❞ زيارة!
أنتِ أيضاً صحابيَّة،
تُحبين الصالحين في كل عَصْرٍ ومِصْرٍ،
تُحبين أولئك الذين سبقوكِ إلى قافلة التوحيد من الأمم السابقة،
وتُحبين أولئك الذين سيكونون على التوحيد ولم يولدوا بعد!
ربَّاكِ حبيبُكِ ونبيُّكِ ﷺ أنَّ الإسلام
دعوة ضاربة الجذور في تربة التاريخ!
وأن انتسابكِ لهذا الدين لم يبدأ بولادتكِ على الفطرة،
وإنما مع أول صراعٍ بين الحقِّ والباطل،
حين رفضَ إبليسُ اللعين السجود لأبيكِ آدم عليه السلام!
ولن ينتهي هذا الانتساب بموتكِ،
أنتِ ابنة عقيدة يسقطُ التكليف بها حين ينفخُ إسرافيل في الصور،
ولأنكِ سمعتِ النبيَّ ﷺ مرةً يقول:
وددتُ أني قد رأيتُ إخواننا
فقالوا له: يا رسول الله، ألسنا بإخوانك؟
فقال ﷺ: بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد،
وأنا فرطهم على الحوض!
فقالوا: يا رسول الله، كيف تعرفُ من يأتي بعدك من أمتك؟
قال ﷺ: أرأيتم لو كان لرجلٍ خيلاً غُراً محجلة،
في خيلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، ألا يعرفُ خيله؟
قالوا: بلى يا رسول الله!
فقال ﷺ: فإنهم يأتون يوم القيامة غُراً محجلين من الوضوء!
يا صحابيَّة،
ها نفسكِ تتوقٍ لخبر قومٍ صالحين ما كانوا في عهد النبوة،
وها أنتِ اليوم مع الخبر فاستحضري قلبكِ!
كان الإمامُ أحمد بن حنبل تلميذاً للإمام الشافعي،
وكان أحمد يُكثرُ من ذِكر الشافعي أمام أهله ويُثني عليه،
وزار الشَّافعي يوماً تلميذه أحمد في بيته،
تناول الضيفُ الطعام، ومضى إلى فراشه،
ثم لما مضى الليل صلى بأهل البيت الفجرَ وعاد إلى فراشه،
وفي الصباح قالتْ ابنة الإمام أحمد لأبيها:
يا أبتاه، أهذا الشَّافعي الذي كنتَ تُحدثني عنه؟
فقال: نعم يا ابنتي!
فقالتْ: سمعتُكَ تُعظِّمه، وما رأيتُ له هذه الليلة صلاةً
ولا ذِكراً، ولا وِرْداً!
وقد لاحظتُ عليه أموراً ثلاثة!
فقال: وما هي يا بُنيَّة؟
فقالتْ: عندما قدَّمنا له الطعام أكل كثيراً على غير ما سمعته عنه،
ولم يقُمْ ليصلي من الليل شيئاً!
وعندما صلَّى بنا الفجر لم يتوضأ!
فأخبرَ الإمامُ أحمدُ الإمامَ الشَّافعيَّ بما قالته ابنته!
فقال له الشَّافعيُّ: يا أحمد لقد أكلتُ كثيراً لأني أعلم أن طعامكَ حلال،
والطعام الحلال دواء، وبي مرض!
فأكثرتُ من طعامكَ لا لأشبعَ، وإنما لأتداوى!
وأما أنني لم أقُمْ لصلاة الليل،
فلأني عندما وضعتُ رأسي لأنام،
نظرتُ فكأنَّ أمامي الكتاب والسُّنة،
ففتحَ اللهُ عليَّ باثنتين وسبعين مسألةً من علوم الفقه!
رتبتها في مصالح المسلمين، وحال التفكير فيها بيني وبين القيام!
وأما أنني صليتُ بكم الفجر بغير وضوء،
فواللهِ ما نامتْ عيني حتى أُجدد الوضوء،
فصليتُ بكم الفجر في وضوء العشاء!
ثم ودَّعه ومضى...
فقال الإمام أحمد لابنته: هذا الذي عمله الشافعي وهو مُستلقٍ،
أفضلُ مما عملته وأنا قائم!
يا صحابيَّة،
خُلقتِ للمعالي، فدعي عنكِ توافه الأمور!
علمتكِ ابنة الإمام أحمد درساً بليغاً في الحياة!
النظر إلى الجوهر لا إلى المظهر،
لم تتحدث عن عمامة الإمام الشافعي،
وما إذا كانت مناسبة للون ثيابه،
لم يلفتها لحيته ولا خاتمه،
كانت ترقبُ دينه وعبادته فقط!
فدعي عنكِ تفاهة المشاهير في مواقع التواصل،
ماذا يُفيدكِ متابعة كل ما تلبسه هذه \"الفاشينستا\"
أو كل ما فعله هذا المطرب في يومه،
ما خُلقتِ لتعيشي في حياة الآخرين وإنما في حياتكِ!
في مواقع التواصل علم غزير، ومنافع كثيرة،
دروس في الفقه، والحديث، وعلم التفسير،
أفلام وثائقية نافعة ومفيدة!
محاضرات في شتى العلوم تجلبُ لكِ المعرفة إلى حِجركِ،
أعمال خير وإغاثة غيَّرتْ حياة الكثيرين نحو الأفضل،
فتعاملي مع الحياة بعقلية النحل لا عقلية الذباب،
إن النحل لا يقعُ إلا على الورد،
والذباب لا يقعُ إلا على القذارة !
ابحثي عما يُرققُ قلبكِ فإنما المرءُ بقلبه،
وعما يُنيرُ عقلكِ، فعقلكِ سلاحكِ!
يا صحابيَّة،
لستُ أقولُ لكِ كوني جاهلة بالموضة،
ولا دعي عنكِ الأناقة والتجمل!
وإنما أقول لكِ: المعرفة شيء والهوس شيءٌ آخر،
ولستُ أقولُ لكِ عيشي في عالم غير العالم،
وإنما أقول أن الماديات تفسدُ الروح،
ومتابعة تفاصيل حياة البعض قد تفسِدُ حياتكِ!
لأنها ستجعلكِ غير راضية عما قسمه اللهُ لكِ،
هؤلاء ليس لهم حديث إلا عما اشتروا أو باعوا،
أو عما أكلوا وإلى أين سافروا!
حياتهم أفلام تُعرض على أنها الحياة المثالية!
فتزدرين حياتكِ دون أن تشعري،
ستشعرين بالنقص لأنه ليس لديكِ شنطة فلانة ومجوهراتها،
وبالضيق لأنه ليس لديكِ أسفار فلان وترحالاته،
نحن حين ننظر إلى ما في أيدي الآخرين نستقل ما في أيدينا!
وتنمو في داخلنا بذرة عقدة النقص!
ثم من قال لكِ أن هؤلاء حياتهم مثالية؟
هؤلاء لا يجعلونكِ ترين من حياتهم إلا ما يريدون!
أكثر نسب الطلاق تجدينها عندهم،
وأكثر المشاكل على المال تجدينها بينهم،
وحين كانت فلانة تستعرض حياةً براقة،
كان عندها بيتٌ مهمل، وأسرة تضيع!
وحين كان فلان يعلمكِ كيف تأكلين، وماذا تشترين،
كان له بيت يضج بالإهمال!
أسوأ ما في حياة المظاهر هذه أنها تقتل فينا الإنسان!
وتنسينا تلك المهمة العظيمة التي خُلقنا لأجلها،
وذلك الامتحان الصعب الذي علينا اجتيازه!. ❝ ⏤أدهم شرقاوي
❞ زيارة!
أنتِ أيضاً صحابيَّة،
تُحبين الصالحين في كل عَصْرٍ ومِصْرٍ،
تُحبين أولئك الذين سبقوكِ إلى قافلة التوحيد من الأمم السابقة،
وتُحبين أولئك الذين سيكونون على التوحيد ولم يولدوا بعد!
ربَّاكِ حبيبُكِ ونبيُّكِ ﷺ أنَّ الإسلام
دعوة ضاربة الجذور في تربة التاريخ!
وأن انتسابكِ لهذا الدين لم يبدأ بولادتكِ على الفطرة،
وإنما مع أول صراعٍ بين الحقِّ والباطل،
حين رفضَ إبليسُ اللعين السجود لأبيكِ آدم عليه السلام!
ولن ينتهي هذا الانتساب بموتكِ،
أنتِ ابنة عقيدة يسقطُ التكليف بها حين ينفخُ إسرافيل في الصور،
ولأنكِ سمعتِ النبيَّ ﷺ مرةً يقول:
وددتُ أني قد رأيتُ إخواننا
فقالوا له: يا رسول الله، ألسنا بإخوانك؟
فقال ﷺ: بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد،
وأنا فرطهم على الحوض!
فقالوا: يا رسول الله، كيف تعرفُ من يأتي بعدك من أمتك؟
قال ﷺ: أرأيتم لو كان لرجلٍ خيلاً غُراً محجلة،
في خيلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، ألا يعرفُ خيله؟
قالوا: بلى يا رسول الله!
فقال ﷺ: فإنهم يأتون يوم القيامة غُراً محجلين من الوضوء!
يا صحابيَّة،
ها نفسكِ تتوقٍ لخبر قومٍ صالحين ما كانوا في عهد النبوة،
وها أنتِ اليوم مع الخبر فاستحضري قلبكِ!
كان الإمامُ أحمد بن حنبل تلميذاً للإمام الشافعي،
وكان أحمد يُكثرُ من ذِكر الشافعي أمام أهله ويُثني عليه،
وزار الشَّافعي يوماً تلميذه أحمد في بيته،
تناول الضيفُ الطعام، ومضى إلى فراشه،
ثم لما مضى الليل صلى بأهل البيت الفجرَ وعاد إلى فراشه،
وفي الصباح قالتْ ابنة الإمام أحمد لأبيها:
يا أبتاه، أهذا الشَّافعي الذي كنتَ تُحدثني عنه؟
فقال: نعم يا ابنتي!
فقالتْ: سمعتُكَ تُعظِّمه، وما رأيتُ له هذه الليلة صلاةً
ولا ذِكراً، ولا وِرْداً!
وقد لاحظتُ عليه أموراً ثلاثة!
فقال: وما هي يا بُنيَّة؟
فقالتْ: عندما قدَّمنا له الطعام أكل كثيراً على غير ما سمعته عنه،
ولم يقُمْ ليصلي من الليل شيئاً!
وعندما صلَّى بنا الفجر لم يتوضأ!
فأخبرَ الإمامُ أحمدُ الإمامَ الشَّافعيَّ بما قالته ابنته!
فقال له الشَّافعيُّ: يا أحمد لقد أكلتُ كثيراً لأني أعلم أن طعامكَ حلال،
والطعام الحلال دواء، وبي مرض!
فأكثرتُ من طعامكَ لا لأشبعَ، وإنما لأتداوى!
وأما أنني لم أقُمْ لصلاة الليل،
فلأني عندما وضعتُ رأسي لأنام،
نظرتُ فكأنَّ أمامي الكتاب والسُّنة،
ففتحَ اللهُ عليَّ باثنتين وسبعين مسألةً من علوم الفقه!
رتبتها في مصالح المسلمين، وحال التفكير فيها بيني وبين القيام!
وأما أنني صليتُ بكم الفجر بغير وضوء،
فواللهِ ما نامتْ عيني حتى أُجدد الوضوء،
فصليتُ بكم الفجر في وضوء العشاء!
ثم ودَّعه ومضى..
فقال الإمام أحمد لابنته: هذا الذي عمله الشافعي وهو مُستلقٍ،
أفضلُ مما عملته وأنا قائم!
يا صحابيَّة،
خُلقتِ للمعالي، فدعي عنكِ توافه الأمور!
علمتكِ ابنة الإمام أحمد درساً بليغاً في الحياة!
النظر إلى الجوهر لا إلى المظهر،
لم تتحدث عن عمامة الإمام الشافعي،
وما إذا كانت مناسبة للون ثيابه،
لم يلفتها لحيته ولا خاتمه،
كانت ترقبُ دينه وعبادته فقط!
فدعي عنكِ تفاهة المشاهير في مواقع التواصل،
ماذا يُفيدكِ متابعة كل ما تلبسه هذه ˝الفاشينستا˝
أو كل ما فعله هذا المطرب في يومه،
ما خُلقتِ لتعيشي في حياة الآخرين وإنما في حياتكِ!
في مواقع التواصل علم غزير، ومنافع كثيرة،
دروس في الفقه، والحديث، وعلم التفسير،
أفلام وثائقية نافعة ومفيدة!
محاضرات في شتى العلوم تجلبُ لكِ المعرفة إلى حِجركِ،
أعمال خير وإغاثة غيَّرتْ حياة الكثيرين نحو الأفضل،
فتعاملي مع الحياة بعقلية النحل لا عقلية الذباب،
إن النحل لا يقعُ إلا على الورد،
والذباب لا يقعُ إلا على القذارة !
ابحثي عما يُرققُ قلبكِ فإنما المرءُ بقلبه،
وعما يُنيرُ عقلكِ، فعقلكِ سلاحكِ!
يا صحابيَّة،
لستُ أقولُ لكِ كوني جاهلة بالموضة،
ولا دعي عنكِ الأناقة والتجمل!
وإنما أقول لكِ: المعرفة شيء والهوس شيءٌ آخر،
ولستُ أقولُ لكِ عيشي في عالم غير العالم،
وإنما أقول أن الماديات تفسدُ الروح،
ومتابعة تفاصيل حياة البعض قد تفسِدُ حياتكِ!
لأنها ستجعلكِ غير راضية عما قسمه اللهُ لكِ،
هؤلاء ليس لهم حديث إلا عما اشتروا أو باعوا،
أو عما أكلوا وإلى أين سافروا!
حياتهم أفلام تُعرض على أنها الحياة المثالية!
فتزدرين حياتكِ دون أن تشعري،
ستشعرين بالنقص لأنه ليس لديكِ شنطة فلانة ومجوهراتها،
وبالضيق لأنه ليس لديكِ أسفار فلان وترحالاته،
نحن حين ننظر إلى ما في أيدي الآخرين نستقل ما في أيدينا!
وتنمو في داخلنا بذرة عقدة النقص!
ثم من قال لكِ أن هؤلاء حياتهم مثالية؟
هؤلاء لا يجعلونكِ ترين من حياتهم إلا ما يريدون!
أكثر نسب الطلاق تجدينها عندهم،
وأكثر المشاكل على المال تجدينها بينهم،
وحين كانت فلانة تستعرض حياةً براقة،
كان عندها بيتٌ مهمل، وأسرة تضيع!
وحين كان فلان يعلمكِ كيف تأكلين، وماذا تشترين،
كان له بيت يضج بالإهمال!
أسوأ ما في حياة المظاهر هذه أنها تقتل فينا الإنسان!
وتنسينا تلك المهمة العظيمة التي خُلقنا لأجلها،
وذلك الامتحان الصعب الذي علينا اجتيازه!. ❝
❞ نشرَت جريدة الصنداي تايمز، هذا النهار، خبر تسرب شعاع غامض من مدينة أدرنَّة التركية على الحدود اليونانية، وتكهّن مواطن يوناني الْتقتهُ مراسلة الصحيفة، بأنهم على الحدّ الفاصل لليونان، شاهدوا ليومين متتاليين، أشِعّة أرجوانية اللون، غامضة تومض لدقائق ثم تنْساب على مدَى الأفق وكأنها طيفٌ خيالي، تبعتها رياح مُغْبّرة، وما زادَ الأمر تعقيدًا، إصابة كلّ من صادف تواجدهُ تلك الساعة بالمنطقة، بحكّة جلْدية شرِسة، وتوَسّعت المراسلة الصحفية في الخبر، بالتحقيق مع سكان المنطقتين من كلا الجانبين، ما أفضى بالنهاية، لتوْقيفها من قبل السلطات التركية ومصادرة الكاميرا ولكنها تمكّنت من تسريب صور التحقيق...
لم يلفت ذلك الخبر نظر العالم الذي كان مشغولاً بأخبار الأمير هاري وميغان، وحتى خبر الصنداي حول الشعاع الأرجواني نُشر بصفحةٍ داخلية، وغطى عليه بذات اليوم، خبر اغتيال قاسم سليماني...وحدهُ القرمزي، الذي قرأ الجريدة في المساء، متأخرًا عن عادة قراءتها في الصباح، بينما كان يحتسي قهوته السوداء في رصيف مقهى ميدان الكاتدرائيّة...
قربّ السفارة البحرينية في لندن نهار اليوم التالي، كان ثمّة بضعة عشرات من متظاهرين احتشدوا تحت رذاذ المطر، حملوا يافطات ورقية هزيلة مسَحَت قطرات المطر حِبرها، مطالبين بديمقراطية، بينمّا كان واحدٌ منهم يحمل صورة القتيل قاسم سليماني...كانت فجْوَة غير مُنصفة تلك اللحظة التي ضاع فيها خبر الصنداي، وعلى الضفة الأخرى من الشارع، تدخل البوليس لتفريق مجموعة مُتعرّية، حملت شعاراتٍ بيئية، كان الطقس ضبابيًا وحركة السير مرتبكة...
\"لا أستطيع دخول السفارة هذا اليوم، سوف الْفتُ الأنظار، وأخشى لو سلَمت الجواز لتجديده، تتم مصادرته، ما رأيكِ أوليفيا؟ هل استمر؟\"
وقف ناصر رجب، مرتديًا بدلة سوداء فضفاضة، متخفيًا بجهٍةٍ من الشارع، بجانب ثلاثة أجانب رجل وامرأتين يحاولون جرّ أحد الكلاب، قاوم رغبتهم في السير...كان يتحدّث في الهاتف ويحاول جاهدًا استراق النظر نحو ما يجري قربّ السفارة...
كانت أوليفيا روي على الطرفِ الآخر، من الهاتف تقبع بركنٍ من مطعم صغير، يطلّ على ساحل بُحَيرة، تحتجز بطرفِها عدّة قواربّ صغيرة، بعضها شراعي، وثمّة زبائن آخرين يحلِّقون على موائد الرصيف، وكان هنالك نباح كلب يأتي من مسافة...كانت تتحدّث بالهاتف وسرعان ما أنْهَت المكالمة لدي دخول بسام داوود الأسود...كان يحمل معه حقيبة رجل أعمال ويرتدي قميصًا أبيض ومعطفًا كحلي، مع سروال أسود، أبقى نظارته السوداء رغم الطقس الغائم...جلس مقابلاً لها، وعلت وجههُ ابتسامة صفراء...
\"أوليفيا\"
قال ذلك وهو يشير لنادل صغير السِنّ، أمْهَق البشرة، ضيق العينين، أقتربّ منه حالمّا لمح إشارته...
\"متى وصَلت َلوغانو؟\"
سألته المرأة السويسرية، وهي تُشير للنادل أن ينتظر لحظة...
\"الآن\"
أجابها وعادَ للنادل، طلب نبيذًا أحمر، التفتَ للمرأة يسألها بحِيرةٍ بدت على وجهه.
\"ماذا تأكلين؟\"
\"بيتزا\"
أجابتهُ.
عادَ للنادل وقال وهو يحُكّ ذقنه مفكرًا...
\"لا شيء، فقط نبيذ احمر\"
\"كنت على الهاتف منذ لحظة مع ناصر رجب، يواجه مشكلة انتهاء صلاحية جواز سفره، لهذا تأخر بالمجيء إلى ميلانو\"
بدت عليه العصبية، زفَر بحدّة وقال بنبرةٍ يائِسة...
\"هذا الأحمق لا يعرف كيف يتدَبر أمره بتاتًا، كيف تمكّن من الإثراء؟!
تنهّد ثانية واستدرك وهو ينظر لسيدة مُسِنّة دخلت المطعم وهي تواجه صعوبة في إغلاق مظلة المطر...
\"كيف تثقين به؟ ألا تخشين أن يورّطكِ؟\"
قطع تركيزه اصطدام إحدى النادلات بأحد الزبائن قادم من جهة الحمام كما يبدو، تصاعدَت رائحة شواء من الداخل، نظر الأسود إلى حقيبته بجانبه قربّ عمود الطاولة ثم التفت وراءه، وعاد ينظر للمرأة، كانت تحدّق بكوب القهوة أمامها...
\"أُفضل أن تسوي القضية معهم خارج المحكمة، مُجرّد ذهابكَ للمحاكمة سيشوِّش عليك، أنت تحت الأنظار منذ قضية الورق. اشْتر بعض المساهمين، وأضْمَن أنك ستكْسب أضعافًا لأنّني سأكون حرّة في عقد صفقات خارجية، دون إثارة الرأي العام في بلدك...\"
ارْجَع ظهره للوراء، قهقه بازدراءٍ وقال بنبرةِ مقت...
\"هؤلاء جشعون، لن يرضوا بالقليل، مع أنهم مفلسون ولا أصدق تعنتهم وعدم بيعهم للأسهم\"
وفجأة خرجت مُنفلِتة إحدى النادلات وهي تهرول، ولَحِق بها أحد الزبائن...انتصب بعض الرواد قربّ سياج المكان وراحوا يحدقون من النافذة بفضول ...
\"ماذا يجري في الخارج؟\"
سأل بسام الأسود باهتمام...
\"لوغانو أهدأ مكان على الأرض، لا تهتم\"
في الخارج كان يدور جدَل بين بعض الأفراد، وهناك على بعد مسافة أمتار بمحاذاة البحر طفق تجمعٌ يرْصدُ الأفق، كانت سيارات متنوِّعة تعبُر الشارع البحري من الجهتين، وثمّة أشخاصٌ يحاولون العبور، نحو الحشد الذي كان يتَطلَّع نحو لا شيء! الوقت قبل الغروب، والسماء غائِمة، ونسمات هواء باردة تُحرك أوراق الأشجار التي تساقط بعضها، صفراء على الأرض.
\"مجرّد وميضٍ خريفي من ذلك الذي يسْبقُ فترة تباين الفصول، الناس في المدينة الناعِسة، تهتم بتفاصيل رتيبة لعدمِ وجود ما يثير هنا، أي شيءٍ تافه ولو انتحار نحلة يحرك الناس!\"
قالت أوليفيا ذلك بنغمةٍ لا مبالية لدى انتهاء لقائهما... وقبل أن ينفصلا عند واجهة رصيف المطعم، سأل الأسود أحد المارَّة، وفي نظرتهِ فضول تجاه بقايا التجمع عند مرفأ البحر، مقابل شارع رئيسي، لم تتوقف عليه حركة السيارات، بكلّا الاتجاهين...
\"يقال وميض شمسي حاد قصَف بعض من كانوا يتنزهون على الساحل\"
أجاب رجل متوسط العمر تبدو عليه ملامح جنوب آسيا...ثم مضى في سبيله.
\"غريب\"
قال الأسود بعدمِ مبالاة
\" ما وجهُ الغرابة؟\"
سألَت أوليفيا روي وهي تهم بالانصراف وقد تدَلّت حقيبة بيضاء بكتفِها، فيما حمل الأسود حقيبة رجل الأعمال بيده اليسرى.
\"ألم تسمعِ منذ أيام خبر الصنداي تايمز؟\"!!
مطّت شفتيها، بمُجرّد مغادرتهِ، سارَت بتمَهُّلٍ نحو رصيف الشارع، توقفَت عند نافورة مياه، أشعلَت سيجارة، وتلفَّتَت حوْلها، لمحَت زوجين عجوزين، يقبِّلان بعضهما، بينما شابين مراهقين، يتشاجران برتابةٍ مُمِلّة، مقابلهما...بدت حائرة حتى نطَّ فجأة بجانبِها طفلٌ بسنِّ الخامسة أفلَتَ من يدِ والده الخمسيني العمر، الذي انْشغل بتَملُّقِ فتاة تصْغرهُ سنّا ونسي طفلهُ...تعلَّق بأوليفيا وخاطبَها ببراءةٍ ورأسه لفوْق يحدّق بها...
\"تشبهين جدتي\"
مطاردة هزيلة
بداية موْسِم خريفي، زخَرت فيه سماء مدينة ميلانو، بطقْسٍ رمادي اللون، ملأّت أرصفتها وريقاتٌ صفراء، بكثافةٍ، وفاحَت طرقاتها بنكهةِ الأشجار والأزهار، امْتزَجت بروائح عطر المارَّة من سكانها، صادف أحمد القرمزي، مرّة أخرى، غازي فلاح في ساحة ميركاتي تبعه خلال تجوّلهُ بشارع فيا دانتي، حتى حديقة بريرا! كان قد جَمدَ بالبدءِ في مكانه لومضةٍ خاطفة...شعر بأنهُ إن تأخر عن متابعتهِ سوف يتيه الرجل منهُ بزحْمة الشارع بذلك المساء الذي سبق غروب الشمس التي كانت في الأصلِ شحيحة منذ بداية النهار...
خرج القرمزي مرتديًا قميصًا أزرق قطنيًا سميكًا اعتقد أنه سيكْفيه بتلك الأمسية، حتى اصطدم ببرودة الطقس الغائم جزئيًا، كما شعر بضيقِ سرواله الجينز، ممّا زاده ضيقًا، ظنًا منه أنه ثَخُن، حتى تبيّن له أنّهُ بعد الغسْل يختلف ويضيق عن ارتدائه للمرّة الأولى، ما أزاح عنه شعور الاكتئاب المُباغت وصرف نظره عن العودّة للشَقّة، وفيما كان يمضي بالسيّر نحو مقهاه المسائي، في جوْلة قرّر خلالها الاكتفاء بالبطالة والبدء في العمل...فاجأه العقيد غازي فلاح يتمَشّى وقد ارتدي زيًا رياضيًا وبيده قارورة مياه صغيرة...بدا حيويًا نقيض المرّة السابقة التي صادفهُ فيها، ما أوْحَى إليه أن الرجل، لم يتلاشَ ضمير الجلاد منهُ...
كلمّا لمحهُ استيقظَت في رأسهِ صور ومشاهد وحوارات، جميعها مشحونةٌ بإهاناتٍ وإذلال أذاقهُ إياه لسنواتٍ...هل يريد الانتقام منه؟ أم مواجهته فقط والاكتفاء بتذكّيره...
\"لن أُسامحهُ بالطبع، وإلا محوْتُ ذاتي حين أتتني فرصة استعادتها\"
سار خلفه بخطواتٍ مُتلافي الاقتراب منه، كان قلبه يخفق كما في كلّ مرّة يراه، بل ولمُجرّد تذكّره، لا يعْرفُ الهدف من ملاحقتهِ، وإن كان يدفعه فضولٌ قوي، لمعْرفّة أينّ وصلَ الرجل في حياتهِ...كيف يعيش؟ ماذا يفعل؟ هل تغيّر؟ ما الذي يفعله في إيطاليا؟ هل هي صُدفة أن يتواجدا على أرضٍ واحدة بعد سنوات الجمْر؟ أو هو قدَرٌ أن يلقاه لتصفية حسابه معه...؟ لا يمكن للحياة أن تتناهَى بهما عند نقطة المُنْعطَف هذه إلا وقد رسَمَت هدفًا إلهيًا وربّمّا إنسانيًا من ذلك...هكذا فكَّر حين بلغ معه طرف الحديقة حيث توقَف الرجل، وتلفّت حوْلهُ ثم سار نحو البوابة، وهناك توقف...
أدرك القرمزي أنه لم يقْصدَ الحديقة النباتية التي كانت تفتح لفتراتٍ محدّدةٍ، من شهر سبتمبر حتى أكتوبر، برسومٍ أو مجانًا بحسَب الظّروف... سبق له واستمتع مرّات عدّة بأجوائِها التي تعجُ بأشجارٍ وأزهار خيالية وبأشكالٍ غيْر مسبوقة، وثمّة قصر وتماثيل...ترك تفكّيره في الحديقة وشدّدَ انتباههُ إلى صاحبه الذي كان بالانتظار...
خلال دقائق، وصلت سيارة فولكس واجن صفراء، توَقَّفت عند رصيف الطريق، توجّه غازي فلاح نحوها...فتح الباب ووَلَجَ...لم يتحرك السائق بدا ثمّة حديث بينه وبين سائقها، بعد فترة خرج الاثنان، انتصبا بجانب السيارة وراحا يدخنان بصمتٍ...
برز سائق السيارة، شابٌ ثلاثيني، ذو وجه صغير مستطيل عظْميّ، وأنْف مدبّب يشبه حبّة الّلوْز، بشرته جافَة، لونها نبيذي فاتح، متوسّط القامَة، نحيف لدرجة الضمور ...تساءل في داخله عن هوية الشاب، وعلاقته بكهلٍ جلاد؟ كانت أفكاره تعود به إلى سجن دياره، فترة الجَمْر، ثم سرعان ما يتَسلّل شريطُ الأحداث ويفْسد عليه خياره بانتقاء ميلانو ملجأ راحة واسترخاء وعمل، ليلاحقه كابوسٌ فرَّ منه في الأصل ليتبعه إلى هنا، تذكّر ليلاف سعيد، وما روَتهُ له في إحدى فضْفضَتها الشجيّة، عن وجود جودت باور ضابط الجيش التركي... الذي يعيش سرًا، تحت اسم مستعار، أنيس أبيك X وهو مُعذِبُها مع آلاف الأكراد خلال غزْو عفرين...
\"ترى تحت أي اسم مستعار، ينام غازي فلاح، هنا في ميلانو؟\"!!
تساءل وهو يُحدّق فيه وقد بدا بصحةٍ وحيوية، ولو تقوّس ظهره قليلاً، وتدلت كتفاه وظهر بسحنةِ النهاية، لكن ما فتِئ َتنبثق من عينيه، جمْرة التعذيب المجنون الذي سقاهُ إياه...
شعر، أنه أفْسَد مساءهُ بهذه المطاردة التي أحسَّ بها هزيلَة، ولن توْصلهُ إلى نتيجة، طالما ظلّ يكتفي بمطاردته كلمّا صادفه...
\"لابد من خطّة لمواجهتهِ\"
إلى متى سيظلّ يكتفي بتسْمِيم حياته حتى وهو هنا، هاربّا من كوابيس دياره، ليجد نفسه، في دوامة الماضي المُعْتم؟
مرّت خمس دقائق ولعلّها أكثر، دون حوار بين الاثنين، لكنه لمح في نهايتها، قيام السائق الشاب بتسليم ورقة صغيرة للجلاد، مقابل أوراق لم يتبيّن ماهيتها، إن كانت أوراقًا مالية، أو شيئًا آخر...عندما غادر السائق المكان، التفَّ فلاح منكفئًا من ذات الطريق...زَفَر القرمزي وتبعه...!
***. ❝ ⏤احمد جمعه
❞ نشرَت جريدة الصنداي تايمز، هذا النهار، خبر تسرب شعاع غامض من مدينة أدرنَّة التركية على الحدود اليونانية، وتكهّن مواطن يوناني الْتقتهُ مراسلة الصحيفة، بأنهم على الحدّ الفاصل لليونان، شاهدوا ليومين متتاليين، أشِعّة أرجوانية اللون، غامضة تومض لدقائق ثم تنْساب على مدَى الأفق وكأنها طيفٌ خيالي، تبعتها رياح مُغْبّرة، وما زادَ الأمر تعقيدًا، إصابة كلّ من صادف تواجدهُ تلك الساعة بالمنطقة، بحكّة جلْدية شرِسة، وتوَسّعت المراسلة الصحفية في الخبر، بالتحقيق مع سكان المنطقتين من كلا الجانبين، ما أفضى بالنهاية، لتوْقيفها من قبل السلطات التركية ومصادرة الكاميرا ولكنها تمكّنت من تسريب صور التحقيق..
لم يلفت ذلك الخبر نظر العالم الذي كان مشغولاً بأخبار الأمير هاري وميغان، وحتى خبر الصنداي حول الشعاع الأرجواني نُشر بصفحةٍ داخلية، وغطى عليه بذات اليوم، خبر اغتيال قاسم سليماني..وحدهُ القرمزي، الذي قرأ الجريدة في المساء، متأخرًا عن عادة قراءتها في الصباح، بينما كان يحتسي قهوته السوداء في رصيف مقهى ميدان الكاتدرائيّة..
قربّ السفارة البحرينية في لندن نهار اليوم التالي، كان ثمّة بضعة عشرات من متظاهرين احتشدوا تحت رذاذ المطر، حملوا يافطات ورقية هزيلة مسَحَت قطرات المطر حِبرها، مطالبين بديمقراطية، بينمّا كان واحدٌ منهم يحمل صورة القتيل قاسم سليماني..كانت فجْوَة غير مُنصفة تلك اللحظة التي ضاع فيها خبر الصنداي، وعلى الضفة الأخرى من الشارع، تدخل البوليس لتفريق مجموعة مُتعرّية، حملت شعاراتٍ بيئية، كان الطقس ضبابيًا وحركة السير مرتبكة..
˝لا أستطيع دخول السفارة هذا اليوم، سوف الْفتُ الأنظار، وأخشى لو سلَمت الجواز لتجديده، تتم مصادرته، ما رأيكِ أوليفيا؟ هل استمر؟˝
وقف ناصر رجب، مرتديًا بدلة سوداء فضفاضة، متخفيًا بجهٍةٍ من الشارع، بجانب ثلاثة أجانب رجل وامرأتين يحاولون جرّ أحد الكلاب، قاوم رغبتهم في السير..كان يتحدّث في الهاتف ويحاول جاهدًا استراق النظر نحو ما يجري قربّ السفارة..
كانت أوليفيا روي على الطرفِ الآخر، من الهاتف تقبع بركنٍ من مطعم صغير، يطلّ على ساحل بُحَيرة، تحتجز بطرفِها عدّة قواربّ صغيرة، بعضها شراعي، وثمّة زبائن آخرين يحلِّقون على موائد الرصيف، وكان هنالك نباح كلب يأتي من مسافة..كانت تتحدّث بالهاتف وسرعان ما أنْهَت المكالمة لدي دخول بسام داوود الأسود..كان يحمل معه حقيبة رجل أعمال ويرتدي قميصًا أبيض ومعطفًا كحلي، مع سروال أسود، أبقى نظارته السوداء رغم الطقس الغائم..جلس مقابلاً لها، وعلت وجههُ ابتسامة صفراء..
˝أوليفيا˝
قال ذلك وهو يشير لنادل صغير السِنّ، أمْهَق البشرة، ضيق العينين، أقتربّ منه حالمّا لمح إشارته..
˝متى وصَلت َلوغانو؟˝
سألته المرأة السويسرية، وهي تُشير للنادل أن ينتظر لحظة..
˝الآن˝
أجابها وعادَ للنادل، طلب نبيذًا أحمر، التفتَ للمرأة يسألها بحِيرةٍ بدت على وجهه.
˝ماذا تأكلين؟˝
˝بيتزا˝
أجابتهُ.
عادَ للنادل وقال وهو يحُكّ ذقنه مفكرًا..
˝لا شيء، فقط نبيذ احمر˝
˝كنت على الهاتف منذ لحظة مع ناصر رجب، يواجه مشكلة انتهاء صلاحية جواز سفره، لهذا تأخر بالمجيء إلى ميلانو˝
بدت عليه العصبية، زفَر بحدّة وقال بنبرةٍ يائِسة..
˝هذا الأحمق لا يعرف كيف يتدَبر أمره بتاتًا، كيف تمكّن من الإثراء؟!
تنهّد ثانية واستدرك وهو ينظر لسيدة مُسِنّة دخلت المطعم وهي تواجه صعوبة في إغلاق مظلة المطر..
˝كيف تثقين به؟ ألا تخشين أن يورّطكِ؟˝
قطع تركيزه اصطدام إحدى النادلات بأحد الزبائن قادم من جهة الحمام كما يبدو، تصاعدَت رائحة شواء من الداخل، نظر الأسود إلى حقيبته بجانبه قربّ عمود الطاولة ثم التفت وراءه، وعاد ينظر للمرأة، كانت تحدّق بكوب القهوة أمامها..
˝أُفضل أن تسوي القضية معهم خارج المحكمة، مُجرّد ذهابكَ للمحاكمة سيشوِّش عليك، أنت تحت الأنظار منذ قضية الورق. اشْتر بعض المساهمين، وأضْمَن أنك ستكْسب أضعافًا لأنّني سأكون حرّة في عقد صفقات خارجية، دون إثارة الرأي العام في بلدك..˝
ارْجَع ظهره للوراء، قهقه بازدراءٍ وقال بنبرةِ مقت..
˝هؤلاء جشعون، لن يرضوا بالقليل، مع أنهم مفلسون ولا أصدق تعنتهم وعدم بيعهم للأسهم˝
وفجأة خرجت مُنفلِتة إحدى النادلات وهي تهرول، ولَحِق بها أحد الزبائن..انتصب بعض الرواد قربّ سياج المكان وراحوا يحدقون من النافذة بفضول ..
˝ماذا يجري في الخارج؟˝
سأل بسام الأسود باهتمام..
˝لوغانو أهدأ مكان على الأرض، لا تهتم˝
في الخارج كان يدور جدَل بين بعض الأفراد، وهناك على بعد مسافة أمتار بمحاذاة البحر طفق تجمعٌ يرْصدُ الأفق، كانت سيارات متنوِّعة تعبُر الشارع البحري من الجهتين، وثمّة أشخاصٌ يحاولون العبور، نحو الحشد الذي كان يتَطلَّع نحو لا شيء! الوقت قبل الغروب، والسماء غائِمة، ونسمات هواء باردة تُحرك أوراق الأشجار التي تساقط بعضها، صفراء على الأرض.
˝مجرّد وميضٍ خريفي من ذلك الذي يسْبقُ فترة تباين الفصول، الناس في المدينة الناعِسة، تهتم بتفاصيل رتيبة لعدمِ وجود ما يثير هنا، أي شيءٍ تافه ولو انتحار نحلة يحرك الناس!˝
قالت أوليفيا ذلك بنغمةٍ لا مبالية لدى انتهاء لقائهما.. وقبل أن ينفصلا عند واجهة رصيف المطعم، سأل الأسود أحد المارَّة، وفي نظرتهِ فضول تجاه بقايا التجمع عند مرفأ البحر، مقابل شارع رئيسي، لم تتوقف عليه حركة السيارات، بكلّا الاتجاهين..
˝يقال وميض شمسي حاد قصَف بعض من كانوا يتنزهون على الساحل˝
أجاب رجل متوسط العمر تبدو عليه ملامح جنوب آسيا..ثم مضى في سبيله.
˝غريب˝
قال الأسود بعدمِ مبالاة
˝ ما وجهُ الغرابة؟˝
سألَت أوليفيا روي وهي تهم بالانصراف وقد تدَلّت حقيبة بيضاء بكتفِها، فيما حمل الأسود حقيبة رجل الأعمال بيده اليسرى.
˝ألم تسمعِ منذ أيام خبر الصنداي تايمز؟˝!!
مطّت شفتيها، بمُجرّد مغادرتهِ، سارَت بتمَهُّلٍ نحو رصيف الشارع، توقفَت عند نافورة مياه، أشعلَت سيجارة، وتلفَّتَت حوْلها، لمحَت زوجين عجوزين، يقبِّلان بعضهما، بينما شابين مراهقين، يتشاجران برتابةٍ مُمِلّة، مقابلهما..بدت حائرة حتى نطَّ فجأة بجانبِها طفلٌ بسنِّ الخامسة أفلَتَ من يدِ والده الخمسيني العمر، الذي انْشغل بتَملُّقِ فتاة تصْغرهُ سنّا ونسي طفلهُ..تعلَّق بأوليفيا وخاطبَها ببراءةٍ ورأسه لفوْق يحدّق بها..
˝تشبهين جدتي˝
مطاردة هزيلة
بداية موْسِم خريفي، زخَرت فيه سماء مدينة ميلانو، بطقْسٍ رمادي اللون، ملأّت أرصفتها وريقاتٌ صفراء، بكثافةٍ، وفاحَت طرقاتها بنكهةِ الأشجار والأزهار، امْتزَجت بروائح عطر المارَّة من سكانها، صادف أحمد القرمزي، مرّة أخرى، غازي فلاح في ساحة ميركاتي تبعه خلال تجوّلهُ بشارع فيا دانتي، حتى حديقة بريرا! كان قد جَمدَ بالبدءِ في مكانه لومضةٍ خاطفة..شعر بأنهُ إن تأخر عن متابعتهِ سوف يتيه الرجل منهُ بزحْمة الشارع بذلك المساء الذي سبق غروب الشمس التي كانت في الأصلِ شحيحة منذ بداية النهار..
خرج القرمزي مرتديًا قميصًا أزرق قطنيًا سميكًا اعتقد أنه سيكْفيه بتلك الأمسية، حتى اصطدم ببرودة الطقس الغائم جزئيًا، كما شعر بضيقِ سرواله الجينز، ممّا زاده ضيقًا، ظنًا منه أنه ثَخُن، حتى تبيّن له أنّهُ بعد الغسْل يختلف ويضيق عن ارتدائه للمرّة الأولى، ما أزاح عنه شعور الاكتئاب المُباغت وصرف نظره عن العودّة للشَقّة، وفيما كان يمضي بالسيّر نحو مقهاه المسائي، في جوْلة قرّر خلالها الاكتفاء بالبطالة والبدء في العمل..فاجأه العقيد غازي فلاح يتمَشّى وقد ارتدي زيًا رياضيًا وبيده قارورة مياه صغيرة..بدا حيويًا نقيض المرّة السابقة التي صادفهُ فيها، ما أوْحَى إليه أن الرجل، لم يتلاشَ ضمير الجلاد منهُ..
كلمّا لمحهُ استيقظَت في رأسهِ صور ومشاهد وحوارات، جميعها مشحونةٌ بإهاناتٍ وإذلال أذاقهُ إياه لسنواتٍ..هل يريد الانتقام منه؟ أم مواجهته فقط والاكتفاء بتذكّيره..
˝لن أُسامحهُ بالطبع، وإلا محوْتُ ذاتي حين أتتني فرصة استعادتها˝
سار خلفه بخطواتٍ مُتلافي الاقتراب منه، كان قلبه يخفق كما في كلّ مرّة يراه، بل ولمُجرّد تذكّره، لا يعْرفُ الهدف من ملاحقتهِ، وإن كان يدفعه فضولٌ قوي، لمعْرفّة أينّ وصلَ الرجل في حياتهِ..كيف يعيش؟ ماذا يفعل؟ هل تغيّر؟ ما الذي يفعله في إيطاليا؟ هل هي صُدفة أن يتواجدا على أرضٍ واحدة بعد سنوات الجمْر؟ أو هو قدَرٌ أن يلقاه لتصفية حسابه معه..؟ لا يمكن للحياة أن تتناهَى بهما عند نقطة المُنْعطَف هذه إلا وقد رسَمَت هدفًا إلهيًا وربّمّا إنسانيًا من ذلك..هكذا فكَّر حين بلغ معه طرف الحديقة حيث توقَف الرجل، وتلفّت حوْلهُ ثم سار نحو البوابة، وهناك توقف..
أدرك القرمزي أنه لم يقْصدَ الحديقة النباتية التي كانت تفتح لفتراتٍ محدّدةٍ، من شهر سبتمبر حتى أكتوبر، برسومٍ أو مجانًا بحسَب الظّروف.. سبق له واستمتع مرّات عدّة بأجوائِها التي تعجُ بأشجارٍ وأزهار خيالية وبأشكالٍ غيْر مسبوقة، وثمّة قصر وتماثيل..ترك تفكّيره في الحديقة وشدّدَ انتباههُ إلى صاحبه الذي كان بالانتظار..
خلال دقائق، وصلت سيارة فولكس واجن صفراء، توَقَّفت عند رصيف الطريق، توجّه غازي فلاح نحوها..فتح الباب ووَلَجَ..لم يتحرك السائق بدا ثمّة حديث بينه وبين سائقها، بعد فترة خرج الاثنان، انتصبا بجانب السيارة وراحا يدخنان بصمتٍ..
برز سائق السيارة، شابٌ ثلاثيني، ذو وجه صغير مستطيل عظْميّ، وأنْف مدبّب يشبه حبّة الّلوْز، بشرته جافَة، لونها نبيذي فاتح، متوسّط القامَة، نحيف لدرجة الضمور ..تساءل في داخله عن هوية الشاب، وعلاقته بكهلٍ جلاد؟ كانت أفكاره تعود به إلى سجن دياره، فترة الجَمْر، ثم سرعان ما يتَسلّل شريطُ الأحداث ويفْسد عليه خياره بانتقاء ميلانو ملجأ راحة واسترخاء وعمل، ليلاحقه كابوسٌ فرَّ منه في الأصل ليتبعه إلى هنا، تذكّر ليلاف سعيد، وما روَتهُ له في إحدى فضْفضَتها الشجيّة، عن وجود جودت باور ضابط الجيش التركي.. الذي يعيش سرًا، تحت اسم مستعار، أنيس أبيك X وهو مُعذِبُها مع آلاف الأكراد خلال غزْو عفرين..
˝ترى تحت أي اسم مستعار، ينام غازي فلاح، هنا في ميلانو؟˝!!
تساءل وهو يُحدّق فيه وقد بدا بصحةٍ وحيوية، ولو تقوّس ظهره قليلاً، وتدلت كتفاه وظهر بسحنةِ النهاية، لكن ما فتِئ َتنبثق من عينيه، جمْرة التعذيب المجنون الذي سقاهُ إياه..
شعر، أنه أفْسَد مساءهُ بهذه المطاردة التي أحسَّ بها هزيلَة، ولن توْصلهُ إلى نتيجة، طالما ظلّ يكتفي بمطاردته كلمّا صادفه..
˝لابد من خطّة لمواجهتهِ˝
إلى متى سيظلّ يكتفي بتسْمِيم حياته حتى وهو هنا، هاربّا من كوابيس دياره، ليجد نفسه، في دوامة الماضي المُعْتم؟
مرّت خمس دقائق ولعلّها أكثر، دون حوار بين الاثنين، لكنه لمح في نهايتها، قيام السائق الشاب بتسليم ورقة صغيرة للجلاد، مقابل أوراق لم يتبيّن ماهيتها، إن كانت أوراقًا مالية، أو شيئًا آخر..عندما غادر السائق المكان، التفَّ فلاح منكفئًا من ذات الطريق..زَفَر القرمزي وتبعه..!
❞ يوميات حسن ونهى
#بقلم #الهام_احمدنيروزونيارنيار
حسن :اصحى يانهى كل ده نوم قومى علشان نتسحر
نهى اتسحروا انتوا أنا اش جعانه
حسن قومى يابرنسيسة علشان تجهزى السحور
نهى يوووو كل يوم تصحينى علشان أحضر السحور.
حسن معلش تعالى على نفسك زى جوزك برضوا اعتبرينى عيل من عيالك ياشيخة وقومى حضرى السحور.
نهى خلاص بقى صحيت اهوا ومسكت حسن من قفاه أنت ليه مش بتقعد ساكت مش قلت قمت اهوا.
حسن انتى اتجننيتى يانهى انتى ماسكنى كده ليه.
نهى مش أنت اللى قلت ياحسن.
حسن قلت إيه يامفترية عليكى ربنا إنا قلتلك تمسكينى كده وتزعقيلى.
نهى أيوه يا حسن انت فقدت الذاكرة ياحبيبى.
حسن منك لله روحى هتطلع اوعى إيدك قلتلك إيه 🤔
نهى سلامتك ياروحى قلتلى اعتبرينى عيل من عيالك يا حسن.
حسن تقومى ماسكنى زى الحرامية ياشيخة عليكى ربنا قومى يختى حضرى السحور.
نهى بس تده عونيا.
حسن بالله عليكى بلاش عونيا بتحصل بعدها بلاوى.
نهى كده ياحسن على طول ظالمنى إيه الظولم ده🙄
حسن خلاص حقك عليا بس حضرى السحور علشان الوقت.
نهى حاضر.
بعد نصف ساعة
نهى يلا ياحسن السحور جهز.
حسن تسلم ايدك يا روحى يلا بسم الله الرحمن الرحيم.
نهى هاه إيه رأيك.
حسن 😵😵😵😧😧
نهى مالك ياحبيبى عامل كده ليه كل ده من حلاوته.
حسن 😩😩😩😟😦😦
نهى يااااا للدرجة دى حلو.
حسن 😠😠😠😠😠
نهى هدوق بنفسى إيه ده 😠😠😠
بقلم نيروزونيارنيار
حسن قام يجرى على الحمام وهو ماسك بطنه .
نهى مهو طعمه حلو اهوا بس الشطة زيادة حبيتين ثلاثة.
الحق استخبى قبل حسن ما يرجع.
حسن رجع وهو ماسك بطنه وعلى وشه علامات الألم.نهههههههههههههههههههههههههى انتى فين يامصيبة حياتى.
نهى من تحت التربيزة روق يااخويا صحتك أش كده ما كنش قصدى ياحسن كنت فاكرة الفلفل بارد.
حسن ومن امتى وانتى بتحطى فلفل فى الأكل وانتى عارفة أنها بتتعبنى وتعملى مشاكل.
نهى ما كنتش فايق ياحسن ونسيت أهدى يا اخويا هيحصلك حاجه.
حسن أنا هادى ورايق اطلعى بقى لازم تاكلى عمايل ايديكى ياروحى.
نهى اخس عليك ياحسن ده بدل ما تقولى فداكى أى حاجه ولا تزعلى نفسكى عايز تضحى بيا وتاكلنى الأكل اللى كله شطة.
حسن انتى هتجلطينى يعنى عادى تأكلينى أنا الأكل ده اللى كله شطة وخايفة على نفسك ومش عايزة تاكليه.
نهى وأنا اللى كنت فاكرك بتحبنى وتعمل زى الافلام واضحى بروحى علشانك تعمل كده كنش العشم يا حسن.
حسن خلاص يا سندريلا المشهد خلص اطلعى بقى.
نهى بجد ياحسن عجبك تمثيلى.
حسن وهو ماسك بطنه آه يابطنى منك لله ما أنا كنت قاعد جنب امى باشا أنا اللى جبت ده كله لنفسى أنا اللى جبت ده كله لنفسى 😭😭😭😭😭 آه يابطنى .
نهى مالك ياحسن اعلش يا اخويا ما كنوش شوية شطة دول.
حسن آه ااااااااااااااااه دب.
نهى حسن قوم يا اخويا اعلش ياحسن اش هحط فلفل تانى.
قوم ياحبيبى مماعيش فلوس اجيب غيرك ياراجل.
حسن رفع رأسه من على الأرض منك لله يا نهى يمهل ولا يهمل آه يانا ياما آه ياما ياما 😭😭😭😭😭
تمت...
لو عجبتك ادعمنا بلايك وكومنت برايك لأن رأيك يهمنا وشير وميشن لأصدقائك ليصلك كل جديد.
#بقلم_الهام_احمدعبدالحليم #نيروزونيارنيار. ❝ ⏤إلهام احمد عبد الحليم (نيروزونيارنيار)
❞ يوميات حسن ونهى
#بقلم#الهام_احمدنيروزونيارنيار حسن :اصحى يانهى كل ده نوم قومى علشان نتسحر
نهى اتسحروا انتوا أنا اش جعانه
حسن قومى يابرنسيسة علشان تجهزى السحور
نهى يوووو كل يوم تصحينى علشان أحضر السحور.
حسن معلش تعالى على نفسك زى جوزك برضوا اعتبرينى عيل من عيالك ياشيخة وقومى حضرى السحور.
نهى خلاص بقى صحيت اهوا ومسكت حسن من قفاه أنت ليه مش بتقعد ساكت مش قلت قمت اهوا.
حسن انتى اتجننيتى يانهى انتى ماسكنى كده ليه.
نهى مش أنت اللى قلت ياحسن.
حسن قلت إيه يامفترية عليكى ربنا إنا قلتلك تمسكينى كده وتزعقيلى.
نهى أيوه يا حسن انت فقدت الذاكرة ياحبيبى.
حسن منك لله روحى هتطلع اوعى إيدك قلتلك إيه 🤔
نهى سلامتك ياروحى قلتلى اعتبرينى عيل من عيالك يا حسن.
حسن تقومى ماسكنى زى الحرامية ياشيخة عليكى ربنا قومى يختى حضرى السحور.
نهى بس تده عونيا.
حسن بالله عليكى بلاش عونيا بتحصل بعدها بلاوى.
نهى كده ياحسن على طول ظالمنى إيه الظولم ده🙄
حسن خلاص حقك عليا بس حضرى السحور علشان الوقت.
نهى حاضر.
بعد نصف ساعة
نهى يلا ياحسن السحور جهز.
حسن تسلم ايدك يا روحى يلا بسم الله الرحمن الرحيم.
نهى هاه إيه رأيك.
حسن 😵😵😵😧😧
نهى مالك ياحبيبى عامل كده ليه كل ده من حلاوته.
حسن 😩😩😩😟😦😦
نهى يااااا للدرجة دى حلو.
حسن 😠😠😠😠😠
نهى هدوق بنفسى إيه ده 😠😠😠
بقلم نيروزونيارنيار
حسن قام يجرى على الحمام وهو ماسك بطنه .
نهى مهو طعمه حلو اهوا بس الشطة زيادة حبيتين ثلاثة.
الحق استخبى قبل حسن ما يرجع.
حسن رجع وهو ماسك بطنه وعلى وشه علامات الألم.نهههههههههههههههههههههههههى انتى فين يامصيبة حياتى.
نهى من تحت التربيزة روق يااخويا صحتك أش كده ما كنش قصدى ياحسن كنت فاكرة الفلفل بارد.
حسن ومن امتى وانتى بتحطى فلفل فى الأكل وانتى عارفة أنها بتتعبنى وتعملى مشاكل.
نهى ما كنتش فايق ياحسن ونسيت أهدى يا اخويا هيحصلك حاجه.
حسن أنا هادى ورايق اطلعى بقى لازم تاكلى عمايل ايديكى ياروحى.
نهى اخس عليك ياحسن ده بدل ما تقولى فداكى أى حاجه ولا تزعلى نفسكى عايز تضحى بيا وتاكلنى الأكل اللى كله شطة.
حسن انتى هتجلطينى يعنى عادى تأكلينى أنا الأكل ده اللى كله شطة وخايفة على نفسك ومش عايزة تاكليه.
نهى وأنا اللى كنت فاكرك بتحبنى وتعمل زى الافلام واضحى بروحى علشانك تعمل كده كنش العشم يا حسن.
حسن خلاص يا سندريلا المشهد خلص اطلعى بقى.
نهى بجد ياحسن عجبك تمثيلى.
حسن وهو ماسك بطنه آه يابطنى منك لله ما أنا كنت قاعد جنب امى باشا أنا اللى جبت ده كله لنفسى أنا اللى جبت ده كله لنفسى 😭😭😭😭😭 آه يابطنى .
نهى مالك ياحسن اعلش يا اخويا ما كنوش شوية شطة دول.
حسن آه ااااااااااااااااه دب.
نهى حسن قوم يا اخويا اعلش ياحسن اش هحط فلفل تانى.
قوم ياحبيبى مماعيش فلوس اجيب غيرك ياراجل.
حسن رفع رأسه من على الأرض منك لله يا نهى يمهل ولا يهمل آه يانا ياما آه ياما ياما 😭😭😭😭😭
تمت..
لو عجبتك ادعمنا بلايك وكومنت برايك لأن رأيك يهمنا وشير وميشن لأصدقائك ليصلك كل جديد.
#بقلم_الهام_احمدعبدالحليم#نيروزونيارنيار. ❝