█ _ محمد ابن قيم الجوزية 1998 حصريا كتاب ❞ زاد المعاد هدي خير العباد (كامل) ❝ عن مؤسسة الرسالة 2024 (كامل): من تأليف خمسة مجلدات يتناول الفقه وأصوله والسيرة والتاريخ وذكر فيه سيرة الرسول غزواته وحياته وبيّن هديه معيشته وعباداته ومعاملته لأصحابه وأعدائه وقد ألف هذا الكتب أثناء السفر ولم تكن معه أية مصادر ينقل منها ما يحتاج إليه أحاديث وأقوال وآراء تتعلق بمواضيع الكتاب ومع ذلك فقد ضمن كتابه نبوية الصحاح والسنن والمعاجم والسير وأثبت كل حديث الموضوع الذي يخصه مع العلم أن القيم كان يحفظ مسند الإمام أحمد بن حنبل يضم أكثر ثلاثين السنة النبوية الشريفة مجاناً PDF اونلاين السيرة لغة: تطلق اللغة السنّة والطريقة والحالة التي يكون عليها الإنسان قال تعالى ( سنعيدها سيرتها الأولى ) اصطلاحاً: هي نقل إلينا حياة النبي منذ ولادته قبل البعثة وبعدها وما رافقها أحداث ووقائع حتى موته وتشتمل ميلاده ونسبه ومكانة عشيرته وطفولته وشبابه بعثته ونزول الوحي عليه وأخلاقه وطريقة حياته ومعجزاته أجراها الله يديه ومراحل الدعوة المكية والمدنية وجهاده وغزواته تكون مرادة لمعنى عند علماء الحديث وهو أضيف إلى قول أو فعل تقرير صفة كما تعني العقيدة وأصول الدين طريقة وهديه أما التاريخ فإنها أخباره ومغازيه [2] للسيرة أهمية عظيمة مسيرة الحياة البشرية بشكل عام وفي المسلم خاص وذلك لأنها تعين أمور عديدة :
❞ وأسر عبد الرحمن بن عوف أُمية بن خلف ، وابنه علياً ، فأبصره بلال ، وكان أمية يُعذِّبُه بمكة ، فقال : رأس الكفر أمية بن خلف ، لا نَجَوْتُ إِن نَجَا ، ثم اسْتَوْخَى جماعةٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، واشتد عبد الرحمن بهما يُحرزهما منهم ، فأدركوهم ، فشغَلَهم عَنْ أمية بابنه ، فَفَرَغُوا مِنْه ، ثم لَحِقُوهما ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرحمن : ابرك ، فَبَرَكَ فالْقَى نَفْسَه عَلَيْهِ ، فَضَرَبُوهُ بالسُّيُوفِ مِنْ تَحتِهِ حَتَّى قَتَلُوهُ ، وأصابَ بعضُ السيوف رجل عبد الرحمن بن عوف ، قال له أمية قبل ذلك : مَن الرَّجُلُ المُعَلَّمُ في صَدْرِهِ بِرِيشَةِ نَعَامَةً ؟ فَقَالَ : ذَلِكَ حمزة بن عبد المطلب ، فقال: ذَاكَ الَّذِي فَعَلَ بِنَا الأفاعيل ، وكان مع عبد الرحمن أدراع قد استلبها ، فلما رآه أميةُ قال له : أنا خَيْرٌ لَكَ مِنْ هذه الأدراع ، فألقاها وأخذه ، فَلَمَّا قتله الأَنْصَارُ ، كَانَ يَقُولُ : يَرْحَمُ اللهُ بِلالاً ، فَجَعَنِي بأدْرَاعِي وبأسِيري . ❝
❞ ويقول كعب بن مالك: لبثت بعد ذلك عشر ليالٍ حتى كَمُلَت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله ﷺ و عن كلامنا ، فلما صليت صلاة الفجر صُبحَ خمسين ليلة على سطح بيت من بيوتنا ، بينا أنا جالس على الحال التي أذكر الله تعالى ، وقد ضاقت علي نفسي ، وضاقت علي الأرض بما رحُبت ، سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سَلع بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر ، فخررتُ ساجداً ، فعرفت أن قد جاء فرج من الله ، وآذن رسول الله ﷺ بتوبة الله علينا حين صلى الفجر ، فذهب الناسُ يبشروننا ، وذهب قبل صاحبي مبشرون ، وركض إليَّ رجل فرساً ، وسعى ساع من أسلم ، فأوفى على ذروة الجبل ، وكان الصوتُ أسرع من الفرس ، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني ، نزعتُ له ثوبيَّ فكسوتُه إياهما ببشراء ، والله ما أملك غيرهما ، واستعرتُ ثوبين ، فلبستهما ، فانطلقت إلى رسول الله ﷺ فتلقاني الناسُ فوجاً فوجاً يهنئوني بالتوبة يقولون : ليهنك توبه الله عليك ، قال كعب : حتى دخلت يُهرول حتى صافحني وهناني ، والله ما قام إلي رجل المهاجرين غيره ، ولست أنساها لطلحة ، فلما من سلمتُ على رسول الله ﷺ ، قال وهو يَبْرُقُ وجهه من السرور ( أَبْشِرْ بِخَيْر يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ ) ، قال : قلتُ: أمن عندك يا رسول الله ، أم من عند الله ؟ قال ﷺ ( لَا بَلْ مِنْ عِنْدِ اللهِ ) ، وكان رسول الله ﷺ إذا سُرِّ استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر ، وكنا نعرف ذلك منه فلما جلستُ بين يديه ، قلت : يا رسول الله ! إن من توبتي أن انخلع من مالي صدقة إلى الله ، وإلى رسوله ﷺ ، فقال ( أمسكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ) ، قلت : فإني أُمْسِك سهمي الذي بخيبر ، فقلتُ : يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق ، وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقاً ما بقيتُ ، فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين أبلاه الله الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله ﷺ إلى يومي هذا ما أبلاني ، والله ما تعمدت بعد ذلك إلى يومي هذا كذباً ، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيتُ ، فوالله ما أنعم الله على نعمة قط بعد أن هداني للإسلام ، أعظم في نفسي من صدقي رسول الله ﷺ ، أن لا أكون كذبته فأهْلِكَ كما هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا ، وقال كعب : وكان تخلفنا أيُّها الثلاثة من أمر أولئك الذين قَبِلَ منهم رسول الله ﷺ حين حلفوا له ، فبايعهم ، واستغفر لهم ، وأرجأ أمرنا حتى قضى الله فيه ، فبذلك قال الله { وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِفُوا } ، وليس الذي ذكر الله مما خُلفنا عن الغزو ، وإنما هو تخليفه إيَّانا ، وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه . ❝
❞ هديه ﷺفي الذكر عند رؤية الهلال .
يُذكر عنه ﷺ أنه كان يقول عند رؤية الهلال( اللَّهُمَّ أَهِلَّه عَلَيْنَا بِالأَمْنِ وَالإِيمَانِ ، وَالسَّلَامَةِ وَالإِسْلَامِ ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ ) ، ويُذكر عنه ﷺ أنه كان يقول عند رؤيته ( اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأمْنِ وَالإِيمَانِ ، والسَّلَامَةِ والإِسْلَامِ وَالتَّوْفِيقِ لِمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى ، رَبُّنَا وَرَبُّكَ الله ) . ❝
❞ قدوم وفد بني الحارث بن كعب على رسول الله ﷺ ..
ثم بعث رسول الله ﷺ خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر ، أو جُمَادَى الأولى سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران ، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يُقاتِلهم ثلاثاً ، فإن استجابوا فاقبل منهم وإن لم يفعلوا فقاتلهم ، فخرج خالد حتى قَدِمَ عليهم ، فبعث الركبان يضرِبُون في كُلِّ وجه ، ويدعون إلى الإسلام ويقولون : أيها الناسُ أسلموا لتسلموا ، فأسلم الناس ودخلوا فيما دَعَوْا إليه ، فأقام فيهم خالد يُعلمهم الإسلام ، وكتب إلى رسول الله ﷺ بذلك ، فكتب له رسول الله ﷺ أن يُقْبِلَ ويُقبل معه وفدهم ، فأقبل وأقبل معه وفدهم ، فيهم : قيس بن الحصين ذِي الغَصَّة ، ويزيد بن عبد المدان ، ويزيد بن المحجل ، وعبد الله بن قُراد ، وشداد بن عبد الله ، وقال لهم رسول الله ﷺ ( بِمَ كُنتُم تَغْلِبُونَ مَنْ قَاتَلَكُمْ فِي الجَاهِلِيَّة ؟ ) قالوا : لم نكن تغلب أحداً ، قال ( بلى ) قالوا : كنا نجتمع ولا نتفرق ، ولا نبدأ أحداً بظلم ، قال ﷺ ( صدقتم ) ، وأمَّرَ عليهم قيس بن الحصين فرجعوا إلى قومهم في بقية من شوال ، أو من ذي القعدة ، فلم يمكثوا إلا أربعة أشهر حتى توفي رسول الله ﷺ . ❝
❞ ولما استقر الفتح ، أمن رسول الله ﷺ النَّاسَ كُلهم ، إلا تسعة نفر ، فإنه أمر بقتلهم ، وإن وُجِدُوا تحت أستار الكعبة ، وهم عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح ، وعكرمة بن أبي جهل ، وعبد العزى بن خطل ، والحارثُ بنُ نُفيل بن وهب ، ومقيس بن صبابة ، وهبار بن الأسود ، وقينتان لابن خَطَل كانتا تُغنيان بهجاء رسول الله ﷺ ، وسارة مولاة لبعض بني المطلب ، فأما ابن أبي سرح فأسلم ، فجاء به عثمان عفان ، فاستأمن له رسول الله ﷺ ، فقبل منه بعد أن أمسك عنه رجاء أن يقوم إليه بعض الصحابة فيقتله ، وكان قد أسلم قبل ذلك ، وهاجر ، ثم ارتد ، ورجع إلى مكة ، وأما عكرمة بن أبي جهل ، فاستأمنت له امرأته بعد أن فرَّ ، فأمنه النبي ﷺ ، فَقَدِمَ وأسلم وحَسُنَ إسلامه ، وأما ابنُ خطل ، والحارث ، ومقيس ، وإحدى القينتين ، فقُتِلُوا ، وكان مقيس ، قد أسلم ، ثم إرتَدَّ وقَتَلَ ، ولَحِقَ بالمشركين ، وأما هبار بن الأسود ، فهو الذي عرض لزينب بنتِ رسول الله ﷺ حين هاجرت ، فنخس بها حتى سقطت على صخرة وأسقطت جنينها ، ففر ، ثم أسلم وحَسُنَ إسلامه ، واستؤمن رسول الله ﷺ لسارة ولإحدى القينتين ، فأمَّنَهُما فأسلمتا . ❝
❞ في سياق هديه ﷺ في الحج
فلما فرغ من طوافه ، جاء إلى خلف المقام فقرأ (وإتحذوا من مقام إبراهيم مُصلى ) فصلى ركعتين ، والمقام بينه وبين البيت ، فقرأ فيها بعد الفاتحة بسورتي الإخلاص ، فلما فرغ من صلاته ، أقبل إلى الحجر الأسود فإستلمه ، ثم خرج إلى الصفا من الباب الذي يقابله ، فلما قرب منه قرأ ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) أبدأ بما بدأ الله به ، وفي رواية ( إبدأوا ) بصيغة الأمر ، ثم رقيِّ عليه حتى رأى البيت ، فإستقبل القبلة ، فوحد الله وكبره ، وقال ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ) ثم دعا بين ذلك ، وقال مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل إلى المروة يمشي ، فلما إنصبَّت قدماه في بطن الوادي ، سعى حتى جاوز الوادي وأصعد ، وكان إذا وصل إلى المروة ، رقي عليها ، واستقبل البيت ، وكبر الله ووحده ، وفعل كما فعل على الصفا ، فلما أكمل سعيه عند المروة ، أمرَ كُلَّ من لا هدي معه أن يَحِلَّ حتماً ولا بُدَّ ، قارناً كان أو مفرداً ، وأمرهم أن يَحِلُّوا الحِلَّ كُلَّهُ مِن وَطْءِ النِّساءِ ، والطيب ولبس المخيط وأن يبقوا كذلك إلى يوم التَّرْوِية ، ولم يَحِلَّ هو من أجل هديه ، وهناك قال ( لو اسْتَقْبَلْتُ من أَمْري ما اسْتَدْبَرَتُ لما سُقْتُ الهَدْيَ ، وَلَجَعَلْتُها عُمْرَةً ) ، وهناك دعا للمحلقين بالمغفرة ثلاثاً ، وللمقصرين مرة ، وهناك سأله سراقة بن مالك بن جُعْتُم عقيب أمره لهم بالفسخ والإحلال ، هل ذلك لعامِهم خاصة ، أم للأبد؟ فقال ( بَلْ لِلأبد ) ولم يَحِلُّ أبو بكر ، ولا عُمر ، ولا علي ولا طلحة ، ولا الزبير من أجل الهدي ، وأما نساؤه ، فأحللن ، وكن قارنات ، إلا عائشةَ فإنها لم تَحِلَّ من أجل تعذر الحل عليها لحيضها ، وفاطمة حلت لأنها لم يكن معها هدي ، وعلي رضي الله عنه لم يَحِلُّ مِن أجل هديه ، وأمر من أهل بإهلال كإهلاله أن يُقيم على إحرامه إن كان معه هدي ، وأن يَحِلُّ إن لم يكن معه هدي . ❝
❞ سرية الخَبَطَ ..
وكان أميرها أبا عبيدة بن الجراح ، وكانت في رجب سنة ثمانٍ فيما أنبأنا به الحافظ أبو الفتح محمد بن سيد الناس في كتاب ˝ عيون الأثر ˝ له ، وهو عندي وهم ، كما سنذكره إن شاء الله تعالى. قالوا : بعث رسول الله ﷺ أبا عبيدة بن الجراح في ثلاثمئة رجل من المهاجرين والأنصار ، وفيهم عمر بن الخطاب إلى حيٍّ مِن جهينة بالقبلية مما يلي ساحل البحر ، وبينها وبين المدينة خمس ليال ، فأصابهم في الطريق جوع شديد ، فأكلوا الخَبَط ، وألقى إليهم البحر حوتاً عظيماً ، فأكلوا منه ، ثم انصرفوا ، ولم يلقوْا كَيْدَاً ، وفي هذا نظر ، فإن في الصحيحين من حديث جابر قال : بعثنا رسول الله ﷺ في ثلاثمئة راكب ، أميرنا أبو عبيدة بن الجراح نَرْصُدُ عِيراً لقريش ، فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط ، فسمي جيش الخَبَطِ ، فنحر رجل ثلاث جزائر ثم نحر ثلاث جزائر ، ثم نحر ثلاث جزائر ، ثم إن أبا عبيدة نهاه ، فألقى إلينا البحر دابة يقال لها : العنبر ، فأكلنا منها نصف شهر ، وادهنا مِن وَدَكها حتى ثابت إلينا أجسامنا ، وصلحت ، وأخذ أبو عبيدة ضلعاً من أضلاعه ، فنظر إلى أطول رجُلٍ في الجيش ، وأطول جمل ، فحُمِلَ عليه ومر تحته ، وتزودنا من لحمه وَشَائقَ ، فلما قدمنا المدينة ، أتينا رسول الله ﷺ ، فذكرنا له ذلِكَ ، فقال ﷺ ( هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ ، فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ تُطْعِمُونَا ؟ ) ، فأرسلنا إلى رسولِ اللهِ ﷺ منه فأكل ، قلتُ : وهذا السياق يدل على أن هذه الغزوة كانت قبل الهدنة ، وقبلَ عُمرة الحديبية ، فإنه ﷺ من حين صالح أهل مكة بالحديبية لم يكن يرصد لهم عِيراً ، بل كان زمن أمن وهُدنة إلى حين الفتح ، ويبعد أن تكون سرية الخَبَطِ على هذا الوجه مرتين : مرة قبل الصلح ، ومرة بعده ، والله أعلم . ❝
❞ وكان له ﷺ سهم من الغنيمة يُدْعَى الصَّفي ، إن شاء عبداً ، وإن شاء أمةً ، وإن شاءَ فرساً ، يختاره قبل الخمس ، قالت عائشة : و كَانَتْ صَفِيَّةُ مِنَ الصَّفِيِّ ، ولهذا جَاءَ في كتابه ﷺ إلى بني زهير بن أَقَيْش ( إِنَّكُمْ إِنْ شَهِدْتُم أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مَحَمَّداً رَسُولُ اللهِ ، وأَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ ، وأحيتُمُ الخُمُسَ مِنَ المَغْنَمِ ، وَسَهُم النَّبِيِّ ﷺ وَسَهْمَ الصَّفِيِّ أَنتُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللهِ وَرَسُولِهِ ) ، وكان سيفهُ ذُو الفَقَارِ مِن الصَّفِيِّ ، وكان ﷺ يُسهِم لمن غاب عن الوقعة لمصلحة المسلمين ، كما أسهم لعثمان سهمه مِن بدر ، ولم يحضرها لمكان تمريضه لامرأتِهِ رُقيَّةَ ابنة رسول الله ﷺ فقال ( إِنَّ عُثْمَانَ انْطَلَقَ فِي حَاجَةِ اللَّهِ وحاجة رَسُولِهِ فَضَرَبَ لَهُ سَهْمَهُ وَأَجْرَهُ ) ، وكانوا يشترون معه في الغزو ويبيعون ، وهو يراهم ولا ينهاهم ، وأخبره رجل أَنَّهُ رَبع ربحاً لم يَرْبحُ أَحَدٌ مثله ، فقال : فما هو ؟ قال : ما زلتُ أبيعُ وأبتاع حتى رَبحْتُ ثلاثمئة أوقية ، فقالَ ﷺ ( أَنَا أُنَبِّئُكَ بِخَيْرِ رَجُل رَبِّحَ ) قَالَ: مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ ( رَكْعَتَيْنِ بَعْد
الصَّلاة ) ، وكانوا يستأجرون الأجراء للغزو على نوعين أحدهما : أن يخرج الرجلُ ، ويستأجِرَ مَنْ يَخدِمه في سفره ، والثاني: أن يستأجر من ماله من يخرج في الجهاد ويسمون ذلك الجعائل ، وفيها قال النبي ﷺ ( للغازي أجره ، وللجاعِل أَجْرُهُ وَأَجْرُ الغَازِي ) ، وكانوا يتشاركون في الغنيمة على نوعين أيضاً ، أحدهما : شركة الأبدان ، والثاني : أن يدفع الرَّجلُ بعيره إلى الرجل أو فرسه يغزو عليه على النصف مما يغنم حتى ربما اقتسما السَّهم ، فأصابَ أحدُهُما قِدْحَهُ ، والآخر نصله وريشه ، وقال ابن مسعود اشتركتُ أَنَا وَعَمَّارٌ وسَعْدٌ فيما نُصِيبُ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَجَاءَ سَعْدٌ بِأَسِيْرَيْنِ ، وَلَمْ أَجِي أَنَا وَعَمَّارُ بِشَيْءٍ ، وكان يبعث بالسرية فرساناً تارةً ، ورِجَالاً أُخرى ، وكان لا يُسْهِم لمن قَدِمَ مِن المَدَدِ بعد الفتح ، وكان يُعطي سهم ذي القربى في بني هاشم وبني المطلب دون إخوتهم من بني عبد شمس وبني نوفل وقال ﷺ ( إِنَّمَا بَنُو المُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌه وَشَبِّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ، وَقَالَ: إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونَا فِي جَاهِلية ولا إسلام ) ، وكان المسلمون يُصيبون معه في مغازيهم العَسَلَ والعِنَبَ والطَّعَامَ فيأكلونه ، ولا يرفعونه في المغانم ، قال ابنُ عمر : إِنَّ جَيْشَاً غَنِمُوا فِي زَمَانِ رَسُولِ الله ﷺ طَعَامَاً وَعَسَلاً ، ولم يُؤْخَذْ مِنْهُمْ الخمس ، وانفرد عبد الله بن المغفل يَوْمَ خَيْبَرَ بِجِرَابِ شَحْم ، وقال : لا أُعْطِي اليوم أحداً مِنْ هذا شيئاً ، فسمعه رسول الله ﷺ ، فتبسم ولم يَقُل له شيئاً ، وقيل لابن أبي أوفى : كُنتُم تُخمسُونَ الطعام في عهد رسول الله ؟ فقال: أصبنا طعاماً يوم خيبر ، وكان الرجل يجيء ، فيأخذُ منه مِقدار ما يكفيه ، ثم ينصرف . ❝
❞ 🔸️الحادية والعشرون : أن فيه صلاة الجمعة التي خُصَّت من بين سائر الصلوات المفروضات بخصائص لا تُوجد في غيرها من الاجتماع ، والعدد المخصوص ، واشتراط الاقامة والاستيطان ، والجهر بالقراءة ، وقد جاء من التشديد فيها ما لم يأتي نظيره إلا في صلاة العصر ، واجمع المسلمون على أنها فرض عين على كل مسلم . 🔸️الثانية والعشرون : أن فيه الخطبة التي يُقصد بها الثناء على الله وتمجيده ، والشهادة له بالوحدانية ولرسوله بالرسالة ، وتذكير العباد بأيامه ، وتحذيرهم من بأسه ونقمته ، ووصيتُهم بما يُقَرِّبُهم إليه ، وإلى جنانه ، ونهيهم عما يُقربهم من سخطه وناره ، فهذا هو مقصود الخطبة والاجتماع لها. 🔸️الثالثة والعشرون : أنه اليوم الذي يُستحب أن يتفرغ فيه للعبادة ، وله على سائر الأيام مزية بأنواع من العبادات واجبة ومستحبة ، فالله سبحانه جعل لأهل كل مِلَّةٍ يوماً يتفرغون فيه للعبادة ، ويتخلون فيه عن أشغال الدنيا ، فيوم الجمعة يوم عبادة ، وهو في الأيام كشهر رمضان في الشهور ، وساعة الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان ، ولهذا من صح له يوم جمعته وسَلِم ، سلمت له سائر جمعته ومن صح له رمضان وسلم ، سَلِمت له سائر سنته ، ومن صحت له حجته وسلمت له ، سَلِمَ له سائر عمره ، فيوم الجمعة ميزان الأسبوع ، ورمضان ميزان العام ، والحج ميزان العمر . 🔸️الرابعة والعشرون : أنه لما كان في الأسبوع كالعيد في العام ، وكان العيد مشتملاً على صلاة وقُربان وكان يوم الجمعة يوم صلاة ، جعل الله سبحانه التعجيل فيه إلى المسجد بدلاً من القربان ، وقائماً مقامه ، فيجتمع للرائح فيه إلى المسجد الصلاة والقربان كما في الصحيحين عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ ، أنه قال ( مَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الأُولى ، فَكَأَنما قرَّب بَدَنَةٌ ، ومَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ ، فَكَأَنَّما قَرَّبَ بَقَرَةً ، وَمَنْ رَاحَ في الثَّالِثَةِ ، فَكأَنَّما قَرَّبَ كَبْشَاً أَقْرَنَ) . 🔸️الخامسة والعشرون : أن للصدقة فيه مزية عليها في سائر الأيام ، والصدقة فيه بالنسبة إلى سائر أيام الأسبوع ، كالصدقة في شهر رمضان إلى سائر الشهور . 🔸️السادسة والعشرون : أنه يوم يتجلّى الله عزّ وجلَّ فيه لأوليائه المؤمنين في الجنة ، وزيارتهم له ، فيكون أقربهم منهم أقربهم من الإمام ، وأسبقهم إلى الزيارة أسبقهم إلى الجمعة . 🔸️السابعة والعشرون : أنه قد فُسِّرَ الشاهد الذي أقسم الله به في كتابه بيوم الجمعة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ ( اليَوْمُ المَوْعُودُ : يَوْمُ القِيَامَةِ ، والْيَوْمُ المَشْهُودُ : هو يَوْمُ عَرَفَة ، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الجُمُعَةِ ، مَا طَلَعَتْ شَمْسُ ، وَلاَ غَرَبَتْ عَلَى أَفْضَلَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ سَاعَةٌ لا يُوافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ فِيهَا بِخَيْرٍ إِلا اسْتَجَابَ لَهُ ، أَوْ يَسْتَعِيدُهُ مِنْ شَرُ إِلا أَعَاذَهُ مِنْهُ ) .🔸️الثامنة والعشرون : أنه اليوم الذي تفزع منه السماوات والأرض ، والجبال والبحار والخلائق كلها الا الإنس والجن ، وفي حديث أبي هريرة عن الرسول ﷺ أنه قال ( لا تطلع الشمس ولا تغرب على يوم افضل من الجمعة ، وما من دابة إلا وهي تفزع ليوم الجمعه إلا هذين الثقلين من الجن والإنس ) . 🔸️التاسعة والعشرون : أنه اليوم الذي ادَّخره الله لهذه الأمة ، وأضلَّ عنه أهل الكتاب قبلهم ، كما في الصحيح ، من حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ قال ( ما طلعتِ الشَّمْسُ ، ولا غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ خَيْرٍ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ ، هَدَانَا اللَّهُ لَهُ ، وَضَلَّ النَّاسُ عَنْهُ ، فَالنَّاسُ لَنا فيه تبع ، هُوَ لَنَا ، وَلليَهُودِ يَوْمُ السَّبْت ، ولِلنَّصَارَى يَوْمُ الأحد ) وفي حديث آخر «ذخره اللَّهُ لَنَا» . 🔸️الثلاثون : أنه خيرة الله من أيام الأسبوع ، كما أن شهر رمضان خيرته من شهور العام ، وليلة القدر خيرته من الليالي ، ومكة خيرته من الأرض ، ومحمد ﷽ خيرته من خلقه . ❝
❞ وقد قدمنا أن أبا رافع كان مِمَّنْ الْبَ الأحزاب على رسول الله ﷺ ، ولم يُقتل مع بني قريظة كما قُتِلَ صاحبه حُيَيَّ بن أخطب ، ورغبتِ الخزرج في مساواة للأوس في قتل كعب بن الأشرف ، وكان الله - سُبحانه وتعالى - قد جعل هذين الحيين ( الأوس والخزرج ) يتصاولان بين يدي رسول الله ﷺ في الخيرات ، فاستأذنُوه في قتله ، فأذن لهم ، فانتدب له رِجالٌ كُلَّهُم من بني سَلَمة ، وهم عبد الله بن عَتِيك ، وهو أميرُ القوم ، وعبد الله بن أنيس ، وأبو قتادة ، الحارث بن ربعي ، ومسعود بن سنان ، وخُزَاعِيُّ بنُ أسود ، فساروا حتى أتوه في خيبر في دار له ، فنزلوا عليه ليلاً ، فقتلوه ، ورجعوا إلى رسول الله ﷺ ، وكُلُّهُمُ ادعى قتله ، فقال ﷺ ( أرُونِي أَسْيَافَكُم ) ، فلما أَرَوْهُ إِيَّاهَا ، قال لسيف عبدِ اللهِ بن أُنيس ، ( هَذَا الَّذِي قَتَلَهُ أرى فيهِ أَثَرَ الطَّعَامِ ) . ❝
❞ كان ﷺ يدعو لِمَن تَقرَب إليه بما يُحِبُّ وبما يُنَاسِبُ ، فلما وَضَعَ له ابن عباس وَضُوءَهُ قال ﷺ ( اللَّهُمَّ فَقُهْهُ في الدين ، وعَلَّمْهُ التأْوِيلَ ) ،
ولمَّا دَعْمَهُ أبو قَتَادَة فِي مَسيرِهِ بالليل لما مال عن راحلته ، قال ﷺ ( حَفِظَكَ اللهُ بِمَا حَفِظَتَ بِهِ نَبِيَّة ) ، وقال ﷺ ( مَنْ صُنِعَ إِليهِ مَعرُوفٌ ، فَقَالَ لِفَاعِلِهِ : جَزَاكَ الله خَيْراً ، فَقَدْ أبلَغَ في الثناء ) ، واستقرض ﷺ من عبد الله بن أبي ربيعة مالاً ، ثم وفاه إياه ، وقال ( بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ ، إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الحَمْدُ والأَدَاءُ) ، ولمَّا أَرَاحَهُ جرير بن عبد الله البَجَلِي مِن ذِي الخَلَصَةِ ˝ صَنَمِ دَوْس ˝ بَرَّكَ عَلَى خَيْلِ قَبِيلَتِهِ أَحمس وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ ) . ❝
❞ الفَتحُ الأعظم ...
وأمر رسول الله ﷺ الناس بالجهاز ، وأمر أهله أن يُجهزوه ، فدخل أبو بكر على ابنته عائشة الله رضي عنها ، وهي تُحَرِّكُ بعض جهاز رسول الله ﷺ ، فقال : أي بنية ، أمركن رسول الله ﷺ بتجهيزه ؟ قالت : نعم ، فتجهز ، قال : فأين تَرَيْنَهُ يُريد ، قالت: لا والله ما أدري ، ثم إن رسول الله ﷺ أعلم الناس أنه سائر إلى مكة ، فأمرهم بالجد والتجهيز ، وقال ﷺ ( اللَّهُمَّ خُذِ العُيُونَ والأَخْبَارَ عَنْ قُرَيْشٍ حَتَّى نَبْغَتَهَا فِي بِلَادِهَا ) ، فتجهز الناسُ ، وكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش كتاباً يخبرهم بمسير رسول الله ﷺ إليهم ، ثم أعطاه امرأة ، وجعل لها جعلاً على أن تبلغه قريشاً ، فجعلته في قرون في رأسها ، ثم خرجَتْ به ، وأتى رسول الله ﷺ الخبرُ مِن السماء بما صنع حاطب ، فبعث ﷺ علياً والزبير ، وغير ابن إسحاق يقول : بعث علياً والمقداد والزبير ، فقال ﷺ ( انطلقا حتى تأتيا رَوْضَة خاخ ، فإنَّ بها ظعينة معها كتاب إلى قريش ، فانطلقا تعادى بهما خَيْلُهما ، حتى وجدا المرأة بذلك المكان ، فاستنزلاها ، وقالا : معك كتاب ؟ فقالت : ما كتاب ، ففتشا رحلها ، فلم يجدا شيئاً ، فقال لها علي - رضي الله عنه -: أحلف بالله ما كذب رسولُ اللهِ ﷺ ولا كذبنا ، والله لَتُخْرِجَنَّ الكِتَابَ أو لنُجَرِّدَنُكِ ، فلما رأت الجدَّ منه ، قالت : أَعْرِض ، فأعرض ، فحلت قرون رأسها ، فاستخرجت الكتاب منها ، فدفعته إليهما ، فأتيا به رسول الله ﷺ ، فإذا فيه : مِن حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم بمسير رسول الله ﷺ إليهم ، فدعا رسول الله ﷺ حاطبا ، فقال : ما هذا يا حَاطِبُ ؟ فقال : لا تَعْجَل عليَّ يا رسول الله ، والله إني لمؤمن بالله ورسوله ، وما ارتددتُ ، ولا بدَّلتُ ، ولكني كنتُ امرءاً ملصقاً في قريش لست من أنفسهم ، ولي فيهم أهل وعشيرة وولد ، وليس لي فيهم قرابة ، يحمونهم ، وكان مَنْ معك لهم قرابات يحمونهم ، فأحببتُ إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي ، فقال عُمَرُ بنُ الخطاب : دعني يا رسول الله أضرب عنقه ، فإنه قد خانَ الله ورسوله ، وقد نافق ، فقال رسول الله ﷺ ( إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْراً ، وما يُدْرِيكَ يَا عُمَرُ ، لَعَلَّ اللَّه قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ ، فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُم ) ، فَذَرَفَتْ عَيْنَا عمر وقال : الله ورسوله أعلم ، ثم مضى رسول الله ﷺ وَهُوَ صائم ، والناسُ صيام ، حتى إذا كانوا بالحديد ـ وهو الذي تسميه النَّاسُ اليومَ قُدَيْداً - أفطر وأفطر الناس معه . ❝
❞ كان بكاؤه ﷺ من جنس ضحكه ، لم يكن بشهيق ورفع صوت كما لم يكن ضحكه بقهقهة ، ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهملا ، ويسمع لصدره أزيز ، وكان بكاؤه تارة رحمة للميت ، وتارة خوفاً على أمته وشفقة عليها ، وتارة من خشية الله ، وتارة عند سماع القرآن ، وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال مصاحب للخوف والخشية .❝ . ❝
❞ سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة ..
ولما رجع خالد بن الوليد من هدم العُزَّي ، ورسول الله ﷺ مقيم بمكة ، بعثه إلى بني جذيمة داعياً إلى الإسلام ، ولم يبعثه مقاتلاً ، فخرج في ثلاثمئة وخمسين رجلاً من المهاجرين والأنصار وبني سليم ، فانتهى إليهم ، فقال : ما أنتم ؟ قالوا : مسلمون قد صلينا وصدقنا بمحمد وبنينا المساجد في ساحتنا ، وأذنا فيها ، قال : فما بال السلاح عليكم ؟ قالوا : إن بيننا وبين قوم من العرب عداوة ، فخفنا أن تكونوا هم ، وقد قيل : أنهم قالوا صبأنا ، ولم يُحسِنُوا أن يقولُوا : أسلمنا ، قال : فضعُوا السلاح ، فوضعوه ، فقال لهم : استأسروا ، فاستأسر القوم ، فأمر بعضهم فكتف بعضاً ، وفرقهم في أصحابه ، فلما كان في السحر ، نادى خالد بن الوليد : من كان معه أسير ، فليضرب عنقه ، فأما بنو سليم ، فقتلوا من كان في أيديهم ، وأما المهاجرون والأنصار ، فأرسلوا أسراهم ، فبلغ النبي ﷺ ما صنع خالد ، فقال ﷺ ( اللهم إِنِّي أَبْرَأَ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ ) ، وبعث علياً يُودي لهم قتلاهم وما ذهب منهم ، وكان بين خالد وعبد الرحمن بن عوف كلام وشر في ذلك ، فبلغ النبي ﷺ ، فقال ﷺ ( مَهْلاً يَا خَالِدُ دَعْ عَنْكَ أَصْحَابِي فَوَاللَّهِ لَوْ كَانَ لَكَ مثل أُحُدٌ ذَهَبَاً ثُمَّ أَنْفَقْتَهُ في سَبِيلِ اللَّهِ مَا أَدْرَكْتَ غَدْوَةً رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِي وَلَا
رَوْحَتَه ) . ❝
❞ هديه ﷺ في أذكار السفر وآدابه
(الاستخارة)
صح عنهﷺ أنه قال ( إِذَا هَمَّ أَحَدُكُم بالأمر ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَريضَةِ ، ثُمَّ ليقل : اللهمَّ إِنِّي اسْتَخْبِرُكَ بِعِلْمِكَ ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ ، وأَنْتَ عَلامُ الغُيوب ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَم أَنَّ هذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لي في دِينِي وَمَعَاشِي ، وَعَاجِل أَمْرِي وَآجِلِهِ ، فَاقْدُرْهُ لِي ، وَيَسِّرْهُ لِي ، وَبَارِك لي فيهِ ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُه شَراً لي في دِينِي وَمَعَاشِي ، وَعَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ ، فَاصْرِفْهُ عنِّي ، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ، ثُمَّ رَضْني به ، قال : ويُسمي حاجته ) ، فعوض رسول الله ﷺ أمته بهذا الدعاء ، عما كان عليه أهل الجاهلية من زجر الطير والاستقسامِ بالأزلام الذي نظيره هذه القرعة التي كان يفعلها إخوان المشركين ، يطلبون بها عِلمَ ما قُسِم لهم في الغيب ، ولهذا سمي ذلك استقساماً ، من القسم ، والسين فيه للطلب ، وعوّضهم بهذا الدعاء الذي هو توحيد وافتقار ، وعبودية وتوكل ، وسؤال لمن بيده الخير كله ، الذي لا يأتي بالحسناتِ إلا هو ، ولا يصرف السيئاتِ إِلَّا هُو ، الذي إذا فتح لعبده رحمة لم يستطع أحد حبسها عنه ، وإذا أمسكها لم يستطع أحد إرسالها إليه من التطير والتنجيم ، واختيار الطالع ونحوه ، فهذا الدعاء ، هو الطالع الميمون السعيد طالع أهل السعادة والتوفيق ، الذين سبقت لهم من الله الحسنى ، لا طالع أهل الشرك والشقاء والخذلان ، الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر ، فسوف يعلمون ، فتضمن هذا الدعاء الإقرار بوجوده سبحانه ، والإقرار بصفاتِ كماله ، كمال العلم والقدرة والإرادة ، والإقرار بربوبيته ، وتفويض الأمر إليه ، والاستعانة به ، والتوكل عليه ، والخروج من عُهدة نفسه ، والتبري من الحول والقوة إلا به ، واعتراف العبد بعجزه عن علمه بمصلحة نفسه وقدرته عليها ، وإرادته لها ، وأن ذلك كله بيد وليه وفاطِرِهِ وإلهه الحق ، فتأمل كيف وقع المقدور مكتنفاً بأمرين 🔸️التوكل الذي هو مضمون الاستخارة قبله 🔸️والرضى بما يقضي الله له بعده ، وهما عنوان السعادة ، وعنوان الشقاء أن يكتنفه ترك التوكل والاستخارة قبله ، والسخط بعده ، والتوكل قبل القضاء ، فإذا أبرم القضاء ، وتم انتقلت العبودية إلى الرضى بعده ، كما في الدعاء المشهور ( وَأَسْأَلُكَ الرِّضَى بَعْدَ القَضَاء ) وهذا أبلغ من الرضى بالقضاء ، فإنه قد يكون عزماً فإذا وقع القضاء ، تنحل العزيمة ، فإذا حصل الرضى بعد القضاء ، كان حالاً أو مقاماً . ❝
❞ قبسات من غزوة تبوك ..
قال ابن إسحاق : وأصبح الناس ولا ماء معهم ، فَشَكَوْا ذلك إلى رسول الله ﷺ ، فدعّا رسول الله ﷺ ، فأرسل الله سبحانه سحابة ، فأمطرت حتى ارتوى الناس ، واحتملوا حاجتهم من الماء . ❝
❞ قبسات من غزوة تبوك ..
وتَلَّوَم على أبي ذر بعيره ، فلما أبطأ عليه ، أخذ متاعه على ظهره ، ثم خرج يتبع أثر رسول الله ﷺ ماشياً ، ونزل رسول الله ﷺ في بعض منازله ، فنظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله ، إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده ، فقال رسول الله ﷺ ( كُنْ أَبَا ذَرٍ ) ، فلما تأمله القوم ، قالوا : يا رسول الله ، والله هو أبو ذر ، فقال رسول الله ﷺ ( رَحِمَ اللَّهُ أَبَا ذَرٍ يَمْشِي وَحْدَهُ ، ويَمُوتُ وَحْدَهُ ، ويُبْعَثُ وَحْدَهُ ) . ❝
❞ وكان من هديه ﷺ في العِطاس إذا عَطَس وضع يده أو ثوبه على فيهِ ، وخفض أو غَضَّ به صوته ، وصح عنه ﷺ أن اليهود كانوا يتعاطسون عنده يرجون أن يقول لهم ( يرحمكم الله ) فكان يقول ﷺ ( يهديكم الله ويُصلح بالكم )
. ❝
❞ وكان ﷺ جُلَّ ضحكه التبسم ، بل كله التبسم ، فكان نهاية ضحكه أن تبدو نواجذه ، وكان يضحك مما يُضحك منه ، وهو مما يتعجب من مثله ويستغرب وقوعه ويستندر . ❝
❞ في سياق هديه ﷺ في الحج
فلما كان ﷺ بسَرِف حاضت عائشة رضي الله عنها ، وقد كانت أهلت بعمرة ، فدخل عليها النبي ﷺ وهي تبكي ، قال ( ما يُبكيك لعلكِ نَفستِ ؟ ) قالت : نعم ، قال ( هذا شيء كتبه الله على بنات آدم ، إفعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ) ، وفي سياق حجته ﷺ أيضا ، فلما كان بسرف قال لأصحابه ( من لم يكن معه هدّي ، فأحب أن يجعلها عمرة ، فليفعل ، ومن كان معه هدي ، فلا ) ، فلما كان بمكة ، أمرَ أمراً حتما من لا هدي معه أن يجعلها عمرة ، ويحل من إحرامه ، ومن معه هدي ، أن يُقيم على إحرامه ، ولم ينسخ ذلك شيء ألبته ، بل سأله سراقة بن مالك عن هذه العمرة التي أمرهم بالفسخ إليها ، هل هي لعامهم هذا أم للأبد ، فقال ﷺ ( بل للأبد ، وأن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة ) ، ثم نهض ﷺ إلى أن نزل بذي طوى ، وهي المعروفة الإن بآبار الزاهر ، فبات بها ليلة الأحد لأربع خلون من ذي الحجة ، وصلى بها الصبح ، ثم إغتسل من يومه ، ونهض إلى مكة ، فدخلها نهارا من أعلاها من الثنية العليا التي تشرف على الحجون ، وكان في العمرة يدخل من أسفلها ، وفي الحج دخل من أعلاها. وخرج من أسفلها ، ثم سار حتى دخل المسجد وذلك ضحى ، وذكر الطبراني : أنه ﷺ كان إذا نظر إلى البيت قال ( اللهم زد بيتك هذا تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة ) فلما دخل المسجد عمد إلى البيت ولم يركع تحية المسجد ، فإن تحية المسجد الحرام الطواف ، فلما حاذى الحجر الأسود ، إستلمه ولم يُزاحم عليه ، ولم يتقدم عنه إلى جهة الركن اليماني ، ولم يرفع يديه ، ولم يقل : نويت بطوافي هذا الإسبوع كذا وكذا ، ولا إفتتحه بالتكبير كما يفعله من لا علم عنده ، بل هو من البدع المنكرات ، ولا حاذى الحجر الأسود بجميع بدنه ثم إنفتل عنه وجعله على شِقه ، بل إستقبله وإستلمه ، ثم أخذ عن يمينه ، وجعل البيت عن يساره ، ولم يدع عند الباب بدعاء ، ولا تحت الميزاب ، ولا عند ظهر الكعبة وأركانها ، ولا وَقَّتَ للطواف ذكرا معينا ، لا بفعله ، ولا بتعليمه ، بل حُفظ عنه ﷺ بين الركنين ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) ورَمل في طوافه هذا الثلاث أشواط الأولى ، وكان يُسرع في مشيه ، ويقارب بين خُطاه ، وإضطبع بردائه فجعل طرفيه على أحد كتفيه وأبدى كتفه الأخرى ومنكبه ، وكلما حاذى الحجر الأسود أشار إليه أو إستلمه بمحجنه ، وقبَّل المحجن ، والمحجن عصا محنية الرأس ، وثبت عنه أنه إستلم الركن اليماني ، ولم يثبت عنه أنه قَبَّله ، ولا قَبَّل يده عند إستلامه ، وثبت عنه ﷺ أنه قبَّل الحجر الأسود ، وأنه إستلمه بيده ، فوضع يده عليه ثم قبَّلها ، وثبت عنه أنه إستلمه بمحجن ، فهذه ثلاث صفات ، وروي عنه أيضا أنه وضع شفتيه عليه طويلا وبكى ، وذكر الطبراني عنه بإسناد جيد : أنه كان ﷺ إذا إستلم الركن اليماني قال ( بسم الله والله أكبر ) وكلما أتى على الحجر الأسود قال ( الله أكبر ) ، ولم يستلم ﷺ من الأركان إلا اليمانيين فقط ( وهما ركن الحجر الأسود والركن الآخر ) . ❝