❞ أتخيل نَاس لا وجود لها، وكُنت أتمنا لو كانو حقيقين، لكن كان مجرد خيال وحلم، ولا أريد أن أستيقظ أحاول أن استيقظ لكن، لا جدوه لى أنني لا أفهم هل هذا حلم أم خيال؟، لا هذا ليس حُلم أنني لست سعيدة أريد، أن أسعد هذا وهم كان لدي حلم، ليس لدي أصدقاء لقد تخلو عني، لم يصبح أحدًا معي وأصبحت وحيده لما أنا؟، أصبحت حزينة وليست مقيده، وحاول انا أسعد ليس من ضرورى الفرح ولكن؛ الحلم سوف يصبح حقيقي واقع كان لدي شعور الخوف خائفه من كل شي ولكن كنت أحاول أن أبتعد عنه!. ك/حبيبه ياسر عويضه. ❝ ⏤habiba ewida
❞ أتخيل نَاس لا وجود لها، وكُنت أتمنا لو كانو حقيقين، لكن كان مجرد خيال وحلم، ولا أريد أن أستيقظ أحاول أن استيقظ لكن، لا جدوه لى أنني لا أفهم هل هذا حلم أم خيال؟، لا هذا ليس حُلم أنني لست سعيدة أريد، أن أسعد هذا وهم كان لدي حلم، ليس لدي أصدقاء لقد تخلو عني، لم يصبح أحدًا معي وأصبحت وحيده لما أنا؟، أصبحت حزينة وليست مقيده، وحاول انا أسعد ليس من ضرورى الفرح ولكن؛ الحلم سوف يصبح حقيقي واقع كان لدي شعور الخوف خائفه من كل شي ولكن كنت أحاول أن أبتعد عنه!.
❞ اهتمت الدولة الإسلامية التي انشأها النبي محمد واستمرت تحت مسمى الخلافة في الفترات الأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام كدين عالمي يحض على طلب العلم ويعتبرهُ فريضة على كل مسلم ومسلمة، لتنهض أممه وشعوبه. فأي علم مقبول باستثناء العلم الذي يخالف قواعد الإسلام ونواهيه. والإسلام يكر...م العلماء ويجعلهم ورثة الأنبياء. وتتميز الحضارة الإسلامية بالتوحيد والتنوع العرقي في الفنون والعلوم والعمارة طالما لاتخرج عن نطاق القواعد الإسلامية. لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام. وكانت الفلسفة يخضعها الفلاسفة المسلمون للقواعد الأصولية مما أظهر علم الكلام الذي يعتبر علماً في الإ لهيات. فترجمت أعمالها في أوروبا وكان له تأثيره في ظهور الفلسفة الحديثة وتحرير العلم من الكهنوت الكنسي فيما بعد. مما حقق لأوربا ظهور عصر النهضة بها. لهذا لما دخل الإسلام هذه الشعوب لم يضعها في بيات حضاري ولكنه أخذ بها ووضعها على المضمار الحضاري لتركض فيه بلا جامح بها أو كابح لها. وكانت مشاعل هذه الحضارة الفتية تبدد ظلمات الجهل وتنير للبشرية طريقها من خلال التمدن الإسلامي. فبينما كانت الحضارة الإسلامية تموج بديار الإسلام من الأندلس غربا لتخوم الصين شرقا في عهد الدولة الأموية كانت أوروبا وبقية أنحاء المعمورة تعيش في جهل وظلام حضاري. وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه. فنهل منها معارفه وبهر بها لأصالتها المعرفية والعلمية. مما جعله يشعر بالدونية الحضارية. فثار على الكهنوت الديني ووصاية الكنيسة وهيمنتها على الفكر الإسلامي حتى لا يشيع. لكن رغم هذا التعتيم زهت الحضارة الإسلامية وشاعت. وأنبهر فلاسفة وعلماء أوروبا من هذا الغيث الحضاري الذي فاض عليهم. فثاروا على الكنيسة وتمردوا عليها وقبضوا على العلوم الإسلامية كمن يقبض على الجمر خشية هيمنة الكنيسة التي عقدت لهم محاكم التفتيش والإحراق. ولكن الفكر الإسلامي تمكن منهم وأصبحت الكتب الإسلامية التراثية والتي خلفها عباقرة الحضارة الإسلامية فكراً شائعاً ومبهراً. فتغيرت أفكار الغرب وغيرت الكنيسة من فكرها ومبادئها المسيحية لتسايرالتأثير الإسلامي على الفكر الأوربي وللتصدي للعلمانيين الذين تخلوا عن الفكر الكنسي وعارضوه وانتقدوه علانية. وظهرت المدارس الفلسفية الحديثة في عصر النهضة أو التنوير في أوروبا كصدى لأفكار الفلاسفة العرب. وظهرت مدن تاريخية في ظلال الحكم الإسلامي كالكوفة وحلب والبصرة وبغداد ودمشق والقاهرة والرقة والفسطاط والعسكر والقطائع والقيروان وفاس ومراكش والمهدية والجزائر وغيرها. كما خلفت الحضارة الإسلامية مدنا متحفية تعبر عن العمارة الإسلامية كإستانبول بمساجدها ودمشق والقاهرة بعمائرها الإسلامية وحلب وبخارى وسمرقند ودلهي وحيدر أباد وقندهار وبلخ وترمذ وغزنة وبوزجان وطليطلة وقرطبة وإشبيلية ومرسية وسراييفو وأصفهان وتبريز ونيقيا وغيرها من المدن الإسلامية. ❝ ⏤حسن ابراهيم حسن
❞ اهتمت الدولة الإسلامية التي انشأها النبي محمد واستمرت تحت مسمى الخلافة في الفترات الأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام كدين عالمي يحض على طلب العلم ويعتبرهُ فريضة على كل مسلم ومسلمة، لتنهض أممه وشعوبه. فأي علم مقبول باستثناء العلم الذي يخالف قواعد الإسلام ونواهيه. والإسلام يكر..م العلماء ويجعلهم ورثة الأنبياء. وتتميز الحضارة الإسلامية بالتوحيد والتنوع العرقي في الفنون والعلوم والعمارة طالما لاتخرج عن نطاق القواعد الإسلامية.
لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام. وكانت الفلسفة يخضعها الفلاسفة المسلمون للقواعد الأصولية مما أظهر علم الكلام الذي يعتبر علماً في الإ لهيات. فترجمت أعمالها في أوروبا وكان له تأثيره في ظهور الفلسفة الحديثة وتحرير العلم من الكهنوت الكنسي فيما بعد. مما حقق لأوربا ظهور عصر النهضة بها. لهذا لما دخل الإسلام هذه الشعوب لم يضعها في بيات حضاري ولكنه أخذ بها ووضعها على المضمار الحضاري لتركض فيه بلا جامح بها أو كابح لها. وكانت مشاعل هذه الحضارة الفتية تبدد ظلمات الجهل وتنير للبشرية طريقها من خلال التمدن الإسلامي. فبينما كانت الحضارة الإسلامية تموج بديار الإسلام من الأندلس غربا لتخوم الصين شرقا في عهد الدولة الأموية كانت أوروبا وبقية أنحاء المعمورة تعيش في جهل وظلام حضاري.
وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه. فنهل منها معارفه وبهر بها لأصالتها المعرفية والعلمية. مما جعله يشعر بالدونية الحضارية. فثار على الكهنوت الديني ووصاية الكنيسة وهيمنتها على الفكر الإسلامي حتى لا يشيع. لكن رغم هذا التعتيم زهت الحضارة الإسلامية وشاعت. وأنبهر فلاسفة وعلماء أوروبا من هذا الغيث الحضاري الذي فاض عليهم. فثاروا على الكنيسة وتمردوا عليها وقبضوا على العلوم الإسلامية كمن يقبض على الجمر خشية هيمنة الكنيسة التي عقدت لهم محاكم التفتيش والإحراق. ولكن الفكر الإسلامي تمكن منهم وأصبحت الكتب الإسلامية التراثية والتي خلفها عباقرة الحضارة الإسلامية فكراً شائعاً ومبهراً.
فتغيرت أفكار الغرب وغيرت الكنيسة من فكرها ومبادئها المسيحية لتسايرالتأثير الإسلامي على الفكر الأوربي وللتصدي للعلمانيين الذين تخلوا عن الفكر الكنسي وعارضوه وانتقدوه علانية. وظهرت المدارس الفلسفية الحديثة في عصر النهضة أو التنوير في أوروبا كصدى لأفكار الفلاسفة العرب. وظهرت مدن تاريخية في ظلال الحكم الإسلامي كالكوفة وحلب والبصرة وبغداد ودمشق والقاهرة والرقة والفسطاط والعسكر والقطائع والقيروان وفاس ومراكش والمهدية والجزائر وغيرها. كما خلفت الحضارة الإسلامية مدنا متحفية تعبر عن العمارة الإسلامية كإستانبول بمساجدها ودمشق والقاهرة بعمائرها الإسلامية وحلب وبخارى وسمرقند ودلهي وحيدر أباد وقندهار وبلخ وترمذ وغزنة وبوزجان وطليطلة وقرطبة وإشبيلية ومرسية وسراييفو وأصفهان وتبريز ونيقيا وغيرها من المدن الإسلامية. ❝
❞ **أهوى كل ما يعود للزمن القديم** أهوى كل ما يعود للزمن القديم، سواء كان العصر الفيكتوري أو التسعينات. أعشق تفاصيل الأزمنة القديمة وبساطتها ورقتها. تشدني هذه التفاصيل الجميلة، كنت اتمنى لو كنت مُخترعة لكنت سأخترع آلة زمنية تأخذني الى تلك الازمنة الجميلة التي تخلو من مواقع التواصل الاجتماعي وما سببته من سلبيات .. ❝ ⏤مروچ محمد عروق
❞
**أهوى كل ما يعود للزمن القديم**
أهوى كل ما يعود للزمن القديم، سواء كان العصر الفيكتوري أو التسعينات. أعشق تفاصيل الأزمنة القديمة وبساطتها ورقتها. تشدني هذه التفاصيل الجميلة، كنت اتمنى لو كنت مُخترعة لكنت سأخترع آلة زمنية تأخذني الى تلك الازمنة الجميلة التي تخلو من مواقع التواصل الاجتماعي وما سببته من سلبيات. ❝
❞ إن تمسكنا بالعادات نفسها هو سبب رئيسي للإحباط العارم الذي يقطُننا. حياة الكثير منا تخلو من التجارب الجديدة والمغامرات المثيرة. هذه التجارب هي التي تمدّنا بتحدّيات وفرص جديدة لم نكن نحلم بها مُبكراً. ❝ ⏤عبد الله المغلوث
❞ إن تمسكنا بالعادات نفسها هو سبب رئيسي للإحباط العارم الذي يقطُننا. حياة الكثير منا تخلو من التجارب الجديدة والمغامرات المثيرة. هذه التجارب هي التي تمدّنا بتحدّيات وفرص جديدة لم نكن نحلم بها مُبكراً. ❝
❞ و كان أول لقاء لي مع القرآن و أنا في الرابعة من العمر طفلا أجلس في صف بين عدة صفوف في كتاب الشيخ ( محمود ) أحملق في بلاهة إلى سبورة و إلى مؤشر يتحرك في يد الشيخ على كلمات منقوشة بالطباشير و هو يتلو.. (( و الضحى و الليل إذا سجى )).. فنردد خلفه في آلية.. (( و الضحى و الليل إذا سجى )).. لا نفهم من الكلام حرفاً.. و لا نعلم ما الضحى و لا كيف سجى.. و لكننا نردد مجرد مقاطع و مخارج حروف. و كان عقلي آنذاك صفحة بيضاء نقية لم يُكتَب عليها شيء، و لم تتلق تأثيراً تربوباً خاصاً ، فقد نشأت في أسرة كل فرد فيها متروك لحاله.. يحب ما يحب ، و يكره ما يكره ، و يلعب حتى يشبع لعباً ، و أذكر أني رسبت في السنة الأولى ثلاث سنوات دون أن أتلقى تعنيفاً.. و كان الصفر بالقلم الأحمر يزين كل صفحة من كراساتي مرة بعد مرة فلا يثير إلا الضحك. و كانوا إذا سألوني ماذا أخذت اليوم، كنت أقول اختصاراً للمهزلة و حتى لا أعود إلى شرح حكاية الصفر اليومي التي أصبحت بالنسبة لي مملة.. كنت أقول.. زي العادة.. و كانوا يضحكون. هكذا كانت تجري الأمور في بيتنا، لا إرغام على مذاكرة و لا قهر على تدين.. و إنما لكلٍ حياته.. و على كلٍ تبعته. لم نعرف غسيل المخ الذي عرفه كثير من الأطفال في أسر متزمتة تحشر العلم و الدين حشراً في عقول أطفالها بالكرباج و العصا. كنت إذن أتلقى أول عبارة من القرآن بذهن أبيض تماماً و دون تأثير مسبق مثلما أتلقى دروس الحساب و الجغرافيا و الإنشاء. و كما بهرتني حكاية الكرة الأرضية المدورة و القارات كالجزر سابحة فيها، و كما بهرتني حكاية القمر يدور حول الأرض، و الأرض حول الشمس.. و الكل معلق في السماء، كذلك فعل بي القرآن شيئاً. و أحار في وصف الشعور الذي تلقيت به أول عبارة من القرآن. و لا أجد الكلمات لتشرح هذا النوع من الاستقبال النفسي الغامض.. و كيف كانت الكلمات تعود من تلقاء نفسها فتراود سمعي و ذاكرتي و أنا وحدي فأراني أردد بلا صوت.. (( و الضحى و الليل إذا سجى )). و تقتحم علي العبارة القرآنية سكون طفولتي فأتذكر في ظلام الليل إلقاء الشيخ و هو يردد: (( و جاء من أقصى المدينة رجلٌ يسعى )). تسعى العبارة إلى خيالي و كأنها مخلوق حي مستقل له حياته الخاصة. و قطعاً أنا لم أكن أعلم ما الضحى و لا كيف سجى الليل.. و لا من هو الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى. و لعل المقاطع كانت تتردد في سمعي أشبه بمقاطع سلم موسيقي.. ( صول لا سي دو ري مي فا ).. مجرد حروف لا معنى لها و لا وقع سوى مدلولها الموسيقي.. مجرد نغم و مازورات موسيقية و إيقاع يطرب الوجدان. نعم.. لقد اكتشفت منذ تلك الطفولة البعيدة دون أن أدري حكاية الموسيقى الداخلية الباطنة في العبارة القرآنية. و هذا سر من أعمق الأسرار في التركيب القرآني.. إنه ليس بالشعر و لا بالنثر و لا بالكلام المسجوع.. و إنما هو معمار خاص من الألفاظ صُفَّت بطريقة تكشف عن الموسيقى الباطنة فيها. و فرق كبير بين الموسيقى الباطنة و الموسيقى الظاهرة. و كمثل نأخذ بيتا لشاعر مثل ( عمر بن أبي ربيعة ) اشتهر بالموسيقى في شعره.. البيت الذي ينشد فيه: قال لي صاحبي ليعلم ما بي أتحب القتول أخت الرباب أنت تسمع و تطرب و تهتز على الموسيقى.. و لكن الموسيقى هنا خارجية صنعها الشاعر بتشطير الكلام في أشطار متساوية ثم تقفيل كل عبارة تقفيلا واحدا على الباء الممدودة. الموسيقى تصل إلى أذنك من خارج العبارة و ليس من داخلها. من التقفيلات ( القافية ).. و من البحر و الوزن.. أما حينما تتلو: (( وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) )) [ الضحى ] فأنت أمام شطرة واحدة.. و هي بالتالي تخلو من التقفية و الوزن و التشطير، و مع ذلك فالموسيقى تقطر من كل حرف فيها.. من أين ؟ و كيف ؟ هذه هي الموسيقى الداخلية. الموسيقى الباطنة. سر من أسرار المعمار القرآني لا يشاركه فيه أي تركيب أدبي. و كذلك حينما تقول: (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) )) [ طه ] و حينما تتلو كلمات زكريا لربه: (( قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) )) [ مريم ] أو كلمة الله لموسى: (( إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) )) [ طه ] أو كلمته تعالى و هو يتوعد المجرمين: ((إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى (74) )) [ طه ] كل عبارة بنيان موسيقي قائم بذاته تنبع فيه الموسيقى من داخل الكلمات و من ورائها و من بينها بطريقة محيرة لا تدري كيف تتم. و حينما يروي القرآن حكاية موسى بذلك الأسلوب ( السيمفوني ) المذهل: (( وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79) )) [ طه ] كلمات في غاية الرقة مثل (( يبساً )) أو لا تخاف (( دركاً )) بمعنى لا تخاف إدراكاً. إن الكلمات تذوب في يد خالقها و تصطف و تتراص في معمار و رصف موسيقي فريد هو نسيج وحده بين كل ما كتب بالعربية سابقاً و لاحقاً. لا شبه بينه و بين الشعر الجاهلي، و لا بينه و بين الشعر و النثر المتأخر، و لا محاولة واحدة للتقليد حفظها لنا التاريخ برغم كثرة الأعداء الذين أرادوا الكيد للقرآن. في كل هذا الزحام تبرز العبارة القرآنية منفردة بخصائصها تماما.. و كأنها ظاهرة بلا تبرير و لا تفسير سوى أن لها مصدرا آخر غير ما نعرف. اسمع هذا الإيقاع المنغم الجميل: (( رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15) )) [ غافر ] (( فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ (95) )) [ الأنعام ] (( فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا.. (96) )) [ الأنعام ] (( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) )) [ غافر ] ((لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ.. (103) )) [ الأنعام ] (( وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا.. (89) )) [ الأعراف ] ثم هذه العبارة الجديدة في تكوينها و صياغتها.. العميقة في معناها و دلالتها على العجز عن إدراك كنه الخالق: ((عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) )) [ الرعد ] (( يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13) )) [ الرعد ] ثم هذا الاستطراد في وصف القدرة الإلهية: (( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (59) )) [ الأنعام ] و لكن الموسيقى الباطنية ليست هي كل ما انفردت به العبارة القرآنية، و إنما مع الموسيقى صفة أخرى هي الجلال. و في العبارة البسيطة المقتضبة التي روى بها الله نهاية قصة الطوفان تستطيع أن تلمس ذلك الشيء (( الهائل )) (( الجليل )) في الألفاظ: ((وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) )) [ هود ] تلك اللمسات الهائلة.. كل لفظ له ثقل الجبال و وقع الرعود.. تنزل فإذا كل شيء، صمت.. سكون، هدوء، و قد كفت الطبيعة عن الغضب و وصلت القصة إلى ختامها: ((وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) )) [ هود ] إنك لتشعر بشيء غير بشري تماما في هذه الألفاظ الهائلة الجليلة المنحوتة من صخر صوان و كأن كل حرف فيها جبل الألب. لا يمكنك أن تغير حرفا، أو تستبدل كلمة بأخرى، أو تؤلف جملة مكان جملة، تعطي نفس الإيقاع و النغم و الحركة و الثقل و الدلالة.. و حاول و جرب لنفسك في هذه العبارة البسيطة ذات الكلمات العشر أن تغير حرفا أو تستبدل كلمة بكلمة. و لهذا وقعت العبارة القرآنية على آذان عرب الجاهلية الذين عشقوا الفصاحة و البلاغة وقع الصاعقة. و لم يكن مستغربا من جاهلي مثل الوليد بن المغيرة عاش و مات على كفره أن يذهل، و ألا يستطيع أن يكتم إعجابه بالقرآن، برغم كفره فيقول: و قد اعتبره من كلام محمد: ( و الله إن لقوله لحلاوة، و إن عليه لطلاوة، و إن أعلاه لمثمر، و إن أسفله لمغدق و إنه ليعلو و لا يعلى عليه ). و لما طلبوا منه أن يسبه قال: ( قولوا ساحر جاء بقول يفرق به بين المرء و أبيه، و بين المرء و أخيه، و بين المرء و زوجته، و بين المرء و عشيرته ). إنه السحر حتى على لسان العدو الذي يبحث عن كلمة يسبه بها. و إذا كانت العبارة القرآنية لا تقع على آذاننا اليوم موقع السحر و العجب و الذهول، فالسبب هو التعود و الألفة و المعايشة منذ الطفولة و البلادة و الإغراق في عامية مبتذلة أبعدتنا عن أصول لغتنا.. ثم أسلوب الأداء الرتيب الممل الذي نسمعه من مرتلين محترفين يكرون السورة من أولها إلى آخرها بنبرة واحدة لا يختلف فيها موقف الحزن من موقف الفرح من موقف الوعيد من موقف البشرى من موقف العبرة. نبرة واحدة رتيبة تموت فيها المعاني و تتسطح العبارات.. و بالمثل بعض المشايخ ممن يقرأ القرآن على سبيل ( اللعلعة ) دون أن ينبض شيء في قلبه.. ثم المناسبات الكثيرة التي يُقرأ القرآن فيها روتينيا.. ثم الحياة العصرية التي تعددت فيها المشاغل و توزع الانتباه و تحجر القلب و تعقدت النفوس و صدأت الأرواح. و برغم هذا كله فإن لحظة صفاء ينزع الواحد فيها نفسه من هذه البيئة اللزجة و يرتد فيها طفلا بكرا و ترتد له نفسه على شفافيتها، كفيلة بأن تعيد إليه ذلك الطعم الفريد و النكهة المذهلة و الإيقاع المطرب الجميل في القرآن.. و كفيلة بأن توقفه مذهولا من جديد بعد قرابة ألف و أربعمائة سنة من نزول هذه الآيات و كأنها تنزل عليه لساعتها و توها. اسمع القرآن يصف العلاقة الجنسية بين رجل و امرأة بأسلوب رفيع و بكلمة رقيقة مهذبة فريدة لا تجد لها مثيلا و لا بديلا في أي لغة: (( فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا.. (189) )) [ الأعراف ] هذه الكلمة (( تغشاها )).. تغشاها رجلها. أن يمتزج الذكر و الأنثى كما يمتزج ظلان و كما يغشى الليل النهار و كما تذوب الألوان بعضها في بعض، هذا اللفظ العجيب الذي يعبر به القرآن عن التداخل الكامل بين اثنين هو ذروة في التعبير. و ألفاظ أخرى تقرؤها في القرآن فتترك في السمع رنيناً و أصداءً و صوراً حينما يقسم الله بالليل و النهار فيقول: (( وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) )) [ التكوير ] (( عسعس )).. هذه الحروف الأربعة هي الليل مصورا بكل ما فيه. (( و الصبح إذا تنفس )) إن ضوء الفجر هنا مرئي و مسموع.. إنك تكاد تسمع زقزقة العصفور و صيحة الديك. فإذا كانت الآيات نذير الغضب و إعلان العقاب، فإنك تسمع الألفاظ تتفجر.. و ترى المعمار القرآني كله له جلجلة. اسمع ما يقول الله عن قوم عاد: (( وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) )) [ الحاقة ] إن الآيات كلها تصر فيها الرياح و تسمع فيها اصطفاق الخيام و أعجاز النخل الخاوي و صورة الأرض الخراب. و الصور القرآنية كلها تجدها مرسومة بهذه اللمسات السريعة و الظلال المحكمة و الألفاظ التي لها جرس و صوت و صورة. و لهذه الأسباب مجتمعة كان القرآن كتاباً لا يترجم. إنه قرآن في لغته. أما في اللغات الأخرى فهو شيء آخر غير القرآن: (( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا.. (2) )) [ يوسف ] و في هذا تحديد فاصل. و كيف يمكن أن تترجم آية مثل: (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) )) [ طه ] إننا لسنا أمام معنى فقط. و إنما نحن بالدرجة الأولى أمام معمار.. أمام تكوين و بناء تنبع فيه الموسيقى من داخل الكلمات، من قلبها لا من حواشيها، من خصائص اللغة العربية و أسرارها و ظلالها و خوافيها. و لهذا انفردت الآية القرآنية بخاصية عجيبة.. إنها تحدث الخشوع في النفس بمجرد أن تلامس الأذن و قبل أن يتأمل العقل معانيها.. لأنها تركيب موسيقي يؤثر في الوجدان و القلب لتوه و من قبل أن يبدأ العقل في العمل. فإذا بدأ العقل يحلل و يتأمل فإنه سوف يكتشف أشياء جديدة، و سوف يزداد خشوعاً.. و لكنها مرحلة ثانية.. قد تحدث و قد لا تحدث.. و قد تكشف لك الآية عن سرها و قد لا تكشفه.. و قد تؤتى البصيرة التي تفسر بها معاني القرآن و قد لا تؤتى هذه البصيرة.. و لكنك دائما خاشع لأن القرآن يخاطبك أولاً كمعمار فريد من الكلام بنيان.. ( فورم ).. طراز من الرصف يبهر القلب.. ألقاه عليك الذي خلق اللغة و يعرف سرها، و ليس أبداً محمد النبي الأمي الذي كان يرتجف كما ترتجف أنت و الوحي يلقي عليه بالآية: (( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) )) [ العلق ] فيرتجف و يتصبب عرقا و لا يعرف من أي سماوات يلم به هذا الصوت الآمر.. و هو يلوذ بزوجته خديجة و هو لا يزال يرتجف فرقا لما سمع و قد بات يخشى على نفسه الجنون فتطمئنه خديجة بصوتها الحاني هامسة: (( و الله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، و تحمل الكَل. و تكسب المعدوم.. و تقري الضيف، و تعين على نوائب الحق )). و ينقطع عنه الوحي سنتين بعد هذه الكلمات القليلة الأولى، و يتركه في حيرة.. يذرع دروب الصحراء الملتهبة يكاد يجن من أمر هذا الصوت الذي نزل عليه ثم انقطع عنه. و لو كان محمد مؤلفاً لألّف في هاتين السنتين كتاباً كاملاً. و لكنه لم يكن أكثر من مستمع أمين سمع كما تسمع أنت تلك الكلمات ذات الموسيقى العلوية في لحظة صفاء و جلاء فذهل كما تذهل و صُعقت حواسه أمام هذا التركيب الفريد المضيء. و بعد سنتين من الصمت عاد الصوت ليهتف في أذنه: (( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) )) [ المدثر ] ثم بدأت آيات القرآن تنزل متوالية. و لم يكن محمد من أدعياء المعجزات. و يوم دفن ولده الوحيد إبراهيم حدث كسوف كلي للشمس فسره الناس على أنه معجزة و مشاركة من الطبيعة لحزن محمد فقال محمد كلمته المشهورة: (( إن الشمس و القمر آياتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد و لا لحياته )). و لو كان في طبعه الإدعاء لالتمس فيما حدث سبباً للدعاية لنفسه، و لكنه كان الصادق الأمين من أول يوم في حياته إلى آخر يوم. و الوحي يلقي إلى محمد بما لا يعلم محمد. (( ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) )) [ آل عمران ] (( تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49) )) [ هود ] و هو يلقي إليه بأسرار في التوراة و الإنجيل.. و لم تكن هذه الكتب قد ترجمت إلى العربية في ذلك العصر البعيد – و أول نص مسيحي ترجم إلى العربية هو مخطوط بمكتبة ( القديس بطرسبرج ) كتب حوالي عام 1060 ميلادية – كانت هذه الكتب أسرارا عبرية لا يعرفها إلا أصحابها. و هو يتحدى اليهود بأن يخرجوا مخطوطاتهم و يقرأوها: (( قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (93) )) [ آل عمران ] ثم هو يصحح بعض تفاصيل التوراة. ففي رواية التوراة لقصة يوسف يقول النص إن إخوة يوسف استخدموا في سفرهم (( الحمير )) و القرآن يروي أنهم استخدموا (( العير )) و هي الإبل. و الحمار حيوان حضري عاجز عن أن يجتاز مسافات صحراوية شاسعة لكي يجيء من فلسطين إلى مصر.. و حكاية العير هي حكاية أدق و أصدق: ألم يلعن أرميا: (( أقلام النساخ الكاذبة )). إن الوحي يلقي على محمد ما لا يعلمه محمد لا هو و لا أصحابه و لا قومه و لا نساخ التوراة و حفاظها.. ثم هو يلقي عليه من فواتح السور ما هو أشبه بالشفرة و الألغاز مثل: ( كهيعص ).. ( طسم ).. ( حم ).. ( عسق ) مما لم يقل لنا النبي إنه يعلم له تفسيراً. و لو أن محمداً هو الذي وضع القرآن لبث فيه أشجانه و حالاته النفسية و أزماته و أحزانه.. و القرآن غير هذا تماما فهو يبدو من البدء إلى النهاية معزولا عن النفس المحمدية بما فيها من مشاغل و هموم.. بل إن الآية لتنزل مناقضة للإرادة المحمدية: (( وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ.. (114) )) [ طه ] كل هذا يضع أمامنا القرآن كظاهرة متعالية معزولة عن النفس التي أخبرتنا بها.. فهي لا أكثر من واسطة سمعت فأخبرت. أما القرآن ذاته فهو – لفظاً و معنى – من الله الذي أحاط بكل شيء علما. ~ مقال : المعمار القرآني كتاب : القرآن محاولة لفهم عصري للــدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ و كان أول لقاء لي مع القرآن و أنا في الرابعة من العمر طفلا أجلس في صف بين عدة صفوف في كتاب الشيخ ( محمود ) أحملق في بلاهة إلى سبورة و إلى مؤشر يتحرك في يد الشيخ على كلمات منقوشة بالطباشير و هو يتلو. (( و الضحى و الليل إذا سجى )). فنردد خلفه في آلية. (( و الضحى و الليل إذا سجى )). لا نفهم من الكلام حرفاً. و لا نعلم ما الضحى و لا كيف سجى. و لكننا نردد مجرد مقاطع و مخارج حروف.
و كان عقلي آنذاك صفحة بيضاء نقية لم يُكتَب عليها شيء، و لم تتلق تأثيراً تربوباً خاصاً ، فقد نشأت في أسرة كل فرد فيها متروك لحاله. يحب ما يحب ، و يكره ما يكره ، و يلعب حتى يشبع لعباً ، و أذكر أني رسبت في السنة الأولى ثلاث سنوات دون أن أتلقى تعنيفاً. و كان الصفر بالقلم الأحمر يزين كل صفحة من كراساتي مرة بعد مرة فلا يثير إلا الضحك. و كانوا إذا سألوني ماذا أخذت اليوم، كنت أقول اختصاراً للمهزلة و حتى لا أعود إلى شرح حكاية الصفر اليومي التي أصبحت بالنسبة لي مملة. كنت أقول. زي العادة. و كانوا يضحكون.
هكذا كانت تجري الأمور في بيتنا، لا إرغام على مذاكرة و لا قهر على تدين. و إنما لكلٍ حياته. و على كلٍ تبعته.
لم نعرف غسيل المخ الذي عرفه كثير من الأطفال في أسر متزمتة تحشر العلم و الدين حشراً في عقول أطفالها بالكرباج و العصا.
كنت إذن أتلقى أول عبارة من القرآن بذهن أبيض تماماً و دون تأثير مسبق مثلما أتلقى دروس الحساب و الجغرافيا و الإنشاء.
و كما بهرتني حكاية الكرة الأرضية المدورة و القارات كالجزر سابحة فيها، و كما بهرتني حكاية القمر يدور حول الأرض، و الأرض حول الشمس. و الكل معلق في السماء، كذلك فعل بي القرآن شيئاً.
و أحار في وصف الشعور الذي تلقيت به أول عبارة من القرآن.
و لا أجد الكلمات لتشرح هذا النوع من الاستقبال النفسي الغامض. و كيف كانت الكلمات تعود من تلقاء نفسها فتراود سمعي و ذاكرتي و أنا وحدي فأراني أردد بلا صوت. (( و الضحى و الليل إذا سجى )).
و تقتحم علي العبارة القرآنية سكون طفولتي فأتذكر في ظلام الليل إلقاء الشيخ و هو يردد: (( و جاء من أقصى المدينة رجلٌ يسعى )).
تسعى العبارة إلى خيالي و كأنها مخلوق حي مستقل له حياته الخاصة.
و قطعاً أنا لم أكن أعلم ما الضحى و لا كيف سجى الليل. و لا من هو الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى.
و لعل المقاطع كانت تتردد في سمعي أشبه بمقاطع سلم موسيقي. ( صول لا سي دو ري مي فا ). مجرد حروف لا معنى لها و لا وقع سوى مدلولها الموسيقي. مجرد نغم و مازورات موسيقية و إيقاع يطرب الوجدان.
نعم. لقد اكتشفت منذ تلك الطفولة البعيدة دون أن أدري حكاية الموسيقى الداخلية الباطنة في العبارة القرآنية.
و هذا سر من أعمق الأسرار في التركيب القرآني. إنه ليس بالشعر و لا بالنثر و لا بالكلام المسجوع. و إنما هو معمار خاص من الألفاظ صُفَّت بطريقة تكشف عن الموسيقى الباطنة فيها.
و فرق كبير بين الموسيقى الباطنة و الموسيقى الظاهرة.
و كمثل نأخذ بيتا لشاعر مثل ( عمر بن أبي ربيعة ) اشتهر بالموسيقى في شعره. البيت الذي ينشد فيه:
قال لي صاحبي ليعلم ما بي أتحب القتول أخت الرباب
أنت تسمع و تطرب و تهتز على الموسيقى. و لكن الموسيقى هنا خارجية صنعها الشاعر بتشطير الكلام في أشطار متساوية ثم تقفيل كل عبارة تقفيلا واحدا على الباء الممدودة.
الموسيقى تصل إلى أذنك من خارج العبارة و ليس من داخلها. من التقفيلات ( القافية ). و من البحر و الوزن. أما حينما تتلو:
كلمات في غاية الرقة مثل (( يبساً )) أو لا تخاف (( دركاً )) بمعنى لا تخاف إدراكاً.
إن الكلمات تذوب في يد خالقها و تصطف و تتراص في معمار و رصف موسيقي فريد هو نسيج وحده بين كل ما كتب بالعربية سابقاً و لاحقاً.
لا شبه بينه و بين الشعر الجاهلي، و لا بينه و بين الشعر و النثر المتأخر، و لا محاولة واحدة للتقليد حفظها لنا التاريخ برغم كثرة الأعداء الذين أرادوا الكيد للقرآن.
في كل هذا الزحام تبرز العبارة القرآنية منفردة بخصائصها تماما. و كأنها ظاهرة بلا تبرير و لا تفسير سوى أن لها مصدرا آخر غير ما نعرف.
و لكن الموسيقى الباطنية ليست هي كل ما انفردت به العبارة القرآنية، و إنما مع الموسيقى صفة أخرى هي الجلال.
و في العبارة البسيطة المقتضبة التي روى بها الله نهاية قصة الطوفان تستطيع أن تلمس ذلك الشيء (( الهائل )) (( الجليل )) في الألفاظ: ((وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) )) [ هود ]
تلك اللمسات الهائلة. كل لفظ له ثقل الجبال و وقع الرعود. تنزل فإذا كل شيء، صمت. سكون، هدوء، و قد كفت الطبيعة عن الغضب و وصلت القصة إلى ختامها:
إنك لتشعر بشيء غير بشري تماما في هذه الألفاظ الهائلة الجليلة المنحوتة من صخر صوان و كأن كل حرف فيها جبل الألب.
لا يمكنك أن تغير حرفا، أو تستبدل كلمة بأخرى، أو تؤلف جملة مكان جملة، تعطي نفس الإيقاع و النغم و الحركة و الثقل و الدلالة. و حاول و جرب لنفسك في هذه العبارة البسيطة ذات الكلمات العشر أن تغير حرفا أو تستبدل كلمة بكلمة.
و لهذا وقعت العبارة القرآنية على آذان عرب الجاهلية الذين عشقوا الفصاحة و البلاغة وقع الصاعقة.
و لم يكن مستغربا من جاهلي مثل الوليد بن المغيرة عاش و مات على كفره أن يذهل، و ألا يستطيع أن يكتم إعجابه بالقرآن، برغم كفره فيقول: و قد اعتبره من كلام محمد:
( و الله إن لقوله لحلاوة، و إن عليه لطلاوة، و إن أعلاه لمثمر، و إن أسفله لمغدق و إنه ليعلو و لا يعلى عليه ).
و لما طلبوا منه أن يسبه قال:
( قولوا ساحر جاء بقول يفرق به بين المرء و أبيه، و بين المرء و أخيه، و بين المرء و زوجته، و بين المرء و عشيرته ).
إنه السحر حتى على لسان العدو الذي يبحث عن كلمة يسبه بها.
و إذا كانت العبارة القرآنية لا تقع على آذاننا اليوم موقع السحر و العجب و الذهول، فالسبب هو التعود و الألفة و المعايشة منذ الطفولة و البلادة و الإغراق في عامية مبتذلة أبعدتنا عن أصول لغتنا. ثم أسلوب الأداء الرتيب الممل الذي نسمعه من مرتلين محترفين يكرون السورة من أولها إلى آخرها بنبرة واحدة لا يختلف فيها موقف الحزن من موقف الفرح من موقف الوعيد من موقف البشرى من موقف العبرة. نبرة واحدة رتيبة تموت فيها المعاني و تتسطح العبارات. و بالمثل بعض المشايخ ممن يقرأ القرآن على سبيل ( اللعلعة ) دون أن ينبض شيء في قلبه. ثم المناسبات الكثيرة التي يُقرأ القرآن فيها روتينيا. ثم الحياة العصرية التي تعددت فيها المشاغل و توزع الانتباه و تحجر القلب و تعقدت النفوس و صدأت الأرواح.
و برغم هذا كله فإن لحظة صفاء ينزع الواحد فيها نفسه من هذه البيئة اللزجة و يرتد فيها طفلا بكرا و ترتد له نفسه على شفافيتها، كفيلة بأن تعيد إليه ذلك الطعم الفريد و النكهة المذهلة و الإيقاع المطرب الجميل في القرآن. و كفيلة بأن توقفه مذهولا من جديد بعد قرابة ألف و أربعمائة سنة من نزول هذه الآيات و كأنها تنزل عليه لساعتها و توها.
اسمع القرآن يصف العلاقة الجنسية بين رجل و امرأة بأسلوب رفيع و بكلمة رقيقة مهذبة فريدة لا تجد لها مثيلا و لا بديلا في أي لغة:
أن يمتزج الذكر و الأنثى كما يمتزج ظلان و كما يغشى الليل النهار و كما تذوب الألوان بعضها في بعض، هذا اللفظ العجيب الذي يعبر به القرآن عن التداخل الكامل بين اثنين هو ذروة في التعبير.
و ألفاظ أخرى تقرؤها في القرآن فتترك في السمع رنيناً و أصداءً و صوراً حينما يقسم الله بالليل و النهار فيقول:
(( عسعس )). هذه الحروف الأربعة هي الليل مصورا بكل ما فيه.
(( و الصبح إذا تنفس )) إن ضوء الفجر هنا مرئي و مسموع. إنك تكاد تسمع زقزقة العصفور و صيحة الديك.
فإذا كانت الآيات نذير الغضب و إعلان العقاب، فإنك تسمع الألفاظ تتفجر. و ترى المعمار القرآني كله له جلجلة. اسمع ما يقول الله عن قوم عاد: (( وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) )) [ الحاقة ]
إن الآيات كلها تصر فيها الرياح و تسمع فيها اصطفاق الخيام و أعجاز النخل الخاوي و صورة الأرض الخراب.
و الصور القرآنية كلها تجدها مرسومة بهذه اللمسات السريعة و الظلال المحكمة و الألفاظ التي لها جرس و صوت و صورة.
و لهذه الأسباب مجتمعة كان القرآن كتاباً لا يترجم.
إنه قرآن في لغته. أما في اللغات الأخرى فهو شيء آخر غير القرآن: (( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا. (2) )) [ يوسف ] و في هذا تحديد فاصل.
إننا لسنا أمام معنى فقط. و إنما نحن بالدرجة الأولى أمام معمار. أمام تكوين و بناء تنبع فيه الموسيقى من داخل الكلمات، من قلبها لا من حواشيها، من خصائص اللغة العربية و أسرارها و ظلالها و خوافيها.
و لهذا انفردت الآية القرآنية بخاصية عجيبة. إنها تحدث الخشوع في النفس بمجرد أن تلامس الأذن و قبل أن يتأمل العقل معانيها. لأنها تركيب موسيقي يؤثر في الوجدان و القلب لتوه و من قبل أن يبدأ العقل في العمل.
فإذا بدأ العقل يحلل و يتأمل فإنه سوف يكتشف أشياء جديدة، و سوف يزداد خشوعاً. و لكنها مرحلة ثانية. قد تحدث و قد لا تحدث. و قد تكشف لك الآية عن سرها و قد لا تكشفه. و قد تؤتى البصيرة التي تفسر بها معاني القرآن و قد لا تؤتى هذه البصيرة. و لكنك دائما خاشع لأن القرآن يخاطبك أولاً كمعمار فريد من الكلام بنيان. ( فورم ). طراز من الرصف يبهر القلب. ألقاه عليك الذي خلق اللغة و يعرف سرها، و ليس أبداً محمد النبي الأمي الذي كان يرتجف كما ترتجف أنت و الوحي يلقي عليه بالآية: (( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) )) [ العلق ] فيرتجف و يتصبب عرقا و لا يعرف من أي سماوات يلم به هذا الصوت الآمر. و هو يلوذ بزوجته خديجة و هو لا يزال يرتجف فرقا لما سمع و قد بات يخشى على نفسه الجنون فتطمئنه خديجة بصوتها الحاني هامسة:
(( و الله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، و تحمل الكَل. و تكسب المعدوم. و تقري الضيف، و تعين على نوائب الحق )).
و ينقطع عنه الوحي سنتين بعد هذه الكلمات القليلة الأولى، و يتركه في حيرة. يذرع دروب الصحراء الملتهبة يكاد يجن من أمر هذا الصوت الذي نزل عليه ثم انقطع عنه.
و لو كان محمد مؤلفاً لألّف في هاتين السنتين كتاباً كاملاً.
و لكنه لم يكن أكثر من مستمع أمين سمع كما تسمع أنت تلك الكلمات ذات الموسيقى العلوية في لحظة صفاء و جلاء فذهل كما تذهل و صُعقت حواسه أمام هذا التركيب الفريد المضيء.
و هو يلقي إليه بأسرار في التوراة و الإنجيل. و لم تكن هذه الكتب قد ترجمت إلى العربية في ذلك العصر البعيد – و أول نص مسيحي ترجم إلى العربية هو مخطوط بمكتبة ( القديس بطرسبرج ) كتب حوالي عام 1060 ميلادية – كانت هذه الكتب أسرارا عبرية لا يعرفها إلا أصحابها.
ففي رواية التوراة لقصة يوسف يقول النص إن إخوة يوسف استخدموا في سفرهم (( الحمير )) و القرآن يروي أنهم استخدموا (( العير )) و هي الإبل.
و الحمار حيوان حضري عاجز عن أن يجتاز مسافات صحراوية شاسعة لكي يجيء من فلسطين إلى مصر. و حكاية العير هي حكاية أدق و أصدق:
ألم يلعن أرميا: (( أقلام النساخ الكاذبة )).
إن الوحي يلقي على محمد ما لا يعلمه محمد لا هو و لا أصحابه و لا قومه و لا نساخ التوراة و حفاظها. ثم هو يلقي عليه من فواتح السور ما هو أشبه بالشفرة و الألغاز مثل: ( كهيعص ). ( طسم ). ( حم ). ( عسق ) مما لم يقل لنا النبي إنه يعلم له تفسيراً.
و لو أن محمداً هو الذي وضع القرآن لبث فيه أشجانه و حالاته النفسية و أزماته و أحزانه. و القرآن غير هذا تماما فهو يبدو من البدء إلى النهاية معزولا عن النفس المحمدية بما فيها من مشاغل و هموم. بل إن الآية لتنزل مناقضة للإرادة المحمدية: