و ذلك الإحساس بالمسئولية و بأننا مدينون أمام ذات عُليا ..
و ذلك الإحساس العميق في لحظات الوحدة و الهجر .. بأننا لسنا وحدنا و إنما نحن في معيّة غيبية و في أُنس خفي و أن هناك يداً خفية سوف تنتشلنا ، و ذاتاً عُليا سوف تُلهِمُنا ، و رُكناً شديداً سوف يحمينا ، و عظيماً سوف يتداركنا ..
فذلك هو الدين في أصله و حقيقته .
و ما تبَقى بعد ذلك من أوامر و نواه و حرام و حلال و أحكام و عبادات هي تفاصيل و نتائج و موجبات لهذا الحب القديم .
و لكن الحب هو رأس القضية .. و إذا غاب ذلك الحب ، فإن كل العبادات و الطاعات لن تصنع ديناً و لن تصنع متديناً مسلماً كان أو مسيحياً أو يهودياً. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ ذلك الرباط الخفيّ من الحنين لماضٍ مجهول ..
و ذلك الإحساس بالمسئولية و بأننا مدينون أمام ذات عُليا ..
و ذلك الإحساس العميق في لحظات الوحدة و الهجر .. بأننا لسنا وحدنا و إنما نحن في معيّة غيبية و في أُنس خفي و أن هناك يداً خفية سوف تنتشلنا ، و ذاتاً عُليا سوف تُلهِمُنا ، و رُكناً شديداً سوف يحمينا ، و عظيماً سوف يتداركنا ..
فذلك هو الدين في أصله و حقيقته .
و ما تبَقى بعد ذلك من أوامر و نواه و حرام و حلال و أحكام و عبادات هي تفاصيل و نتائج و موجبات لهذا الحب القديم .
و لكن الحب هو رأس القضية .. و إذا غاب ذلك الحب ، فإن كل العبادات و الطاعات لن تصنع ديناً و لن تصنع متديناً مسلماً كان أو مسيحياً أو يهودياً . ❝
هل جلسـت على كرسي طبيب الأسنان و فتحت فمك و أسلمته نفسك ليحقنك بالبنج .. ثم بدأت تتفرج عليه و هو يقتلع ضرسك من جذوره و يُخرجه بيده مغموساً بالدم .. و أنت تتفرج عليه في فضول و كأنه ضرس رجل آخر .. و قد مات شعورك تماماً .. ؟؟
إن منظر الجراح و هو يحاصر الجلد بالبنج ثم يقصه في هدوء كأنه يقص قطعة من الصوف الإنجليزي .. منظر غريب ..
و الأغرب منه منظر المريض و هو يتابع هذه العملية في دهشة .. و ينظر إلى جلده و المقص يقطع فيه بلا ألم .. و كأنه جلد رجل آخر لا يعرفه .. و ينظر إلى جسمه و كأنه ليس جسمه .. و ينظر إلى نفسه .. و كأنه شيء آخر غير ما هو عليه .
إنه يسأل نفسه :
مَنْ أنا .. ؟
أنا لا يمكن أن أكون ذلك الشيء الذي يقطعه الطبيب .. و يقصه و يرقعه .
أنا لست ذلك الجسم الذي يبتره الجراح .. أنا لست الشعور الذي مات .
أنا لست موضوع تلك العملية .
أنا مجرد متفرج على ذلك الشيء الموضوع على المائدة .
و هو إلهام صحيح تماماً .
إن الإنسان ليس موضوعاً .. و لا يمكن إحالته إلى موضوع يُنظَر إليه من خارج كما يُنظَر إلى خريطة جغرافية .
الإنسان هو الآخر له أعماق " جوانية " لا تحيط بها النظرة الموضوعية .
الإنسان داخله نهر من الأفكار و المشاعر .. متجدد .. متدفق بغير حدود ..
نهر من الأسرار .. غير مكشوف لأحد سواه هو .. و لا شيء يبدو من هذا النهر من خارجه .. و لا يمكن أن تحيط به نظرة موضوعية .
و أنت حينما تتخذ من الإنسان موضوعاً .. يفقد في يدك الحياة .. و يفقد الوحدة .. و يتفكك و يتحول إلى جسد .. إلى مادة تشريح .. إلى شيء .. أي شيء إلا الإنسان الذي تقصده .
واقع الإنسان المرئي الظاهر .. ليس هو الإنسان .. إنه إفرازه .
و العلم يتحسس الإنسان من خارجه فقط .. يفحص بوله و دمه و نخاعه و عرقه و لعابه .. يفحص إفرازاته .
و هو لا يستطيع أن يخطو عبر هذا المظهر .. إلا بالإستنتاج .
و لكن الفن يستطيع أن يدخل الإنسان عبر العقل و المنطق ليخاطبه من داخله .. ليخاطب مكمن الأسرار فيه مباشرة و كذلك الدين .. و الحب ..
لحظة الحب و الوجد .. مثل لحظة الكشف و الإلهام .. تتكاشف فيها القلوب بلا وساطة .
السر يخاطب السر .
و أنا أؤمن بالعِلم .. و لكني لا أكتفي به .
و أؤمن بالحواس الست .. و لكني لا أكتفي بها .
و أعتقد أن الطبيعة يكتنفها السر .
و أن الحقيقة مغلقة أمام كل محاولة لكشفها بالرادار و الترمومتر و المِجهر وحده .
و أن الطبيعة في ضوء العلم وحده كابوس حقيقي ..
و الحياة بالمنطق وحده سخافة ..
و الواقع بالنظرة الموضوعية مسطح تماماً .
الطبيعة بدون شِعر .. و بدون موسيقى .. غير طبيعية .
هل هي رومانتيكية الرجل الشرقي ؟
نعم أعتقد أني رجل شرقي تماماً .
و لا أعتذر من أجل شرقيتي .
من كتاب / تأملات في دنيا الله
للدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ هل جربــت البنج الموضعـي ؟؟
هل جلسـت على كرسي طبيب الأسنان و فتحت فمك و أسلمته نفسك ليحقنك بالبنج .. ثم بدأت تتفرج عليه و هو يقتلع ضرسك من جذوره و يُخرجه بيده مغموساً بالدم .. و أنت تتفرج عليه في فضول و كأنه ضرس رجل آخر .. و قد مات شعورك تماماً .. ؟؟
إن منظر الجراح و هو يحاصر الجلد بالبنج ثم يقصه في هدوء كأنه يقص قطعة من الصوف الإنجليزي .. منظر غريب ..
و الأغرب منه منظر المريض و هو يتابع هذه العملية في دهشة .. و ينظر إلى جلده و المقص يقطع فيه بلا ألم .. و كأنه جلد رجل آخر لا يعرفه .. و ينظر إلى جسمه و كأنه ليس جسمه .. و ينظر إلى نفسه .. و كأنه شيء آخر غير ما هو عليه .
إنه يسأل نفسه :
مَنْ أنا .. ؟
أنا لا يمكن أن أكون ذلك الشيء الذي يقطعه الطبيب .. و يقصه و يرقعه .
أنا لست ذلك الجسم الذي يبتره الجراح .. أنا لست الشعور الذي مات .
أنا لست موضوع تلك العملية .
أنا مجرد متفرج على ذلك الشيء الموضوع على المائدة .
و هو إلهام صحيح تماماً .
إن الإنسان ليس موضوعاً .. و لا يمكن إحالته إلى موضوع يُنظَر إليه من خارج كما يُنظَر إلى خريطة جغرافية .
الإنسان هو الآخر له أعماق " جوانية " لا تحيط بها النظرة الموضوعية .
الإنسان داخله نهر من الأفكار و المشاعر .. متجدد .. متدفق بغير حدود ..
نهر من الأسرار .. غير مكشوف لأحد سواه هو .. و لا شيء يبدو من هذا النهر من خارجه .. و لا يمكن أن تحيط به نظرة موضوعية .
و أنت حينما تتخذ من الإنسان موضوعاً .. يفقد في يدك الحياة .. و يفقد الوحدة .. و يتفكك و يتحول إلى جسد .. إلى مادة تشريح .. إلى شيء .. أي شيء إلا الإنسان الذي تقصده .
واقع الإنسان المرئي الظاهر .. ليس هو الإنسان .. إنه إفرازه .
و العلم يتحسس الإنسان من خارجه فقط .. يفحص بوله و دمه و نخاعه و عرقه و لعابه .. يفحص إفرازاته .
و هو لا يستطيع أن يخطو عبر هذا المظهر .. إلا بالإستنتاج .
و لكن الفن يستطيع أن يدخل الإنسان عبر العقل و المنطق ليخاطبه من داخله .. ليخاطب مكمن الأسرار فيه مباشرة و كذلك الدين .. و الحب ..
لحظة الحب و الوجد .. مثل لحظة الكشف و الإلهام .. تتكاشف فيها القلوب بلا وساطة .
السر يخاطب السر .
و أنا أؤمن بالعِلم .. و لكني لا أكتفي به .
و أؤمن بالحواس الست .. و لكني لا أكتفي بها .
و أعتقد أن الطبيعة يكتنفها السر .
و أن الحقيقة مغلقة أمام كل محاولة لكشفها بالرادار و الترمومتر و المِجهر وحده .
و أن الطبيعة في ضوء العلم وحده كابوس حقيقي ..
و الحياة بالمنطق وحده سخافة ..
و الواقع بالنظرة الموضوعية مسطح تماماً .
الطبيعة بدون شِعر .. و بدون موسيقى .. غير طبيعية .
هل هي رومانتيكية الرجل الشرقي ؟
نعم أعتقد أني رجل شرقي تماماً .
و لا أعتذر من أجل شرقيتي .
من كتاب / تأملات في دنيا الله
للدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝
❞ لا يكتمل إيمان المرء حتى يدرك أن كل ما يحدث له من خير وشر هو شفرة يقول بها الله شيئًا ،
وهمسة يهمس بها في أذنه .
وإن يكن الميكروب هو الذي يُمرض في الظاهر،
فإن الله هو الذي أرسل الميكوب وكلفه بما فعل في الحقيقة،
فلا شيء يحدث في الكون خلسة من وراء خالق الكون ..
وطفيل الملاريا في فم البعوضة جاء مكلفًا ..
والسقف انهار على السكان فعل ذلك بميقات معلوم وكان من الممكن أن ينهار والبيت خال من سكانه ولكنه فعلها وهم نيام ، فقتلهم في ميقات معلوم ولم يقتل الرضيع في حضن أمه لحكمه مراده .. واللبيب هو من يفهم الإشارة
ويلتقط العبارة.
والمرض سجن وهو أحيانًا سجن مؤقت وأحيانًا سجن طويل وأحيانًا سجن مؤبد ، والسجين الملهم هو الذي يعرف لماذا أصدر الله أمرًا بسجنه ولماذا خفف عنه الحكم ولماذا عفا عنه .. فالخلية السرطانية لا تنشط إلا بأمر من ربها ولا تتوقف إلا بأمر آخر منه . والجينات التي تحكم الخلية هي مجرد أسباب ظاهرة .. ولا يعلم أحد إلى الآن لماذا يكمن الجين
و ينام ولماذا يصحو ويدمر ومتى يفعل هذا
ومتى يفعل ذاك ؟
والمؤمن يرد كل شيء إلى مشيئة ربه و يراه ممسكاً بمقاليد كل شيء ويرى بيده حركات الذرة والمجرة والفلك الأعظم وما فيه ومن فيه .
ويراه المُريد الأوحد فوق إرادات كل المريدين ، ويرى كل ما يجري عليه من مقادير .. رسالة خاصة .. وشفرة يخاطبه بها ، ويرى كل شر يصيبه .. في باطنه خير .. وكل بلاء ينزل به في مضمونه حكمة .. إن لم تظهر الآن فسوف تظهر غداً
أو بعد غد .. ذلك هو الرحمٰن جل جلاله الذي قال .. سبقت رحمتي غضبي.
من كتاب / تأملات في دنيا الله
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ لا يكتمل إيمان المرء حتى يدرك أن كل ما يحدث له من خير وشر هو شفرة يقول بها الله شيئًا ،
وهمسة يهمس بها في أذنه .
وإن يكن الميكروب هو الذي يُمرض في الظاهر،
فإن الله هو الذي أرسل الميكوب وكلفه بما فعل في الحقيقة،
فلا شيء يحدث في الكون خلسة من وراء خالق الكون ..
وطفيل الملاريا في فم البعوضة جاء مكلفًا ..
والسقف انهار على السكان فعل ذلك بميقات معلوم وكان من الممكن أن ينهار والبيت خال من سكانه ولكنه فعلها وهم نيام ، فقتلهم في ميقات معلوم ولم يقتل الرضيع في حضن أمه لحكمه مراده .. واللبيب هو من يفهم الإشارة
ويلتقط العبارة.
والمرض سجن وهو أحيانًا سجن مؤقت وأحيانًا سجن طويل وأحيانًا سجن مؤبد ، والسجين الملهم هو الذي يعرف لماذا أصدر الله أمرًا بسجنه ولماذا خفف عنه الحكم ولماذا عفا عنه .. فالخلية السرطانية لا تنشط إلا بأمر من ربها ولا تتوقف إلا بأمر آخر منه . والجينات التي تحكم الخلية هي مجرد أسباب ظاهرة .. ولا يعلم أحد إلى الآن لماذا يكمن الجين
و ينام ولماذا يصحو ويدمر ومتى يفعل هذا
ومتى يفعل ذاك ؟
والمؤمن يرد كل شيء إلى مشيئة ربه و يراه ممسكاً بمقاليد كل شيء ويرى بيده حركات الذرة والمجرة والفلك الأعظم وما فيه ومن فيه .
ويراه المُريد الأوحد فوق إرادات كل المريدين ، ويرى كل ما يجري عليه من مقادير .. رسالة خاصة .. وشفرة يخاطبه بها ، ويرى كل شر يصيبه .. في باطنه خير .. وكل بلاء ينزل به في مضمونه حكمة .. إن لم تظهر الآن فسوف تظهر غداً
أو بعد غد .. ذلك هو الرحمٰن جل جلاله الذي قال .. سبقت رحمتي غضبي.
من كتاب / تأملات في دنيا الله
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝