❞ أيها الولد إذا علمت هذا الحديث لا حاجة إلى العلم الكثير، وتأمل في حكاية أخرى وهي:
أن حاتم الأصم كان من أصحاب شقيق البلخي - رحمة الله تعالى عليهما - فسأله يوماً قال: صاحبتني منذ ثلاثين سنة ما حصَّلت فيها؟
قال: حصلت ثماني فوائد من العلم، وهي تكفيني منه؛ لأني أرجو خلاصي ونجاتي فيها.
فقال شقيق: ما هي؟
قال حاتم:
الفائدة الأولى:
أني نظرت إلى الخلق فرأيت لكل منهم محبوباً ومعشوقاً يحبه ويعشقه، وبعض ذلك المحبوب يصاحبه إلى مرض الموت، وبعضه يصاحبه إلى شفير القبر، ثم يرجع كله ويتركه فريداً وحيداً، ولا يدخل معه في قبره منهم أحد.
فتفكرت وقلت: أفضل محبوب المرء ما يدخل معه في قبره ويؤنسه فيه، فما وجدته غير الأعمال الصالحة، فأخذتها محبوبة لي؛ لتكون لي سراجاً في قبري، وتؤنسني فيه، ولا تتركني فريداً.
الفائدة الثانية:
أني رأيت الخلق يقتدون أهواءهم، ويبادرون إلى مرادات أنفسهم، فتأملت قوله - تعالى - :[وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)] النازعات: 40 - 41.
وتيقنت أن القرآن حق صادق، فبادرت إلى خلاف نفسي وتشمرت بمجاهدتها، وما متعتها بهواها، حتى ارتاضت بطاعة الله - تعالى - وانقادت.
الفائدة الثالثة:
أني رأيت كل واحد من الناس يسعى في جمع حطام الدنيا ثم يمسكه قابضاً يده عليه، فتأملت في قوله - تعالى - : [مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ] النحل: 96 فبذلت محصولي من الدنيا لوجه الله - تعالى - ففرقته بين المساكين ليكون ذخراً لي عند الله - تعالى -.
الفائدة الرابعة:
أني رأيت بعض الخلق يظن أن شرفه وعزه في كثرة الأقوام والعشائر؛ فاعتز بهم، وزعم آخرون أنه في ثروة الأموال وكثرة الأولاد؛ فافتخروا بها، وحسب بعضهم أن العز والشرف في غصب أموال الناس وظلمهم وسفك دمائهم، واعتقدَتْ طائفة أنه في إتلاف المال وإسرافه، وتبذيره؛.فتأملت في قوله - تعالى - : [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ] الحجرات: 13 فاخترت التقوى، واعتقدت أن القرآن حقٌ صادق، وظنَّهم وحسبانهم كلها باطل زائل.
الفائدة الخامسة:
أني رأيت الناس يذم بعضهم بعضاً، ويغتاب بعضهم بعضاً، فوجدت أصل ذلك من الحسد في المال والجاه والعلم، فتأملت في قوله -تعالى- : [نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا] الزخرف: 32 فعلمت أن القسمة كانت من الله - تعالى - في الأزل، فما حسدت أحداً، ورضيت بقسمة الله - تعالى -.
الفائدة السادسة:
إني رأيت الناس يعادي بعضهم بعضاً لغرض وسبب؛ فتأملت في قوله -تعالى-: [إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً] فاطر:6 فعلمت أنه لا يجوز عداوة أحد غير الشيطان.
الفائدة السابعة:
أني رأيت كل أحد يسعى بجد، ويجتهد بمبالغة لطلب القوت والمعاش، بحيث يقع به في شبهة وحرام، ويذل نفسه وينقص قدره؛ فتأملت في قوله - تعالى - : [وَمَامِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا] هود: 6 فعلمت أن رزقي على الله -تعالى- وقد ضمنه؛ فاشتغلت بعبادته، وقطعت طمعي عمن سواه.
الفائدة الثامنة:
أني رأيت كل واحد معتمداً على شيء مخلوق، بعضهم على الدينار والدرهم، وبعضهم على المال والملك، وبعضهم على الحرفة والصناعة، وبعضهم على مخلوق مثله، فتأملت في قوله -تعالى- : [وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً] الطلاق: 3 فتوكلت على الله - تعالى - فهو حسبي ونعم الوكيل.
فقال شقيق: وفقك الله - تعالى - إني قد نظرت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، فوجدت الكتب الأربعة تدور على هذه الفوائد الثماني، فمن عمل بها كان عاملاً بهذه الكتب الأربعة. ❝ ⏤أبو حامد الغزالى
❞ أيها الولد إذا علمت هذا الحديث لا حاجة إلى العلم الكثير، وتأمل في حكاية أخرى وهي:
أن حاتم الأصم كان من أصحاب شقيق البلخي رحمة الله تعالى عليهما فسأله يوماً قال: صاحبتني منذ ثلاثين سنة ما حصَّلت فيها؟
قال: حصلت ثماني فوائد من العلم، وهي تكفيني منه؛ لأني أرجو خلاصي ونجاتي فيها.
فقال شقيق: ما هي؟
قال حاتم:
الفائدة الأولى:
أني نظرت إلى الخلق فرأيت لكل منهم محبوباً ومعشوقاً يحبه ويعشقه، وبعض ذلك المحبوب يصاحبه إلى مرض الموت، وبعضه يصاحبه إلى شفير القبر، ثم يرجع كله ويتركه فريداً وحيداً، ولا يدخل معه في قبره منهم أحد.
فتفكرت وقلت: أفضل محبوب المرء ما يدخل معه في قبره ويؤنسه فيه، فما وجدته غير الأعمال الصالحة، فأخذتها محبوبة لي؛ لتكون لي سراجاً في قبري، وتؤنسني فيه، ولا تتركني فريداً.
الفائدة الثانية:
أني رأيت الخلق يقتدون أهواءهم، ويبادرون إلى مرادات أنفسهم، فتأملت قوله تعالى :[وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)] النازعات: 40 41.
وتيقنت أن القرآن حق صادق، فبادرت إلى خلاف نفسي وتشمرت بمجاهدتها، وما متعتها بهواها، حتى ارتاضت بطاعة الله تعالى وانقادت.
الفائدة الثالثة:
أني رأيت كل واحد من الناس يسعى في جمع حطام الدنيا ثم يمسكه قابضاً يده عليه، فتأملت في قوله تعالى : [مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ] النحل: 96 فبذلت محصولي من الدنيا لوجه الله تعالى ففرقته بين المساكين ليكون ذخراً لي عند الله تعالى .
الفائدة الرابعة:
أني رأيت بعض الخلق يظن أن شرفه وعزه في كثرة الأقوام والعشائر؛ فاعتز بهم، وزعم آخرون أنه في ثروة الأموال وكثرة الأولاد؛ فافتخروا بها، وحسب بعضهم أن العز والشرف في غصب أموال الناس وظلمهم وسفك دمائهم، واعتقدَتْ طائفة أنه في إتلاف المال وإسرافه، وتبذيره؛.فتأملت في قوله تعالى : [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ] الحجرات: 13 فاخترت التقوى، واعتقدت أن القرآن حقٌ صادق، وظنَّهم وحسبانهم كلها باطل زائل.
الفائدة الخامسة:
أني رأيت الناس يذم بعضهم بعضاً، ويغتاب بعضهم بعضاً، فوجدت أصل ذلك من الحسد في المال والجاه والعلم، فتأملت في قوله تعالى : [نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا] الزخرف: 32 فعلمت أن القسمة كانت من الله تعالى في الأزل، فما حسدت أحداً، ورضيت بقسمة الله تعالى .
الفائدة السادسة:
إني رأيت الناس يعادي بعضهم بعضاً لغرض وسبب؛ فتأملت في قوله تعالى: [إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً] فاطر:6 فعلمت أنه لا يجوز عداوة أحد غير الشيطان.
الفائدة السابعة:
أني رأيت كل أحد يسعى بجد، ويجتهد بمبالغة لطلب القوت والمعاش، بحيث يقع به في شبهة وحرام، ويذل نفسه وينقص قدره؛ فتأملت في قوله تعالى : [وَمَامِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا] هود: 6 فعلمت أن رزقي على الله تعالى وقد ضمنه؛ فاشتغلت بعبادته، وقطعت طمعي عمن سواه.
الفائدة الثامنة:
أني رأيت كل واحد معتمداً على شيء مخلوق، بعضهم على الدينار والدرهم، وبعضهم على المال والملك، وبعضهم على الحرفة والصناعة، وبعضهم على مخلوق مثله، فتأملت في قوله تعالى : [وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً] الطلاق: 3 فتوكلت على الله تعالى فهو حسبي ونعم الوكيل.
فقال شقيق: وفقك الله تعالى إني قد نظرت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، فوجدت الكتب الأربعة تدور على هذه الفوائد الثماني، فمن عمل بها كان عاملاً بهذه الكتب الأربعة . ❝
❞ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97)
قوله تعالى : قالوا ابنوا له بنيانا أي تشاوروا في أمره لما غلبهم بالحجة حسب ما تقدم في [ الأنبياء ] بيانه . ف قالوا ابنوا له بنيانا تملئونه حطبا فتضرمونه ، ثم ألقوه فيه وهو الجحيم . قال ابن عباس : بنوا حائطا من حجارة طوله في السماء ثلاثون ذراعا ، وملئوه نارا وطرحوه فيها . وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : فلما صار في البنيان قال : حسبي الله ونعم الوكيل . والألف واللام في الجحيم تدل على الكناية ، أي : في جحيمه ، أي : في جحيم ذلك البنيان . وذكر الطبري : أن قائل ذلك اسمه الهيزن رجل من أعراب فارس وهم الترك ، وهو الذي جاء فيه الحديث : بينما رجل يمشي في حلة له يتبختر فيها فخسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة والله أعلم. ❝ ⏤محمد بن صالح العثيمين
❞ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97)
قوله تعالى : قالوا ابنوا له بنيانا أي تشاوروا في أمره لما غلبهم بالحجة حسب ما تقدم في [ الأنبياء ] بيانه . ف قالوا ابنوا له بنيانا تملئونه حطبا فتضرمونه ، ثم ألقوه فيه وهو الجحيم . قال ابن عباس : بنوا حائطا من حجارة طوله في السماء ثلاثون ذراعا ، وملئوه نارا وطرحوه فيها . وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : فلما صار في البنيان قال : حسبي الله ونعم الوكيل . والألف واللام في الجحيم تدل على الكناية ، أي : في جحيمه ، أي : في جحيم ذلك البنيان . وذكر الطبري : أن قائل ذلك اسمه الهيزن رجل من أعراب فارس وهم الترك ، وهو الذي جاء فيه الحديث : بينما رجل يمشي في حلة له يتبختر فيها فخسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة والله أعلم . ❝