❞ مقتطف من كتاب أنتيخريستوس
بدأت األمور تتضح ببطء؛ الوجه الذي كان يلفه الظالم اقترب من مجال الرؤية
وبدأت تسقط عليه ظالل المشاعل المتراقصة.. تحفزت خاليا ˝زاهاك˝.. ثم تحول
هذا التحفز إلى الدهشة.. فذلك الكيان الذي يفترض أنه ˝لوسيفر˝ كان يملك
شعرًاطويلًا جدًّا يمس األرض.. وهذا الشعر ينسدل على وجهه غزيرًا يخفي
مالمحه تمامًا؛ حتى ال تدري هل أنت أمامه أم خلفه.. قال ˝لوسيفر˝ بصوت هادر
كالصخر:
- لقد اخترتك يا ˝زاهاك˝ من بين رجال األرض كلها.. فبرغم أنك
تستمرىء حياة الدعة إال أن لديك قلبًا ميتًا ال يخاف.. قلب شجاع.. وروح
متمردة.
أجفل ˝زاهاك˝ قليلًا وشعر بعرق يُندي جبينه من هول الكيان الجالس أمامه ثم
قال بصوتٍ خافت :
- اخترتني من أجل ماذا؟
أجابه ˝لوسيفر˝ بغضبٍ ال يدري ˝زاهاك˝ له سببًا إال أن يكون صوته الهادر يوحي
بالغضب:
28
- لتملك بني اإلنسان.. لتكون أول بشريّ يتعلّم سر الـ ˝ماجي˝.. ولكن..
توقف ˝لوسيفر˝ للحظات ثم قال:
- يجب أن نضع قلبك الميت هذا طور االختبار.. فسر الـ ˝ماجي˝ العظيم
لو ناله الرجل الخطأ.. فإنه يموت من فوره.
أشعلت كلمة االختبار في نفس ˝زاهاك˝ شيئًا ما فقال:
- ماهو هذا الـ ˝ماجي˝ الذي ال تكف عن ترديده.. وماهو هذا االختبـ..
قاطعه ˝لوسيفر˝ فجأة :
- أن تراني ..
لم يفهم ˝زاهاك˝ شيئًا؛ فهمَّ بالحديث إال أن ˝لوسيفر˝ قال بصوته الهادر في
لهجة مخيفة:
- أن تراني وال ترتعد فرائصك.. فإن كشفت لك عن وجهي وطرفت
عينك طرفة خوف واحدة سأقتلك على الفور.. وإن رأيتني ولم تجفل.
. فإن سر الـ ˝ماجي˝ من حقك وحدك.. وسيُطوى لك العالم وتخضع
لك نفوس البشر كلهم.
سكت ˝زاهاك˝ سكوتًا طويلًا ثم قال :
- فلتكشف عن وجهك إذن يا هذا.
وبسرعة مفاجئة انحسر الشعر عن وجه ˝لوسيفر˝ الذي اعتدل في مجلسه مقرِّبًا
وجهه الشيطاني من ˝زاهاك˝.. كان ˝زاهاك˝ في تلك اللحظة يشاهد أشد وجوه
األرض بشاعة وإرعابًا.. وجه ˝إبليس˝.. زاد العرق على جبينه.. وشعر بأن ذرات
الهواء تهتز من حوله من شدة بشاعة ذلك الوجه.. خفق قلب ˝زاهاك˝ خفقة
سقط فيها إلى أسفل سافلين.. لكنه حافظ على ثبات عينيه.. وأخذ يفكر في
أشد األمور جمالًا وبهجة ليشغل ذهنه عن بشاعة ذلك الكيان.. ولكنه مع مرور
الثواني ازداد الخوف في قلبه من هول ما يرى.. لكنه استعاد رباطة جأشه
بشجاعة عجيبة وقال بصوت حاول أن يخرجه ثابتًا غير متهدّج:
29
- أي شيء لعين أنت بالضبط؟
تحدث ˝لوسيفر˝ فتضاعفت بشاعة وجهه فقال :
- أنا شيطان مريد.
كان ذلك اللقاء هو أول لقاء بين إنس وجن في تاريخ األرض.. وقد حدث في بابل
في أول حضارة بشرية بعد طوفان ˝نوح˝.. أصبح ˝زاهاك˝ يتردد على ذلك الغار
في كل ليلة.. وعلمه ˝لوسيفر˝ سر الـ ˝ماجي˝.. والـ ˝ماجي˝ بلغة أهل بابل تعني
السحر.. فكان ˝زاهاك˝ هو أول ساحر مشى على ظهر األرض.. أما التاريخ
فلقّبه بلقب اشتهر جدًّا حتى ظنه الناس اسمه الحقيقي. اشتهر ˝زاهاك˝ في
التاريخ باسم ˝النمرود˝؛ ˝الملك النمرود˝.
وبعد مرور بضعة أيام على حادثة اللقاء الشيطاني تلك.. نصب ˝زاهاك˝ فخًّا ألبوه
˝كوش˝.. حفرة متوسطة العمق مثبت في قاعها أكثر من خمسين رُمحًا
متجاورًا.. حفرة مغطاة بأوراق الشجر.. كان هذا هو أول فخ يُنصب في التاريخ..
كان الفخ الذي قتل الملك ˝كوش˝ وحول جسده إلى مصفاة بشرية.. الفخ الذي
أوصل إلى العرش من بعده ملكًا كان هو األكثر دموية وجنونًا ليس فقط بين
ملوك بابل.. بل بين ملوك العالم كله.. ابنه ˝زاهاك˝.. ˝الملك النمرود˝.
أن تكون مًلكًا جبَّارًا فهذا مفهوم.. أما أن تكون مَلكًا جبَّارًا متسلطًا وساحرًا
عتيًّا فاجرًا.. فقد صنعت شرًّا مستطيرًا ال قِبَل ألهل األرض به.. كان ˝النمرود˝
هو كل ذلك.. كان أول وضع تاجًا على رأسه.. وفكرة التاج نفسها اقتبسها من
ملوك الجن.. وقد صنع لنفسه تاجًا ذهبيًّا عظيمًا.. وخاتمًا ذهبيا كبيرًا.
يذكر التاريخ للنمرود أنه قال لما وضع التاج على رأسه :
- نحن ملوك الدنيا.. المالكون لما فيها.
ولم يدرِ أحدٌ معنى كلمة ˝نحن˝ حتى هذه اللحظة. ❝ ⏤أحمد خالد مصطفى
❞ مقتطف من كتاب أنتيخريستوس
بدأت األمور تتضح ببطء؛ الوجه الذي كان يلفه الظالم اقترب من مجال الرؤية
وبدأت تسقط عليه ظالل المشاعل المتراقصة.. تحفزت خاليا ˝زاهاك˝.. ثم تحول
هذا التحفز إلى الدهشة.. فذلك الكيان الذي يفترض أنه ˝لوسيفر˝ كان يملك
شعرًاطويلًا جدًّا يمس األرض.. وهذا الشعر ينسدل على وجهه غزيرًا يخفي
مالمحه تمامًا؛ حتى ال تدري هل أنت أمامه أم خلفه.. قال ˝لوسيفر˝ بصوت هادر
كالصخر:
لقد اخترتك يا ˝زاهاك˝ من بين رجال األرض كلها.. فبرغم أنك
تستمرىء حياة الدعة إال أن لديك قلبًا ميتًا ال يخاف.. قلب شجاع.. وروح
متمردة.
أجفل ˝زاهاك˝ قليلًا وشعر بعرق يُندي جبينه من هول الكيان الجالس أمامه ثم
قال بصوتٍ خافت :
اخترتني من أجل ماذا؟
أجابه ˝لوسيفر˝ بغضبٍ ال يدري ˝زاهاك˝ له سببًا إال أن يكون صوته الهادر يوحي
بالغضب:
28
لتملك بني اإلنسان.. لتكون أول بشريّ يتعلّم سر الـ ˝ماجي˝.. ولكن..
توقف ˝لوسيفر˝ للحظات ثم قال:
يجب أن نضع قلبك الميت هذا طور االختبار.. فسر الـ ˝ماجي˝ العظيم
لو ناله الرجل الخطأ.. فإنه يموت من فوره.
أشعلت كلمة االختبار في نفس ˝زاهاك˝ شيئًا ما فقال:
ماهو هذا الـ ˝ماجي˝ الذي ال تكف عن ترديده.. وماهو هذا االختبـ..
قاطعه ˝لوسيفر˝ فجأة :
أن تراني ..
لم يفهم ˝زاهاك˝ شيئًا؛ فهمَّ بالحديث إال أن ˝لوسيفر˝ قال بصوته الهادر في
لهجة مخيفة:
أن تراني وال ترتعد فرائصك.. فإن كشفت لك عن وجهي وطرفت
عينك طرفة خوف واحدة سأقتلك على الفور.. وإن رأيتني ولم تجفل.
. فإن سر الـ ˝ماجي˝ من حقك وحدك.. وسيُطوى لك العالم وتخضع
لك نفوس البشر كلهم.
سكت ˝زاهاك˝ سكوتًا طويلًا ثم قال :
فلتكشف عن وجهك إذن يا هذا.
وبسرعة مفاجئة انحسر الشعر عن وجه ˝لوسيفر˝ الذي اعتدل في مجلسه مقرِّبًا
وجهه الشيطاني من ˝زاهاك˝.. كان ˝زاهاك˝ في تلك اللحظة يشاهد أشد وجوه
األرض بشاعة وإرعابًا.. وجه ˝إبليس˝.. زاد العرق على جبينه.. وشعر بأن ذرات
الهواء تهتز من حوله من شدة بشاعة ذلك الوجه.. خفق قلب ˝زاهاك˝ خفقة
سقط فيها إلى أسفل سافلين.. لكنه حافظ على ثبات عينيه.. وأخذ يفكر في
أشد األمور جمالًا وبهجة ليشغل ذهنه عن بشاعة ذلك الكيان.. ولكنه مع مرور
الثواني ازداد الخوف في قلبه من هول ما يرى.. لكنه استعاد رباطة جأشه
بشجاعة عجيبة وقال بصوت حاول أن يخرجه ثابتًا غير متهدّج:
29
أي شيء لعين أنت بالضبط؟
تحدث ˝لوسيفر˝ فتضاعفت بشاعة وجهه فقال :
أنا شيطان مريد.
كان ذلك اللقاء هو أول لقاء بين إنس وجن في تاريخ األرض.. وقد حدث في بابل
في أول حضارة بشرية بعد طوفان ˝نوح˝.. أصبح ˝زاهاك˝ يتردد على ذلك الغار
في كل ليلة.. وعلمه ˝لوسيفر˝ سر الـ ˝ماجي˝.. والـ ˝ماجي˝ بلغة أهل بابل تعني
السحر.. فكان ˝زاهاك˝ هو أول ساحر مشى على ظهر األرض.. أما التاريخ
فلقّبه بلقب اشتهر جدًّا حتى ظنه الناس اسمه الحقيقي. اشتهر ˝زاهاك˝ في
التاريخ باسم ˝النمرود˝؛ ˝الملك النمرود˝.
وبعد مرور بضعة أيام على حادثة اللقاء الشيطاني تلك.. نصب ˝زاهاك˝ فخًّا ألبوه
˝كوش˝.. حفرة متوسطة العمق مثبت في قاعها أكثر من خمسين رُمحًا
متجاورًا.. حفرة مغطاة بأوراق الشجر.. كان هذا هو أول فخ يُنصب في التاريخ..
كان الفخ الذي قتل الملك ˝كوش˝ وحول جسده إلى مصفاة بشرية.. الفخ الذي
أوصل إلى العرش من بعده ملكًا كان هو األكثر دموية وجنونًا ليس فقط بين
ملوك بابل.. بل بين ملوك العالم كله.. ابنه ˝زاهاك˝.. ˝الملك النمرود˝.
أن تكون مًلكًا جبَّارًا فهذا مفهوم.. أما أن تكون مَلكًا جبَّارًا متسلطًا وساحرًا
عتيًّا فاجرًا.. فقد صنعت شرًّا مستطيرًا ال قِبَل ألهل األرض به.. كان ˝النمرود˝
هو كل ذلك.. كان أول وضع تاجًا على رأسه.. وفكرة التاج نفسها اقتبسها من
ملوك الجن.. وقد صنع لنفسه تاجًا ذهبيًّا عظيمًا.. وخاتمًا ذهبيا كبيرًا.
يذكر التاريخ للنمرود أنه قال لما وضع التاج على رأسه :
نحن ملوك الدنيا.. المالكون لما فيها.
ولم يدرِ أحدٌ معنى كلمة ˝نحن˝ حتى هذه اللحظة . ❝
كان الرجل مريضاً بمرض عِضال لا يُعرَف له علاجاً .. فكلما جلس في مكان قال له الناس - رائحتك كريهة .. ألا تستحم ..
و تردد على الأطباء و فحص الأنف و الجيوب و الحلق و الأسنان و اللثة و الكَبِد و الأمعاء .. و كانت النتيجة .. لا مرض في أي مكان بالجسد .. و لا سبب عضوياً مفهوم لهذه الرائحة .
و كان يتردد على الحمام عدة مرات في اليوم و يغتسل بأغلى العطور فلا تُجدي هذه الوسائل شيئاً ..
و لا يكاد يخرج إلى الناس حتى يتحول إلى قبر مُنتِن يهرب منه الصديق قبل العدو .
و ذهب يبكي لرجل صالح .. و حكى له حكايته .. فقال الرجل الصالح .. هذه ليست رائحة جسدك .. و لكن رائحة أعمالك .
● فقال الرجل مندهشاً : و هل للأعمال رائحة ؟ !
● فقال الرجل الصالح : تلك بعض الأسرار التي يكشف عنها الله الحجاب .. و يبدو أن الله أحبك و أراد لك الخير و أحب أن يُمهِد لك الطريق إلى التوبة .
● فقال الرجل معترفاً : أنا بالحق أعيش على السرقة و الإختلاس و الربا و أزني و أسكَر و أُقارِف المنكرات .
● قال الرجل الصالح : و قد رأيت .. فهذه رائحة أعمالك .
● قال الرجل : و ما الحل ؟
● قال الصالح : الحل أصبح واضحاًَ ، أن تُصلِح أعمالك و تتوب إلى الله توبة نصوحاً .
و تــاب الرجل توبة نصوحاً و أقلع عن جميع المنكرات و لكن رائحته ظلت كما هي .. فعاد يبكي إلى الرجل الصالح ..
● فقال له الرجل الصالح : لقد اصلحت أعمالك الحاضرة ، أما أعمالك الماضية فقد نفذ فيها السهم .. و لا خلاص منها إلا بمغفرة .
● قال الرجل : و كيف السبيل إلى مغفرة ؟
● قال الصالح : إن الحسنات يُذهِبنَ السيئات فتصدق بمالك .. و الحج المبرور يَخرُج منه صاحبه مغفور الذنوب كيوم ولدته أمه .. فاقصد الحج .. و اسجد لله .. و ابك على نفسك بعدد أيام عمرك ..
و تصدَّق الرجل بماله و خرج إلى الحج .. و سجد في كل ركن بالكعبة و بكى بعدد ايام عمره ..
و لكنه ظل على حاله تعافه الكلاب و تهرب منه الخنازير إلى حظائرها .. فآوَى إلى مقبرة قديمة و سكنها و صمم ألا يبرحها حتى يجعل الله له فرجاًَ من كَربِه .
و ما كاد يُغمِض عينيه لينام حتى رأى في الحلم الجُثث التي كانت في المقبرة تجمع أكفانها و ترحل هاربة .. و فتح عينيه فرأى جميع الجُثث قد رحلت بالفعل و جميع اللحود فارغة .. فخَرَ ساجداً يبكي حتى طلع الفجر .. فمر به الرجل الصالح ..
● و قال له : هذا بكاء لا ينفع .. فإن قلبك يمتلئ بالإعتراض .. و أنت لا تبكي إتهاماً لنفسك .. بل تتهم العدالة الإلهية في حقك .
● قال الرجل : لا أفهم !!
● قال الصالح : بالضبط .. إن عدل الله أصبح محل شبهة عندك .. و بهذا قَلَبتَ الأمور فجعلت الله مذنباً و تصورت نفسك بريئاً ..
و بهذا كنت طول الوقت تضيف إلى ذنوبك ذنوباً جديدة في الوقت الذي ظننت فيه أنك تُحسِن العمل .
● قال الرجل : و لكني أشعر بأني مظلوم .
● قال الصالح : لو اطلعت على الغيب لوجدت نفسك تستحق عذاباً أكبر .. و لعرفت أن الله الذي ابتلاك لطف بك .. و لكنك اعترضت على ما تجهل و اتهمت ربك بالظلم .. فاستغفر و حاول أن تُطَهِر قلبك و أسلِم وجهك ..
فإنك إلى الآن و رغم حجك و صومك و صلاتك و توبتك لم تُسلِم بعد .
● قال الرجل : كيف .. ألستُ مسلماً ؟ !
● قال الصالح : نعم لست مسلماً ، فالإسلام هو إسلام الوجه قبل كل شئ ..
و ذلك لا يكون إلا بالقبول و عدم الإعتراض و الإسترسال مع الله فى مقاديره و بأن يستوي عندك المنع و العطاء ، و أن ترى حكمة الله و رحمته في منعه كما تراه فى عطائه ، فلا تغتر بنعمة .. و لا تعترض على حرمان ..
فعدل الله لا يختلف ، و هو عادل دائماً فى جميع الأحوال و رحمته سابغة فى كل ما يُجريه من مقادير ..
فقل لا إله إلا الله ثم استقم . . ذلــك هـو الإســـلام .
● قال الرجل : إنى أقول لا إله إلا الله كل لحظة .
● قال الصــالح : تقولها بلسانك و لا تقولها بقلبك و لا تقولها بموقفك و عملك .
● قال الرجل : كيــف ؟
● قال الصــالح : إنك تناقش الله الحساب كل يوم و كأنك إله مثله ..
تقول له استغفرت فلم تغفر لى .. سجدت فلم ترحمنى .. بكيت فلم تُشفق غلىّ .. صليت و صمت و حججت إليك فما سامحتني .. أين عدلــك ؟
و ربت الرجل الصــالح على كتفيه قــائلاً : يا أخـي ليس هذا توحيداً .
التـوحيـد أن تكون إرادة الله هي عين ما تهوى و فعله عين ما تحب و كأن يدك أصبحت يده و لسانك لسانه .. التوحيد هو أن تقول نعم . و تصدع بالأمر مثل ملائكة العزائم دون أن تسأل لماذا .. لأنه لا إله إلا الله .. لا عادل و لا رحمن و لا رحيم و لا حق سواه .. هو الوجود و أنت العدم .. فكيف يناقش العدم الوجود .. إنما يتلقى العدم المدد من الوجود ساجداً حامداً شاكراً .. لأنه لا وجود غيره .. هو الإيجاب و ما عداه سلب .. هو الحق و ما عداه باطل .
فبكـى الرجل و قد أدرك أنه ما عاش قط و ما عبد ربه قط .
● قال الصــالح : الآن عرفت فالزم .. و قل لا إله إلا الله .. ثم استقـم .. قلها مرة واحدة من أحشائــك .
● فقال الرجل : لا إله إلا الله .
فتضوع الياسمين و انتشر العطر و ملأ العبير الأجواء و كأن روضة من الجنة تنزلت على الأرض .
و تلفت الناس .. و قالوا .. مَن هناك .. مَن ذلك الملاك الذى تلفه سحابة عِطر .
● قال الرجل الصــالح : بل هـو رجـل عــرف ربـه .
..
من كتاب / نقطة الغليان
للدكتور / مصطفــــى محمـــــود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ الرجل الذي عرف ربه
كان الرجل مريضاً بمرض عِضال لا يُعرَف له علاجاً .. فكلما جلس في مكان قال له الناس رائحتك كريهة .. ألا تستحم ..
و تردد على الأطباء و فحص الأنف و الجيوب و الحلق و الأسنان و اللثة و الكَبِد و الأمعاء .. و كانت النتيجة .. لا مرض في أي مكان بالجسد .. و لا سبب عضوياً مفهوم لهذه الرائحة .
و كان يتردد على الحمام عدة مرات في اليوم و يغتسل بأغلى العطور فلا تُجدي هذه الوسائل شيئاً ..
و لا يكاد يخرج إلى الناس حتى يتحول إلى قبر مُنتِن يهرب منه الصديق قبل العدو .
و ذهب يبكي لرجل صالح .. و حكى له حكايته .. فقال الرجل الصالح .. هذه ليست رائحة جسدك .. و لكن رائحة أعمالك .
● فقال الرجل مندهشاً : و هل للأعمال رائحة ؟ !
● فقال الرجل الصالح : تلك بعض الأسرار التي يكشف عنها الله الحجاب .. و يبدو أن الله أحبك و أراد لك الخير و أحب أن يُمهِد لك الطريق إلى التوبة .
● فقال الرجل معترفاً : أنا بالحق أعيش على السرقة و الإختلاس و الربا و أزني و أسكَر و أُقارِف المنكرات .
● قال الرجل الصالح : و قد رأيت .. فهذه رائحة أعمالك .
● قال الرجل : و ما الحل ؟
● قال الصالح : الحل أصبح واضحاًَ ، أن تُصلِح أعمالك و تتوب إلى الله توبة نصوحاً .
و تــاب الرجل توبة نصوحاً و أقلع عن جميع المنكرات و لكن رائحته ظلت كما هي .. فعاد يبكي إلى الرجل الصالح ..
● فقال له الرجل الصالح : لقد اصلحت أعمالك الحاضرة ، أما أعمالك الماضية فقد نفذ فيها السهم .. و لا خلاص منها إلا بمغفرة .
● قال الرجل : و كيف السبيل إلى مغفرة ؟
● قال الصالح : إن الحسنات يُذهِبنَ السيئات فتصدق بمالك .. و الحج المبرور يَخرُج منه صاحبه مغفور الذنوب كيوم ولدته أمه .. فاقصد الحج .. و اسجد لله .. و ابك على نفسك بعدد أيام عمرك ..
و تصدَّق الرجل بماله و خرج إلى الحج .. و سجد في كل ركن بالكعبة و بكى بعدد ايام عمره ..
و لكنه ظل على حاله تعافه الكلاب و تهرب منه الخنازير إلى حظائرها .. فآوَى إلى مقبرة قديمة و سكنها و صمم ألا يبرحها حتى يجعل الله له فرجاًَ من كَربِه .
و ما كاد يُغمِض عينيه لينام حتى رأى في الحلم الجُثث التي كانت في المقبرة تجمع أكفانها و ترحل هاربة .. و فتح عينيه فرأى جميع الجُثث قد رحلت بالفعل و جميع اللحود فارغة .. فخَرَ ساجداً يبكي حتى طلع الفجر .. فمر به الرجل الصالح ..
● و قال له : هذا بكاء لا ينفع .. فإن قلبك يمتلئ بالإعتراض .. و أنت لا تبكي إتهاماً لنفسك .. بل تتهم العدالة الإلهية في حقك .
● قال الرجل : لا أفهم !!
● قال الصالح : بالضبط .. إن عدل الله أصبح محل شبهة عندك .. و بهذا قَلَبتَ الأمور فجعلت الله مذنباً و تصورت نفسك بريئاً ..
و بهذا كنت طول الوقت تضيف إلى ذنوبك ذنوباً جديدة في الوقت الذي ظننت فيه أنك تُحسِن العمل .
● قال الرجل : و لكني أشعر بأني مظلوم .
● قال الصالح : لو اطلعت على الغيب لوجدت نفسك تستحق عذاباً أكبر .. و لعرفت أن الله الذي ابتلاك لطف بك .. و لكنك اعترضت على ما تجهل و اتهمت ربك بالظلم .. فاستغفر و حاول أن تُطَهِر قلبك و أسلِم وجهك ..
فإنك إلى الآن و رغم حجك و صومك و صلاتك و توبتك لم تُسلِم بعد .
● قال الرجل : كيف .. ألستُ مسلماً ؟ !
● قال الصالح : نعم لست مسلماً ، فالإسلام هو إسلام الوجه قبل كل شئ ..
و ذلك لا يكون إلا بالقبول و عدم الإعتراض و الإسترسال مع الله فى مقاديره و بأن يستوي عندك المنع و العطاء ، و أن ترى حكمة الله و رحمته في منعه كما تراه فى عطائه ، فلا تغتر بنعمة .. و لا تعترض على حرمان ..
فعدل الله لا يختلف ، و هو عادل دائماً فى جميع الأحوال و رحمته سابغة فى كل ما يُجريه من مقادير ..
فقل لا إله إلا الله ثم استقم . . ذلــك هـو الإســـلام .
● قال الرجل : إنى أقول لا إله إلا الله كل لحظة .
● قال الصــالح : تقولها بلسانك و لا تقولها بقلبك و لا تقولها بموقفك و عملك .
● قال الرجل : كيــف ؟
● قال الصــالح : إنك تناقش الله الحساب كل يوم و كأنك إله مثله ..
تقول له استغفرت فلم تغفر لى .. سجدت فلم ترحمنى .. بكيت فلم تُشفق غلىّ .. صليت و صمت و حججت إليك فما سامحتني .. أين عدلــك ؟
و ربت الرجل الصــالح على كتفيه قــائلاً : يا أخـي ليس هذا توحيداً .
التـوحيـد أن تكون إرادة الله هي عين ما تهوى و فعله عين ما تحب و كأن يدك أصبحت يده و لسانك لسانه .. التوحيد هو أن تقول نعم . و تصدع بالأمر مثل ملائكة العزائم دون أن تسأل لماذا .. لأنه لا إله إلا الله .. لا عادل و لا رحمن و لا رحيم و لا حق سواه .. هو الوجود و أنت العدم .. فكيف يناقش العدم الوجود .. إنما يتلقى العدم المدد من الوجود ساجداً حامداً شاكراً .. لأنه لا وجود غيره .. هو الإيجاب و ما عداه سلب .. هو الحق و ما عداه باطل .
فبكـى الرجل و قد أدرك أنه ما عاش قط و ما عبد ربه قط .
● قال الصــالح : الآن عرفت فالزم .. و قل لا إله إلا الله .. ثم استقـم .. قلها مرة واحدة من أحشائــك .
● فقال الرجل : لا إله إلا الله .
فتضوع الياسمين و انتشر العطر و ملأ العبير الأجواء و كأن روضة من الجنة تنزلت على الأرض .
و تلفت الناس .. و قالوا .. مَن هناك .. مَن ذلك الملاك الذى تلفه سحابة عِطر .
● قال الرجل الصــالح : بل هـو رجـل عــرف ربـه .
..
من كتاب / نقطة الغليان
للدكتور / مصطفــــى محمـــــود (رحمه الله) . ❝
❞ (يا ألف أهلاً وسهلاً، أنا عرفت الكوباية أول ما شفتها وقلت لازم أعرف مين اللي بعتها، الحمد لله إنك بخير يا أستاذ)
كان بالوجه الأسمر الضاحك والطاقية والمريلة الدمّور هو منصور القديم بالضبط، ممد يديه بكوب الفول في يد وبضعة أرغفة من العيش وحزمة من البصل الأخضر في اليد الأخرى:
(عمر يا أستـاذ، لكن أنا عرفت الكباية أول ما شفتها)
والأستاذ تناول الكوب الدافئ والعيش والبصل الأخضر ودعاه يفطر معه، ومنصور اعتذر لأن العربة وحدها، وأعاد له الجنيهات الخمس:
(المرة دي على حساب المحل)
وأمسك الدرابزين ونزل متثاقلاً.
الأستاذ خليل أعطى للصبي جنيهًا وأغلق الباب. ❝ ⏤إبراهيم أصلان
❞ (يا ألف أهلاً وسهلاً، أنا عرفت الكوباية أول ما شفتها وقلت لازم أعرف مين اللي بعتها، الحمد لله إنك بخير يا أستاذ)
كان بالوجه الأسمر الضاحك والطاقية والمريلة الدمّور هو منصور القديم بالضبط، ممد يديه بكوب الفول في يد وبضعة أرغفة من العيش وحزمة من البصل الأخضر في اليد الأخرى:
(عمر يا أستـاذ، لكن أنا عرفت الكباية أول ما شفتها)
والأستاذ تناول الكوب الدافئ والعيش والبصل الأخضر ودعاه يفطر معه، ومنصور اعتذر لأن العربة وحدها، وأعاد له الجنيهات الخمس:
(المرة دي على حساب المحل)
وأمسك الدرابزين ونزل متثاقلاً.
الأستاذ خليل أعطى للصبي جنيهًا وأغلق الباب . ❝