❞ نظر إليها طويلاً، ثم ابتسم ابتسامة حانية، وقال بهدوء: ” المهم ألا تتلوث تلك البراءة والسذاجة يا فتاتي … ” لم تفهم، في حين اتجه وركب السيارة في هدوء …يلوم قلبه علي تلك الدقات العالية …. ❝ ⏤محمد صادق
❞ نظر إليها طويلاً، ثم ابتسم ابتسامة حانية، وقال بهدوء: ” المهم ألا تتلوث تلك البراءة والسذاجة يا فتاتي … ” لم تفهم، في حين اتجه وركب السيارة في هدوء …يلوم قلبه علي تلك الدقات العالية …. ❝
❞ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ (35)
قوله تعالى : ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين فيه أربع مسائل : الأولى : قوله تعالى : ثم بدا لهم أي ظهر للعزيز وأهل مشورته من بعد أن رأوا الآيات أي علامات براءة يوسف - من قد القميص من دبر ; وشهادة الشاهد ، وحز الأيدي ، وقلة صبرهن عن لقاء يوسف : أن يسجنوه كتمانا للقصة ألا تشيع في العامة ، وللحيلولة بينه وبينها . وقيل : هي البركات التي كانت تنفتح عليهم ما دام يوسف فيهم ; والأول أصح . قال مقاتل عن مجاهد عن ابن عباس في قوله : ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات قال : القميص من الآيات ، وشهادة الشاهد من الآيات ، وقطع الأيدي من الآيات ، وإعظام النساء إياه من الآيات . وقيل : ألجأها الخجل من الناس ، والوجل من اليأس إلى أن رضيت بالحجاب مكان خوف الذهاب ، لتشتفي إذا منعت من نظره ، قال :
وما صبابة مشتاق على أمل من اللقاء كمشتاق بلا أمل
أو كادته رجاء أن يمل حبسه فيبذل نفسه .
الثانية : قوله تعالى : ليسجننه يسجننه في موضع الفاعل ; أي ظهر لهم أن يسجنوه ; هذا قول سيبويه . قال المبرد : وهذا غلط ; لا يكون الفاعل جملة ، ولكن الفاعل ما دل عليه بدا وهو مصدر ; أي بدا لهم بداء ; فحذف لأن الفعل يدل عليه ; كما قال الشاعر :
وحق لمن أبو موسى أبوه يوفقه الذي نصب الجبالا
أي وحق الحق ، فحذف . وقيل : المعنى ثم بدا لهم رأي لم يكونوا يعرفونه ; وحذف هذا لأن في الكلام دليلا عليه ، وحذف أيضا القول ; أي قالوا : ليسجننه ، واللام جواب ليمين مضمر ; قاله الفراء ، وهو فعل مذكر لا فعل مؤنث ; ولو كان فعلا مؤنثا لكان يسجنانه ; ويدل على هذا قوله لهم ولم يقل لهن ، فكأنه أخبر عن النسوة وأعوانهن فغلب المذكر ; قاله أبو علي . وقال السدي : كان سبب حبس يوسف أن امرأة العزيز شكت إليه أنه شهرها ونشر خبرها ; فالضمير على هذا في لهم للملك .
الثالثة : قوله تعالى : " حتى حين " أي إلى مدة غير معلومة ; قاله كثير من المفسرين . وقال ابن عباس : إلى انقطاع ما شاع في المدينة . وقال سعيد بن جبير : إلى ستة أشهر . وحكى إلكيا أنه عنى ثلاثة عشر شهرا . عكرمة : تسع سنين . الكلبي : خمس سنين . مقاتل : سبع . وقد مضى في " البقرة " القول في الحين وما يرتبط به من الأحكام . وقال وهب : أقام في السجن اثنتي عشرة سنة . و " حتى " بمعنى إلى ; كقوله : حتى مطلع الفجر . وجعل الله الحبس تطهيرا ليوسف - صلى الله عليه وسلم - من همه بالمرأة . وكأن العزيز - وإن عرف براءة يوسف - أطاع المرأة في سجن يوسف . قال ابن عباس : عثر يوسف ثلاث عثرات : حين هم بها فسجن ، وحين قال للفتى : اذكرني عند ربك فلبث في السجن بضع سنين ، وحين قال لإخوته : إنكم لسارقون فقالوا : إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل .
الرابعة : أكره يوسف - عليه السلام - على الفاحشة بالسجن ، وأقام خمسة أعوام ، وما رضي بذلك لعظيم منزلته وشريف قدره ; ولو أكره رجل بالسجن على الزنا ما جاز له إجماعا . فإن أكره بالضرب فقد اختلف فيه العلماء ، والصحيح أنه إذا كان فادحا فإنه يسقط عنه إثم الزنا وحده . وقد قال بعض علمائنا : إنه لا يسقط عنه الحد ، وهو ضعيف ; فإن الله تعالى لا يجمع على عبده العذابين ، ولا يصرفه بين بلاءين ; فإنه من أعظم الحرج في الدين . وما جعل عليكم في الدين من حرج . وسيأتي بيان هذا في " النحل " إن شاء الله . وصبر يوسف ، واستعاذ به من الكيد ، فاستجاب له على ما تقدم .. ❝ ⏤محمد رشيد رضا
❞ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ (35)
قوله تعالى : ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين فيه أربع مسائل : الأولى : قوله تعالى : ثم بدا لهم أي ظهر للعزيز وأهل مشورته من بعد أن رأوا الآيات أي علامات براءة يوسف - من قد القميص من دبر ; وشهادة الشاهد ، وحز الأيدي ، وقلة صبرهن عن لقاء يوسف : أن يسجنوه كتمانا للقصة ألا تشيع في العامة ، وللحيلولة بينه وبينها . وقيل : هي البركات التي كانت تنفتح عليهم ما دام يوسف فيهم ; والأول أصح . قال مقاتل عن مجاهد عن ابن عباس في قوله : ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات قال : القميص من الآيات ، وشهادة الشاهد من الآيات ، وقطع الأيدي من الآيات ، وإعظام النساء إياه من الآيات . وقيل : ألجأها الخجل من الناس ، والوجل من اليأس إلى أن رضيت بالحجاب مكان خوف الذهاب ، لتشتفي إذا منعت من نظره ، قال :
وما صبابة مشتاق على أمل من اللقاء كمشتاق بلا أمل
أو كادته رجاء أن يمل حبسه فيبذل نفسه .
الثانية : قوله تعالى : ليسجننه يسجننه في موضع الفاعل ; أي ظهر لهم أن يسجنوه ; هذا قول سيبويه . قال المبرد : وهذا غلط ; لا يكون الفاعل جملة ، ولكن الفاعل ما دل عليه بدا وهو مصدر ; أي بدا لهم بداء ; فحذف لأن الفعل يدل عليه ; كما قال الشاعر :
وحق لمن أبو موسى أبوه يوفقه الذي نصب الجبالا
أي وحق الحق ، فحذف . وقيل : المعنى ثم بدا لهم رأي لم يكونوا يعرفونه ; وحذف هذا لأن في الكلام دليلا عليه ، وحذف أيضا القول ; أي قالوا : ليسجننه ، واللام جواب ليمين مضمر ; قاله الفراء ، وهو فعل مذكر لا فعل مؤنث ; ولو كان فعلا مؤنثا لكان يسجنانه ; ويدل على هذا قوله لهم ولم يقل لهن ، فكأنه أخبر عن النسوة وأعوانهن فغلب المذكر ; قاله أبو علي . وقال السدي : كان سبب حبس يوسف أن امرأة العزيز شكت إليه أنه شهرها ونشر خبرها ; فالضمير على هذا في لهم للملك .
الثالثة : قوله تعالى : ˝ حتى حين ˝ أي إلى مدة غير معلومة ; قاله كثير من المفسرين . وقال ابن عباس : إلى انقطاع ما شاع في المدينة . وقال سعيد بن جبير : إلى ستة أشهر . وحكى إلكيا أنه عنى ثلاثة عشر شهرا . عكرمة : تسع سنين . الكلبي : خمس سنين . مقاتل : سبع . وقد مضى في ˝ البقرة ˝ القول في الحين وما يرتبط به من الأحكام . وقال وهب : أقام في السجن اثنتي عشرة سنة . و ˝ حتى ˝ بمعنى إلى ; كقوله : حتى مطلع الفجر . وجعل الله الحبس تطهيرا ليوسف - صلى الله عليه وسلم - من همه بالمرأة . وكأن العزيز - وإن عرف براءة يوسف - أطاع المرأة في سجن يوسف . قال ابن عباس : عثر يوسف ثلاث عثرات : حين هم بها فسجن ، وحين قال للفتى : اذكرني عند ربك فلبث في السجن بضع سنين ، وحين قال لإخوته : إنكم لسارقون فقالوا : إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل .
الرابعة : أكره يوسف - عليه السلام - على الفاحشة بالسجن ، وأقام خمسة أعوام ، وما رضي بذلك لعظيم منزلته وشريف قدره ; ولو أكره رجل بالسجن على الزنا ما جاز له إجماعا . فإن أكره بالضرب فقد اختلف فيه العلماء ، والصحيح أنه إذا كان فادحا فإنه يسقط عنه إثم الزنا وحده . وقد قال بعض علمائنا : إنه لا يسقط عنه الحد ، وهو ضعيف ; فإن الله تعالى لا يجمع على عبده العذابين ، ولا يصرفه بين بلاءين ; فإنه من أعظم الحرج في الدين . وما جعل عليكم في الدين من حرج . وسيأتي بيان هذا في ˝ النحل ˝ إن شاء الله . وصبر يوسف ، واستعاذ به من الكيد ، فاستجاب له على ما تقدم. ❝
❞ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)
قوله تعالى : أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر استدل بهذا من قال : إن المسكين أحسن حالا من الفقير ، وقد مضى هذا المعنى مستوفى من سورة " براءة " . وقد قيل : إنهم كانوا تجارا ولكن من حيث هم مسافرون عن قلة في لجة بحر ، وبحال ضعف عن مدافعة خطب عبر عنهم بمساكين ; إذ هم في حالة يشفق عليهم بسببها ، وهذا كما تقول لرجل غني وقع في وهلة أو خطب : مسكين . وقال كعب وغيره : كانت لعشرة إخوة من المساكين ورثوها من أبيهم خمسة زمنى ، وخمسة يعملون في البحر . وقيل : كانوا سبعة لكل واحد منهم زمانة ليست بالآخر . وقد ذكر النقاش أسماءهم ; فأما العمال منهم فأحدهم كان مجذوما ; والثاني أعور ، والثالث أعرج ، والرابع آدر ، والخامس محموما لا تنقطع عنه الحمى الدهر كله وهو أصغرهم ; والخمسة الذين لا يطيقون العمل : أعمى وأصم وأخرس ومقعد ومجنون ، وكان البحر الذي يعملون فيه ما بين فارس والروم ; ذكره الثعلبي . وقرأت فرقة : " لمساكين " بتشديد السين ، واختلف في ذلك فقيل : هم ملاحو السفينة ، وذلك أن المساك هو الذي يمسك رجل السفينة ، وكل الخدمة تصلح لإمساكه فسمي الجميع مساكين . وقالت فرقة : أراد بالمساكين دبغة المسوك وهي الجلود واحدها مسك . والأظهر قراءة مساكين بالتخفيف جمع مسكين ، وأن معناها : إن السفينة لقوم ضعفاء ينبغي أن يشفق عليهم . والله أعلم .
قوله تعالى : فأردت أن أعيبها أي أجعلها ذات عيب ، يقال : عبت الشيء فعاب إذا صار ذا عيب ، فهو معيب وعائب .
وقوله : وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا قرأ ابن عباس وابن جبير ( صحيحة ) وقرأ أيضا ابن عباس وعثمان بن عفان ( صالحة ) . و ( وراء ) أصلها بمعنى خلف ; فقال بعض المفسرين : إنه كان خلفه وكان رجوعهم عليه . والأكثر على أن معنى ( وراء ) هنا أمام ; يعضده قراءة ابن عباس وابن جبير " وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صحيحة غصبا " . قال ابن عطية : وراءهم هو عندي على بابه ; وذلك أن هذه الألفاظ إنما تجيء مراعى بها الزمان وذلك أن الحدث المقدم الموجود هو الأمام ، والذي يأتي بعده هو الوراء وهو ما خلف ، وذلك بخلاف ما يظهر بادي الرأي ، وتأمل هذه الألفاظ في مواضعها حيث وردت تجدها تطرد ، فهذه الآية معناها : إن هؤلاء وعملهم وسعيهم يأتي بعده في الزمان غصب هذا الملك ; ومن قرأ " أمامهم " أراد في المكان ، أي كأنهم يسيرون إلى بلد ، وقوله - عليه الصلاة والسلام - : الصلاة أمامك يريد في المكان ، وإلا فكونهم في ذلك الوقت كان أمام الصلاة في الزمان ; وتأمل هذه المقالة فإنها مريحة من شغب هذه الألفاظ ; ووقع لقتادة في كتاب الطبري وكان وراءهم ملك قال قتادة : أمامهم ألا تراه يقول : من ورائهم جهنم وهي بين أيديهم ; وهذا القول غير مستقيم ، وهذه هي العجمة التي كان الحسن بن أبي الحسن يضج منها ; قاله الزجاج .
قلت : وما اختاره هذا الإمام قد سبقه إليه في ذلك ابن عرفة ; قال الهروي قال ابن عرفة : يقول القائل كيف قال " من ورائه " وهي أمامه ؟ فزعم أبو عبيد وأبو علي قطرب أن هذا من الأضداد ، وأن وراء في معنى قدام ، وهذا غير محصل ; لأن أمام ضد وراء ، وإنما يصلح هذا في الأوقات ، كقولك للرجل إذا وعد وعدا في رجب لرمضان ثم قال : ومن ورائك شعبان لجاز وإن كان أمامه ، لأنه يخلفه إلى وقت وعده ; وأشار إلى هذا القول أيضا القشيري وقال : إنما يقال هذا في الأوقات ، ولا يقال للرجل أمامك إنه وراءك ; قال الفراء : وجوزه غيره ; والقوم ما كانوا عالمين بخبر الملك ، فأخبر الله - تعالى - الخضر حتى عيب السفينة ; وذكره الزجاج . وقال الماوردي : اختلف أهل العربية في استعمال وراء موضع أمام على ثلاثة أقوال : [ أحدها ] يجوز استعمالها بكل حال وفي كل مكان وهو من الأضداد قال الله - تعالى - : ومن ورائهم جهنم أي من أمامهم : وقال الشاعر :
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي وقومي تميم والفلاة ورائيا
يعني أمامي . [ والثاني ] أن وراء تستعمل في موضع أمام في المواقيت والأزمان لأن الإنسان يجوزها فتصير وراءه ولا يجوز في غيرها . [ الثالث ] أنه يجوز في الأجسام التي لا وجه لها كحجرين متقابلين كل واحد منهما وراء الآخر ولا يجوز في غيرهما ; وهذا قول علي بن عيسى .
واختلف في اسم هذا الملك فقيل : هدد بن بدد . وقيل : الجلندي ; وقاله السهيلي . وذكر البخاري اسم الملك الآخذ لكل سفينة غصبا فقال : هو ( هدد بن بدد والغلام المقتول ) اسمه حيسور ، وهكذا قيدناه في الجامع من رواية يزيد المروزي ، وفي غير هذه الرواية حيسور بالحاء وعندي في حاشية الكتاب رواية ثالثة : وهي حيسون وكان يأخذ كل سفينة جيدة غصبا فلذلك عابها الخضر وخرقها ; ففي هذا من الفقه العمل بالمصالح إذا تحقق وجهها ، وجواز إصلاح كل المال بإفساد بعضه ، وقد تقدم . وفي صحيح مسلم وجه الحكمة بخرق السفينة وذلك قوله : ( فإذا جاء الذي يسخرها وجدها منخرقة فتجاوزها ، فأصلحوها بخشبة . . . ) الحديث . وتحصل من هذا الحض على الصبر في الشدائد ، فكم في ضمن ذلك المكروه من الفوائد ، وهذا معنى قوله : وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم .. ❝ ⏤محمد بن صالح العثيمين
❞ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)
قوله تعالى : أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر استدل بهذا من قال : إن المسكين أحسن حالا من الفقير ، وقد مضى هذا المعنى مستوفى من سورة " براءة " . وقد قيل : إنهم كانوا تجارا ولكن من حيث هم مسافرون عن قلة في لجة بحر ، وبحال ضعف عن مدافعة خطب عبر عنهم بمساكين ; إذ هم في حالة يشفق عليهم بسببها ، وهذا كما تقول لرجل غني وقع في وهلة أو خطب : مسكين . وقال كعب وغيره : كانت لعشرة إخوة من المساكين ورثوها من أبيهم خمسة زمنى ، وخمسة يعملون في البحر . وقيل : كانوا سبعة لكل واحد منهم زمانة ليست بالآخر . وقد ذكر النقاش أسماءهم ; فأما العمال منهم فأحدهم كان مجذوما ; والثاني أعور ، والثالث أعرج ، والرابع آدر ، والخامس محموما لا تنقطع عنه الحمى الدهر كله وهو أصغرهم ; والخمسة الذين لا يطيقون العمل : أعمى وأصم وأخرس ومقعد ومجنون ، وكان البحر الذي يعملون فيه ما بين فارس والروم ; ذكره الثعلبي . وقرأت فرقة : " لمساكين " بتشديد السين ، واختلف في ذلك فقيل : هم ملاحو السفينة ، وذلك أن المساك هو الذي يمسك رجل السفينة ، وكل الخدمة تصلح لإمساكه فسمي الجميع مساكين . وقالت فرقة : أراد بالمساكين دبغة المسوك وهي الجلود واحدها مسك . والأظهر قراءة مساكين بالتخفيف جمع مسكين ، وأن معناها : إن السفينة لقوم ضعفاء ينبغي أن يشفق عليهم . والله أعلم .
قوله تعالى : فأردت أن أعيبها أي أجعلها ذات عيب ، يقال : عبت الشيء فعاب إذا صار ذا عيب ، فهو معيب وعائب .
وقوله : وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا قرأ ابن عباس وابن جبير ( صحيحة ) وقرأ أيضا ابن عباس وعثمان بن عفان ( صالحة ) . و ( وراء ) أصلها بمعنى خلف ; فقال بعض المفسرين : إنه كان خلفه وكان رجوعهم عليه . والأكثر على أن معنى ( وراء ) هنا أمام ; يعضده قراءة ابن عباس وابن جبير " وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صحيحة غصبا " . قال ابن عطية : وراءهم هو عندي على بابه ; وذلك أن هذه الألفاظ إنما تجيء مراعى بها الزمان وذلك أن الحدث المقدم الموجود هو الأمام ، والذي يأتي بعده هو الوراء وهو ما خلف ، وذلك بخلاف ما يظهر بادي الرأي ، وتأمل هذه الألفاظ في مواضعها حيث وردت تجدها تطرد ، فهذه الآية معناها : إن هؤلاء وعملهم وسعيهم يأتي بعده في الزمان غصب هذا الملك ; ومن قرأ " أمامهم " أراد في المكان ، أي كأنهم يسيرون إلى بلد ، وقوله - عليه الصلاة والسلام - : الصلاة أمامك يريد في المكان ، وإلا فكونهم في ذلك الوقت كان أمام الصلاة في الزمان ; وتأمل هذه المقالة فإنها مريحة من شغب هذه الألفاظ ; ووقع لقتادة في كتاب الطبري وكان وراءهم ملك قال قتادة : أمامهم ألا تراه يقول : من ورائهم جهنم وهي بين أيديهم ; وهذا القول غير مستقيم ، وهذه هي العجمة التي كان الحسن بن أبي الحسن يضج منها ; قاله الزجاج .
قلت : وما اختاره هذا الإمام قد سبقه إليه في ذلك ابن عرفة ; قال الهروي قال ابن عرفة : يقول القائل كيف قال " من ورائه " وهي أمامه ؟ فزعم أبو عبيد وأبو علي قطرب أن هذا من الأضداد ، وأن وراء في معنى قدام ، وهذا غير محصل ; لأن أمام ضد وراء ، وإنما يصلح هذا في الأوقات ، كقولك للرجل إذا وعد وعدا في رجب لرمضان ثم قال : ومن ورائك شعبان لجاز وإن كان أمامه ، لأنه يخلفه إلى وقت وعده ; وأشار إلى هذا القول أيضا القشيري وقال : إنما يقال هذا في الأوقات ، ولا يقال للرجل أمامك إنه وراءك ; قال الفراء : وجوزه غيره ; والقوم ما كانوا عالمين بخبر الملك ، فأخبر الله - تعالى - الخضر حتى عيب السفينة ; وذكره الزجاج . وقال الماوردي : اختلف أهل العربية في استعمال وراء موضع أمام على ثلاثة أقوال : [ أحدها ] يجوز استعمالها بكل حال وفي كل مكان وهو من الأضداد قال الله - تعالى - : ومن ورائهم جهنم أي من أمامهم : وقال الشاعر :
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي وقومي تميم والفلاة ورائيا
يعني أمامي . [ والثاني ] أن وراء تستعمل في موضع أمام في المواقيت والأزمان لأن الإنسان يجوزها فتصير وراءه ولا يجوز في غيرها . [ الثالث ] أنه يجوز في الأجسام التي لا وجه لها كحجرين متقابلين كل واحد منهما وراء الآخر ولا يجوز في غيرهما ; وهذا قول علي بن عيسى .
واختلف في اسم هذا الملك فقيل : هدد بن بدد . وقيل : الجلندي ; وقاله السهيلي . وذكر البخاري اسم الملك الآخذ لكل سفينة غصبا فقال : هو ( هدد بن بدد والغلام المقتول ) اسمه حيسور ، وهكذا قيدناه في الجامع من رواية يزيد المروزي ، وفي غير هذه الرواية حيسور بالحاء وعندي في حاشية الكتاب رواية ثالثة : وهي حيسون وكان يأخذ كل سفينة جيدة غصبا فلذلك عابها الخضر وخرقها ; ففي هذا من الفقه العمل بالمصالح إذا تحقق وجهها ، وجواز إصلاح كل المال بإفساد بعضه ، وقد تقدم . وفي صحيح مسلم وجه الحكمة بخرق السفينة وذلك قوله : ( فإذا جاء الذي يسخرها وجدها منخرقة فتجاوزها ، فأصلحوها بخشبة . . . ) الحديث . وتحصل من هذا الحض على الصبر في الشدائد ، فكم في ضمن ذلك المكروه من الفوائد ، وهذا معنى قوله : وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. ❝