ثم إنه لما قَدَّرَ سِنَّ الواجب في الزيادة والنقصان ، بحسب كثرة الإبل وقلتها من ابن مخاض ، وبنت مخاض ، وفوقه ابنُ لَبُون ، وبنت لبون ، وفوقه الحِقُ والحِقَّة ، وفوقه الجَذَعُ والجَذَعَة ، وكلما كثرت الإبلُ ، زاد السِّن إلى أن يصل السِّنُ إلى منتهاه ، فحينئذ جعل زيادة عدد الواجب في مقابلة زيادة عدد المال. ❝ ⏤محمد ابن قيم الجوزية
❞ هديه ﷺ في الصدقة والزكاة
كان هديه ﷺ في الزكاة ، أكمل هدي في وقتها ، وقدرها ، ونصابها ، وَمَنْ تَجبُ عليه ومَصْرِفِها ، وقد راعى فيها مصلحة أرباب الأموال ، ومصلحة المساكين ، وجعلها الله سبحانه وتعالى طُهرة للمال ولصاحبه ، وقيد النعمة بها على الأغنياء ، فما زالت النعمة بالمال على من أدى زكاته ، بل يحفظه عليه ويُنميه له ، ويدفعُ عنه بها الآفاتِ ، ويجعلُها سُوراً عليه ، وحصناً له ، وحارساً له ، ثم إنه جعلها في أربعة أصناف من المال ، وهي أكثر الأموال دَوَراناً بين الخلق ، وحاجتهم إليها ضرورية 🔸️أحدها : الزرع ، والثمار 🔸️الثاني : بهيمة الأنعام من الإبل ، والبقر ، والغنم 🔸️الثالث : الجوهران اللذان بهما قوام العالم ، وهما الذهب والفضة 🔸️الرابع : أموال التجارة على اختلاف أنواعها ، ثم إنه أوجبها مرَّةً كل عام ، وجعل حول الزروع والثمار عند كمالها واستوائها ، وهذا أعدلُ ما يكون ، إذ وجوبُها كل شهر أو كُل جمعة يضُرُّ بأرباب الأموال ، ووجوبها في العمر مرة مما يضرُّ بالمساكين ، فلم يكن أعدل من وجوبها كُلَّ عام مرة ، ثم إنه فاوت بين مقادير الواجب بحسب سعي أرباب الأموال في تحصيلها ، وسهولة ذلك ، و مشقته ، فأوجب الخُمس فيما صادفه الإنسان مجموعاً محصَّلاً من الأموال، وهو الركاز ، ولم يعتبر له حولاً ، بل أوجب فيه الخمس متى ظفر به ، وأوجب نصفه وهو العشر فيما كانت مشقة تحصيله وتعبه وكُلفته فوق ذلك ، وذلك في الثمار والزروع التي يباشر حرث أرضها وسقيها وبذرها ، ويتولَّى الله سقيها من عنده بلا كلفة من العبد ، ولا شراء ماء ، ولا إثارة بئر ودولاب ، وأوجب نصف العُشر ، فيما تولى العبد سقيه بالكلفة ، والدوالي ، والنواضح ، وغيرها ، وأوجب نصف ذلك ، وهو ربع العشر ، فيما كان النماء فيه موقوفاً على عمل متصل من رب المال بالضرب في الأرض تارة وبالإدارة تارة ، وبالتربص تارة ، ولا ريب أن كلفة هذا أعظم من كلفة الزرع والثمار ، وأيضاً فإن نمو الزرع والثمار أظهر وأكثر من نمو التجارة ، فكان واجبها أكثر من واجب التجارة ، وظهور النمو فيما يُسقى بالسماء والأنهار ، أكثر مما يسقى بالدوالي والنواضح ، وظهوره فيما وجد محصلاً مجموعاً ، كالكنز ، أكثر وأظهر من الجميع ، ثم إنه لما كان لا يحتمل المواساة كل مال وإن قل ، جعل للمال الذي تحتمله المواساة نُصباً مقدرةً المواساة فيها ، لا تُجْحِفُ بأرباب الأموال ، وتقع موقعها من المساكين ، فجعل للوَرِقِ مئتي درهم ، وللذهب عشرين مثقالاً ، وللحبوب والثمار خمسة أوسق ، وهي خمسة أحمال من أحمال إبل العرب ، وللغنم أربعين شاة ، وللبقر ثلاثين بقرة ، وللإبل خمساً ، لكن لما كان نصابها لا يحتمل المواساة من جنسها أوجب فيها شاة ، فإذا تكررت الخمس خمس مرات وصارت خمساً وعشرين ، احتمل نصابها واحداً منها ، فكان هو الواجب ، ثم إنه لما قَدَّرَ سِنَّ الواجب في الزيادة والنقصان ، بحسب كثرة الإبل وقلتها من ابن مخاض ، وبنت مخاض ، وفوقه ابنُ لَبُون ، وبنت لبون ، وفوقه الحِقُ والحِقَّة ، وفوقه الجَذَعُ والجَذَعَة ، وكلما كثرت الإبلُ ، زاد السِّن إلى أن يصل السِّنُ إلى منتهاه ، فحينئذ جعل زيادة عدد الواجب في مقابلة زيادة عدد المال. ❝
❞ أنتِ أيضاً صحابيَّة!
وها هو نبيُّكِ ﷺ، وحبيبكِ قد عاد من رحلته إلى السَّماء!
جالسةٌ أنتِ في جمع الصَّحابة
وكلُّكِ لهفة لتسمعي شيئاً من عجائب المعراج!
وها هو الذي حلَّ ضيفاً في سِدرة المنتهى،
يُسرِجُ لكِ صهوةَ الكلامِ بعذبِ صوته ويقول لكِ:
لمَّا كانت الليلة التي أُسريَ بي فيها،
أتتْ عليَّ رائحة طيِّبة،
فقلتُ: يا جبريلُ ما هذه الرائحة؟
فقال: بينما هي تُمشِّطُ ابنة فرعون ذات يوم
إذ سقطَ المشطُ من يدها، فقالت: بسم الله!
فقالتْ لها ابنة فرعون: أبي؟!
فقالتْ: لا، ولكن ربي وربُّ أبيكِ الله!
قالتْ: أأخبره بذلك؟
قالت: نعم!
فأخبرته، فدعاها،
فقال: يا فلانة وإنَّ لكِ ربَّاً غيري؟
قالتْ: نعم، ربي وربُّكَ الله!
فأمر بقِدْرٍ من نُحاسٍ فأُحميتْ
ثم أمرَ أن تُلقى هي وأولادها فيها!
قالتْ له: إنَّ لي إليكَ حاجة!
قال: وما حاجتكِ؟
قالتْ: أُحبُّ أن تجمع عظامي وعظام أولادي
في ثوبٍ واحدٍ وتدفننا!
قال: ذلكَ لكِ علينا من الحق!
فأمر بأولادها فأُلقوا بين يديها واحداً واحداً!
إلى أن انتهى ذلكَ إلى صبيٍّ لها رضيع،
وكأنها تقاعستْ من أجله،
فقال: يا أُمَّاه، اقتحمي،
فإنَّ عذابَ الدنيا أهون من عذاب الآخرة!
أرأيتِ ما يفعلُ الإيمان بالقلوب أيتها الصحابيَّة؟!
أرأيتِ كيف يُحوَّل المرء من كائنٍ ضعيفٍ
إلى جبلٍ ثابتٍ لا يركعُ إلا لربِّه،
إنها مجرَّد ماشطةٍ بين آلاف الخدم،
وفرعون الملكُ الجبَّار الذي يهابه الرجال الأشداء
وينادي في الناس كذباً وزوراً: ﴿أنا ربكم الأعلى﴾
فلا يجد من يخبره بكفره وافترائه
بلد كاملٌ منصاعٌ له عن آخره خوفاً ورهبة
ولكن الإيمان غيَّرَ كل هذه المعادلة!
الخادمة الضَّعيفة في مواجهة الملكِ الذي يحكم ظلماً،
والإله الذي يُعبدُ كُفراً،
مواجهة محسومة مسبقاً لولا الإيمان الذي قلبَ الموازين،
وقفتْ الماشطة بثباتٍ حيث يرتجفُ الرِّجال،
وقالتْ لفرعون قولاً لم يسبق أن سمعه من غيرها،
ربي وربُّكَ الله!
كل جيوش فرعون لم تُغنِ عنه شيئا،ً
كل جبروته ذهبَ أدراج الرياح،
وجلس صاغراً يأخذ درساً في التوحيد من ماشطة ابنته:
\"ربي وربُّكَ الله\"!
لولا الإيمان ما سمعنا بهذه المرأة،
ولطواها التاريخ كما طوى ملايين الناس،
ولكنه الإيمان أقوى جنود الله إذا ما تمكَّنَ من القلب!
أنتِ بالإيمان، جبل وإن كنتِ تفيضين أنوثة!
وأنتِ بالإيمان جيش، وإن كنتِ وحدكِ!
مع الإيمان لا شيء في الدُّنيا يستطيعُ هزيمتكِ،
إنه سلاحُكِ الأقوى، وسيفُكِ الأمضى!
تتأملين أنوثتكِ في المرآة
وأنتِ المفطورةُ على أن تُظهريها لتُشبعي جوع الحُب عندكِ،
ولكنَّ الإيمان الذي في قلبكِ يجعلكِ تقولين لنفسكِ؟
هذا الجمال يجب أن يُصان عن العيون،
هذه الأنوثة سأخبئها إلى حين يأتي صاحبها،
فيجدني كالدُّرة المُصانة التي لا تُعرضُ في الواجهات!
الذَّهب يُعرضُ على الرفوف أمام المارَّة،
أما الدُّررُ فتُخبأ إلى أن يأتي من يعرف قيمتها!
أنتِ بالإيمان أقوى!
يمرُّ بكِ الفقرُ الذي يمرُّ بالنَّاس فيسخطهم على قَدَرِ الله،
أما أنتِ فتقولين له:
إنَّ الله تعالى لم يحرمني عن قلَّة ما عنده،
فخزائن السماوات والأرض بيده،
ولكنها دار امتحان وقد ابتلاني اللهُ بكَ
لينظرَ أأصبرُ أم أكفر!
وأنا صابرة محتسبة فأقِمْ يا فقر ما شئتَ عندي،
فلستَ تقيمُ بأمركَ ولا ترحلُ بأمركَ،
إنَّ الأمر كله لله!
ثم تعزين نفسكِ بنبيِّكِ ﷺ، وحبيبكِ
تتذكرين كيف نام على الحصير حتى أثَّر في جنبه ﷺ،
فلم يكن عنده فراش وثير!
وتتذكرين كيف كان ﷺ يربطُ حجراً على بطنه من الجوع،
وكيف كانت تمرُّ الأيام ولا يوقَدُ في بيته ﷺ نار لطعام،
ليس له ﷺ، ولزوجاته من الطعام غير التمر والماء!
فتهون عليكِ نفسكِ أمام نفسه،
وتهمسين لنفسكِ: أنا أيضاً صحابيَّة،
وسأصبر كما صبر رسول الله ﷺ!
أنتِ بالإيمان جبل،
يمرُّ بكِ المرضُ الذي يمرُّ بالناس،
ويجعلهم غير راضين على قدر الله،
أما أنتِ فتقولين له:
إنَّ الله نظرَ إليَّ فأحبَّني،
وأراد أن يرفع درجتي في الجنّة،
فأرسلكَ إليَّ!
فواللهِ لن تجد مني يا مرض غير الحمد والصبر،
لستُ خيراً من أيوب عليه السلام إذ ابتلاه ربه،
ولستُ خيراً من نبيي وحبيبي ﷺ،
إذ كان ﷺ يربطُ رأسه من شدة الصُداع،
ويجهده التعب والوجع إذا راجعه أثر سُمِّ اليهودية،
الذي دسته له في كتف الشاة!
يا أيها المرضُ لم تأتِ بأمركِ،
ولن ترحلَ بأمركَ،
إنَّ الأمر كله للهِ،
فإن أقمتَ عندي فلن تجد إلا الصبر
وإن رحلتَ فلن تجدَ إلا الشُّكر
أنا أَمةُ الله، ومُلكه، وله، وطوع أمره، وبين يديه
وكل أقداره خير!
أنتِ بالإيمان غير!
يمرُّ بكِ فقدُ الأحبة الذي يمرُّ بالناس،
ويجعلهم يتذمرون فقد أحبابهم،
أما أنتِ فتقولين له:
لله ما أعطى، ولله ما أخذ، وكل شيءٍ عنده بقدر!
وتتعزين بنبيكِ وحبيبكِ ﷺ،
تتذكرين حزنه يوم فقد زوجته خديجة،
وتتذكرين وجعه يوم فقد عمه حمزة،
وتتذكرين دموعه يوم فقد ابنه الرضيع إبراهيم،
فتعلمين أنها أعمار مكتوبة، وآجال محددة،
وأننا سنمضي جميعاً نهاية المطاف،
وأننا لسنا إلا ودائع في هذه الدنيا،
وأن صاحب الوديعة من حقه أن يستردَّها متى شاء!
لم نُخلق للدنيا أيتها الصحابيَّة،
لسنا إلا عابرين في سفرٍ طويلٍ،
بيوتنا الحقيقية في الجنّة،
حيث سكن أبونا آدم عليه السلام وأُمنا حوَّاء يوماً،
إلى هناك ننتمي، وإلى هناك سنعود،
فاصبري،
فمن عرفَ ما يطلبُ هان عليه ما يبذل!. ❝ ⏤أدهم شرقاوي
❞ أنتِ أيضاً صحابيَّة!
وها هو نبيُّكِ ﷺ، وحبيبكِ قد عاد من رحلته إلى السَّماء!
جالسةٌ أنتِ في جمع الصَّحابة
وكلُّكِ لهفة لتسمعي شيئاً من عجائب المعراج!
وها هو الذي حلَّ ضيفاً في سِدرة المنتهى،
يُسرِجُ لكِ صهوةَ الكلامِ بعذبِ صوته ويقول لكِ:
لمَّا كانت الليلة التي أُسريَ بي فيها،
أتتْ عليَّ رائحة طيِّبة،
فقلتُ: يا جبريلُ ما هذه الرائحة؟
فقال: بينما هي تُمشِّطُ ابنة فرعون ذات يوم
إذ سقطَ المشطُ من يدها، فقالت: بسم الله!
فقالتْ لها ابنة فرعون: أبي؟!
فقالتْ: لا، ولكن ربي وربُّ أبيكِ الله!
قالتْ: أأخبره بذلك؟
قالت: نعم!
فأخبرته، فدعاها،
فقال: يا فلانة وإنَّ لكِ ربَّاً غيري؟
قالتْ: نعم، ربي وربُّكَ الله!
فأمر بقِدْرٍ من نُحاسٍ فأُحميتْ
ثم أمرَ أن تُلقى هي وأولادها فيها!
قالتْ له: إنَّ لي إليكَ حاجة!
قال: وما حاجتكِ؟
قالتْ: أُحبُّ أن تجمع عظامي وعظام أولادي
في ثوبٍ واحدٍ وتدفننا!
قال: ذلكَ لكِ علينا من الحق!
فأمر بأولادها فأُلقوا بين يديها واحداً واحداً!
إلى أن انتهى ذلكَ إلى صبيٍّ لها رضيع،
وكأنها تقاعستْ من أجله،
فقال: يا أُمَّاه، اقتحمي،
فإنَّ عذابَ الدنيا أهون من عذاب الآخرة!
أرأيتِ ما يفعلُ الإيمان بالقلوب أيتها الصحابيَّة؟!
أرأيتِ كيف يُحوَّل المرء من كائنٍ ضعيفٍ
إلى جبلٍ ثابتٍ لا يركعُ إلا لربِّه،
إنها مجرَّد ماشطةٍ بين آلاف الخدم،
وفرعون الملكُ الجبَّار الذي يهابه الرجال الأشداء
وينادي في الناس كذباً وزوراً: ﴿أنا ربكم الأعلى﴾ فلا يجد من يخبره بكفره وافترائه
بلد كاملٌ منصاعٌ له عن آخره خوفاً ورهبة
ولكن الإيمان غيَّرَ كل هذه المعادلة!
الخادمة الضَّعيفة في مواجهة الملكِ الذي يحكم ظلماً،
والإله الذي يُعبدُ كُفراً،
مواجهة محسومة مسبقاً لولا الإيمان الذي قلبَ الموازين،
وقفتْ الماشطة بثباتٍ حيث يرتجفُ الرِّجال،
وقالتْ لفرعون قولاً لم يسبق أن سمعه من غيرها،
ربي وربُّكَ الله!
كل جيوش فرعون لم تُغنِ عنه شيئا،ً
كل جبروته ذهبَ أدراج الرياح،
وجلس صاغراً يأخذ درساً في التوحيد من ماشطة ابنته:
˝ربي وربُّكَ الله˝!
لولا الإيمان ما سمعنا بهذه المرأة،
ولطواها التاريخ كما طوى ملايين الناس،
ولكنه الإيمان أقوى جنود الله إذا ما تمكَّنَ من القلب!
أنتِ بالإيمان، جبل وإن كنتِ تفيضين أنوثة!
وأنتِ بالإيمان جيش، وإن كنتِ وحدكِ!
مع الإيمان لا شيء في الدُّنيا يستطيعُ هزيمتكِ،
إنه سلاحُكِ الأقوى، وسيفُكِ الأمضى!
تتأملين أنوثتكِ في المرآة
وأنتِ المفطورةُ على أن تُظهريها لتُشبعي جوع الحُب عندكِ،
ولكنَّ الإيمان الذي في قلبكِ يجعلكِ تقولين لنفسكِ؟
هذا الجمال يجب أن يُصان عن العيون،
هذه الأنوثة سأخبئها إلى حين يأتي صاحبها،
فيجدني كالدُّرة المُصانة التي لا تُعرضُ في الواجهات!
الذَّهب يُعرضُ على الرفوف أمام المارَّة،
أما الدُّررُ فتُخبأ إلى أن يأتي من يعرف قيمتها!
أنتِ بالإيمان أقوى!
يمرُّ بكِ الفقرُ الذي يمرُّ بالنَّاس فيسخطهم على قَدَرِ الله،
أما أنتِ فتقولين له:
إنَّ الله تعالى لم يحرمني عن قلَّة ما عنده،
فخزائن السماوات والأرض بيده،
ولكنها دار امتحان وقد ابتلاني اللهُ بكَ
لينظرَ أأصبرُ أم أكفر!
وأنا صابرة محتسبة فأقِمْ يا فقر ما شئتَ عندي،
فلستَ تقيمُ بأمركَ ولا ترحلُ بأمركَ،
إنَّ الأمر كله لله!
ثم تعزين نفسكِ بنبيِّكِ ﷺ، وحبيبكِ
تتذكرين كيف نام على الحصير حتى أثَّر في جنبه ﷺ،
فلم يكن عنده فراش وثير!
وتتذكرين كيف كان ﷺ يربطُ حجراً على بطنه من الجوع،
وكيف كانت تمرُّ الأيام ولا يوقَدُ في بيته ﷺ نار لطعام،
ليس له ﷺ، ولزوجاته من الطعام غير التمر والماء!
فتهون عليكِ نفسكِ أمام نفسه،
وتهمسين لنفسكِ: أنا أيضاً صحابيَّة،
وسأصبر كما صبر رسول الله ﷺ!
أنتِ بالإيمان جبل،
يمرُّ بكِ المرضُ الذي يمرُّ بالناس،
ويجعلهم غير راضين على قدر الله،
أما أنتِ فتقولين له:
إنَّ الله نظرَ إليَّ فأحبَّني،
وأراد أن يرفع درجتي في الجنّة،
فأرسلكَ إليَّ!
فواللهِ لن تجد مني يا مرض غير الحمد والصبر،
لستُ خيراً من أيوب عليه السلام إذ ابتلاه ربه،
ولستُ خيراً من نبيي وحبيبي ﷺ،
إذ كان ﷺ يربطُ رأسه من شدة الصُداع،
ويجهده التعب والوجع إذا راجعه أثر سُمِّ اليهودية،
الذي دسته له في كتف الشاة!
يا أيها المرضُ لم تأتِ بأمركِ،
ولن ترحلَ بأمركَ،
إنَّ الأمر كله للهِ،
فإن أقمتَ عندي فلن تجد إلا الصبر
وإن رحلتَ فلن تجدَ إلا الشُّكر
أنا أَمةُ الله، ومُلكه، وله، وطوع أمره، وبين يديه
وكل أقداره خير!
أنتِ بالإيمان غير!
يمرُّ بكِ فقدُ الأحبة الذي يمرُّ بالناس،
ويجعلهم يتذمرون فقد أحبابهم،
أما أنتِ فتقولين له:
لله ما أعطى، ولله ما أخذ، وكل شيءٍ عنده بقدر!
وتتعزين بنبيكِ وحبيبكِ ﷺ،
تتذكرين حزنه يوم فقد زوجته خديجة،
وتتذكرين وجعه يوم فقد عمه حمزة،
وتتذكرين دموعه يوم فقد ابنه الرضيع إبراهيم،
فتعلمين أنها أعمار مكتوبة، وآجال محددة،
وأننا سنمضي جميعاً نهاية المطاف،
وأننا لسنا إلا ودائع في هذه الدنيا،
وأن صاحب الوديعة من حقه أن يستردَّها متى شاء!
لم نُخلق للدنيا أيتها الصحابيَّة،
لسنا إلا عابرين في سفرٍ طويلٍ،
بيوتنا الحقيقية في الجنّة،
حيث سكن أبونا آدم عليه السلام وأُمنا حوَّاء يوماً،
إلى هناك ننتمي، وإلى هناك سنعود،
فاصبري،
فمن عرفَ ما يطلبُ هان عليه ما يبذل!. ❝
❞ العجوز و الشاة
يحكى أن امرأة أعرابية كانت ترعى شاةً، تقتات على لبنها، وقد وجدت ذئباً حديث الولادة فعطفت عليه، وأخذته معها إلى بيتها، وجعلته يتغذى على لبن تلك الشاة.
ومع عدة شهور كَبُر الذئب، وأصبح حيوانا شرسا، وفي أحد الأيام عادت الأعرابية إلى بيتها، فوجدتْ الذئبَ في غيابها قد هاجمَ الشاة وأكلها قبل عودتها، فحزنت وبحرقة ولوعة عصفت بفؤادها أنشدت قائلة:
بَقرتَ شُويْهَتي وفَجعتَ قلبي * وأنتَ لِشاتِنا ولدٌ رَبيـــــــــبُ
غُذيت بدُرها وربيت فـينــــا * فَـمنْ أنباكَ أنّ أبـاكَ ذيـــــبُ
إذا كان الطباعُ طباعَ ســـوءٍ * فلا أدبٌ يـفـيـدُ ولا أديــــــبُ. ❝ ⏤زهراء مسلم حسن
❞ العجوز و الشاة
يحكى أن امرأة أعرابية كانت ترعى شاةً، تقتات على لبنها، وقد وجدت ذئباً حديث الولادة فعطفت عليه، وأخذته معها إلى بيتها، وجعلته يتغذى على لبن تلك الشاة.
ومع عدة شهور كَبُر الذئب، وأصبح حيوانا شرسا، وفي أحد الأيام عادت الأعرابية إلى بيتها، فوجدتْ الذئبَ في غيابها قد هاجمَ الشاة وأكلها قبل عودتها، فحزنت وبحرقة ولوعة عصفت بفؤادها أنشدت قائلة:
بَقرتَ شُويْهَتي وفَجعتَ قلبي * وأنتَ لِشاتِنا ولدٌ رَبيـــــــــبُ
غُذيت بدُرها وربيت فـينــــا * فَـمنْ أنباكَ أنّ أبـاكَ ذيـــــبُ
إذا كان الطباعُ طباعَ ســـوءٍ * فلا أدبٌ يـفـيـدُ ولا أديــــــبُ. ❝
❞ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)
قوله تعالى : وفديناه بذبح عظيم الذبح اسم المذبوح وجمعه ذبوح ، كالطحن اسم المطحون . والذبح بالفتح المصدر . " عظيم " أي : عظيم القدر ، ولم يرد عظيم الجثة . وإنما عظم قدره لأنه فدي به الذبيح ، أو لأنه متقبل . قال النحاس : عظيم في اللغة يكون للكبير وللشريف . وأهل التفسير على أنه هاهنا للشريف ، أو المتقبل . وقال ابن عباس : هو الكبش الذي تقرب به هابيل ، وكان في الجنة يرعى حتى فدى الله به إسماعيل . وعنه أيضا : أنه كبش أرسله الله من الجنة كان قد رعى في الجنة أربعين خريفا . وقال الحسن : ما فدي إسماعيل إلا بتيس من الأروى هبط عليه من ثبير ، فذبحه إبراهيم فداء عن ابنه ، وهذا قول علي - رضي الله عنه - . فلما رآه إبراهيم أخذه فذبحه وأعتق ابنه . وقال : يا بني اليوم وهبت لي . وقال أبو إسحاق الزجاج : قد قيل إنه فدي بوعل ، والوعل : التيس الجبلي . وأهل التفسير على أنه فدي بكبش .
في هذه الآية دليل على أن الأضحية بالغنم أفضل من الإبل والبقر . وهذا مذهب مالك وأصحابه . قالوا : أفضل الضحايا الفحول من الضأن ، وإناث الضأن أفضل من فحل المعز ، وفحول المعز خير من إناثها ، وإناث المعز خير من الإبل والبقر . وحجتهم قوله سبحانه وتعالى : وفديناه بذبح عظيم أي : ضخم الجثة سمين ، وذلك كبش لا جمل ولا بقرة . وروى مجاهد وغيره عن ابن عباس أنه سأله رجل : إني نذرت أن أنحر ابني ؟ فقال : يجزيك كبش سمين ، ثم قرأ : وفديناه بذبح عظيم . وقال بعضهم : لو علم الله حيوانا أفضل من الكبش لفدى به إسحاق . وضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين . وأكثر ما ضحى به الكباش . وذكر ابن أبي شيبة عن ابن علية عن الليث عن مجاهد قال : الذبح العظيم : الشاة .
واختلفوا أيهما أفضل : الأضحية أو الصدقة بثمنها . فقال مالك وأصحابه : الضحية أفضل إلا بمنى ; لأنه ليس موضع الأضحية ، حكاه أبو عمر . وقال ابن المنذر : روينا عن بلال أنه قال : ما أبالي ألا أضحي إلا بديك ، ولأن أضعه في يتيم قد ترب فيه - هكذا قال المحدث - أحب إلي من أن أضحي به . وهذا قول الشعبي : إن الصدقة أفضل . وبه قال مالك وأبو ثور . وفيه قول ثان : إن الضحية أفضل ، هذا قول ربيعة وأبي الزناد . وبه قال أصحاب الرأي . زاد أبو عمر : وأحمد بن حنبل . قالوا : الضحية أفضل من الصدقة ; لأن الضحية سنة مؤكدة كصلاة العيد . ومعلوم أن صلاة العيد أفضل من سائر النوافل . وكذلك صلوات السنن أفضل من التطوع كله . قال أبو عمر : وقد روي في فضل الضحايا آثار حسان ، فمنها ما رواه سعيد بن داود بن أبي زنبر عن مالك عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما من نفقة بعد صلة الرحم أفضل عند الله من إهراق الدم قال أبو عمر : وهو حديث غريب من حديث مالك . وعن عائشة قالت : يا أيها الناس ضحوا وطيبوا أنفسا ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ما من عبد توجه بأضحيته إلى القبلة إلا كان دمها وقرنها وصوفها حسنات محضرات في ميزانه يوم القيامة ، فإن الدم إن وقع في التراب فإنما يقع في حرز الله حتى يوفيه صاحبه يوم القيامة ذكره أبو عمر في كتاب التمهيد . وخرج الترمذي أيضا عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم ، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها ، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع إلى الأرض ، فطيبوا بها نفسا قال : وفي الباب عن عمران بن حصين وزيد بن أرقم . وهذا حديث حسن .
الضحية ليست بواجبة ولكنها سنة ومعروف . وقال عكرمة : كان ابن عباس يبعثني يوم الأضحى بدرهمين أشتري له لحما ، ويقول : من لقيت فقل : هذه أضحية ابن عباس . قال أبو عمر : ومجمل هذا وما روي عن أبي بكر وعمر أنهما لا يضحيان عند أهل العلم ، لئلا يعتقد في المواظبة عليها أنها واجبة فرض ، وكانوا أئمة يقتدي بهم من بعدهم ممن ينظر في دينه إليهم ; لأنهم الواسطة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين أمته ، فساغ لهم من الاجتهاد في ذلك ما لا يسوغ اليوم لغيرهم . وقد حكى الطحاوي في مختصره : وقال أبو حنيفة : الأضحية واجبة على المقيمين الواجدين من أهل الأمصار ، ولا تجب على المسافر . قال : ويجب على الرجل من الأضحية على ولده الصغير مثل الذي يجب عليه من نفسه . وخالفه أبو يوسف ومحمد فقالا : ليست بواجبة ولكنها سنة غير مرخص لمن وجد السبيل إليها في تركها . قال : وبه نأخذ . قال أبو عمر : وهذا قول مالك ، قال : لا ينبغي لأحد تركها مسافرا كان أو مقيما ، فإن تركها فبئس ما صنع إلا أن يكون له عذر إلا الحاج بمنى . وقال الإمام الشافعي : هي سنة على جميع الناس وعلى الحاج بمنى وليست بواجبة . وقد احتج من أوجبها بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بردة بن نيار أن يعيد ضحية أخرى ; لأن ما لم يكن فرضا لا يؤمر فيه بالإعادة . احتج آخرون بحديث أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي قالوا : فلو كان ذلك واجبا لم يجعل ذلك إلى إرادة المضحي . وهو قول أبي بكر وعمر وأبي مسعود البدري وبلال .
والذي يضحى به بإجماع المسلمين الأزواج الثمانية : وهي الضأن والمعز والإبل والبقر . قال ابن المنذر : وقد حكي عن الحسن بن صالح أنه قال : يضحى ببقرة الوحش عن سبعة ، وبالظبي عن رجل . وقال الإمام الشافعي : لو نزا ثور وحشي على بقرة إنسية ، أو ثور إنسي على بقرة وحشية لا يجوز شيء من هذا أضحية . وقال أصحاب الرأي : جائز ; لأن ولدها بمنزلة أمه . وقال أبو ثور : يجوز إذا كان منسوبا إلى الأنعام .
قد مضى في سورة [ الحج ] الكلام في وقت الذبح والأكل من الأضحية مستوفى . وفي صحيح مسلم عن أنس قال : ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين أقرنين ، ذبحهما بيده ، وسمى وكبر ، ووضع رجله على صفاحهما في رواية قال : ويقول : بسم الله والله أكبر وقد مضى في آخر [ الأنعام ] حديث عمران بن حصين ، ومضى في [ المائدة ] القول في التذكية وبيانها وما يذكى به ، وأن ذكاة الجنين ذكاة أمه مستوفى . وفي صحيح مسلم عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتي به ليضحي به فقال لها : يا عائشة ، هلمي المدية ، ثم قال : اشحذيها بحجر ، ففعلت ، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ، ثم قال : بسم الله ، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ، ثم ضحى به . وقد اختلف العلماء في هذا فكان الحسن البصري يقول في الأضحية : بسم الله والله أكبر ، هذا منك ولك ، تقبل من فلان . وقال مالك : إن فعل ذلك فحسن ، وإن لم يفعل وسمى الله أجزأه . وقال الشافعي : والتسمية على الذبيحة بسم الله ، فإن زاد بعد ذلك شيئا من ذكر الله ، أو صلى على محمد - عليه السلام - لم أكرهه ، أو قال : اللهم تقبل مني ، أو قال : تقبل من فلان ، فلا بأس . وقال النعمان : يكره أن يذكر مع اسم الله غيره ، يكره أن يقول : اللهم تقبل من فلان عند الذبح . وقال : لا بأس إذا كان قبل التسمية وقبل أن يضجع للذبح . وحديث عائشة يرد هذا القول . وقد تقدم أن إبراهيم - عليه السلام - قال لما أراد ذبح ابنه : الله أكبر والحمد لله . فبقي سنة .
روى البراء بن عازب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل : ماذا يتقى من الضحايا ؟ فأشار بيده وقال : أربعا - وكان البراء يشير بيده ويقول : يدي أقصر من يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - العرجاء البين ظلعها ، والعوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقى لفظ مالك ولا خلاف فيه . واختلف في اليسير من ذلك . وفي الترمذي عن علي - رضي الله عنه - قال : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستشرف العين والأذن ، وألا نضحي بمقابلة ، ولا مدابرة ، ولا شرقاء ، ولا خرقاء . قال : والمقابلة ما قطع طرف أذنها ، والمدابرة ما قطع من جانب الأذن ، والشرقاء المشقوقة ، والخرقاء المثقوبة ، قال : هذا حديث حسن صحيح . وفي الموطأ عن نافع : أن عبد الله بن عمر كان يتقي من الضحايا والبدن التي لم تسنن ، والتي نقص من خلقها . قال مالك : وهذا أحب ما سمعت إلي . قال القتبي : لم تسنن أي : لم تنبت أسنانها كأنها لم تعط أسنانا . وهذا كما يقال : فلان لم يلبن أي : لم يعط لبنا ، ولم يسمن أي : لم يعط سمنا ، ولم يعسل أي : لم يعط عسلا . وهذا مثل النهي في الأضاحي عن الهتماء . قال أبو عمر : ولا بأس أن يضحى عند مالك بالشاة الهتماء إذا كان سقوط أسنانها من الكبر والهرم وكانت سمينة ، فإن كانت ساقطة الأسنان وهي فتية لم يجز أن يضحى بها ; لأنه عيب غير خفيف . والنقصان كله مكروه ، وشرحه وتفصيله في كتب الفقه . وفي الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : استشرقوا ضحاياكم ؛ فإنها على الصراط مطاياكم ذكره الزمخشري .
ودلت الآية على أن من نذر نحر ابنه أو ذبحه أنه يفديه بكبش كما فدى به إبراهيم ابنه ، قاله ابن عباس . وعنه رواية أخرى : ينحر مائة من الإبل كما فدى بها عبد المطلب ابنه ، روى الروايتين عنه الشعبي . وروى عنه القاسم بن محمد : يجزيه كفارة يمين . وقال مسروق : لا شيء عليه . وقال الشافعي : هو معصية يستغفر الله منها . وقال أبو حنيفة : هي كلمة يلزمه بها في ولده ذبح شاة ، ولا يلزمه في غير ولده شيء . قال محمد : عليه في الحلف بنحر عبده مثل الذي عليه في الحلف بنحر ولده إذا حنث . وذكر ابن عبد الحكم عن مالك فيمن قال : أنا أنحر ولدي عند مقام إبراهيم في يمين ثم حنث فعليه هدي . قال : ومن نذر أن ينحر ابنه ولم يقل عند مقام إبراهيم ولا أراد فلا شيء عليه . قال : ومن جعل ابنه هديا أهدى عنه ، قال القاضي ابن العربي : يلزمه شاة كما قال أبو حنيفة ; لأن الله تعالى جعل ذبح الولد عبارة عن ذبح الشاة شرعا ، فألزم الله إبراهيم ذبح الولد ، وأخرجه عنه بذبح شاة . وكذلك إذا نذر العبد ذبح ولده يلزمه أن يذبح شاة ; لأن الله تعالى قال : ملة أبيكم إبراهيم والإيمان التزام أصلي ، والنذر التزام فرعي ، فيجب أن يكون محمولا عليه . فإن قيل : كيف يؤمر إبراهيم بذبح الولد وهو معصية ، والأمر بالمعصية لا يجوز ؟ . قلنا : هذا اعتراض على كتاب الله ، ولا يكون ذلك ممن يعتقد الإسلام ، فكيف بمن يفتي في الحلال والحرام ، وقد قال الله تعالى : افعل ما تؤمر والذي يجلو الإلباس عن قلوب الناس في ذلك : أن المعاصي والطاعات ليست بأوصاف ذاتية للأعيان ، وإنما الطاعات عبارة عما تعلق به الأمر من الأفعال ، والمعصية عبارة عما تعلق به النهي من الأفعال ، فلما تعلق الأمر بذبح الولد إسماعيل من إبراهيم صار طاعة وابتلاء ، ولهذا قال الله تعالى : إن هذا لهو البلاء المبين في الصبر على ذبح الولد والنفس ، ولما تعلق النهي بنا في ذبح أبنائنا صار معصية . فإن قيل : كيف يصير نذرا وهو معصية . قلنا : إنما يكون معصية لو كان يقصد ذبح الولد بنذره ولا ينوي الفداء ؟ فإن قيل : فلو وقع ذلك وقصد المعصية ولم ينو الفداء ؟ قلنا : لو قصد ذلك لم يضره في قصده ولا أثر في نذره ; لأن نذر الولد صار عبارة عن ذبح الشاة شرعا .. ❝ ⏤محمد بن صالح العثيمين
❞ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)
قوله تعالى : وفديناه بذبح عظيم الذبح اسم المذبوح وجمعه ذبوح ، كالطحن اسم المطحون . والذبح بالفتح المصدر . ˝ عظيم ˝ أي : عظيم القدر ، ولم يرد عظيم الجثة . وإنما عظم قدره لأنه فدي به الذبيح ، أو لأنه متقبل . قال النحاس : عظيم في اللغة يكون للكبير وللشريف . وأهل التفسير على أنه هاهنا للشريف ، أو المتقبل . وقال ابن عباس : هو الكبش الذي تقرب به هابيل ، وكان في الجنة يرعى حتى فدى الله به إسماعيل . وعنه أيضا : أنه كبش أرسله الله من الجنة كان قد رعى في الجنة أربعين خريفا . وقال الحسن : ما فدي إسماعيل إلا بتيس من الأروى هبط عليه من ثبير ، فذبحه إبراهيم فداء عن ابنه ، وهذا قول علي - رضي الله عنه - . فلما رآه إبراهيم أخذه فذبحه وأعتق ابنه . وقال : يا بني اليوم وهبت لي . وقال أبو إسحاق الزجاج : قد قيل إنه فدي بوعل ، والوعل : التيس الجبلي . وأهل التفسير على أنه فدي بكبش .
في هذه الآية دليل على أن الأضحية بالغنم أفضل من الإبل والبقر . وهذا مذهب مالك وأصحابه . قالوا : أفضل الضحايا الفحول من الضأن ، وإناث الضأن أفضل من فحل المعز ، وفحول المعز خير من إناثها ، وإناث المعز خير من الإبل والبقر . وحجتهم قوله سبحانه وتعالى : وفديناه بذبح عظيم أي : ضخم الجثة سمين ، وذلك كبش لا جمل ولا بقرة . وروى مجاهد وغيره عن ابن عباس أنه سأله رجل : إني نذرت أن أنحر ابني ؟ فقال : يجزيك كبش سمين ، ثم قرأ : وفديناه بذبح عظيم . وقال بعضهم : لو علم الله حيوانا أفضل من الكبش لفدى به إسحاق . وضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين . وأكثر ما ضحى به الكباش . وذكر ابن أبي شيبة عن ابن علية عن الليث عن مجاهد قال : الذبح العظيم : الشاة .
واختلفوا أيهما أفضل : الأضحية أو الصدقة بثمنها . فقال مالك وأصحابه : الضحية أفضل إلا بمنى ; لأنه ليس موضع الأضحية ، حكاه أبو عمر . وقال ابن المنذر : روينا عن بلال أنه قال : ما أبالي ألا أضحي إلا بديك ، ولأن أضعه في يتيم قد ترب فيه - هكذا قال المحدث - أحب إلي من أن أضحي به . وهذا قول الشعبي : إن الصدقة أفضل . وبه قال مالك وأبو ثور . وفيه قول ثان : إن الضحية أفضل ، هذا قول ربيعة وأبي الزناد . وبه قال أصحاب الرأي . زاد أبو عمر : وأحمد بن حنبل . قالوا : الضحية أفضل من الصدقة ; لأن الضحية سنة مؤكدة كصلاة العيد . ومعلوم أن صلاة العيد أفضل من سائر النوافل . وكذلك صلوات السنن أفضل من التطوع كله . قال أبو عمر : وقد روي في فضل الضحايا آثار حسان ، فمنها ما رواه سعيد بن داود بن أبي زنبر عن مالك عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما من نفقة بعد صلة الرحم أفضل عند الله من إهراق الدم قال أبو عمر : وهو حديث غريب من حديث مالك . وعن عائشة قالت : يا أيها الناس ضحوا وطيبوا أنفسا ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ما من عبد توجه بأضحيته إلى القبلة إلا كان دمها وقرنها وصوفها حسنات محضرات في ميزانه يوم القيامة ، فإن الدم إن وقع في التراب فإنما يقع في حرز الله حتى يوفيه صاحبه يوم القيامة ذكره أبو عمر في كتاب التمهيد . وخرج الترمذي أيضا عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم ، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها ، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع إلى الأرض ، فطيبوا بها نفسا قال : وفي الباب عن عمران بن حصين وزيد بن أرقم . وهذا حديث حسن .
الضحية ليست بواجبة ولكنها سنة ومعروف . وقال عكرمة : كان ابن عباس يبعثني يوم الأضحى بدرهمين أشتري له لحما ، ويقول : من لقيت فقل : هذه أضحية ابن عباس . قال أبو عمر : ومجمل هذا وما روي عن أبي بكر وعمر أنهما لا يضحيان عند أهل العلم ، لئلا يعتقد في المواظبة عليها أنها واجبة فرض ، وكانوا أئمة يقتدي بهم من بعدهم ممن ينظر في دينه إليهم ; لأنهم الواسطة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين أمته ، فساغ لهم من الاجتهاد في ذلك ما لا يسوغ اليوم لغيرهم . وقد حكى الطحاوي في مختصره : وقال أبو حنيفة : الأضحية واجبة على المقيمين الواجدين من أهل الأمصار ، ولا تجب على المسافر . قال : ويجب على الرجل من الأضحية على ولده الصغير مثل الذي يجب عليه من نفسه . وخالفه أبو يوسف ومحمد فقالا : ليست بواجبة ولكنها سنة غير مرخص لمن وجد السبيل إليها في تركها . قال : وبه نأخذ . قال أبو عمر : وهذا قول مالك ، قال : لا ينبغي لأحد تركها مسافرا كان أو مقيما ، فإن تركها فبئس ما صنع إلا أن يكون له عذر إلا الحاج بمنى . وقال الإمام الشافعي : هي سنة على جميع الناس وعلى الحاج بمنى وليست بواجبة . وقد احتج من أوجبها بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بردة بن نيار أن يعيد ضحية أخرى ; لأن ما لم يكن فرضا لا يؤمر فيه بالإعادة . احتج آخرون بحديث أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي قالوا : فلو كان ذلك واجبا لم يجعل ذلك إلى إرادة المضحي . وهو قول أبي بكر وعمر وأبي مسعود البدري وبلال .
والذي يضحى به بإجماع المسلمين الأزواج الثمانية : وهي الضأن والمعز والإبل والبقر . قال ابن المنذر : وقد حكي عن الحسن بن صالح أنه قال : يضحى ببقرة الوحش عن سبعة ، وبالظبي عن رجل . وقال الإمام الشافعي : لو نزا ثور وحشي على بقرة إنسية ، أو ثور إنسي على بقرة وحشية لا يجوز شيء من هذا أضحية . وقال أصحاب الرأي : جائز ; لأن ولدها بمنزلة أمه . وقال أبو ثور : يجوز إذا كان منسوبا إلى الأنعام .
قد مضى في سورة [ الحج ] الكلام في وقت الذبح والأكل من الأضحية مستوفى . وفي صحيح مسلم عن أنس قال : ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين أقرنين ، ذبحهما بيده ، وسمى وكبر ، ووضع رجله على صفاحهما في رواية قال : ويقول : بسم الله والله أكبر وقد مضى في آخر [ الأنعام ] حديث عمران بن حصين ، ومضى في [ المائدة ] القول في التذكية وبيانها وما يذكى به ، وأن ذكاة الجنين ذكاة أمه مستوفى . وفي صحيح مسلم عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتي به ليضحي به فقال لها : يا عائشة ، هلمي المدية ، ثم قال : اشحذيها بحجر ، ففعلت ، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ، ثم قال : بسم الله ، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ، ثم ضحى به . وقد اختلف العلماء في هذا فكان الحسن البصري يقول في الأضحية : بسم الله والله أكبر ، هذا منك ولك ، تقبل من فلان . وقال مالك : إن فعل ذلك فحسن ، وإن لم يفعل وسمى الله أجزأه . وقال الشافعي : والتسمية على الذبيحة بسم الله ، فإن زاد بعد ذلك شيئا من ذكر الله ، أو صلى على محمد - عليه السلام - لم أكرهه ، أو قال : اللهم تقبل مني ، أو قال : تقبل من فلان ، فلا بأس . وقال النعمان : يكره أن يذكر مع اسم الله غيره ، يكره أن يقول : اللهم تقبل من فلان عند الذبح . وقال : لا بأس إذا كان قبل التسمية وقبل أن يضجع للذبح . وحديث عائشة يرد هذا القول . وقد تقدم أن إبراهيم - عليه السلام - قال لما أراد ذبح ابنه : الله أكبر والحمد لله . فبقي سنة .
روى البراء بن عازب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل : ماذا يتقى من الضحايا ؟ فأشار بيده وقال : أربعا - وكان البراء يشير بيده ويقول : يدي أقصر من يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - العرجاء البين ظلعها ، والعوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقى لفظ مالك ولا خلاف فيه . واختلف في اليسير من ذلك . وفي الترمذي عن علي - رضي الله عنه - قال : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستشرف العين والأذن ، وألا نضحي بمقابلة ، ولا مدابرة ، ولا شرقاء ، ولا خرقاء . قال : والمقابلة ما قطع طرف أذنها ، والمدابرة ما قطع من جانب الأذن ، والشرقاء المشقوقة ، والخرقاء المثقوبة ، قال : هذا حديث حسن صحيح . وفي الموطأ عن نافع : أن عبد الله بن عمر كان يتقي من الضحايا والبدن التي لم تسنن ، والتي نقص من خلقها . قال مالك : وهذا أحب ما سمعت إلي . قال القتبي : لم تسنن أي : لم تنبت أسنانها كأنها لم تعط أسنانا . وهذا كما يقال : فلان لم يلبن أي : لم يعط لبنا ، ولم يسمن أي : لم يعط سمنا ، ولم يعسل أي : لم يعط عسلا . وهذا مثل النهي في الأضاحي عن الهتماء . قال أبو عمر : ولا بأس أن يضحى عند مالك بالشاة الهتماء إذا كان سقوط أسنانها من الكبر والهرم وكانت سمينة ، فإن كانت ساقطة الأسنان وهي فتية لم يجز أن يضحى بها ; لأنه عيب غير خفيف . والنقصان كله مكروه ، وشرحه وتفصيله في كتب الفقه . وفي الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : استشرقوا ضحاياكم ؛ فإنها على الصراط مطاياكم ذكره الزمخشري .
ودلت الآية على أن من نذر نحر ابنه أو ذبحه أنه يفديه بكبش كما فدى به إبراهيم ابنه ، قاله ابن عباس . وعنه رواية أخرى : ينحر مائة من الإبل كما فدى بها عبد المطلب ابنه ، روى الروايتين عنه الشعبي . وروى عنه القاسم بن محمد : يجزيه كفارة يمين . وقال مسروق : لا شيء عليه . وقال الشافعي : هو معصية يستغفر الله منها . وقال أبو حنيفة : هي كلمة يلزمه بها في ولده ذبح شاة ، ولا يلزمه في غير ولده شيء . قال محمد : عليه في الحلف بنحر عبده مثل الذي عليه في الحلف بنحر ولده إذا حنث . وذكر ابن عبد الحكم عن مالك فيمن قال : أنا أنحر ولدي عند مقام إبراهيم في يمين ثم حنث فعليه هدي . قال : ومن نذر أن ينحر ابنه ولم يقل عند مقام إبراهيم ولا أراد فلا شيء عليه . قال : ومن جعل ابنه هديا أهدى عنه ، قال القاضي ابن العربي : يلزمه شاة كما قال أبو حنيفة ; لأن الله تعالى جعل ذبح الولد عبارة عن ذبح الشاة شرعا ، فألزم الله إبراهيم ذبح الولد ، وأخرجه عنه بذبح شاة . وكذلك إذا نذر العبد ذبح ولده يلزمه أن يذبح شاة ; لأن الله تعالى قال : ملة أبيكم إبراهيم والإيمان التزام أصلي ، والنذر التزام فرعي ، فيجب أن يكون محمولا عليه . فإن قيل : كيف يؤمر إبراهيم بذبح الولد وهو معصية ، والأمر بالمعصية لا يجوز ؟ . قلنا : هذا اعتراض على كتاب الله ، ولا يكون ذلك ممن يعتقد الإسلام ، فكيف بمن يفتي في الحلال والحرام ، وقد قال الله تعالى : افعل ما تؤمر والذي يجلو الإلباس عن قلوب الناس في ذلك : أن المعاصي والطاعات ليست بأوصاف ذاتية للأعيان ، وإنما الطاعات عبارة عما تعلق به الأمر من الأفعال ، والمعصية عبارة عما تعلق به النهي من الأفعال ، فلما تعلق الأمر بذبح الولد إسماعيل من إبراهيم صار طاعة وابتلاء ، ولهذا قال الله تعالى : إن هذا لهو البلاء المبين في الصبر على ذبح الولد والنفس ، ولما تعلق النهي بنا في ذبح أبنائنا صار معصية . فإن قيل : كيف يصير نذرا وهو معصية . قلنا : إنما يكون معصية لو كان يقصد ذبح الولد بنذره ولا ينوي الفداء ؟ فإن قيل : فلو وقع ذلك وقصد المعصية ولم ينو الفداء ؟ قلنا : لو قصد ذلك لم يضره في قصده ولا أثر في نذره ; لأن نذر الولد صار عبارة عن ذبح الشاة شرعا. ❝
❞ وكان رسول الله ﷺ إذا صلى إلى الجدار ، جعل بينه وبينه قدر ممر الشاة ، ولم يكن يتباعد منه ، بل أمر بالقرب من السترة ، وكان إذا صلى إلى عود أو عمود أو شجرة ، جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر ، ولم يَصمُد له صمدا ، وكان يَركز الحربة في السفر والبريَّة ، فيصلي إليها ، فتكون سترته ، وكان يُعرض راحلته ، فيصلي إليها ، وكان يأخذُ الرحل فيَعدِلُه فيصلي إلى آخرته ، وأمر المصلي أن يستتر ولو بسهم أو عصا ، فإن لم يجد فليخُط خطا على الأرض .. ❝ ⏤محمد ابن قيم الجوزية
❞ وكان رسول الله ﷺ إذا صلى إلى الجدار ، جعل بينه وبينه قدر ممر الشاة ، ولم يكن يتباعد منه ، بل أمر بالقرب من السترة ، وكان إذا صلى إلى عود أو عمود أو شجرة ، جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر ، ولم يَصمُد له صمدا ، وكان يَركز الحربة في السفر والبريَّة ، فيصلي إليها ، فتكون سترته ، وكان يُعرض راحلته ، فيصلي إليها ، وكان يأخذُ الرحل فيَعدِلُه فيصلي إلى آخرته ، وأمر المصلي أن يستتر ولو بسهم أو عصا ، فإن لم يجد فليخُط خطا على الأرض. ❝