❞ بين الحياة و الموت .. خيط رفيع
حينما دبت الحياة على مسرح الدنيا منذ ملايين السنين .. كان المسرح مختلف كثيراً عن حاله الآن .. كانت الأرض ساخنة و الجو مثقلاً بالبخار .. و لم يكن الأكسجين بهذه الكثرة و إنما كان نادراً .. و كان الغاز المنتشر بكثرة هو الآيدروجين و النوشادر و الميثان و أول أكسيد الكربون .. و كان ومض البرق و قرقعة الرعد و الضوء فوق البنفسجي و الإشعاع الذري و الشحنات الكهربائية العالية لا تنقطع .. و كانت المياه تغمر مساحات واسعة في برك ضحلة .. و لم تكن المياه صافية رائقة يطفو عليها الطحلب الأخضر كمياه الغدران الآن .. و إنما كانت مياهاً عكرة كثيفة كالحساء مليئة بأملاح الفوسفور و الكالسيوم و الصوديوم و البوتاسيوم و الحديد و الكبريت ..
في هذا المسرح الكيميائي النشط .. بدأت الحياة .. و لهذا لا بد لنا أن نتكلم قليلاً في الكيمياء .. و لا بد للقارئ أن يتحمل معنا عناء رحلة في مجاهل عالم الكيمياء .. إذا أراد أن يعرف سر وجوده .
* * *
استطاعت المعامل أن تثبت أن مادة الحياة واحدة تقريباً في كل الكائنات الحية .. و أن الفوارق بين تركيب لحم الحمار و لحم البني آدم و لحم الحشرة .. فوارق طفيفة لا تذكر .. و أن كل المواد التي تتألف منها البنية الحية لا تخرج عن كونها سكريات و نشويات و دهنيات و بروتينات .
و أثبتت المعامل أيضاً أن هذه المواد جميعها هي تعقيدات مختلفة لمادة واحدة و هي الآيدروكربون .. كل المواد الحية مشتقات من مادة هيدروكربونية .. من غاو الميثان .. و هو غاز يتألف من الكربون و الآيدروجين .. فما هو الشيء السحري الذي جعل مادة الكربون بالذات هي المادة المختارة لنشأة الحياة .
السر أن هذه المادة قلقة غير مستقرة .. غير مشبعة .. فيها قابلية لا نهائية للارتباط بعدد لا نهائي من المركبات و المبادلة عليها بذراتها في كل وقت ..
و قد ثبت أن المواد المستقرة التي يسمونها في الكيمياء المواد النبيلة كالذهب و البلاتين و غاز الهيليوم و الأرجون و الكربتون .. كل هذه المواد ظلت مواداً عاطلة خاملة مثل الأمراء الخاملين .. بدأت و انتهت على حالها دون أن تعطي إمكانيات جديدة .. و السبب أن ذراتها مشبعة متوازنة مستقرة لدرجة الموت .. و لهذا لم يدخل أي واحد من هذه العناصر في تركيب الجسم الحي . و إنما اختارت الحياة مادة واحدة بعينها شديدة القلق ناقصة غير مشبعة كثيرة الانفكاك و الارتباط بالمواد حولها لتكون مستقراً لها .. هي مادة الكربون لأنها مستودع لطاقة كيماوية لا نهائية و محل لتفاعلات لا آخر لها ..
إنها هي ذاتها فيها صفات الحياة .. الفاعلية و التحول و التكاثر و التعقد ..
إن مفتاح الحياة هو .. الكربون .. لأنه مادة جائعة غير مشبعة تنقصها أربعة إلكترونات في مدارها الذري لتصل إلى الراحة و التوازن .. و لهذا فهي دائماً تدخل في علاقات و تفاعلات محاولة الوصول إلى هذا التوازن .. و تكون نتيجة هذه التفاعلات متتاليات كيميائية لا حصر لها .. تبدأ من غاو الميثان .. الهيدروكربون .. إلى المواد الكربوهيدراتية كالسكريات و النشويات .. إلى الجلسرين و الدهون .. إلى البروتينات .
كل هذه المتتالية الحية هي تعقيد و اشتقاق من مادة واحدة هي الكربون أو الفحم ..
و قدا قام ميللر بتقليد ظروف الحياة الأولى في المعمل فأحدث تفريغاً كهربائياً في جو خال من الأكسجين و به ميثان و نشادر و بخار ماء .. فكانت النتيجة مجموعة مدهشة من المركبات العضوية تشتمل على الأحماض الآمينية .. و هي نواة البروتينات .
و اختيار الحياة لعنصر الكربون بالذات لتتخذ منه الطوب الذي تبنى به معمارها اختيار فيه حكمة .. لأن الكربون عنصر نشيط .. احتمالاته الكيميائية لا حصر لها .. و قد ثبت بالحساب أن الجزيء الذي يحتوي على عشرين ذرة من الكربون يمكنه أن يعطي مليون صورة لتركيبات جديدة .
إنه عنصر مثل الحياة مفتوح على آفاق لانهائية .. ذرة تزيد و ذرة تنقص في الميثان تؤدي إلى تركيب الكلوروفورم .. الكحول .. النفتالين .. البنزول .. إلخ .. ملايين المواد الممكنة .
و كل مادة عضوية لها تعقيدات .
سكر القصب و سكر الفاكهة و سكر الشعير كلها تعقيدات لسكر العنب البسيط الجلوكوز .
و زيت الزيتون و زيت بذرة القطن و زيت الفول السوداني و زيت السمك و شحم الخنزير و شحم البقر .. كلها تعقيدات للجليسرين و الأحماض الدهنية ..
و مادة الأظافر و مادة الجلد و مادة الشعر و مادة العظم و الغضاريف و العضلات و الأعصاب و الدم و الريش و الأجنحة و قشر الحشرات و زلال البيض و الهرمونات .. كلها تعقيدات و اشتقاقات مختلفة من المادة البروتينية ..
و أنواع البروتينات التي تتألف من 24 حامض آميني يمكنها أن تعطي إمكانيات مثل التي تعطيها حروف الهجاء الـ26 .. يمكنها أن تعطي ألوف الكلمات و ملايين الجمل .. كل جملة تختلف عن الأخرى لأن تحت يدها 24 حرفاً كيميائياً تصنع منها تباديل و توافيق ..
و أهم مادة حية هي البروتين لأن جزيء البروتين ثقيل فيه أكثر من خمسة آلاف ذرة في المتوسط .. متعدد الاحتمالات بدرجة مذهلة .
و ذرات المادة البروتينية لا تعطي فقط إمكانيات متعددة للتوليف الكيماوي .. و لكنها أيضاً في التحامها تصنع أشكالاً متعددة من الالتحام . فهي تكون ملضومة أحياناً على شك مجمعات كروية و أحياناً على شكل سلاسل حلزونية .. و أحياناً على شكل حبال مبرومة كأسلاك التلغراف و في كل مرة تؤدي إلى شكل تركيبي جديد في وظيفته و طعمه و ملمسه مع أن التركيب الواحد في الكل ..
* * *
و السؤال الثاني الذي خطر ببال الكيميائيين هو الماء .. سر الماء ..
لماذا تبدو الحياة كأنها منقوعة كلها في الماء .
لماذا يؤلف الماء معظم النسيج الحي .. و لماذا يدخل كشرط في كل بنية حية ..
لقد تعودنا أن نتعلم في المدارس أن الماء سائل لا طعم له و لا لون و لا رائحة .. و هذه أكذوبة كبرى .. لأن الماء هو أكثر السوائل نشاطاً لأن تركيبه هو الآخر تركيب قلق غير مستقر غير مشبع .
أثبت الفحص الذري للماء أن ذرة الآيدروجين في جزيئه عارية بدون إلكترونات .. و لهذا كانت شديدة الشوق إلى استعارة الكترونات من أي مادة تلامسها .. و هذا سر قدرة الماء على إذابة المواد و التفاعل معها و تحليها إلى إيواناتها .
الماء ليس خاملاً .. و ليس عديم الطعم .. عديم النشاط .
الماء توازنه الكهربائي ناقص .. و لهذا فهو يروي من العطش أن له طعماً حيوياً ..
بدليل أن الماء الثقيل المشبع لا يروي .. و إذا شربت منه صفيحة فإنك لا بد هالك عطشاً .
و الماء له فعل آخر .. إنه يحول مادة البروتين إلى كتل غروية جيلاتينية في حالة تماسك كهربائي لا هو بالتجبن و لا هو بالتخشر .. و بهذا يصنع خامة حية شديدة الحساسية و عدم الثبات و القلق و التغير و التحول .
هذا البحث يثبت لنا في النهاية أن مادة الحياة فيها حياة .. فيها صفات الحياة .. و أن نشأة الحياة من مركبات الكربون و الماء لم تكن مصادفة .. و أن الحياة لو لم تنشأ من الكربون لنشأت من الكربون .. و أن الاحتمال أكبر من أن يكون مجرد خبطة عشوائية .
إنه ضرورة ..
و هذا يجعلنا نسأل .. ما هي المادة ..
و ما حقيقتها
. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ بين الحياة و الموت . خيط رفيع
حينما دبت الحياة على مسرح الدنيا منذ ملايين السنين . كان المسرح مختلف كثيراً عن حاله الآن . كانت الأرض ساخنة و الجو مثقلاً بالبخار . و لم يكن الأكسجين بهذه الكثرة و إنما كان نادراً . و كان الغاز المنتشر بكثرة هو الآيدروجين و النوشادر و الميثان و أول أكسيد الكربون . و كان ومض البرق و قرقعة الرعد و الضوء فوق البنفسجي و الإشعاع الذري و الشحنات الكهربائية العالية لا تنقطع . و كانت المياه تغمر مساحات واسعة في برك ضحلة . و لم تكن المياه صافية رائقة يطفو عليها الطحلب الأخضر كمياه الغدران الآن . و إنما كانت مياهاً عكرة كثيفة كالحساء مليئة بأملاح الفوسفور و الكالسيوم و الصوديوم و البوتاسيوم و الحديد و الكبريت .
في هذا المسرح الكيميائي النشط . بدأت الحياة . و لهذا لا بد لنا أن نتكلم قليلاً في الكيمياء . و لا بد للقارئ أن يتحمل معنا عناء رحلة في مجاهل عالم الكيمياء . إذا أراد أن يعرف سر وجوده .
**
استطاعت المعامل أن تثبت أن مادة الحياة واحدة تقريباً في كل الكائنات الحية . و أن الفوارق بين تركيب لحم الحمار و لحم البني آدم و لحم الحشرة . فوارق طفيفة لا تذكر . و أن كل المواد التي تتألف منها البنية الحية لا تخرج عن كونها سكريات و نشويات و دهنيات و بروتينات .
و أثبتت المعامل أيضاً أن هذه المواد جميعها هي تعقيدات مختلفة لمادة واحدة و هي الآيدروكربون . كل المواد الحية مشتقات من مادة هيدروكربونية . من غاو الميثان . و هو غاز يتألف من الكربون و الآيدروجين . فما هو الشيء السحري الذي جعل مادة الكربون بالذات هي المادة المختارة لنشأة الحياة .
السر أن هذه المادة قلقة غير مستقرة . غير مشبعة . فيها قابلية لا نهائية للارتباط بعدد لا نهائي من المركبات و المبادلة عليها بذراتها في كل وقت .
و قد ثبت أن المواد المستقرة التي يسمونها في الكيمياء المواد النبيلة كالذهب و البلاتين و غاز الهيليوم و الأرجون و الكربتون . كل هذه المواد ظلت مواداً عاطلة خاملة مثل الأمراء الخاملين . بدأت و انتهت على حالها دون أن تعطي إمكانيات جديدة . و السبب أن ذراتها مشبعة متوازنة مستقرة لدرجة الموت . و لهذا لم يدخل أي واحد من هذه العناصر في تركيب الجسم الحي . و إنما اختارت الحياة مادة واحدة بعينها شديدة القلق ناقصة غير مشبعة كثيرة الانفكاك و الارتباط بالمواد حولها لتكون مستقراً لها . هي مادة الكربون لأنها مستودع لطاقة كيماوية لا نهائية و محل لتفاعلات لا آخر لها .
إنها هي ذاتها فيها صفات الحياة . الفاعلية و التحول و التكاثر و التعقد .
إن مفتاح الحياة هو . الكربون . لأنه مادة جائعة غير مشبعة تنقصها أربعة إلكترونات في مدارها الذري لتصل إلى الراحة و التوازن . و لهذا فهي دائماً تدخل في علاقات و تفاعلات محاولة الوصول إلى هذا التوازن . و تكون نتيجة هذه التفاعلات متتاليات كيميائية لا حصر لها . تبدأ من غاو الميثان . الهيدروكربون . إلى المواد الكربوهيدراتية كالسكريات و النشويات . إلى الجلسرين و الدهون . إلى البروتينات .
كل هذه المتتالية الحية هي تعقيد و اشتقاق من مادة واحدة هي الكربون أو الفحم .
و قدا قام ميللر بتقليد ظروف الحياة الأولى في المعمل فأحدث تفريغاً كهربائياً في جو خال من الأكسجين و به ميثان و نشادر و بخار ماء . فكانت النتيجة مجموعة مدهشة من المركبات العضوية تشتمل على الأحماض الآمينية . و هي نواة البروتينات .
و اختيار الحياة لعنصر الكربون بالذات لتتخذ منه الطوب الذي تبنى به معمارها اختيار فيه حكمة . لأن الكربون عنصر نشيط . احتمالاته الكيميائية لا حصر لها . و قد ثبت بالحساب أن الجزيء الذي يحتوي على عشرين ذرة من الكربون يمكنه أن يعطي مليون صورة لتركيبات جديدة .
إنه عنصر مثل الحياة مفتوح على آفاق لانهائية . ذرة تزيد و ذرة تنقص في الميثان تؤدي إلى تركيب الكلوروفورم . الكحول . النفتالين . البنزول . إلخ . ملايين المواد الممكنة .
و كل مادة عضوية لها تعقيدات .
سكر القصب و سكر الفاكهة و سكر الشعير كلها تعقيدات لسكر العنب البسيط الجلوكوز .
و زيت الزيتون و زيت بذرة القطن و زيت الفول السوداني و زيت السمك و شحم الخنزير و شحم البقر . كلها تعقيدات للجليسرين و الأحماض الدهنية .
و مادة الأظافر و مادة الجلد و مادة الشعر و مادة العظم و الغضاريف و العضلات و الأعصاب و الدم و الريش و الأجنحة و قشر الحشرات و زلال البيض و الهرمونات . كلها تعقيدات و اشتقاقات مختلفة من المادة البروتينية .
و أنواع البروتينات التي تتألف من 24 حامض آميني يمكنها أن تعطي إمكانيات مثل التي تعطيها حروف الهجاء الـ26 . يمكنها أن تعطي ألوف الكلمات و ملايين الجمل . كل جملة تختلف عن الأخرى لأن تحت يدها 24 حرفاً كيميائياً تصنع منها تباديل و توافيق .
و أهم مادة حية هي البروتين لأن جزيء البروتين ثقيل فيه أكثر من خمسة آلاف ذرة في المتوسط . متعدد الاحتمالات بدرجة مذهلة .
و ذرات المادة البروتينية لا تعطي فقط إمكانيات متعددة للتوليف الكيماوي . و لكنها أيضاً في التحامها تصنع أشكالاً متعددة من الالتحام . فهي تكون ملضومة أحياناً على شك مجمعات كروية و أحياناً على شكل سلاسل حلزونية . و أحياناً على شكل حبال مبرومة كأسلاك التلغراف و في كل مرة تؤدي إلى شكل تركيبي جديد في وظيفته و طعمه و ملمسه مع أن التركيب الواحد في الكل .
**
و السؤال الثاني الذي خطر ببال الكيميائيين هو الماء . سر الماء .
لماذا تبدو الحياة كأنها منقوعة كلها في الماء .
لماذا يؤلف الماء معظم النسيج الحي . و لماذا يدخل كشرط في كل بنية حية .
لقد تعودنا أن نتعلم في المدارس أن الماء سائل لا طعم له و لا لون و لا رائحة . و هذه أكذوبة كبرى . لأن الماء هو أكثر السوائل نشاطاً لأن تركيبه هو الآخر تركيب قلق غير مستقر غير مشبع .
أثبت الفحص الذري للماء أن ذرة الآيدروجين في جزيئه عارية بدون إلكترونات . و لهذا كانت شديدة الشوق إلى استعارة الكترونات من أي مادة تلامسها . و هذا سر قدرة الماء على إذابة المواد و التفاعل معها و تحليها إلى إيواناتها .
الماء ليس خاملاً . و ليس عديم الطعم . عديم النشاط .
الماء توازنه الكهربائي ناقص . و لهذا فهو يروي من العطش أن له طعماً حيوياً .
بدليل أن الماء الثقيل المشبع لا يروي . و إذا شربت منه صفيحة فإنك لا بد هالك عطشاً .
و الماء له فعل آخر . إنه يحول مادة البروتين إلى كتل غروية جيلاتينية في حالة تماسك كهربائي لا هو بالتجبن و لا هو بالتخشر . و بهذا يصنع خامة حية شديدة الحساسية و عدم الثبات و القلق و التغير و التحول .
هذا البحث يثبت لنا في النهاية أن مادة الحياة فيها حياة . فيها صفات الحياة . و أن نشأة الحياة من مركبات الكربون و الماء لم تكن مصادفة . و أن الحياة لو لم تنشأ من الكربون لنشأت من الكربون . و أن الاحتمال أكبر من أن يكون مجرد خبطة عشوائية .
إنه ضرورة .
و هذا يجعلنا نسأل . ما هي المادة .
و ما حقيقتها. ❝
❞ في الماضي البعيد قامت مزاوجة في بنية التربية والتعليم بين علوم الشريعة والعلوم الحياتية والكونية، وقد أنجب ذلك الاقترانُ حضارة إسلامية زاهية باهرة، ثم أخذت علوم الحياة تنسحب من المناهج والحِلَق الدراسية شيئاً فشيئاً، حتى جهلت الأمة أبجديات المعرفة في الطبيعة والكون والصناعة ، ووصلت إلى الحضيض، واليوم ترتكب الأمة الخطأ نفسه على نحو معكوس، حيث تَرَاجع نصيب العلوم الشرعية في المناهج الدراسية في أكثر البلدان الإسلامية، كما تراجعت المفردات القيمية والأخلاقية في لغة التربية والإعلام، وكان حصاد ذلك أعداداً كبيرة من البشر تحيط بالكثير من المعارف النختلفة، لكنها تجهل بدهيات وأساسيات في عباداتها ومعاملاتها! وصار لدينا اليوم كمّ هائل من المفردات التي تحث على النشاط والفاعلية والنجاح والتنظيم وحيازة الثروة وتحقيق الذات.. على حين تنوسيت المفردات التي تغرس أخلاق الصلاح والاستقامة والبعد عن الحرام، والإقبال على الآخرة. ❝ ⏤عبد الكريم بكار
❞ في الماضي البعيد قامت مزاوجة في بنية التربية والتعليم بين علوم الشريعة والعلوم الحياتية والكونية، وقد أنجب ذلك الاقترانُ حضارة إسلامية زاهية باهرة، ثم أخذت علوم الحياة تنسحب من المناهج والحِلَق الدراسية شيئاً فشيئاً، حتى جهلت الأمة أبجديات المعرفة في الطبيعة والكون والصناعة ، ووصلت إلى الحضيض، واليوم ترتكب الأمة الخطأ نفسه على نحو معكوس، حيث تَرَاجع نصيب العلوم الشرعية في المناهج الدراسية في أكثر البلدان الإسلامية، كما تراجعت المفردات القيمية والأخلاقية في لغة التربية والإعلام، وكان حصاد ذلك أعداداً كبيرة من البشر تحيط بالكثير من المعارف النختلفة، لكنها تجهل بدهيات وأساسيات في عباداتها ومعاملاتها! وصار لدينا اليوم كمّ هائل من المفردات التي تحث على النشاط والفاعلية والنجاح والتنظيم وحيازة الثروة وتحقيق الذات. على حين تنوسيت المفردات التي تغرس أخلاق الصلاح والاستقامة والبعد عن الحرام، والإقبال على الآخرة. ❝
❞ حوار مع صديقي الملحد
قال صاحبي : -
ألست معي في أنكم تبالغون كثيراً في استخدام كلمة لا إله إلا الله و كأنها مفتاح لكل باب .. تشيعون بها الميت و تستقبلون الوليد و تطبعونها على الأختام و تنقشونها على القلائد و تصكون بها العملات و تعلقونها على الجدران .. من ينطق بها منكم تقولون أن جســمه أعتق من النار .. فإذا نطق بها مائة ألف مرة دخل الجنة و كأنها طلسم سحري أو تعويذة لطرد الجن أو قمقم لحبس المردة .. ثم هذه الحروف التي لا تعرفون لها معنى .. ا . ل . م .. كهيعص .. طسم .. حم .. الر .
هل أنجو من العذاب إذا قلت لا إله إلا الله .. إذن فإني أقولها و أشهدك و أشهد الحضور على ذلك .. لا إله إلا الله .. هل انتهى الأمر ؟!
- بل أنت لم تقل شيئـاً .
إن لا إله إلا الله لمن يعمل بها و ليست لمن يشقشق بها لسانه .. لا إله إلا الله منهج عمل و خطة حياة و ليست مجرد حروف ..
و دعنا نفكر قليلاً في معناها .. إننا حينما نقول لا إله إلا الله نعني أنه لا معبود إلا الله و بين لا و إلا بين النفي و الإثبات في العبارة بين هاتين الدفتين تقع العقيدة كلها لا النافية تنفي الألوهية عن كل شيء .. عن كل ما نعبد من مشتهيات في الدنيا .. عن المال و الجاه و السلطان و اللذات و ترف العيش و النساء الباهرات و العز الفاره .. لكل هذا نقول لا .. لا نعبدك .. لست إلهاً ..
ثم نقول لا لنفوسنا التي تشتهي تلك الأشياء لأن الإنسان يعبد نفسه في العادة و يعبد رأيه و يعبد هواه و اختياره و مزاجه و يعبد ذكاءه و مواهبه و شهرته و يتصور أن بيده مقاليد الأمور و أقدار الناس و المجتمع .. و يجعل من نفسه إلهاً دون أن يدري .. لهذه النفس نحن نقول لا .. لا نعبدك .. لست إلهاً .
نقول ((لا)) – للمدير و الرئيس و الحاكم .. لا لست إلهاً .
و معنى كلمة ((إله)) أي ((فاعل)) .. و الفاعل بحق عندنا هو الله ، أما كل هذه الأشياء فوسائط و أسباب ، المدير و الوزير و الرئيس و المال و الجاه و السلطان و النفس بذكائها و مواهبها .. لكل هذا نقول لا .. لست إلهاً .
((إلا)) – واحد نستثنيه و نثبت له تلك الفاعلية و القدرة هـــو الله .
و بين لا و إلا بين هذا النفي و هذا الإثبات تقع العقيدة كلها فمن كان مشغولاً بجمع المال و تكديس الثروات و تملق السلطان و التزلف للرؤساء و تحري اللذات و اتباع هوى نفسه و تعشق رأيه و التعصب لوجهة نظره .. فهو لم يقل لا لكل هــذه المعبودات و هو ساجد في محرابها دون أن يدرى و حينما يقول لا إله إلا الله فهو يقولها كاذباً .. يقول بلسانه ما لا يفعل بيديه و رجليه .. و معنى (( لا إله إلا الله )) أنه لا حسيب و لا رقيب إلا الله .. هو وحده الجدير بالخشية و الخوف و المراقبة .. فمن كان يخاف المرض و من كان يخاف الميكروب و من كان يخاف عصا الشرطي و جند الحاكم فإنه لم يقل (( لا )) .. لكل تلك الآلهة الوهمية .. و إنما هو مازال ساجداً لها و قد أشرك مع خالقه كل تلك الآلهة المزيفة .. فهو كاذب في كلمة (( لا إله إلا الله )) .
و معنى ذلك أن (( لا إله إلا الله )) عهد و دستور و منهج حياة .
و المقصود بها .. العمل بها ، فمن عمل بها كانت له طلسماً بالفعل يفتح له كل الأبواب العصية .. و كانت نجاة في الدنيا و الآخرة و مدخلاً إلى الجنة .
أما نطق اللسان بدون تصديق القلب و عمل الجوارح .. فإنه لا يغني .
و (( لا إله إلا الله )) تعنى أكثر من هذا موقفاً فلسفياً .
يقول الدكتور زكى نجيب محمود أن (( شهادة لا إله إلا الله )) تتضمن الإقرار بثلاث حقائق .. أن الشاهد موجود و المشهود موجود .. و الحضور الذين تلقى أمامهم الشهادة موجودون أيضاً أي أنها إقرار صريح بأن : الذات و الله و الآخرين لهم جميعاً وجود حقيقي .
و بهذا يرفض الإسلام الفلسفة المثالية كما يرفض الفلسفة المادية في ذات الوقت .. يرفض اليمين و اليسار معاً و يختار موقفـاً وسطاً .
يرفض المثالية الفلسفية .. لأن المثالية الفلسفية لا تعترف بوجود الآخرين و لا بوجود العالم الموضوعي كحقيقة خارجية مستقلة عن العقل .. و إنما كل شيء في نظر الفلسفة المثالية يجري كأنه حلم في دماغ .. أو أفكار في عقل .. أنت و الراديو و الشارع و المجتمع و الصحيفة و الحرب كلها حوادث و مرائي و أحلام تجري في عقلي .. لا وجود حقيقي للعــالم الخارجى .
و هذا الموقف المثالى المتطرف يرفضه الإسلام و ترفضه الشهادة لأنها كما قلنا إقرار صريح بأن الشاهد و المشهود و الحضور الذين تلقى أمامهم الشهادة .. أي الذات و الله و الآخرين حقائق مقررة .
كما يرفض الإسلام أيضاً الفلسفة المادية لأن الفلسفة المادية تعترف بالعالم الموضوعي و لكنها تنكر ما وراءه .. تنكر الغيب و الله .
و الإسلام بهذا يقدم فلسفة واقعية و فكراً واقعياً فيعترف بالعالم الموضوعي ثم يضيف إلى هذا العالم كل الثراء الذي يتضمنه الوجود الإلهي الغيبي .. و يقدم تركيباً جدلياً جامعاً بين فكر اليمين و فكر اليسار في فلسفة جامعة ما زالت تتحدى كل اجتهاد المفكرين فتسبق ما سطروا من نظريات ظنية لا تقوم على يقين .
شهادة (( لا إله إلا الله )) تعني إذن منهج حياة و موقفاً فلسفياً . و لهذا فأنت تكذب و أنت الرجل الماديّ الذي اخترت موقفـاً فلسفــيـاً ماديـاً و أنت تنطق بالشهادة كذبتين :
الكذبة الأولى – أنك تشهد بما ينافي فلسفتك .
و الكذبة الثانية – أنك لا تعمل بهذه الشهادة في حياتك قدر خردلة .
أما حكاية .. ا . ل . م .. و كهيعص .. حم .. الر . فدعني أسألك .. و ما حكـاية س ص و لوغاريتم و معادلة الطاقة ط = ك × س2 و هي ألغاز و طلاسم بالنســبة لمن لا يعرف شيئـاً في الحساب و الجبر و الرياضيات .. و عند العالمين لها معاني خطيرة .
كذلك هذه الحروف حينما يكشف لنا عن معناها .
- قال صاحبي في سخرية : - و هل كشف لك عن معناها ؟
- قلت و أنا ألقي بالقنبلة : - هذا موضوع مثير يحتاج إلى كلام آخر طويل سوف يدهشك .
من كتاب / حوار مع صديقي الملحد
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ حوار مع صديقي الملحد
قال صاحبي : -
ألست معي في أنكم تبالغون كثيراً في استخدام كلمة لا إله إلا الله و كأنها مفتاح لكل باب . تشيعون بها الميت و تستقبلون الوليد و تطبعونها على الأختام و تنقشونها على القلائد و تصكون بها العملات و تعلقونها على الجدران . من ينطق بها منكم تقولون أن جســمه أعتق من النار . فإذا نطق بها مائة ألف مرة دخل الجنة و كأنها طلسم سحري أو تعويذة لطرد الجن أو قمقم لحبس المردة . ثم هذه الحروف التي لا تعرفون لها معنى . ا . ل . م . كهيعص . طسم . حم . الر .
هل أنجو من العذاب إذا قلت لا إله إلا الله . إذن فإني أقولها و أشهدك و أشهد الحضور على ذلك . لا إله إلا الله . هل انتهى الأمر ؟!
- بل أنت لم تقل شيئـاً .
إن لا إله إلا الله لمن يعمل بها و ليست لمن يشقشق بها لسانه . لا إله إلا الله منهج عمل و خطة حياة و ليست مجرد حروف .
و دعنا نفكر قليلاً في معناها . إننا حينما نقول لا إله إلا الله نعني أنه لا معبود إلا الله و بين لا و إلا بين النفي و الإثبات في العبارة بين هاتين الدفتين تقع العقيدة كلها لا النافية تنفي الألوهية عن كل شيء . عن كل ما نعبد من مشتهيات في الدنيا . عن المال و الجاه و السلطان و اللذات و ترف العيش و النساء الباهرات و العز الفاره . لكل هذا نقول لا . لا نعبدك . لست إلهاً .
ثم نقول لا لنفوسنا التي تشتهي تلك الأشياء لأن الإنسان يعبد نفسه في العادة و يعبد رأيه و يعبد هواه و اختياره و مزاجه و يعبد ذكاءه و مواهبه و شهرته و يتصور أن بيده مقاليد الأمور و أقدار الناس و المجتمع . و يجعل من نفسه إلهاً دون أن يدري . لهذه النفس نحن نقول لا . لا نعبدك . لست إلهاً .
نقول ((لا)) – للمدير و الرئيس و الحاكم . لا لست إلهاً .
و معنى كلمة ((إله)) أي ((فاعل)) . و الفاعل بحق عندنا هو الله ، أما كل هذه الأشياء فوسائط و أسباب ، المدير و الوزير و الرئيس و المال و الجاه و السلطان و النفس بذكائها و مواهبها . لكل هذا نقول لا . لست إلهاً .
((إلا)) – واحد نستثنيه و نثبت له تلك الفاعلية و القدرة هـــو الله .
و بين لا و إلا بين هذا النفي و هذا الإثبات تقع العقيدة كلها فمن كان مشغولاً بجمع المال و تكديس الثروات و تملق السلطان و التزلف للرؤساء و تحري اللذات و اتباع هوى نفسه و تعشق رأيه و التعصب لوجهة نظره . فهو لم يقل لا لكل هــذه المعبودات و هو ساجد في محرابها دون أن يدرى و حينما يقول لا إله إلا الله فهو يقولها كاذباً . يقول بلسانه ما لا يفعل بيديه و رجليه . و معنى (( لا إله إلا الله )) أنه لا حسيب و لا رقيب إلا الله . هو وحده الجدير بالخشية و الخوف و المراقبة . فمن كان يخاف المرض و من كان يخاف الميكروب و من كان يخاف عصا الشرطي و جند الحاكم فإنه لم يقل (( لا )) . لكل تلك الآلهة الوهمية . و إنما هو مازال ساجداً لها و قد أشرك مع خالقه كل تلك الآلهة المزيفة . فهو كاذب في كلمة (( لا إله إلا الله )) .
و معنى ذلك أن (( لا إله إلا الله )) عهد و دستور و منهج حياة .
و المقصود بها . العمل بها ، فمن عمل بها كانت له طلسماً بالفعل يفتح له كل الأبواب العصية . و كانت نجاة في الدنيا و الآخرة و مدخلاً إلى الجنة .
أما نطق اللسان بدون تصديق القلب و عمل الجوارح . فإنه لا يغني .
و (( لا إله إلا الله )) تعنى أكثر من هذا موقفاً فلسفياً .
يقول الدكتور زكى نجيب محمود أن (( شهادة لا إله إلا الله )) تتضمن الإقرار بثلاث حقائق . أن الشاهد موجود و المشهود موجود . و الحضور الذين تلقى أمامهم الشهادة موجودون أيضاً أي أنها إقرار صريح بأن : الذات و الله و الآخرين لهم جميعاً وجود حقيقي .
و بهذا يرفض الإسلام الفلسفة المثالية كما يرفض الفلسفة المادية في ذات الوقت . يرفض اليمين و اليسار معاً و يختار موقفـاً وسطاً .
يرفض المثالية الفلسفية . لأن المثالية الفلسفية لا تعترف بوجود الآخرين و لا بوجود العالم الموضوعي كحقيقة خارجية مستقلة عن العقل . و إنما كل شيء في نظر الفلسفة المثالية يجري كأنه حلم في دماغ . أو أفكار في عقل . أنت و الراديو و الشارع و المجتمع و الصحيفة و الحرب كلها حوادث و مرائي و أحلام تجري في عقلي . لا وجود حقيقي للعــالم الخارجى .
و هذا الموقف المثالى المتطرف يرفضه الإسلام و ترفضه الشهادة لأنها كما قلنا إقرار صريح بأن الشاهد و المشهود و الحضور الذين تلقى أمامهم الشهادة . أي الذات و الله و الآخرين حقائق مقررة .
كما يرفض الإسلام أيضاً الفلسفة المادية لأن الفلسفة المادية تعترف بالعالم الموضوعي و لكنها تنكر ما وراءه . تنكر الغيب و الله .
و الإسلام بهذا يقدم فلسفة واقعية و فكراً واقعياً فيعترف بالعالم الموضوعي ثم يضيف إلى هذا العالم كل الثراء الذي يتضمنه الوجود الإلهي الغيبي . و يقدم تركيباً جدلياً جامعاً بين فكر اليمين و فكر اليسار في فلسفة جامعة ما زالت تتحدى كل اجتهاد المفكرين فتسبق ما سطروا من نظريات ظنية لا تقوم على يقين .
شهادة (( لا إله إلا الله )) تعني إذن منهج حياة و موقفاً فلسفياً . و لهذا فأنت تكذب و أنت الرجل الماديّ الذي اخترت موقفـاً فلسفــيـاً ماديـاً و أنت تنطق بالشهادة كذبتين :
الكذبة الأولى – أنك تشهد بما ينافي فلسفتك .
و الكذبة الثانية – أنك لا تعمل بهذه الشهادة في حياتك قدر خردلة .
أما حكاية . ا . ل . م . و كهيعص . حم . الر . فدعني أسألك . و ما حكـاية س ص و لوغاريتم و معادلة الطاقة ط = ك × س2 و هي ألغاز و طلاسم بالنســبة لمن لا يعرف شيئـاً في الحساب و الجبر و الرياضيات . و عند العالمين لها معاني خطيرة .
كذلك هذه الحروف حينما يكشف لنا عن معناها .
- قال صاحبي في سخرية : - و هل كشف لك عن معناها ؟
- قلت و أنا ألقي بالقنبلة : - هذا موضوع مثير يحتاج إلى كلام آخر طويل سوف يدهشك .
من كتاب / حوار مع صديقي الملحد
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝
❞ في كتاب \"مرة قوة عقلك الباطن\"، يستكشف الكاتب الفاعلية العظيمة للعقل الباطن في تحديد مسار حياتنا. يشدد على أهمية التفكير الإيجابي والتأثير العميق للعقل الباطن على سلوكياتنا وقراراتنا. يعتبر الكتاب دليلًا عمليًا للاستفادة من هذه القوة من خلال توجيه تركيزنا نحو الأهداف وتجاوز العوائق بالتفكير الإيجابي وتغيير البرمجة العقلية. يشدد الكاتب على أهمية تغيير الاعتقادات السلبية واستخدام الأفكار الإيجابية لتحسين الصحة النفسية والوصول إلى إمكانيات غير محدودة في حياتنا اليومية.. ❝ ⏤جوزيف ميرفي
❞ في كتاب ˝مرة قوة عقلك الباطن˝، يستكشف الكاتب الفاعلية العظيمة للعقل الباطن في تحديد مسار حياتنا. يشدد على أهمية التفكير الإيجابي والتأثير العميق للعقل الباطن على سلوكياتنا وقراراتنا. يعتبر الكتاب دليلًا عمليًا للاستفادة من هذه القوة من خلال توجيه تركيزنا نحو الأهداف وتجاوز العوائق بالتفكير الإيجابي وتغيير البرمجة العقلية. يشدد الكاتب على أهمية تغيير الاعتقادات السلبية واستخدام الأفكار الإيجابية لتحسين الصحة النفسية والوصول إلى إمكانيات غير محدودة في حياتنا اليومية. ❝