❞ قراءة في عينيها
ما من يومٍ يمر علينا منذ وهبتني السماء أجمل ما في الأرض إلا ويغازلني بعينيه قبل كلماته : ˝ أحبك ، اشتقت إليك يا ست النساء ˝ .
نعم يبادرني بها دون أية مقدمات أو أدنى عتباتٍ يحتاج تجاوزها : ˝ أحبك فوق خيالات البشر وشطحات العاشقين ˝ .
يله له من ماكرٍ ! تسرب سحره عبر أيامي وعتمة ليلي حتى أدمنته ، أدمنت كلماته، أدمنت رسائله الصباحية والتي معها اعتدت أن أبادر إلى تحسس هاتفي مع انفلات نور الفجر من رحم الظلام بحثا عن كلمات الحب ومواثيق العشق والوفاء .
وحين حديثنا ما من ثمة مواضيع أرتب لها كعادتي مع كل الناس ، فكل حديثٍ يجمعنا هو خير موضوعٍ
وكل تلاقٍ يضمنا يحتل كل تفاصيلي ، وكيف لا ؟ ومعه يغيب كل الناس فهو الجميع وكل ناسي وأقرب قريبٍ وأعز صديق .
هذا الوغد الذي انتزعني من كل الدنيا فلا أسمع في حضرته إلا صوته وهمسه ولا أرى غير غيرته وخوفه ولهفته تحوطني بحنان أمٍ وشفقة أبٍ وتعلق طفل.
في كل مرة استلم عصا الجدية في حديثنا يفاجئني بكلمة˝ أحبك ˝ فتنفلت مني عصاي وتخونني ذاكرتي وتهاجر من أرضي ملامح الجدية والثبات.
˝ ضحكتك تحييني وحزنك أرض يباب ˝
ماذا أنا فاعلة مع مثل هذه العبارات التي تجتاح قلبي وتخالط أنفاسي وعتبات ٍ ما اقترب منها غيره ، بل ما ظننت يوما أني أمتلك تلك العتبات .
كيف أخذتني إلى عوالمك ؟ ومتى وقعت أسيرة حبك وفتنة هواك ؟
#AlaaAboushehata. ❝ ⏤علاء أبو شحاتة
❞ قراءة في عينيها
ما من يومٍ يمر علينا منذ وهبتني السماء أجمل ما في الأرض إلا ويغازلني بعينيه قبل كلماته : ˝ أحبك ، اشتقت إليك يا ست النساء ˝ .
نعم يبادرني بها دون أية مقدمات أو أدنى عتباتٍ يحتاج تجاوزها : ˝ أحبك فوق خيالات البشر وشطحات العاشقين ˝ .
يله له من ماكرٍ ! تسرب سحره عبر أيامي وعتمة ليلي حتى أدمنته ، أدمنت كلماته، أدمنت رسائله الصباحية والتي معها اعتدت أن أبادر إلى تحسس هاتفي مع انفلات نور الفجر من رحم الظلام بحثا عن كلمات الحب ومواثيق العشق والوفاء .
وحين حديثنا ما من ثمة مواضيع أرتب لها كعادتي مع كل الناس ، فكل حديثٍ يجمعنا هو خير موضوعٍ
وكل تلاقٍ يضمنا يحتل كل تفاصيلي ، وكيف لا ؟ ومعه يغيب كل الناس فهو الجميع وكل ناسي وأقرب قريبٍ وأعز صديق .
هذا الوغد الذي انتزعني من كل الدنيا فلا أسمع في حضرته إلا صوته وهمسه ولا أرى غير غيرته وخوفه ولهفته تحوطني بحنان أمٍ وشفقة أبٍ وتعلق طفل.
في كل مرة استلم عصا الجدية في حديثنا يفاجئني بكلمة˝ أحبك ˝ فتنفلت مني عصاي وتخونني ذاكرتي وتهاجر من أرضي ملامح الجدية والثبات.
˝ ضحكتك تحييني وحزنك أرض يباب ˝
ماذا أنا فاعلة مع مثل هذه العبارات التي تجتاح قلبي وتخالط أنفاسي وعتبات ٍ ما اقترب منها غيره ، بل ما ظننت يوما أني أمتلك تلك العتبات .
كيف أخذتني إلى عوالمك ؟ ومتى وقعت أسيرة حبك وفتنة هواك ؟
AlaaAboushehata . ❝
❞ حوار مع صديقي الملحد
لماذا لا يكون القرآن من تأليف محمد ؟
قال صاحبي وهو ينتقي عباراته : -
لا أريد أن أجرحك فأنا أعلم اعتزازك بالقرآن و أنا معك في أنه كتاب قيم .. و لكن لماذا لا يكون من تأليف محمد ؟ .. إن رجلاً في عظمة محمد لا يستغرب منه أن يضع كتاباً في عظمة القرآن .. سوف يكون هذا منطقياً أكثر من أن نقول إن الله أنزله .
فإنا لم نر الله ينزل من السماء شيئاً .. و نحن في عصر من الصعب أن نقنع فيه إنساناً بأن هناك ملاكاً اسمه جبريل نزل من السماء بكتاب ليوحي به إلى أحد .
قلت في هدوء : - بل نحن في عصر يسهل فيه تماماً أن نصدق بأن هناك ملائكة لا ترى ، و بأن الحقائق يمكن أن تلقى إلى الإنسان وحياً .. فهم يتكلمون اليوم عن أطباق طائره تنزل على الأرض . كواكب بعيدة و أشعة غير منظورة تقتل ، و أمواج لاسلكية تحدد الأهداف و تضربها .. وصور تتحول إلى ذبذبات في الهواء ثم تستقبل في أجهزة صغيرة كعلب التبغ .. و كاميرات تصور الأشباح .. و عيون ترى في الظلام .. و رجل يمشى على القمر .. و سفينة تنزل على المريخ .. لم يعد غريباً أن نسمع أن الله أرسل ملكاً خفياً من ملائكته.. و أنه ألقى بوحيه على أحد أنبيائه .. لقد أصبح وجود جبريل اليوم حقيقة من الدرجة الثانية .. و أقل عجباً و غرابة مما نرى و نسمع كل يوم .
أما لماذا لا نقول إن القرآن من تأليف محمد عليه الصلاة و السلام .. فلأن القرآن بشكله و عباراته و حروفه و ما احتوى عليه من علوم و معارف و أسرار و جمال بلاغي و دقة لغوية هو مما لا يدخل في قدرة بشر أن يؤلفه .. فإذا أضفنا إلى ذلك أن محمداً عليه الصلاة والسلام كان أمياً ، لا يقرأ و لا يكتب و لم يتعلم في مدرسة و لم يختلط بحضارة ، و لم يبرح شبه الجزيرة العربية ، فإن احتمال الشك و احتمال إلقاء هذا السؤال يغدو مستحيلاً .. و الله يتحدى المنكرين ممن زعموا أن القرآن مؤلف :
استعينوا بالجن و الملائكة وعباقرة الإنس وأتوا بسورة من مثله و مازال التحدي قائماً و لم يأت أحد بشيء ... إلا ببعض عبارات مسجوعة ساذجة سموها "سورة من مثله"... أتى بها أناس يعتقدون أن القرآن مجرد كلام مسجوع .. و لكن سورة من مثله.. أي بها نفس الإعجاز البلاغي و العلمي .. وإذا نظرنا إلى القرآن في حياد و موضوعية فسوف نستبعد تماماً أن يكون محمد عليه الصلاة و السلام هو مؤلفه .
أولاً : لأنه لو كان مؤلفه لبث فيه همومه و أشجانه ، و نحن نراه في عام واحد يفقد زوجه خديجة و عمه أبا طالب و لا سند له في الحياة غيرهما .. و فجيعته فيهما لا تقدر .. و مع ذلك لا يأتي لهما ذكر في القرآن و لا بكلمة .. و كذلك يموت ابنه إبراهيم و يبكيه ، و لا يأتى لذلك خبر في القرآن .. القرآن معزول تماماً عن الذات المحمدية .
بل إن الآية لتأتي مناقضة لما يفعله محمد و ما يفكر فيه .. و أحياناً تنزل الآية معاتبة له كما حدث بصدد الأعمى الذي انصرف عنه النبي إلى أشراف قريش :
لا يوجد نبي يتطوع من تلقاء نفسه ليقول لأتباعه لا أدرى ما يفعل بي و لا بكم .. لا أملك لنفسي ضراً و لا نفعاً .. و لا أملك لكم ضراً و لا نفعاً .
فإن هذا يؤدى إلى أن ينفض عنه أتباعه .. و هذا ما حدث فقد اتخذ اليهود هذه الآية عذرا ليقولوا .. ما نفع هذا النبي الذي لا يدرى ماذا يفعل به و لا بنا .. هذا رجل لا جدوى فيه .
مثل هذه الآيات ما كان يمكن أن يؤلفها النبي لو كان يضع القرآن من عند نفسه .
ثانياً : لو نظرنا بعد ذلك في العبارة القرآنية لوجدنا أنها جديدة منفردة في رصفها و بنائها و معمارها ليس لها شبيه فيما سبق من أدب العرب و لا شبيه فيما أتى لاحقاً بعد ذلك .. حتى لتكاد اللغة تنقسم إلى شعر و نثر و قرآن .. فنحن أمام كلام هو نسيج وحده لا هو بالنثر و لا بالشعر .
فموسيقى الشعر تأتى من الوزن و من التقفية فنسمع الشاعر ابن الأبرص الأسدى ينشد:
أقفر من أهله عبيد
فليس يبدى و لا يعيد
هنا الموسيقى تخرج من التشطير و من التقفية على الدال الممدودة ، فهي موسيقى خارجية .. أما موسيقى القرآن فهي موسيقى داخلية:
(" وَالضُّحَى ، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى" )
لا تشطير و لا تقفية في هذه العبارة البسيطة ، ولكن الموسيقى تقطر منها .. من أين؟ إنها موسيقى داخلية .
اسمع هذه الآيات :
( "قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا" [مريم : 4]
كلمات مثل "صرصراً".. "و منقعر".. كل كلمة كأنها جلمود صخر .. فإذا جاءت الآية لتروى خبراً هائلاً كما في نهاية الطوفان تقاصرت العبارات و كأنها إشارات " مورس " التلغرافية .
و أصبحت الآية كلها كأنها تلغراف مقتضب له وقع هائل :
قال تعالى: "وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" [هود : 44]
هذا التلون في نحت الألفاظ و في بناء العبارة و في إيقاع الكلمات مع المعاني و المشاعر .. يبلغ في القرآن الذروة و يأتي دائماً منساباً لا تكلف فيه و لا تعمل .
ثالثاً : إذا مضينا في التحليل أكثر فإنا سنكتشف الدقة البالغة و الإحكام المذهل .. كل حرف في مكانه لا تقديم و لا تأخير .. لا تستطيع أن تضع كلمة مكان كلمة ، و لا حرفاً مكان حرف .. كل لفظة تم اختيارها من مليون لفظة بميزان دقيق .
و سنرى أن هذه الدقة البالغة لا مثيل لها في التأليف .. انظر إلى هذه الكلمة " لواقح " في الآية : قال تعالى: ("وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ " )
و كانوا يفسرونها في الماضي على المعنى المجازي بمعنى أن الرياح تثير السحب فتسقط المطر فيلقح الأرض بمعنى " يخصبها " ثم عرفنا اليوم أن الرياح تسوق السحب إيجابية التكهرب و تلقي بها في أحضان السحب سالبة التكهرب فيحدث البرق و الرعد والمطر .. و هي بهذا المعنى "لواقح " أيضا ، و نعرف الآن أيضاً أن الرياح تنقل حبوب اللقاح من زهرة إلى زهرة فتلقحها بالمعنى الحرفي ، ون عرف أخيراً أن المطر لا يسقط إلا بتلقيح قطيرات الماء بذرات الغبار فتنمو القطيرات حول هذه الأنوية من الغبار و تسقط مطراً .. فها نحن أولاء أمام كلمة صادقة مجازياً و حرفياً وعلمياً ، ثم هي بعد ذلك جميلة فنياً و أدبياً و ذات إيقاع حلو .
هنا نرى منتهى الدقة في انتقاء اللفظة و نحتها ، و في آية أخرى :
قال تعالى: "وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ"
كلمة " تدلوا ".
مع أن الحاكم الذي تلقى إليه الأموال في الأعلى و ليس في الأسفل .. لا .. إن القران يصحح الوضع ، فاليد التي تأخذ الرشوة هي اليد السفلى و لو كانت يد الحاكم .. و من هنا جاءته كلمة " تدلوا بها إلى الحكام " لتعبر في بلاغة لا مثيل إلا عن دناءة المرتشي و سفله .
و في آية الجهاد :
قال تعالى: " مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ "
القرآن يستعمل كلمة " اثَّاقلتم " بدلا من تثاقلتم .. يدمج الحروف إدماجاً ، و يلصقها إلصاقاً ليعبر عن جبن الجبناء الذين يلتصقون بالأرض ( و يتربسون ) فيها من الخوف إذا دعوا إلى القتال ، فجاءت حروف الكلمة بالمثل (متربسة) .
و في آية قتل الأولاد من الفقر نراها جاءت على صورتين :
قال تعالى: " وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ "
و الفرق بين الآيتين لم يأتي اعتباطاً ، و إنما جاء لأسباب محسوبة .. فحينما يكون القتل من إملاق فإن معناه أن الأهل فقراء في الحاضر ، فيقول : نحن ( نرزقكم ) و إياهم .
و حينما يكون قتل الأولاد خشية إملاق فإن معناه أن الفقر هو احتمال في المستقبل و لذا تشير الآية إلى الأبناء فتقول نحن "نرزقهم " و إياكم .
مثل هذه الفروق لا يمكن أن تخطر على بال مؤلف .. و في حالات التقديم و التأخير نجد دائماً أنه لحكمة ، نجد أن السارق مقدم على السارقة في آية السرقة ، في حين أن الزانية مقدمة على الزانى في آية الزنى .. و ذلك لسبب واضح ، أن الرجل أكثر إيجابية في السرقة .. أما في الزنى فالمرأة هي التي تأخذ المبادرة ، من لحظة وقوفها أمام المرآة تضع " البارفان " و لمسات " التواليت " و تختار الفستان أعلى الركبة فإنها تنصب الفخاخ للرجل الموعود .
دائما السمع أولاً . و لا شك أن السمع أكثر إرهافاً و كمالاً من البصر .. إننا نسمع الجن و لا نراه .. و الأنبياء سمعوا الله و كلموه و لم يره أحد .
و قد تلقى محمد القرآن سمعاً .. والأم تميز بكاء ابنها في الزحام و لا تستطيع أن تميز وجهه .. و السمع يصاحب الإنسان أثناء النوم فيظل صاحياً في حين تنام عيناه ، و من حاول تشريح جهاز السمع يعلم أنه أعظم دقة و إرهافاً من جهاز البصر .
و الأمثلة على هذا التقديم كثيرة و السر أن المال عند أكثر الناس أعز من الولد .. ثم الدقة و الخفاء و اللطف في الإعراب .
انظر إلى هذه الآية :
( "وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا " )
مرة عوملت الطائفتان على أنهما جمع "اقتتلوا" و مرة على أنهما مثنى "فأصلحوا بينهما" والسر لطيف .. فالطائفتان في القتال تلتحمان وتصبحان جمعاً من الأذرع المتضاربة .. في حين أنهما في الصلح تتفصلان إلى اثنين .. و ترسل كل واحدة عنها مندوباً ، و من هنا قال : و إن طائفتان من المؤمنين "اقتتلوا" فأصلحوا "بينهما"!
حتى حروف الجر و الوصل و العطف تأتى و تمتنع في القرآن لأسباب عميقة ، و بحساب دقيق محكم .. مثلاً تأتي كلمة "يسألونك " في أماكن عديدة من القرآن:
هنا لأول مرة جاءت "فقل" بدلاً من "قل ".. و السبب أن كل الأسئلة السابقة كانت قد سئلت بالفعل ، أما سؤال الجبال فلم يكن قد سئل بعد ، لأنه من أسرار القيامة ، و كأنما يقول الله : فإذا سألوك عن الجبال "فقل ".. فجاءت الفاء زائدة لسبب محسوب ..
أما في الآية :
("وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاع ")
هنا لا ترد كلمة "قل " لأن السؤال عن ذات الله .. و الله أولى بالإجابة عن نفسه ..
كذلك الضمير أنا و نحن .
يتكلم الله بضمير الجمع حيثما يكون التعبير عن "فعل " إلهي تشترك فيه جميع الصفات الإلهية كالخلق ، و إنزال القرآن و حفظه :
"ونحن " هنا تعبر عن جمعية الصفات الإلهية و هي تعمل في إبداع عظيم مثل عملية الخلق .
أما إذا جاءت الآية في مقام مخاطبة بين الله وعبده كما في موقف المكالمة مع موسى .. تأتي الآية بضمير المفرد
الصبر في الأولى "من عزم الأمور" و في الثانية " لمن عزم الامور".. و سر التوكيد باللام في الثانية أنه صبر مضاعف ، لأنه صبر على عدوان بشري لك فيه غريم ، و أنت مطالب فيه بالصبر و المغفرة و هو أمر أشد على النفس من الصبر على القضاء الإلهي الذي لا حيلة فيه ..
و نفس هذه الملاحظة عن "اللام " نجدها مرة أخرى في آيتين عن إنزال المطر و إنبات الزرع :
و في آية ثانية :
( "أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ ، أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ، لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا ")
في الآية الأولى "جعلناه " أجاجا.. و في الآية الثانية "لجعلناه " حطاما واللام جاءت في الثانية لضرورة التوكيد ، لأن هناك من سوف يدعى بأنه يستطيع أن يتلف الزرع كما يتلفه الخالق ، و يجعله حطاما .. في حين لن يستطيع أحد من البشر أن يدعى أن في إمكانه أن ينزل من سحب السماء مطرا مالحا فلا حاجة إلى توكيد باللام ..
و نفس هذه الدقة نجدها في وصف إبراهيم لربه في القرآن بأنه :
("وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ" )
( "وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ" )
فجاء بكلمة"هو" حينما تكلم عن "الإطعام " ليؤكد الفعل الإلهي ، لأنه سوف يدعي الكل أنهم يطعمونه .. و يسقونه ، على حين لن يدّعي أحد بأنه يميته و محييه كما يميته الله ويحييه .
و نجد هذه الدقة أيضاً حينما يخاطب القرآن المسلمين قائلاً :
( "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ")
و يخاطب اليهود قائلاً :
(" اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ")
فاليهود ماديون لا يذكرون الله إلا في النعمة و الفائدة و المصلحة و المسلمون أكثر شفافية و يفهمون معنى أن يذكر الله لذاته لا لمصلحة ..
و بنفس المعنى يقول الله للخاصة من أولى الألباب :
(" وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ" )
و يقول للعوام :
( " فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ")
لأن العوام لا يردعهم إلا النار ، أما الخاصة فهم يعلمون أن الله أقوى من كل نار ، و أنه يستطيع أن يجعل النار برداً و سلاماً إن شاء .
و نجد مثل هذه الدقة البالغة في اختيار اللفظ في كلام إبليس حينما أقسم على ربه قائلاً :
أقسم إبليس بالعزة الإلهية و لم يقسم بغيرها ، فأثبت بذلك علمه و ذكاءه ، لأن هذه العزة الإلهية هي التي اقتضت استغناء الله عن خلقه ، فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر، و لن يضروا الله شيئاً ، فهو العزيز عن خلقه ، الغني عن العالمين .
و يقول الله في حديثه القدسى :
(هؤلاء في النار و لا أبالي ، و هؤلاء في الجنة ولا أبالي )
و هذا مقتضى العزة الإلهية .. وهي الثغرة الوحيدة التي يدخل منها إبليس ، فهو بها يستطيع أن يضل و يوسوس ، لأن الله لن يقهر أحداً اختار الكفر على الإيمان .. و لهذا قال "فبعزتك " لأغوينهم أجمعين .
( " لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ")
ذكر الجهات الأربع ، و لم يذكر من فوقهم و لا من تحتهم .. لأن "فوق " الربوبية ، و " تحت " تواضع العبودية .. و من لزم مكانه الأدنى من ربه الأعلى لن يستطيع الشيطان أن يدخل عليه .
ثم ذكر إبليس أن مقعده المفضل للإغواء سوف يكون الصراط المستقيم .. على طريق الخير و على سجادة الصلاة ، لأن تارك الصلاة و السكير و العربيد ليس في حاجة إلى إبليس ليضله ، فقد تكفلت نفسه بإضلاله ، إنه إنسان خرب .. و إبليس لص ذكي ، لا يحب أن يضيع وقته بأن يحوم حول البيوت الخربة .
مثال آخر من أمثلة الدقة القرآنية نجده في سبق المغفرة على العذاب و الرحمة على الغضب في القرآن .. فالله في "الفاتحة" هو الرحمن الرحيم قبل أن يكون مالك يوم الدين .. وهو دائماً يوصف بأنه يغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء ... تأتى المغفرة أولاً قبل العذاب إلا في مكانين في آية قطع اليد :
فلا يقول فإنك أنت الغفور الرحيم تأدباً .. و يذكر ألم العذاب قبل المغفرة .. لعظم الإثم الذي وقعوا فيه .
و نجد هذه الدقة القرآنية مرة أخرى في تناول القرآن للزمن .. فالمستقبل يأتي ذكره على لسان الخالق على أنه ماض .. فأحداث يوم القيامة ترد كلها على أنها ماض :
و السر في ذلك أن كل الأحداث حاضرها و مستقبلها قد حدثت في علم الله و ليس عند الله زمن يحجب عنه المستقبل ، فهو سبحانه فوق الزمان والمكان ، و لهذا نقرأ العبارة القرآنية أحياناً فنجد أنها تتحدث عن زمانين مختلفين ، و تبدو في ظاهرها متناقضة مثل :
(" أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ")
فالأمر قد أتى و حدث في الماضي .
لكن الله يخاطب الناس بألا يستعجلوه كما لو كان مستقبلًا لم يحدث بعد .. و السر كما شرحنا أنه حدث في علم الله ، لكنه لم يحدث بعد في علم الناس ، ولا تناقض .. و إنما دقة و إحكام ، و خفاء و استسرار ، و صدق في المعاني العميقة .
هذه بعض الأمثلة للدقة البالغة و النحت المحكم في بناء العبارة القرآنية و في اختيار الألفاظ و استخدام الحروف لا زيادة و لا نقص ، و لا تقديم و لا تأخير ، إلا بحساب و ميزان ، و لا نعرف لذلك مثيلاً في تأليف أو كتاب مؤلف ، و لا نجده إلا في القرآن .
أما لمحات العلم فى القران وعجائب الآيات الكونية التى أتت
بالأسرار والخفايا التى لم تكتشف إلا فى عصرنا، والتى لم يعرفهامحمد
! ولا عصره فهى موضوع آخر يطول، وله جلسة أخرى .
من كتاب / حوار مع صديقي الملحد
للدكتور / مصطفى محمود( رحمه الله ). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ حوار مع صديقي الملحد
لماذا لا يكون القرآن من تأليف محمد ؟
قال صاحبي وهو ينتقي عباراته :
لا أريد أن أجرحك فأنا أعلم اعتزازك بالقرآن و أنا معك في أنه كتاب قيم .. و لكن لماذا لا يكون من تأليف محمد ؟ .. إن رجلاً في عظمة محمد لا يستغرب منه أن يضع كتاباً في عظمة القرآن .. سوف يكون هذا منطقياً أكثر من أن نقول إن الله أنزله .
فإنا لم نر الله ينزل من السماء شيئاً .. و نحن في عصر من الصعب أن نقنع فيه إنساناً بأن هناك ملاكاً اسمه جبريل نزل من السماء بكتاب ليوحي به إلى أحد .
قلت في هدوء : بل نحن في عصر يسهل فيه تماماً أن نصدق بأن هناك ملائكة لا ترى ، و بأن الحقائق يمكن أن تلقى إلى الإنسان وحياً .. فهم يتكلمون اليوم عن أطباق طائره تنزل على الأرض . كواكب بعيدة و أشعة غير منظورة تقتل ، و أمواج لاسلكية تحدد الأهداف و تضربها .. وصور تتحول إلى ذبذبات في الهواء ثم تستقبل في أجهزة صغيرة كعلب التبغ .. و كاميرات تصور الأشباح .. و عيون ترى في الظلام .. و رجل يمشى على القمر .. و سفينة تنزل على المريخ .. لم يعد غريباً أن نسمع أن الله أرسل ملكاً خفياً من ملائكته.. و أنه ألقى بوحيه على أحد أنبيائه .. لقد أصبح وجود جبريل اليوم حقيقة من الدرجة الثانية .. و أقل عجباً و غرابة مما نرى و نسمع كل يوم .
أما لماذا لا نقول إن القرآن من تأليف محمد عليه الصلاة و السلام .. فلأن القرآن بشكله و عباراته و حروفه و ما احتوى عليه من علوم و معارف و أسرار و جمال بلاغي و دقة لغوية هو مما لا يدخل في قدرة بشر أن يؤلفه .. فإذا أضفنا إلى ذلك أن محمداً عليه الصلاة والسلام كان أمياً ، لا يقرأ و لا يكتب و لم يتعلم في مدرسة و لم يختلط بحضارة ، و لم يبرح شبه الجزيرة العربية ، فإن احتمال الشك و احتمال إلقاء هذا السؤال يغدو مستحيلاً .. و الله يتحدى المنكرين ممن زعموا أن القرآن مؤلف :
استعينوا بالجن و الملائكة وعباقرة الإنس وأتوا بسورة من مثله و مازال التحدي قائماً و لم يأت أحد بشيء ... إلا ببعض عبارات مسجوعة ساذجة سموها "سورة من مثله"... أتى بها أناس يعتقدون أن القرآن مجرد كلام مسجوع .. و لكن سورة من مثله.. أي بها نفس الإعجاز البلاغي و العلمي .. وإذا نظرنا إلى القرآن في حياد و موضوعية فسوف نستبعد تماماً أن يكون محمد عليه الصلاة و السلام هو مؤلفه .
أولاً : لأنه لو كان مؤلفه لبث فيه همومه و أشجانه ، و نحن نراه في عام واحد يفقد زوجه خديجة و عمه أبا طالب و لا سند له في الحياة غيرهما .. و فجيعته فيهما لا تقدر .. و مع ذلك لا يأتي لهما ذكر في القرآن و لا بكلمة .. و كذلك يموت ابنه إبراهيم و يبكيه ، و لا يأتى لذلك خبر في القرآن .. القرآن معزول تماماً عن الذات المحمدية .
بل إن الآية لتأتي مناقضة لما يفعله محمد و ما يفكر فيه .. و أحياناً تنزل الآية معاتبة له كما حدث بصدد الأعمى الذي انصرف عنه النبي إلى أشراف قريش :
لا يوجد نبي يتطوع من تلقاء نفسه ليقول لأتباعه لا أدرى ما يفعل بي و لا بكم .. لا أملك لنفسي ضراً و لا نفعاً .. و لا أملك لكم ضراً و لا نفعاً .
فإن هذا يؤدى إلى أن ينفض عنه أتباعه .. و هذا ما حدث فقد اتخذ اليهود هذه الآية عذرا ليقولوا .. ما نفع هذا النبي الذي لا يدرى ماذا يفعل به و لا بنا .. هذا رجل لا جدوى فيه .
مثل هذه الآيات ما كان يمكن أن يؤلفها النبي لو كان يضع القرآن من عند نفسه .
ثانياً : لو نظرنا بعد ذلك في العبارة القرآنية لوجدنا أنها جديدة منفردة في رصفها و بنائها و معمارها ليس لها شبيه فيما سبق من أدب العرب و لا شبيه فيما أتى لاحقاً بعد ذلك .. حتى لتكاد اللغة تنقسم إلى شعر و نثر و قرآن .. فنحن أمام كلام هو نسيج وحده لا هو بالنثر و لا بالشعر .
فموسيقى الشعر تأتى من الوزن و من التقفية فنسمع الشاعر ابن الأبرص الأسدى ينشد:
أقفر من أهله عبيد
فليس يبدى و لا يعيد
هنا الموسيقى تخرج من التشطير و من التقفية على الدال الممدودة ، فهي موسيقى خارجية .. أما موسيقى القرآن فهي موسيقى داخلية:
(" وَالضُّحَى ، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى" )
لا تشطير و لا تقفية في هذه العبارة البسيطة ، ولكن الموسيقى تقطر منها .. من أين؟ إنها موسيقى داخلية .
اسمع هذه الآيات :
( "قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا" [مريم : 4]
كلمات مثل "صرصراً".. "و منقعر".. كل كلمة كأنها جلمود صخر .. فإذا جاءت الآية لتروى خبراً هائلاً كما في نهاية الطوفان تقاصرت العبارات و كأنها إشارات " مورس " التلغرافية .
و أصبحت الآية كلها كأنها تلغراف مقتضب له وقع هائل :
قال تعالى: "وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" [هود : 44]
هذا التلون في نحت الألفاظ و في بناء العبارة و في إيقاع الكلمات مع المعاني و المشاعر .. يبلغ في القرآن الذروة و يأتي دائماً منساباً لا تكلف فيه و لا تعمل .
ثالثاً : إذا مضينا في التحليل أكثر فإنا سنكتشف الدقة البالغة و الإحكام المذهل .. كل حرف في مكانه لا تقديم و لا تأخير .. لا تستطيع أن تضع كلمة مكان كلمة ، و لا حرفاً مكان حرف .. كل لفظة تم اختيارها من مليون لفظة بميزان دقيق .
و سنرى أن هذه الدقة البالغة لا مثيل لها في التأليف .. انظر إلى هذه الكلمة " لواقح " في الآية : قال تعالى: ("وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ " )
و كانوا يفسرونها في الماضي على المعنى المجازي بمعنى أن الرياح تثير السحب فتسقط المطر فيلقح الأرض بمعنى " يخصبها " ثم عرفنا اليوم أن الرياح تسوق السحب إيجابية التكهرب و تلقي بها في أحضان السحب سالبة التكهرب فيحدث البرق و الرعد والمطر .. و هي بهذا المعنى "لواقح " أيضا ، و نعرف الآن أيضاً أن الرياح تنقل حبوب اللقاح من زهرة إلى زهرة فتلقحها بالمعنى الحرفي ، ون عرف أخيراً أن المطر لا يسقط إلا بتلقيح قطيرات الماء بذرات الغبار فتنمو القطيرات حول هذه الأنوية من الغبار و تسقط مطراً .. فها نحن أولاء أمام كلمة صادقة مجازياً و حرفياً وعلمياً ، ثم هي بعد ذلك جميلة فنياً و أدبياً و ذات إيقاع حلو .
هنا نرى منتهى الدقة في انتقاء اللفظة و نحتها ، و في آية أخرى :
قال تعالى: "وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ"
كلمة " تدلوا ".
مع أن الحاكم الذي تلقى إليه الأموال في الأعلى و ليس في الأسفل .. لا .. إن القران يصحح الوضع ، فاليد التي تأخذ الرشوة هي اليد السفلى و لو كانت يد الحاكم .. و من هنا جاءته كلمة " تدلوا بها إلى الحكام " لتعبر في بلاغة لا مثيل إلا عن دناءة المرتشي و سفله .
و في آية الجهاد :
قال تعالى: " مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ "
القرآن يستعمل كلمة " اثَّاقلتم " بدلا من تثاقلتم .. يدمج الحروف إدماجاً ، و يلصقها إلصاقاً ليعبر عن جبن الجبناء الذين يلتصقون بالأرض ( و يتربسون ) فيها من الخوف إذا دعوا إلى القتال ، فجاءت حروف الكلمة بالمثل (متربسة) .
و في آية قتل الأولاد من الفقر نراها جاءت على صورتين :
قال تعالى: " وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ "
و الفرق بين الآيتين لم يأتي اعتباطاً ، و إنما جاء لأسباب محسوبة .. فحينما يكون القتل من إملاق فإن معناه أن الأهل فقراء في الحاضر ، فيقول : نحن ( نرزقكم ) و إياهم .
و حينما يكون قتل الأولاد خشية إملاق فإن معناه أن الفقر هو احتمال في المستقبل و لذا تشير الآية إلى الأبناء فتقول نحن "نرزقهم " و إياكم .
مثل هذه الفروق لا يمكن أن تخطر على بال مؤلف .. و في حالات التقديم و التأخير نجد دائماً أنه لحكمة ، نجد أن السارق مقدم على السارقة في آية السرقة ، في حين أن الزانية مقدمة على الزانى في آية الزنى .. و ذلك لسبب واضح ، أن الرجل أكثر إيجابية في السرقة .. أما في الزنى فالمرأة هي التي تأخذ المبادرة ، من لحظة وقوفها أمام المرآة تضع " البارفان " و لمسات " التواليت " و تختار الفستان أعلى الركبة فإنها تنصب الفخاخ للرجل الموعود .
دائما السمع أولاً . و لا شك أن السمع أكثر إرهافاً و كمالاً من البصر .. إننا نسمع الجن و لا نراه .. و الأنبياء سمعوا الله و كلموه و لم يره أحد .
و قد تلقى محمد القرآن سمعاً .. والأم تميز بكاء ابنها في الزحام و لا تستطيع أن تميز وجهه .. و السمع يصاحب الإنسان أثناء النوم فيظل صاحياً في حين تنام عيناه ، و من حاول تشريح جهاز السمع يعلم أنه أعظم دقة و إرهافاً من جهاز البصر .
و الأمثلة على هذا التقديم كثيرة و السر أن المال عند أكثر الناس أعز من الولد .. ثم الدقة و الخفاء و اللطف في الإعراب .
انظر إلى هذه الآية :
( "وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا " )
مرة عوملت الطائفتان على أنهما جمع "اقتتلوا" و مرة على أنهما مثنى "فأصلحوا بينهما" والسر لطيف .. فالطائفتان في القتال تلتحمان وتصبحان جمعاً من الأذرع المتضاربة .. في حين أنهما في الصلح تتفصلان إلى اثنين .. و ترسل كل واحدة عنها مندوباً ، و من هنا قال : و إن طائفتان من المؤمنين "اقتتلوا" فأصلحوا "بينهما"!
حتى حروف الجر و الوصل و العطف تأتى و تمتنع في القرآن لأسباب عميقة ، و بحساب دقيق محكم .. مثلاً تأتي كلمة "يسألونك " في أماكن عديدة من القرآن:
هنا لأول مرة جاءت "فقل" بدلاً من "قل ".. و السبب أن كل الأسئلة السابقة كانت قد سئلت بالفعل ، أما سؤال الجبال فلم يكن قد سئل بعد ، لأنه من أسرار القيامة ، و كأنما يقول الله : فإذا سألوك عن الجبال "فقل ".. فجاءت الفاء زائدة لسبب محسوب ..
أما في الآية :
("وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاع ")
هنا لا ترد كلمة "قل " لأن السؤال عن ذات الله .. و الله أولى بالإجابة عن نفسه ..
كذلك الضمير أنا و نحن .
يتكلم الله بضمير الجمع حيثما يكون التعبير عن "فعل " إلهي تشترك فيه جميع الصفات الإلهية كالخلق ، و إنزال القرآن و حفظه :
"ونحن " هنا تعبر عن جمعية الصفات الإلهية و هي تعمل في إبداع عظيم مثل عملية الخلق .
أما إذا جاءت الآية في مقام مخاطبة بين الله وعبده كما في موقف المكالمة مع موسى .. تأتي الآية بضمير المفرد
الصبر في الأولى "من عزم الأمور" و في الثانية " لمن عزم الامور".. و سر التوكيد باللام في الثانية أنه صبر مضاعف ، لأنه صبر على عدوان بشري لك فيه غريم ، و أنت مطالب فيه بالصبر و المغفرة و هو أمر أشد على النفس من الصبر على القضاء الإلهي الذي لا حيلة فيه ..
و نفس هذه الملاحظة عن "اللام " نجدها مرة أخرى في آيتين عن إنزال المطر و إنبات الزرع :
و في آية ثانية :
( "أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ ، أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ، لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا ")
في الآية الأولى "جعلناه " أجاجا.. و في الآية الثانية "لجعلناه " حطاما واللام جاءت في الثانية لضرورة التوكيد ، لأن هناك من سوف يدعى بأنه يستطيع أن يتلف الزرع كما يتلفه الخالق ، و يجعله حطاما .. في حين لن يستطيع أحد من البشر أن يدعى أن في إمكانه أن ينزل من سحب السماء مطرا مالحا فلا حاجة إلى توكيد باللام ..
و نفس هذه الدقة نجدها في وصف إبراهيم لربه في القرآن بأنه :
("وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ" )
( "وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ" )
فجاء بكلمة"هو" حينما تكلم عن "الإطعام " ليؤكد الفعل الإلهي ، لأنه سوف يدعي الكل أنهم يطعمونه .. و يسقونه ، على حين لن يدّعي أحد بأنه يميته و محييه كما يميته الله ويحييه .
و نجد هذه الدقة أيضاً حينما يخاطب القرآن المسلمين قائلاً :
( "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ")
و يخاطب اليهود قائلاً :
(" اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ")
فاليهود ماديون لا يذكرون الله إلا في النعمة و الفائدة و المصلحة و المسلمون أكثر شفافية و يفهمون معنى أن يذكر الله لذاته لا لمصلحة ..
و بنفس المعنى يقول الله للخاصة من أولى الألباب :
(" وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ" )
و يقول للعوام :
( " فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ")
لأن العوام لا يردعهم إلا النار ، أما الخاصة فهم يعلمون أن الله أقوى من كل نار ، و أنه يستطيع أن يجعل النار برداً و سلاماً إن شاء .
و نجد مثل هذه الدقة البالغة في اختيار اللفظ في كلام إبليس حينما أقسم على ربه قائلاً :
أقسم إبليس بالعزة الإلهية و لم يقسم بغيرها ، فأثبت بذلك علمه و ذكاءه ، لأن هذه العزة الإلهية هي التي اقتضت استغناء الله عن خلقه ، فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر، و لن يضروا الله شيئاً ، فهو العزيز عن خلقه ، الغني عن العالمين .
و يقول الله في حديثه القدسى :
(هؤلاء في النار و لا أبالي ، و هؤلاء في الجنة ولا أبالي )
و هذا مقتضى العزة الإلهية .. وهي الثغرة الوحيدة التي يدخل منها إبليس ، فهو بها يستطيع أن يضل و يوسوس ، لأن الله لن يقهر أحداً اختار الكفر على الإيمان .. و لهذا قال "فبعزتك " لأغوينهم أجمعين .
( " لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ")
ذكر الجهات الأربع ، و لم يذكر من فوقهم و لا من تحتهم .. لأن "فوق " الربوبية ، و " تحت " تواضع العبودية .. و من لزم مكانه الأدنى من ربه الأعلى لن يستطيع الشيطان أن يدخل عليه .
ثم ذكر إبليس أن مقعده المفضل للإغواء سوف يكون الصراط المستقيم .. على طريق الخير و على سجادة الصلاة ، لأن تارك الصلاة و السكير و العربيد ليس في حاجة إلى إبليس ليضله ، فقد تكفلت نفسه بإضلاله ، إنه إنسان خرب .. و إبليس لص ذكي ، لا يحب أن يضيع وقته بأن يحوم حول البيوت الخربة .
مثال آخر من أمثلة الدقة القرآنية نجده في سبق المغفرة على العذاب و الرحمة على الغضب في القرآن .. فالله في "الفاتحة" هو الرحمن الرحيم قبل أن يكون مالك يوم الدين .. وهو دائماً يوصف بأنه يغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء ... تأتى المغفرة أولاً قبل العذاب إلا في مكانين في آية قطع اليد :
فلا يقول فإنك أنت الغفور الرحيم تأدباً .. و يذكر ألم العذاب قبل المغفرة .. لعظم الإثم الذي وقعوا فيه .
و نجد هذه الدقة القرآنية مرة أخرى في تناول القرآن للزمن .. فالمستقبل يأتي ذكره على لسان الخالق على أنه ماض .. فأحداث يوم القيامة ترد كلها على أنها ماض :
و السر في ذلك أن كل الأحداث حاضرها و مستقبلها قد حدثت في علم الله و ليس عند الله زمن يحجب عنه المستقبل ، فهو سبحانه فوق الزمان والمكان ، و لهذا نقرأ العبارة القرآنية أحياناً فنجد أنها تتحدث عن زمانين مختلفين ، و تبدو في ظاهرها متناقضة مثل :
(" أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ")
فالأمر قد أتى و حدث في الماضي .
لكن الله يخاطب الناس بألا يستعجلوه كما لو كان مستقبلًا لم يحدث بعد .. و السر كما شرحنا أنه حدث في علم الله ، لكنه لم يحدث بعد في علم الناس ، ولا تناقض .. و إنما دقة و إحكام ، و خفاء و استسرار ، و صدق في المعاني العميقة .
هذه بعض الأمثلة للدقة البالغة و النحت المحكم في بناء العبارة القرآنية و في اختيار الألفاظ و استخدام الحروف لا زيادة و لا نقص ، و لا تقديم و لا تأخير ، إلا بحساب و ميزان ، و لا نعرف لذلك مثيلاً في تأليف أو كتاب مؤلف ، و لا نجده إلا في القرآن .
أما لمحات العلم فى القران وعجائب الآيات الكونية التى أتت
بالأسرار والخفايا التى لم تكتشف إلا فى عصرنا، والتى لم يعرفهامحمد
! ولا عصره فهى موضوع آخر يطول، وله جلسة أخرى .
من كتاب / حوار مع صديقي الملحد
للدكتور / مصطفى محمود( رحمه الله ) . ❝
❞ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)
قوله تعالى : قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي نفد الشيء إذا تم وفرغ ; وقد تقدم .
ولو جئنا بمثله مددا أي زيادة على البحر عددا أو وزنا . وفي مصحف أبي " مدادا " وكذلك قرأها مجاهد وابن محيصن وحميد . وانتصب مددا على التمييز أو الحال . وقال ابن عباس : قالت اليهود لما قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وما أوتيتم من العلم إلا قليلا قالوا : وكيف وقد أوتينا التوراة ، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا ؟ فنزلت قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر الآية . وقيل : قالت اليهود إنك أوتيت الحكمة ، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ، ثم زعمت أنك لا علم لك بالروح ؟ ! فقال الله - تعالى - قل وإن أوتيت القرآن وأوتيتم التوراة فهي بالنسبة إلى كلمات الله - تعالى - قليلة ، قال ابن عباس : كلمات ربي أي مواعظ ربي . وقيل : عنى بالكلمات الكلام القديم الذي لا غاية له ولا منتهى ، وهو وإن كان واحدا فيجوز أن يعبر عنه بلفظ الجمع لما فيه من فوائد الكلمات ، ولأنه ينوب منابها ، فجازت العبارة عنها بصيغة الجمع تفخيما ; وقال الأعشى :
ووجه نقي اللون صاف يزينه مع الجيد لبات لها ومعاصم
فعبر باللبات عن اللبة . وفي التنزيل نحن أولياؤكم و إنا نحن نزلنا الذكر وإنا لنحن نحيي ونميت وكذلك إن إبراهيم كان أمة لأنه ناب مناب أمة . وقيل : أي ما نفدت العبارات والدلالات التي تدل على مفهومات معاني كلامه - سبحانه وتعالى - . وقال السدي : أي إن كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد صفات الجنة التي هي دار الثواب . وقال عكرمة : لنفد البحر قبل أن ينفد ثواب من قال لا إله إلا الله . ونظير هذه الآية : ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله . وقرأ حمزة والكسائي " قبل أن ينفد " بالياء لتقدم الفعل. ❝ ⏤محمد بن صالح العثيمين
❞ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)
قوله تعالى : قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي نفد الشيء إذا تم وفرغ ; وقد تقدم .
ولو جئنا بمثله مددا أي زيادة على البحر عددا أو وزنا . وفي مصحف أبي " مدادا " وكذلك قرأها مجاهد وابن محيصن وحميد . وانتصب مددا على التمييز أو الحال . وقال ابن عباس : قالت اليهود لما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم وما أوتيتم من العلم إلا قليلا قالوا : وكيف وقد أوتينا التوراة ، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا ؟ فنزلت قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر الآية . وقيل : قالت اليهود إنك أوتيت الحكمة ، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ، ثم زعمت أنك لا علم لك بالروح ؟ ! فقال الله تعالى قل وإن أوتيت القرآن وأوتيتم التوراة فهي بالنسبة إلى كلمات الله تعالى قليلة ، قال ابن عباس : كلمات ربي أي مواعظ ربي . وقيل : عنى بالكلمات الكلام القديم الذي لا غاية له ولا منتهى ، وهو وإن كان واحدا فيجوز أن يعبر عنه بلفظ الجمع لما فيه من فوائد الكلمات ، ولأنه ينوب منابها ، فجازت العبارة عنها بصيغة الجمع تفخيما ; وقال الأعشى :
ووجه نقي اللون صاف يزينه مع الجيد لبات لها ومعاصم
فعبر باللبات عن اللبة . وفي التنزيل نحن أولياؤكم و إنا نحن نزلنا الذكر وإنا لنحن نحيي ونميت وكذلك إن إبراهيم كان أمة لأنه ناب مناب أمة . وقيل : أي ما نفدت العبارات والدلالات التي تدل على مفهومات معاني كلامه سبحانه وتعالى . وقال السدي : أي إن كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد صفات الجنة التي هي دار الثواب . وقال عكرمة : لنفد البحر قبل أن ينفد ثواب من قال لا إله إلا الله . ونظير هذه الآية : ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله . وقرأ حمزة والكسائي " قبل أن ينفد " بالياء لتقدم الفعل . ❝