حينما دبت الحياة على مسرح الدنيا منذ ملايين السنين .. كان المسرح مختلف كثيراً عن حاله الآن .. كانت الأرض ساخنة و الجو مثقلاً بالبخار .. و لم يكن الأكسجين بهذه الكثرة و إنما كان نادراً .. و كان الغاز المنتشر بكثرة هو الآيدروجين و النوشادر و الميثان و أول أكسيد الكربون .. و كان ومض البرق و قرقعة الرعد و الضوء فوق البنفسجي و الإشعاع الذري و الشحنات الكهربائية العالية لا تنقطع .. و كانت المياه تغمر مساحات واسعة في برك ضحلة .. و لم تكن المياه صافية رائقة يطفو عليها الطحلب الأخضر كمياه الغدران الآن .. و إنما كانت مياهاً عكرة كثيفة كالحساء مليئة بأملاح الفوسفور و الكالسيوم و الصوديوم و البوتاسيوم و الحديد و الكبريت ..
في هذا المسرح الكيميائي النشط .. بدأت الحياة .. و لهذا لا بد لنا أن نتكلم قليلاً في الكيمياء .. و لا بد للقارئ أن يتحمل معنا عناء رحلة في مجاهل عالم الكيمياء .. إذا أراد أن يعرف سر وجوده .
* * *
استطاعت المعامل أن تثبت أن مادة الحياة واحدة تقريباً في كل الكائنات الحية .. و أن الفوارق بين تركيب لحم الحمار و لحم البني آدم و لحم الحشرة .. فوارق طفيفة لا تذكر .. و أن كل المواد التي تتألف منها البنية الحية لا تخرج عن كونها سكريات و نشويات و دهنيات و بروتينات .
و أثبتت المعامل أيضاً أن هذه المواد جميعها هي تعقيدات مختلفة لمادة واحدة و هي الآيدروكربون .. كل المواد الحية مشتقات من مادة هيدروكربونية .. من غاو الميثان .. و هو غاز يتألف من الكربون و الآيدروجين .. فما هو الشيء السحري الذي جعل مادة الكربون بالذات هي المادة المختارة لنشأة الحياة .
السر أن هذه المادة قلقة غير مستقرة .. غير مشبعة .. فيها قابلية لا نهائية للارتباط بعدد لا نهائي من المركبات و المبادلة عليها بذراتها في كل وقت ..
و قد ثبت أن المواد المستقرة التي يسمونها في الكيمياء المواد النبيلة كالذهب و البلاتين و غاز الهيليوم و الأرجون و الكربتون .. كل هذه المواد ظلت مواداً عاطلة خاملة مثل الأمراء الخاملين .. بدأت و انتهت على حالها دون أن تعطي إمكانيات جديدة .. و السبب أن ذراتها مشبعة متوازنة مستقرة لدرجة الموت .. و لهذا لم يدخل أي واحد من هذه العناصر في تركيب الجسم الحي . و إنما اختارت الحياة مادة واحدة بعينها شديدة القلق ناقصة غير مشبعة كثيرة الانفكاك و الارتباط بالمواد حولها لتكون مستقراً لها .. هي مادة الكربون لأنها مستودع لطاقة كيماوية لا نهائية و محل لتفاعلات لا آخر لها ..
إنها هي ذاتها فيها صفات الحياة .. الفاعلية و التحول و التكاثر و التعقد ..
إن مفتاح الحياة هو .. الكربون .. لأنه مادة جائعة غير مشبعة تنقصها أربعة إلكترونات في مدارها الذري لتصل إلى الراحة و التوازن .. و لهذا فهي دائماً تدخل في علاقات و تفاعلات محاولة الوصول إلى هذا التوازن .. و تكون نتيجة هذه التفاعلات متتاليات كيميائية لا حصر لها .. تبدأ من غاو الميثان .. الهيدروكربون .. إلى المواد الكربوهيدراتية كالسكريات و النشويات .. إلى الجلسرين و الدهون .. إلى البروتينات .
كل هذه المتتالية الحية هي تعقيد و اشتقاق من مادة واحدة هي الكربون أو الفحم ..
و قدا قام ميللر بتقليد ظروف الحياة الأولى في المعمل فأحدث تفريغاً كهربائياً في جو خال من الأكسجين و به ميثان و نشادر و بخار ماء .. فكانت النتيجة مجموعة مدهشة من المركبات العضوية تشتمل على الأحماض الآمينية .. و هي نواة البروتينات .
و اختيار الحياة لعنصر الكربون بالذات لتتخذ منه الطوب الذي تبنى به معمارها اختيار فيه حكمة .. لأن الكربون عنصر نشيط .. احتمالاته الكيميائية لا حصر لها .. و قد ثبت بالحساب أن الجزيء الذي يحتوي على عشرين ذرة من الكربون يمكنه أن يعطي مليون صورة لتركيبات جديدة .
إنه عنصر مثل الحياة مفتوح على آفاق لانهائية .. ذرة تزيد و ذرة تنقص في الميثان تؤدي إلى تركيب الكلوروفورم .. الكحول .. النفتالين .. البنزول .. إلخ .. ملايين المواد الممكنة .
و كل مادة عضوية لها تعقيدات .
سكر القصب و سكر الفاكهة و سكر الشعير كلها تعقيدات لسكر العنب البسيط الجلوكوز .
و زيت الزيتون و زيت بذرة القطن و زيت الفول السوداني و زيت السمك و شحم الخنزير و شحم البقر .. كلها تعقيدات للجليسرين و الأحماض الدهنية ..
و مادة الأظافر و مادة الجلد و مادة الشعر و مادة العظم و الغضاريف و العضلات و الأعصاب و الدم و الريش و الأجنحة و قشر الحشرات و زلال البيض و الهرمونات .. كلها تعقيدات و اشتقاقات مختلفة من المادة البروتينية ..
و أنواع البروتينات التي تتألف من 24 حامض آميني يمكنها أن تعطي إمكانيات مثل التي تعطيها حروف الهجاء الـ26 .. يمكنها أن تعطي ألوف الكلمات و ملايين الجمل .. كل جملة تختلف عن الأخرى لأن تحت يدها 24 حرفاً كيميائياً تصنع منها تباديل و توافيق ..
و أهم مادة حية هي البروتين لأن جزيء البروتين ثقيل فيه أكثر من خمسة آلاف ذرة في المتوسط .. متعدد الاحتمالات بدرجة مذهلة .
و ذرات المادة البروتينية لا تعطي فقط إمكانيات متعددة للتوليف الكيماوي .. و لكنها أيضاً في التحامها تصنع أشكالاً متعددة من الالتحام . فهي تكون ملضومة أحياناً على شك مجمعات كروية و أحياناً على شكل سلاسل حلزونية .. و أحياناً على شكل حبال مبرومة كأسلاك التلغراف و في كل مرة تؤدي إلى شكل تركيبي جديد في وظيفته و طعمه و ملمسه مع أن التركيب الواحد في الكل ..
* * *
و السؤال الثاني الذي خطر ببال الكيميائيين هو الماء .. سر الماء ..
لماذا تبدو الحياة كأنها منقوعة كلها في الماء .
لماذا يؤلف الماء معظم النسيج الحي .. و لماذا يدخل كشرط في كل بنية حية ..
لقد تعودنا أن نتعلم في المدارس أن الماء سائل لا طعم له و لا لون و لا رائحة .. و هذه أكذوبة كبرى .. لأن الماء هو أكثر السوائل نشاطاً لأن تركيبه هو الآخر تركيب قلق غير مستقر غير مشبع .
أثبت الفحص الذري للماء أن ذرة الآيدروجين في جزيئه عارية بدون إلكترونات .. و لهذا كانت شديدة الشوق إلى استعارة الكترونات من أي مادة تلامسها .. و هذا سر قدرة الماء على إذابة المواد و التفاعل معها و تحليها إلى إيواناتها .
الماء ليس خاملاً .. و ليس عديم الطعم .. عديم النشاط .
الماء توازنه الكهربائي ناقص .. و لهذا فهو يروي من العطش أن له طعماً حيوياً ..
بدليل أن الماء الثقيل المشبع لا يروي .. و إذا شربت منه صفيحة فإنك لا بد هالك عطشاً .
و الماء له فعل آخر .. إنه يحول مادة البروتين إلى كتل غروية جيلاتينية في حالة تماسك كهربائي لا هو بالتجبن و لا هو بالتخشر .. و بهذا يصنع خامة حية شديدة الحساسية و عدم الثبات و القلق و التغير و التحول .
هذا البحث يثبت لنا في النهاية أن مادة الحياة فيها حياة .. فيها صفات الحياة .. و أن نشأة الحياة من مركبات الكربون و الماء لم تكن مصادفة .. و أن الحياة لو لم تنشأ من الكربون لنشأت من الكربون .. و أن الاحتمال أكبر من أن يكون مجرد خبطة عشوائية .
إنه ضرورة ..
و هذا يجعلنا نسأل .. ما هي المادة ..
و ما حقيقتها
. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ بين الحياة و الموت .. خيط رفيع
حينما دبت الحياة على مسرح الدنيا منذ ملايين السنين .. كان المسرح مختلف كثيراً عن حاله الآن .. كانت الأرض ساخنة و الجو مثقلاً بالبخار .. و لم يكن الأكسجين بهذه الكثرة و إنما كان نادراً .. و كان الغاز المنتشر بكثرة هو الآيدروجين و النوشادر و الميثان و أول أكسيد الكربون .. و كان ومض البرق و قرقعة الرعد و الضوء فوق البنفسجي و الإشعاع الذري و الشحنات الكهربائية العالية لا تنقطع .. و كانت المياه تغمر مساحات واسعة في برك ضحلة .. و لم تكن المياه صافية رائقة يطفو عليها الطحلب الأخضر كمياه الغدران الآن .. و إنما كانت مياهاً عكرة كثيفة كالحساء مليئة بأملاح الفوسفور و الكالسيوم و الصوديوم و البوتاسيوم و الحديد و الكبريت ..
في هذا المسرح الكيميائي النشط .. بدأت الحياة .. و لهذا لا بد لنا أن نتكلم قليلاً في الكيمياء .. و لا بد للقارئ أن يتحمل معنا عناء رحلة في مجاهل عالم الكيمياء .. إذا أراد أن يعرف سر وجوده .
استطاعت المعامل أن تثبت أن مادة الحياة واحدة تقريباً في كل الكائنات الحية .. و أن الفوارق بين تركيب لحم الحمار و لحم البني آدم و لحم الحشرة .. فوارق طفيفة لا تذكر .. و أن كل المواد التي تتألف منها البنية الحية لا تخرج عن كونها سكريات و نشويات و دهنيات و بروتينات .
و أثبتت المعامل أيضاً أن هذه المواد جميعها هي تعقيدات مختلفة لمادة واحدة و هي الآيدروكربون .. كل المواد الحية مشتقات من مادة هيدروكربونية .. من غاو الميثان .. و هو غاز يتألف من الكربون و الآيدروجين .. فما هو الشيء السحري الذي جعل مادة الكربون بالذات هي المادة المختارة لنشأة الحياة .
السر أن هذه المادة قلقة غير مستقرة .. غير مشبعة .. فيها قابلية لا نهائية للارتباط بعدد لا نهائي من المركبات و المبادلة عليها بذراتها في كل وقت ..
و قد ثبت أن المواد المستقرة التي يسمونها في الكيمياء المواد النبيلة كالذهب و البلاتين و غاز الهيليوم و الأرجون و الكربتون .. كل هذه المواد ظلت مواداً عاطلة خاملة مثل الأمراء الخاملين .. بدأت و انتهت على حالها دون أن تعطي إمكانيات جديدة .. و السبب أن ذراتها مشبعة متوازنة مستقرة لدرجة الموت .. و لهذا لم يدخل أي واحد من هذه العناصر في تركيب الجسم الحي . و إنما اختارت الحياة مادة واحدة بعينها شديدة القلق ناقصة غير مشبعة كثيرة الانفكاك و الارتباط بالمواد حولها لتكون مستقراً لها .. هي مادة الكربون لأنها مستودع لطاقة كيماوية لا نهائية و محل لتفاعلات لا آخر لها ..
إنها هي ذاتها فيها صفات الحياة .. الفاعلية و التحول و التكاثر و التعقد ..
إن مفتاح الحياة هو .. الكربون .. لأنه مادة جائعة غير مشبعة تنقصها أربعة إلكترونات في مدارها الذري لتصل إلى الراحة و التوازن .. و لهذا فهي دائماً تدخل في علاقات و تفاعلات محاولة الوصول إلى هذا التوازن .. و تكون نتيجة هذه التفاعلات متتاليات كيميائية لا حصر لها .. تبدأ من غاو الميثان .. الهيدروكربون .. إلى المواد الكربوهيدراتية كالسكريات و النشويات .. إلى الجلسرين و الدهون .. إلى البروتينات .
كل هذه المتتالية الحية هي تعقيد و اشتقاق من مادة واحدة هي الكربون أو الفحم ..
و قدا قام ميللر بتقليد ظروف الحياة الأولى في المعمل فأحدث تفريغاً كهربائياً في جو خال من الأكسجين و به ميثان و نشادر و بخار ماء .. فكانت النتيجة مجموعة مدهشة من المركبات العضوية تشتمل على الأحماض الآمينية .. و هي نواة البروتينات .
و اختيار الحياة لعنصر الكربون بالذات لتتخذ منه الطوب الذي تبنى به معمارها اختيار فيه حكمة .. لأن الكربون عنصر نشيط .. احتمالاته الكيميائية لا حصر لها .. و قد ثبت بالحساب أن الجزيء الذي يحتوي على عشرين ذرة من الكربون يمكنه أن يعطي مليون صورة لتركيبات جديدة .
إنه عنصر مثل الحياة مفتوح على آفاق لانهائية .. ذرة تزيد و ذرة تنقص في الميثان تؤدي إلى تركيب الكلوروفورم .. الكحول .. النفتالين .. البنزول .. إلخ .. ملايين المواد الممكنة .
و كل مادة عضوية لها تعقيدات .
سكر القصب و سكر الفاكهة و سكر الشعير كلها تعقيدات لسكر العنب البسيط الجلوكوز .
و زيت الزيتون و زيت بذرة القطن و زيت الفول السوداني و زيت السمك و شحم الخنزير و شحم البقر .. كلها تعقيدات للجليسرين و الأحماض الدهنية ..
و مادة الأظافر و مادة الجلد و مادة الشعر و مادة العظم و الغضاريف و العضلات و الأعصاب و الدم و الريش و الأجنحة و قشر الحشرات و زلال البيض و الهرمونات .. كلها تعقيدات و اشتقاقات مختلفة من المادة البروتينية ..
و أنواع البروتينات التي تتألف من 24 حامض آميني يمكنها أن تعطي إمكانيات مثل التي تعطيها حروف الهجاء الـ26 .. يمكنها أن تعطي ألوف الكلمات و ملايين الجمل .. كل جملة تختلف عن الأخرى لأن تحت يدها 24 حرفاً كيميائياً تصنع منها تباديل و توافيق ..
و أهم مادة حية هي البروتين لأن جزيء البروتين ثقيل فيه أكثر من خمسة آلاف ذرة في المتوسط .. متعدد الاحتمالات بدرجة مذهلة .
و ذرات المادة البروتينية لا تعطي فقط إمكانيات متعددة للتوليف الكيماوي .. و لكنها أيضاً في التحامها تصنع أشكالاً متعددة من الالتحام . فهي تكون ملضومة أحياناً على شك مجمعات كروية و أحياناً على شكل سلاسل حلزونية .. و أحياناً على شكل حبال مبرومة كأسلاك التلغراف و في كل مرة تؤدي إلى شكل تركيبي جديد في وظيفته و طعمه و ملمسه مع أن التركيب الواحد في الكل ..
و السؤال الثاني الذي خطر ببال الكيميائيين هو الماء .. سر الماء ..
لماذا تبدو الحياة كأنها منقوعة كلها في الماء .
لماذا يؤلف الماء معظم النسيج الحي .. و لماذا يدخل كشرط في كل بنية حية ..
لقد تعودنا أن نتعلم في المدارس أن الماء سائل لا طعم له و لا لون و لا رائحة .. و هذه أكذوبة كبرى .. لأن الماء هو أكثر السوائل نشاطاً لأن تركيبه هو الآخر تركيب قلق غير مستقر غير مشبع .
أثبت الفحص الذري للماء أن ذرة الآيدروجين في جزيئه عارية بدون إلكترونات .. و لهذا كانت شديدة الشوق إلى استعارة الكترونات من أي مادة تلامسها .. و هذا سر قدرة الماء على إذابة المواد و التفاعل معها و تحليها إلى إيواناتها .
الماء ليس خاملاً .. و ليس عديم الطعم .. عديم النشاط .
الماء توازنه الكهربائي ناقص .. و لهذا فهو يروي من العطش أن له طعماً حيوياً ..
بدليل أن الماء الثقيل المشبع لا يروي .. و إذا شربت منه صفيحة فإنك لا بد هالك عطشاً .
و الماء له فعل آخر .. إنه يحول مادة البروتين إلى كتل غروية جيلاتينية في حالة تماسك كهربائي لا هو بالتجبن و لا هو بالتخشر .. و بهذا يصنع خامة حية شديدة الحساسية و عدم الثبات و القلق و التغير و التحول .
هذا البحث يثبت لنا في النهاية أن مادة الحياة فيها حياة .. فيها صفات الحياة .. و أن نشأة الحياة من مركبات الكربون و الماء لم تكن مصادفة .. و أن الحياة لو لم تنشأ من الكربون لنشأت من الكربون .. و أن الاحتمال أكبر من أن يكون مجرد خبطة عشوائية .
إنه ضرورة ..
و هذا يجعلنا نسأل .. ما هي المادة ..
و ما حقيقتها
❞ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)
وهو معنى قوله : وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا والأنبياء لا يقرون على منكر ، ولا يجوز لهم التقرير أي لا يسعك السكوت جريا على عادتك وحكمك . وانتصب خبرا على التمييز المنقول عن الفاعل . وقيل : على المصدر الملاقى في المعنى ، لأن قوله : لم تحط . معناه لم تخبره ، فكأنه قال : لم تخبره خبرا ; وإليه أشار مجاهد والخبير بالأمور هو العالم بخفاياها وبما يختبر منها. ❝ ⏤محمد بن صالح العثيمين
❞ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)
وهو معنى قوله : وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا والأنبياء لا يقرون على منكر ، ولا يجوز لهم التقرير أي لا يسعك السكوت جريا على عادتك وحكمك . وانتصب خبرا على التمييز المنقول عن الفاعل . وقيل : على المصدر الملاقى في المعنى ، لأن قوله : لم تحط . معناه لم تخبره ، فكأنه قال : لم تخبره خبرا ; وإليه أشار مجاهد والخبير بالأمور هو العالم بخفاياها وبما يختبر منها . ❝
❞ قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ (54)
قال هل أنتم مطلعون ف " قال " الله تعالى لأهل الجنة : هل أنتم مطلعون . وقيل : هو من قول المؤمن لإخوانه في الجنة هل أنتم مطلعون إلى النار لننظر كيف حال ذلك القرين . وقيل : هو من قول الملائكة . وليس هل أنتم مطلعون باستفهام ، إنما هو بمعنى الأمر ، أي : اطلعوا ، قاله ابن الأعرابي وغيره . ومنه لما نزلت آية الخمر ، قام عمر قائما بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم رفع رأسه إلى السماء ، ثم قال : يا رب بيانا أشفى من هذا في الخمر . فنزلت : فهل أنتم منتهون قال : فنادى عمر : انتهينا يا ربنا . وقرأ ابن عباس : " هل أنتم مطلعون " بإسكان الطاء خفيفة " فأطلع " بقطع الألف مخففة على معنى هل أنتم مقبلون ، فأقبل . قال النحاس " فأطلع فرآه " فيه قولان : أحدهما : أن يكون فعلا مستقبلا معناه : فأطلع أنا ، ويكون منصوبا على أنه جواب الاستفهام . والقول الثاني : أن يكون فعلا ماضيا ويكون اطلع وأطلع واحدا . قال الزجاج : يقال طلع وأطلع واطلع بمعنى واحد . وقد حكي هل أنتم مطلعون بكسر النون وأنكره أبو حاتم وغيره . النحاس : وهو لحن لا يجوز ; لأنه جمع بين النون والإضافة ، ولو كان مضافا لكان هل أنتم مطلعي ، وإن كان سيبويه والفراء قد حكيا مثله ، وأنشدا :
هم القائلون الخير والآمرونه إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما
وأنشد الفراء : والفاعلونه . وأنشد سيبويه وحده :
ولم يرتفق والناس محتضرونه
وهذا شاذ خارج عن كلام العرب ، وما كان مثل هذا لم يحتج به في كتاب الله عز وجل ، ولا يدخل في الفصيح . وقد قيل في توجيهه : إنه أجرى اسم الفاعل مجرى المضارع لقربه منه ، فجرى مطلعون مجرى يطلعون . ذكره أبو الفتح عثمان بن جني وأنشد :
أرأيت إن جئت به أملودا مرجلا ويلبس البرودا
أقائلن أحضروا الشهودا
فأجرى أقائلن مجرى أتقولن . وقال ابن عباس في قوله تعالى : هل أنتم مطلعون فاطلع فرآه إن في الجنة كوى ينظر أهلها منها إلى النار وأهلها . وكذلك قال كعب فيما ذكر ابن المبارك ، قال : إن بين الجنة والنار كوى ، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدو كان له في الدنيا اطلع من بعض الكوى ،. ❝ ⏤محمد بن صالح العثيمين
❞ قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ (54)
قال هل أنتم مطلعون ف " قال " الله تعالى لأهل الجنة : هل أنتم مطلعون . وقيل : هو من قول المؤمن لإخوانه في الجنة هل أنتم مطلعون إلى النار لننظر كيف حال ذلك القرين . وقيل : هو من قول الملائكة . وليس هل أنتم مطلعون باستفهام ، إنما هو بمعنى الأمر ، أي : اطلعوا ، قاله ابن الأعرابي وغيره . ومنه لما نزلت آية الخمر ، قام عمر قائما بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم رفع رأسه إلى السماء ، ثم قال : يا رب بيانا أشفى من هذا في الخمر . فنزلت : فهل أنتم منتهون قال : فنادى عمر : انتهينا يا ربنا . وقرأ ابن عباس : " هل أنتم مطلعون " بإسكان الطاء خفيفة " فأطلع " بقطع الألف مخففة على معنى هل أنتم مقبلون ، فأقبل . قال النحاس " فأطلع فرآه " فيه قولان : أحدهما : أن يكون فعلا مستقبلا معناه : فأطلع أنا ، ويكون منصوبا على أنه جواب الاستفهام . والقول الثاني : أن يكون فعلا ماضيا ويكون اطلع وأطلع واحدا . قال الزجاج : يقال طلع وأطلع واطلع بمعنى واحد . وقد حكي هل أنتم مطلعون بكسر النون وأنكره أبو حاتم وغيره . النحاس : وهو لحن لا يجوز ; لأنه جمع بين النون والإضافة ، ولو كان مضافا لكان هل أنتم مطلعي ، وإن كان سيبويه والفراء قد حكيا مثله ، وأنشدا :
هم القائلون الخير والآمرونه إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما
وأنشد الفراء : والفاعلونه . وأنشد سيبويه وحده :
ولم يرتفق والناس محتضرونه
وهذا شاذ خارج عن كلام العرب ، وما كان مثل هذا لم يحتج به في كتاب الله عز وجل ، ولا يدخل في الفصيح . وقد قيل في توجيهه : إنه أجرى اسم الفاعل مجرى المضارع لقربه منه ، فجرى مطلعون مجرى يطلعون . ذكره أبو الفتح عثمان بن جني وأنشد :
أرأيت إن جئت به أملودا مرجلا ويلبس البرودا
أقائلن أحضروا الشهودا
فأجرى أقائلن مجرى أتقولن . وقال ابن عباس في قوله تعالى : هل أنتم مطلعون فاطلع فرآه إن في الجنة كوى ينظر أهلها منها إلى النار وأهلها . وكذلك قال كعب فيما ذكر ابن المبارك ، قال : إن بين الجنة والنار كوى ، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدو كان له في الدنيا اطلع من بعض الكوى ، . ❝
❞ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .
سبحانك لا أرى لي يداً . سبحانك لا أرى سواك . لا إله إلا الله. لا إله إلا الله حقاً و صدقاً . و ذاتك هي واحدة الحسن ، الحسن كله منها ، و الحب كله لها ، و يدك هي واحدة المشيئة .
الفعل كله منها و القوة كلها بها و إن تعددت الأيدي في الظاهر و ظن الظانون تعدد المشيئات .. وإن تعدد المحبون و تعددت المحبوبات .. ما يركع الكل إلا على بابك و ما يلثم الكل إلا أعتابك .. مؤمنون و كفرة .. و إن ظن الكافر أنه يلثم ديناراً أو يقبل خداً فإنما هي أيادي رحمتك أو أيادي لعنتك هي ما يلثم و يقبل دون أن يدري .
و إنما هي أسماء و أفعال و أوصاف ، و المسمى واحد ، و الفاعل واحد ، و الموصوف واحد ، لا إله إلا هو، لا إله إلا الله ، الحمد له في الأول و الآخر.
رفعت الأقلام و طويت الصحف و انتهت الكلمات. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .
سبحانك لا أرى لي يداً . سبحانك لا أرى سواك . لا إله إلا الله. لا إله إلا الله حقاً و صدقاً . و ذاتك هي واحدة الحسن ، الحسن كله منها ، و الحب كله لها ، و يدك هي واحدة المشيئة .
الفعل كله منها و القوة كلها بها و إن تعددت الأيدي في الظاهر و ظن الظانون تعدد المشيئات .. وإن تعدد المحبون و تعددت المحبوبات .. ما يركع الكل إلا على بابك و ما يلثم الكل إلا أعتابك .. مؤمنون و كفرة .. و إن ظن الكافر أنه يلثم ديناراً أو يقبل خداً فإنما هي أيادي رحمتك أو أيادي لعنتك هي ما يلثم و يقبل دون أن يدري .
و إنما هي أسماء و أفعال و أوصاف ، و المسمى واحد ، و الفاعل واحد ، و الموصوف واحد ، لا إله إلا هو، لا إله إلا الله ، الحمد له في الأول و الآخر.
رفعت الأقلام و طويت الصحف و انتهت الكلمات . ❝